الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خُطْبَةُ الْكِتَابِ]
بسم الله الرحمن الرحيم
خُطْبَةُ الْكِتَابِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ لِكُلِّ أُمَّةٍ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَخَصَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِأَوْضَحِهِمَا أَحْكَامًا وَحِجَاجًا، وَهَدَاهُمْ إلَى مَا آثَرَهُمْ بِهِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ تَمْهِيدِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَتَحْرِيرِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ لِتُسْتَنْتَجَ مِنْهَا الْعَوِيصَاتُ اسْتِنْتَاجًا وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي مَيَّزَهُ اللَّهُ عَلَى خَوَاصِّ رُسُلِهِ مُعْجَزَةً وَخَصَائِصَ وَمِعْرَاجًا صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ فَطَمُوا أَعْدَاءَ الدِّينِ الْقَوِيمِ عَنْ أَنْ يُلْحِقُوا بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِهِ أَوْ مُبَادِيهِ شُبْهَةً أَوْ اعْوِجَاجًا صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِ جُودِهِ الَّذِي لَا يَزَالُ هَطَّالًا ثَجَّاجًا (وَبَعْدُ) فَإِنَّهُ طَالَمَا يَخْطِرُ لِي أَنْ أَتَبَرَّكَ بِخِدْمَةِ شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ لِلْقُطْبِ الرَّبَّانِيِّ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ (قَوْلُهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ) أَيْ جَمَاعَةٍ فَإِنَّ كُلَّ أُمَّةٍ جَمَاعَةٌ لِنَبِيِّهِمْ، وَالنَّبِيُّ إمَامُهُمْ (قَوْلُهُ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) الْأَوَّلُ الطَّرِيقُ إلَى الْمَاءِ وَالثَّانِي مُطْلَقُ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ شَبَّهَ بِهِ الدِّينَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ وَمُوصِلٌ إلَيْهَا وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا بَرَاعَةُ الِاسْتِهْلَالِ (قَوْلُهُ وَخَصَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ) أَيْ أُمَّةَ الْإِجَابَةِ (قَوْلُهُ بِأَوْضَحِهَا) الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ فَهِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَإِنَّمَا التَّأْوِيلُ فِي مَادَّةِ الْخُصُوصِ بِحَمْلِهَا عَلَى مَعْنَى التَّمْيِيزِ أَوْ بِتَضْمِينِهِ لَهَا، وَالضَّمِيرُ لِلشَّرَائِعِ (قَوْلُهُ أَحْكَامًا وَحِجَاجًا) تَمْيِيزٌ مِنْ النِّسْبَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ النِّسَبُ التَّامَّةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الشَّرَائِعِ مُطْلَقًا أَوْ الْمُتَعَلِّقَةُ بِخُصُوصِ كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ وَبِالثَّانِي أَدِلَّتُهَا مُطْلَقًا أَوْ خُصُوصُ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ وَهَدَاهُمْ) أَيْ أَرْشَدَهُمْ وَأَوْصَلَهُمْ (قَوْلُهُ مِنْ تَمْهِيدِ الْأُصُولِ) أَيْ أُصُولِ الدِّينِ وَالْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ وَالتَّفْصِيلِيَّةِ أَوْ الْمُرَادُ خُصُوصُ أُصُولِ الْفِقْهِ أَيْ أَدِلَّتِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ، وَيُرَجِّحُهُ عَطْفُ الْفُرُوعِ عَلَيْهَا الْمُرَادُ بِهَا الْفِقْهُ (قَوْلُهُ لِتُسْتَنْتَجَ مِنْهَا) أَيْ لِتَخْرُجَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالنَّظَرِ وَالْفِكْرِ (قَوْلُهُ الْعَوِيصَاتُ) جَمْعُ عَوِيصٍ عَلَى وَزْنِ أَمِيرٍ أَيْ الْمَسَائِلُ الصَّعْبَةُ (قَوْلُهُ مُعْجِزَةً إلَخْ) لَعَلَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ الْبَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ سَمَاعِيًّا لَكِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْقِيَاسِيِّ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِينَ، وَسَهَّلَهُ رِعَايَةُ الْقَافِيَةِ (قَوْلُهُ فَطَمِعُوا) أَيْ مَنَعُوا وَدَفَعُوا (قَوْلُهُ الْقَوِيمِ) أَيْ الْمُسْتَقِيمِ (قَوْلُهُ مِنْ مَقَاصِدِهِ أَوْ مَبَادِيهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِمَقَاصِدِ الدِّينِ مَسَائِلُ عِلْمَيْ التَّوْحِيدِ وَالْفِقْهِ وَبِمُبَادِيهِ أَدِلَّتُهُمَا (قَوْلُهُ أَوْ اعْوِجَاجًا) إنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْ الشُّبْهَةِ لِلسَّجْعِ، وَإِلَّا فَحَقُّ التَّرَقِّي التَّقْدِيمُ (قَوْلُهُ هَطَّالًا ثَجَّاجًا) كَشَدَّادٍ يُقَالُ هَطَلَ الْمَطَرُ إذَا نَزَلَ مُتَتَابِعًا مُتَفَرِّقًا عَظِيمَ الْقَطْرِ، وَثَجَّ الْمَاءُ إذَا سَالَ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ بِهِمَا هُنَا الْمُبَالَغَةُ فِي الْكَمِّ وَالْكَيْفِ (قَوْلُهُ طَالَ مَا) مَا هُنَا زَائِدَةٌ كَافَّةٌ عَنْ عَمَلِ الرَّفْعِ فَحَقُّهَا أَنْ يُكْتَبَ مُتَّصِلًا بِالْفِعْلِ كَمَا فِي نُسْخَةِ الطَّبْعِ (قَوْلُهُ الْقُطْبِ) أَيْ الْمُشْبَعِ عِلْمًا وَعَمَلًا (قَوْلُهُ الرَّبَّانِيِّ) أَيْ الْمُتَأَلِّهِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ أَئِمَّةَ كُلِّ عَصْرٍ لِتَحْرِيرِ الْأَحْكَامِ، وَفَقَّهَ فِي دِينِهِ الْقَوِيمِ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ الْأَنَامِ، وَسَلَكَ بِمَنْ شَاءَ الْمِنْهَاجَ الْمُسْتَقِيمَ فَلَا يَحِيدُ عَنْ مَنْهَجِ الصَّوَابِ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى مَنْ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ
وَالْعَالَمِ الصَّمَدَانِيِّ وَلِيِّ اللَّهِ بِلَا نِزَاعٍ وَمُحَرَّرِ الْمَذْهَبِ بِلَا دِفَاعٍ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى النَّوَاوِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ إلَى أَنْ عَزَمْت ثَانِيَ عَشْرَ مُحْرِمٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ عَلَى خِدْمَةِ مِنْهَاجِهِ الْوَاضِحِ ظَاهِرُهُ الْكَثِيرَةِ كُنُوزُهُ وَذَخَائِرُهُ مُلَخِّصًا مُعْتَمِدًا شُرُوحَهُ الْمُتَدَاوَلَةَ وَمُجِيبًا عَمَّا فِيهَا مِنْ الْإِيرَادَاتِ الْمُتَطَاوِلَةِ طَاوِيًا بَسْطَ الْكَلَامِ عَلَى الدَّلِيلِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّعْلِيلِ وَعَلَى عَزْوِ الْمَقَالَاتِ وَالْأَبْحَاثِ لِأَرْبَابِهَا لِتَعَطُّلِ الْهِمَمِ عَنْ التَّحْقِيقَاتِ فَكَيْفَ بِإِطْنَابِهَا وَمُشِيرًا إلَى الْمُقَابِلِ بِرَدِّ قِيَاسِهِ أَوْ عِلَّتِهِ وَإِلَى مَا تَمَيَّزَ بِهِ أَصْلُهُ لِقِلَّتِهِ فَشَرَعْت فِي ذَلِكَ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ وَمُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ وَمَادًّا أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ أَنْ يُسْبِغَ عَلَيَّ وَاسِعَ جُودِهِ وَكَرَمِهِ وَأَنْ لَا يُعَامِلَنِي فِيهِ بِمَا قَصَّرْت فِي خِدَمِهِ لَا سِيَّمَا فِي أَمْنِهِ وَحَرَمِهِ إنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ (وَسَمَّيْته تُحْفَةَ الْمُحْتَاجِ بِشَرْحِ الْمِنْهَاجِ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (بِسْمِ) أَيْ أُؤَلِّفُ أَوْ أَفْتَتِحُ تَأْلِيفِي
وَالْعَارِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى اهـ مُخْتَارٌ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ أَيْ الْمَنْسُوبِ إلَى الرَّبِّ أَيْ الْمَالِكِ اهـ فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ هُوَ مَنْ أُفِيضَتْ عَلَيْهِ الْمَعَارِفُ الْإِلَهِيَّةُ فَعَرَفَ رَبَّهُ وَرَبَّى النَّاسَ بِعِلْمِهِ اهـ مُبَيَّنٌ بِمُرَادٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّبِّ (قَوْلُهُ وَالْعَالِمِ الصَّمَدَانِيِّ) أَيْ الْمَنْسُوبِ إلَى الصَّمَدِ أَيْ الْمَقْصُودِ فِي الْحَوَائِجِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالنِّسْبَةِ هُنَا أَنَّهُ يَعْتَمِدُ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا عَلَى اللَّهِ بِحَيْثُ لَا يَلْتَجِئُ إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى فِي أَمْرٍ مَا ع ش.
(قَوْلُهُ النَّوَاوِيِّ) نِسْبَةً إلَى نَوَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ وَالْأَلِفُ مَزِيدَةٌ فِي النِّسْبَةِ (قَوْلُهُ ثَانِيَ عَشْرَ مُحَرَّمٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ إلَخْ) وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرَغَ مِنْ تَسْوِيدِ هَذَا الشَّرْحِ عَشِيَّةَ خَمِيسِ لَيْلَةِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ اهـ وَقَالَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ إنَّهُ شَرَعَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عَامَ تِسْعِمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ اهـ وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ سَابِعَ عَشْرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ عَامَ ثَلَاثَةٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ اهـ، وَقَالَ الْجَمَالُ الرَّمْلِيُّ إنَّهُ شَرَعَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي شَهْرِ ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ اهـ وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ تَاسِعَ عَشْرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ اهـ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ تَأْلِيفَ النِّهَايَةِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ تَأْلِيفِ التُّحْفَةِ وَالْمُغْنِي كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ع ش وَأَنَّ تَأْلِيفَ الْمُغْنِي مُتَأَخِّرٌ عَنْ تَأْلِيفِ التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ مُلَخِّصًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ عَزَمْت أَيْ مَرِيدٌ لِلتَّلْخِيصِ وَالتَّنْقِيَةِ (قَوْلُهُ وَمَا فِيهِ) أَيْ فِي الدَّلِيلِ (قَوْلُهُ وَالتَّعْلِيلِ) أَيْ الِاعْتِرَاضِ عُطِفَ عَلَى الْخِلَافِ (قَوْلُهُ وَعَلَى عَزْوِ الْمَقَالَاتِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى الدَّلِيلِ (قَوْلُهُ وَالْأَبْحَاثِ) يَظْهَرُ أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ لِتَعَطُّلِ الْهِمَمِ) أَيْ ضَعْفِهَا عِلَّةً لِلطَّيِّ (قَوْلُهُ عَنْ التَّحْقِيقَاتِ) أَيْ عَنْ تَحْصِيلِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ.
(قَوْلُهُ بَاطِنًا بِهَا) أَيْ الْأَدِلَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ مُشِيرًا) عُطِفَ عَلَى طَاوِيًا أَوْ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ إلَى الْمُقَابِلِ) أَيْ مُقَابِلِ الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ أَوْ عِلَّتِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ دَلِيلُ الْمُقَابِلِ مُطْلَقًا وَهُوَ أَفْيَدُ لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي عَلَيْهِ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ، وَلِأَنَّ عَطْفَ الْعَامِّ مَخْصُوصٌ بِهِ كَمَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ أَصْلُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ وَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى فِي (قَوْلِهِ لِقِلَّتِهِ) أَيْ مَا تَمَيَّزَ بِهِ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي خِدْمَةِ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، (قَوْلُهُ وَالِافْتِقَارِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ إلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مَاذَا (قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ فِي تَأْلِيفِ ذَلِكَ الشَّرْحِ (قَوْلُهُ بِمَا قَصَّرْت فِي خِدَمِهِ) جَمْعُ خِدْمَةٍ كَكِسْرَةِ وَكِسَرٍ وَالضَّمِيرُ لِلْمِنْهَاجِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَيْ بِمُكَافَأَةِ التَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنِّي فِي خِدَمِ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ الْجَوَادُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلِاسْتِعَانَةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَسَمَّيْته) أَيْ الشَّرْحَ الْمُسْتَحْضَرَ فِي الذِّهْنِ، إذْ ظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ سَابِقَةٌ عَلَى التَّأْلِيفِ (قَوْلُهُ بِشَرْحِ الْمِنْهَاجِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُحْتَاجِ فِي الْأَصْلِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْعَلَمِيَّةِ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ جَزْءٌ مِنْ الْعِلْمِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ
(قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) إلَى آخِرِ الْكِتَابِ مَقُولُ قَالَ (قَوْلُهُ أَيْ أُؤَلِّفُ إلَخْ) بَيَانٌ لِمُتَعَلِّقِ الْبَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ وَقِيلَ زَائِدَةٌ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ فَمَدْخُولُهَا مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَوْ بِالْعَكْسِ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ فَالْمُتَعَلِّقُ إمَّا فِعْلٌ أَوْ اسْمٌ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا خَاصٌّ أَوْ عَامٌّ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا مُقَدَّمٌ أَوْ مُؤَخَّرٌ، وَأَوْلَى هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّمَانِيَةِ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعَمَلِ وَلِقِلَّةِ الْحَذْفِ عَلَيْهِ وَلِكَثْرَةِ التَّصْرِيحِ بِالْمُتَعَلِّقِ فِعْلًا وَأَنْ يَكُونَ خَاصًّا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ فِي شَيْءٍ إنَّمَا يُضْمِرُ فِي نَفْسِهِ لَفْظَ مَا جَعَلَ التَّسْمِيَةَ مَبْدَأً لَهُ، فَالْمُبَسْمِلُ الْمُسَافِرُ يُلَاحِظُ أُسَافِرُ وَالْآكِلُ يُلَاحِظُ آكُلُ وَهَكَذَا، وَأَنْ يَكُونَ مُؤَخَّرًا لِيُوَافِقَ الْوُجُودَ الذِّكْرِيَّ لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَلِيُفِيدَ الْقَصْرَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] .
وَإِنَّمَا قُدِّمَ فِي قَوْله تَعَالَى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] ؛ لِأَنَّهُ مَقَامُ ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ وَتَعْلِيمِهَا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا نَزَلَ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْقِرَاءَةِ أَهَمَّ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْعَارِضِ وَكَثِيرًا مَا تُرَجَّحُ فِي الْبَلَاغَةِ الْأَهَمِّيَّةُ الْعَرَضِيَّةُ عَلَى الْأَهَمِّيَّةِ الذَّاتِيَّةِ إذَا اقْتَضَى الْحَالُ ذَلِكَ كَمَا هُنَا، وَلَمْ يَقْتَصِرْ الشَّارِحُ عَلَى أُؤَلِّفُ مَعَ أَنَّهُ أَوْلَى لِمَا مَرَّ، وَلِتَعُمَّ الْبَرَكَةُ جَمِيعَ التَّأْلِيفِ بِخِلَافِ مَادَّةِ الِافْتِتَاح مَثَلًا فَإِنْ الْبَرَكَةَ خَاصَّةٌ بِالِابْتِدَاءِ لِلْإِشَارَةِ إلَى جَوَازِ
وَعَلَى آلِهِ الْأَنْجَابِ وَأَصْحَابِهِ النُّجُومِ وَتَابِعِيهِمْ إلَى يَوْمِ الْمَآبِ (وَبَعْدُ) فَيَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى مَنْصُورٌ سِبْطُ الشَّيْخِ الطَّبَلَاوِيِّ الشَّافِعِيِّ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِحُسْنِ الْعَمَلِ وَغَفَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ الزَّلَلِ هَذِهِ حَوَاشٍ رَقِيقَةٌ وَنِكَاتٌ دَقِيقَةٌ وَتَحْرِيرَاتٌ شَرِيفَةٌ وَتَنْبِيهَاتٌ مُهِمَّةٌ وَفُرُوعٌ مُسَلَّمَةٌ لَمْ يَسْبِقْ لِغَالِبِهَا رَسْمٌ فِي الدَّفَاتِرِ، وَلَمْ تَسْمَحْ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ الْخَوَاطِرُ جَمَعْتهَا مِنْ خَطِّ مُحَرِّرِهَا وَرَسْمِ مُحَبِّرِهَا مَوْلَانَا وَشَيْخِنَا خَاتِمَةِ مَنْ حَقَّقَ وَجَهْبَذِ مَنْ دَقَّقَ
وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، وَيَصِحُّ كَوْنُهَا لِلِاسْتِعَانَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْمَبْدُوءَ بِاسْمِهِ تَعَالَى لَا يَتِمُّ شَرْعًا بِدُونِهِ، وَأَصْلُ اسْمٍ سِمْوٌ مِنْ السُّمُوِّ، وَهُوَ الِارْتِفَاعُ حُذِفَ عَجُزُهُ وَعُوِّضَ عَنْهُ هَمْزَةُ الْوَصْلِ فَوَزْنُهُ افْعٌ وَقِيلَ افْلٌ مِنْ السِّيمَا وَقِيلَ اعْلٌ مِنْ الْوَسْمِ وَطُوِّلَتْ الْبَاءُ لِتَكُونَ
تَقْدِيرِهِ عَامًّا، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيرَهُ خَاصًّا (قَوْلُهُ وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ) أَيْ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ) أَيْ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرُّجْحَانِ (قَوْلُهُ كَوْنُهَا لِلِاسْتِعَانَةِ) رَجَّحَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، وَرَجَّحَ الزَّمَخْشَرِيّ الْمُصَاحَبَةَ وَإِلَيْهِ مَيْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَأَطَالَ الْمُحَشُّونَ لَهُمَا فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا بِوُجُوهٍ طَوِيلَةٍ فَرَاجِعْ حَاشِيَةَ الشِّهَابِ الْخَفَاجِيِّ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ (قَوْلُهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ إلَخْ)
قَالَ شَيْخُ زَادَهُ فِي حَوَاشِي الْبَيْضَاوِيِّ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْآلِيَّةَ تَقْتَضِي التَّبَعِيَّةَ وَالِابْتِذَالَ فَهِيَ تُنَافِي التَّعْظِيمَ وَالْإِجْلَالَ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفِعْلَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا مَا لَمْ يَصْدُرْ بِاسْمِهِ تَعَالَى فَإِنَّ لِلْآلَةِ جِهَتَيْنِ جِهَةَ التَّبَعِيَّةِ وَتَوَقُّفَ نَفْسِ الْفِعْلِ أَوْ كَمَالِهِ عَلَيْهَا، وَقَدْ لُوحِظَ هُنَا الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ دُونَ الْأُولَى اهـ، وَرَدَّهُ الصَّبَّانُ فِي رِسَالَتِهِ الْكُبْرَى عَلَى الْبَسْمَلَةِ بِأَنَّ هَذَا لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ لِبَقَاءِ إيهَامِ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ لَا يَتِمُّ شَرْعًا) لَعَلَّ الْمُرَادَ بَرَكَةً أَوْ كَمَالًا، وَإِلَّا أَشْكَلَ سم وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ شَرْعًا كَالنَّصِّ فِي ذَلِكَ الْمُرَادِ فَلَا مَوْقِعَ لِقَوْلِهِ لَعَلَّ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَشْكَلَ عِبَارَةُ الصَّبَّانِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَيْ الِاسْتِعَانَةِ بِأَنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى تَوَقُّفِ وُجُودِ الْأَمْرِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يُصَدَّرْ بِهِ لَا يُوجَدُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الْآلَةِ فَيَكُونُ فِيهِ تَنْزِيلُ تَوَقُّفِ الْكَمَالِ مَنْزِلَةَ تَوَقُّفِ الْوُجُودِ وَتَنْزِيلُ الْمَوْجُودِ الَّذِي لَمْ يَكْمُلْ شَرْعًا مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ، وَذَلِكَ يُعَدُّ مِنْ الْمُحَسِّنَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ بِدُونِهِ) أَيْ الْبَدْءِ بِاسْمِهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَأَصْلُ اسْمٍ سِمْوٌ) أَيْ بِكَسْرٍ أَوْ ضَمٍّ فَسُكُونٍ هَذَا مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ، وَيَشْهَدُ لَهُ جَمْعُهُ عَلَى أَسْمَاءٍ وَجَمْعُ جَمْعِهِ عَلَى أَسَامٍ وَتَصْغِيرُهُ عَلَى سُمَيٌّ وَقَوْلُهُمْ فِي فِعْلِهِ سَمَّيْت وَأَسْمَيْت وَتَسَمَّيْت صَبَّانٌ وَفِي النِّهَايَةِ مَا يُوَافِقُهُ قَالَ الرَّشِيدِيُّ قَوْلُهُ م ر عَلَى أَسْمَاءٍ أَيْ فَإِنَّ أَصْلَهُ أَسْمَاءٌ وَوَقَعَتْ الْوَاوُ مُتَطَرِّفَةً إثْرَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ فَقُلِبَتْ هَمْزَةً قَوْلُهُ عَلَى سُمَيٌّ أَيْ فَإِنَّ أَصْلَهُ سُمَيْوٌ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَالتَّكْسِيرُ وَالتَّصْغِيرُ يَرُدَّانِ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا، وَقَوْلُهُ سَمَّيْت إلَخْ لِبَيَانِ حَذْفِ مُطْلَقِ الْعَجُزِ، وَإِلَّا فَهَذَا التَّصْرِيفُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي اهـ.
