المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شعر أبي طالب في معاداة خصومه - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ١

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمات

- ‌تقديم

- ‌بين يدي الكتاب:

- ‌ترجمة الإمام الذهبي

- ‌السيرة النبوية قبل الهجرة:

- ‌ذِكْرُ نَسَبِ سَيِّدِ الْبَشَرِ:

- ‌مَوْلِدُهُ الْمُبَارَكُ صلى الله عليه وسلم:

- ‌أَسْمَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكُنْيَتُهُ:

- ‌ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ سَطِيحٍ وَخُمُودِ النِّيرَانِ لَيْلَةَ الْمَوْلِدِ وَانْشِقَاقِ الْإِيوَانِ:

- ‌ذكر وفاة والده صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عبد المطلب

- ‌حَرْبُ الْفِجَارِ:

- ‌شَأْنُ خَدِيجَةَ:

- ‌حَدِيثُ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ فِي وَضْعِ الحجر الأسود:

- ‌وَمِمَّا عَصَمَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ:

- ‌ذِكْرُ مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم:

- ‌فَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ خَدِيجَةُ "رضي الله عنها:

- ‌وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم:

- ‌إِسْلامُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ:

- ‌فَصْلٌ فِي دَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشِيرَتَهُ إِلَى اللَّهِ وَمَا لَقِيَ مِنْ قومه

- ‌شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي مُعَادَاةِ خُصُومِهِ

- ‌إِسْلَامُ حَمْزَةَ:

- ‌إِسْلَامُ عُمَرَ-رضي الله عنه

- ‌الْهِجْرَةُ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ الثَّانِيَةُ

- ‌إِسْلَامُ ضِمَادٍ

- ‌إِسْلَامُ الْجِنِّ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ مِنْ هَوَاتِفِ الْجَانِّ وَأَقْوَالِ الكهّان:

- ‌بَابُ: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ

- ‌ذكر أذية المشتركين للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين

- ‌ذِكْرُ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ وَالصَّحِيفَةِ:

- ‌بَابُ: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}

- ‌دُعَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قُرَيْشٍ بِالسَّنَةِ

- ‌ذِكْرُ الرُّومِ:

- ‌ثُمَّ تُوُفِّيَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَزَوْجَتُهُ خَدِيجَةُ:

- ‌ذِكْرُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى:

- ‌ذِكْرُ مِعْرَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى السماء

- ‌زَوَاجُهُ صلى الله عليه وسلم بِعَائِشَةَ وَسَوْدَةَ أمي المؤمنين:

- ‌عَرْضُ نَفْسِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقَبَائِلِ:

- ‌حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِت:

- ‌حَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثٍ:

- ‌الْعَقَبَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌تسمية من شهداء العقبة

- ‌ذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ:

- ‌سِيَاقُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا

- ‌فَصْلٌ فِي مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم سِوَى مَا مَضَى فِي غُضُونِ الْمَغَازِي

- ‌فَصْلٌ فِي تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي يَدِهِ صلى الله عليه وسلم:

- ‌بَابٌ: مِنْ أَخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم بالكوائن بعده فوقعت كما أخبر

- ‌بَابٌ: جَامِعٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ

- ‌بَابُ: آخِرِ سُورَةٍ نُزِّلَتْ

- ‌باب: في النسخ والمحور من الصدور

- ‌ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌خاتم النّبوّة:

- ‌بَابٌ: جَامِعٌ مِنْ صِفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

- ‌بَابُ: قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}

- ‌بَابُ: هَيْبَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَالِهِ وحبّه وشجاعته وقوّته وفصاحته

- ‌بَابُ: زُهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِذَلِكَ يُوزن الزُّهْدُ وَبِهِ يُحدّ

- ‌فَصْلٌ مِنْ شَمَائِلِهِ وَأَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم:

- ‌بَابٌ: مِنَ اجْتِهَادِهِ وَعِبَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌باب: في ملابسه صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ: خَوَاتِيمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ: نَعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وخفه

- ‌بَابُ: مُشْطِهِ وَمِكْحَلَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِرْآتِهِ وَقَدَحِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

