الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-صلى الله عليه وسلم الْخَبَرُ وَأُمِرَ أَنْ لا ينام على فراشه تلك الّيلة، فَلَمْ يَبِتْ مَوْضِعَهُ، بَلْ بَيَّتَ عَلِيًّا فِي مَضْجَعِهِ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأموي عن أبيه.
حدثنا ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
"ح". قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْكَلْبِيُّ عَنْ بَاذَامَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَزَادَ فِيهِ: وَأَذِنَ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ "الْأَنْفَالَ" يَذْكُرُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَبَلَاءَهُ عِنْدَهُ {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ} الآية1.
1 سورة الأنفال: 30.
والخبر أخرجه ابن إسحاق في "السيرة""1/ 428-430".
سِيَاقُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا
…
سياق خروح النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مُهَاجِرًا:
قَالَ عُقَيْلٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا وَيَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ1، لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ2، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخرج وَلَا يُخرج، وإنك تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٍ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلَادِكَ، وَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخرج مِثْلُهُ وَلَا يُخرج، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ! فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةَ، وَقَالُوا لَهُ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَقَالَ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَيُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ3 عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يُعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ،
1 برك الغماد: موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن.
2 القارة: قبيلة مشهورة.
3 يتقصف: يزدحم.
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَكَادُ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، وَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ جِوَارَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ الله.
والنّبيّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ:"قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، أُرِيتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ. هُمَا الْحَرَّتَانِ"، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَعَ إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أَرْضِ الْحَبَشَةِ.
وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا فَقَالَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، قَالَ: هَلْ تَرْجُو بِأَبِي أَنْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
فبينا نحن جلوس في بيتنا في نحر الظَّهِيرَةِ، قِيلَ لِأَبِي بِكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ جَاءَ بِهِ فِي هذه السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ وَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ:"أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: "اخْرُجْ فَقَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ"، قَالَ: فَخُذْ مِنِّي إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ قَالَ: "بِالثَّمَنِ"، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْتُهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ، فَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَأَوْكَتْ بِهِ الْجِرَابَ، فَبِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ في
جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ "ثَوْرُ" فَمَكَثَا فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ1، فَيُدْلِجُ2 مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ فِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يَكِيدُونَ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظّلام، ويرعى عليها عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منيحةً3، وَيُرِيحُ عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِ4 مِنْحَتِهِمَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهِمَا عامر بن فهيرة بغلس، ويفعل ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي الثَّلاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بَكْرٍ رَجُلا مِنْ بَنِي الدُّئِلِ هَادِيًا خِرِّيتًا5، قد غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَهُوَ عَلَى جَاهِلِيَّتِهِ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ ثَلَاثٍ، فَارْتَحَلَا، وَانْطَلَقَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ الدِّئْلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمَا فِي طَرِيقِ السَّاحِلِ6. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: وَاللَّهِ لَلَيْلَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَيَوْمٌ خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَارِبًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَيْلًا، فَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي مَرَّةً أَمَامَهُ، وَمَرَّةً خَلْفَهُ يَحْرُسُهُ، فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَتَهُ حَتَّى حَفِيَتْ رِجْلَاهُ، فَلَمَّا رَآهُمَا أَبُو بَكْرٍ حَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ، حَتَّى أَتَى بِهِ فَمَ الْغَارِ، وَكَانَ فِيهِ خَرْقٌ فِيهِ حَيَّاتٌ، فَخَشِيَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَلْقَمَهُ قَدَمَهُ، فَجَعَلْنَ يَضْرِبْنَهُ وَيَلْسَعْنَهُ الْحَيَّاتُ وَالْأَفَاعِي وَدُمُوعُهُ تَتَحَدَّرُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 7، وَأَمَّا يَوْمُهُ، فَلَمَّا ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ قُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَأَلَّفِ النَّاسَ وَارْفُقْ بِهِمْ، فَقَالَ: جَبَّارٌ فِي الجاهلية خوّار في الإسلام، بم أتألّفهم بشعر مفتعل أم بقول مفترى! وذكر الحديث8.
1 أي حسن الاستماع لما يقال.
2 الدلجة: السير أو الليل.
3 المنيحة: الناقة.
4 رسل: لبن.
