المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة ثمان وسبعين وأربعمائة: - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٣٢

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة ثمان وسبعين وأربعمائة:

‌أحداث سنة ثمان وسبعين وأربعمائة:

استيلاء الأدفُونش على طليطلة:

كان قد جمع الأدفونش، لعنه الله، جيوشَه، وسار فنزل على مدينة طُليطلَة من بلاد الأندلس في السّتين الماضية، فحاصرها سبْع سِنين، وأخذها في العام من صاحبها القادر بالله ولد المأمون يحيى بن ذي النون، فازداد قوّةً وطغى وتجبَّر.

موقعة الملثّمين بالأندلس:

وكان ملوك الأندلس، حتّى المعتمد صاحب قُرْطُبة وإشبيلية، يحمل إليه قطيعة كلّ عام. فاستعان المعتمد بن عبّاد على حربه بالملثّمين من البربر، فدخلوا إلى الأندلس، فكانت بينهم وقعة مشهورة، ولكن أساء يوسف بن تاشفين ملك الملثمين إلى ابن عبّاد، وعمل عليه، وأخذ منه البلاد، وسجنه بأغمات إلى أن مات.

رواية ابن حزم عن كتاب الأدفونش إلى المعتمد بن عبّاد:

وذكر اليَسَع بن حَزْم قال: كان وجّه أدفونش بن شانجة رسولًا إلى المعتمد. وكان من أعيان ملوك الفرنج يقال له: البرهنس، معه كتاب كتبه رجلٌ من فقهاء طُلَيْطلة تنصَّر ويُعرف بابن الخيّاط، فكان إذا عُيِّر قال:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] والكتاب: من الإنبراطور ذي الملّتين الملك أدفونش بن شانجة، إلى المعتمد بالله، سدّد الله آراءه، وبصّره مقاصد الرشاد. قد أبصرت تَزَلْزُل أقطار طُلَيْطُلة، وحصارها في سالف هذه السّنين، فأسلمتم إخوانكم، وعطّلتم بالدَّعة زمانكم، والحذر من أيقظ بالَهَ قبل الوقوع في الحبالة. ولولا عهدٍ سَلَفَ بيننا نحفظ ذِمامه نهض العزم، ولكن الإنذار يقطع الأعذار، ولا يعجل إلا من يخاف الفوت فيما يرومه، وقد حمّلنا الرّسالة إليك السّيد البرهانس، وعنده من التسديد الذي يلقى به أمثالك، والعقل الذي يدبّر به بلادك ورجالك، ما أوجب استنابته فيما يدق ويجلّ.

1 الشحنكية: هي الجماعة التي يقيمها الحاكم، أو الوالي لكي تقوم بضبط أحوال الرعية.

ص: 12

فلمّا قدم الرسول أحضر المعتمد الأكابر، وقرئ الكتاب، فبكى أبو عبد الله بن عبد البَر وقال: قد أبصرنا ببصائرنا أنَّ مآل هذه الأموال إلى هذا، وأن مسالمة الّعين قوّة بلاده، فلو تضافرنا لم نصبح في التّلاف تحت ذلّ الخلاف، وما بَقِي إلّا الرجوع إلى الله والجهاد.

وأما ابن زيدون وابن لَبُون فقالا: الرأي مهادنته ومسالمته. فجنح المعتمد إلى الحرب، وإلى استمداد ملك البربر، فقال جماعة: نخاف عليك من استمداده. فقال: رعْي الْجِمال خيرٌ من رعي الخنازير.

جواب المعتمد بن عبّاد إلى الأدفونش:

ثمّ أخذ وكتب جواب أدفونش بخطِّهِ، ونصّه:

الذّلُّ تأباه الكرامُ ودِيننا

لك ما ندين به من البأساءِ

سمناك سلمًا ما أردت وبعد ذا

نغزوك في الإصباح والإمساءِ

الله أعلى من صليبك فادرع

لكتيبة خطبتك في الهيجاء

سوداء غابت شمسها في غَيْمها

فجرت مدامُعها بفَيْض دماءِ

ما بيننا إلّا النّزال وفتنة

قدحت زِناد الصّبر في الغماءِ

من الملك المنصور بفضل الله المعتمد على الله محمد بن المعتضد بالله، إلى الطّاغية الباغية أدفونش الّذي لقَّب نفسه ملك الملوك، وتسمّى بذي الملَّتين. سلام على من اتَّبع الهُدى، فأول ما نبدأ به من دعواه أنه ذو المِلَّتين والمسلمون أحقّ بهذا الاسم؛ لأنّ الذي نملكه من نصارى البلاد، وعظيم الاستعداد، ولا تبلغه قدرتكم، ولا تعرفه ملّتكم. وإنّما كانت سِنَةُ سعدٍ اتَّعظ منها مناديك، وأغفل عن النّظر السّديد جميل مُناديك، فركبنا مركب عجز يشحذ الكْيس، وعاطيناك كؤوس دعةٍ، قلت في أثنائها: ليس. ولم تستحي أن تأمر بتسليم البلاد لرجالك، وإنّا لنعجب من استعجالك وإعجابك بصنعٍ وافقك فيه القَدَر، ومتى كان لأسلافك الأخدمين مع أسلافنا الأكرمين يدٌ صاعدة، أو وقفة مساعدة، فاستعد بحربٍ، وكذا وكذا.. إلى أن قال: فالحمد لله الذي جعل عقوبة توبيخك وتقريعك بما الموت دونه، والله ينصر دينه ولو كره الكافرون، وبه نستعين عليك.

ص: 13

ثمّ كتب إلى يوسف بن تاشفين يستنجده فأنجده.

استيلاء ابن جهير على آمد وميافارقين:

وفيها: استولى فخر الدّولة ابن جهير على آمد وميافارقين، وبعث بالأموال إلى السّلطان مَلِكْشاه.

ملْكَ ابن جهير جزيرة ابن عَمْر:

ثمّ ملك جزيرة ابن عَمْر بمخامرة من أهلها، وانقرضت دولة بني مروان.

محاصرة أمير الجيوش دمشق:

وفيها: وصل أمير الجيوش في عساكر مصر، فحاصر دمشق، وضيّق على تاج الدّولة تُتُش، فلم يقدر عليها، فعاد إلى مصر.

الفتنة بين السُّنة والشيعة:

وفيها: كانت فتنة كبيرة بين أهل الكرْخ الشيعة وبين السّنة، وأحرقت أماكن واقتتلوا.

الزلزلة بأرَّجان 1:

وجاءت زلزلة مهُولة بأرَّجان، مات خَلقُ منها تحت الردم.

الريح والرعد والبرق ببغداد:

وفيها: كانت الرّيح السّوداء ببغداد، واشتدّ الرَّعد والبرق، وسقط رملٌ وتراب كالمطر، ووقعت عدّة صواعق، وظنّ النّاس أنّها القيامة، وبقيت ثلاث ساعات بعد العصر، نسأل الله السلامة.

وقد سقت خبر هذه الكائنة في ترجمة الإمام أبي بكر الطُّرطوشيّ؛ لأنّه شاهدها وأوردها في أماليه. وكان ثقة ورعًا، رحمه الله تعالى.

1 أرجان من أعمال بلاد خراسان القديم.

ص: 14