المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة تسع وسبعين وأربعمائة: - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٣٢

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة تسع وسبعين وأربعمائة:

‌أحداث سنة تسع وسبعين وأربعمائة:

مقتل ابن قُتْلُمش عند حلب:

لمّا قُتِل شرف الدّولة نازل سُليمان بن قُتْلُمش حلب، وأرسل إلى نائبها ابن الحتيتيّ العبّاسيّ منه أن يسلِّمه إليه، فقدَّم تقدمة، واستمهله إلى أن يكاتب السّلطان ملكشاه. وأرسل العبّاسيّ إلى صاحب تُتُش، وهو أخو السّلطان يحرضه على المجيء ليتسلم البلد. فسار تُتُش بجيشه، فقصده قبل أن يصل إليها سُليمان، وكان مع تُتُش أرتق التُّركمانيّ جدّ أصحاب ماردين، وكان شجاعًا سعيدًا، لم يحضر مصَافًا1 إلًا وكان الظَّفر له. وقد كان فارق ابن جَهير لأمرٍ بدا منه، ولحق بتاج الدّولة تُتُش، فأعطاه القدس. والتقى الجمعان، وبلى يومئذٍ أرتق بلاءً حسنًا، وحرَّض العرب على القتال، فانهزم عسكر سُليمان، وثبت سُليمان بخواصه إلى أن قُتِل، وقيل: بل أخرج سِكّينًا عند الغَلَبة قتلَ بها نفسه. ونهب أصحاب تُتُش شيئًا كثيرًا.

ثمّ إنه سار لأخذ حلب، فامتنعوا، فحاصرها وأخذها بمخامرةٍ جَرَت.

دخول السّلطان حلب:

وأما السّلطان فإنّ البُرْدَ وصلت إليه بشُغُور حلب من ملكٍ، فساق بجيوشه من إصبهان، فقدمها في رجب، وهرب أخوه عنها ومعه أرتق.

وكانت قلعة حلب عاصيةً مع سالم ابن أخي شرف الدّولة، فسلّمها إلى السّلطان، وعوضه عنها بقلعة جَعْبَر، فبقيت في يده ويد أولاده إلى أن أخذها نور الدين.

إقرار الأمير نصر بن عليّ على شَيْزَر:

وأرسل الأمير نصر بن عليّ بن منقذ إلى السّلطان ملكشاه ببذْل الطاعة، وسلَّم إليه لاذقيه وكفر طاب وفامية، فترك قصده وأقرَّه على شَيْزَر. ثمّ سلمَّ حلب إلى قسيم الدّولة أقسنقر، فعمّرها وأحسن السّيرة.

1 المصاف: أقامهم في الحرب صفوفا، والمعنى: ما دخلت معركة إلا خرجت منتصرًا.

ص: 15

افتقار ابن الحُتَيتي:

وأمّا ابن الحُتَيتيّ فإنّ أهلها شكوه، فأخذه السّلطان معه، وتركه بديار بكر، فافتقر وقاسى. وأمّا ولده فقتلته الفرنج بأنطاكية لمّا ملكوها.

خبر وقعة الزلاقة بالأندلس:

وهو أنّ الأدفونش، لعنه الله، تمكّن وتمرَّد، وجمع الجيوش فأخذ طُلَيْطُلة، فاستعان المسلمون بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش، فبادر وعدَّى بجيوشه، واجتمع بالمعتمد بن عبّاد بإشبيلية، وتهيَّأ عسكرها وعسكر قُرْطُبة، وأقبلت المطَّوَّعة من النواحي.

وسار جيش الإسلام حتّى أتوا الزلاقة، من عمل بطليوس، وأقبلت الفرنج، وتراءى الجمعان، فوقع الأدفونش على ابن عبّاد قبل أن يتواصل جيش ابن تاشفين، فثبت ابن عبّاد وأبلى بلاءً حسنًا، وأشرف المسلمون على الهزيمة، فجاء ابن تاشفين عرضًا، فوقع على خيام الفرنج، فنهبها وقتل من بها، فلم تتمالك النصارى لما رأت ذلك أن انهزمت، فركب ابن عبّاد أقفيتهم، ولقيهم ابن تاشفين من بين أيديهم، ووضع فيهم السيف، فلم ينج منهم إلّا القليل. ونجا الأدفونش في طائفة. وجمع المسلمون من رؤوس الفرنج كومًا كبيرًا، وأذّنوا عليه، ثمّ أحرقوها لما جيفت.

