الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغربًا ويُضيع وقته حتى تحصل له الإجازة من فلان أو فلان، ومثل هذه لا فائدة منها البتة، بل أحيانًا تلقى شيخًا فيقول: أجزتك بجميع مروياتي. وأنت لعلك لا تكاد تقرأ سطرًا فيُصاب التلميذ بالغرور وقد يبالغ في هذه الإجازة، وقد يتعب،
وهذه الإجازات قد تضر الطالب من جهة أن يُصاب بالغرور، وقد تضره من جهة أن يبذل الجهد الكبير لتحصيلها فيضيع وقته، وقد لا تضره لكنها مما لا ينفع، وبعضهم يقول: إن هذا من حفظ الإسناد الذي هو من خصائص هذه الأمة
…
، لكن ينبغي أن يُعلم أن الإسناد مراد لغيره لا لذاته، فهو مراد لحفظ الحديث النبوي فليس مرادًا لذاته، فينبغي ألا يُبالغ في هذه الإجازات ولا تُهدر الأوقات ولا تُضيَّع في إدراكها.
قوله: (ثُمَّ الرُّوَاةُ إَنِ اتَّفَقَتْ أَسْمَاؤُهُمْ، وَأَسْمَاءُ آَبَائِهِمْ فَصَاعِدًا، وَاخْتُلِفَتْ أَشْخَاصُهُمْ: فَهُوَ
الْمُتَّفِقُ وَالْمُفْتَرِقُ
، وَإِنِ اتَّفَقَتِ الْأَسْمَاءُ خَطًا، وَاخْتَلَفَتْ نُطْقًا: فَهُوَ الْمُؤْتَلِفُ وَالْمُخْتَلِفُ)
والمتفق والمفترق أشمل مما ذكر الحافظ، فالمراد بالمتفق والمفترق: تشابه حصل في رواة حتى يُظن أنهما واحد وهما شخصان، قد يتفقان في الكُنى، وقد يتفقان في النسب، وقد يتفقان في الاسم واسم الأب والنسب، وقد يتفقان في الاسم واسم الأب، والجامع لذلك أن يُظن أنهما راوٍ واحد، والواقع أنهما راويان أو أكثر.
قوله: (وَإِنِ اتَّفَقَتِ الْأَسْمَاءُ خَطًا، وَاخْتَلَفَتْ نُطْقًا: فَهُوَ الْمُؤْتَلِفُ وَالْمُخْتَلِفُ) ومثل ذلك محمد بن عقيل، كما بيَّن هذا الحافظ -رحمه الله تعالى- في شرحه (نزهة النظر) فقال: كمحمد بن عقيل -بفتح العين- ومحمد بن عقيل -بضمها-: الأول نيسابوري، والثاني فريابي، وهما مشهوران وطبقتهما متقاربة.
قوله: (وَإِنِ اتَّفَقَتِ الْأَسْمَاءُ وَاخْتَلَفَتِ الْآَبَاءُ، أَوْ بِالْعَكْسِ: فَهُوَ الْمُتَشَابِهُ) والمتشابه جمع بين المتفق والمفترق والمؤتلف والمختلف، أي فيها اتفاق في أشياء واختلاف في أشياء فيسمى المتشابه.
قوله: (وَكَذَا إِنْ وَقَعَ الْاتِّفَاقُ فِي الْاسْمِ وَاسْمِ الْأَبِ، والْاِخْتِلَافُ فِي النِّسْبَةِ، وَيَتَرَكَّبُ مِنْهُ وَمِمَّا قَبْلَهُ أَنْوَاعُ: مِنْهَا أَنْ يَحْصُلَ الْاِتِّفَاقُ أَوْ الْاِشْتِبَاهُ إِلَّا فِي حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْن. أَوْ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) قوله: (إِلَّا فِي حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْن) مثل: محمد بن سيَّار، ومحمد بن سنان، وقوله:(أَوْ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ) مثل: الأسود بن يزيد، ويزيد بن الأسود، وهكذا،
وقد ألَّف العلماء في ذلك مصنفات حتى لا يختلف الرواة بعضهم على بعض، فيُظن الثقة ضعيفًا والضعيف ثقةً.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-:
خاتمة
وَمِنَ الْمُهِمِّ: مَعْرِفَةُ طَبَقَاتِ الرُّوَاةِ وَمَوَالِيدِهِمْ، وَوَفَيَاتِهِمْ، وبُلْدَانِهمْ، وأَحْوَالِهِمْ: تَعْدِيلاً وَتَجْرِيحاً وَجَهَالَةً. ومَرَاتِبُ الْجَرْحِ: وأَسْوَأُهَا: الْوَصْفُ بِأَفْعَلَ، كأَكْذَب النَّاسِ، ثمَّ دَجَّالٌ، أَوْ وَضَّاعٌ، أَوْ كَذَّابٌ. وَأَسْهَلُهَا: ليِّنٌ، أَوْ سَيِّيءٌ الْحِفْظِ، أو فيه مَقَالٌ.
