المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه الثالث: "كون القرآن هدى - تجربتي مع الإعجاز العلمي في السنة النبوية

[صالح بن أحمد رضا]

الفصل: ‌الوجه الثالث: "كون القرآن هدى

‌الوجه الثالث: "كون القرآن هدى

"

فكل ما في القرآن هداية لمن أراد الخير والرشاد، ودلالة على ما يجب اتباعه من سبل الحياة المختلفة، والمضطربة، فكل إرشاده هداية للسبيل الأقوم، ودلالة على الطريق الأسلم، ولذا كان القرآن الكريم معجزاً في هدايته، وتشريعه الذي جاء به في محكم آياته، وفي أخلاقه التي دعا إليها، وحث عليها، ومدحها، ومدح المتخلقين بها، وهو وجه أساسي كبير لأن الهداية هي المطلب الرئيس للإسلام، ولذلك علمنا الله تعالى في أول سورة من القرآن أن نطلب الهداية إلى الصراط المستقيم {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأها ـ ضمن سورة الفاتحة ـ في كل ركعة من ركعات الصلاة، وقد بين الله سبحانه أن المهمة الأساسية لهذا القرآن هي الهداية:{الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 1-2] وقال تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1] .

وقال– عز من قائل -: {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ، هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 1-2] .

وقال-جل اسمه-: {الم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ، هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان: 1-3] .

وقال رب العزة والجلال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ

ص: 30

رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57] .

وقال سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23] .

وهذه الآية بينت أمرين:

- الأول كون القرآن هدى.

- والثاني– وهو أحد أركان الدعوة وسُبُلها- أن يكون الكلام مؤثراً في النفوس حتى تقبله، ويستقر فيها، وتستريح القلوب به، وله.

ولا أريد أن أطيل في ذكر الآيات، فكل آية وُصِف القرآنُ فيها أنه مبشر، أو منذر، أو أنه ذكر، أو ذكرى، أو فرقان، أو حكمة

كل ذلك داخل ضمن الدعوة التي يراد منها الوصول إلى الهدى الذي جاء به القرآن الكريم.

ومما يشمله كونه هدى أن فيه من الآيات البينات التي تخاطب صاحب العقل فيفهم ما فيها، ويخاطب صاحب القلب، فينمو حب الله ورسوله فيه، كل إنسان بلغته التي يصل معها إلى الهداية المنشودة، وكذلك فيه تربية للنفس الإنسانية التي يخاطبها حتى تصبح زكية، مرتقية عن سفاسف هذه الدنيا، وترتقي لتكون راضية مرضية، تتلقى آيات كتاب الله بقلب سليم، وتسعى لإيصال الخير إلى الناس بشتى الوسائل.

ومما يدخل ضمن كونه هدى أنه ميسر للذكر قال الله تعالى: {وَلَقَدْ

ص: 31

يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} : [القمر: 17و22و32و40] أي والله قد يسرنا القرآن للحفظ والتدبر والاتعاظ، أي يقسم الله تعالى على أنه يسر هذا القرآن للذكر، والتدبر، فأين أولئك الذين يقرؤونه ليفقهوا ما فيه من الدروس والعبر، والعظات، والحكم العظيمة التي تدلهم إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة!

وذلك أنه لما كان هدى لجميع الناس، وكان منزلاً من عند الله تعالى، فلا بد أن يكون ميسراً ليستطيع الناس فهمه، والإفادة منه، فبالرغم من أنه في أعلى درجات البلاغة والبيان، وأكمل الكلام في التفصيل والإجمال، رغم ذلك يقرأه العامي فيشعر أنه يفهمه ويعرف ما فيه، ويقرأه العالم فيغوص في بحاره مستخرجاً الدرر، ويقرأه الأعجمي فيشعر براحة نفسية عجيبة، ويقرأه العربي، فيضاف إلى راحته فهم بعض وجوهه ومعانيه، ويكرره هذا وذاك، فلا يزيدهم التكرار إلا قوة في التمسك به، وثباتاً على الاستمرار في الاستهداء بهديه، والاسترشاد بما فيه من آيات الهدى والرشاد.

ولا شك أن هذا من آيات إعجاز القرآن، فكم من كتاب بديع النظم، أدبي الصورة، لا يستطيع أن يقرأه عوام الناس ممن عرف القراءة، ولم يتعمق في العلم، بل إننا نجد في المجتمعات الإنسانية حتى الذين تعمقوا في دراسة الأدب يمجون تلك الكتب المنمقة، المحسنة التي اختيرت لها الألفاظ، وأتقن في تراكيبها أيما إتقان، أما القرآن الكريم فرغم رفعة شأنه، وعظمة إتقانه، وعلو بيانه، فإنه محبب لكل قارئ، ويراه ميسراً في قراءته، ميسراً في حفظه، ويجد في نفسه الدافع القوي ليفهم كل كلمة فيه، وليستمر في الصلة به.

ص: 32

وهنا أقول: إن كونه هدى يجعل كل ما فيه هدى، فهو هدى بما فيه من عقائد وعبادات، وما فيه من أحكام مختلفة، وكذا ما فيه من الآيات البينات ذات الدلالات العقلية والفكرية، وكذا ما فيه من الدلالات العلمية

كل ذلك هدى لأنها تدل في النهاية على أنه منزل من عند الله تعالى العلي الكبير، فلا منافاة بين وجود الدلالات العلمية المعجزة وبين كونه هدى.

ص: 33