الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحداث سنة سبع وسبعين وأربعمائة:
الحرب بين العرب والتركمان عند آمِد:
فيها: بعث السّلطان جيشًا عليهم الأمير أُرْتُق بن أكسُب نجدةً لفخر الدّولة بن جَهير. وكان ابن مروان قد مضى إلى مشرف الدّولة صاحب الموصل، واستنجد به، على أن يُسلّم إليه آمد، وحلف له على ذلك، وكانت بينهما إحنٌ قديمة، فاتفقا على حرب ابن جهير وسارا، فمالَ ابنُ جهير إلى الصُّلْح، وعلمت التُّرْكُمان نيّته، فساروا في الليل، وأتوا العرب فأحاطوا بهم، والْتَحم القتال، فانهزمت العرب، وأُسِرَت أمراء بني عقيل، وغنمت التُركمان لهم شيئًا كثيرًا.
واستظهر ابن جَهير وحاصر شرف الدّولة، فراسَلَ شرف الدّولة أرتق وبذل له مالًا، وسأله أن يمُن عليه، ويمكنه من الخروج من آمد. فإذن له، فساق على حميّةٍ، وقصد الرَّقة، وبعث بالمال إلى أرتق. وسافر فخر الدّولة إلى خلاط.
وبلغ السّلطان أنّ شرف الدّولة قد انهزم وحُصر بآمد، فجهَّز عميد الدّولة ابن جهير في جيشٍ مدادًا لأبيه، فقدِم الموصل، وفي خدمته من الأمراء: قسيم الدّولة آقسنقر جد السّلطان نور الدين رحمه الله، والأمير أرتق، وفتح له أهل الموصل البلد فتسلّمه.
مصالحة السّلطان وشرف الدّولة:
وسار السّلطان بنفسه ليستولي على بلاد شرف الدّولة ابن قريش، فأتاه البريد بخروج أخيه تكش بخُراسان، فبعث مؤيّد الدّولة ابن النظام إلى شرف الدّولة، وهو بنواحي الرحبة، وحلف له، فحضر إلى خدمة السّلطان، فخلع عليه، وقدَّم هو خيلًا عربيّة من جملتها فرسَه بَشّار، وكان فرسًا عديم النظير في زمانه، لا يُسْبق. فأُجري بين يديه، فجاء سابقًا، فوثب قائمًا من شدّة فرحه، وصالح شرف الدّولة.
عصيان تكش على أخيه السّلطان:
وعاد إلى خُراسان لحرب أخيه، وكان قد صالحه. فلما رأى تكش الآن بُعد السّلطان عنه عاد إلى العصيان، فظفر به السّلطان فكحّله وسجنه، وليته قتله، فإنّه قصد مَرْو، فدخلها وأباحها لعسكره ثلاثة أيام، فنهبوا الأموال، وفعلوا العظائم1، وشربوا في الجامع في رمضان.
استرجاع أنطاكية من الروم:
وفيها: سار سُليمان بن قُتْلُمِش السلْجوقيْ صاحب قونية وأقصرا بجيوشه إلى الشّام، فأخذ أنطاكية، وكانت بيد الروم من سنة ثمانٍ وخمسين وثلاثمائة، وسبب أخذها أنّ صاحبها كان قد سار عنها إلى بلاد الروم، ورتَّب بها شحنة. وكان مسيئًا
1 العظائم: يعني المنكرات من الأفعال والأقوال.
إلى أهلها وإلى جُنده حتّى أنه حبس ابنه. فاتّفق ابنه والشّحنة على تسليم البلد إلى سُليمان، فكاتبوه يستدعونه، فركب في البحر في ثلاثمائة فارس، وجمع من الرّجّالة، وطلع من المراكب، وسار في جبالٍ وعرة ومضائق صعبة حتّى وصل إليها بغتةً ونصب السلالم ودخلها في شعبان. وقاتلوه قتالًا ضعيفًا، وقتل جماعة وعفا عن الرعيّة، وعدل فيهم، وأخذ منها أموالًا لا تُحصى. ثمّ أرسل إلى السّلطان ملكشاه يبشّره، فأظهر السّلطان السرور، وهنأه النّاس.
وفيها يقول الأبِيوَرْدِيّ قصيدته:
لَمَعْت كناصية الحِصان الأشقرِ
…
نارٌ بمعتَلِج الكثيبِ الأعفَرِ
منها:
وفتحتَ أنطاكيَّة الرّوم التي
…
نَشَرَتْ مَعَاقِلَها على الإسكندرِ
وطِئَتْ مناكبَها جيادُك فانْثَنَت
…
تُلقِي أجنتَّها بناتُ الأصفرِ
وأرسل شرف الدّولة مسلم بن قريش إلى سُليمان يطلب منه الحَمل الذي كان يحمله إليه صاحبُ أنطاكية. فبعث يقول له: إنّما ذاك المال كان جزية رأس الفردروس، وأنا بحمد اللَّه فمؤمن، ولا أعطيك شيئًا.
فنهب شرف الدّولة بلاد أنطاكيّة، فنهب سُليمان أيضًا بلاد حلب، فاستغاث له أهلُ القرى، فرقَّ لهم، وأمرَ جُنْدَه بإعادة عامّة ما نهبوه.
مقتل شرف الدولة بنواحي أنطاكية:
ثمّ إنّ شرف الدّولة حشد العساكر، وسار لحصار أنطاكية، فأقبل سُليمان بعساكره، فالتقيا في صَفَر سنة ثمانٍ وسبعين بنواحي أنطاكية، فانهزمت العرب، وقُتل شرف الدّولة بعد أن ثبت، وقتِل بين يديه أربعمائة من شباب حلب.
وكان أخوه إبراهيم في سجنه، فأخرجوه وملّكوه.
حصار حلب:
وسار سُليمان فنازل حلب وحاصرها أكثر من شهر، وترحّل عنها.
ولاية آقسنقر شحنكية بغداد:
وفيها: وُلْي شحنكيّة1 بغداد قسيم الدّولة آقسنقر.