- ‌بَابُ: سِلَاحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَوَابِّهِ وَعُدَّتِهِ

- ‌وَقَدْ سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في شواء

- ‌بَابُ: مَا وُجِدَ مِنْ صُورَةِ نَبِيِّنَا وَصُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالشَّامِ

- ‌بَابٌ: فِي خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم وَتَحْدِيثِهِ أُمَّتَهُ بِهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تعالى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}

- ‌بَابُ: مَرَضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ: وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌محتوى الجزء الأول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من تاريخ الإسلام:

الفصل: ‌شعر أبي طالب في معاداة خصومه

قُلْنَا، نَعَمْ، ثُمَّ قَالُوا: فِينَا اللِّوَاءُ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَقَالُوا: فِينَا السِّقَايَةُ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، ثُمَّ أَطْعَمُوا وَأَطْعَمْنَا حَتَّى إِذَا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ قَالُوا: منّا نبيّ، واله لا أفعل1.

1 إسناده محتمل للتحسين: أخرجه البيهقي في "الدلائل""2/ 207" وفي إسناده أحمد بن عبد الجبار، قال في "التقريب" "64": ضعيف وسماعه للسيرة صحيح: وفي "التهذيب""1/ 32، 33" ما يفهم منه أن سبب ضعفعه أنه روى عن القدماء ولم يثبت لقاءه لبعضهم، فإذا صح سماعه للسيرة فالإسناد حسن أو صحيح، والله أعلم.

ص: 97

"‌

‌شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي مُعَادَاةِ خُصُومِهِ

":

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا وَثَّبَتْ كُلَّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ يُعَذِّبُونَهُمْ وَيَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَمَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَامَ أَبُو طَالِبٍ فَدَعَا بَنِي هَاشِمَ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقِيَامِ دُونَهُ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَقَامُوا مَعَهُ، إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْخَاسِرِ أَبِي لَهَبٍ، فَجَعَلَ أَبُو طَالِبٍ يَمْدَحُهُمْ ويذكر قديمهم، ويذكر فضل محمد صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ أَشْعَارًا، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا خَشِيَ دَهْمَاءَ الْعَرَبِ أَنْ يُرْكِبُوهُ مَعَ قَوْمِهِ، لَمَّا انْتَشَرَ ذِكْرُهُ قَالَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي مِنْهَا:

وَلَمَّا رَأَيْتُ الْقَوْمَ لَا وُدَّ فِيهِمُ

وَقَدْ قَطَّعُوا كُلَّ الْعُرَى وَالْوَسَائِلِ

وَقَدْ صَارَحُونَا بِالْعَدَاوَةِ وَالْأَذَى

وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ الْعَدُوِّ الْمُزَايِلِ

صَبَرْتُ لَهُمْ نَفْسِي بِسَمْرَاءَ سَمْحَةٍ

وَأَبْيَضَ عَضْبٍ مِنْ تُرَاثِ الْمَقَاوِلِ2

وَأَحْضَرْتُ عِنْدَ الْبَيْتِ رَهْطِي وَإِخْوَتِي

وَأَمْسَكْتُ مِنْ أَثْوَابِهِ بِالْوَصَائِلِ

أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ كُلِّ طَاعِنٍ

عَلَيْنَا بِسُوءٍ أَوْ مُلِحٍّ بِبَاطِلِ

وَفِيهَا يَقُولُ:

كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نُبْزَى مُحَمَّدًا

وَلَمَّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ

ونسلمه حتى مصرّع حَوْلَهُ

وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ

وَيَنْهَضَ قَوْمٌ نحوكم غير عزل

يبيض حَدِيثٍ عَهْدُهَا بِالصَّيَاقِلِ

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ

ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ3

يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ

فَهُمْ عِنْدَهُ فِي رَحْمَةٍ وَفَوَاضِلِ

لَعَمْرِي لَقَدْ كُلِّفْتُ وَجْدًا بِأَحْمَدَ

وَإِخْوَتِهِ دأب المحبّ المواصل

1 إسناده محتمل للتحسين: أخرجه البيهقي في "الدلائل""2/ 207" وفي إسناده أحمد بن عبد الجبار، قال في "التقريب" "64": ضعيف وسماعه للسيرة صحيح: وفي "التهذيب""1/ 32، 33" ما يفهم منه أن سبب ضعفعه أنه روى عن القدماء ولم يثبت لقاءه لبعضهم، فإذا صح سماعه للسيرة فالإسناد حسن أو صحيح، والله أعلم.