ومراتب التعديل: وأرفعها: الْوَصْفُ بِأَفْعَلَ: كَأَوْثَق النَّاسِ، ثُمَّ مَا تَأكَّدَ بِصِفَةٍ أَوْ صِفَتَيْنِ، كثِقَة ثِقَة، أَوْ ثِقَةٌ حافِظٌ. وَأَدْنَاهَا: مَا أَشْعَرَ بِالقُرْبِ مِنْ أَسْهَلِ التَّجْرِيحِ، كَـ: شَيْخٌ.
وَتُقْبَلُ التَّزْكِيَةُ مِنْ عَارِفٍ بِأَسْبَابِها، ولو من واحدٍ، على الأصَحّ. والْجَرْحُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْتَّعْدِيلِ إنْ صَدَرَ مُبيَّناً مِنْ عَارِفٍ بِأَسْبَابِه، فَإِنْ خَلَا عَن التَّعْدِيلِ: قُبِلَ مُجْمَلاً، عَلَى الْمُخْتَارِ.
قوله: (خاتمة: ومن المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً) أما طبقات الرواة فينبغي أن يُعلم أنه ليس هناك ضابط محدد لطبقات الرواة، وإنما هم من يشترك في شيء، فمن العلماء من ألَّف وجعل كل من اجتمع في عشر سنوات طبقة، كصنيع الذهبي في (تاريخ الإسلام)، ومنهم من جعل الجيل طبقة كابن حبان في كتابه (الثقات) والذهبي في (تاريخ الإسلام)، ومنهم من جعل من اجتمع في أربعين سنة طبقةً، كما نقل ابن كثير في كتابه (مختصر علوم الحديث) عن بعضهم.
فإذن ليس لها ضابط معين، والهدف من الطبقات تمييز الرواة، لأنه قد يتفق راويان في اسم واحد فيكون هذا في طبقة وذاك في طبقة أخرى، فتجد أنهما راويان، وهذا كان يُحتاج إليه كثيرًا قبلُ، أما نحن بعد وجود هذه الكتب المفهرسة ورُتبت ترتيبًا بديعًا بحروف المعجم، ثم جاءت المكتبات الإلكترونية، فقد سهَّلت كثيرًا فلا نحتاج إلى هذا كثيرًا ولله الحمد. وقوله: (ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم
…
) ذلك ليُميز الرواة بعضهم من بعض، وأؤكد أننا بعد وجود هذه التسهيلات وطباعة الكتب مفهرسة على حروف المعجم، ثم جاءت المكتبات الإلكترونية، سهلت كثيرًا.
قوله: (تعديلاً وتجريحاً وجهالةً) تعديل الرواة وتجريحهم وجهالة يُعرف بالرجوع إلى كتب التراجم، وقد سُهلت ولله الحمد بما تقدم ذكره.
قوله: (ومراتب الجرح) الأصل في هذا البحث أنه لغوي، ليس للمحدثين اصطلاح مطرد، يعني إذا قالوا: ثقة ثقة. لغةً هذا أرفع من قول: ثقة. وقولهم: أوثق الناس. لغةً هذا أرفع درجة من أن يُقال: ثقة. إذن الأصل في هذا المبحث أنه لغوي، ما لم يتبيَّن أن للمحدثين اصطلاحًا، كقولهم: شيخ. فالشيخ أقل منازل الثقات كما بيَّنه أبو حاتم في كتابه (الجرح والتعديل) أو أن يكون للمحدثين اصطلاحٌ خاصٌ في بعض الألفاظ، أما أن لهم اصطلاحًا عامًا في جميع الألفاظ ويندرج جميع المحدثين فهذا لا يُعرف إلا أن يكون بعضهم صرح بأشياء دون أشياء.
قوله: (ومراتب التعديل: وأرفعها: الْوَصْفُ بِأَفْعَلَ: كَأَوْثَق النَّاسِ، ثُمَّ مَا تَأكَّدَ بِصِفَةٍ أَوْ صِفَتَيْنِ، كثِقَة ثِقَة، أَوْ ثِقَةٌ حافِظٌ. وَأَدْنَاهَا: مَا أَشْعَرَ بِالقُرْبِ مِنْ أَسْهَلِ التَّجْرِيحِ، كَـ: شَيْخٌ) إذن أؤكد أن الأصل في هذه المباحث أنها مباحث لغوية ما لم يتبيَّن أن هناك اصطلاحًا خاصًا.