5 خريتا: دليلًا.
6 صحيح: أخرجه البخاري، "3905" في كتاب مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، وأحمد "6/ 198"، وأبو نعيم في "الحلية""64".
7 سورة التوبة: 40
8 إسناده منقطع: أخرجه البيهقي في "الدلائل""2/ 476" من طريق محمد بن سيرين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا إسناد منقطع، وأخرجه البيهقي "2/ 477" من وجه آخر ضعيف كما يأتي.
وَهُوَ مُنْكَرٌ، سَكَتَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَسَاقَهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنِي فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُونَ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مُحَصَّنٍ، عَنْ عُمَرَ. وَآفَتُهُ مِنْ هَذَا الرَّاسِبِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ، مَعَ كَوْنِهِ مَجْهُولًا، ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ فَغَمَزَهُ1.
وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: حدثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَارِ، فَأَصَابَ يَدَهُ حَجَرٌ فَقَالَ:
إِنْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ
…
وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ2
الْأَسْوَدُ: هُوَ ابْنُ قَيْسٍ، سَمِعَ مِنْ جُنْدُبٍ الْبَجَلِيِّ، وَاحْتَجَّا بِهِ في الصّحيحين.
وقال همّام: حدثنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى تَحْتِ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا"3. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُمْ رَكِبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَبَعَثُوا إِلَى أَهْلِ الْمِيَاهِ يَأْمُرُونَهُمْ بِهِ، وَيَجْعَلُونَ لَهُمُ الْجُعْلَ الْعَظِيمَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَجَازَ بِهِمَا الدَّلِيلُ أَسْفَلَ مَكَّةَ، ثُمَّ مَضَى بِهِمَا حَتَّى جَاءَ بِهِمَا السَّاحِلَ أَسْفَلَ مِنْ "عُسْفَانَ" ثُمَّ سَلَكَ فِي "أَمَجٍ"، ثُمَّ أَجَازَ بِهِمَا حَتَّى عَارَضَ الطَّرِيقَ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ "قُدَيْدًا"، ثُمَّ سَلَكَ فِي "الْخَرَّارِ"، ثُمَّ أَجَازَ عَلَى "ثَنِيَّةِ الْمَرَةِ"، ثُمَّ سَلَكَ "مَدْلَجَةَ لَقْفٍ"، ثُمَّ اسْتَبْطَنَ "مَدْلَجَةَ مَجَاحٍ"، ثُمَّ "بَطْنَ مرجح
1 ذكره الحافظ الذهبي في "الميزان""4804" وقال: أتى بخبر باطل طويل وهو المتهم به ثم ذكر طرق، وقال: وهو يشبه وضع الطرقية.
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل""2/ 480".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3653" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم، ومسلم "2381" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر رضي الله عنه والترمذي "3107" في كتاب التفسير، باب: ومن سورة التوبة، وأحمد "1/ 4" وابن جرير الطبري في "تفسيره""10/ 96".
ذِي الْعَصَوَيْنِ"، ثُمَّ أَجَازَ "الْقَاحَةَ"، ثُمَّ هَبَطَ "الْعَرَجَ"، ثُمَّ أَجَازَ فِي "ثَنِيَّةِ الْغَائِرِ" عَنْ يَمِينِ رَكُوبَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ "بَطْنَ رِيمٍ" ثُمَّ قَدِمَ "قُبَاءَ" مِنْ قِبَلِ "الْعَالِيَةِ"1.
وَقَالَ مُسْلِمُ بن إبراهيم: حدثنا عَوْنُ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ الْمَكِّيَّ قَالَ: أَدْرَكْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ؛ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، فَسَمِعْتُهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْغَارِ أَمَرَ اللَّهُ بِشَجَرَةٍ فَنَبَتَتْ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ اللَّهُ الْعَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ اللَّهُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَعَتَا بِفَمِ الْغَارِ، وَأَقْبَلَ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ بِعِصِيِّهِمْ وَسُيُوفِهِمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَاقِينَ فَقَالَ: رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ2.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بكر من عازب رحلًا بثلاثة عشر دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى رَحْلِي، فَقَالَ لَهُ عَازِبٌ: لَا حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجْتُمَا، وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمَا.