2 عضب: سيف قاطع، والمقاول: الملوك.

3 ثمال اليتامى: مطعمهم.

ص: 97

فَمَنْ مِثْلُهُ فِي النَّاسِ أَيُّ مُؤَمَّلٍ

إِذَا قَاسَهُ الْحُكَّامُ عِنْدَ التَّفَاضُلِ

حَلِيمٌ رَشِيدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِشٍ

يُوَالِي إِلَهًا لَيْسَ عَنْهُ بِغَافِلِ

فَوَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ أَجِيءَ بِسُبَّةٍ

تُجَرُّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي الْمَحَافِلِ

لَكُنَّا اتَّبَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ

مِنَ الدَّهْرِ جِدًّا غَيْرَ قَوْلِ التَّهَازُلِ

لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لا مُكَذَّبٌ

لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِ الْأَبَاطِلِ

فَأَصْبَحَ فِينَا أَحْمَدُ ذو أَرُومَةٍ

يُقَصِّرُ عَنْهَا سَوْرَةُ الْمُتَطَاوِلِ1

حَدِبْتُ بِنَفْسِي دُونَهُ وَفَدَيْتُهُ

وَدَافَعْتُ عَنْهُ بِالذُّرَى وَالْكَلَاكِلِ2

جَزَى اللَّهُ عَنَّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلا

عُقُوبَةَ شَرٍّ عَاجِلا غَيْرَ آجِلِ

فَلَمَّا انْتَشَرَ ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْعَرَبِ ذُكِرَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ أَعْلَمَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ ذُكِرَ، وَقَبْلَ أَنْ يُذْكَرَ مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَذَلِكَ لِمَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ الأحبار، وكانوا حلفاء، يعني اليهود في بالدهم، وَكَانَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الأَسْلَتِ يُحِبُّ قُرَيْشًا، وَكَانَ لَهُمْ صِهْرًا، وَعِنْدَهُ أَرْنَبُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَكَانَ يُقِيمُ بِمَكَّةَ السِّنِينَ بِزَوْجَتِهِ، فَقَالَ:

أَيَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَا

مُغَلْغَلَةً عَنِّي لُؤَيَّ بْنَ غَالِبٍ3

رَسُولُ امْرِئٍ قد راعه ذات بينكم

على الناي مخزون بِذَلِكَ نَاصِبِ

أُعِيذُكُمْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ صُنْعِكُمْ

وَشَرِّ تَبَاغِيكُمْ وَدَسِّ الْعَقَارِبِ4

مَتَى تَبْعَثُوهَا، تَبْعَثُوهَا ذَمِيمَةً

هِيَ الْغُولُ لِلْأَقْصَيْنِ أَوْ لِلْأَقَارِبِ5

أَقِيمُوا لَنَا دِينًا حَنِيفًا، فَأَنْتُمُ

لَنَا غَايَةٌ قَدْ نَهْتَدِي بِالذَّوَائِبِ6

فَقُومُوا، فَصَلُّوا رَبَّكُمْ، وَتَمَسَّحُوا

بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الأَخَاشِبِ

فِعْنَدَكُمْ مِنْهُ بَلاءُ وَمُصَدَّقٌ

غَدَاةَ أَبِي يَكْسُومَ هَادِي الْكَتَائِبِ

فَلَمَّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدَّهُمْ

جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ7

فَوَلَّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ وَلَمْ يؤب

إلى أهله ملجيش غير عصائب

1 الأرومة: الأصل من كل شيء.

2 الذرا: الخلق. والكلاكل: مفرد الكلكل، وهو الصدر.

3 مغلغلة: رسالة.

