الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن حق رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من حق أمه فثبت على ذلك ، ثم اعتز وافتخر بانتسابه إلى هذا الدين ، وأخيراً لم تؤثر فيه عاطفته تجاه أمه عندما بكت ، ولم يفكر في التراجع ، بل ازداد إصرارا على الثبات والعزة ، وأراد من أمه أن تُعِز نفسها وتعلو بذاتها بدخولها الإسلام ولكنها أبت ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
سادساً: حسن الاستماع:
إن الفن الحقيقي في الحديث يكمن في حسن الاستماع ، فسيجد المحاور قبولاً واحتراماً ، وإنصاتاً من مُحاوره إن أوجد ذلك من قبل.
ولقد كان مصعب بن عمير رضي الله عنه بارعاً في حسن الاستماع فقد أنصت لكلام أسيد بن حضير رضي الله عنه وهو واقفٌ عليه ومتشتماً ، بل ويبدو أنه رافعٌ لصوته ، فما قابل ذلك مصعبٌ رضي الله عنه إلا بحسن استماع وإنصات ، وعندما انتهى أسيدٌ رضي الله عنه من كلامه ، قال له مصعب رضي الله عنه:"أو تجلس فتسمع "(1)، فكأن لسان حاله يقول: فكما أني سمعت كلامك بإنصات فاسمع مني بإنصات كذلك. ومن خبر أمه رضي الله عنه كان في حسن استماع لها ، مع أنها كانت تظهر له الكيد والعداوة ، بل وأرادت التحريض عليه من قبل قومها لتعذيبه (2) ، ومع هذا ما زال في حواره معها بحسن إنصات واستماع؛ لعلها تقتنع بكلامه فتدخل الإسلام.
سابعاً: الجرأة والغضب لنصرة الحق:
كما أن المحاور لا بد له من الحلم والصبر وعدم الغضب لنفسه ، فهو كذلك
(1) ابن هشام: السيرة النبوية ، 1/ 435.
(2)
ابن سعد: الطبقات الكبرى ، 3/ 88.
لا بد أن تكون عنده جرأة في الحق والغضب له؛ لذا لم يكن من حال مصعب بن عمير رضي الله عنه إلا أن يتجرأ ويغضب لدين الله ، فعندما جاء إلى مكة قالت له أمه:" ما شكَرْتَ ما رَثَيْتُكَ (1) ، مرة بأرض الحبشة ومرة بيثرب ، فقال: أفرُّ بديني إن تفتنوني. فأرادت حبسه، فقال: لئن أنتِ حبستَنِي لأحرصن على قتل من يتعرض لي "(2) ، فقد غضب رضي الله عنه لدين الله حين أرادت أمه حبسه بتحريض قومها عليه ، وتجرأ إلى حد القتل لمن أراد أن يتعرض له ويريد صده عن دين الله.
(1) من رَثَى لَهُ إذا رَقّ وتَوَجَّعَ. ابن منظور: لسان العرب ، 14/ 309.
(2)
ابن سعد: الطبقات الكبرى ، 3/ 88.