بعد هذا أنبه إلى أمور:
الأمر الأول: لابد إذا أردنا أن نقبل كلام عالم أن نعرف ثبوت الإسناد إليه، فقد يقول عالم في عالم شيئًا ولا يكون الإسناد ثابتًا إليه، كما جاء عن ابن عباس أنه كذَّب عكرمة، هذا إسناده لا يصح كما بيَّنه ابن رجب في شرح (العلل) وابن حجر في (هدي الساري)، وهذا يُحتاج إليه عند التعارض الشديد، أما إذا تواردت كلماتهم على التضعيف أو التوثيق فلا يُحتاج إلى مثل هذا.
ثم من الكتب ما تكفَّل مؤلفوها بصحة الإسناد، كالمزي في كتابه (تهذيب الكمال) وابن حجر في (تهذيب التهذيب) كما بيَّن هذا المعلمي -رحمه الله تعالى-.
الأمر الثاني: ينبغي أن يُدقق عند تعارض كلام العلماء في اللفظ المغاير لوصف العلماء بطريقة الجواب على السؤال، أحيانًا قد يكون سؤالًا فكان الجواب هكذا، وقد يكون مقارنة بين راويين فأجاب بهذا، فإذن لابد أن يُدقق في مثل هذا، فقد يُشدد في بيان ضعفه لأنه قُورن برجل ثقة كبير، إلى غير ذلك من المعاني، فإذا حصل التعارض لابد أن يُدقق في
طريقة السؤال، وقد أشار إلى هذا المعنى المعلمي -رحمه الله تعالى- في كتابه (التنكيل) وهو يجيب على بعض الإشكالات التي أوردها الجهمي الكوثري.
الأمر الثالث: إن لبعض العلماء اصطلاحات خاصة لابد أن يُنتبه إليها، كابن معين مثلًا إذا قال: ليس بشيء. فيريد أنه ضعيف أو يريد أنه مُقل من الرواية، كما بيَّن هذا ابن القطان الفاسي في كتابه (بيان الوهم والإيهام) وبعضهم يعبر بلفظين فلا يُتنبَّه إلى الفرق بينهما كأن يقولوا في الراوي: ليس بالقوي. ويقولوا: ليس قويًا. فقولهم: ليس بقوي. أشد ضعفًا من قولهم: ليس بالقوي. والمرجع في ذلك اللغة، وقد بيَّن ذلك المعلمي -رحمه الله تعالى- في كتابه (التنكيل). فإذن لابد أن تُعرف الاصطلاحات الخاصة بأهل العلم كما تقدم عن ابن معين.
الأمر الرابع: من العلماء من هو مهتم بهذا الباب -الجرح والتعديل- كيحيى بن معين، لذلك إذا رآه الشيخ قد يتجمل عنده بأحسن حديث، فيغتر به يحيى، لذا إذا رأيت كلمات أهل العلم متواردة على معنًى إلا يحيى بن معين فقد يكون من هذا الجنس، كما بيَّن هذا المعلمي في كتابه (التنكيل).
الأمر الخامس: يتفاوت العلماء في تشددهم، فمن العلماء من هو متشدد في الجرح كأبي حاتم وابن خراش، ويحيى بن سعيد، ومن العلماء من هو متوسط كابن مهدي، والإمام أحمد، ومن العلماء من هو متساهل كما تقدم كابن حبان والعجلي في التابعين، فإذن لابد أن يُعرف طبقات العلماء ودرجات العلماء في التسهيل والتشديد، وينفع هذا عند التعارض، فإن لطريقة الرجل تسهيلًا أو تشديدًا أو اعتدالًا أثرًا عليه، وقد ذكر هذا الذهبي في كتابه (الموقظة) فإذا تعارض قول متشدد مع قول معتدل فيُقدم قول المعتدل، وعلى هذا فقس، ومن العلماء من يتشدد في شيء دون شيء، كابن حبان، فهو شديد في الجرح حتى إنه خسَّاف في الجرح، فإذا وقف على أوهام الرجل خسف به، وفي المقابل متساهل في تعديل المجاهيل، فإذن من المهم معرفة طريقة العلماء واصطلاحهم، وهذا يُعرف بكثرة القراءة، ومما ينفع هو أن يُكثر من القراءة في كتب العلماء، وفي كتب المصطلح، ومن أنفعها كتاب السخاوي (فتح المغيث) لأنه يتميز بكثرة النقولات، وكتاب (النكت على مقدمة ابن الصلاح) للحافظ ابن حجر، فإنه يتميز بالنقولات وكثرة النقد، ويُقرأ في شرح العلل لابن رجب، فإن فيه فوائد نفيسة، ويُقرأ في كتاب (بيان الوهم والإيهام) لابن القطان الفاسي، فإن فيه فوائد منثورة مهمة للغاية، ويُقرأ في السلسلتين و (إرواء الغليل) وتخريج