المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة إحدى وأربعمائة - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٢٨

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة إحدى وأربعمائة

‌المجلد الثامن والعشرون

‌الطبقة الحادية والأربعون

‌أحداث سنة إحدى وأربعمائة

بسم الله الرحمن الرحيم

الطبقة الحادية والأربعون احداث:

أحداث سنةإحدى وأربعمائة:

إظهار قرواش الطاعة للحاكم وخطبته

فيها ورد الخبر أنّ أبا المَنِيع قرواش بْن مُقَلّد جمع أهل المَوْصِل وأظهر عندهم طاعة الحاكم، وعرَّفهم بما عنده مِن إقامة الدّعوة لَهُ، ودعاهم إلى ذَلِكَ. فأجابوه في الظّاهر، وذلك في المحرَّم. فأعطى الخطيبَ نسخة ما خطب به، فكانت: الله أكبر، ولا إله إلا الله، وله الحمد الّذي انجلت بنوره غَمَرات الغضب، وانقهرت بقُدرته أركان النَّصْب، وأطلع بنوره شمس الحقّ من الغرب. الّذي محا بعدله جور الظَّلمة، وقصم بقُوته ظهر الفِتْنة، فعاد الحقّ إلى نصابه، والحقّ إلى أربابه، البائن بذاته، المنفرد بصفاته، الظّاهر بآياته، المتوحّد بدلالاته، لم تَفُتْه الأوقات فتسبقه ولم تُشْبهه الصُّور فتحويه الأمكنة، ولم تره العيون فتصفه الألسنة.

إلى أن قَالَ: بعد الصّلاة عَلَى الرّسول، وعلى أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين، أساسُ الفضل والرحمة، وعمار العِلْم والحِكْمة، وأصل الشّجرة الكرام النّابتة في الأرومة المقدَّسة المطهرّة، عَلَى أغصانه بواسق من تِلْكَ الشجرة1.

وقال في الخطبة الثانية: بعد الصلاة على محمد، اللهم صل على ولّيك الأكبر عليّ بن أَبِي طَالِب أَبِي الأئمّة الرّاشدين المَهْديين، اللهم صلّ عَلَى السَّبْطَيْن الطَّاهرين الحسن والحسين اللهم صلّ عَلَى الإمام المهديّ بك والّذي بلغٍ بأمرك وأظهر حُجتَّك، ونهض بالعدل في بلادك هاديا لعبادك. اللهم صلّ عَلَى القائم بأمرك، والمنصور بنصرك، الّلذين بذلا نفوسهما في رضاك، وجاهدا عِداك، وصلّ عَلَى المُعِزّ لدينك، المجاهد في سبيلك، والمُظْهِر لآياتك الحقيّة، والحجّة العليّة. اللهم وصلّ عَلَى العزيز بك، والذي تهذَّبت بِهِ البلاد. اللهم أجعل توافي صلواتك على سيّدنا ومولانا، إمام الزّمان، وحصن الإيمان، وصاحب الدّعوة العلّوية والملة النبوية، عبدك ووليك المنصور

1 [خبر صحيح] : وانظر المنتظم "7/ 249 - وما بعدها" وصحيح التوثيق "7/ 480".

ص: 3

أبي علي الحاكم بأمر الله، أمير المؤمنين، كما صلّيت على آبائه الرّاشدين. اللهم أَعِنْه ما ولّيته، واحفظ له ما اسْتَرْعَيْتَهُ، وانصر جيوشه وأعلامه1.

وكان السّبب أنّ رُسُل الحاكم وكتبه تكررت على قرواش، واستمالته وأفسدت نيّته.

ثم انحدر إلى الأنبار، فأمر الخطيب بهذه الخطبة، فهرب الخطيب. فسافر قرواش إلى الكوفة، فأقام بها الدّعوة في ثاني ربيع الأوّل، وأقيمت بالمدائن، وأبدى قرواش صفحة الخلاف، وعاث. فأنزعج القادُر بالله، وكاتبَ بهاء الدّولة، وأرسل في الرّسْليّة أبا بَكْر محمد بْن الطّيّب الباقلّانيّ، وحمّله قولًا طويلًا، فقال: إنّ عندك أكثر ممّا عند أمَير المؤمنين، وقد كاتبنا أبو عليّ يعني عميد الجيوش، وأمرنا بإطلاق مائة ألف دينار يستعين بها عَلَى نفقة العسكر، وإن دَعَت الحاجة إلى مسيرنا سِرنْا.

ثم نفذ إلى قرواش في ذَلِكَ، فأعتذر ووثّق مِن نفسه في إزالة ذَلِكَ، وأعاد الخطبة للقادر.

وكان الحاكم قد وجّه إلى قرواش هدايا بثلاثين ألف دينار، فسار الرَّسُول فتلقّاه قَطْعُ بالرَّقَّة فردَّ.

ولاية دمشق:

وفي ربيع الأول منها عُزِل عَنْ إمرة دمشق منير بالقائد مظفّر، فوليّ أشهرًا. ثم عُزِل بالقائد بدر العطار، ثم عُزِل بدر في أواخر العام أيضًا. وولي القائد منتجب الدّولة لؤلؤ، وكلّهم من جهة الحاكم العُبَيْديّ. ثمّ قِدم دمشقَ أبو المطاع بْن حمدان متوليا عليها مِن مصر يوم النَّحْر.

