المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثُمَّ فَعَلَ كَمَا عَمِلَ أُسَيْدٌ، وَأَسْلَمَ، وَأَخَذَ حَرْبَتَهُ، وَأَقْبَلَ عَائِدًا - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ١

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمات

- ‌تقديم

- ‌بين يدي الكتاب:

- ‌ترجمة الإمام الذهبي

- ‌السيرة النبوية قبل الهجرة:

- ‌ذِكْرُ نَسَبِ سَيِّدِ الْبَشَرِ:

- ‌مَوْلِدُهُ الْمُبَارَكُ صلى الله عليه وسلم:

- ‌أَسْمَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكُنْيَتُهُ:

- ‌ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ سَطِيحٍ وَخُمُودِ النِّيرَانِ لَيْلَةَ الْمَوْلِدِ وَانْشِقَاقِ الْإِيوَانِ:

- ‌ذكر وفاة والده صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عبد المطلب

- ‌حَرْبُ الْفِجَارِ:

- ‌شَأْنُ خَدِيجَةَ:

- ‌حَدِيثُ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ فِي وَضْعِ الحجر الأسود:

- ‌وَمِمَّا عَصَمَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ:

- ‌ذِكْرُ مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم:

- ‌فَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ خَدِيجَةُ "رضي الله عنها:

- ‌وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم:

- ‌إِسْلامُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ:

- ‌فَصْلٌ فِي دَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشِيرَتَهُ إِلَى اللَّهِ وَمَا لَقِيَ مِنْ قومه

- ‌شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي مُعَادَاةِ خُصُومِهِ

- ‌إِسْلَامُ حَمْزَةَ:

- ‌إِسْلَامُ عُمَرَ-رضي الله عنه

- ‌الْهِجْرَةُ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ الثَّانِيَةُ

- ‌إِسْلَامُ ضِمَادٍ

- ‌إِسْلَامُ الْجِنِّ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ مِنْ هَوَاتِفِ الْجَانِّ وَأَقْوَالِ الكهّان:

- ‌بَابُ: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ

- ‌ذكر أذية المشتركين للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين

- ‌ذِكْرُ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ وَالصَّحِيفَةِ:

- ‌بَابُ: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}

- ‌دُعَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قُرَيْشٍ بِالسَّنَةِ

- ‌ذِكْرُ الرُّومِ:

- ‌ثُمَّ تُوُفِّيَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَزَوْجَتُهُ خَدِيجَةُ:

- ‌ذِكْرُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى:

- ‌ذِكْرُ مِعْرَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى السماء

- ‌زَوَاجُهُ صلى الله عليه وسلم بِعَائِشَةَ وَسَوْدَةَ أمي المؤمنين:

- ‌عَرْضُ نَفْسِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقَبَائِلِ:

- ‌حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِت:

- ‌حَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثٍ:

- ‌الْعَقَبَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌تسمية من شهداء العقبة

- ‌ذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ:

- ‌سِيَاقُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا

- ‌فَصْلٌ فِي مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم سِوَى مَا مَضَى فِي غُضُونِ الْمَغَازِي

- ‌فَصْلٌ فِي تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي يَدِهِ صلى الله عليه وسلم:

- ‌بَابٌ: مِنْ أَخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم بالكوائن بعده فوقعت كما أخبر

- ‌بَابٌ: جَامِعٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ

- ‌بَابُ: آخِرِ سُورَةٍ نُزِّلَتْ

- ‌باب: في النسخ والمحور من الصدور

- ‌ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌خاتم النّبوّة:

- ‌بَابٌ: جَامِعٌ مِنْ صِفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

- ‌بَابُ: قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}

- ‌بَابُ: هَيْبَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَالِهِ وحبّه وشجاعته وقوّته وفصاحته

- ‌بَابُ: زُهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِذَلِكَ يُوزن الزُّهْدُ وَبِهِ يُحدّ

- ‌فَصْلٌ مِنْ شَمَائِلِهِ وَأَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم:

- ‌بَابٌ: مِنَ اجْتِهَادِهِ وَعِبَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌باب: في ملابسه صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ: خَوَاتِيمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ: نَعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وخفه

- ‌بَابُ: مُشْطِهِ وَمِكْحَلَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِرْآتِهِ وَقَدَحِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

- ‌بَابُ: سِلَاحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَوَابِّهِ وَعُدَّتِهِ

- ‌وَقَدْ سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في شواء

- ‌بَابُ: مَا وُجِدَ مِنْ صُورَةِ نَبِيِّنَا وَصُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالشَّامِ

- ‌بَابٌ: فِي خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم وَتَحْدِيثِهِ أُمَّتَهُ بِهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تعالى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}

- ‌بَابُ: مَرَضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ: وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌محتوى الجزء الأول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من تاريخ الإسلام:

الفصل: ثُمَّ فَعَلَ كَمَا عَمِلَ أُسَيْدٌ، وَأَسْلَمَ، وَأَخَذَ حَرْبَتَهُ، وَأَقْبَلَ عَائِدًا

ثُمَّ فَعَلَ كَمَا عَمِلَ أُسَيْدٌ، وَأَسْلَمَ، وَأَخَذَ حَرْبَتَهُ، وَأَقْبَلَ عَائِدًا إِلَى نَادِي قَوْمِهِ، وَمَعَهُ أُسَيْدٌ، فَلَمَّا رَآهُ قَوْمُهُ قَالُوا: نَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَجَعَ سَعْدٌ إِلَيْكُمْ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذهب به من عندكم، فقال: يا نبي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَيْفَ تَعْرِفُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً قَالَ: فَإِنَّ كلام رجال وَنِسَائِكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ حَتَّى تُؤْمِنُوا، فَوَاللَّهِ مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمًا وَمُسْلِمَةً، وَرَجَعَ مُصْعَبٌ وَأَسْعَدُ إِلَى مَنْزِلِهِمَا، وَلَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ، إلا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَخَطْمَةَ، وَوَائِلٍ، وَوَاقِفٍ، وَتِلْكَ أَوْسُ اللَّهِ وَهُمْ مِنَ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَبُو قَيْسِ بْنُ الأَسْلَتِ، وَهُوَ صَيْفِيٌّ، وَكَانَ شَاعِرًا لَهُمْ وَقَائِدًا، يَسْتَمِعُونَ مِنْهُ وَيُطِيعُونَهُ، فَوَقَفَ بِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَضَتْ أُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ1.

ص: 194

‌الْعَقَبَةُ الثَّانِيَةُ:

قَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، وداود العطّار وهذا لفظه: حدثنا ابْنُ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبِثَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ الْحَاجَّ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْمَوَاسِمِ: مِجَنَّةُ1، وَعُكَاظٌ، وَمِنًى، يَقُولُ: مَنْ يُؤْوِينِي وَيَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ فَلَا يَجِدُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يَرْحَلُ صَاحِبُهُ مِنْ مُضَرَ أَوِ الْيَمَنِ، فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ أَوْ ذُو رَحِمِهِ يَقُولُونَ: احْذَرْ فَتَى قُرَيْشٍ لَا يَفْتِنْكَ، يَمْشِي بَيْنَ رِحَالِهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِأَصَابِعِهِمْ، حَتَّى بَعَثَنَا اللَّهُ لَهُ مِنْ يَثْرِبَ، فَيَأْتِيهِ الرَّجُلُ مِنَّا فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ يَثْرِبَ إِلَّا وَفِيهَا رَهْطٌ يظهرون الإسلام، ثم ائتمرنا واجتمعنا سبعين رَجُلًا مِنَّا، فَقُلْنَا: حَتَّى مَتَى نَذَرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ، فَرَحَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ، فَوَاعَدَنَا شِعْبَ الْعَقَبَةِ، فَاجْتَمَعْنَا فِيهِ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ، حَتَّى تَوَافَيْنَا عِنْدَهُ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: "عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أن تقولوا في الله، لا

1 مجنة: سوق من أسواق العرب في الجاهلية.

ص: 194

تَأْخُذْكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ يَثْرِبَ، تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمُ الْجَنَّةُ" فَقُلْنَا نُبَايِعُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ، إِلَّا أَنَا، فَقَالَ: رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى عَضِّ السُّيُوفِ إِذَا مَسَّتْكُمْ، وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ، وَعَلَى مُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً، فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ، وَإِمَّا أَنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً، فَذَرُوهُ فَهُوَ أَعْذَرُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ. فَقُلْنَا: أَمِطْ يَدَكَ يَا أَسْعَدُ، فَوَاللَّهِ لَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ وَلَا نَسْتَقِيلُهَا، فَقُمْنَا إِلَيْهِ نُبَايِعُهُ رَجُلًا رَجُلًا، يَأْخُذُ عَلَيْنَا شَرْطَهُ، وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ1.

زَادَ فِي وَسَطِهِ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ: فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ يابن أَخِي لَا أَدْرِي مَا هَذَا الْقَوْمُ الَّذِينَ جَاءُوكَ، إِنِّي ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ، قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ، فَلَمَّا نَظَرَ الْعَبَّاسُ فِي وُجُوهِنَا، قَالَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا أَعْرِفُهُمْ هَؤُلَاءِ أَحْدَاثٌ، فَقُلْنَا: عَلَامَ نُبَايِعُكَ.

