المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الضابط الرابع: معرفة الحدود التي يجب أن يقف عندها العقل الإنساني - تجربتي مع الإعجاز العلمي في السنة النبوية

[صالح بن أحمد رضا]

الفصل: ‌ ‌الضابط الرابع: معرفة الحدود التي يجب أن يقف عندها العقل الإنساني

‌الضابط الرابع:

معرفة الحدود التي يجب أن يقف عندها العقل الإنساني أمام الحقائق المطلقة الواردة في النصوص القرآنية والنبوية، فالعقل الإنساني يجب أن يقف عند حدود علمه الذي رزقه الله إياه، ولا يحاول أن يفهم النص بما لا يعلمه، قال الله تعالى:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء: 85] فإن فهم النصوص الشرعية المتعلقة بالحقائق الكونية وكل ما اتصل إليه من أبعاد لها فسحة عمر الإنسانية لتصل إلى حقيقتها: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] فليس من واجبنا، ولا يقع على عاتقنا أن نتبين جميع النصوص العلمية الواردة في الوحي المنزل من عند الله تعالى، وإنما علينا أن نبذل قصارى جهدنا، وما آتانا الله تعالى من علم لفهم النص قلنا به متوكلين على الله جل جلاله لبيان هذا الفهم، والله المستعان.

هذا الذي قررته سابقاً من الأمور النظرية في قضايا الإعجاز إنما كانت أمورا ركزت عليها أثناء كتابتي لإعجاز السنة النبوية، فمثلاً لو اتخذنا النواحي الطبية ابتداء من خلق آدم عليه السلام إلى نهاية الهرم، فإنني كنت أقرر ما جاء في السنة النبوية، ثم آتي بما ثبت عند أهل علم الطب من الحقائق حتى إذا لم أجد شيئاً قررت الحقيقة الثابتة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت أهل البحث والعلم لدراسة هذا الحديث على ضوء المعطيات العلمية الحديثة، وكنت في كل حديث أورده آتي بجميع الروايات، وأثبتها، وأبين ما فيها حتى يظهر لي

ص: 46

الحق في المراد بالنص الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى سبيل المثال حديث "خلق الله آدم على صورته" جئت بالروايات التي جاءت في هذا الموضوع، وبمجموعها تبين أن المقصود هو أن الله خلق آدم على صورة آدم، والمراد بهذا الحديث الرد على أولئك الذين يزعمون أن آدم-عليه السلام تطور فوق هذه الأرض في صورته حتى أصبح على هذه الصورة التي استقر عليها الآن، والحديث يقرر أن آدم نزل إلى الأرض وهو على صورته التي هو عليها الآن لم يتغير ولم يتطور كما يزعم الماديون أنصار من يقول بنسبة الإنسان إلى القردة – والعياذ بالله تعالى-، وكذا ما جاء عن طول آدم حين خلقه الله تعالى، فقد جاء في السنة النبوية الصحيحة أنه خلق بطول ستين ذراعاً، فقررت ذلك معرضاً عما يقوله علماء الآثار، والأحياء عن طول الإنسان الذي وجدوه، فما وجدوا في هذه الدنيا من عظام وآثار لا يستطيعون أن يقولوا هي لآدم-عليه السلام ولا لحواء أمنا، وإنما هو ظن لا أثر فيه من الصحة، فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طول آدم هو الصحيح الذي لا مرية فيه، وعلى من يدعي غير ذلك أن يبحث حتى يصل إلى حقيقة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إضافة إلى أني قارنت بين ما ذكروه عن الديناصورات، وأثبت أن هذه الحيوانات بالنسبة لآدم كانت مثل الحيوانات الحالية بالنسبة للإنسان الحالي وطوله، فهم يقولون إن أطول دِيناصور وجد هو (15) متراً بعنقه الطويل، وذيله الأطول، وهذا بالنسبة للإنسان لا يتعدى طول جاموس أو فيل، بل لعله لا يتعدى طول أسد، أو فهد، والله أعلم وأحكم.

هذا وقد سرت في الكتاب كله في موضوعاته كافة على هذه الصورة من

ص: 47

إثبات ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم ذكر ما جاء موافقاً لما ثبت عن رسول الهدىصلى الله عليه وسلم، لأنه هو الأصل عندنا إذ لا يمكن للإنسان أن يصل إلى حقائق الكون إلا بإقدار الله تعالى له، أما ما أعطيه الرسول الكريم من العلم، وأظهره لنا فإنما هو من تعليم رب العالمين الخالق البارئ، علماً بأن الكتاب قد حوى من الموضوعات الكبيرة، والصغيرة أحياناً- حسب ما هو وارد- (121) واحداً وعشرين، ومائة موضوع، وأرجو أن أكون بهذا قد سرت على المنهج الذي يرضي الله تعالى، ويرضي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ويرضي أهل العلم، وأهل الإيمان.

وفق الله السميعُ العليمُ الجميعَ إلى السداد في الأمر كله، كما أسأل الله أن يوفق كل من ساهم لإنجاح هذه الندوة المباركة إن شاء الله–عز وجل، وأن يكون من ثمارها اليانعة ما فيه خير للأمة في الدنيا، وفي الأخرى.

ص: 48