قَالَ: أَدْلَجْنَا مِنْ مَكَّةَ لَيْلًا، فَأَحْيَيْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا، وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ نَأْوِي إِلَيْهِ، فَإِذَا صَخْرَةٌ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلٍّ لَهَا فَسَوَّيْتُهُ، ثُمَّ فَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرْوَةً، ثُمَّ قُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلِي هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أحدًا، فإذا براعي يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أُرِيدُ، يَعْنِي الظِّلَّ، فَسَأَلْتُهُ: لِمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ التُّرَابِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ هَكَذَا، فَضَرَبَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً3 مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ رَوَّأْتُ4 معي
1 مرسل.
2 منكر: أخرجه البيهقي في "الدائل""2/ 481-482"، وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" 2/ 214": هذا حديث غريب جدًّا من هذا الوجه. وقال الألباني في "الضعيفة""1128": منكر.
3 الكثبة: القليل.
4 روأت: صفيت.
لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِدَاوَةً، عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَافَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يا رسول الله فشرب حتى رضي، ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رسول الله قال: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 1، فَلَمَّا أَنْ دَنَا مِنَّا، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قد لحقنا يا رسول الله وَبَكَيْتُ، فَقَالَ:"مَا يُبْكِيكَ؟ " قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَبْكِي عَلَيْكَ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"اللهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ"، فَسَاخَتْ2 بِهِ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا، فَوَثَبَ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنْجِيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَعْمِيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ"، فَدَعَا لَهُ، فَانْطَلَقَ رَاجِعًا إِلَى أَصْحَابِهِ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا3. أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ. أخرج الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رجاء، عنه.
وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَتْلِهِ أَوْ أسْرِهِ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ؛ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوَدَةً4 بِالسَّاحِلِ، أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ قَلَّمَا لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى قُمْتُ فَدَخَلْتُ بيتي،
1 سورة التوبة: 40.
2 ساخت: غاصت.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3615" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام ومسلم "3014" في كتاب الزهد، باب: في حديث الهجرة، وأحمد "1/ 2".
4 أسودة: أشخاص.
فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي فَتُهْبِطَهَا مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، فَأَخَذْتُ رُمْحِي وَخَرَجْتُ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ بِزُجَّهِ1الْأَرْضَ، وَخَفَضْتُ علية الرُّمْحِ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تَقْرُبُ بِي، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُمْ عَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي، وَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَوْ لَا أَضُرُّهُمْ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ:"لَا أَضُرُّهُمْ"، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، فَرَفَعْتُهَا تَقْرُبُ بِي، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ التَّلَفُّتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجْ يَدَاهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ "لَا أَضُرُّهُمْ"، فَنَادَيْتُهُمَا بِالْأَمَانِ، فَوَقَفَا لِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمَا، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكُمَا الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمَا أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي شَيْئًا، وَلَمْ يَسْأَلَانِي، إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةٍ آمَنُ بِهِ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ2، ثُمَّ مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم3. أخرجه البخاري.
وقال موسى بن عقبة: أخبرنا ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَخَاهُ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ أَخْبَرَهُ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ، وَزَادَ فِيهِ: وَأَخْرَجْتُ سِلَاحِي ثُمَّ لَبِسْتُ لَامَتِي4، وَفِيهِ: فَكَتَبَ لِي أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ إِلَيَّ فَرَجَعْتُ فَسَكَتُّ، فَلَمْ أَذْكُرْ شَيْئًا مِمَّا كَانَ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ، وَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُنَيْنٍ خَرَجْتُ لِأَلْقَاهُ وَمَعِي الْكِتَابُ، فَدَخَلْتُ بَيْنَ كَتِيبَةٍ مِنْ كَتَائِبِ الْأَنْصَارِ، فَطَفِقُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرِّمَاحِ وَيَقُولُونَ: إِلَيْكَ إِلَيْكَ، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو عَلَى نَاقَتِهِ، أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ فِي غَرْزَةٍ كأنّها
1 الزج: الطعن.
2 الأدم: الجلد.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3906" في كتاب مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
4 اللأمة: أداة الحرب.
جمارة1، فرفعت يَدِي بِالْكِتَابِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كتابك، فقال:"يوم وفاء وبرّ ادن ادن"، قَالَ: فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ شَيْئًا أَسْأَلُ عَنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: سَأَلَهُ عَنِ الضَّالَّةِ وَشَيْءٍ آخَرَ، قال: فانصرفت وسقت إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَتِي2.
