المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة عشرين وأربعمائة - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٢٨

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة عشرين وأربعمائة

انعدام الرُطب ببغداد:

وعُدم الرُطب ببغداد إلى أن أبيع ثلاثة أرطال بدينار جلاليّ.

امتناع الحاجّ مِن العراق:

ولم يحج أحدٌ مِن العراق.

ولاية الدّزبري دمشق:

وفيها: ولى دمشق للعُبيديين أمير الجيوش الدّزْبَريّ، وكان شجاعًا شهمًا سائسًا منصِفًا، واسمه أبو منصور أنُوشتكين التّركيّ، له ترجمة طويلة في سنة 433.

ص: 160

"‌

‌أحداث سنة عشرين وأربعمائة

":

"وقوع البَرَد بالنعمانّية":

فيها: وقع بَرَدٌ كبار بالنُّعْمانية، في البَرَدَة أرطال.

وجاءت ريح عظيمة قلعت الأصول والزّيتون العاتية، وكثيرًا مِن النّخْل. ووُجدت بَرَدَة عظيمة يزيد وزنها عَلَى مائة رطل، وقد نزلت في الأرض نحوًا من ذراع.

"كتاب سُبكتكين إلى القادر بالله":

وفيها: ورد كتاب محمود بْن سُبُكْتكين، وهو: "سلامٌ عَلَى سيّدنا ومولانا الإمام القادر بالله أمير المؤمنين، إنّ كتاب العبد صادر عَنْ معسكره بظاهر الرَّيّ غُرة جُمادى الآخرة. وقد أزال الله عن هذه البقع أيدي الظّلَمة، وطهَّرها مِن أيدي الباطنيّة الكَفَرة.

وقد تناهَتْ إلى الحضرة حقيقة الحال فيما قصَر العبدُ عَليْهِ سعْيَه واجتهاده غزْو أهل الكُفْر والضّلال، وقمع مِن نبغ بخُراسان مِن الفئة الباطنيّة. وكانت الرّيّ مخصوصة بالتجائهم إليها، وإعلانهم بالدّعاء إلى كُفْرهم فيها، يختلطون بالمعتزلة والرّافضة، ويتجاهرون بشتم الصّحابة، ويُسرون الكُفْرَ ومذهبَ الإباحة. وكان زعيمهم رستم بْن عليّ الدَّيْلَميّ. فعطف العبدُ بالعساكر فطلع بجُرجان، وتوقّف بها إلى انصراف الشّتاء. ثمّ سار إلى دامغان، ووجّه غالبَ الحاجب في مقدّمة العسكر،

ص: 160

فبرز رستم عَلَى حُكم الاستسلام والاضطّرار، فقبض عليه وعلى رؤوس الباطنيّة مِن قُواده، وخرج الدَّيالمة معترفين بذنوبهم، شاهدين بالكُفر والرَّفْض عَلَى نفوسهم، فرُجع إلى الفقهاء في تعرُّف أحوالهم، فأفْتوا بأنّهم خارجون عَنْ الطّاعة، داخلون في أهل الفساد، يجب عليهم القتل والقطع والنفي على مراتب جنايتهم إن لم يكونوا مِن أهل الإلحاد. فكيف واعتقادهم لا يخلوا مِن التَّشَيُّع والرَّفْض والباطن. وذكر هَؤلَاءِ الفقهاء أن أكثر هؤلاء القوم يُصلّون ولا يُزّكون، ولا يعترفون بشرائط الدّين، ويجاهرون بالقذف وشتم الصحابة. والأمثل منهم معتقدٌ مذهب الاعتزال، والباطنيّة منهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.

وحكموا - يعني الفقهاء - بأنّ رستم بن عليّ في حباله خمسون امرَأَة مِن الحرائر، وَلَدْنَ لَهُ ثلاثةً وثلاثين نفْسًا. وحوّل رَأَيْته إلى خُرسان، فانضم إليه أعيان المعتزلة والرّافضة. ثمّ نظر فيما احتجبه رستم، فعثر مِن الجواهر عَلَى ما قيمته خمسمائة ألف دينار.

ثمّ ذكر أشياء مِن الذَّهب والسُّتُور والفَرْش، إلى أن قَالَ: فَخَلَت هذه البُقْعة مِن دُعاة الباطنّية وأعيان الرّوافض، وانتصرت السُنة، فطالع العبدُ بحقيقة ما يسّره الله تعالى لنصر الدولة القاهرة.

"انفضاض كوكب":

وفي رجب انقضّ كوكبٌ عظيم أضاءت لَهُ الأرض، وكان لَهُ دَويٌ كدويّ الرّعد.

"اضطراب الأمر في بغداد":

وفي شَعبان اضّطرب أمرُ بغداد وكثُرت العَمْلات. وكبس العيّارون المَحَالّ.

"غَوْر الماء في الفرات":

وأيضًا غارَ الماء في الفُرات غَوْرًا شديدًا، وبلغ أجرة طحن الكارة الدّقيق دينارا.

"قراءة كتاب القادر بالله بتفضيل السُنة":

وفيه جُمع العلماء والقُضاة في دار الخلافة، وقُرِئ عليهم كتابٌ طويل عمله القادر بالله يتضمَّن الوعظ وتفضيل مذهب السُنة، والطّعن على المعتزلة. وفيه أخبار كثيرة في ذَلِكَ.