4 بتاغيكم: ظلمكم.

5 الغول: الهلاك.

6 الذوائب: الأعالي.

7 السافي: الذي أصابته الغبار. والحاصب: الريح المحملة بالتراب والحصى.

ص: 98

أَبُو يَكْسُومَ مَلِكُ أَصْحَابِ الْفِيلِ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا أَكْثَرُ مَا رَأَيْتَ، أَصَابَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟ قَالَ: حَضَرْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ، قَدْ سَفَّهَ أَحْلامَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا مَرَّ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ الْقَوْلِ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَلَمَّا مَرَّ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ، فَلَمَّا مَرَّ الثَّالِثَةَ غَمَزُوهُ، فَوَقَفَ فَقَالَ:"أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ"، قَالَ: فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتَّى مَا فِيهِمْ رَجُلٌ إِلا كَأَنَّ عَلَى رَأْسِهِ طَائِرًا وَاقِعٌ، حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَطْأَةً لَيُرَفِّؤُهُ بِأَحْسَنَ مَا يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ، حَتَّى إِنَّهُ يَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ جَهُولا، فَانْصَرَفَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ، وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبيناهم فِي ذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ دُونَهُمْ يَبْكِي وَيَقُولُ:{أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} 1 ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ2، فَحَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أبي بَكْرٍ، أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَقَدْ رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ صَدَعُوا فِرْقَ رَأْسِهِ مِمَّا جَذَبُوهُ بِلِحْيَتِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ3.

إِسْلَامُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه:

قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: نا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ، وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا

1 سورة غافر: 28.

2 إسناده محتمل للتحسين: أخرجه البيهقي في "الدلائل""2/ 275-276" وفي إسناده أحمد بن عبد الجبار فيه مقال كما تقدم.

3 إسناده ضعيف: للجهالة فيه، والظاهر أن قال: فحدثني. هو ابن إسحاق، والله أعلم.

ص: 99

وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا ذِي مَالٍ وَهَيْئَةٍ فَأَكْرَمَنَا، فَحَسَدَنَا قومه، فقالوا: إنّك إذا خرجت عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ، فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا1 عَلَيْنَا مَا قِيلَ لَهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ، فَقَدْ كَدَّرْتَهُ وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ، فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا2 فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا، وَتَغَطَّى خَالُنَا ثَوْبَهُ، فَجَعَلَ يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا فَنَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الْكَاهِنَ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا فَأَتَانَا بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا.

قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يا بن أخي قبل أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين، فقلت: لمن؟ قال الله، قُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي اللَّهُ أُصَلِّي عِشَاءً، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَلْقَيْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ -يَعْنِي الثَّوْبَ- حَتَّى تَعْلُونِي الشَّمْسُ.

فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي حَتَّى آتِيَكَ، فَأَتَى مَكَّةَ فَرَاثَ، أَيْ أَبْطَأَ، عَلَيَّ، ثُمَّ أَتَانِي فَقُلْتُ مات حَبَسَكَ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ عَلَى دِينِكَ، قُلْتُ: مَا يَقُولُ النَّاسُ؟

قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّهُ شَاعِرٌ وَسَاحِرٌ، وَكَاهِنٌ، وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ.

فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ3، فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي أَنَّهُ شِعْرٌ، وَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.

قَالَ: قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ كَافِينِي حَتَّى أَنْطَلِقَ فَأَنْظُرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ، فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنِفُوا4 لَهُ وَتَجَهَّمُوا، فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصّابئ؟ قال: فأشار إلى الصّابئ، قال: فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ، كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا، وَغَسَلْتُ عَنِّي الدَّمَ، وَدَخَلْتُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، وَلَقَدْ لَبِثْتُ يَابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ مِنْ بين ليلة

1 ثنا: نشر.

2 صرمتنا: أي القطيع من الإبل.

3 أقراء الشعر: طرقه.

4 شنفوا: أبغضوا.