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حُدِّثْتُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، أَتَى نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكَ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاللَّهِ أَيْنَ أَبِي، فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا فَلَطَمَنِي عَلَى خَدِّي لَطْمَةً طُرِحَ مِنْهَا قُرْطِي3.
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ مَعَهُ، خَمْسَةُ آلَافٍ أَوْ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وقد ذهب بصره فقال: والله إنّي لا أراه فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ، قَالَتْ: كَلَّا يَا أبت، قد ترك لنا خيرً كَثِيرًا، قَالَتْ: فَأَخَذْتُ أَحْجَارًا فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةٍ مِنَ الْبَيْتِ كَانَ أَبِي يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقَالَتْ: ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا الْمَالِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ إِذَا كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ، فِي هَذَا بَلَاغٌ لَكُمْ، قَالَتْ: وَلَا وَاللَّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُسَكِّنَ الشَّيْخَ4.
وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا، جَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ مِائَةَ نَاقَةٍ لِمَنْ رَدَّهُ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَّا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَكْبًا ثَلَاثَةً مَرُّوا عَلَيَّ آنِفًا، إِنِّي لأراهم محمدًا وأصحابه،
1 الجمارة: قلب النخلة.
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل""2/ 487-489".
3 إسناده ضعيف: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة""1/ 434".
4 إسناده حسن: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة""1/ 435".
فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ، يَعْنِي أَنِ اسْكُتْ، ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّمَا هُمْ بَنُو فُلَانٍ يَبْتَغُونَ ضَالَّةً لَهُمْ، قَالَ: لَعَلَّهُ، قَالَ: فَمَكَثْتُ قَلِيلًا، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ1.
قَالَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ مَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ يَتَغَنَّى بِأَبْيَاتٍ مِنْ شِعْرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ، وَإِنَّ النَّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ، وَيَسْمَعُونَ صَوْتَهُ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ:
جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسٍ خَيْرَ جَزَائِهِ
…
رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَا بِالْبِرِّ ثُمَّ تَرَوَّحَا
…
فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ
…
وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ
قَالَتْ: فَعَرَفْنَا حَيْثُ وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ وَجْهَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ2.
قُلْتُ: قَدْ سُقْتُ خَبَرَ أُمِّ مَعْبَدٍ بِطُولِهِ فِي صِفَتِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يَأْتِي -إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بن أبي زائدة: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من مكة، فانتهينا إلى حي من أحياء العرب، فنظر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتٍ مُنْتَحِيًا، فَقَصَدَ إِلَيْهِ فَلَمَّا نَزَلْنَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَيِ اللَّهِ إِنَّمَا أَنَا امْرَأَةٌ وليس مَعِي أَحَدٌ، فَعَلَيْكُمَا بِعَظِيمِ الْحَيِّ إِنْ أَرَدْتُمُ الْقِرَى3، قَالَ: فَلَمْ يُجِبْهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَجَاءَ ابْنٌ لَهَا بِأَعْنُزٍ لَهُ يَسُوقُهَا، فَقَالَتْ له: يا بنيّ انطلق بهذه العنز والسّفرة إِلَيْهِمَا فَقُلْ: اذْبَحَا هَذِهِ وَكُلَا وَأَطْعِمَانَا، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"انْطَلِقْ بِالشَّفْرَةِ وَجِئْنِي بِالْقَدَحِ"، قَالَ: إِنَّهَا قَدْ عزبت وليس بها لَبَنٌ، قَالَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِقَدَحٍ، فَمَسَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ضَرْعَهَا، ثُمَّ حَلَبَ حَتَّى مَلَأَ الْقَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَى أُمِّكَ، فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَقَالَ: انْطَلِقْ بِهَذِهِ وَجِئْنِي بِأُخْرَى، ففعل بها
1 أخرجه ابن إسحاق في "السيرة""1/ 435-436".
2 إسناده ضعيف: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة""1/ 434-435".
3 القرى: ما يقدم للضيف.