(قَوْلُهُ مِنْ السُّمُوِّ إلَخْ) كَالْعُلُوِّ وَزْنًا وَمَعْنًى أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُعْلِي مُسَمَّاهُ وَيُظْهِرُهُ صَبَّانٌ (قَوْلُهُ حُذِفَ عَجُزُهُ) عِبَارَةُ الصَّبَّانِ فَخُفِّفَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ بِحَذْفِ عَجُزِهِ وَحَرَكَةِ صَدْرِهِ فَوَقَعَ التَّخْفِيفُ فِي طَرَفَيْهِ، وَأُتِيَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ تَعْوِيضًا عَنْ اللَّامِ، وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ حَذْفَ الْوَاوِ اعْتِبَاطِيٌّ لَا لِعِلَّةٍ تَصْرِيفِيَّةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ افْلٌ إلَخْ) مُسْتَأْنَفٌ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَصْلُ اسْمٍ سِمْوٌ إلَخْ وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مَدْخُولِ الْفَاءِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ صَنِيعُهُ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْعَجُزِ لَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَزْنَ افْلٌ أَوْ اعْلٌ سم.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ اعْلٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الصَّبَّانِ وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ مِنْ وُسِمَ بِمَعْنَى عُلِّمَ بِعَلَامَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى مُسَمَّاهُ، وَأَصْلُهُ الْإِعْلَالِيُّ وَسْمٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ السِّينِ فَخُفِّفَ بِحَذْفِ صَدْرِهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَأَتَى بِهَمْزَةٍ لِمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا مِنْ وُسِمَ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِتَقْرِيرِ مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ لِجَعْلِهِمْ الْفِعْلَ الْمَاضِيَ أَصْلًا يُشْتَقُّ مِنْهُ غَيْرُهُ وَلِسَلَامَتِهِ مِنْ لُزُومِ اشْتِقَاقِ الشَّيْءِ مِنْ نَفْسِهِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ الْوَارِدِ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ الْوَسْمِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَطُوِّلَتْ الْبَاءُ إلَخْ) عِبَارَةُ الصَّبَّانِ وَطُوِّلَ رَأْسُهَا بِنَحْوٍ مِنْ نِصْفِ أَلِفٍ قِيلَ تَعْظِيمًا لِلْحَرْفِ الَّذِي اُبْتُدِئَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ طَرَدَ التَّطْوِيلَ
إمَامِ التَّحْقِيقِ وَالتَّحْرِيرِ الْمُجْمَعِ عَلَى أَنَّهُ عَالِمُ الْعَصْرِ الْأَخِيرِ فَخْرُ الْأَئِمَّةِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيُّ الْأَزْهَرِيُّ أَحَلَّهُ اللَّهُ دَارَ الْإِكْرَامِ وَجَعَلَنَا مَعَهُ مِنْ الْفَائِزِينَ فِي مَوْطِنِ السَّعَادَةِ وَالسَّلَامِ عَلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِخَاتِمَةِ أَهْلِ التَّصْنِيفِ وَخَطِيبِ ذَوِي التَّأْلِيفِ إمَامِ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ وَلِسَانِ الْفُقَهَاءِ الْمُدَقِّقِينَ مَوْلَانَا شَيْخِ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ عَالِمِ الْحَرَمِ الْأَمِينِ شِهَابِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ ابْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ ثُمَّ الْمَكِّيِّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيجَهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ حَيْثُ رُمِزَ بِقَوْلِهِ م ر فَمُرَادُهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَأَحَدُ الْأَعْلَامِ مُحَمَّدٌ شَمْسُ الدِّينِ ابْنُ شَيْخِهِ خَاتِمَةِ الْفُقَهَاءِ الْعِظَامِ شَيْخِ مَشَايِخِ الْأَعْلَامِ أَحْمَدَ الرَّمْلِيِّ الْأَنْصَارِيِّ سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَأْوَاهُ
قَالَ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ كَوْنُهَا لِلِاسْتِعَانَةِ) فِي جَوَازِ هَذَا الْإِطْلَاقِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى نَظَرٌ (قَوْلُهُ لَا يَتِمُّ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بَرَكَةً أَوْ كَمَالًا وَإِلَّا أُشْكِلَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ افْلٌ) قَدْ يَدُلُّ ظَاهِرُ الصَّنِيعِ أَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِهِ حُذِفَ عَجُزُهُ إلَخْ مَعَ مَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ إذْ حَذْفُ الْعَجُزِ لَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَزْنَ افْلٌ أَوْ اعْلٌ فَلْيُجْعَلْ مُسْتَأْنَفًا أَوْ يَعْطِفُهُ عَلَى وَأَصْلُ اسْمٍ سِمْوٌ إلَخْ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَطُوِّلَتْ) أَيْ خَطًّا، وَقَوْلُهُ عِوَضًا عَنْ حَذْفِهَا قَدْ يُقَالُ لَا عِلَّةَ لِحَذْفِهَا إلَّا التَّخْفِيفُ وَالتَّعْوِيضُ يُنَافِيهِ إذْ لَا تَخْفِيفَ مَعَهُ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا
عِوَضًا عَنْ حَذْفِهَا، وَهُوَ إنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ غَيْرُ الْمُسَمَّى إجْمَاعًا أَوْ الذَّاتُ عَيْنُهُ كَمَا لَوْ أُطْلِقَ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ وَرَدَ عَلَى اسْمٍ فَهُوَ عَلَى مَدْلُولِهِ أَوْ الصِّفَةِ كَانَ تَارَةً غَيْرًا كَالْخَالِقِ وَتَارَةً عَيْنًا
فِي بَسْمَلَةِ غَيْرِهِ وَقِيلَ تَعْوِيضًا عَنْ أَلِفِ اسْمٍ الْمَحْذُوفَةِ مِنْهُ بِنَحْوٍ مِنْ نِصْفِهَا، وَلِانْتِفَاءِ النُّكْتَتَيْنِ فِي نَحْوِ بِاسْمِ رَبِّك لَمْ يُطَوِّلْ رَأْسَ بَائِهِ وَبِقَوْلِنَا بِنَحْوٍ مِنْ نِصْفِهَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ التَّعْوِيضُ عَنْ الْأَلِفِ يُنَافِي التَّخْفِيفَ بِحَذْفِهَا.
ثُمَّ قَالَ وَحُذِفَتْ أَلِفُهُ خَطًّا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ أَنْ تُكْتَبَ عَلَى صُورَةِ لَفْظِهَا بِتَقْدِيرِ الِابْتِدَاءِ بِهَا وَالْوُقُوفِ عَلَيْهَا لِمَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ كَثْرَةِ الْكِتَابَةِ وَشِدَّةِ اتِّصَالِ الْبَاءِ بِاسْمٍ اهـ.
(قَوْلُهُ عِوَضًا عَنْ حَذْفِهَا) إنْ أُرِيدَ أَنَّ تَطْوِيلَ الْبَاءِ خَطًّا عِوَضٌ عَنْ خَطِّ الْهَمْزَةِ فَظَاهِرٌ أَوْ عَنْ لَفْظِهَا فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ تَطْوِيلَ الْبَاءِ غَيْرُ لَفْظِيٍّ فَجَعْلُهُ عِوَضًا عَنْ اللَّفْظِيِّ بَعِيدٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَقَوْلُهُ عَنْ حَذْفِهَا مُشْكِلٌ إذْ الْحَذْفُ غَيْرُ مُعَوَّضٍ عَنْهُ كَيْفَ وَهُوَ مَوْجُودٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ عَنْ عَلَى التَّعْلِيلِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَعَسُّفٌ فَلْيُتَأَمَّلْ سم وَلَك أَنْ تَجْعَلَهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ إنْ أُرِيدَ إلَخْ) أَيْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الِاسْمِ كَزَيْدٍ إنْ أُرِيدَ بِهِ لَفْظُهُ كَقَوْلِنَا زَيْدٌ ثُلَاثِيٌّ فَهُوَ غَيْرُ الْمُسَمَّى أَوْ الذَّاتِ كَقَوْلِنَا زَيْدٌ طَوِيلٌ أَوْ أَسْوَدُ فَهُوَ عَيْنُ الْمُسَمَّى، وَكَذَا لَوْ أُطْلِقَ بِأَنْ لَمْ يُرَدْ بِهِ لَفْظٌ وَلَا ذَاتٌ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ حَمْلِهِ حِينَئِذٍ عَلَى الذَّاتِ مَا إذَا صَلُحَتْ لِلِاتِّصَافِ بِالْمَحْمُولِ كَقَوْلِنَا زَيْدٌ مَوْجُودٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاسْمِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَهُوَ إلَخْ لَفْظَ الِاسْمِ أَيْ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْهَمْزَةِ وَالسِّينِ وَالْمِيمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا وُرُودَ لِمَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ الْفَاضِلُ الْمُحَشِّي سم هُنَا سَيِّدُ عُمَرَ الْبَصْرِيِّ وَع ش.
(قَوْلُهُ غَيْرُ الْمُسَمَّى) الْأَوْلَى هُنَا وَفِي نَظَائِرِهِ الْآتِيَةِ الِاقْتِرَانُ بِالْفَاءِ كَمَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ إجْمَاعًا) أَيْ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ يَتَأَلَّفُ مِنْ أَصْوَاتٍ مُقَطَّعَةٍ غَيْرِ قَادِرَةٍ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأُمَمِ وَالْأَعْصَارِ، وَيَتَعَدَّدُ تَارَةً وَيَتَّحِدُ أُخْرَى وَالْمُسَمَّى لَا يَكُونُ كَذَلِكَ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ أَوْ الذَّاتُ إلَخْ) لَكِنَّهُ لَمْ يُشْتَهَرْ بِهَذَا الْمَعْنَى نِهَايَةٌ وَمُغْنِي أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ مَعَ عَامِلٍ كَأَنْ يُقَالَ لَفْظُ كَذَا مُرَادًا بِهِ الذَّاتُ الْمَخْصُوصَةُ فَلَا يُنَافِي هَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ مِنْ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ بِمَعْنَى الذَّاتِ فَإِنَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ مُرَكَّبًا مَعَ الْعَامِلِ كَقَوْلِك اللَّهُ الْهَادِي وَمُحَمَّدٌ الشَّفِيعُ وَقَدْ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ كَمَا لَوْ أُطْلِقَ ع ش (قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى مَدْلُولِهِ) أَيْ إلَّا لِصَارِفٍ كَزَيْدٍ اسْمٌ (قَوْلُهُ أَوْ الصُّفَّةِ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَة وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الصُّفَّةُ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ انْقَسَمَ انْقِسَامُ الصِّفَةِ عِنْدَهُ إلَى مَا هُوَ نَفَسُ الْمُسَمَّى كَالْوَاحِدِ وَالْقَدِيمِ وَإِلَى مَا هُوَ غَيْرُهُ كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ وَإِلَى مَا هُوَ لَيْسَ هُوَ وَلَا غَيْرَهُ كَالْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَالْمُتَكَلِّمِ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ اهـ.
وَكَذَا فِي الْمُغْنِي إلَّا أَنَّهُ تَسَمُّحٌ، وَعَبَّرَ فِي الْقِسْمِ الْأَخِيرِ بِالْمَصَادِرِ، وَعِبَارَةُ الصَّبَّانِ، ثُمَّ الِاسْمُ إنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمُسَمَّى كَلَفْظِ زَيْدٍ الدَّالِ عَلَى ذَاتٍ مُشَخَّصَةٍ فَغَيْرُ الْمُسَمَّى قَطْعًا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَدْلُولُ مَجَازٌ الْعِلَاقَةُ الْمَحَلِّيَّةُ أَوْ السَّبَبِيَّةُ بِاعْتِبَارِ فَهْمِ الْمَدْلُولِ مِنْ الدَّالِّ، فَعَيْنُهُ إنْ كَانَ جَامِدًا كَاَللَّهِ وَغَيْرَهُ إنْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنْ صِفَةِ فِعْلٍ كَالْخَالِقِ وَلَا عَيْنِهِ وَلَا غَيْرِهِ إنْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنْ صِفَةِ ذَاتٍ كَالْعَالِمِ قَالَ السَّعْدُ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ الْأَصْحَابُ اعْتَبَرُوا الْمَدْلُولَ الْمُطَابِقِيَّ فَأَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّ مَدْلُولَ الْخَالِقِ شَيْءٌ مَا لَهُ الْخَلْقُ لَا نَفْسُ الْخَلْقِ وَمَدْلُولَ الْعَالِمِ شَيْءٌ مَا لَهُ الْعِلْمُ لَا نَفْسُ الْعِلْمِ وَالْأَشْعَرِيُّ
تُطَوَّلُ دُونَ الْأَوَّلِ فَلَا يُنَافِي التَّخْفِيفَ بَقِيَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ تَطْوِيلَ الْبَاءِ عِوَضٌ عَنْ خَطِّ الْهَمْزَةِ فَظَاهِرٌ أَوْ عَنْ لَفْظِهَا فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ تَطْوِيلَ الْبَاءِ غَيْرُ لَفْظِيٍّ فَجَعْلُهُ عِوَضًا عَنْ اللَّفْظِيِّ بَعِيدٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَقَوْلُهُ عَنْ حَذْفِهَا مُشْكِلٌ، إذْ الْحَذْفُ غَيْرُ مُعَوَّضٍ عَنْهُ وَكَيْفَ وَهُوَ مَوْجُودٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تُحْمَلَ عَنْ عَلَى التَّعْلِيلِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَعَسُّفٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهُوَ إنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ إرَادَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَقَدْ يُقَالُ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الذَّاتِ يُوهِمُ الْقَسَمَ مَعَ أَنَّهُ حَذَّرَ عَنْ إيهَامِهِ، وَأَيْضًا لَا يَأْتِي قَوْلُهُ وَلِيَعُمَّ إلَخْ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الدَّلِيلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ مَدْلُولَ لَفْظِ الِاسْمِ الْأَسْمَاءُ كَلَفْظِ اللَّهِ وَلَفْظِ الرَّحْمَنِ لَا نَفْسُ الذَّاتِ فَتَأَمَّلْهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ الذَّاتَ مَدْلُولٌ بِالْوَاسِطَةِ فَإِنَّهَا مَدْلُولُ الْمَدْلُولِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ الصِّفَةِ) قَالَ ع س وَأَنَا أَقُولُ الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ الشَّيْخِ الْأَمْرُ الْمَحْمُولُ عَلَى الذَّاتِ بِحَمْلِ الِاشْتِقَاقِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ السَّيِّدِ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ حَيْثُ قَالَ ذَهَبَ الشَّيْخُ وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ إلَى أَنَّ مِنْ الصِّفَاتِ مَا هُوَ عَيْنُ الْمَوْصُوفِ كَالْوُجُودِ إلَى قَوْلِهِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ قَالَ انْقِسَامُ الصِّفَةِ إلَى الْعَيْنِ وَإِلَى مَا هُوَ غَيْرٌ وَإِلَى مَا هُوَ لَا عَيْنٌ وَلَا غَيْرٌ فَاسِدٌ إذْ الصِّفَةُ هُوَ الْأَمْرُ الْخَارِجُ أَوْ الزَّائِدُ عَلَى الذَّاتِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَيْنِيَّةَ وَلَا حَاجَةَ إلَى مَا اُرْتُكِبَ مِنْ التَّمَحُّلَاتِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ وَتَارَةً عَيْنًا عِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ إلَى
كَاَللَّهِ وَتَارَةً لَا وَلَا كَالْعَالِمِ، وَلَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ حَذَرًا مِنْ إيهَامِ الْقَسَمِ وَلِيَعُمَّ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ تَعَالَى
(اللَّهِ) هُوَ عَلَى عَلَمِ الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْكَمَالَاتِ لِذَاتِهِ
أَخَذَ الْمَدْلُولَ الْأَعَمَّ وَاعْتَبَرَ فِي أَسْمَاءِ الصِّفَاتِ الْمَعَانِيَ الْمَقْصُودَةَ فَزَعَمَ أَنَّ مَدْلُولَ الْخَالِقِ الْخَلْقُ، وَهُوَ غَيْرُ الذَّاتِ وَمَدْلُولَ الْعَالِمِ الْعِلْمُ وَهُوَ لَا عَيْنٌ وَلَا غَيْرٌ اهـ.
فَتَحَصَّلَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الِاسْمَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ الدَّالِّ غَيْرُ الْمُسَمَّى قَطْعًا وَبِمَعْنَى الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ عَيْنُهُ قَطْعًا وَبِمَعْنَى مُطْلَقِ الْمَدْلُولِ تَارَةً يَكُونُ غَيْرَهُ وَتَارَةً يَكُونُ عَيْنَهُ وَتَارَةً يَكُونُ لَا غَيْرَهُ وَلَا عَيْنَهُ، فَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ لَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ فِي أَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى أَوْ عَيْنُهُ وَالْغَيْرُ الْمَنْفِيُّ فِي قَوْلِهِمْ صِفَةُ الذَّاتِ لَيْسَتْ غَيْرًا الْغَيْرُ الْمُنْفَكُّ لَا مُطْلَقُ الْغَيْرِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الصِّفَةَ غَيْرُ الْمَوْصُوفِ، وَإِنْ لَزِمَتْهُ أَمَّا التَّسْمِيَةُ فَتُطْلَقُ عَلَى وَضْعِ الِاسْمِ لِلْمُسَمَّى وَعَلَى ذِكْرِ الْمُسَمَّى بِاسْمِهِ فَهِيَ غَيْرُ الْمُسَمَّى وَغَيْرُ الِاسْمِ اهـ.
(قَوْلُهُ كَاَللَّهِ) مَثَّلَ بِهِ فِي الْمَوَاقِفِ لِلِاسْمِ الَّذِي مَدْلُولُهُ عَيْنُ الذَّاتِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الِاسْمِ بِمَعْنَى الصِّفَةِ فَالتَّمْثِيلُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلصِّفَةِ فَكَيْفَ يُمَثَّلُ لَهَا بِقَوْلِ اللَّهِ سم أَيْ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُمَثَّلَ بِالْوَاحِدِ وَنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي، وَأَجَابَ عَنْهُ الْكُرْدِيُّ بِمَا نَصُّهُ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ قَدْ يُرَادُ بِاَللَّهِ الْوُجُودُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَيْنَ الذَّاتِ فَالدَّالُّ عَلَى الذَّاتِ دَالٌّ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ بِالِاعْتِبَارِ فَالدَّالُّ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى الذَّاتِ عَلَمٌ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْوُجُودِ صِفَةٌ، وَهَكَذَا كُلُّ عَلَمٍ مَعَ الذَّاتِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ كُلِّ شَيْءٍ عَيْنُهُ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ الثَّانِي صِفَةٌ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا اهـ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ حَذَّرَ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ لَا يَحْتَمِلُ الْقَسَمَ وَفِيهِ كَلَامٌ فِي الْأَيْمَانِ سم وَحَاصِلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَمِينٌ ع ش عِبَارَةُ الصَّبَّانِ وَإِنَّمَا قِيلَ بِسْمِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ مَعَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْأَمْرِ بِاسْمِ اللَّهِ حَاصِلٌ بِقَوْلِ بِاَللَّهِ مُبَالَغَةً فِي التَّعْظِيمِ وَالْأَدَبِ فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ سَلَامٌ عَلَى الْمَجْلِسِ الْعَالِي، وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ إيهَامِ الْقَسَمِ مِنْ بِاَللَّهِ وَلِإِشْعَارِهِ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ وَالتَّبَرُّكَ يَكُونَانِ بِاسْمِهِ كَمَا بِذَاتِهِ وَلِإِفَادَةِ الْعُمُومِ إنْ قُلْنَا الْإِضَافَةُ اسْتِغْرَاقِيَّةٌ أَوْ جِنْسِيَّةٌ وَإِعْمَالُ نَفْسِ السَّامِعِ فِي تَعْيِينِ الْمَعْهُودِ إنْ قُلْنَا عَهْدِيَّةٌ وَالْإِجْمَالُ ثُمَّ التَّفْصِيلُ إنْ قُلْنَا لِلْبَيَانِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِنَا وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ إيهَامِ الْقَسَمِ مِنْ اللَّهِ أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ يَصْلُحُ قَسَمًا، وَإِنَّ الْقَائِلَ بِسْمِ اللَّهِ حَالِفًا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ اللَّفْظَ كَلَفْظِ اللَّهِ إنْ قُصِدَ اللَّفْظُ الثَّابِتُ فِي الْقُرْآنِ لِمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِالْمَكْتُوبِ فِيهِ أَوْ بِالْقُرْآنِ فَيَمِينٌ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلِيَعُمَّ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ تَعَالَى) أَيْ عُمُومًا شُمُولِيًّا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ اسْتِغْرَاقِيَّةً وَبَدَلِيًّا إذَا كَانَتْ جِنْسِيَّةً صَبَّانٌ
(قَوْلُهُ هُوَ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا تَحَيَّرَتْ الْعُقُولُ فِي الْمُسَمَّى تَحَيَّرَتْ فِي الِاسْمِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ اخْتِلَافَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا اخْتِلَافُهُمْ فِي كَوْنِهِ عَلَمًا أَوْ وَصْفًا أَوْ اسْمَ جِنْسٍ فَقَالَ الْجُمْهُورُ إنَّهُ عَلَمٌ لِلذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ وَالْوَصْفَانِ الْمَذْكُورَانِ لِإِيضَاحِ الْمُسَمَّى لَا لِاعْتِبَارِهِمَا فِي الْمُسَمَّى، وَإِلَّا لَكَانَ الْمُسَمَّى مَجْمُوعَ الذَّاتِ وَالصِّفَةِ مَعَ أَنَّهُ الذَّاتُ فَقَطْ، وَاسْتَدَلُّوا بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُوصَفُ وَلَا يُوصَفُ بِهِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ تَعَالَى مِنْ اسْمٍ تَجْرِي عَلَيْهِ صِفَاتُهُ وَلَا يَصْلُحُ لَهُ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ سِوَاهُ لِظُهُورِ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ فِي غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَمًا بِأَنْ كَانَ صِفَةً أَوْ اسْمَ جِنْسٍ لَكَانَ كُلِّيًّا فَلَا يَكُونُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَوْحِيدًا مَعَ أَنَّهُ تَوْحِيدٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ وَصْفٌ فِي أَصْلِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ سبحانه وتعالى بِحَيْثُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ وَصَارَ عَلَمًا مِثْلُ الثُّرَيَّا وَالصَّعِقِ أُجْرِيَ كَالْعَلَمِ فِي إجْرَاءِ الْأَوْصَافِ عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِ الْوَصْفِ بِهِ وَعَدَمِ تَطَرُّقِ احْتِمَالِ الشَّرِكَةِ اهـ.
