الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لهم ينزلونها، ولم يدروا أن دولتهم قد ولت، وأيامهم قد تصرمت نسأل الله خاتمةً صالحةً1.
"الزّلزلة بالشّام":
وفيها: كانت زلازل عظيمة مزعجة بالشّام، تخرّب من سور أنطاكية تسعون برجًا، وهلك من أهلها عالمٌ كثير تحت الرَّدْم، فأمر السّلطان بعمارتها2.
1 البداية والنهاية "12/ 137".
2 البداية والنهاية "12/ 138"، والكامل في التاريخ "10/ 200".
أحداث سنة خمس وثمانين وأربعمائة:
"وقعة جيان بالأندلس":
فيها: وقعة جَيّان1 بالأندلس:
كانت بعد وقعة الزّلّاقة، وتُقاربُها في الكِبَر فإنّ الأذفونش جمع جُموعًا عظيمة، وقصد بلاد جَيّان، فالتقاه المرابطون فانهزم المسلمون، وأشرف النّاسُ على خُطّةٍ صعبة، ثمّ أنزل الله النّصر، فثبتوا وهزموا الكُفّار، ووضعوا السّيف فيهم، ونجا الأذفونش في نَفَرٍ يسير2.
"نسخة كِتَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هرقل":
ثمّ تهيّأ في العام القابل، وأغار على القُرى وحرَّق الزَّرع، وبقي النّاس معه في بلاءٍ شديد، وشاخ وعُمِّر، وكان من دُهاة الرّوم، وهو أكبر ملك للفرنج، تحت يده عدّة ملوك وجعل دار مملكته طُلَيْطُلَة، فبقي مجاورًا لبلاد الإسلام. وهو من ذُرّيّة هِرَقْل. وكان عنده كِتَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جدّه.
قال الْيَسَعُ بنُ حزْم: حدّثنا الفقيه أبو الحسن بن زيدان قال: لمّا توجّهنا إلى ابن بنتِه رُسُلًا أنا وفُلان، أمرَ فأُخْرِج سفْطٌ فيه حق ذهب مرصع بالياقوت والدر،
1 جيان: مدينة لها كورة واسعة بالأندلس "معجم البلدان 2/ 195".
2 سير أعلام النبلاء "18/ 322"، والكامل في التاريخ "10/ 202".
فاستخرج منه الكتاب كما نصّه في "صحيح البخاري"1 فلما رأيناه بكينا، فقال: مم تبكون؟ فقلنا: تذكرنا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: إنّما هذا الكتاب شَرَفي وشَرَف آبائي من قبلي.
"تسيير عسكر السلطان ملكشاه لفتح بلاد السّاحل":
وفيها أمرَ السّلطان ملكشاه لقسيم الدّولة وبوران وغيرهما أن يسيرا في خدمة أخيه تُتُش، حتّى يستولوا على ما بيد المستنصِر العُبَيْديّ بالسّواحل، ثمّ يسيرون بعد ذلك إلى مصر فيفتحوها، فسَاروا إلى أن نزلوا على حمص، وبها صاحبها ابن مُلاعِب، وكان كثير الأذِيّة للمسلمين، فأخذوا منه البلد بعد أيّام2.
ثمّ ساروا إلى حصْن عِرْقه، فأخذوه بالأمان3.
ثمّ نازل طرابُلُس، فرأى صاحبُها جلال المُلْك ابن عَمّار جيشًا لا قِبَل له به، فأرسل إلى الأمراء الّذين مع تُتُش، ووعدهم ليُصلِحوا حاله، فلم ير فيهم مطعمًا ثمّ سيّر لقسيم الدّولة ثلاثين ألف دينار وتقادُم فسَعى له عند تُتُش هو وكاتبُه، فغضب تتش وقال: هل أنت إلا تابع لي: فخلاه في الليل، ورحل إِلى حلب، فاضطّر تُتُش إلى التَّرحُّل عن طرابلس وانتقض ما قرَّر لهم السّلطان من الفتوح4.