كَذَلِكَ، ثُمَّ سَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ بِأُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ شَرِبَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَبِتْنَا لَيْلَتَنَا ثُمَّ انْطَلَقْنَا، فَكَانَتْ تُسَمِّيهِ "الْمُبَارَكَ"، وَكَثُرَ غَنَمُهَا حَتَّى جَلَبَتْ جَلْبًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَرَآهُ ابْنُهَا فَعَرَفَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّهُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمُبَارَكِ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنِ الرَّجُلُ الذي كان معك؟ قال: وما تدرن مَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: فَأَدْخِلْنِي عَلَيْهِ، فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهَا وَأَعْطَاهَا1.
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ يَحْيَى، وَإِسْنَادُهُ نَظِيفٌ لَكِنْ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى.
أوس بن عبد الله بن بريدة: أنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَفَاءَلُ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ جَعَلَتْ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ لِمَنْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ، فَرَكِبَ بُرَيْدَةُ فِي سَبْعِينَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، فَلَقِيَ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلًا فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: بُرَيْدَةُ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: بَرَدَ أَمْرُنَا وَصَلُحَ، ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّنْ؟ قَالَ: مَنْ أَسْلَمَ، قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: سَلِمْنَا، ثُمَّ قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ: مِنْ بَنِي سَهْمٍ، قَالَ: خَرَجَ سَهْمُكَ. فَأَسْلَمَ بُرَيْدَةُ وَالَّذِينَ مَعَهُ جَمِيعًا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ بُرَيْدَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا تَدْخُلِ الْمَدِينَةَ إِلَّا وَمَعَكَ لِوَاءٌ، فَحَلَّ عِمَامَتَهُ ثُمَّ شَدَّهَا فِي رُمْحٍ، ثُمَّ مَشَى بَيْنَ يدي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ تَنْزِلُ عَلَيَّ، قَالَ: إِنَّ نَاقَتِي مَأْمُورَةٌ. فَسَارَ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَى بَابِ أَبِي أَيُّوبَ فَبَرَكَتْ2. قُلْتُ: أَوْسٌ مَتْرُوكٌ.
وقال الحافظ أبو الوليد الطّيالسيّ: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، ثنا أَبِي، عَنْ قَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: لَمَّا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ مُسْتَخْفِيَيْنِ مَرَّا بِعَبْدٍ يَرْعَى غَنَمًا فَاسْتَسْقَيَاهُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي شَاةٌ تَحْلِبُ، غَيْرَ أنّ ههنا عناقًا
1 إسناده منقطع: أخرجه البيهقي في "الدلائل""2/ 491"، وقال الحافظ ابن كثير في "البداية""2/ 224-225" إسناد حسن. وقد أعله المصنف بالانقطاع بين عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي بكر الصديق، والظاهر أن هذا هو الراجح، فقد اختلفوا في سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من عمر، ولم يذكر الحافظ ابن حجر في "التهذيب""2/ 548" أبا بكر في شيوخ عبد الرحمن، مع تنبيهه في المقدمة أنه يبدأ بذكر أكبر شيوخ الراوي، مما يدل على أنه لم يثبت له سماع منه، والله أعلم.
2 إسناده ضعيف جدًّا: أوس متروك كما يأتي، وانظر "الميزان""1046".