وَقَوْلُهُ لَكِنَّهُ لَمَّا غَلَبَ إلَخْ دَفْعٌ لِلْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَوْنِهِ عَلَمًا وَضْعِيًّا لِذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ زَادَهْ أَنَّهُ عِنْدَ الْبَيْضَاوِيِّ صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ، وَيُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ وَصْفٌ فِي أَصْلِهِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ الشِّرْوَانِيِّ أَيْضًا فَهُوَ إنَّمَا يُنْكِرُ كَوْنَهُ عَلَمًا وَضْعِيًّا، ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْبَيْضَاوِيُّ عَلَى مُخْتَارِهِ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ ذَاتَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِلَا اعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ مَعَهُ حَقِيقِيٌّ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَوْ غَيْرِ حَقِيقِيٍّ كَكَوْنِهِ مَعْبُودًا أَوْ رَازِقًا غَيْرُ مَعْقُولٍ
مَا هُوَ نَفْسُ الْمُسَمَّى قَالَ ع ش كَالْوُجُودِ عِنْدَ الشَّيْخِ مُطْلَقًا وَفِي الْوَاجِبِ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ أَيْضًا انْتَهَى (قَوْلُهُ كَاَللَّهِ) مَثَّلَ بِهِ فِي الْمَوَاقِفِ لِلِاسْمِ الَّذِي مَدْلُولُهُ عَيْنُ الذَّاتِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الِاسْمِ بِمَعْنَى الصِّفَةِ فَالتَّمْثِيلُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلصِّفَةِ فَكَيْفَ يُمَثِّلُ لَهَا بِقَوْلِهِ كَاَللَّهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّمْثِيلُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَصْلَهُ إلَهٌ بِمَعْنَى مَعْبُودٍ أَوْ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِلَهَ صِفَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَلَيْهِمَا لَيْسَ عَيْنًا بَلْ هُوَ كَالْخَالِقِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِالصِّفَةِ
وَلَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى وَلَوْ تَعَنُّتًا فِي الْكُفْرِ بِخِلَافِ الرَّحْمَنِ عَلَى نِزَاعٍ فِيهِ، وَأَصْلُهُ إلَهٌ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ وَعُوِّضَ عَنْهَا أَلْ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِكُلِّ مَعْبُودٍ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ فَقَطْ فَوُصِفَ وَلَمْ يُوصَفْ بِهِ وَعَلَيْهِ فَمَفْهُومُ الْجَلَالَةِ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِهِ كُلِّيٌّ
لِلْبَشَرِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا بِلَفْظِ الثَّانِي أَنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ لَوْ دَلَّ عَلَى مُجَرَّدِ ذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ لَمَا أَفَادَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ} [الأنعام: 3] إلَخْ مَعْنًى صَحِيحًا.
الثَّالِثُ أَنَّ مَعْنَى الِاشْتِقَاقِ هُوَ كَوْنُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ مُشَارِكًا لِلْآخَرِ فِي الْمَعْنَى وَالتَّرْكِيبِ وَهُوَ حَاصِلٌ بَيْنَ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَالْأُصُولِ الَّتِي تُذْكَرُ لَهُ أَيْ فَهُوَ مُشْتَقٌّ فَيَكُونُ وَصْفًا، وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ التَّعَلُّقَ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ لِلْبَشَرِ هُوَ التَّعَقُّلُ بِالْكُنْهِ، وَأَمَّا التَّعَقُّلُ بِوَجْهٍ مُخْتَصٍّ فَحَاصِلٌ لَهُمْ وَهُوَ كَافٍ فِي فَهْمِهِمْ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ حِكْمَةُ الْوَضْعِ إنْ قُلْنَا الْوَاضِعُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي إمْكَانِ وَضْعِهِمْ إنْ قُلْنَا الْوَاضِعُ هُمْ بِدَلِيلِ وَضْعِ الْأَبِ عَلَمًا لِوَلَدِهِ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالِاسْمِ الْكَرِيمِ لَا يَقْتَضِي وَصْفِيَّتَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَعَلُّقُهُ بِهِ بِاعْتِبَارِ مُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى الْوَصْفِيِّ الْخَارِجِ عَنْهُ الْمَفْهُومِ مِنْ أَصْلِ اشْتِقَاقِهِ أَوْ الْمَشْهُورِ بِهِ مُسَمَّاهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ
أَسَدٌ عَلَيَّ وَفِي الْحُرُوبِ نَعَامَةٌ
وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ كَوْنَهُ مُشْتَقًّا لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ وَصْفًا فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِيهِ لَوْ وَجَبَ كَوْنُ الْمُشْتَقِّ مَوْضُوعًا لِذَاتٍ مُبْهَمَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ أَسْمَاءَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْآلَةِ مُشْتَقَّاتٌ، وَلَيْسَتْ بِصِفَاتٍ لِدَلَالَتِهَا عَلَى ذَوَاتٍ مُعَيَّنَةٍ بِنَوْعِ تَعْيِينٍ صَبَّانٌ وَسَيَأْتِي مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إلَخْ وَكَلَامُ النِّهَايَةِ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ مَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَكَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي كَالصَّرِيحِ فِي اخْتِيَارِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَبِهِ جَزَمَ الْمُغْنِي كَمَا يَأْتِي وَكَذَا الْبُجَيْرَمِيُّ وَشَيْخُنَا حَيْثُ قَالَا وَاللَّفْظُ الثَّانِي قَوْلُهُ وَاَللَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ أَيْ بِوَضْعِهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَمَّى نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَّمَهُ لِعِبَادِهِ فَهُوَ عَلَمٌ شَخْصِيٌّ جُزْئِيٌّ وَإِنْ كَانَ لَا يُقَالُ ذَلِكَ إلَّا فِي مَقَامِ التَّعْلِيمِ، وَلَيْسَ فِيهِ غَلَبَةٌ أَصْلًا لَا تَحْقِيقِيَّةٌ وَلَا تَقْدِيرِيَّةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يَسْبِقُ لِلْكُلِّيِّ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ الْفَرْدِ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ كَالنَّجْمِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِكُلِّ كَوْكَبٍ لَيْلِيٍّ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الثُّرَيَّا بَعْدَ سَبْقِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهَا.
وَالثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَسْبِقَ لِلْكُلِّيِّ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ الْفَرْدِ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ لَكِنْ يُقَدَّرُ ذَلِكَ كَالْإِلَهِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ تَعَالَى بَعْدَ تَقْدِيرِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ، وَأَمَّا لَفْظُ الْجَلَالَةِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى التَّحْقِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى) وَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فِي أَلْفَيْنِ وَثَلَثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَوْضِعًا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَالَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَطَه مُغْنِي، وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَاخْتَارَ إلَخْ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي شَرْحٍ بِأَفْضَلَ وَهُوَ أَيْ اللَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ وَعَدَمُ الِاسْتِجَابَةِ لِأَكْثَرِ النَّاسِ مَعَ الدُّعَاءِ بِهِ لِعَدَمِ اسْتِجْمَاعِهِمْ لِشَرَائِطِ الدُّعَاءِ اهـ.
أَيْ الَّتِي مِنْهَا أَكْلُ الْحَلَالِ (قَوْلُهُ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَأَصْلُهُ إلَهٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ كَإِمَامٍ، ثُمَّ أَدْخَلُوا عَلَيْهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إلَى اللَّامِ فَصَارَ اللَّامُ بِلَامَيْنِ مُتَحَرِّكَتَيْنِ، ثُمَّ سُكِّنَتْ الْأُولَى وَأُدْغِمَتْ فِي الثَّانِيَةِ لِلتَّسْهِيلِ انْتَهَى وَقِيلَ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ وَعُوِّضَ عَنْهَا حَرْفُ التَّعْرِيفِ، ثُمَّ جُعِلَ عَلَمًا وَالْإِلَهُ فِي الْأَصْلِ أَيْ قَبْلَ دُخُولِ أَلْ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَعْبُودٍ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ كَمَا أَنَّ النَّجْمَ اسْمٌ لِكُلِّ كَوْكَبٍ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الثُّرَيَّا، وَهَلْ هُوَ مُشْتَقٌّ أَوْ مُرْتَجَلٌ فِيهِ خِلَافٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مَأْخُوذٍ مِنْ شَيْءٍ بَلْ وُضِعَ عَلَمًا ابْتِدَاءً فَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ لَا يُحِيطُ بِهَا شَيْءٌ وَلَا تَرْجِعُ إلَى شَيْءٍ فَكَذَلِكَ اسْمُهُ تَعَالَى اهـ أَيْ لَا يَرْجِعُ إلَى شَيْءٍ يُشْتَقُّ مِنْهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ إلَخْ) أَيْ بِالْغَلَبَةِ التَّحْقِيقِيَّةِ قَبْلَ حَذْفِ الْهَمْزَةِ وَتَعْوِيضِ أَلْ أَيْ إلَهٌ وَالتَّقْدِيرِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ الْإِلَهُ، وَأَمَّا اللَّهُ فَلَيْسَ فِيهِ غَلَبَةٌ أَصْلًا بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ فَوَصْفٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ إلَخْ عِبَارَةُ الصَّبَّانِ اُخْتُلِفَ فِي إلَهٌ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْجَلَالَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ إنَّهُ وَصْفٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ إنَّهُ اسْمٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُوصَفُ وَلَا يُوصَفُ بِهِ لَا تَقُولُ شَيْءٌ إلَهٌ وَتَقُولُ إلَهٌ وَاحِدٌ اهـ.
أَوْ لِقَوْلِهِ هُوَ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ إلَخْ كَمَا هُوَ صَرِيحُ صَنِيعِ النِّهَايَةِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الصَّبَّانِ فِي حَاشِيَتِهِ هُوَ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ إلَخْ أَوْ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ إلَخْ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الْبُجَيْرَمِيِّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ لِكُلِّ مَعْبُودٍ إلَخْ (قَوْلُهُ لِأَصْلِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ وَهُوَ إلَهٌ أَوْ الثَّانِي وَهُوَ الْإِلَهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ الْآتِي مِنْ حَيْثُ
الْأَمْرُ الْمَحْمُولُ بِحَمْلِ الِاشْتِقَاقِ صَحَّ التَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ (قَوْلُهُ حَذَرًا إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ لَا يَحْتَمِلُ الْقَسَمَ وَفِيهِ كَلَامٌ فِي هَامِشِ الْأَيْمَانِ
(قَوْلُهُ فَوَصْفٌ) يُتَأَمَّلُ هَذَا التَّفْرِيعُ. الْوَاجِبِ الْوُجُودِ (قَوْلُهُ
وَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ جُزْئِيٌّ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ مِنْ الْأَعْلَامِ الْخَاصَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى وَمِنْ الْغَالِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَصْلَهُ الْإِلَهُ بِالنَّظَرِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ فَقَطْ، وَكَانَ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةَ تَوْحِيدٍ أَيْ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إلَّا ذَلِكَ الْوَاحِدُ الْحَقُّ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَفْهُومِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ أَوْ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمَعْبُودِيَّةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا كُلِّيٌّ انْحَصَرَ فِي فَرْدٍ فَلَا يَكُونُ عَلَمًا لِأَنَّ مَفْهُومَ الْعَلَمِ جُزْئِيٌّ فَقَدْ سَهَا وَلَزِمَهُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا تُفِيدُ تَوْحِيدًا كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مِنْ أَلِهِ بِكَسْرِ عَيْنِهِ إذَا تَحَيَّرَ لِتَحَيُّرِ الْخَلْقِ فِي مَعْرِفَتِهِ أَوْ بِفَتْحِهَا إذَا عَبَدَ أَوْ مِنْ لَاهَ إذَا ارْتَفَعَ أَوْ إذَا احْتَجَبَ، وَهَذَا لِكَوْنِهِ نَظَرًا لِأَصْلِهِ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ لَا يُنَافِي عَلَمِيَّتَهُ وَهُوَ عَرَبِيٌّ وَوُرُودُهُ فِي غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ تَوَافُقِ اللُّغَاتِ كَمَا أَنَّ الْحَقَّ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّ كُلَّ مَا قِيلَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ الْأَعْلَامِ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَرَبِيٌّ تَوَافَقَتْ فِيهِ اللُّغَاتُ وَلَا بِدَعَ أَنْ يَخْفَى عَلَى مِثْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَوْنُهُ عَرَبِيًّا كَمَا خَفِيَ عَلَيْهِ مَعْنَى فَاطِرٍ وَفَاتِحٍ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه لَا يُحِيطُ بِاللُّغَةِ إلَّا نَبِيٌّ وَمُشْتَقٌّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَقَوْلُ أَبِي حَيَّانَ فِي نَهْرِهِ لَيْسَ مُشْتَقًّا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَعَلَّهُ أَرَادَ مِنْ النُّحَاةِ وَأَعْرَفُ الْمَعَارِفِ وَإِنْ كَانَ عَلَمًا
(الرَّحْمَنِ) هُوَ صِفَةٌ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى كَثِيرِ الرَّحْمَةِ جِدًّا
إنَّ أَصْلَهُ الْإِلَهُ (قَوْلُهُ وَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى حَالَتِهِ الرَّاهِنَةِ وَهِيَ اللَّهُ (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ لِأَجْلِ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ فَمَفْهُومُ الْجَلَالَةِ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِهِ كُلِّيٌّ إلَخْ (قَوْلُهُ كَانَ) أَيْ لَفْظُ الْجَلَالَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْغَالِبَةِ) أَيْ غَلَبَةً تَقْدِيرِيَّةً كَمَا مَرَّ عَنْ الْبُجَيْرَمِيِّ وَيُفِيدُهُ أَيْضًا قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي فَقَطْ (قَوْلُهُ وَكَانَ قَوْلُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ مِنْ الْأَعْلَامِ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَمَنْ زَعَمَ إلَخْ عِبَارَةُ الصَّبَّانِ وَقِيلَ إنَّهُ اسْمٌ لِمَفْهُومِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ إلَخْ وَرُدَّ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا إجْمَاعُهُمْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تُفِيدُ التَّوْحِيدَ وَلَوْ كَانَ اسْمًا لِمَفْهُومٍ كُلِّيٍّ لَمْ تُفِدْهُ لِأَنَّ الْكُلِّيَّ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَحْتَمِلُ الْكَثْرَةَ.
ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْمًا لِلْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ لَزِمَ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ مِنْ نَفْسِهِ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ إنْ أُرِيدَ بِإِلَهٍ فِيهَا الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ وَالْكَذِبُ إنْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْمَعْبُودِ لِكَثْرَةِ الْمَعْبُودَاتِ الْبَاطِلَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إلَهٌ فِيهَا بِمَعْنَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ، وَاَللَّهُ عَلَمًا وَضْعِيًّا لِلْفَرْدِ الْمَوْجُودِ مِنْهُ. أَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى هَذَا الْفَرْدِ الْمُنْحَصِرِ فِيهِ الْكُلِّيُّ إذْ لَا يَسَعُهُ إنْكَارُ ذَلِكَ، وَقَدْ نَقَلَ الشِّرْوَانِيُّ عَنْ الْخَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ أَطْبَقَ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا اللَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ تَعَالَى أَيْ إمَّا بِطَرِيقِ الْوَضْعِ أَوْ الْغَلَبَةِ، ثُمَّ رَأَيْت لِلْعَلَّامَةِ سم فِي حَوَاشِيهِ عَلَى مُخْتَصَرِ السَّعْدِ مَا يُرَشِّحُهُ حَيْثُ كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَكُونُ عَلَمًا مَا نَصُّهُ أَيْ بِالْأَصَالَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ عَلَى هَذَا قَدْ يُجْعَلُ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ اهـ وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ الْأَمْرَانِ الْمَذْكُورَانِ وَعَلَى هَذَا وَمَا سَبَقَ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ يَكُونُ اسْمُ الْجَلَالَةِ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ عَلَمًا بِاتِّفَاقِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ إلَّا أَنَّ عَلَمِيَّتَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مُتَأَصِّلَةٌ وَضْعِيَّةٌ وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ غَلَبِيَّةٌ طَارِئَةٌ اهـ.
وَقَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ عَلَمًا أَيْ بَلْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ صَبَّانٌ (قَوْلُهُ فَقَدْ سَهَا كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ) الَّذِي بَيَّنَهُ السَّعْدُ سم وَقَدْ مَرَّ عَنْ الصَّبَّانِ آنِفًا بَيَانُهُ بِأَمْرَيْنِ، ثُمَّ رَدَّهُمَا (قَوْلُهُ مِنْ إلَهٍ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَأَصْلُهُ إلَهٌ إلَخْ عِبَارَةُ الصَّبَّانِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَمٌ بِالْوَضْعِ فَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِيهِ فَقِيلَ إنَّهُ مَنْقُولٌ أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْ أَصْلٍ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ قَالَ الشَّيْخُ زَادَهْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمُشْتَقِّ فِي عِبَارَةِ مَنْ عَبَّرَ بِهِ لَا مُقَابِلُ الْأَعْلَامِ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ مِنْ الْوَصْفِ اهـ وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إلَى الْجُمْهُورِ غَيْرَ وَاحِدٍ كَالشَّرْوَانِيِّ فِي حَوَاشِي الْبَيْضَاوِيِّ وَقِيلَ مُرْتَجَلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا اشْتِقَاقَ بَلْ هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ ابْتِدَاءً لِذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْخَلِيلُ وَالْخَارِجِيُّ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَنَسَبَهُ إلَى سِيبَوَيْهِ وَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا فِي حَوَاشِي الْبَيْضَاوِيِّ عَلَى أَنَّهُ مَنْقُولٌ فَقِيلَ إنَّهُ مَنْقُولٌ مِنْ أَصْلٍ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَقِيلَ مِنْ لَاهَ يَلُوهُ لَوْهًا إذَا خَلَقَ، وَقِيلَ مِنْ لَاهَ يَلُوهُ لَيْهًا إذَا احْتَجَبَ أَوْ ارْتَفَعَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ أَقْوَالٍ أُخَرَ وَأَرْجَحُ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ مِنْ أَلِهَ إذَا عَبَدَ وَأَصْلُهُ إلَهٌ كَفِعَالٍ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا قَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ كَثْرَةُ دَوَرَانِ إلَهٍ كَفِعَالٍ وَاسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ وَإِطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ.