ص: 161

"قراءة كتابٍ ثانٍ":

وفي رمضان جُمعوا أيضًا وقرأ عليهم أبو الحسن بْن حاجب النُعمان كتابًا طويلًا عمله القادر بالله، فيه أخبار وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وفيه ردٌ عَلَى مِن يَقُولُ بخلْق القرآن، وحكاية ما جرى بين عَبْد العزيز وبِشْر المَرِيسيّ، ثمّ ختمه بالوعظ والأمر بالمعروف والنَّهي عَنْ المنُكْر.

"قراءة كتاب ثالث":

وفي ذي القعدة جُمعوا لكتابٍ ثالث في فضل أَبِي بَكْر، وعمر، وسب مِن يَقُولُ بخلْق القرآن، وأُعيد فيه ما جرى بين عَبْد العزيز وبِشْر المَرِيسيّ. وأقام النّاس إلى بعد العَتْمة حتّى فرغ، ثمّ أخذ خطوطهم بحضورهم وسماع ما سمعوه.

"خطبة الشيعيّ بجامع براثا 1 ":

وكان يخطب بجامع براثا شيعيَّ فيُظهر شِعارهم. فتقَّدم إلى أَبِي منصور بْن تمّام الخطيب ليخطب ببراثا ويُظهر السُّنَّة. فخطب وقصَّر عمّا كَانَ يفعله مِن قَبْله في ذِكْر عليّ رضي الله عنه فَرَموه بالآجُر، فنزل ووقف المشايخ دونه حَتَّى أسرع فِي الصلاة. فتألم الخليفة وغاظه ذلك، وطلب الشريف المرتضى، وأبا الحَسَن الزَّيْنبيّ وأمر بمكاتبة السلطان والوزير أَبِي عليّ بْن ماكولا.

"كتاب الخليفة إلى السلطان عَنْ خطبة الشيعي":

وكان فيما كتب: "إذا بلغ الأمر أطال الله بقاءه صاحب الجيش إلى الجرأة عَلَى الدّين وسياسة الدّولة والمملكة، ثَّبتها الله، مِن الرُّعاع والأَوْباش فلا صبر دون المبالغة بما توجبه الحِمية، وقد بلغه ما جرى في يوم الجمعة الماضية في مسجد براثا الّذي يجمع الكفرة والزّنادقة، ومن قد تبرّأ الله منه فصار أشبه شيءٍ بمسجد الضرار. وذلك أن خطيبًا كان فيه يجري إلى ما يخرج بِهِ عند الزَّنْدقة والدّعوى لعليّ بْن أَبِي طَالِب عليه السلام بما لو كَانَ حيا لقد قابله. وقد فعل ذَلِكَ في الغُواة أمثال هَؤلَاءِ الغُثاء الّذين يدعون الله ما تكاد السموات ينفطرون منه. فإنه كَانَ في بعض ما يورده هذا الخطيب

1 راجع معجم البلدان "1/ 362، 363".

ص: 162

قبحه الله يَقُولُ بعد الصّلاة عَلَى الرَّسُول: وعلى أخيه أمير المؤمنين عليّ بْن أَبِي طَالِب، مكلم الْجُمْجمة، ومُحي الأموات البشريّ الإلهيّ، مكلَّم أصحاب الكهف، إلى غير ذَلِكَ مِن الغُلو، فأنفذ الخطيب أبو تمّام، فأقام الخطبة، فجاءه الآجر كالمطر، فخُلع كتفه، وكسر كتفه، وأدمى وجهه، وأسيط دمه، لولا أربعة مِن الأتراك فاجتهدوا وحموه وإلا كَانَ هلك.

وهذه هَجْمة عَلَى دين الله وفْتك في شريعة رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، والضرورة ماسّه إلى الانتقام"

"امتناع الخطبة في جامع براثا":

ونزل عَلَى الخطيب ثلاثون بالمشاعل، فانتهبوا داره وأغروا حريمه، فخاف الوزير والأمراء مِن فتنةٍ تتولّد، فلم يخطب أحد ببراثا في الجمعة الآتية.

"ازدياد تعدّيات العيّارين":

وكثُرت العَمْلات والكَبْسات، وزاد الأمر، وفُتحت الدّكاكين، وعمّ البلاء.

"تقليد ابن ماكولا قضاء القُضاة":

وفي ذي القعدة قُلد قضاء القُضاة أبو عَبْد الله الحسين بْن ماكولا.

"اعتذار الشيعة عَنْ سُفهائهم":

ثمّ أُقيمت الجمعة في جامع براثا بعد أشهُر، واعتذر رؤساء الشّيعة عَنْ سُفهائهم إلى الخليفة، وعُملت للخطيب نسخة يعتمدها، وأعفاهم الخطيب مِن دقّ المنبر بعقِب سيفه. فإنّ الشّيعة تُنكر ذَلِكَ، وهو منكر.

"مقتل جماعة مِن العيّارين":

وفي ذي الحجّة ورد أبو يَعْلَى المَوْصِليّ وجماعة مِن العَيّارين كانوا بأوانًا وعُكبرا، فقتلوا خمسة مِن الرّجّالة وأصحاب المصالح، وظهروا مِن الغد بالكَرْخ في أيديهم السّيوف، وأظهروا أنّ كمال الدّولة أبا سنان بعثهم لحفِظ البلد وخدمة السلطان، فثار بهم أهل الكَرْخ وظفروا بهم فصُلبوا.

ص: 163