ص: 100

وَيَوْمٍ، وَمَا لِيَ طَعَامٌ إِلا مَاءُ زَمْزَمَ، فسمنت حتى تكسّرت عقف بَطْنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعِ1. فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانٍ، قَدْ ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى أَصْمِخَةِ أَهْلِ مَكَّةَ، فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرُ امْرَأَتَيْنِ، فَأَتَتَا عَلَيَّ، وَهُمَا تُدْعَوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةَ، فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا، فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الْأَخْرَى، قَالَ: فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا، وَفِي لَفْظٍ: فَمَا حدثناهما ذَلِكَ عَمَّا قَالَتَا، فَأَتَتَا عَلِيَّ فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَكْنِي. فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ، وَتَقُولَانِ: لَوْ كَانَ هَهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا. فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا هَابِطَانِ مِنَ الْجَبَلِ، فَقَالَا لَهُمَا: مَا لَكُمَا؟

قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا.

قَالَا: مَا قَالَ لَكُمَا؟ قَالَتَا: قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلأُ الْفَمَ.

فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبُهُ، فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ طَافَا، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ أَتَيْتُهُ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ.

فَقَالَ: "وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ". ثُمَّ قَالَ: "مِمَّنْ أَنْتَ؟ " قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَهَا عَلَى جَبِينِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ، فَأَهْوَيْتُ لِآخُذَ بِيَدِهِ، فَقَدَعَنِي2 صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَتَى كُنْتَ هَهُنَا؟ قُلْتُ: قُدْ كُنْتُ هَهُنَا مُنْذَ ثَلاثِينَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ.

قَالَ: فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَقَالَ: "إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ، وَشِفَاءُ سُقْمٍ".

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَ، فَانْطَلَقَا، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، حَتَّى فَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا. قَالَ فَغَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:

1 سخفة الجوع: رقة الجوع.

2 قدعني: كفني.

ص: 101

إِنِّي قَدْ وُجِّهْتُ إِلَى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ لَا أَحْسَبُهَا إِلَّا يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ؟ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ أَخِي أُنْيَسًا فَقَالَ لِي: مَا صَنَعْتَ؟

قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، ثُمَّ أَتَيْنَا أُمَّنَا فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا، فَأَسْلَمَتْ، ثُمَّ احْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ خِفَافُ بْنُ إِيماءَ بْنِ رَحْضَةَ الْغِفَارِيُّ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَقَالَ بَقِيَّتُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْلَمْنَا، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمَ بَقِيَّتُهُمْ. وجاءت أسلم، فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، فَأَسْلَمُوا فَقَالَ:"غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ" 1 أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ هُدْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُمْ بِإِسْلامِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: أَرْسَلْتُ أَخِي فَرَجَعَ وَقَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ، فَلَمْ يَشْفِنِي، فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لَا أَعْرِفُهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ زَمْزَمَ، فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمْ أَسْأَلْهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، جِئْتُ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ مَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَعُودَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: مَا أَمْرُكَ؟ قُلْتُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ، ثُمَّ قُلْتُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ خَرَجَ نَبِيٌّ، قَالَ: قَدْ رَشَدْتَ فَاتْبَعْنِي، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ، فَعَرَضَهُ عَلَيَّ، فَأَسْلَمْتُ، فَقَالَ: اكْتُمْ إِسْلامَكَ وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا معاشر قُرَيْشٍ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ، فَقَامُوا، فَضُرِبْتُ لِأَمُوتَ، فَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ وَقَالَ: تَقْتُلُونَ، وَيْلَكُمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ، وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارٍ، فَأَطْلَقُوا عَنِّي. ثُمَّ فَعَلْتُ مِنَ الْغَدِ كَذَلِكَ، وَأَدْرَكَنِي العبّاس أيضًا2.

1 صحيح: أخرجه مسلم "2473" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي ذر رضي الله عنه وأحمد "4/ 174-175".

2 صحيح: أخرجه البخاري "3861" في كتاب المناقب الأنصار، باب: إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ومسلم "2474" في المصدر السابق، والطبراني في "الأوسط""2633"، وأبو نعيم في "الحلية""516".

ص: 102