الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجربتي مع الإعجاز العلمي في السنة النبوية
إعداد الدكتور/ صالح أحمد رضا
بسم الله الرحمن الرحيم
الإعجاز لغة واصطلاحاً
العجز– في اللسان العربي-: الضعف، وأصله التأخر عن الشيء، والقصور عن فعله، وهو ضد القدرة.
وأعجزت فلاناً، وعجزته، وعاجزته: جعلته عاجزاً، وجاء في القرآن الكريم:{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} في آيات كثيرة (1) ، والمقصود بها أن المخاطب بها لا يعجز الله تعالى، بل هو سبحانه قادر عليهم، وهم في قبضته، وتحت قهره، ومشيئته.
وجاء على لسان ابن آدم أنه قال: {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} [المائدة: 31] أي ضعفت في عقلي وتفكيري أن أفعل هذا الفعل، ولم أهتد إليه لضعفي وعجزي، وظاهر أن العجز هنا في هذه الآية هو ضعف في التفكير، وعدم التوصل بفكره إلى حفر حفرة يواري فيها جثمان أخيه المقتول، فإنه بعد أن رأى فعل الغراب واراه فقد كان عاجزاً في فكره قادراً بعمله، فالعجز يطلق على الأمور المادية والمعنوية. ومصدر أعجز: إعجاز،
(1) الأنعام: 134- ويونس: 53 – وهود: 33 – والعنكبوت: 22- والشورى: 31-
وجاء {لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} [هود: 20] و {فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [النحل: 46] و {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} [النور:57] و {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الزمر: 51]
وجاء: {غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} [التوبة: 2و3]
وجاء: {وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ} [الاحقاف: 32]
وجاء: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} [فاطر: 44]
ومنه اشتقت "المعجزة" وهي اسم فاعل ألحقت به التاء للمبالغة (1) .
وأما في الاصطلاح: فيدور تعريف من عرفها من علمائنا السابقين على المعنى التالي: "أمر خارق للعادة، مقرون، مع عدم المعارضة".
بين مطول في التعريف ومختصر له.
وجاء في شرح العقيدة الطحاوية–نقلاً عن ابن تيمية دون ذكره: "المعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة، وفي عرف أئمة أهل العلم المتقدمين كالإمام أحمد بن حنبل، وغيره، ويسمونها"الآيات" (2) .
هذا، ولم تكن كلمة إعجاز ولا معجزة شائعة في الاستعمال، وإنما جاء في القرآن الكريم إطلاق اسم"الآية" و" البينة"و "البينات"، وجاء وصف معجزات الأنبياء–عليهم السلام بأنها برهان (3) .
وقد بدأ استعمالها- أي المعجزة- في أواخر القرن الثاني، وأوائل القرن الثالث في كتابات العلماء الذين ألفوا في بيان دلائل الإعجاز في القرآن
(1) انظر: الصحاح للجوهري3/884/ معجم مقاييس اللغة لابن فارس 4/232/ مفردات غريب القرآن للأصفهاني (عجز) ، لسان العرب لابن منظور، تاج العروس شرح القاموس للزبيدي.
(2)
شرح العقيدة الطحاوية 2/ 746 ومجموع الفتاوي 11/311-335.
(3)
جاء لفظ (آية) بمعنى العلامة البينة على صدق الرسل دافعة إلى الإيمان بالله تعالى أكثر من ثمانين مرة في القرآن.
وجاء لفظ (آيات) بهذا المعنى أكثر من ذلك.
كما جاء لفظ (بينة) بهذا المعنى اثنتي عشرة مرة.
وجاء لفظ (بينات) بالمعنى المذكور أربعين مرة.
وأما لفظ (برهان) في المعنى المذكور فورد في آيتين الأولى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [النساء: 174] .
وبالتثنية في قوله تعالى {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ} [القصص: 32] .
الكريم، فاستعملوا كلمة "الإعجاز والمعجزة".
هذا بالنسبة لما في القرآن الكريم أما خوارق العادة التي جاءت في السنة النبوية، فقد أطلق عليها علماء السنة "علامات النبوة" كما جاء في أبواب صحيح البخاري، وكذا " دلائل النبوة " ألف بهذا الاسم كتباً أئمة مثل: أبي نعيم، والبيهقي، والماوردي، والفريابي"
ولكن العلماء لم يفرقوا بين الدلائل والمعجزات، لأن الأصل في المعجزة أن تكون أمام من ينكر النبوة، وأما الدلائل فهي أعم من ذلك فقد تكون أمام المؤمنين تقوي إيمانهم، وأمام غيرهم تدلهم على أن من ظهرت على يده هو مؤيد من قبل الله تعالى.
وقد قام كثيرون ممن تحدث عن المعجزة بتعريفها تعريفاً جديداً ليدخل فيها ما عُدّ حديثاً من أوجه الإعجاز، وقد اخترت تعريفاً أرجو أن يكون موفقاً، ويكون جامعاً مانعاً، وهو:"المعجزة أمر يجريه الله تعالى على يد نبيه، أو علم يبديه في قوله، لا يقدر أحد من الخلق على الإتيان بمثله في زمانه، يكون دليلاً على نبوته لخروجه عن طاقة الخلق".
فيكون التعريف جامعاً لجميع الوجوه التي تعد من الإعجاز حسب ما أرى، وإني أرى أن ما عُدّ من دلائل النبوة، وعلاماتها هو من الإعجاز بلا شك ولا ريب؛ لأن خرق العادة فيها كان لإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أجراه الله عز وجل ليؤكد للمؤمنين إيمانهم، ويزيدهم رسوخاً في هذا الإيمان، والتسليم لرسول الله المصطفى صلى الله عليه وسلم ما قاله، وشرعه، وأمر به، وذلك لأن خرق العادة له بمنزلة قول الله سبحانه"صدق عبدي بما يقول"، والفاعل فيها هو الله تعالى وحده لا شريك له إذ ليست من طبيعة فعل البشر.
وأما قولي"في زمانه" فذلك لتدخل الأمور العلمية التي تحدث عنها القرآن العظيم في ثنايا آياته، وتحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه المتنوعة، حيث كانت غير مدركة في زمانه، وأصبحت اليوم يستطيع تبينها، ومعرفة كنهها الكثير، وذلك لأن كثيراً من الأمور التي تحدث عنها الوحي أصبحت تفهم شيئاً فشيئاً كلما حدثت اكتشافات جديدة أوضحت أموراً في هذا الكون الفسيح، تكشف ما احتواه الوحي من السبق في الإخبار عن حقائق علمية كانت في أذهان المؤمنين أمراً عادياً، بينما هي في نظر علماء الهيئة، وعلماء الكون حقيقة لم يتوصل إليها الإنسان إلا في عصر العلم الذي نعيش، ولذلك نرى أن الله تعالى قال في كتابه العظيم بصيغة المستقبل:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] . فاكتشاف الحقائق العلمية في الكون، وفي النفس الإنسانية دليل واضح بأن ما أنزل على محمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم حق لا مرية فيه لمن ينظر بعين باصرة، وعقل متفتح.