الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
…
فصل:
قال العراقي في "رسالته": (اعلم أني ووالدي وجدي1 بيت علم، وعقيدتنا عقيدة السلف، وليس الآن في بغداد من هو على مذهب الإمام أحمد غيري، وأنا تابع لأقوال الشيخين ابن تيمية وابن القيم) .
والجواب أن يقال: مذهبك وعقيدتك وما أنت عليه قد اشتهر وعرف من رسائلك، وسُمِعَ منك شفاهاً، ونقله العدول، ولم يزل يتواتر من وقت قدومك الجبل، والقصيم، واجتماعك بالشيخ عبد الله أبا2 بطين، وما وقع بينكما من المناظرة في مسمي العبادة وغيرها، كل ذلك وصل إلينا، وتواتر لدينا، واستفاض استفاضةً3 تورث علماً ضرورياً أنك داعية إلى دعاء الصالحين والأولياء، وندائهم بالحوائج، والاستغاثة بهم في الملمَّات والشدائد، وأن ذلك لديك مستحب وارد، وأن من كفَّر من يعبد الصالحين فهو مخطئ ضال، وأنه لا يكفر ولا يشرك إلا من دعاهم استقلالاً، وزعم أنهم الفاعلون المدبرون، وأما على وجه الجاه والشفاعة فذلك عندك ليس بشرك ولا كفر.
1 في طبعة آل ثاني:"وجدي ووالدي".
2 في طبعة آل ثاني:"أبي بطين"والصواب: أنها منصوبة على الحكاية، فتنبه.
3 في النسخ الخطية:"استفاظ استفاظة".
كل هذا ثبت لدينا قَبْل هذه الرسالةِ الأخيرة، فلما وقفنا على ما فيها، وتأملنا خافيها وباديها، إذا هي على المذهب الذي حكينا، والطريقة التي عرفنا وروينا، بل فيها من الزيادة في الكذب على الله وكتابه، والكذب على أهل العلم في نقل مذاهبهم، وتحريف كلامهم، ما لا يصدر عَمَّن تصور الإسلام وعرفه، وآمن بالله واليوم الآخر، بل لا يصدر عَمَّن له عقل يحسن أن يعيش به. فنعوذ بالله من الجهالة والعمى، والضلال عن سبل الإيمان والهدى.
ونسبة هذا إلى الإمام أحمد وإلى الشيخين كنسبة اليهودية والنصرانية إلى إبراهيم، أو إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وخواص أصحابه، وأهل ملَّته.
نزلوا بمكةَ في قبائلِ هاشمٍ
ونزلت بالبيداءِ أبعدَ منزلِ
والمؤمن يعرف هذا بمجرد إيمانه، ولا يختص بمعرفة أولو1 العلم. وأما تبرئتك نفسك من الحلف بغير الله، فمسألة الحلف لو سُلِّمت لك البراءة منها دون ما أنت عليه بكثير، فإن من استحب دعاء غير الله، وألحد في آياته، وصد عن سبيله: أعظم إثماً، وأكبرجرماً، ممن يحلف بغيره.
وأما ما زعم العراقي من أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فالمعروف في عرفه هو: دعاء الصالحين، ونداؤهم2 بالحوائج.
1 في النسخة الخطية:"ألوا".
2 في النسخ الخطية:"ندائهم".
وهذا عند الله ورسوله، وعند أولي العلم من خلقه أكبر الكبائر على الإطلاق، كما جاء في حديث ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال:"أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك"1.
وهذا العراقي صرح بأنه يجوز نداؤهم2، [أعني نداء الأنبياء والصالحين، بل والجمادات –كما هو مشهور عنه، لكن يسميه توسلاً، خالف المشركين في التسمية، لا في الحقيقة، فيدعو الغير، ويرجوه] 3 في كل مطلوب، على وجه الجاه والتسبب، وهذا حقيقة الشرك والتنديد.
والمنكر في عرفه هو: النهي عن هذا، وعن تكفير أهله، ولهذا صرح في هذه الرسالة بأنه ينصح عن4 تكفير هذا الضرب من الناس، ويزعم أن لهم نيَّات صالحة، ومقاصد صحيحة، فظهر أنه رأس من دعا إلى المنكر، وسعى في هدم5 المعروف، ومحو آثاره.
1 أخرجه البخاري في "صحيحه":كتاب التفسير -8/ 163-492، وفي الأدب -10/ 433، وفي الحدود -12/ 114، وفي الديات -12/ 187، وفي التوحيد -13/ 491-503.