عِبَارَةُ النِّهَايَةِ مُتَفَرِّعًا عَلَى عَلَمِيَّتِهِ فَهُوَ مُرْتَجَلٌ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ وَنُقِلَ عَنْ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ أَيْضًا وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَلِهَ أَيْ بِكَسْرِ اللَّامِ بِمَعْنَى تَحَيَّرَ إلَخْ (قَوْلُهُ إذَا تَحَيَّرَ إلَخْ) فَإِلَهٌ بِمَعْنَى مَأْلُوهٍ فِيهِ وَقَوْلُهُ إذَا عَبَدَ فَإِلَهٌ بِمَعْنَى مَأْلُوهٍ كَكِتَابٍ بِمَعْنَى مَكْتُوبٍ صَبَّانٌ (قَوْلُهُ إذَا ارْتَفَعَ إلَخْ) أَيْ فَإِلَهٌ بِمَعْنَى آلِهٍ اسْمِ فَاعِلٍ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْأَخْذُ مِمَّا ذُكِرَ (قَوْلُهُ نَظَرًا إلَخْ) عِلَّةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ لِأَصْلِهِ) أَيْ أَصْلِ اللَّهِ وَهُوَ إلَهٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ عَرَبِيٌّ) خِلَافًا لِلْبَلْخِيِّ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ نِهَايَةٌ عِبَارَةُ الصَّبَّانِ، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ عَرَبِيٌّ وَضْعًا وَقِيلَ عَجَمِيٌّ وَضْعًا، وَأَصْلُهُ قِيلَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَقِيلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ لَاهَا فَعُرِّبَ بِحَذْفِ الْأَلِفِ الْأَخِيرَةِ وَإِدْخَالِ أَلْ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَانِيِّينَ أَوْ السُّرْيَانِيِّينَ يَقُولُونَ لَاهَا كَثِيرًا وَمَعْنَاهُ مَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ اهـ (قَوْلُهُ كَوْنُهُ إلَخْ) أَيْ مَا قِيلَ فِي الْقُرْآنِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِقَوْلِهِ وَلَا بِدَعَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمُشْتَقٌّ إلَخْ) كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ عَرَبِيٌّ لِمَا قَدَّمْنَا عَنْ الصَّبَّانِ عَنْ الشَّيْخِ زَادَهْ (قَوْلُهُ وَأَعْرَفُ الْمَعَارِفِ إلَخْ) فَقَدْ حُكِيَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك فَقَالَ خَيْرًا كَثِيرًا لِجَعْلِي اسْمَهُ أَعْرَفَ الْمَعَارِفِ نِهَايَةٌ
(قَوْلُهُ بِمَعْنَى كَثِيرِ الرَّحْمَةِ جِدًّا) اعْلَمْ أَنَّهُمْ عَبَّرُوا بِأَنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ وَقَدْ تُوُهِّمَ إشْكَالُهُ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ الْخَمْسَةِ وَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ مَا يَنْحَصِرُ فِي الْخَمْسَةِ هُوَ مَا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ بِالصِّيغَةِ، وَمَا هُنَا مِمَّا يُفِيدُهَا بِالْمَادَّةِ
وَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ جُزْئِيٌّ) أَيْنَ مَرْجِعُ هَذَا الضَّمِيرِ (قَوْلُهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ) الَّذِي بَيَّنَهُ السَّعْدُ
(قَوْلُهُ بِمَعْنَى كَثِيرِ الرَّحْمَةِ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ عَبَّرُوا بِأَنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ، وَقَدْ تَوَهَّمَ إشْكَالَهُ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ الْخَمْسَةِ وَلَا
ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْبَالِغِ فِي الرَّحْمَةِ وَالْإِنْعَامِ بِحَيْثُ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى وَغَلَبَةُ عَلَمِيَّتِهِ الْمُقْتَضِيَةِ لِإِعْرَابِهِ بَدَلًا هُنَا لَا تَمْنَعُ اعْتِبَارَ وَصْفِيَّتِهِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ نَعْتًا بِاعْتِبَارِهَا لِوُقُوعِهِ صِفَةً وَلِكَوْنِهِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى وَمَجِيئِهِ غَيْرَ تَابِعٍ لِلْعَلَمِ بِحَذْفِ مَوْصُوفِهِ، وَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَعَدَمُهُ لِتَعَارُضِ سَبَبَيْهِمَا (الرَّحِيمِ) أَيْ ذِي الرَّحْمَةِ الْكَثِيرَةِ
فَإِنْ قُلْت قَدْ يُشْكِلُ الْحَصْرُ فِي الْخَمْسَةِ بِقَوْلِهِمْ إنَّ نَحْوَ التَّرْحَالِ وَالتَّحْوَالِ وَالتَّرْدَادِ بِفَتْحِ التَّاءِ فِي الْجَمِيعِ مَصَادِرُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ قُلْت لَا إشْكَالَ لِأَنَّ تِلْكَ الْخَمْسَةَ لِأَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ لَا مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ سم عِبَارَةُ الصَّبَّانِ وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِمْ مَوْضُوعَتَانِ لِلْمُبَالَغَةِ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ أَنَّ صِيَغَ الْمُبَالَغَةِ مَحْصُورَةٌ فِي خَمْسٍ فَعَّالٍ وَمِفْعَالٍ وَفَعُولٍ وَفَعِلٌ وَفَعِيلٌ الْعَامِلُ نَصْبًا وَالصِّفَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ لَيْسَتَا مِنْهَا أَمَّا الرَّحْمَنُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الرَّحِيمُ فَلِأَنَّهُ هُنَا غَيْرُ عَامِلٍ نَصْبًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَحْصُورَ فِي الْخَمْسَةِ مَا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ إلَخْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ كَوْنُهُمْ قَصَدُوا الْحَصْرَ فِي الْخَمْسِ الثَّانِي أَنَّ الْمُبَالَغَةَ هِيَ أَنْ تَنْسِبَ لِلشَّيْءِ أَكْثَرَ مِمَّا هُوَ لَهُ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا فِي نِهَايَةِ الْكَمَالِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ الْمُفَسَّرَةَ بِمَا ذُكِرَ هِيَ الْمُبَالَغَةُ الْبَيَانِيَّةُ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا حَتَّى يَتَوَجَّهَ الِاعْتِرَاضُ بَلْ الْمُرَادُ بِالْمُبَالَغَةِ هُنَا قُوَّةُ الْمَعْنَى أَوْ كَثْرَةُ أَفْرَادِهِ.
الثَّالِثُ أَنَّ وَضْعَهُمَا لِلْمُبَالَغَةِ يُنَافِي كَوْنَهُمَا صِفَتَيْنِ مُشَبَّهَتَيْنِ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُشَبَّهَةَ لِلدَّوَامِ وَالْمُبَالَغَةُ كَثْرَةُ الْأَفْرَادِ الْمُتَجَدِّدَةِ أَقُولُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِمَا صِفَتَيْنِ مُشَبَّهَتَيْنِ أَنَّهُمَا عَلَى صُورَةِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ، وَبِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِالدَّوَامِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِطَرِيقِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ مَا يَشْمَلُ دَوَامَ تَجَدُّدِ الْأَفْرَادِ، وَقَدْ رَجَّحَ الشِّهَابُ أَيْ الْخَفَاجِيُّ كَوْنَهُمَا مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ وَضَعَّفَ كَوْنَهُمَا مِنْ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ حَقِيقَةً بِمَا يَطُولُ فَانْظُرْهُ فِي حَوَاشِيهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ غَلَبَ إلَخْ) أَيْ غَلَبَةً تَقْدِيرِيَّةً (قَوْلُهُ عَلَى الْبَالِغِ فِي الرَّحْمَةِ) أَيْ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ غَايَتُهَا (قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى) أَيْ وَتَسْمِيَةُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ مُسَيْلِمَةَ بِهِ تَعَنُّتٌ فِي الْكُفْرِ فَخَرَجُوا بِمُبَالَغَتِهِمْ فِي الْكُفْرِ عَنْ مَنْهَجِ اللُّغَةِ حَتَّى اسْتَعْمَلُوا الْمُخْتَصَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ، وَقِيلَ إنَّهُ شَاذٌّ لَا اعْتِدَادَ بِهِ، وَقِيلَ الْمُخْتَصُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ وَمَذْهَبُ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى شَرْعًا قَالَ الصَّبَّانُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ عَلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَغَلَبَةُ عَلَمِيَّتِهِ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ الْمُقْتَضِيَةُ صِفَتُهُ وَقَوْلُهُ لَا تَمْنَعُ إلَخْ خَبَرُهُ (قَوْلُهُ بَدَلًا) أَيْ أَوْ بَيَانًا صَبَّانٌ (قَوْلُهُ اعْتِبَارَ وَصْفِيَّتِهِ) أَيْ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ لِوُقُوعِهِ صِفَةً إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ هُوَ صِفَةٌ فِي الْأَصْلِ عِبَارَةُ الصَّبَّانِ وَكَوْنُ الرَّحْمَنِ صِفَةً هُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِوُقُوعِهِ نَعْتًا، وَلِأَنَّ مَعْنَاهُ الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ لَا الذَّاتُ الْمَخْصُوصَةُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَمًا لَأَفَادَ لَا إلَهَ إلَّا الرَّحْمَنُ التَّوْحِيدَ صَرِيحًا كَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَذَهَبَ الْأَعْلَمُ وَابْنُ مَالِكِ وَابْنُ هِشَامٍ إلَى أَنَّهُ عَلَمٌ أَيْ بِالْغَلَبَةِ كَمَا فِي ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ وَاسْتَدَلُّوا بِمَجِيئِهِ كَثِيرًا غَيْرَ تَابِعٍ كَمَا فِي {الرَّحْمَنُ} [الرحمن: 1] {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 2]{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110]{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 60] وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُنْتِجُ أَعَمَّ مِنْ الْمُدَّعِي وَلَا يُنْتِجُ الْمُدَّعِي إلَّا بِمَعُونَةٍ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَلَمٍ وَلَا صِفَةٍ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الرَّصَّاعِ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا الِاسْمِيَّةُ، وَلَيْسَ بِعَلَمٍ كَأَبْطَحَ وَأَجْرَعَ وَالنَّعْتُ بِهِ بِاعْتِبَارِ وَصْفِيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَأَمَّا رَدُّ اسْتِدْلَالِهِمْ بِجَوَازِ تَبَعِيَّتِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْآيَاتِ لِمَوْصُوفٍ مُقَدَّرٍ لِجَوَازِ حَذْفِ الْمَوْصُوفِ إذَا عُلِمَ فَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ حَذْفَ الْمَوْصُوفِ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذِكْرِهِ وَاسْتِدْلَالُهُمْ إنَّمَا هُوَ بِكَثْرَةِ مَجِيئِهِ غَيْرَ تَابِعٍ اهـ وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَجِيءَ الرَّحْمَنِ غَيْرَ تَابِعٍ دَلِيلٌ وَمُقَوٍّ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَعْلَمُ وَمَنْ مَعَهُ الَّذِي إلَيْهِ مَيْلُ كَلَامِ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي.
وَكَلَامُ الشَّارِحِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ فَرَدُّ الشَّارِحِ لَهُ بِأَنَّهُ لِلْعِلْمِ بِحَذْفِ مَوْصُوفِهِ لَوْ سُلِّمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ (قَوْلُهُ لِلْعِلْمِ بِحَذْفِ مَوْصُوفِهِ) أَقُولُ أَوْ بِالنَّظَرِ لِعِلْمِيَّتِهِ الْغَالِبَةِ سم (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَعَدَمُهُ) هُمَا قَوْلَانِ سم فَمَنْ يَقُولُ إنَّ شَرْطَ الْأَلِفِ وَالنُّونِ فِي الصِّفَةِ انْتِفَاءُ فَعْلَانَةَ يَمْنَعُ صَرْفَهُ وَمَنْ يَقُولُ إنَّهُ وُجُودٌ فِعْلِيٌّ يَصْرِفُهُ قَالَ الصَّبَّانُ، وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي اخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ أَنَّ رَحْمَنَ مُجَرَّدًا مِنْ أَلْ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْغَالِبِ فِي بَابِهِ قَالَ السُّيُوطِيّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعَارَضَ فِيهِ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ فِي النَّحْوِ، وَمَالَ السَّعْدُ إلَى جَوَازِ صَرْفِهِ وَعَدَمِهِ عَمَلًا بِالْأَمْرَيْنِ قَالَ الْعِصَامُ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ اشْتَبَهَ حَالُ رَحْمَنَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ مِنْ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالْبَيَانِ حَتَّى بَنَوْا أَمْرَهُمْ فِيهِ عَلَى الْمَعْقُولِ، وَلَمْ يَعْثُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى الْمَنْقُولِ، وَلَمْ يَكْشِفْ عَنْ الْمَعْمُولِ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ قُلْت كَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوهُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا نُقِلَ عَنْ
إشْكَالٌ لِأَنَّ مَا يَنْحَصِرُ فِي الْخَمْسَةِ هُوَ مَا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ بِالصِّيغَةِ وَمَا هُنَا مِمَّا يُفِيدُهَا بِالْمَادَّةِ كَالْجُودِ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ قُلْت) قَدْ يُشْكَلُ الْحَصْرُ فِي الْخَمْسَةِ بِقَوْلِهِمْ إنَّ نَحْوَ التَّرْحَالِ وَالتَّحْوَالِ وَالتَّرْدَادِ بِفَتْحِ التَّاءِ فِي الْجَمْعِ مَصَادِرُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ (قُلْت) لَا إشْكَالَ لِأَنَّ تِلْكَ الْخَمْسَةَ لِأَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ لَا مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلْعِلْمِ بِحَذْفِ مَوْصُوفِهِ) أَقُولُ أَوْ بِالنَّظَرِ لِعِلْمِيَّتِهِ الْغَالِبَةِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَعَدَمُهُ) هُمَا قَوْلَانِ (قَوْلُهُ
فَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْهُ بِشَهَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا يُعَارِضُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا» وَالْقِيَاسُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى غَالِبًا وَجُعِلَ كَالتَّتِمَّةِ لِمَا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِ الرَّحْمَةِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ لِئَلَّا يَغْفُلَ عَمَّا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ دَقَائِقِهَا فَلَا يُسْأَلُ وَلَا يُعْطِي وَمِنْ حَيِّزِ التَّدَلِّي لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ كَالْعِلْمِ كَمَا تَقَرَّرَ وَكِلَاهُمَا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ رَحِمَ بِكَسْرِ عَيْنِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ إلَى رَحُمَ بِضَمِّهَا
الْعَرَبِ إلَّا مُعَرَّفًا بِاللَّامِ أَوْ مُضَافًا أَوْ مُنَادَى اهـ وَأَمَّا
وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانَا
فَلَا شَاهِدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ فَتَكُونُ أَلِفُهُ لِلْإِطْلَاقِ وَالصَّرْفَ فَتَكُونُ أَلِفُهُ بَدَلًا مِنْ التَّنْوِينِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ إلَخْ) مُتَفَرِّعٌ عَلَى إطْلَاقِ تَفْسِيرِ الرَّحِيمِ وَتَقْيِيدِ تَفْسِيرِ الرَّحْمَنِ بِقَوْلِهِ جِدًّا، وَلَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِقَوْلِهِ بِشَهَادَةٍ إلَخْ الْوَاوُ بَدَلُ الْفَاءِ كَمَا فِي غَيْرِهِ لِئَلَّا تَتَوَارَدَ عِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِلَا تَبَعِيَّةٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُعَارِضُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا فِي تَعَلُّقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالدَّارَيْنِ لَا يُنَافِي أَنَّ أَحَدَهُمَا أَبْلَغُ وَأَزْيَدُ مَعْنًى سم عِبَارَةُ الصَّبَّانِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ أَبْلَغِيَّةُ الرَّحْمَنِ بِاعْتِبَارِ الْكَيْفِ فَقَطْ، وَأَنَّهُ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إنْعَامُهُ بِالنِّعَمِ الْعَظِيمَةِ رَحْمَنُ وَمِنْ حَيْثُ إنْعَامُهُ بِمَا دُونَهَا رَحِيمٌ وَيُؤَيِّدُهُ تَفْسِيرُ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الرَّحْمَنَ بِالْمُنْعِمِ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ وَالرَّحِيمَ بِالْمُنْعِمِ بِدَقَائِقِهَا وَبَعْضِهِمْ الرَّحْمَنَ بِالْمُنْعِمِ بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ جِنْسُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَالرَّحِيمَ بِالْمُنْعِمِ بِمَا يُتَصَوَّرُ جِنْسُهُ مِنْهُمْ اهـ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ سم (قَوْلُهُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ إلَخْ) هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَشْرُوطَةٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ الْجِبِلِّيَّةِ فَخَرَجَ نَحْوُ شَرِهٍ وَنَهِمٍ، وَأَنْ يَتَّحِدَ اللَّفْظَانِ فِي النَّوْعِ فَخَرَجَ حَذِرٌ وَحَاذِرٌ وَأَنْ يَتَّحِدَا فِي الِاشْتِقَاقِ فَخَرَجَ زَمَنٌ وَزَمَانٌ إذْ لَا اشْتِقَاقَ فِيهِمَا بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ غَالِبُ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ حَذِرٍ وَحَاذِرٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ أَوْ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ وَالثَّانِي اسْمُ فَاعِلٍ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى الِاتِّصَافِ بِمَضْمُونِهِ وَلَوْ مَرَّةً (قَوْلُهُ وَجُعِلَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ لِمَ قَدَّمَ الرَّحْمَنَ عَلَى الرَّحِيمِ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَقُدِّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ اسْمُ ذَاتٍ وَهُمَا اسْمَا صِفَةٍ وَالرَّحْمَنُ عَلَى الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ إذْ لَا يُقَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ بِخِلَافِ الرَّحِيمِ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى كَقَوْلِهِمْ عَالِمٌ نِحْرِيرٌ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُنْعِمُ الْحَقِيقِيُّ الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ غَايَتِهَا، وَذَلِكَ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ رَجَّحَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ عَلَمٌ وَلِأَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا ذَكَرَ الرَّحِيمَ كَالتَّابِعِ وَالتَّتِمَّةِ لِيَتَنَاوَلَ مَا دَقَّ مِنْهَا وَلَطُفَ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي بَلْ مِنْ بَابِ التَّعْمِيمِ وَالتَّكْمِيلِ وَلِلْمُحَافَظَةِ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ (فَائِدَةٌ)
قَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قِيلَ الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الدُّنْيَا مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ صُحُفُ شِيثٍ سِتُّونَ وَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ ثَلَاثُونَ وَصُحُفُ مُوسَى قَبْلَ التَّوْرَاةِ عَشْرَةٌ وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفُرْقَانُ وَمَعَانِي كُلِّ الْكُتُبِ أَيْ غَيْرِ الْقُرْآنِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَمَعَانِي كُلِّ الْقُرْآنِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْفَاتِحَةِ وَمَعَانِي الْفَاتِحَةِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْبَسْمَلَةِ وَمَعَانِي الْبَسْمَلَةِ مَجْمُوعَةٌ فِي بَائِهَا وَمَعْنَاهَا أَيْ الْإِشَارِيُّ بِي كَانَ مَا كَانَ وَبِي يَكُونُ مَا يَكُونُ زَادَ بَعْضُهُمْ وَمَعَانِي الْبَاءِ فِي نُقْطَتِهَا اهـ قَالَ شَيْخُنَا، وَالْمُرَادُ بِهَا أَوَّلُ نُقْطَةٍ تَنْزِلُ مِنْ الْقَلَمِ الَّتِي يُسْتَمَدُّ مِنْهَا الْخَطُّ لَا النُّقْطَةُ الَّتِي تَحْتَ الْبَاءِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ وَمَعْنَاهَا الْإِشَارِيُّ أَنَّ ذَاتَهُ تَعَالَى نُقْطَةُ الْوُجُودِ الْمُسْتَمَدُّ مِنْهَا كُلُّ مَوْجُودٍ اهـ.
(قَوْلُهُ لِمَا دَلَّ إلَخْ) اللَّامُ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّتِمَّةِ وَمَا كِنَايَةٌ عَنْ الرَّحْمَنِ (قَوْلُهُ وَمِنْ التَّدَلِّي) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ كَالتَّتِمَّةِ سم وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالتَّدَلِّي هُنَا مُقَابِلُ التَّرَقِّي أَيْ التَّنَزُّلِ مِنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى، وَقَالَ الْكُرْدِيُّ قَوْلُهُ وَمِنْ حَيِّزِ التَّدَلِّي وَهُوَ أَيْ التَّدَلِّي الْقُرْبُ وَالْمُقَارَنَةُ، أَيْ وَلِئَلَّا يُغْفَلَ عَنْ مَكَانِ الْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الْمُتَنَاسِبَيْنِ فَهُوَ دَلِيلٌ ثَانٍ لِتَأْخِيرِ الرَّحِيمِ وَجَعْلِهِ كَالتَّتِمَّةِ لِلرَّحْمَنِ، وَالْمُرَادُ أَخَّرَهُ لِيُقَارِنَ النَّظِيرَ وَهُوَ لَفْظُ الرَّحْمَنِ بِالنَّظِيرِ، وَهُوَ لَفْظُ اللَّهِ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ تَقْدِيمُهُ لِلتَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى اهـ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَمِنْ حَيِّزِ التَّدَلِّي عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ إلَخْ قَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُهُ عَنْ سم عَنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَوَّلَ إلَخْ) أَقُولُ وَلِرِعَايَةِ الْفَوَاصِلِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا فِي الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ طُرِدَ فِي غَيْرِهَا سم (قَوْلُهُ كَالْعَلَمِ) أَيْ بِالْوَضْعِ، وَإِلَّا فَقَدْ قُدِّمَ أَنَّهُ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ (قَوْلُهُ مِنْ رَحِمَ إلَخْ) أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْفِعْلِ تَقْرِيبًا وَلِضِيقِ الْعِبَارَةِ إذْ لَيْسَ لَهُ مَصْدَرٌ وَاحِدٌ حَتَّى يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ مِنْ أَنَّ الِاشْتِقَاقَ مِنْ الْفِعْلِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ نَقْلِهِ
وَلَا يُعَارِضُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ) أَيْ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا فِي تَعَلُّقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالدَّارَيْنِ لَا يُنَافِي أَنَّ أَحَدَهُمَا أَبْلَغُ وَأَزْيَدُ مَعْنًى (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ مِنْ دَقَائِقِهِمَا) مُقَابَلَتُهُ بِالْجَلَائِلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ الْجَلَائِلِ وَقَوْلُهُ وَمِنْ حَيِّزِ التَّدَلِّي أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ كَالتَّتِمَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إلَخْ) أَقُولُ وَلِرِعَايَةِ الْفَوَاصِلِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا فِي الْفَاتِحَةِ ثُمَّ طَرَدَ فِي غَيْرِهَا (قَوْلُهُ
أَوْ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَتَهُ وَالرَّحْمَةُ مَيْلٌ نَفْسَانِيٌّ أُرِيدَ بِهَا لِاسْتِحَالَتِهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى غَايَتُهَا مِنْ الْإِنْعَامِ أَوْ إرَادَتُهُ وَكَذَا كُلُّ صِفَةٍ اسْتَحَالَ مَعْنَاهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى
(الْحَمْدُ) الَّذِي هُوَ لُغَةً الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ
إلَخْ) أَيْ لِاطِّرَادِ نَقْلِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي إلَى فَعُلَ بِالضَّمِّ فِي بَابَيْ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ صَبَّانٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَنْزِيلُهُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى نَقْلِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ مَنْزِلَتَهُ) أَيْ فِي اللُّزُومِ بِأَنْ لَا يُعْتَبَرَ تَعَلُّقُهُ بِمَفْعُولِ لَا لَفْظًا وَلَا تَقْدِيرًا كَقَوْلِك زَيْدٌ يُعْطِي أَيْ يَصْدُرُ مِنْهُ الْإِعْطَاءُ قَاصِدًا الرَّدَّ عَلَى مَنْ نَفَى عَنْهُ أَصْلَ الْإِعْطَاءِ صَبَّانٌ.
(قَوْلُهُ مَيْلٌ نَفْسَانِيٌّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ تَقْتَضِي التَّفَضُّلَ وَالْإِحْسَانَ، فَالتَّفَضُّلُ غَايَتُهَا وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَأْخُوذَةُ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا تُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَاتِ دُونَ الْمَبَادِئِ الَّتِي تَكُونُ انْفِعَالَاتٍ، فَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى إرَادَةُ إيصَالِ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ أَوْ نَفْسُ إيصَالِ ذَلِكَ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ عَلَى الْأَوَّلِ وَمِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ عَلَى الثَّانِي اهـ، زَادَ الصَّبَّانُ أَيْ فَهِيَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ الْقَرِيبِ أَوْ الْبَعِيدِ أَوْ اسْمِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ الْقَرِيبِ أَوْ الْبَعِيدِ هَذَا أَيْ مَجَازِيَّةُ وَصْفِهِ تَعَالَى بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هُوَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ أَمَّا وَصْفُهُ تَعَالَى بِهِمَا بِحَسَبِ الشَّرْعِ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ الصَّفَوِيُّ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْإِحْسَانِ أَوْ إرَادَتِهِ اهـ.