حَمَلَتْ أَوَّلَ الشَّاءِ، وَقَدْ أَخْدَجَتْ وَمَا بَقِيَ لَهَا لَبَنٌ، فَقَالَ: ادْعُ بِهَا، فَدَعَا بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَسَحَ ضَرْعَهَا وَدَعَا حَتَّى أَنْزَلَتْ، وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِمَجْنٍ فَحَلَبَ فَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ حَلَبَ فَسَقَى الرَّاعِيَ، ثُمَّ حَلَبَ فَشَرِبَ، فَقَالَ الرَّاعِي: بِاللَّهِ مَنْ أَنْتَ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ قَطُّ؟ قَالَ:"أَتَكْتُمُ عَلَيَّ حَتَّى أُخْبِرَكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"فَإِنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ"، فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ قُرَيْشٌ أَنَّهُ صَابِئٌ، قَالَ:"إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ ذَلِكَ"، قَالَ: فَأَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا فَعَلْتَ إِلَّا نَبِيٌّ، وَأَنَا مُتَّبِعُكَ، قَالَ:"إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ ذَلِكَ يَوْمَكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ أَنِّي قَدْ ظَهَرْتُ فَائْتِنَا"1.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قال: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: لَمَّا بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ، كُنَّا نَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَنَجْلِسُ لَهُ بِظَاهِرِ الْحَرَّةِ، نَلْجَأُ إِلَى ظِلُّ الْجُدُرِ حَتَّى تَغْلِبَنَا عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَى رِحَالِنَا، حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسْنَا كَمَا كُنَّا نَجْلِسُ، حتى إذا رجعنا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَآهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَنَادَى: يَا بُنَيَّ قَيْلَةُ هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ جَاءَ، فَخَرَجْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَنَاخَ إِلَى ظِلٍّ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهِ مَا نَدْرِي أَيُّهُمَا أَسَنُّ، هُمَا فِي سِنٍّ وَاحِدَةٍ، حَتَّى رَأَيْنَا أَبَا بَكْرٍ يَنْحَازُ لَهُ عَنِ الظِّلِّ، فَعَرَفْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَامَ فَأَظَلَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِرِدَائِهِ، فَعَرَفْنَاهُ2.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ: حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ وَسَّاجٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ، يَعْنِي الْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ3 غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَغَلَّفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتْمِ4. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، مِنْ حديث محمد بن حمير.
1 أخرجه البزار كما في "زوائد مسند البزار""1342".
2 إسناده محتمل للتحسين: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة""1/ 438" وعبد الرحمن بن عويم بن ساعدة ذكر ابن حبان في "الثقات""5/ 75" إِنَّهُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
3 أشمط: اختلط سواد شعره ببياضه.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3919" في كتاب مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
وَقَالَ شُعْبَةُ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَا يُقْرِئَانِ الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ، وَبِلَالٌ، وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ قَطُّ فَرَحَهُمْ بِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلَائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَسْعَوْنَ فِي الطُّرُقِ يَقُولُونَ: "جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ حَتَّى تَعَلَّمْتُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} 1 في مثلها من المفصّل2.
خ3 وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، فِي حَدِيثِ الرَّحْلِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَضَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مَعَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا، فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بذلك"، وقدم النّاس حين قدمنا المدينة، في الطَّرِيقِ وَعَلَى الْبُيُوتِ، وَالْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ يَقُولُونَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُ أكبر جاء محمد، الله أَكْبَرُ جَاءَ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا أَصْبَحَ انْطَلَقَ فَنَزَلَ حَيْثُ أَمَرَ4. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ هَاشِمُ بْنُ القاسم: حدثنا سُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إِنِّي لَأَسْعَى فِي الْغِلْمَانِ يَقُولُونَ: جَاءَ مُحَمَّدٌ، وَأَسْعَى وَلَا أَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَقُولُونَ:"جَاءَ مُحَمَّدٌ"، فَأَسْعَى، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ فَكَمِنَّا فِي بَعْضِ جُدُرِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ بَعَثَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ لِيُؤْذِنَ بِهِمَا الْأَنْصَارَ قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءَ خُمْسُمِائَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا، فَقَالُوا: انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِنَّ الْعَوَاتِقَ لَفَوْقَ الْبُيُوتِ يَتَرَاءَيْنَهُ يَقُلْنَ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ قَالَ: فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا شَبِيهًا بِهِ يَوْمَئِذٍ5. صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقِّرِيُّ وَغَيْرُهُ، عن الزّهري قال: فأخبرني عروة أنّ
1 سورة الأعلى: 1.
2 صحيح: وقد تقدم تخريجه.
3 رمز للبخاري.
4 أخرجه بهذا اللفظ ابن سعد في "الطبقات""4/ 271" وأصله عند البخاري "3925" في كتاب مناقب الأنصار، باب: مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة.
5 إسناده صحيح: أخرجه أحمد "3/ 222".