وأخرجه مسلم في "صحيحه":كتاب الإيمان -1/ 90-91، كلاهما من طريق أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود
…
به.
2 في النسخ الخطية: نداؤه.
3 ما بين المعقوفتين سقط من النسخ الخطية.
4 في طبعة آل ثاني:"عن عدم تكفيره".
5 في طبعة آل ثاني:"عدم".
وأي معروف يبقى مع دعاء غير الله، وأي منكر يزجر عنه وينهى لو كانوا يعلمون؟؟
قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} . [الكهف:103-104] .
وأصل الإسلام وقاعدته: أن لا يعبد إلا الله، وأن لا يُعبد إلَاّ بما شرع.
وهذا وأمثاله من أجهل الناس بهذا الأصل، وأضلهم عن هذا السبيل، بل هم أعظم الناس صدًّا عنه، وردًّا له، وعيباً لأهله. والمخلصُ عندهم1، الداعي إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له: خارجي مبتدع، كما صرح بع في رسالته الأولى، وزعم أن هذا دين الخوارج، وأن من كفر بدعاء غير الله فهو ممن يكفر أهل القبلة بالذنوب، وأكثر هؤلاء لا يقتصرون على نسبة أهل التوحيد إلى الخوارج والبدعة، بل يصرحون بتكفيرهم، واستحلال دمائهم وأموالهم. والله المستعان.
قال العراقي: (ولكنا لا نكفر الناس بهذه الأشياء، لأنا اطلعنا على كتاب الله وسنة رسوله، وكذا وكذا) .
فيقال: أبْعد الخلق عن كتاب الله، وسنة رسوله، هم أهل الاعتقادات
1 في طبعة آل ثاني:"والمخلص الداعي
…
عندهم".
الباطلة، وأهل الغلو في الأنبياء، والأولياء، و1الصالحين، وهم أضل خلق الله عما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، وإن ورثوا الكتاب، ودرسوه، فإن الوراثة والدراسة والاطلاع نوعٌ، والعلم به والإيمان والعمل، ومعرفة حقائقه ونصوصه نوعٌ آخر. قال تعالى:{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} . [الأنعام:25] .وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} . [الجمعة:5] .
وفي الحديث الذي في وصف الخوارج:"يقرؤون2 القرآن لا يجاوز حناجرهم، هم شر قتلى تحت أديم السماء"3.
فالعلم والكتاب إذا لم يَخْلُصْ إلى القلوب فهو حجة على ابن آدم.
ويقال: كتاب الله، وسنة رسوله، وأقوال أهل العلم صريحة متوافرة متظاهرة على تكفير من دعا غير الله، وناداه بما لا يقدر عليه إلا الله، قال تعالى:{وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} . [يونس:106] . وقال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلاً} . [الإسراء:56] .
والقرآن كلُّه دالٌّ على هذا المعنى، مقرر له، وإن اختلفت
1 في طبعة آل ثاني:"والأولياء الصالحين".
2 في النسخ الخطية:"يقرؤن".وفي طبعة آل ثاني:"يقرأون".
3 تقدم تخريجه في الرسالة الأولى: ص 47.
الطرق والأوجه في بيانه، والتنبيه عليه، فكيف ينسب جواز دعاء غير الله، وعدم تكفير فاعله إلى القرآن وإلى السنة؟؟
وهل يقول هذا من يعرف ما جاءت به الرسل ويتصوره، فضلاً عَمَّن يؤمن به؟
والمشركون الأولون يعترفون للرسل وأتباعهم أنهم دعاة إلى التوحيد، وإخلاص العبادة والدعاء لله، وإنما نازعوا في تصديقهم، وقبول ما جاؤوا به.
وهذا الذي يزعم أنه اطلع على كتاب الله لم يعرف منه ما عرفه أولئك المشركون!
فالإسلام في هذه الأوقات أغرب منه في أول ظهوره، والدعوةُ إليه مع كثرة من يقرأ القرآن، وينسخه، ويطبع المصاحف، وكتب العلم، فسبحان من قلوب العباد بيده، يصرفها بقدرته وحكمته، ويدبرها بعلمه ومشيئته.
ومن العجائبِ والعجائبُ جَمَّةٌ
…
قربُ الدواءِ وما إليه وصولُ
كالعيسِ في البيداءِ يقتلها الظما
…
والماءُ فوق ظهورِها محمولُ
وما أحسن ما قال مجاهد –رحمه الله في قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} . [الأنفال:24] قال: حتى يتركه لا يعقل.