انقضاض كوكب:

وفي صفر أنقضّ وقت العصر كوكب مِن الجانب الغربيّ إلى سَمْتِ دار الخلافة، لم يُرَ أعظم منه.

زيادة دجلة:

وفي رمضان بلغت زيادة دِجْلة إحدى وعشرين ذراعًا وثُلثًا، ودخل الماء إلى أكثر

1 وراجع: المنتظم "7/ 250" وما بعدها"، والبداية والنهاية "11/ 343"، والنجوم الزاهرة "4/ 225".

ص: 4

الدُّور الشّاطيّة، وباب التِّبْن، وباب الشعير. وغرفت القُرى.

خروج أَبِي الفتح العلوي الملقّب بالراشد بالله:

وفيها: خرج أبو الفتح الحَسَن بْن جعفر العلويّ، ودعى إلى نفسه وتلقَّب بالراشد بالله. وكان حاكمًا عَلَى مكّة، والحجاز، وكثير من الشّام. فإنّ الحاكم بعث أمير الأمراء ياروخ نائبا إلى الشّام، فسار بأمواله وحُرمَه، فلقِيَهم في غزَّة مفرّج بْن جرّاح، فحاز جميع ما معهم وقتل ياروخ.

وسار مفرّج إلى الرملة فنهبها، وأقام بها الدّعوة للراشد بالله، وضرب السّكّة لَهُ. واستحوذت العربُ عَلَى الشّام من الفَرَما إلى طبريّة، وحاصروا الحصون.

امتناع ركْب العراق:

ولم يحجّ ركْبُ من العراق.

وفاة عميد الجيوش:

وفيها: تُوُفّي عميد الجيوش أبو عليّ الحُسين بْن جعفر عَنْ إحدى وخمسين سنة. وكان أَبُوهُ من حُجاب الملك عضُد الدّولة، فجعل أبا عليّ برسم خدمة ابنه صمصام الدّولة، فخَدمه، وخدَم بعده بهاء الدولة.

ثمّ ولّاه بهاء الدّولة تدبير العراق، فقدِم في سنة اثنتين وتسعين والفِتَن شديدة، واللّصوص قد انتشروا ففتك بهم، ثمّ غّرق طائفة، وأبطل ما تعمله الشّيعة يوم عاشوراء.

وقيل: إنّه أعطي غلامًا لَهُ دنانير في صينيّة، فقال: خُذْها عَلَى يدك.

وقال: سر من النَّجمي إلى الماصر الأعلى، فإن عرض لك معترض فدعْه بأخذها، وأعرف الموضع. فجاء نصف الّليل فقال: قد مشيتُ البلدَ كلّه، فلم يلْقني أحد. ودخل مرّة الرُّخَّجي وأحضر مالًا كثيرًا، وقال: مات نصرانيّ مصريّ ولا وارث لَهُ. فقال: نترك هذا المال، فإنْ حضر وارث وإلا أُخِذ فقال: الرُّخَّجي: فيحمل إلى خزانة مولانا إلى أن يتيقّن المال؟ فقال: لا يجوز ذَلِكَ. ثمّ جاء أخو الميّت فأخذ التّركة.

وكان مَعَ هيبته الشّديدة عادلًا. ولي العراق ثماني سِنين وسبعة أشهر، وتولّي

ص: 5

الشريف الرضيّ أمره، ودفنه بمقابر قُرَيْش. وولي بعده العراق فخر الملك.

وفيه يَقُولُ الببّغاء الشاعر:

سألتُ زماني: بمن أستغيث؟

فقال: استغِثْ بعميد الجيوشِ

فناديتُ: ما لي من حِرْفةٍ

فجاوب: حُوشِيت من هذا وحوشي

رجاؤك إيُّاه. يُدْنيك منه

ولو كنتَ بالصّين أو بالعريشِ

نَبَتْ بي داري وفرَّ القريب

وأودت ثيابي وبيعت فروشيِ

وكنتُ أُلَقَّبُ بالببّغا قديمًا

فقد مزق الدهرُ ريشي

وكان غداءي نقيُّ الأرزّ

فها أَنَا مقتنعٌ بالحشيش

القحط بخراسان:

وفيها كان القحط الشديد بخراسان، لا سيما بَنْيسابور، فهلكَ بنَيْسابور وضواحيها مائة ألف أو يزيدون. وعجزوا عَنْ غسل الأموات وتكفينهم. وأُكِلَتْ الجيفة والأرواث ولحوم الآدميّين أكْلًا ذريعًا، وقُبِض عَلَى أقوام بلا عدد كانوا يغتالون بني آدم ويأكلونهم. وفي ذَلِكَ يَقُولُ أبو نصر الذُّهْليّ:

قد أصبحَ الناسُ في بلاء

وفي غلاء تداولوه

من يلزم البيت مات جوعًا

أو يشهد النّاسَ يأكلوه

وقد أنفق محمود بْن سُبُكْتكين في هذا القَحْط أموالًا لا تحصى حتى أحيى النّاس، وجاء الغيث.

الفتنة بالأندلس:

وفيها: وقبلها جرت بالأندلس فتنة عظيمة، وبُذِلَ السّيف بقُرْطُبة، وقُتل خلقٌ كثير وتَمَّ ما لا يعبرَّ عنه، سُقناه في تراجم الأمراء1.

1 وراجع: المنتظم "7/ 250 - 253"، ونهاية الأب "26/ 242"، والبداية "11/ 344"، وتاريخ ابن خلدون "3/ 442".

ص: 6