الزُّبَيْرَ كَانَ فِي رَكْبِ تُجَّارٍ بِالشَّامِ، فَقَفَلُوا إِلَى مَكَّةَ، فَعَارَضُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ بِثِيَابِ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ، حَتَّى يَرُدَّهُمْ نَحْرُ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَمَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ أَطْمًا1 مِنْ آطَامِهِمْ لِشَأْنِهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ2 يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمُ3 الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السَّلَامِ، فَلَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ الْيَمِينِ، حَتَّى نَزَلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْسَبُهُ أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فعرفوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
وَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ، فَمَشَى مَعَهُ النَّاسُ، حَتَّى بَرَكَتْ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا4 لِلتَّمْرِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ، غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ أَخَوَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ:"هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ". ثُمَّ دَعَا الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا الْمِرْبَدَ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ، فَأَبَى حَتَّى ابْتَاعَهُ وَبَنَاهُ5.
وَقَالَ عَبْدُ الوارث بن سعيد وغيره: حدثنا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا متقلّدين سيوفهم، فكأنّي
1 الأطم: الحصن.
2 مبيضين: عليهم ثياب بيض.
3 جدكم: حظكم.
4 مربدًا: موضع لتجفيف التمر.
5 أخرجه البخاري "3906" في كتاب مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُ أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ "أَهْلِ الْمَدِينَةِ" فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: انْظُرِ الَّذِينَ دَعَوْكَ فَأْتِهِمْ، فَعَمَدَ إِلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَاتَّخَذَ مَكَانَهُ مَسْجِدًا فَكَانَ يصلّي فيه، ثم بناه عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَهُوَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَالرِّضْوَانِ.
ثُمَّ إِنَّهُ رَكِبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَمَرَّ عَلَى بَنِي سَالِمٍ، فَجَمَعَ فِيهِمْ، وَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَاسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا أَبْصَرَتْهُ الْيَهُودُ صَلَّى إِلَى قِبْلَتِهِمْ طَمِعُوا فِيهِ لِلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ، ثُمَّ ارْتَحَلَ فَاجْتَمَعَتْ لَهُ الْأَنْصَارُ يُعَظِّمُونَ دِينَ اللَّهِ بِذَلِكَ، يَمْشُونَ حَوْلَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لا يَزَالُ أَحَدُهُمْ يُنَازِعُ صَاحِبَهُ زِمَامَ النَّاقَةِ، فَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَ النَّاقَةِ، فَإِنَّمَا أَنْزِلُ حَيْثُ أَنْزَلَنِي اللَّهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَارِ أَبِي أَيُّوبَ فِي بَنِي غَنْمٍ، فَبَرَكَتْ عَلَى الْبَابِ، فَنَزَلَ، ثُمَّ دَخَلَ دَارَ أَبِي أَيُّوبَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ حَتَّى ابْتَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسْكَنَهُ فِي بَنِي غَنْمٍ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ مَوْضِعًا لِلتَّمْرِ لِابْنَيْ أَخِي أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى ابْنَيْ أَخِيهِ مَكَانَهُ نَخْلا لَهُ فِي بَنِي بَيَاضَةَ، فَقَالُوا: نُعْطِيهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا نَأْخُذُ لَهُ ثَمَنًا، وَبَنَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحَمْزَةَ وَلِعَلِيٍّ وَلِجَعْفَرَ، وَهُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَجَعَلَ مَسْكَنَهُمْ فِي مَسْكَنِهِ، وَجَعَلَ أَبْوَابَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ بَابِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لَهُ، فَصَرَفَ بَابَ حَمْزَةَ وَجَعْفَرَ. كَذَا قَالَ: وَهُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلِيٌّ بِمَكَّةَ2. رَوَاهُ ابْنُ عَائِذٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْهُ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: لَمَّا دَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأَبُو بكر من المدينة،
1 صحيح: أخرجه البخاري "3932" في المصدر السابق، ومسلم "524" في كتاب المساجد، باب: ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو داود "453" في كتاب الصلاة، باب: في بناء المساجد، أبو نعيم في "الحلية""3316".
2 إسناده ضعيف: عثمان بن عطاء الخراساني ضعيف كما في "التقريب""4502".
وَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنَ الشَّامِ، خَرَجَ طَلْحَةُ عَامِدًا إِلَى مَكَّةَ، لَمَّا ذُكِرَ له النّبيّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِمَّا مُتَلَقِّيًا لَهُمَا، وَإِمَّا عَامِدًا عَمْدَهُ بِمَكَّةَ، وَمَعَهُ ثِيَابٌ أَهْدَاهَا لِأَبِي بَكْرٍ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ، فَلَمَّا لَقِيَهُ أَعْطَاهُ الثِّيَابَ، فَلَبِسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ مِنْهَا.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ يوم الإثنين، لاثنتي عشرة ليلةً خَلَت من ربيع الأوّل، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ1.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِلَيْلَتَيْنِ مَضَتَا مِنْهُ. رَوَاهُ يُونُسُ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ عَبْدُ الله بن إدريس: حدثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمٍ، أَخْبَرَنِي بَعْضُ قَوْمِي قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَقَامَ بِقُبَاءَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَخَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءَ. وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَبِثَ فِيهِمْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً2.
وَقَالَ زكريّا بن إسحاق: حدثنا عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: مكث النّبيّ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ وَهُو ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ3. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عيينة: حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَجُوزٍ لَهُمْ، قَالَتْ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَخْتَلِفُ إِلَى صِرْمَةِ أَبِي قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ يَرْوِي هَذِهِ الْأَبْيَاتَ:
1 الوليد بن مسلم مدلس، وقد عنعنه، والحديث أخرجه البيهفي في "الدلائل" 2/ 511".
2 ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه، والحديث أخرجه البيهقي في "الدلائل""2/ 512".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3902" في كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، ومسلم "2351/ 118" في كتاب الفضائل، باب: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة؟ وأحمد "1/ 371".
ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً
…
يُذَكِّرُ لَوْ أَلْفَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا1
وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ
…
فَلَمْ يَرَ مَنْ يُؤْوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا
فَلَمَّا أَتَانَا وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى
…
وَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بِطِيبَةَ رَاضِيَا
وَأَصْبَحَ مَا يَخْشَى ظَلَامَةَ ظَالِمٍ
…
بَعِيدٍ وَلَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ بَاغِيَا
بَذَلْنَا الْأَمْوَالَ مِنْ جُلِّ مَالِنَا
…
وَأَنْفُسَنَا عِنْدَ الْوَغَى وَالتَّآسِيَا
نُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ
…
جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُوَاسِيَا
وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ
…
وَأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَصْبَحَ هَادِيَا2
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ شَابٌّ لَا يُعْرَفُ -يُرِيدُ دُخُولَ الشَّيْبِ فِي لِحْيَتِهِ دُونَهُ لَا فِي السِّنِّ- قَالَ أَنَسٌ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا رَجُلٌ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، فَيَحْسَبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي طَرِيقَ الْخَيْرِ. فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ"، فَصَرَعَهُ فَرَسُهُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ3. فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، قَالَ:"تَقِفُ مَكَانَكَ لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا"، قَالَ: فَكَانَ أَوَّلُ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى النَّبِيِّ وَآخِرُ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَانِبَ الْحَرَّةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا فَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فَرَكِبَا وَحَفُّوا حَوْلَهُمَا بِالسِّلَاحِ، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ "جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم" وأقبل حَتَّى نَزَلَ إِلَى جَانِبِ بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ، يَخْتَرِفُ4 لَهُمْ مِنْهُ، فَعَجَّلَ أَنْ يَضَعَ الَّتِي يَخْتَرِفُ فِيهَا فَجَاءَهُ وَهِيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ"؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذِهِ دَارِي، قَالَ:"اذْهَبْ فَهَيِّئْ لَنَا مقيلًا"، فذهب فهيأ
1 ثوى: أقام.
2 إسناده ضعيف: لجهالة هذه العجوز، وقد عزاه الحافظ ابن كثير في "البداية""2/ 238" للحميدي.
3 الحمحمة: صوت دون الصهيل.
4 يخترف: يجتني.
لَهُمَا مَقِيلًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ هَيَّأْتُ لَكُمَا مَقِيلًا، قَالَ:"قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَقِيلَا".
فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَقًّا، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَلَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ1. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ سِيرَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَغَازِيهِ فِي الْعَشْرِ السِّنِينِ الَّتِي لَبِثَ فِيهَا بِالْمَدِينَةِ مَا فِيهِ مَغْنًى إِنْ شَاءَ الله تعالى.
1 صحيح: أخرجه البخاري في "3911" في كتاب مناقب الأنصار، باب: هجرى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.