وَقَالَ أبو نعيم: حدثنا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، إِلَى السَّبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ، عِنْدَ الْعَقَبَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُمْ وَلَا يُطِيلُ الْخُطْبَةَ، فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَيْنًا، فَقَالَ أَسْعَدُ: سَلْ يَا مُحَمَّدُ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ، ثُمَّ سَلْ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ أَخْبِرْنَا مَا لَنَا عَلَى اللَّهِ، قَالَ:"أَسْأَلُكُمْ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي وَلِأَصْحَابِي أَنْ تُؤْوُونَا وَتَنْصُرُونَا وَتَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ"، قَالُوا: فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، قَالَ:"لَكُمُ الْجَنَّةُ"، قَالُوا: فَلَكَ ذَلِكَ2.

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زائدة، نا مجالد، عن

1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 322-323" من طريق آخر عن ابن خثيم، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" "7/ 263": إسناده حسن. وقال الألباني في "الصحيحة""63": إسناده صحيح على شرط مسلم، وقد صرح أبو الزبير بالتحديث في بعض الطرق عنه.

2 مرسل: أخرجه أحمد "4/ 119-120" والبيهقي في "الدلائل""2/ 450" وانظر ما يأتي.

ص: 195

الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ بِنَحْوِهِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو مَسْعُودٍ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا1.

وَقَالَ ابْنُ بكير، عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ أَخَا بَنِي سَالِمٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ هَلْ تَدْرُونَ عَلَى مَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ إِنَّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّهَا إِذَا أَنْهَكَتْ أَمْوَالَكُمْ مُصِيبَةٌ وَأَشْرَافَكُمْ قَتْلًا، تَرَكْتُمُوهُ وَأَسْلَمْتُمُوهُ، فَمِنَ الْآنَ، فَهُوَ وَاللَّهِ إِنْ فَعَلْتُمْ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُسْتَعْلِنُونَ بِهِ وَافُونَ لَهُ، فَهُوَ وَاللَّهِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ عَاصِمٌ: فَوَاللَّهِ مَا قَالَ الْعَبَّاسُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَّا لِيَشِدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَا الْعِقْدَ2.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي بَكْرٍ: مَا قَالَهَا إِلَّا لِيُؤَخِّرَ بِهَا أَمْرَ الْقَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، لِيَشْهَدَ أَمْرَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بن أبيّ، فيكون أقوى، قالوا: فما بالنا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الْجَنَّةُ"، قَالُوا: ابْسُطْ يَدَكَ، وَبَايَعُوهُ، فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ: إِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ عَلَيْهِمْ غَدًا بِأَسْيَافِنَا، فَقَالَ:"لَمْ أُؤْمَرْ بِذَلِكَ"3.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَرَوَاهُ ابْنُ لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، وقاله مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَهَذَا لَفْظُهُ: إِنَّ الْعَامَ الْمُقْبِلَ حَجَّ مِنَ الْأَنْصَارِ سَبْعُونَ رَجُلًا، أَرْبَعُونَ مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهِمْ وَثَلَاثُونَ مِنْ شَبَابِهِمْ، أَصْغَرُهُمْ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَقُوهُ بِالْعَقَبَةِ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْكَرَامَةِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى الْبَيْعَةِ أَجَابُوهُ وَقَالُوا: اشْتَرِطْ عَلَيْنَا لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، فَقَالَ:"أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ". فَلَمَّا طَابَتْ بِذَلِكَ أَنْفُسُهُمْ مِنَ الشَّرْطِ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَبَّاسُ الْمَوَاثِيقَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْوَفَاءِ، وَعَظَّمَ الْعَبَّاسُ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَذَكَرَ أَنَّ أُمَّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سُلْمَى بِنْتَ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بطوله4.

1 إسناده ضعيف.: أخرجه أحمد "4/ 120" ومجالد ضعيف.

2 مرسل: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة""1/ 404".

3 مرسل: أخرجه ابن إسحاق في المصدر السابق.

4 مرسل.

ص: 196

قَالَ عُرْوَةُ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ سَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَةٌ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ، إِحْدَاهُمَا أُمُّ عُمَارَةَ وَزَوْجُهَا وَابْنَاهُمَا.

وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْقَيْنِ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي الْحَجَّةِ الَّتِي بَايَعْنَا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَقَبَةِ مَعَ مُشْرِكِي قَوْمِنَا، وَمَعَنَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ تَعَلَّمُوا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي تُوَافِقُونَنِي عليه أم لا، فقلنا: ومات هُوَ يَا أَبَا بِشْرٍ؟ قَالَ: إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ إِلَى هَذِهِ الْبَنِيَّةِ وَلَا أَجْعَلَهَا مِنِّي بِظَهْرٍ، فَقُلْنَا: لَا وَاللَّهِ لَا تَفْعَلْ، وَاللَّهِ مَا بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم يصلّ إِلَّا إِلَى الشَّامِ، قَالَ: فَإِنِّي وَاللَّهِ لَمُصَلٍّ إِلَيْهَا، فَكَانَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ تَوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَتَوَجَّهْنَا إِلَى الشَّامِ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فقال لي البراء: يابن أَخِي انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَسْأَلَهُ عَمَّا صَنَعْتُ، فَلَقَدْ وَجَدْتُ فِي نَفْسِي بِخِلَافِكُمْ إِيَّايَ، قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَقِيَنَا رَجُلٌ بِالْأَبْطَحِ، فَقُلْنَا: هَلْ تَدُلُّنَا عَلَى مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفَانِهِ إِنْ رَأَيْتُمَاهُ؟ قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفَانِ الْعَبَّاسَ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ كُنَّا نَعْرِفُهُ، كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْنَا بِالتِّجَارَةِ، فَقَالَ: إِذَا دَخَلْتُمَا الْمَسْجِدَ فَانْظُرُوا الْعَبَّاسَ، قَالَ: فَهُوَ الرَّجُلُ الَّذِي مَعَهُ، قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَبَّاسُ نَاحِيَةَ الْمَسْجِدِ جَالِسَيْنِ، فَسَلَّمْنَا، ثُمَّ جَلَسْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ تَعْرِفُ هَذَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَهَذَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وفوالله مَا أَنْسَى قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"الشَّاعِرُ؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ البراء: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي قَدْ كُنْتُ رَأَيْتُ فِي سَفَرِي هَذَا رَأْيًا، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ، قَالَ:"وَمَا ذَاكَ؟ " قَالَ: رَأَيْتُ أَنْ لَا أَجْعَلَ هَذِهِ الْبَنِيَّةَ مِنِّي بِظَهْرٍ فَصَلَّيْتُ إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا"، فَرَجَعَ إِلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ يَقُولُونَ: قَدْ مَاتَ عَلَيْهَا، وَنَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ، قَدْ رَجَعَ إِلَى قِبْلَةِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَلَّى مَعَنَا إِلَى الشَّامِ.

ثُمَّ وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَقَبَةَ، أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَنَحْنُ سَبْعُونَ رَجُلًا لِلْبَيْعَةِ، وَمَعَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ وَالِدُ جَابِرٍ، وَإِنَّهُ لَعَلَى شِرْكِهِ، فَأَخَذْنَاهُ فَقُلْنَا: يَا أَبَا جَابِرٍ وَاللَّهِ إِنَّا لَنَرْغَبُ بِكَ أَنْ تَمُوتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ. فَتَكُونَ