وأما قوله: (إن الشيخ أحمد بن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية لا يكفران أحداً من أهل القبلة) .
فيقال: لو عرف هذا مَنْ أهلُ القبلة في هذا الموضوع، ومن المراد بهذه العبارة عند أهل العلم1 لما أوردها هنا محتجاً بها على دعاء غير الله، وعدم تكفير فاعله.
ومن أعرض عن كلام أهل العلم، ورأى أن من صلى، أو قال2"لا إله إلا الله"فهو من أهل القبلة، وإن ظهر منه من الشرك والترك لدين الإسلام ما ظهر، فقد نادى على نفسه بالجهالة والضلالة، وكشف عن حاصله من العلم والدين بهذه المقالة.
وقد أنكر الإمام أحمد –رحمه الله-قول القائل: لا نكفر أهل القبلة3.وهذا يزعم أنه على مذهب الإمام أحمد، ومقصود من قالها إنما هو البراءة من مذهب الخوارج الذين يكفرون بمجرد الذنوب، وهذا وَضَعَ كلامهم في غير موضعه4، وأزال بهجته، لأنه تأوله في أهل الشرك، ودعاء الصالحين، فالتبس عليه الأمر، ولم يعرف مراد من قال هذا من السلف.
وهذا الفهم الفاسد مردود بكتاب الله، وسنة رسوله، وبإجماع أهل العلم، وقد عقد الفقهاء من أرباب المذاهب باباً مستقلاً في هذه المسألة، وذكروا حكم المرتد من أهل القبلة، وقرروا من المكفرات أشياء كثيرة دون ما نحن فيه، وجزموا بأن العصمة بالتزام
1 سقطت:"عند أهل العلم"من طبعة آل ثاني.
2 في طبعة آل ثاني:"وقال".
3 في طبعة آل ثاني:"أهل الذنوب".
4 في "ب"و"جـ":"وهذا موضع كلامهم وأزال بهجته".
الإسلام ومبانيه ودعائمه العظام، لا بمجرد القول، أو الصلاة1، مع الإصرار على المنافي.
وهذا يعرفه صغار الطلبة، وهو مذكور في المختصرات من كتب الحنابلة وغيرهم.
فهذا لم يعرف ما عرفه صبيان المدارس والمكاتب، فالدعوى عريضة والعجز ظاهر.
وأعجب من هذا أنه يقول في رسالته"
(إني رأيت لمن يدعو2 الصالحين والأولياء ويناديهم في حاجاته أدلةً صحيحة، ونيات صالحة، ما تخرج عن التوحيد، لأن المقصود التسبب والوسائل، لا الاستقلال) هذا كلامه.
ومن بلغت به الجهالة والعماية إلى هذا الغاية، فقد استحكم على قلبه الضلال والفساد، ولم يعرف ما دعت إليه الرسل سائر الأمم والعباد.
ومن له أدنى نهمة3 في العلم، والتفات إلى ما جاءت به الرسل، يعرف أن المشركين من كل أمة في كل قرن ما قصدوا من معبوداتهم، وآلهتهم التي عبدوها مع الله: إلا التسبب، والتوسل، والتشفع، ليس إلا، ولم يدَّعوا الاستقلال والتصرف لأحد من دون
1 في طبعة آل ثاني:"والصلاة".
2 في النسخ الخطية:"يدعوا".
3 في طبعة آل ثاني:"صلة".
الله، ولا قال به1 أحد منهم سوى فرعون، والذي حاج إبراهيم في ربِّه.
وقد قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} . [النمل:14] .فهم في الباطن يعلمون أن ذلك لله وحده.
قال تعالى في بيان قصدهم ومرادهم بدعاء غيره: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ} .الآية [يونس:18]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} . [الزمر:3]، وقال تعالى:{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً} . [الأحقاف:28]، وقال تعالى:{أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء} . [الزمر:43]، وقال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} . [البقرة:165] .
فأخبر تعالى أنهم تعلقوا على آلهتهم، ودعوهم مع الله للشفاعة، والتقريب إلى الله بالجاه والمنزلة، وأحبوهم مع الله محبة تأله وتعبد لنيل أغراضهم الفاسدة، ولم يريدوا منهم تدبيراً ولا تأثيراً لا شركة2 ولا استقلالاً.