"فتح اليمن للسّلطان":
وفيها: فتح للسّلطان اليمنُ: كان فيمن حضر إلى خدمته ببغداد جنق5 أمير التّركمان صاحب قرميسين، فجهَّزَه السّلطان في جماعة أمراء من التُّرْكُمان إلى الحجاز واليمن، وأن يكون أمرهم إلى سعْد الدّولة كوهرائين، فاستعمل عليهم كوهرائين عِوَضَه ترشك، فساروا إلى اليمن واستولوا عليها، فظلموا وعَسفوا وفَسَقوا فأسْرَفوا، ومَلَكوا عدن، وظهر عَلَى ترشك جدري أهلكه بعد جمعة من وصوله إلى عدن.
1 حديث صحيح: أخرجه البخاري رقم "7"، ومسلم "1773"، وأبو داود "5136"، والترمذي "2618".
2 البداية والنهاية "12/ 139".
3 البداية والنهاية "12/ 140".
4 الكامل في التاريخ "10/ 202، 203".
5 في الكامل "10/ 203""جبق".
وعاش سبعين سنة فنقله أصحابه معهم، ودُفِن ببغداد عند مشهد أبي حنيفة1.
"وفاة السلطان":
قال صاحب "المرآة": في غُرَّة رمضان توجّه السلطان من إصبهان إلى بغداد عازمًا على تغيير الخليفة؛ فوصل بغدادَ في ثامن عشر رمضان، فنزل داره، ثمّ بعث إلى الخليفة يقول: لا بُدّ أن تترك لي بغداد، وتذهب إلى أيّ بلدٍ شئت. فانزعج الخليفة وقال: أمهلني ولو شهرًا.
فقال: ولا ساعة.
فبعث الخليفة إلى وزير السّلطان تاج المُلْك، فطلب المهلة عشرة أيّام. فاتَّفق مرض السّلطان وموته، وعُدَّ ذلك كرامةً للخليفة2.
"مقتل الوزير نظام المُلْك":
وفي عاشر رمضان قُتِل نظام المُلْك الوزير بقُرب نهاوند، أتاه شابٌّ دَيْلَميّ من الباطنيّة في صورة مستغيث فضربه بسِكّين عندما أُخْرجت محفَّته إلى خيمة حُرَمِه بعد إفطاره، وتَعِس الباطنيّ فلحِقُّوه وقتلوه3. وكان مولده سنة ثمان وأربعمائة4.
وقيل: إنّ السّلطان هو الّذي دسّ عليه من قتله، لأن ابن ابن نظام المُلْك كان شابًا طريا، ولي نظر مرْو ومعه شِحْنة للسّلطان، فعمد وقبض عليه، فغضب السّلطان، وبعث جماعةً إلى نظام الملك يعنقه ويوبِّخه ويقول: إن كنتَ شريكي في المُلْك فلذلك حكمٌ! وهؤلاء أولادك قد استولى كلّ واحدٍ على كورةٍ كبيرة، ولم يكفهم حتّى تجاوزوا أمر السّياسة.
فقوّى نفسه، ولقد يمُتّ بأمورٍ ما أظنّ عاقلًا يقولها، ويقول: إن كان ما علم أني شريكه فليعلم5.
1 سير أعلام النبلاء "18/ 322"، البداية والنهاية "12/ 140".
2 المنتظم "9/ 62"، "16/ 299، 300".
3 البداية والنهاية "12/ 139، 140".
4 الكامل في التاريخ "10/ 204".
5 الكامل في التاريخ "10/ 205".
"وفاة السلطان ملكشاه":
فازداد غضب السّلطان ملكشاه وعمل عليه، ولكنّه ما مُتِّع بعده، إنّما بقي خمسةٍ وثلاثين يومًا ومات1.
"سلطنة محمود بن ملكشاه":
فلمّا مات السّلطان كتمت زوجته تُرْكان، مَوْتَه، وأرسلت إلى الأمراء سرًّا فاستحلفتهم لولدها محمود ابن السّلطان، وهو في السّنة الخامسة من عمره.