عَلَى أَنَّ الْخَادِمِيَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّ مِنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ إرَادَةَ الْخَيْرِ وَعَنْ بَعْضٍ آخَرَ أَنَّ مِنْهَا الْإِحْسَانَ فَعَلَى هَذَيْنِ لَا تَجُوزُ أَصْلًا فَاحْفَظْهُ اهـ كَلَامُ الصَّبَّانِ عِبَارَةُ ع ش وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْإِحْسَانِ أَوْ إرَادَتِهِ فَقَوْلُ م ر إمَّا مَجَازٌ إلَخْ مَعْنَاهُ بِحَسَبِ أَصْلِهِ قَبْلَ اشْتِهَارِهِ شَرْعًا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْغَايَاتِ اهـ وَعِبَارَةُ الْمُلَّا إبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيِّ، ثُمَّ الْمَدَنِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ هِيَ الرَّحْمَةُ الْقَائِمَةُ بِنَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقُ الرَّحْمَةِ كَذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ كَوْنُ الرَّحْمَةِ الَّتِي وُصِفَ بِهَا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ مَجَازًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِلْمَ الْقَائِمَ بِنَا مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ وَقَدْ وُصِفَ الْحَقُّ بِالْعِلْمِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْعِلْمَ الَّذِي وُصِفَ بِهِ الْحَقُّ مَجَازٌ مَعَ أَنَّ عِلْمَ الْحَقِّ ذَاتِيٌّ أَزَلِيٌّ حُضُورِيٌّ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَعِلْمُنَا مَجْعُولٌ حَادِثٌ حُصُولِيٌّ غَيْرُ مُحِيطٍ، وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ الْقَائِمَةُ بِنَا مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ وَصْفَ الْحَقِّ بِالْقُدْرَةِ مَجَازٌ مَعَ أَنَّ قُدْرَتَهُ تَعَالَى ذَاتِيَّةٌ أَزَلِيَّةٌ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَقُدْرَتُنَا مَجْعُولَةٌ حَادِثَةٌ غَيْرُ شَامِلَةٍ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ الْإِرَادَةُ وَغَيْرُهَا فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرَّحْمَةُ حَقِيقَةً وَاحِدَةً هِيَ الْعَطْفُ، ثُمَّ الْعَطْفُ تَخْتَلِفُ وُجُوهُهُ وَأَنْوَاعُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَوْصُوفِينَ بِهِ فَإِذَا نُسِبَ إلَيْنَا كَانَ كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً وَإِذَا نُسِبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِجَلَالِ ذَاتِهِ مِنْ نَحْوِ الْإِنْعَامِ أَوْ إرَادَتِهِ، كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ وَنَحْوَهُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا نُسِبَتْ إلَيْنَا كَانَتْ كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً، وَإِذَا نُسِبَتْ إلَى الْحَقِّ كَانَتْ كَمَا تَلِيقُ بِجَلَالِ ذَاتِهِ.
وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ وَلَا تَتَعَذَّرُ إلَّا إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ مُطْلَقًا مُنْحَصِرَةٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ النَّفْسَانِيَّةِ وَضْعًا وَدُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ، وَهَذِهِ نُكْتَةٌ مَنْ تَنَبَّهَ لَهَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّكَلُّفَاتِ فِي تَأْوِيلِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا وَرَدَ إطْلَاقُهَا عَلَى اللَّهِ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ لِاسْتِحَالَتِهَا) أَيْ بِهَذَا الْمَعْنَى سم (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ صِفَةٍ اسْتَحَالَ إلَخْ) أَيْ كَالْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ وَالْحَيَاءِ وَالْفَرَحِ وَالْحُزْنِ وَالْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَالِاسْتِهْزَاءِ إنَّمَا تُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ ع ش وَصَبَّانٌ
(قَوْلُهُ لُغَةً) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُنْدَرِجًا فِي الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَهَذَا الْأَخِيرُ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَهُوَ وَإِنْ كَانَ سَمَاعِيًّا مُلْحَقٌ بِالْقِيَاسِيِّ لِكَثْرَتِهِ فِي كَلَامِهِمْ بُجَيْرِمِيٌّ، وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ فِيهِ نَظَرٌ رَاجِعْ عِلْمَ النَّحْوِ (قَوْلُهُ بِالْجَمِيلِ) إنْ كَانَتْ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ كَانَ بَيَانًا لِلْمَحْمُودِ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ اخْتِيَارِيًّا، وَإِنْ كَانَتْ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ بِمَعْنَى عَلَى كَانَ بَيَانًا لِلْمَحْمُودِ عَلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ اخْتِيَارِيًّا وَلَوْ حُكْمًا أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ فَيَشْمَلُ ذَاتَهُ تَعَالَى وَصِفَاتَهُ، أَوْ بِأَنْ كَانَ مَنْشَأً لِأَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ كَذَاتِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِ التَّأْثِيرِ كَالْقُدْرَةِ أَوْ مُلَازِمًا لِلْمَنْشَأِ كَبَقِيَّةِ الصِّفَاتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْجَمِيلُ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ مِنْ الْفَضَائِلِ وَهِيَ الْمَزَايَا الْقَاصِرَةُ الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ الِاتِّصَافُ بِهَا عَلَى تَعَدِّي أَثَرِهَا لِلْغَيْرِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَوْ مِنْ الْفَوَاضِلِ وَهِيَ الْمَزَايَا الَّتِي يَتَوَقَّفُ الِاتِّصَافُ بِهَا عَلَى تَعَدِّي أَثَرِهَا لِلْغَيْرِ كَالْإِنْعَامِ وَالشَّجَاعَةِ، ثُمَّ الْمُرَادُ الْجَمِيلُ عِنْدَ الْحَامِدِ أَوْ الْمَحْمُودِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمِيلًا فِي الشَّرْعِ فَيَشْمَلُ الثَّنَاءَ عَلَى الْقَتْلِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ ذَلِكَ الْوَصْفِ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَلَوْ ظَاهِرًا بِأَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْ الْحَامِدِ مَا يُخَالِفُهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْحَلَبِيُّ وَوَافَقَهُ الْبُجَيْرَمِيُّ وَشَيْخُنَا وَاشْتَرَطَ الْمُغْنِي
مَنْزِلَتَهُ) أَيْ فِي اللُّزُومِ وَقَوْلُهُ لِاسْتِحَالَتِهَا أَيْ بِهَذَا الْمَعْنَى
وَعُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ لِإِنْعَامِهِ وَهَذَا هُوَ الشُّكْرُ لُغَةً، وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَهُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ فَهُوَ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الثَّلَاثَةِ - قَبْلَهُ أَيْ مَاهِيَّتُهُ إنْ جُعِلَتْ أَلْ لِلْجِنْسِ وَهُوَ الْأَصْلُ أَوْ جَمِيعُ أَفْرَادِهِ إنْ جُعِلَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ أَبْلَغُ
مُوَافَقَةَ الْبَاطِنِ لِلظَّاهِرِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَعُرْفًا فِعْلٌ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذِكْرًا بِاللِّسَانِ أَوْ اعْتِقَادًا وَمَحَبَّةً بِالْجِنَانِ أَوْ عَمَلًا وَخِدْمَةً بِالْأَرْكَانِ فَمَوْرِدُ اللُّغَوِيِّ هُوَ اللِّسَانُ وَحْدَهُ وَمُتَعَلِّقُهُ يَعُمُّ النِّعْمَةَ وَغَيْرَهَا وَمَوْرِدُ الْعُرْفِيِّ يَعُمُّ اللِّسَانَ وَغَيْرَهُ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ وَحْدَهَا فَاللُّغَوِيُّ أَعَمُّ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقِ وَأَخَصُّ بِاعْتِبَارِ الْمَوْرِدِ وَالْعُرْفِيُّ بِالْعَكْسِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي.
(قَوْلُهُ لِإِنْعَامِهِ) أَيْ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ مُغْنِي سَوَاءٌ كَانَ لِلْغَيْرِ خُصُوصِيَّةٌ بِالْحَامِدِ كَوَلَدِهِ وَصَدِيقِهِ أَوْ لَا وَلَوْ كَافِرًا ع ش (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الشُّكْرُ لُغَةً) وِفَاقًا لِلْمُغْنِي، وَقَالَ النِّهَايَةُ وَالشُّكْرُ لُغَةً فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ لِكَوْنِهِ مُنْعِمًا عَلَى الشَّاكِرِ اهـ وَيَأْتِي عَنْ النَّتَائِجِ وَتُحْفَةِ الرَّشِيدِيِّ مِثْلُهُ بَلْ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ (قَوْلُهُ صَرْفُ الْعَبْدِ إلَخْ) أَيْ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدُ أَعْضَاءَهُ وَمَعَانِيَهُ فِيمَا طَلَبَ الشَّارِعُ اسْتِعْمَالَهَا فِيهِ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَسَمَاعِ نَحْوِ عِلْمٍ وَهَكَذَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ قَلْيُوبِيٌّ قَالَ سم إذَا صَرَفَ الْعَبْدُ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ فِي آنٍ وَاحِدٍ سُمِّيَ شَكُورًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] وَإِذَا صَرَفَهَا فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ سُمِّيَ شَاكِرًا قَالَ شَيْخُنَا ع ش وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ صَرْفِهَا كُلِّهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ بِمَنْ حَمَلَ جِنَازَةً مُتَفَكِّرًا فِي مَصْنُوعَاتِهِ عز وجل نَاظِرًا بَيْنَ يَدَيْهِ لِئَلَّا يَزِلَّ بِالْمَيِّتِ مَاشِيًا بِرِجْلِهِ إلَى الْقَبْرِ شَاغِلًا لِسَانَهُ بِالذِّكْرِ وَأُذُنَهُ بِاسْتِمَاعِ مَا فِيهِ ثَوَابٌ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إطْفِيحِيٌّ اهـ.
بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ أَخَصُّ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الشُّكْرَ الْعُرْفِيَّ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الْحَمَدَيْنِ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ أَيْ وَبَيْنَ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ وَالْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ تَرَادُفٌ وَبَيْنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيَّيْنِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ يَجْتَمِعَانِ فِي ثَنَاءٍ بِلِسَانٍ فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ، وَيَنْفَرِدُ الْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ فِي ثَنَاءٍ بِلِسَانٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ، وَيَنْفَرِدُ الشُّكْرُ اللُّغَوِيُّ فِي ثَنَاءٍ بِغَيْرِ لِسَانٍ فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ بُجَيْرِمِيٌّ عِبَارَةُ تُحْفَةِ الرَّشِيدِيِّ وَالنَّتَائِجِ الْحَمْدُ لَهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَهُوَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ تَعْظِيمًا عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ مُطْلَقًا وَعُرْفِيٌّ وَهُوَ فِعْلٌ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ قَصْدًا لِإِنْعَامِهِ مُطْلَقًا، وَلِلشُّكْرِ أَيْضًا مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَهُوَ فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ قَصْدًا لِإِنْعَامِهِ عَلَى الشَّاكِرِ وَعُرْفِيٌّ وَهُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ إلَخْ وَالْمَدْحُ هُوَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ تَعْظِيمًا عَلَى الْجَمِيلِ مُطْلَقًا أَيْ اخْتِيَارِيًّا أَوْ لَا، وَالثَّنَاءُ فِعْلٌ يُشْعِرُ بِالتَّعْظِيمِ فَهُوَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ وَغَيْرِهِ وَبِمُقَابَلَةِ الْإِنْعَامِ وَغَيْرِهِ اخْتِيَارِيًّا وَغَيْرَهُ وَالْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الْمَدْحِ وَمِنْ وَجْهٍ مِنْ الْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ وَمُبَايِنٌ لِلشُّكْرِ الْعُرْفِيِّ بِحَسَبِ الْحَمْلِ إذْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ جَزْءٌ مِنْ الصَّرْفِ الْمَذْكُورِ وَالْجُزْءُ مُبَايِنٌ لِلْكُلِّ وَأَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْهُ بِحَسَبِ الْوُجُودِ، وَالْحَمْدُ الْعُرْفِيُّ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ وَالْعُرْفِيِّ وَمِنْ وَجْهٍ مِنْ الْمَدْحِ وَالشُّكْرُ الْعُرْفِيُّ مُبَايِنٍ لِلْمَدْحِ بِحَسَبِ الْحَمْلِ عَلَى مَا مَرَّ وَجْهُهُ فِي الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ، وَأَخَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا بِحَسَبِ الْوُجُودِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْ مَاهِيَّتُهُ) رَاجِعٌ لِلْمَتْنِ سم (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصْلُ) فَإِنَّ حَرْفَ التَّعْرِيفِ مَوْضُوعٌ لِلْإِشَارَةِ إلَى مَعْهُودٍ أَوْ إلَى نَفْسِ الْحَقِيقَةِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا الِاسْتِغْرَاقُ وَالْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ فَمِنْ مُتَفَرِّعَاتِ الثَّانِي فَالْمُعَرَّفُ فَاللَّامُ الْجِنْسِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْفَرْدِ الذِّهْنِيِّ أَوْ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّكَّاكِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَوْ مَوْضُوعٌ لِلْإِشَارَةِ إلَى نَفْسِ الْحَقِيقَةِ فَقَطْ، وَأَمَّا الِاسْتِغْرَاقُ وَالْعَهْدَانِ فَمِنْ مُتَفَرِّعَاتِهَا فَإِطْلَاقُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا هُوَ بِالْقَرِينَةِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ عَلَى هَذَا وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ وَهُنَا قَوْلَانِ آخَرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَشْتَرِكُ لَفْظًا بَيْنَ الْجِنْسِ وَالْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ وَالِاسْتِغْرَاقِ وَالْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْجِنْسِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَشْتَرِكُ لَفْظًا بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَبْلَغُ) اخْتَارَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِرْكَوِيُّ أَيْضًا فَقَالَ لِظُهُورِهِ فِي أَدَاءِ الْمَرَامِ، وَلِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْمَحَامِدِ وَحُصُولِهَا لَهُ تَعَالَى بِخِلَافِ مَعْنَى
(قَوْلُهُ فَهُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ) فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْمَطَالِعِ لِلدَّوَانِي كَلَامٌ طَوِيلٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ جُمْلَتِهِ قَوْلُهُ بَلْ الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَنْ صَرَفَ الْجَمِيعَ فِيمَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ دُونَ وَقْتٍ آخَرَ لَيْسَ شَاكِرًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي تَحَقَّقَ فِيهِ صَرْفُ الْجَمِيعِ بَلْ هُوَ شَاكِرٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَاكِرًا فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنَّ عُمُومَ الْأَوْقَاتِ لَا يُعْتَبَرُ فِي التَّعْرِيفِ إلَخْ انْتَهَى (قَوْلُهُ أَيْ مَاهِيَّتُهُ) رَاجِعٌ لِلْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَبْلَغُ) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْجِنْسَ يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِغْرَاقَ وَفِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ سُلُوكُ طَرِيقِ الْبُرْهَانِ كَمَا قَرَّرَهُ السَّيِّدُ فِي تَوْجِيهِ تَرْجِيحِ صَاحِبِ الْكَشَّافِ الْحَمْلَ عَلَى الْجِنْسِ.
(قَوْلُهُ
مَمْلُوكٌ أَوْ مُسْتَحَقٌّ (لِلَّهِ) أَيْ لِذَاتِهِ وَإِنْ انْتَقَمَ فَلَا مَرَدَّ مِنْهُ لِغَيْرِهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنَى إذْ الْقَصْدُ بِهَا الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَضْمُونِهَا الْمَذْكُورِ مِنْ اتِّصَافِهِ تَعَالَى بِصِفَاتِ ذَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ الْجَمِيلَة وَمِلْكِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ مِنْ الْخَلْقِ.
قِيلَ وَيُرَادِفُهُ الْمَدْحُ، وَرُجِّحَ وَاعْتُرِضَ وَقِيلَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَفِي تَحْقِيقِهِ أَقْوَالٌ وَجَمَعَ بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ الْحَقِيقِيِّ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْإِضَافِيِّ بِالْحَمْدَلَةِ
الْجِنْسِ إذْ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ فَيَكُونُ فِي الْإِفَادَةِ أَوْفَى وَبِمَقَامِ الثَّنَاءِ أَحْرَى اهـ وَرَجَّحَ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةُ مَعْنَى الْجِنْسِ عِبَارَتَهُمَا، وَالْحَمْدُ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ فِيهِ أَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمْ لِلْجِنْسِ كَمَا عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ؛ لِأَنَّ لَامَ لِلَّهِ لِلِاخْتِصَاصِ فَلَا فَرْدَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَلَا اخْتِصَاصَ لِتَحَقُّقِ الْجِنْسِ فِي الْفَرْدِ الثَّابِتِ لِغَيْرِهِ أَمْ لِلْعَهْدِ كَاَلَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَجَازَهُ الْوَاحِدِيُّ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْحَمْدَ الَّذِي حَمِدَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَحَمِدَهُ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى وَالْعِبْرَةُ بِحَمْدِ مَنْ ذُكِرَ فَلَا مَرَدَّ مِنْهُ لِغَيْرِهِ وَأُولَى الثَّلَاثَةِ الْجِنْسُ اهـ.
زَادَ الثَّانِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثَمَانِيَةُ أَحْرُفٍ وَأَبْوَابُ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ فَمَنْ قَالَهَا عَنْ صَفَاءِ قَلْبِهِ اسْتَحَقَّ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ اهـ أَيْ اسْتَحَقَّ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ، فَيُخَيَّرُ إكْرَامًا وَإِنَّمَا يَخْتَارُ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ مِنْهُ ع ش وَقَوْلُهُمَا لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ لِتَوْكِيدِهِ، وَإِلَّا فَالِاخْتِصَاصُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْجُمْلَةِ بِوَاسِطَةِ تَعْرِيفِ الْمُبْتَدَأِ فِيهَا كَمَا فِي التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالْكَرَمِ فِي الْعَرَبِ ع ش وَبُجَيْرِمِيٌّ وَقَوْلُهُمَا وَالْعِبْرَةُ بِحَمْدِ مَنْ ذُكِرَ أَمَّا حَمْدُ غَيْرِهِمْ فَكَالْعَدِمِ فَإِذَا صَدَرَ مِنْهُمْ حَمْدٌ لِغَيْرِهِ تَعَالَى لَا يَفُوتُ اخْتِصَاصُ الْحَمْدِ بِهِ تَعَالَى ع ش وَقَوْلُهُمَا وَأَوْلَى الثَّلَاثَةِ الْجِنْسُ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى ثُبُوتِ جَمِيعِ الْمَحَامِدِ لَهُ تَعَالَى فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بُرْهَانِيٌّ فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْأَفْرَادَ مُخْتَصَّةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ اخْتِصَاصِ الْجِنْسِ بِهِ سم وَع ش وَشَيْخُنَا (قَوْلُهُ مَمْلُوكٌ أَوْ مُسْتَحَقٌّ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ اللَّامَ لِلْمِلْكِ أَوْ لِلِاسْتِحْقَاقِ أَيْ لِلِاخْتِصَاصِ عِنْدَ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يُعْتَبَرُ بَيْنَ الذَّاتِ وَالصِّفَةِ نَحْوُ الْعِزَّةُ لِلَّهِ وَالِاخْتِصَاصُ بِالذَّاتَيْنِ نَحْوُ الْجَنَّةُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَوْ وَلِلِاخْتِصَاصِ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، وَعَمَّمَ الثَّانِيَ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ هِشَامٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الِاشْتِرَاكِ، وَاخْتَارَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِرْكَوِيُّ فِي الْإِمْعَانِ نَتَائِج (قَوْلُهُ أَيْ لِذَاتِهِ) وَلَمَّا كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ لِذَاتِهِ لَمْ يَقُلْ الْحَمْدُ لِلْخَالِقِ أَوْ لِلرَّازِقِ أَوْ نَحْوِهِ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْحَمْدِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ نِهَايَةٌ أَيْ لَمْ يَقُلْ نَحْوُ لِلْخَالِقِ ابْتِدَاءً فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ الْبَرُّ الْجَوَادُ إلَخْ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الصَّنِيعِ إلَى اسْتِحْقَاقِهِ تَعَالَى لِلْحَمْدِ لِذَاتِهِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ وَلِصِفَاتِهِ ثَانِيًا وَبِالْعَرْضِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا مَرَدَّ مِنْهُ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ احْتِمَالِيِّ الْجِنْسِ وَالِاسْتِغْرَاقِ كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ عَنْ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ النَّتَائِجُ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت فِي أَيِّ مَعْنَى الْحَمْدِ اُعْتُبِرَ الْجِنْسُ أَوْ الِاسْتِغْرَاقُ يَكُونُ بَعْضُ أَفْرَادِ الْآخَرِ خَارِجًا عَنْ التَّخْصِيصِ الَّذِي يُفِيدُهُ تَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ بِاللَّامِ فَلَا يَكُونُ حَمْدُ الْمُخَصَّصِ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ؟ قُلْت: فَإِنْ أَرَدْت الْإِكْمَالَ فَعَلَيْك بِعُمُومِ الْمَجَازِ اهـ.
(قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ تَعَالَى إلَخْ) أَيْ وَمَا وَقَعَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الظَّاهِرِ فَرَاجِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَقِيقَةِ نَتَائِجُ وَأَيْضًا الْوُقُوعُ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الْكُلِّ لِلَّهِ إذْ الِاسْتِحْقَاقُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَكِيمِ (قَوْلُهُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى) وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً شَرْعًا لِلْإِنْشَاءِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ ع ش وَقَالَ شَيْخُنَا، وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْحَمْدِ حَمْدٌ فَيَحْصُلُ الْحَمْدُ بِهَا وَإِنْ قُصِدَ بِهَا الْإِخْبَارُ اهـ (قَوْلُهُ مِنْ اتِّصَافِهِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمَضْمُونِ (قَوْلُهُ بِصِفَاتِ ذَاتِهِ إلَخْ) وَجْهُ إدْخَالِ هَذَا فِي مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ أَنَّ مَضْمُونَهَا يَسْتَلْزِمُهُ إذْ ثَبَاتُ الثَّنَاءِ بِالْجَمِيلِ لَهُ يَسْتَلْزِمُ إثْبَاتَ الْجَمِيلِ لَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ وَمِلْكِهِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى اتِّصَافِهِ إلَخْ أَوْ صِفَاتِ ذَاتِهِ سم (قَوْلُهُ وَاسْتِحْقَاقِهِ إلَخْ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَخْذًا مِنْ أَوَّلِ كَلَامِهِ إلَّا أَنْ يُشِيرَ بِهِ هُنَا إلَى جَوَازِ إرَادَاتِهِمَا مَعًا بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا جَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَوْ بِعُمُومِ الْمَجَازِ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ قِيلَ وَيُرَادِفُهُ الْمَدْحُ) وَهُوَ رَأْيُ الزَّمَخْشَرِيّ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَ الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ اخْتِيَارِيًّا شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ) وَهُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ فَيَشْتَرِطُونَ كَوْنَ الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ اخْتِيَارِيًّا دُونَ الْمَمْدُوحِ عَلَيْهِ كَمَدَحْتُ اللُّؤْلُؤَ لِصِفَاتِهِ (قَوْلُهُ وَفِي تَحْقِيقِهِ أَقْوَالٌ) ، وَالرَّاجِحُ مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّتَائِجِ وَتُحْفَةِ الرَّشِيدِيِّ (قَوْلُهُ الْحِسِّيُّ) كَذَا فِي أَصْلِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحَقِيقِيِّ سَيِّدِي عُمَرَ وَالِابْتِدَاءُ الْحَقِيقِيُّ جَعْلُ الشَّيْءِ أَوَّلًا غَيْرَ مَسْبُوقٍ بِشَيْءٍ آخَرَ أَصْلًا، وَالِابْتِدَاءُ الْإِضَافِيُّ وَيُسَمَّى الْعُرْفِيَّ أَيْضًا جَعْلُ الشَّيْءِ أَوَّلًا بِالْإِضَافَةِ
بِصِفَاتِ ذَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ الْجَمِيلَةِ) وَجْهُ إدْخَالِ هَذَا فِي مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ أَنَّ مَضْمُونَهَا يَسْتَلْزِمُهُ لِأَنَّ إثْبَاتَ الثَّنَاءِ بِالْجَمِيلِ لَهُ يَسْتَلْزِمُ إثْبَاتَ الْجَمِيلِ لَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَلَكَهُ) عُطِفَ عَلَى اتِّصَافِهِ أَوْ صِفَاتِ ذَاتِهِ
اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلًا بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ» أَيْ حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ أَيْ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَقَدْ يَخْرُجَانِ بِذِي الْبَالِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ ذَوُوهُ شَرْعًا لَا عُرْفًا وَلَا ذِكْرٍ مَحْضٍ وَلَا جَعَلَ الشَّارِعُ لَهُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ الْبَسْمَلَةِ كَالصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ «بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» بِجِيمٍ فَمُعْجَمَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ «أَقْطَعُ» وَفِي أُخْرَى «أَبْتَرُ» أَيْ قَلِيلُ الْبَرَكَةِ، وَقِيلَ مَقْطُوعُهَا وَفِي رِوَايَةِ «بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَفِي أُخْرَى «بِذِكْرِ اللَّهِ» وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ لِلْمُرَادِ وَعَدَمُ التَّعَارُضِ بِفَرْضِ إرَادَةِ الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ فِيهِمَا وَفِي أُخْرَى سَنَدُهَا ضَعِيفٌ «لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيَّ فَهُوَ أَبْتَرُ مَمْحُوقٌ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ» ثُمَّ لَمَّا كَانَ عَادَةُ الْبُلَغَاءِ تَحْسِينَ مَا يُكْسِبُ الْكَلَامَ رَوْنَقًا وَطَلَاوَةً لَا سِيَّمَا الِابْتِدَاءُ ثَنَّى بِمَا فِيهِ بَرَاعَةُ الِاسْتِهْلَالِ
إلَى الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ سَوَاءٌ سَبَقَهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَهُوَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْحَقِيقِيِّ صَبَّانٌ وَع ش (قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ) أَيْ بِأُسْلُوبِهِ وَهَذَا عِلَّةٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَلِتَقْدِيمِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ وَعَمَلًا بِالْخَبَرِ إلَخْ) أَيْ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ حَدِيثِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى الْبَدْءِ الْحَقِيقِيِّ وَحَدِيثِ الْحَمْدَلَةِ عَلَى الْبَدْءِ الْإِضَافِيِّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي دَفْعِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَهُنَاكَ أَوْجُهٌ أُخَرُ لِدَفْعِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ شَيْخُنَا وَعُبِّرَ فِي جَانِبِ الْكِتَابِ بِالِاقْتِدَاءِ وَفِي جَانِبِ الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ إذْ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَمْرٌ بِذَلِكَ لَا تَصْرِيحًا وَلَا ضِمْنًا، وَإِنَّمَا نَزَلَ بِذَلِكَ الْأُسْلُوبِ فَاقْتَدَى بِهِ، وَالْحَدِيثُ مُتَضَمِّنٌ لِلْأَمْرِ كَأَنَّهُ يَقُولُ ابْدَءُوا بِالْبَسْمَلَةِ فِي كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ) أَيْ لِذَاتِهِ وَلَا مَكْرُوهٍ أَيْ كَذَلِكَ وَلَا مِنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ أَيْ مُحَقَّرَاتِهَا فَتَحْرُمُ عَلَى الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ كَالزِّنَا وَتُكْرَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ كَالنَّظَرِ لِلْفَرْجِ بِلَا حَاجَةٍ بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ كَأَكْلِ الْبَصَلِ وَلَا تُطْلَبُ عَلَى مُحَقَّرَاتِ الْأُمُورِ كَكَنْسِ زِبْلٍ صَوْنًا لِاسْمِهِ تَعَالَى عَنْ اقْتِرَانِهِ بِالْمُحَقَّرَاتِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْعِبَادِ شَيْخُنَا، وَكَذَا فِي الْبُجَيْرَمِيِّ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ أَكْلَ الْبَصَلِ مِنْ الْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ فَتُكْرَهُ عَلَيْهِ وَمَثَّلَ لِلْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ بِالْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُشْمِسِ، وَزَادَ وَبِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ لَا لِذَاتِهِ كَالْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ فَتُسَنُّ اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ يَخْرُجَانِ) أَيْ الْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ (قَوْلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ ذَوُوهُ) فِيهِ إضَافَةُ ذُو إلَى الْمُضْمَرِ، وَأَكْثَرُ النُّحَاةِ عَلَى مَنْعِهَا عِبَارَةُ الْكَافِيَةِ وَذُو لَا يُضَافُ إلَى مُضْمَرٍ وَقَالَ شُرَّاحُهُ وَقَدْ أُضِيفَ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الشُّذُوذِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ
إنَّمَا يَعْرِفُ ذَا الْفَضْلِ ذَوُوهُ
اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَا ذِكْرٍ مَحْضٍ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مُحَرَّمٍ سم أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ ذِكْرًا غَيْرَ مَحْضٍ كَالْقُرْآنِ فَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ فِيهِ بِخِلَافِ الذِّكْرِ الْمَحْضِ كَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ شَيْخُنَا زَادَ الْبُجَيْرَمِيُّ فَإِنْ قُلْت وَمِنْ الْأُمُورِ ذِي الْبَالِ الْبَسْمَلَةُ فَتَحْتَاجُ فِي تَحْصِيلِ الْبَرَكَةِ فِيهَا إلَى سَبْقِ مِثْلِهَا، وَيَتَسَلْسَلُ قُلْت هِيَ مُحَصِّلَةٌ لِلْبَرَكَةِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا كَالشَّاةِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ تُزَكِّي نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عُمُومِ الْأَمْرِ ذِي الْبَالِ فِي الْحَدِيثِ اهـ.
عَبْدُ الْحَقِّ وَأَجَابَ الْمَدَابِغِيُّ بِتَقْيِيدِ الْأَمْرِ ذِي الْبَالِ أَيْضًا بِأَنْ لَا يَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْمَقْصُودِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ أَمْرٌ ذُو بَالٍ فَتَحْتَاجُ إلَى سَبْقِ مِثْلِهَا وَيَتَسَلْسَلُ اهـ.
(قَوْلُهُ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ) أَيْ بِالرَّفْعِ فَإِنَّ التَّعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ رَفْعُ الْحَمْدِ وَتَسَاوِي الرِّوَايَتَيْنِ وَكَوْنُ رِوَايَةِ الْبَسْمَلَةِ بِبَاءَيْنِ، وَأَنْ يُرَادَ بِالِابْتِدَاءِ فِيهِمَا الِابْتِدَاءُ الْحَقِيقِيُّ وَكَوْنُ الْبَاءِ صِلَةَ يَبْدَأُ فَإِنْ جُعِلَتْ لِلِاسْتِعَانَةِ فَلَا تَعَارُضَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِشَيْءٍ لَا تُنَافِي الِاسْتِعَانَةَ بِآخَرَ، وَكَذَا إنْ جُعِلَتْ لِلْمُلَابَسَةِ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ إلَخْ) أَيْ كَابْتِدَائِهَا (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ بِحَمْدِ اللَّهِ) النُّكْتَةُ فِي ذِكْرِهَا إفَادَةُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ لَفْظِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَفَادَتْ اشْتِرَاطَهُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ أَجْذَمُ إلَخْ) الْأَجْذَمُ الْمَقْطُوعُ إلَيْهِ أَوْ الذَّاهِبُ الْأَنَامِلِ قَامُوسٌ وَهَذَا التَّرْكِيبُ وَنَحْوُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ وَوَجْهِ الشَّبَهِ وَالْأَصْلُ فَهُوَ كَالْأَجْذَمِ فِي عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ وَلَا يَضُرُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّشْبِيهِ لَا مُطْلَقًا لِتَصْرِيحِهِمْ بِكَوْنِ نَحْوِ قَدْ زَرَّ أَزْرَارَهُ عَلَى الْقَمَرِ اسْتِعَارَةً عَلَى أَنَّ الْمُشَبَّهَ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مَحْذُوفٌ أَيْ هُوَ نَاقِصٌ كَالْأَجْذَمِ فَحُذِفَ الْمُشَبَّهُ وَهُوَ النَّاقِصُ وَعُبِّرَ عَنْهُ بِاسْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَصَارَ الْمُرَادُ مِنْ الْأَجْذَمِ النَّاقِصَ فَلَيْسَ هُنَا جَمْعٌ بَيْنَ طَرَفَيْ التَّشْبِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَقَطْ ع ش.
(قَوْلُهُ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ) يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَمْدِ وَالتَّسْمِيَةِ فِي رِوَايَتَيْهِمَا مُجَرَّدُ الذِّكْرِ لَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ، وَإِلَّا يَلْزَمْ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِأَحَدِهِمَا يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ بِالْآخَرِ، وَذَلِكَ إنْ أُرِيدَ بِالِابْتِدَاءِ فِيهِمَا الِابْتِدَاءُ الْحَقِيقِيُّ، وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِضَافِيِّ فَلَا تَعَارُضَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ التَّعَارُضِ) عُطِفَ عَلَى الْمُرَادِ (قَوْلُهُ بِفَرْضِ إرَادَةِ الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ إلَخْ) أَيْ مَعَ فَرْضِ وُجُودِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ الْبُجَيْرِمِيِّ (قَوْلُهُ رَوْنَقًا) أَيْ جِنْسًا (قَوْلُهُ وَطَلَاوَةٌ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا الِابْتِدَاءُ) أَيْ الْمُبْتَدَأُ بِهِ (قَوْلُهُ ثَنَّى بِمَا فِيهِ بَرَاعَةُ الِاسْتِهْلَالِ) هِيَ أَنْ يُورِدَ مُصَنِّفٌ أَوْ شَاعِرٌ أَوْ خَطِيبٌ فِي
قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ) تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِابْتِدَاءِ الْقُرْآنِ بِهَا، وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَلَا ذِكْرٌ مَحْضٌ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ
إشَارَةً إلَى أَنَّ تَيْسِيرَ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي لَهُ هُوَ نِعْمَةٌ أَيُّ نِعْمَةٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ مَحْضِ بِرِّ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ لَهُ وَجُودِهِ عَلَيْهِ وَلُطْفِهِ بِهِ.
فَقَالَ (الْبَرِّ) أَيْ الْمُحْسِنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْبِرِّ بِسَائِرِ مَوَادِّهِ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْإِحْسَانِ كَبَرَّ فِي يَمِينِهِ أَيْ صَدَقَ لِأَنَّ الصِّدْقَ إحْسَانٌ فِي ذَاتِهِ، وَيَلْزَمُهُ الْإِحْسَانُ لِلْغَيْرِ وَأَبَرَّ اللَّهُ حَجَّهُ أَيْ قَبِلَهُ لِأَنَّ الْقَبُولَ إحْسَانٌ وَزِيَادَةٌ، وَأَبَرَّ فُلَانٌ عَلَى أَصْحَابِهِ أَيْ عَلَاهُمْ لِأَنَّهُ غَالِبًا يَنْشَأُ عَنْ الْإِحْسَانِ لَهُمْ فَتَفْسِيرُهُ بِاللَّطِيفِ أَوْ الْعَالِي فِي صِفَاتِهِ أَوْ خَالِقُ الْبِرِّ أَوْ الصَّادِقُ فِيمَا وَعَدَ أَوْلِيَاءَهُ بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ بَعْضُ مَاصَدَقَاتِ أَوْ غَايَاتِ ذَلِكَ الْبِرِّ (الْجَوَادِ) بِالتَّخْفِيفِ أَيْ كَثِيرِ الْجُودِ أَيْ الْعَطَاءِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْقِيفٌ أَيْ وَأَسْمَاؤُهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يَجُوزُ اخْتِرَاعُ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ لَهُ تَعَالَى إلَّا بِقُرْآنٍ أَوْ خَبَرٍ صَحِيحٍ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَمِيلِ بَلْ صَوَّبَهُ خِلَافًا لِجَمْعٍ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ الَّتِي يَكْفِي فِيهَا الظَّنُّ لَا الِاعْتِقَادِيَّاتُ مُصَرَّحٌ بِهِ لَا بِأَصْلِهِ الَّذِي اُشْتُقَّ مِنْهُ فَحَسْبُ أَيْ وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ ذِكْرُهُ لِمُقَابَلَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نَحْوِ {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64] {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54] .
وَقَوْلُ الْحَلِيمِيِّ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَلْقَى بَذْرًا فِي أَرْضٍ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ الزَّارِعُ وَالْمُنْبِتُ وَالْمُبَلِّغُ إنَّمَا يَأْتِي فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى الْمَرْجُوحِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَا صَحَّ مَعْنَاهُ تَوْقِيفٌ فَإِنْ قُلْت الْجَمِيلُ ذُكِرَ لِلْمُقَابَلَةِ
أَوَّلَ كَلَامِهِ عِبَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَالْمُرَادُ هُنَا حُصُولُ بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ لِلْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَقْصُودُ الْخُطْبَةِ، وَأَمَّا بَرَاعَةُ الِاسْتِهْلَالِ لِلْكِتَابِ فَفِي قَوْلِهِ الْآتِي الْمُوَفِّقِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ لِأَنَّ الْكِتَابَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ قَالَ الْكُرْدِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مَا فِي قَوْلِ الشَّارِحِ بِمَا فِيهِ إلَخْ وَاقِعَةٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْبَرِّ إلَى قَوْلِهِ أَحْمَدُهُ إلَخْ فَيَشْمَلُ قَوْلَهُ الْمُوَفِّقُ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ إشَارَةٌ إلَخْ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ ثَنَّى بِمَعْنَى مُشِيرًا، وَلَيْسَ بَيَانًا لِلْمَقْصُودِ بِمَا فِيهِ الْبَرَاعَةُ (قَوْلُهُ إشَارَةً إلَخْ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى رُجُوعِهِ لِقَوْلِهِ ثَنَّى إلَخْ عَلَى كَوْنِهِ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ لَهُ مَثَلًا سم وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ ثَنَّى لَا مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ لَهُ لِئَلَّا تَتَوَارَدَ عِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ فَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْمَتْنِ (الْبَرِّ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَعْنًى (قَوْلُهُ أَيْ الْمُحْسِنِ) أَيْ بِكَثْرَةٍ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي شَرْحِ الَّذِي جَلَّتْ (قَوْلُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْبَرَّ بِمَعْنَى الْمُحْسِنِ اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْبِرِّ أَيْ اشْتِقَاقُ الْبَرِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْ الْبِرِّ بِكَسْرِهَا بِمَعْنَى الْإِحْسَانِ (قَوْلُهُ بِسَائِرِ مَوَادِّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالِاشْتِقَاقِ وَالضَّمِيرُ لِلْبَرِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ مَوَادُّهُ الْبَاقِيَةُ يَعْنِي تَفَاسِيرَهَا (قَوْلُهُ تَرْجِعُ إلَى الْإِحْسَانِ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهَا إلَيْهِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَدْلُولُ لِجَوَازِ أَنَّهَا الْمَدْلُولُ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهَا بَلْ ظَاهِرُ الْكَلَامِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ سم وَقَدْ يَدَّعِي الِاقْتِضَاءَ بِوَسَطِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الْعُلُوُّ عَلَى الْأَصْحَابِ (قَوْلُهُ فَتَفْسِيرُهُ) أَيْ الْبَرِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ خَالِقِ الْبِرِّ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي وَلِذَا حُكِيَ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي هَذِهِ التَّفَاسِيرُ بِقِيلَ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ) أَيْ بِالتَّفْسِيرِ بِمَا ذُكِرَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَالِي فِي صِفَاتِهِ (قَوْلُهُ أَوْ غَايَاتِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مَاصَدَقَاتِ (قَوْلُهُ ذَلِكَ الْبَرِّ) أَيْ الْمُحْسِنِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ التَّفْسِيرَ بِالْعَالِي فِي صِفَاتِهِ مِنْ التَّفْسِيرِ بِالْمَلْزُومِ أَوْ السَّبَبِ، وَالتَّفْسِيرُ بِغَيْرِهِ مِنْ التَّفْسِيرِ بِالْمَاصَدَقَ (قَوْلُهُ أَيْ كَثِيرُ الْجُودِ) تَقَدَّمَ عَنْ سم أَنَّ الْجَوَادَ مِمَّا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ بِالْمَادَّةِ لَا الْهَيْئَةِ (قَوْلُهُ أَيْ الْعَطَاءِ) فَسَّرَهُ ع ش شَيْخُنَا بِالْإِعْطَاءِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَطَاءَ الشَّيْءُ الْمُعْطَى وَالْقَصْدُ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِكَثْرَةِ الْإِسْدَاءِ وَالْإِعْطَاءِ فَاَللَّهُ سبحانه وتعالى كَثِيرُ الْبَذْلِ وَالْإِعْطَاءِ لَا يَنْقَطِعُ إعْطَاؤُهُ فِي وَقْتٍ وَيُعْطِي الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ أَنَّهُ إذَا أَعْطَى لَا يُعْطِي إلَّا كَثِيرَ الصَّادِقِ بِالْإِعْطَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ عَلَى أَنَّهُ فِي نُسَخٍ أَيْ لِلنِّهَايَةِ أَيْ الْإِعْطَاءِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْجُودِ بِأَنَّهُ إعْطَاءُ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي كَمَا فَسَّرُوهُ بِهِ رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْقِيفٌ) أَيْ لَمْ يَرِدْ إذْنُ الشَّارِعِ بِإِطْلَاقِ الْجَوَادِ عَلَيْهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ تَوْقِيفِيَّةٌ) أَيْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إذْنِ الشَّارِعِ بِإِطْلَاقِهَا (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ اخْتِرَاعُ اسْمٍ أَوْ وَصْفٍ لَهُ تَعَالَى) وَمِثْلُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُسَمِّيَهُ بِاسْمٍ لَمْ يُسَمِّهِ بِهِ أَبُوهُ وَلَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ كَذَا نُقِلَ عَنْ سِيرَةِ الشَّامِيِّ وَمُرَادُهُ بِأَبِيهِ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ ع ش (قَوْلُهُ أَوْ خَبَرٍ صَحِيحٍ) أَيْ أَوْ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ ع ش وَرَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَمِيلِ) يَعْنِي صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ التَّوْقِيفَ فِي لَفْظِ الْجَمِيلِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْغَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ أَيْ الَّذِي يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الِاخْتِرَاعَ وَالْإِطْلَاقَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ فَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمُفِيدُ لِلظَّنِّ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ مُصَرَّحٍ) نَعْتُ قُرْآنٍ أَوْ خَبَرٌ سم أَيْ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ (قَوْلُهُ لَا بِأَصْلِهِ) أَشَارَ فِي بَابِ الرِّدَّةِ إلَى خِلَافِ فِي الِاكْتِفَاء بِالْأَصْلِ سم (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مُصَرَّحٍ بِهِ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى إذْ مَعْنَاهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُصَرَّحًا بِهِ (قَوْلُهُ ذِكْرُهُ) أَيْ ذِكْرُ الِاسْمِ أَوْ الْوَصْفِ (قَوْلُهُ نَحْوُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ إلَخْ) مِنْ أَمْثِلَةِ الذِّكْرِ لِلْمُقَابَلَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَرْجُوحِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَيْخِنَا فِي حَاشِيَةِ الْجَوْهَرَةِ وَاخْتَارَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى تَوْفِيقِيَّةٌ وَكَذَا صِفَاتُهُ فَلَا نُثْبَتُ لِلَّهِ اسْمًا وَلَا صِفَةً إلَّا إذَا وَرَدَ بِذَلِكَ تَوْقِيفٌ مِنْ الشَّارِعِ، وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى جَوَازِ إثْبَاتِ مَا كَانَ مُتَّصِفًا بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يُوهِمْ نَقْصًا وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ تَوْقِيفٌ مِنْ الشَّارِعِ، وَمَالَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَتَوَقَّفَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَفَصَّلَ الْغَزَالِيُّ فَجَوَّزَ إطْلَاقَ الصِّفَةِ وَهِيَ مَا دَلَّ
عَلَى مُحَرَّمٍ (قَوْلُهُ إشَارَةً إلَخْ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى رُجُوعِهِ لِقَوْلِهِ ثَنَّى عَلَى كَوْنِهِ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ رُجُوعَهَا إلَيْهِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهَا الْمَدْلُولُ لِجَوَازِ أَنَّهَا الْمَدْلُولُ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهَا بَلْ ظَاهِرُ الْكَلَامِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ بَعِيدٌ) فِيهِ بَحْثٌ أَشَرْنَا إلَيْهِ (قَوْلُهُ مُصَرَّحٌ بِهِ) نَعْتُ قُرْآنٍ أَوْ خَبَرٌ (قَوْلُهُ لَا بِأَصْلِهِ)
أَيْضًا إذْ لَفْظُ الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» فَجَعْلُ الْمُصَنِّفِ لَهُ مِنْ التَّوْقِيفِيِّ يُلْغِي اعْتِبَارَ قَيْدِ الْمُقَابَلَةِ.