يوضحه قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} .إلى قوله {أَفَلَا تَتَّقُونَ} . [يونس:31]، وقوله: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ
1 في طبعة آل ثاني:"قاله أحد".
2 في طبعة آل ثاني:"ولا شركة".
وَمَن فِيهَا} إلى قوله {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} . [المؤمنون:84-89]، وقوله {أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا} إلى قوله {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} . [النمل:61-64] .
فتأمل هذه الآيات، وما فيها من الحجج والبينات، تطلعك على جهل هذا العراقي وأمثاله، وأنهم ما عرفوا شرك المشركين، وما كانوا عليه من القصد والدين، ولم يعرفوا ما كان عليه أنبياء الله وأتباعهم من توحيد رب العالمين.
وتأمل كيف استدل الله سبحانه وتعالى على توحيد إلهيته، ووجوب عبادته وحده لا شريك له، بما أقر به الخصم واعترف به من توحيد ربوبيته، واستقلاله بالملك، والخلق، والتأثير، والتدبير.
وهذه عادة القرآن دائماً يعرج على هذه الحجة، لأنها من أكبر الحجج، وأوضحها، وأدلها على المقصود.
فسبحان من جعل كلامه في أعلى طبقات البلاغة، والفصاحة، والجلالة، والفخامة، والدلالة، والظهور. فأيُّ شبهة بعد هذا تبقى للمماحل1 الكفور2.
واعلم أن دعاء الأموات والغائبين ليس بسبب لما يقصده المشرك ويريده، بل هو سبب لنقيض قصده وحرمانه، وهلاكه في الدنيا والآخرة.
1 في طبعة آل ثاني:"للماحل".
2 في طبعة آل ثاني:"المغرور".
قال تعالى: {يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ *يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} . [الحج:12-13] . (لأنه في الحقيقة إنما عبد الشيطان، ودعاه، وأطاعه فيما يأمر به، ولذلك تتبرأ الملائكة والصالحون ممن1 دعاهم، وصرف لهم شيئاً من العبادة)2.
وأيضاً فليس كل سبب يباح، بل من الأسباب ما هو محرَّم، وما هو كفر، كالسحر، والتكهن.
والغبي يظن أن الدليل يسلم له إذا أراد السبب لا الاستقلال. وعباد الكواكب، وأصحاب النيرنجيات3 ومخاطبات النجوم، يرون أنها أسباب ووسائل نافعة، ويظنونها كالأسباب العادية، وعباد القبور والأنفس المفارقة، يرون أن تعلق قلب الزائر وروحه بروح المزور سبب لنيل مقصوده، وتحصيل نصيب مما يفيض على روح ذلك
1 في طبعة آل ثاني:"ومن"والتصويب من نسخة "الدرر السنية في الأجوبة النجدية":جـ 9/ 292.
2 ما بين القوسين سقط من النسخ الخطية.
3 في النسخ الخطية:"التمريخات".
قال في مفتاح السعادة ومصباح السيادة"لطاش كبري زاده: النيرنجات معرَّب نيرنك، وهو التمويه والتخييل، وهو إظهار غرائب الامتزاجات بين القوى الفاعلة والمنفعلة
…
إلخ (1/ 339) ، طبعة المعارف العثمانية.
وقال صاحب"الكشكول":النيرنجيات: إظهار خواص الامتزاجات ونحوها. ونيرنج فارسي معرَّب، وأصله: نورنك، أي: لون جديد. والنيرنجيات ألحقها بعضهم بالسحر
…
إلخ.
المزور، كما ذكره الفارابي وغيره من عباد الكواكب، والأنفس المفارقة.
وقد قال بعض السلف: (ما عبدتِ الشمسُ والقمر إلا بالمقاييس)1.
1 جاءت هذه العبارة عن ابن سيرين فيما رواه عنه ابن جرير في "تفسيره": (8/ 131)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن":ص196، والدارمي في المقدمة من "سننه":(1/ 58)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله":(2/ 76) طبعة المنيرية.
ولفظه: "أول من قاس إبليس، وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس".
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره": (2/ 203) على سند ابن جرير: إسناده صحيح. اهـ.
وقد ذكر شيخ الإسلام هذه العبارة عن بعض السلف في "الرد على البكري"ص 269.وقال شيخ الإسلام في "الاقتضاء": (2/ 652) :وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس. اهـ. وينظر "الاقتضاء": (2/ 682، و687) .