وكانت الوقعة يوم الجمعة في أوائل رمضان، وأصاب المعتمد بن عبّاد جراحات سليمة في وجهه. وكان العدو خمسين ألفًا، فيقال: لم يصل منهم إلى بلادهم ثلاثمائة نفس. وهذه ملحمة لم يعهد مثلها. وحاز المسلمون غنيمة عظيمة.

استيلاء ابن تاشفين على غرناطة:

وطابت الأندلس للملثَّمين، فعمل ابن تاشفين على أخذها، فشرع أوّلًا، وقد سار في خدمته ملك غرناطة، فقبض عليه وأخذ بلده، واستولى على قصره بما حوى، فيقال: إنّ في جملة ما أخذ أربعمائة حيّة جوهر، فقوَّمت كلّ واحدةٍ بمائة دينار.

ص: 16

تلقيب ابن تاشفين بأمير المسلمين:

ونقل ابن الأثير أنّ ابن تاشفين أرسل إلى المقتدي بالله العباسيّ يطلب أن يسلطنَه، فبعث إليه الخِلع والأعلام والتّقليد، ولقِّب بأمير المسلمين.

دخول السّلطان ملكشاه بغداد:

ولمّا افتتح السّلطان ملكشاه حلب وغيرها رجع ودخل بغداد، وهو أوّل دخوله إليها، فنزل بدار المملكة ولعب بالكُرة، وقدَّم تقادم للخليفة، ثمّ قدِم بعده نظام المُلْك. ثمّ سار فزار قبور الصالحين.

وفيه يقول ابن زكَرَوْيه الواسطيّ:

زُرْتَ المشاهدَ زَوْرةً مشهودةً

أرْضت مضاجع من بها مدفونُ

فكأنّك الغَيْثُ استهلّ بتُربها،

وكأنّها بك روضةٌ ومعينٌ

ثمّ خرج وتصيّد، وأمر بعمل منارة القرون من كثرة ما اصطاد من الغزلان وغيرها.

ثمّ جلس له الخليفة ودخل إليه وأفرغ الخِلَع عليه. ولم يزل نظام المُلْك قائمًا يقدَّم أميرًا أميرًا إلى الخليفة، وكلما قدَّم أميرًا قال: هذا العبد فلان، وأقطاعه كذا وكذا، وعدّة رجاله وأجناده كذا وكذا؛ إلى أن أتى على آخرهم. ثمّ خلع على نظام المُلْك. وكان يومًا مشهودًا. وجلس نظام المُلْك بمدرسته، وحدَّث بها، وأملى مجلسًا.

ثمّ سار السّلطان من بغداد إلى إصبهان في صفر من سنة ثمانين.

الفتنة بين السُّنة والشيعة:

وفيها: كانت فتنة هائلة بين السُّنّة والشّيعة، وكادت الشيعة أن تملك، ثمّ حجز بينهم الدّولة.

تدريس الدبّوسيّ بالنظامية:

وفيها: قدِم الشريف أبو القاسم عليّ بن أبي يَعْلَى الحُسينيّ الدّبّوسيّ بغداد في تجمُّل عظيم لم يُرَ مثلُه لِعالِم، ورُتب مدرسًا بالنظامية بعد أبي سعْد المتولّي.

ص: 17

زواج ابن صاحب الموصل وإقطاعه البلاد:

وفيها: زوّج السّلطان أخته زليخا بابن صاحب الموصل، وهو محمد بن شرف الدّولة مسلم بن قريش، وأقطعه الرحْبَة، وحَرّان، والرَّقَّة، وسَرُوج، والخابور. وتسلَّم هذه البلاد سوى حَرّان، فإنّ محمد بن الشّاطر امتنع من تسليمها مدّة، ثمّ سلّمها.

عزْل ابن جهير عن ديار بكر:

وفيها: عزل فخر الدّولة ابن جهير عن ديار بكر بالعميد أبي على البلْخيّ، بعثه السّلطان وجعله عاملًا عليها.

الخطبة للمقتدي بالحرمين:

وفيها: أُسقطت خطبة صاحب مصر المستنصر بالحَرَمَيْن، وخُطِب لأمير المؤمنين المقتدي.

إسقاط المكوس بالعراق:

وفيها: أسقط السّلطان المُكوُس والاجتيازات بالعراق.

محاصرة قابس وسفاقس:

وفيها: حاصر تميم بن باديس قابِس وسَفَاقُس، وفرق عليهما جيوشه1.

1 انظر: البداية والنهاية "12/ 127-134"، والنجوم الزاهرة "5/ 125-127"، وصحيح التوثيق "7/ 516".

ص: 18