فحلفوا له2، وأرسلت إلى المقتدي بالله في أنْ يُسلْطنه، فأجاب، وخُطِب له، ولُقِّب ناصر الدُّنيا والدِّين3، وأرسلت في الحال تُرْكان إلى إصبهان من قَبَضَ على بركيارُوق4 أكبر أولاد السّلطان فَقُبِض عليه5.
"خلاف بركياروق":
فلمّا اشتهر موتُ أبيه وثب المماليك بإصبهان، وأخرجوه وملّكوه بإصبهان. وطالبت العساكرُ الوزيرَ بالأرزاق، فوعدهم فلمّا وصل إلى قلعة برجين التي فيها الخزائن صعِد إليها ليفرّق فيهم، فأغلقها وعصى على تركان فنهبت العساكر أثقاله، وذهبت هي إلى إصبهان. فندم ولحِقها، وزعم أنّ متولِّي القلعة حبَسه، وأنّه هرب منه، فقبلت عُذْرَه6.
وأمَّا بَركيَارُوق ففارق إصبهان، وبادر إلى الريّ، وانضم إليه فرقةٌ من العسكر، وأكثرهم من المماليك النّظامية، لبُغضهم لتاج المُلْك لأنّه كان عدوًّا لمولاهم، وهو المُتَّهم بقتْلِه، فنازلوا قلعة طبرك، وأخذوها عنوةً7.
1 تاريخ الخلفاء "5252".
2 البداية والنهاية "12/ 139".
3 تاريخ الزمان "121".
4 في تاريخ الزمان "121""تركياروق وفي الكامل "10/ 215" "بركيارق".
5 الكامل في التاريخ "10/ 214، 215".
6 الكامل في التاريخ "10/ 215".
7 المختصر في أخبار البشر "2/ 203"، والكامل في التاريخ "10/ 215".
"انهزام عسكر تُركان وأسر تاج المُلْك":
وجهَّزت تُركان عساكرها لحربهم، فالتقى الجمعان بناحية بَرُوجِرْد، فخامَر طائفة، والتفّوا أيضًا على بَركيَارُوق، واشتدّ الحرب. ثمّ انهزم عسكر تُركان، وساق بركياروق في أثرهم، فنازل إصبهان في آخر السّنة.
وأُسِر بعد الوقعة تاج المُلْك، فأُتِي به بَركيَارُوق وهو على إصبهان، فأراد أن يستوزره1.
"مقتل تاج المُلْك":
وأخذ تاج المُلْك في إصلاح كبار النّظامية، وفرَّق فيهم مائتي ألف دينار، وبلغ ذلك عثمان بنَ نظام المُلْك2، فشغب عليهم سائر الغلمان الصِّغار، وقال: هذا قاتل أستاذكم. ففتكوا به، وقطّعوه في المحرَّم سنة ستٍّ.
وكان كثير المحاسن والفضائل وإنّما غطّى ذلك ممالأته على قتل نظام الملك، ولأنّ مدّته لم تَطُلْ. وعاش سبْعًا وأربعين سنة3.
"إيقاع عرب خفاجة بالرّكب العراقي":
وأمّا عرب خَفَاجَة فطمعوا بموت السّلطان، وخرجوا على الركْب العراقيّ، فأوقعوا بهم، وقتلوا أكثر الْجُنْد الّذين معهم، ونهبوا الوفد، ثمّ أغاروا على الكوفة، فخرجت عساكر بغداد وتبعَتْهم حتّى أدركتهم فقُتِل من خَفَاجَة خلْق، ولم تقْوَ لهم شوكةٌ بعدَها4.
"حريق بغداد":
وفيها كان الحريق المَهُول ببغداد، وكان من الظُّهر إلى العصر.
قال صاحب "الكامل": واحترق من النّاس خلْق كثير، واحترق نهر معلى، من
1 الكامل في التاريخ "10/ 216".
2 في الكامل في التاريخ "10/ 216": "عثمان نائب نظام الملك".
3 الكامل في التاريخ "10/ 216".
4 سير أعلام النبلاء "18/ 322"، والبداية والنهاية "12/ 139".