ص: 197

لِهَذِهِ النَّارِ غَدًا حَطَبًا، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بعث رسولًا يأمر بِتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ. وَقَدْ أَسْلَمَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِكَ، وَقَدْ وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْبَيْعَةِ، فَأَسْلَمَ وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ، وَحَضَرَهَا مَعَنَا فَكَانَ نَقِيبًا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَعَدْنَا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمِنًّى أَوَّلَ اللَّيْلِ مَعَ قَوْمِنَا، فَلَمَّا اسْتَثْقَلَ النَّاسُ مِنَ النَّوْمِ تَسَلَّلْنَا مِنْ فُرُشِنَا تَسَلُّلَ الْقَطَا، حَتَّى اجْتَمَعْنَا بِالْعَقَبَةِ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَمُّهُ الْعَبَّاسُ، لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، أَحَبَّ أنَ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مُتَكَلِّمٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ إِنَّ مُحَمَّدًا مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَهُوَ فِي مَنْعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَبِلَادِهِ، قَدْ مَنَعْنَاهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا مِنْهُ، وَقَدْ أَبَى إِلَّا الِانْقِطَاعَ إِلَيْكُمْ، وَإِلَى مَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا وَعَدْتُمُوهُ، فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَخْشَوْنَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِذْلَانًا فَاتْرُكُوهُ فِي قَوْمِهِ، فَإِنَّهُ فِي مَنْعَةٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَقَوْمِهِ، فَقُلْنَا: قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ، تَكَلَّمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَتَكَلَّمَ وَدَعَا إِلَى اللَّهِ، وَتَلَا الْقُرْآنَ وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَجَبْنَاهُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ لَهُ، وَقُلْنَا لَهُ: خُذْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ، فَقَالَ:"إِنِّي أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ"، فَأَجَابَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ فَقَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَحْنُ وَاللَّهِ أَهْلُ الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلَقَةِ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فَعَرَضَ فِي الْحَدِيثِ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَقْوَامٍ حِبَالًا، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا، فَهَلْ عَسَيْتَ إِنِ اللَّهُ أَظْهَرَكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا؟ فَقَالَ:"بَلِ الدَّمَ الدَّمَ وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ وَأُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ"، فَقَالَ لَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعْكَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا"، فَأَخْرَجُوهُمْ لَهُ، فَكَانَ نَقِيبَ بَنِي النَّجَّارِ. أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَنَقِيبَ بَنِي سَلَمَةَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَنَقِيبَ بَنِي سَاعِدَةَ: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَنَقِيبَ بَنِي زُرَيْقٍ: رَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَنَقِيبَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَنَقِيبَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ -وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ بَدَلَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ- وَنَقِيبَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَنَقِيبَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ -وَهُمْ مِنَ الْأَوْسِ- أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ، قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَ عَلَيْهَا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ، وَتَتَابَعَ النَّاسُ فَبَايَعُوا، فَصَرَخَ الشَّيْطَانُ عَلَى الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ سَمِعْتُهُ قَطُّ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَبَاجِبِ هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصَّبَأَةِ

ص: 198

مَعَهُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا أَزَبُّ الْعَقَبَةِ، هَذَا ابْنُ أُزَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ لَأَفْرُغَنَّ لَكَ، ارْفَضُّوا إِلَى رِحَالِكُمْ". فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ أَخُو بَنِي سَالِمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَئِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ عَلَى أَهْلِ مِنًى غَدًا بِأَسْيَافِنَا، فَقَالَ:"إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ" فَرُحْنَا إِلَى رِحَالِنَا فَاضْطَجَعْنَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، أَقْبَلَتْ جِلَّةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فَتًى شَابٌّ وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ لَهُ جَدِيدَتَانِ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكُمْ جِئْتُمْ إِلَى صَاحِبِنَا لِتَسْتَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مِنَ الْعَرَبِ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَيْنَا أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ، فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ قَوْمِنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَحْلِفُونَ لَهُمْ بِاللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ هَذَا مِنْ شَيْءٍ، وَمَا فَعَلْنَا، فَلَمَّا تَثَوَّرَ الْقَوْمُ لِيَنْطَلِقُوا قُلْتُ كَلِمَةً كَأَنِّي أُشْرِكُهُمْ فِي الْكَلَامِ: يَا أَبَا جَابِرٍ -يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو- أَنْتَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَتِنَا وَكَهْلٌ مِنْ كُهُولِنَا، لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَّخِذَ مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمِعَهُ الْحَارِثُ، فَرَمَى بِهِمَا إِلَيَّ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَتَلْبَسَنَّهُمَا، فَقَالَ أَبُو جَابِرٍ: مَهْلًا أَحْفَظْتَ لَعَمْرِ اللَّهِ الرَّجُلَ -يَقُولُ: أَخْجَلْتَهُ- ارْدُدْ عَلَيْهِ نَعْلَيْهِ، فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَرَدُّهُمَا، فَأْلٌ صَالِحٌ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَسْلِبَهُ1.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُمْ فَأَتَوْا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يَعْنِي ابْنَ سَلُولٍ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ جَسِيمٌ وَمَا كَانَ قَوْمِي لِيَتَفَوَّتُوا عَلَيَّ بِمِثْلِهِ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ2.

وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُمْ: "ابْعَثُوا مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نقيبًا كفلا عَلَى قَوْمِهِمْ، كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ"، فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَنْتَ نَقِيبٌ عَلَى قَوْمِكَ، ثُمَّ سَمَّى النُّقَبَاءَ كَرِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ مَالِكٍ3.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنَ الأنصار أنّ جبريل

1 صحيح: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة""1/ 399-400"، وأحمد "3/ 460-462"، وابن جرير الطبري في "تاريخه""2/ 90-93"، وقال الألباني في تحقيق "فقه السيرة" "ص177": هذا سند صحيح.

2 مرسل: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة""1/ 406".

3 مرسل: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة""1/ 403-404".

ص: 199