قُلْت الْمُقَابَلَةُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ اسْتِحَالَةِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ الْجَمَالُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى إبْدَاعِ الشَّيْءِ عَلَى آنَقْ وَجْهٍ وَأَحْسَنِهِ وَسَيَأْتِي فِي الرِّدَّةِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ فِيهِ مُرْسَلًا اُعْتُضِدَ بِمُسْنَدٍ بَلْ رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ «ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُنَكَّرَ وَالْمُعَرَّفِ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمُنَكَّرِ لَا يُغَيِّرُ مَعْنَاهُ كَمَا يَأْتِي فِي اللَّهُ الْأَكْبَرُ وَبِالْإِجْمَاعِ النُّطْقِيِّ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَلَقِّي ذَلِكَ الْمُرْسَلِ بِالْقَبُولِ وَلِإِشْعَارِ الْعَاطِفِ بِالتَّغَايُرِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَتَهُ حُذِفَ هُنَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ} [الجمعة: 1] {مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ} [التحريم: 5]{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} [التوبة: 112] الْآيَاتُ وَأُتِيَ بِهِ فِي نَحْوِ {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ} [الحديد: 3]{ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5]{الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 112]
(الَّذِي) لِكَثْرَةِ بِرِّهِ وَسَعَةِ جُودِهِ فَلِذَا أُخِّرَ عَنْ ذَيْنِك (جَلَّتْ) عَظُمَتْ وَلِاسْتِقْرَارِ هَذِهِ الصِّلَةِ فِي النُّفُوسِ وَإِذْعَانِهَا لَهَا
عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى الذَّاتِ وَمَنَعَ إطْلَاقَ الِاسْمِ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى نَفْسِ الذَّاتِ اهـ.
وَمَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ إلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ كَالزَّارِعِ وَالْمَاكِرِ (قَوْلُهُ فَجَعْلُ الْمُصَنِّفِ لَهُ) أَيْ لِلْجَمِيلِ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ قَوْلُهُ يُلْغِي اعْتِبَارَ إلَخْ (قَوْلُهُ قَيْدِ الْمُقَابَلَةِ) أَيْ عَدَمًا (قَوْلُهُ قُلْت الْمُقَابَلَةُ إلَخْ) قَدْ يَمْنَعُ وُجُودَ الْمُقَابَلَةِ هُنَا وَيَدَّعِي أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ نِسْبَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لِلْغَيْرِ سم (قَوْلُهُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ اسْتِحَالَةِ الْمَعْنَى إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ حَيْثُ وَرَدَ إطْلَاقُ اسْمٍ عَلَيْهِ تَعَالَى وَلَمْ يَسْتَحِلْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَصَحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ حِينَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ كَانَ مَعَهُ مَا يُقَابِلُهُ.
وَأَمَّا إذَا اسْتَحَالَ مَعْنَاهُ عَلَيْهِ تُوقَفُ صِحَّةُ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ عَلَى مُسَوِّغٍ فَإِذَا اتَّفَقَ وُقُوعُ مَا يُقَابِلُهُ مَعَهُ كَانَ ذَلِكَ مُسَوِّغًا لِإِطْلَاقِهِ عَلَيْهِ ع ش (قَوْلُهُ عَلَى آنَقْ وَجْهٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ بَعْدَهَا قَافٌ (قَوْلُهُ وَأَحْسَنِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ وَأُجِيبَ عَنْهُ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي عَنْهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَاعْتُرِضَ إلَخْ أَيْ لِلِاعْتِرَاضِ الْمَفْهُومِ مِنْهُ سم (قَوْلُهُ وَحَدِيثًا طَوِيلًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي حَدِيثًا مَرْفُوعًا ذُكِرَ فِيهِ عَنْ الرَّبِّ سبحانه وتعالى أَنَّهُ قَالَ «إنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ» اهـ.
(قَوْلُهُ ذَلِكَ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَاعِلُ قَوْلِهِ فِيهِ فَالْإِشَارَةُ إلَى لَفْظِ الْجَوَادِ وَقَوْلِهِ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ بَدَلٌ مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ هُوَ الْفَاعِلُ وَلَفْظُ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَبِالْإِجْمَاعِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِمُسْنَدٍ (قَوْلُهُ الْمُسْتَلْزِمِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ سم أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْإِجْمَاعِ مُسْتَنَدٌ آخَرُ (قَوْلُهُ وَلِإِشْعَارِ الْعَاطِفِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْآتِي حُذِفَ مِنْهَا قَالَ سم وَيُوَجَّهُ تَرْكُ الْعَاطِفِ أَيْضًا بِأَنَّ فِي تَرْكِهِ يَكُونُ كُلُّ وَصْفٍ مَنْسُوبًا اسْتِقْلَالًا لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ، وَذَلِكَ أَبْلَغُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ بِالتَّغَايُرِ الْحَقِيقِيِّ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أُرِيدَ التَّغَايُرُ الْحَقِيقِيُّ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ وَإِنْ أُرِيدَ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ فِي هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ سم وَقَدْ يُجَابُ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ وَحُمِلَ التَّغَايُرُ عَلَى التَّنَافِي فِي التَّحَقُّقِ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَوُجُودُهُ فِي نَحْوِ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ دُونَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَأَتَى بِهِ) أَيْ بِالْعَاطِفِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ حُذِفَ يَعْنِي حُذِفَ فِي الْأَوْصَافِ الْمُتَّحِدَةِ فِي التَّحَقُّقِ فِي زَمَنٍ لِئَلَّا يُوهِمَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ، وَأُتِيَ بِهِ فِي الْمُخْتَلِفَةِ فِيهِ لِئَلَّا يُوهِمَ الِاتِّحَادُ فِيهِ
(قَوْلُ الْمَتْنِ الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ) اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ الَّذِي وَاقِعَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَارَةُ عَنْهُ فَالتَّذْكِيرُ فِيهَا وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَتْ صِلَتُهَا سَبَبِيَّةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سَبَبِيَّةِ صِلَتِهَا وَإِسْنَادِ الْفِعْلِ فِيهَا إلَى النِّعَمِ أَنَّ الْمَوْصُولَ وَاقِعٌ عَلَى النِّعَمِ، وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ وُجُوبَ تَأْنِيثِ الْمَوْصُولِ هُنَا وَبَعْضُهُمْ جَوَازَهُ فَيُقَالُ الَّتِي جَلَّتْ نِعَمُهُ، وَذَلِكَ خَطَأٌ وَاضِحٌ سم (قَوْلُهُ لِكَثْرَةِ بِرِّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ جَلَّتْ الْمُتَضَمِّنُ لِمَعْنَى امْتَنَعَتْ لِيَصِحَّ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ عَنْ الْإِحْصَاءِ بِهِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ فَلِذَا أُخِّرَ عَنْ ذَيْنِك) أَيْ فَإِنَّهُ كَالنَّتِيجَةِ لَهُمَا سم أَيْ لِلْبَرِّ وَالْجَوَادِ (قَوْلُهُ وَلِاسْتِقْرَارِ هَذِهِ الصِّلَةِ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ هَذَا التَّوْجِيهُ وَكَوْنُ
أَشَارَ فِي بَابِ الرِّدَّةِ إلَى خِلَافٍ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْأَصْلِ (قَوْلُهُ قُلْت الْمُقَابَلَةُ إلَخْ) قَدْ يُمْنَعُ وُجُودُ الْمُقَابَلَةِ وَيُدَّعَى أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ نِسْبَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لِلْغَيْرِ (قَوْلُهُ وَأُجِيبَ عَنْهُ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي عَنْهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَاعْتُرِضَ أَيْ لِلِاعْتِرَاضِ الْمَفْهُومِ مِنْ اُعْتُرِضَ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَلْزِمُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ وَلِإِشْعَارِ الْعَاطِفِ) بِوَجْهِ تَرْكِ الْعَاطِفِ أَيْضًا بِأَنَّ فِي تَرْكِهِ يَكُونُ كُلُّ وَصْفٍ مَنْسُوبًا اسْتِقْلَالًا لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ، وَذَلِكَ أَبْلَغُ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ بِالتَّغَايُرِ الْحَقِيقِيِّ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أُرِيدَ التَّغَايُرُ الْحَقِيقِيُّ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ وَإِنْ أُرِيدَ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ فِي الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ
(قَوْلُهُ الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ) اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ الَّذِي وَاقِعَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَارَةٌ عَنْهُ فَالتَّذْكِيرُ فِيهَا وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَتْ صِلَتُهَا سَبَبِيَّةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سَبَبِيَّةِ صِلَتِهَا وَإِسْنَادِ الْفِعْلِ فِيهَا إلَى النِّعَمِ أَنَّ الْمَوْصُولَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى النِّعَمِ وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ وُجُوبَ تَأْنِيثِ الْمَوْصُولِ هُنَا فَيُقَالُ الَّتِي جَلَّتْ نِعَمُهُ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ التَّأْنِيثَ وَذَلِكَ خَطَأٌ وَاضِحٌ وَلَا يُؤَيِّدُ مَا تَوَهَّمُوهُ جَاءَ رَجُلٌ قَائِمَةٌ أُمُّهُ لِأَنَّ هَذَا نَعْتٌ سَبَبِيٌّ نَظِيرُ الصِّلَةِ هُنَا بَلْ نَعْتِيَّتُهُ بِالتَّأْوِيلِ أَيْ قَائِمُ الْأُمِّ (قَوْلُهُ فَلِذَا أَخَّرَ عَنْ ذَيْنِك) أَيْ فَإِنَّهُ كَالنَّتِيجَةِ لَهُمَا (قَوْلُهُ وَلِاسْتِقْرَارٍ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ هَذَا التَّوْجِيهُ وَكَوْنُ الْجَلِيلَةِ نِعَمُهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَعْدُولَ لَهُ
عُدِلَ لِذَلِكَ عَنْ الْجَلِيلَةِ نِعَمُهُ عَنْ الْإِحْصَاءِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهُ إنَّمَا أُتِيَ بِالْمَوْصُولِ هُنَا لِقَاعِدَةٍ هِيَ أَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِاَلَّذِي لِوَصْفِهِ تَعَالَى بِمَا ثَبَتَ لَهُ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ تَوْقِيفٌ وَكَانَ قَائِلُهُ فَهِمَ أَنَّ هَذَا لَا يُؤَدَّى إلَّا بِوَصْفٍ لَهُ تَعَالَى وَقَدْ عَلِمْت تَأْدِيَتَهُ بِوَصْفِ النِّعَمِ بِمَا ذُكِرَ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ لِتَوْقِيفٍ (نِعَمُهُ) فِيهِ إيهَامٌ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ حَصْرِهَا جَمْعُهَا الْمُنَافِي {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ} [النحل: 18] أَيْ تُرِيدُوا عَدَّ أَوْ تَشْرَعُوا فِي عَدِّ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ نِعَمِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ أَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ كَالْمُفْرَدِ الْمُضَافِ هُنَا كُلِّيَّةً {لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] أَيْ لَا تَحْصُرُوهَا فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ جَمْعُ نِعْمَةٍ بِمَعْنَى أَنْعَامٍ وَجَمْعُهُ لَا إيهَامَ فِيهِ أَيْ جَلَّتْ أَنَعَمَاتِهِ أَيْ بِاعْتِبَارِ كُلِّ أَثَرٍ مِنْ آثَارِهَا عَنْ أَنْ تُحَدَّ فَيَشْمَلُ الْقَلِيلَ أَيْضًا
الْجَلِيلَةِ نِعَمُهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَعْدُولَ لَهُ سم (قَوْلُهُ عُدِلَ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْجَلِيلَةَ نِعَمُهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَوْصُولِ وَالصِّلَةِ عَلَى قَوْلٍ، وَلِأَنَّ اسْتِقْرَارَ هَذِهِ الصِّلَةِ فِي النُّفُوسِ لَا تَقْتَضِي تَرْجِيحَ طَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُصَحِّحُهُ، وَالْكَلَامُ فِي التَّرْجِيحِ لَا فِي التَّصْحِيحِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَقَدْ يُوَجَّهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ أَرَادَ النِّعَمَ الْحَادِثَةَ الْوَاصِلَةَ لِخَلْقِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَعَبَّرَ بِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى حُدُوثِ الْعِظَمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِحُدُوثِ النِّعَمِ وَوُصُولِهَا سم، وَدَفَعَ الْكُرْدِيُّ قَوْلَ سم وَلِأَنَّ اسْتِقْرَارَ إلَخْ بِمَا نَصُّهُ قَوْلُهُ عُدِلَ لِذَلِكَ اللَّامَ بِمَعْنَى إلَى أَيْ عُدِلَ إلَى تَرْكِيبِ الَّذِي جَلَّتْ إلَخْ عَنْ تَرْكِيبِ الْجَلِيلَةِ إلَخْ لِأَنَّ اسْتِقْرَارَ الْفِعْلِيَّةِ أَقْوَى مِنْ الِاسْمِيَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ عَنْ الْجَلِيلَةِ نِعَمُهُ) أَيْ وَالْجَلِيلُ النِّعَمِ بِالْإِضَافَةِ سم (قَوْلُهُ بِمَا ثَبَتَ لَهُ) وَهُوَ هُنَا جَلَالَةُ نِعَمِهِ عَنْ الْإِحْصَاءِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ) أَيْ بِوَصْفِهِ تَعَالَى بِذَلِكَ (قَوْلُهُ إنَّ هَذَا) أَيْ ثُبُوتَ جَلَالَةِ النِّعَمِ عَنْ الْإِحْصَاءِ لَهُ تَعَالَى وَقَالَ الْكُرْدِيُّ أَيْ ثُبُوتُ مَعْنَى جَلَّتْ لَهُ تَعَالَى اهـ (قَوْلُهُ لَا يُؤَدَّى) بِبِنَاءِ الْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ إلَّا بِوَصْفٍ لَهُ) أَيْ بِجَعْلِهِ وَصْفًا وَحَالًا لَهُ تَعَالَى كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ عَلِمْت إلَخْ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ أَيْ وَلَيْسَ كَمَا فُهِمَ؛ لِأَنَّك قَدْ عَلِمْت إلَخْ أَيْ مِنْ قَوْلِنَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، وَيَصِحُّ كَوْنُ عُلِمَتْ بِبِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْضًا (قَوْلُهُ بِوَصْفِ النِّعَمِ بِمَا ذُكِرَ) أَيْ بِجَعْلِ الْجَلَالَةِ صِفَةً لِلنِّعَمِ وَإِسْنَادِهَا إلَيْهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ إلَخْ) أَيْ وَصْفُ النِّعَمِ بِمَا ذُكِرَ قَوْلُ الْمَتْنِ (نِعَمُهُ) جَمْعُ نِعْمَةٍ بِكَسْرِ النُّونِ بِمَعْنَى إنْعَامٍ وَهُوَ الْإِحْسَانُ. وَأَمَّا النَّعْمَةُ بِفَتْحِ النُّونِ فَهِيَ التَّنَعُّمُ وَبِضَمِّهَا الْمَسَرَّةُ
نِهَايَةٌ زَادَ الْمُغْنِي وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ نِعْمَتُهُ بِالْإِفْرَادِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] وَأَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى اهـ قَالَ الرَّشِيدِيُّ قَوْلُهُ م ر بِمَعْنَى إنْعَامٍ لَمْ يُبْقِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ حَصْرِهَا جَمْعُهَا فَيُنَافِي صَرِيحًا {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] الْمُقْتَضَى انْتِفَاءُ الْإِحْصَاءِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ النِّعَمِ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقَاتِ فَالْحَمْدُ عَلَى الْإِنْعَامِ وَإِنْ أَوْهَمَ أَنَّ عَدَمَ الْإِحْصَاءِ بِسَبَبِ جَمْعِيَّتِهِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُنَافَاةٌ صَرِيحَةٌ لِلْآيَةِ، وَهَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ اهـ.
(قَوْلُهُ الْمُنَافِي) يَنْبَغِي أَنَّهُ نَعْتُ أَنَّ سَبَبَ إلَخْ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مُجَرَّدِ الْجَمْعِ وَالْآيَةِ فَتَأَمَّلْهُ سم (قَوْلُهُ مِنْ أَفْرَادِ نِعَمِهِ) أَيْ إنْعَامَاتِهِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْجَمْعِ تَقْرِيبًا لِتَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ مِمَّا فِي الْآيَةِ وَإِلَّا فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ مِنْ أَفْرَادِ نِعْمَتِهِ بِالْإِفْرَادِ (قَوْلُهُ كَمَا يُعْلَمُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِحَمْلِ الْآيَةِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ (قَوْلُهُ كَالْمُفْرَدِ الْمُضَافِ هُنَا) أَيْ نِعْمَةُ اللَّهِ وَهُوَ مِثَالٌ لِلْعَامِّ (قَوْلُهُ كُلِّيَّةً) أَيْ الْحُكْمُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ) أَيْ لِدَفْعِ الْإِيهَامِ أَنَّهُ جَمْعُ نِعْمَةٍ بِفَتْحِ النُّونِ بِمَعْنَى إنْعَامِ وَالنِّعْمَةُ بِالْكَسْرِ أَثَرُهَا كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ لِدَفْعِ الْإِيهَامِ) الْأَوْلَى لِدَفْعِ الْمُنَافَاةِ وَقَوْلُهُ بِفَتْحِ إلَخْ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَجَمْعُهُ) أَيْ لَفْظُ نِعَمِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
وَقَوْلُهُ لَا إيهَامَ فِيهِ فِيهِ تَوَقُّفٌ وَلَوْ قَالَ لَا مُنَافَاةَ فِيهِ لِظَهَرَ (قَوْلُهُ أَيْ جَلَّتْ إنْعَامَاتُهُ أَيْ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلْمَتْنِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ فَتَعَيَّنَ وَفِي الْمَعْنَى عِلَّةٌ لِنَفْيِ الْإِيهَامِ بَلْ لِنَفْيِ الْمُنَافَاةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ كُلِّ أَثَرٍ مِنْ آثَارِهَا) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أُرِيدَ الْإِنْعَامَاتُ بِالْإِمْكَانِ فَهِيَ نَفْسُهَا لَا تُحْصَى مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى اعْتِبَارِ آثَارِهَا ضَرُورَةَ عَدَمِ تَنَاهِيهَا، وَإِنْ أُرِيدَ الْإِنْعَامَاتُ بِالْفِعْلِ فَهِيَ وَآثَارُهَا مُحْصَاةٌ مَعْدُودَةٌ قَطْعًا ضَرُورَةَ أَنَّهَا مُتَنَاهِيَةٌ ضَرُورَةً أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ مُتَنَاهٍ وَكُلُّ مُتَنَاهٍ مُحْصًى مَعْدُودٌ فَلْيُتَأَمَّلْ سم وَأَجَابَ ع ش بِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي إحْصَاءِ الْآثَارِ وَآثَارِ إنْعَامَاتِهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ مُحْصَاةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ لَا قُدْرَةَ لِلْبَشَرِ عَلَى عَدِّهَا وَإِحْصَائِهَا اهـ.
(قَوْلُهُ فَتَشْمَلُ إلَخْ) مُتَفَرِّعٌ عَلَى اعْتِبَارِ أَثَرِ الْإِنْعَامِ يَعْنِي لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ نِعَمُهُ بِمَعْنَى الْإِنْعَامَاتِ، وَكَانَ عَدَمُ إحْصَائِهَا بِاعْتِبَارِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ آثَارِهَا فَيَشْمَلُ ذَلِكَ
قَوْلُهُ عُدِلَ لِذَلِكَ عَنْ الْجَلِيلَةِ نِعَمُهُ) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْجَلِيلَةَ نِعَمُهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَوْصُولِ وَالصِّلَةُ عَلَى قَوْلٍ، وَلِأَنَّ اسْتِقْرَارَ هَذِهِ الصِّلَةِ فِي النُّفُوسِ لَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ طَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ.
غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُصَحِّحُهُ وَالْكَلَامُ فِي التَّرْجِيحِ لَا فِي التَّصْحِيحِ فَلْيَتَأَمَّلْ، وَقَدْ يُوَجَّهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ أَرَادَ النِّعَمَ الْحَادِثَةَ الْوَاصِلَةَ لِخَلْقِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَعَبَّرَ بِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى حُدُوثِ الْعِظَمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِحُدُوثِ النِّعَمِ وَوُصُولِهَا (قَوْلُهُ عَنْ الْجَلِيلَةِ نِعَمُهُ) أَيْ وَالْجَلِيلُ النِّعَمِ بِالْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ الْمُنَافِي) يَنْبَغِي أَنَّهُ نَعْتٌ أَنَّ سَبَبَ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مُجَرَّدِ الْجَمْعِ وَالْآيَةِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ كُلِّ أَثَرٍ مِنْ آثَارِهَا) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أُرِيدَ الْإِنْعَامَاتُ بِالْإِمْكَانِ فَهِيَ نَفْسُهَا لَا تُحْصَى مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى اعْتِبَارِ آثَارِهَا ضَرُورَةَ عَدَمِ تَنَاهِيهَا وَإِنْ أُرِيدَ الْإِنْعَامَاتُ بِالْفِعْلِ فَهِيَ وَآثَارُهَا مُحْصَاةٌ مَعْدُودَةٌ قَطْعًا ضَرُورَةَ أَنَّهَا
وَمَعَ هَذَا التَّعْبِيرِ بِنِعْمَةٍ مُوَافَقَةٍ لِلَفْظِ الْآيَةِ أَوْلَى وَمِنْ ثَمَّ أَصْلَحَ فِي نُسْخَةٍ وَكُلُّ نِعْمَةٍ وَإِنْ سَلِمَ حَصْرُهَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا لَا مُتَعَلِّقَاتِهَا مَعَ دَوَامِهَا مَعَاشًا وَمَعَادًا وَهِيَ أَيْ حَقِيقَةُ كُلِّ مُلَائِمٍ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ، وَإِنَّمَا مَلَاذُّهُ اسْتِدْرَاجٌ فَإِنْ قُلْت هَذَا لَا يُوَافِقُ تَفْسِيرَ النِّعْمَةِ لُغَةً مِنْ أَنَّهَا مُطْلَقُ الْمُلَائِمِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي أَكْثَرِ النُّصُوصِ فَمَا حِكْمَتُهُ قُلْت شَأْنُ الْمُصْطَلَحَاتِ الْعُرْفِيَّةِ مُخَالَفَتُهَا لِلْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ وَكَوْنُهَا أَخَصَّ مِنْهَا كَالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عُرْفًا وَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْعَبْدِ مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ وَفَائِدَتُهَا هُنَا بَيَانُ مَا هُوَ نِعْمَةٌ بِالْحَقِيقَةِ لَا بِالصُّورَةِ الَّتِي اكْتَفَى بِهَا أَهْلُ اللُّغَةِ وَالرِّزْقُ أَعَمُّ مِنْهَا لِأَنَّهُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَوْ حَرَامًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ (عَنْ الْإِحْصَاءِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَبِالْمَدِّ أَيْ الضَّبْطِ وَهُوَ الْحَصْرُ وَفُسِّرَ بِالْعَدِّ، وَهُوَ الْفِعْلُ فَهُوَ غَيْرُ الْعَدَدِ فِي (بِالْإِعْدَادِ) أَيْ بِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْهَا لَا بِقَيْدِ الْقِلَّةِ الَّتِي أَوْهَمَتْهَا الْعِبَارَةُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِأَلْ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ أَيْ عَظُمَتْ عَنْ أَنْ تُحْصَرَ أَوْ تُعَدَّ بِعَدَدٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَمَعْنَى {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] عَلِمَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ
الْقَوْلُ قَلِيلَ الْإِنْعَامَاتِ كَمَا يَشْمَلُ جَمِيعَهَا كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَعَ هَذَا) أَيْ التَّوْجِيهِ الدَّافِعِ لِلْإِيهَامِ بَلْ لِلْمُنَافَاةِ (قَوْلُهُ مُوَافَقَةً) مَفْعُولٌ لَهُ لِقَوْلِهِ أَوْلَى أَوْ حَالٌ مِنْ نِعْمَتِهِ وَقَوْلُهُ أَوْلَى خَبَرٌ لِتَعْبِيرٍ (قَوْلُهُ أَصْلَحَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِبِنَاءِ الْمَفْعُولِ فَالْمُصْلِحُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَكُلُّ نِعْمَةٍ) مُبْتَدَأٌ سم أَيْ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ عِبَارَةُ الْكُرْدِيِّ هُوَ جَوَابُ سُؤَالٍ، كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ إنَّ الْفَرْدَ لَا يَكُونُ إلَّا مَحْصُورًا فَكَيْفَ يُقَالُ كُلُّ فَرْدٍ مُمْتَنِعٌ عَنْ الْإِحْصَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ سُلِّمَ حَصْرُهَا) لَعَلَّ الْوَاوَ حَالِيَّةٌ لَا غَائِيَّةٌ (قَوْلُهُ هُوَ إلَخْ) أَيْ الْحَصْرُ (قَوْلُهُ مَعَ دَوَامِهَا) أَيْ مُتَعَلِّقَاتِهَا (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ النِّعْمَةُ وَقَوْلُهُ أَيْ حَقِيقَةٌ أَيْ بِمَعْنَى الْأَثَرِ الْحَاصِلِ بِالْإِنْعَامِ ع ش (قَوْلُهُ كُلُّ مُلَائِمٍ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ لَفْظَةِ كُلٍّ (قَوْلُهُ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ) فَهَذَا يُخْرِجُ الْحَرَامَ سم وَكَذَا يُخْرِجُ الْمَكْرُوهَ (قَوْلُهُ فَمَا حِكْمَتُهُ) أَيْ الْمُخَالَفَةِ بِالتَّقْيِيدِ بِتُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ (قَوْلُهُ شَأْنُ الْمُصْطَلَحَاتِ) أَيْ الْغَالِبُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَكَوْنُهَا إلَخْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ مُخَالَفَتُهَا إلَخْ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ أَخَصُّ مِنْهَا) إنْ أَرَادَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ كَذَلِكَ أَيْ فَمُسَلَّمٌ أَوْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ فَمَمْنُوعٌ يُؤَيِّدُ الْمَنْعَ أَنَّ الزَّكَاةَ لُغَةً لِمَعَانٍ كَالنَّمَاءِ لَا تُصَدَّقُ عَلَى الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ أَيْ الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ سم وَمَرَّ أَنَّ مَعْنَى الْغَلَبَةِ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا فَلَا اعْتِرَاضَ (قَوْلُهُ وَفَائِدَتُهَا) أَيْ الْمُخَالَفَةِ وَرَجَّحَ الْكُرْدِيُّ التَّمْيِيزَ إلَى الْمُصْطَلَحَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالرِّزْقُ أَعَمُّ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْأَعَمِّيَّةِ أَنَّهُ يَتَبَادَرُ أَنَّ نَحْوَ هَلَاكِ الْعَدُوِّ نِعْمَةٌ لَا رِزْقٌ وَقَوْلُهُ وَلَوْ حَرَامًا أَيْ وَالْحَرَامُ لَا تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ سم وَقَدْ يُمْنَعُ قَوْلُهُ لَا رِزْقٌ وَلَوْ سَلَمَ فَيُحْمَلُ الْعُمُومُ عَلَى الْوَجْهِيِّ كَمَا تَرَجَّاهُ الْبَصْرِيُّ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحَصْرُ) أَيْ الْإِحَاطَةُ (قَوْلُهُ وَفَسَّرَ) أَيْ الْإِحْصَاءَ قَوْلُ الْمَتْنِ (بِالْأَعْدَادِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ عَدَدٍ مُغْنِي زَادَ النِّهَايَةُ وَالْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ (قَوْلُهُ لَا بِقَيْدِ الْقِلَّةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ فَإِنْ قِيلَ الْأَعْدَادُ جَمْعُ قِلَّةٍ وَالشَّيْءُ قَدْ لَا يَضْبِطُهُ الْعَدَدُ الْقَلِيلُ وَيَضْبِطُهُ الْكَثِيرُ وَلِذَا قِيلَ لَوْ عَبَّرَ بِالتَّعْدَادِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ عَدَّ لَكَانَ أَوْلَى أُجِيبَ بِأَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الْعُمُومَ اهـ.
أَيْ: لِأَنَّ أَلْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجَمْعِ أَبْطَلَتْ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ وَصَيَّرَتْ أَفْرَادَهُ آحَادًا عَلَى الصَّحِيحِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ الَّتِي أَوْهَمَتْهَا الْعِبَارَةُ) أَيْ قَبْلَ التَّأَمُّلِ وَإِلَّا فَالصِّيغَةُ مَعَ أَلْ لِلْكَثْرَةِ سم (قَوْلُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اسْتِغْرَاقِ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِأَلْ أَيْ كَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحُكْمَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ وَلَمْ يَكُنْ قَرِينَةُ الْبَعْضِيَّةِ، وَكَانَ الْمَقَامُ خَطَابِيًّا يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ عَبْدُ الْحَكِيمِ عَلَى الْمُطَوَّلِ (قَوْلُهُ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ) أَيْ لِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَنَّ اللَّامَ مَوْضُوعٌ لِلْجِنْسِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهْمٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُسْتَفَادُ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ عَبْدُ الْحَكِيمِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ ع ش أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ مُفْرَدًا كَانَ أَوْ جَمْعًا لِلِاسْتِغْرَاقِ إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ فَإِفَادَتُهَا لِلِاسْتِغْرَاقِ وَضْعِيٌّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرِينَةٍ فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْ عَظُمَتْ عَنْ أَنْ تُحْصَرَ إلَخْ) وَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ لَا تُحْصَى تَنْحَصِرُ فِي جِنْسَيْنِ دُنْيَوِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ، وَالْأَوَّلُ قِسْمَانِ مَوْهِبِيٌّ وَكَسْبِيٌّ وَالْمَوْهِبِيُّ قِسْمَانِ رُوحَانِيٌّ كَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَإِشْرَافِهِ بِالْعَقْلِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ الْقُوَى كَالْفِكْرِ وَالْفَهْمِ وَالنُّطْقِ وَجُسْمَانِيٌّ كَتَحْلِيقِ الْبَدَنِ وَالْقُوَى الْحَالَّةِ فِيهِ وَالْهَيْئَاتِ الْعَارِضَةِ لَهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَكَمَالِ الْأَعْضَاءِ، وَالْكَسْبِيُّ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ عَنْ الرَّذَائِلِ وَتَحْلِيَتُهَا بِالْأَخْلَاقِ وَالْمَلَكَاتِ الْفَاضِلَةِ وَتَزَيُّنُ الْبَدَنِ بِالْهَيْئَاتِ الْمَطْبُوعَةِ وَالْحُلِيِّ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَحُصُولُ الْجَاهِ وَالْمَالِ وَالثَّانِي أَيْ الْأُخْرَوِيُّ أَنْ يَعْفُوَ عَمَّا فَرَطَ مِنْهُ وَيَرْضَى عَنْهُ وَيُبَوِّئَهُ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي شَرْحِ نِعَمِهِ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ عَلِمَهُ مِنْ جِهَةِ
مُتَنَاهِيَةٌ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ مُتَنَاهٍ وَكُلُّ مُتَنَاهٍ مُحْصًى مَعْدُودٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكُلُّ نِعْمَةٍ) مُبْتَدَأٌ (قَوْلُهُ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ) هَذَا يُخْرِجُ الْحَرَامَ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهَا أَخَصَّ) إنْ أَرَادَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ فَمَمْنُوعٌ يُؤَيِّدُ الْمَنْعَ أَنَّ الزَّكَاةَ لُغَةً لَمَعَانٍ كَالنَّمَاءِ لَا تَصْدُقُ عَلَى الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ أَيْ الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ.
(قَوْلُهُ وَالرِّزْقُ أَعَمُّ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْأَعَمِّيَّةِ أَنَّهُ يَتَبَادَرُ أَنَّ نَحْوَ هَلَاكِ الْعَدُوِّ نِعْمَةٌ لَا رِزْقٌ وَقَوْلُهُ وَلَوْ حَرَامًا أَيْ وَالْحَرَامُ لَا تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ (قَوْلُهُ الَّتِي أَوْهَمَتْهَا الْعِبَارَةُ) أَيْ قَبْلَ التَّأَمُّلِ وَإِلَّا فَالصِّيغَةُ مَعَ أَلْ لِلْكَثْرَةِ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ عَلِمَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ
وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُحْصِي أَيْ الْعَالِمُ أَوْ الْقَوِيُّ أَوْ الْعَادُّ أَقْوَالٌ نَعَمْ فِي الْأَخِيرِ إيهَامُ أَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُتَوَقِّفٌ عَلَى عَدِّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (الْمَانِّ) مِنْ الْمِنَّةِ وَهِيَ النِّعْمَةُ مُطْلَقًا أَوْ بِقَيْدِ كَوْنِهَا ثَقِيلَةً مُبْتَدَأَةً مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ يُوجِبُهَا فَنِعَمُهُ تَعَالَى مِنْ مَحْضِ فَضْلِهِ إذْ لَا يَجِبُ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ خِلَافًا لِزَعْمِ الْمُعْتَزِلَةِ وُجُوبَ الْأَصْلَحِ عَلَيْهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ (بِاللُّطْفِ) وَهُوَ مَا يَقَعُ بِهِ صَلَاحُ الْعَبْدِ آخِرَهُ وَيُسَاوِيهِ التَّوْفِيقُ الَّذِي هُوَ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ مَاصَدَقًا لَا مَفْهُومًا وَلِعِزَّتِهِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا مَرَّةً فِي هُودٍ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا إحْسَانًا وَتَوْفِيقًا يُوَفِّقُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوِفَاقِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْخِلَافِ وَقَدْ يُطْلَقُ التَّوْفِيقُ عَلَى أَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ اللُّطْفُ مَا يَحْمِلُ الْمُكَلَّفَ عَلَى الطَّاعَةِ ثُمَّ إنْ حُمِلَ عَلَى فِعْلِ الْمَطْلُوبِ سُمِّيَ تَوْفِيقًا أَوْ تَرْكِ الْقَبِيحِ سُمِّيَ عِصْمَةً، وَصَرَّحَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي بَحْثِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى لُطْفًا لَوْ فَعَلَهُ بِالْكُفَّارِ لَآمَنُوا اخْتِيَارًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَهُوَ فِي فِعْلِهِ مُتَفَضِّلٌ وَفِي تَرْكِهِ عَادِلٌ (وَالْإِرْشَادِ) أَيْ الدَّلَالَةِ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ أَوْ الْإِيصَالِ إلَيْهَا (الْهَادِي) أَيْ الدَّالِّ أَوْ الْمُوَصِّلِ (إلَى سَبِيلِ) أَيْ طَرِيقِ (الرَّشَادِ)
الْعَدَدِ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَلِمَ عَدَدَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُتَنَاهِيَاتِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الشَّيْءِ لِأَنَّهُ عِنْدَنَا هُوَ الْمَوْجُودَاتُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِهِ وَحِينَئِذٍ فَلْيُنْظَرْ مَا مَوْقِعُ كَلَامِهِ هَذَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ دَفْعَ اعْتِرَاضٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ إلَخْ بِأَنْ يُقَالَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ عَدَدَ الْأَشْيَاءِ، وَمِنْهَا النِّعَمُ كَانَ اللَّائِقُ فِي دَفْعِهِ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَلَا يَرِدُ قَوْلُهُ وَأَحْصَى إلَخْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْجُودَاتِ وَالْمُرَادُ هُنَا بِالنِّعَمِ أَعَمُّ.
وَأَمَّا مُجَرَّدُ مَا ذَكَرَهُ فَلَا يَتَّجِهُ مِنْهُ الدَّفْعُ فَلْيُتَأَمَّلْ سم بِحَذْفِ وَأَشَارَ الْكُرْدِيُّ إلَى دَفْعِ اعْتِرَاضِ سم بِمَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَمَعْنَى أَحْصَى إلَخْ هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ عَظُمَتْ عَنْ أَنْ تُعَدَّ بِدَلِيلِ تِلْكَ الْآيَةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهَا تُعَدُّ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَادَ لِكُلِّ شَيْءٍ وَمِنْ الْأَشْيَاءِ النِّعَمُ فَأَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى الْإِحْصَاءِ فِيهَا الْعِلْمُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ الْعَدُّ اهـ.
وَلَكَ أَنْ تَقُولَ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ الْعَدُّ فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْمَتْنِ عَدُّ الْخَلْقِ كَمَا مَرَّ عَنْ ع ش (قَوْلُهُ وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى إلَخْ) تَقْوِيَةً لِهَذَا الْمَعْنَى كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ أَقْوَالٌ) أَيْ هَذِهِ التَّفَاسِيرُ الثَّلَاثَةُ أَقْوَالٌ لِكُلٍّ مِنْهَا قَائِلٌ (قَوْلُهُ نَعَمْ فِي الْأَخِيرِ إيهَامٌ) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا الْإِيهَامِ بَصَرِيٌّ وَالْإِيهَامُ ظَاهِرٌ لَا مَجَالَ لِإِنْكَارِهِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ ثَقِيلَةً كَانَتْ أَوْ لَا (قَوْلُهُ مُبْتَدَأَةً إلَخْ) حَالٌ مِنْ النِّعْمَةِ بِقِسْمَيْهِ أَيْ حَالَ كَوْنِ النِّعْمَةِ الثَّقِيلَةِ وَغَيْرِهَا مُبْتَدَأَةً إلَخْ فَيَصِحُّ التَّفْرِيعُ الْآتِي كُرْدِيٌّ أَيْ فَيَسْقُطُ مَا لسم هُنَا مِنْ اسْتِشْكَالِهِ (قَوْلُهُ أَخَرَةٌ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ وَالرَّاءِ فِي شَرْحِ اللُّبِّ أَيْ آخِرَ عُمْرِهِ الْبَصْرِيُّ عِبَارَةُ ع ش أَيْ فِي آخِرِ أَمْرِهِ وَهُوَ بِوَزْنِ دَرَجَةٍ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ ظَرْفٌ لِصَلَاحٍ إلَخْ، وَقَالَ الْكُرْدِيُّ لِيَقَعَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَيُسَاوِيهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي عَقِبَ الْمَتْنِ بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ الطَّاءِ أَيْ الرَّأْفَةُ وَالرِّفْقُ وَهُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ بِأَنْ يَخْلُقَ قُدْرَةَ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفَتْحُهُمَا لُغَةٌ فِيهِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ السُّهَيْلِيُّ لَمَّا جَاءَ الْبَشِيرُ إلَى يَعْقُوبَ أَعْطَاهُ فِي الْبِشَارَةِ كَلِمَاتٍ يَرْوِيهَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ يَا لَطِيفًا فَوْقَ كُلِّ لَطِيفٍ اُلْطُفْ بِي فِي أُمُورِي كُلِّهَا كَمَا أُحِبُّ وَرَضِّنِي فِي دُنْيَايَ وَآخِرَتِي اهـ.
(قَوْلُهُ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِعْلَ مَطْلُوبٍ أَوْ تَرْكَ مَعْصِيَةٍ ع ش (قَوْلُهُ وَلِعِزَّتِهِ) أَيْ نُدْرَةِ التَّوْفِيقِ فِي الْإِنْسَانِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا مَرَّةً فِي هُودٍ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ} [هود: 88] فِي الْحَدِيثِ «لَا يَتَوَفَّقُ عَبْدٌ حَتَّى يُوَفِّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى» وَفِي أَوَائِلِ الْإِحْيَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ «قَلِيلٌ مِنْ التَّوْفِيقِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعِلْمِ» نِهَايَةٌ أَيْ الْخَالِي عَنْ التَّوْفِيقِ ع ش (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّوْفِيقِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ اللُّطْفِ أَوْ مِنْ مَعْنَى التَّوْفِيقِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى الطَّاعَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِعْلَ مَطْلُوبٍ أَوْ تَرْكَ مَعْصِيَةٍ (قَوْله وَصَرَّحَ أَهْلُ السُّنَّةِ) أَيْ أَئِمَّتُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ (قَوْلُهُ لُطْفًا) أَيْ نَوْعًا مِنْ اللُّطْفِ (قَوْلُهُ أَوْ الْإِيصَالِ إلَيْهَا) أَيْ إلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ وَاسْتَحْسَنَ الرَّشِيدِيُّ حَمْلَ الْإِرْشَادِ عَلَى مَعْنَى الْإِيصَالِ وَالْهَادِي عَلَى مَعْنَى الدَّالِّ فِرَارًا عَنْ التَّكْرَارِ
عُلِمَ عَدَدُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُتَنَاهِيَاتِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الشَّيْءِ لِأَنَّهُ عِنْدَنَا هُوَ الْمَوْجُودُ.
قَالَ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِهِ مَا نَصُّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] فَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ فَإِنْ قِيلَ إحْصَاءُ الْعَدَدِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَنَاهِي، وَأَمَّا لَفْظَةُ كُلَّ شَيْءٍ فَتَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَنَاهٍ فَيَلْزَمُ وُقُوعُ التَّنَاقُضِ فِي الْآيَةِ قُلْنَا لَا شَكَّ أَنَّ إحْصَاءَ الْعَدَدِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَنَاهِي، وَأَمَّا لَفْظَةُ كُلَّ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَنَاهٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ عِنْدَنَا هُوَ الْمَوْجُودَاتُ وَالْمَوْجُودَاتُ مُتَنَاهِيَةٌ فِي الْعَدَدِ وَهَذِهِ الْآيَةُ أَحَدُ مَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَوْ كَانَ شَيْئًا لَكَانَتْ الْأَشْيَاءُ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ وَقَوْلُهُ {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] يَقْتَضِي كَوْنَ تِلْكَ الْمَحْصِيَّاتِ مُتَنَاهِيَةً فَيَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ كَوْنِهَا مُتَنَاهِيَةً وَغَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، وَذَلِكَ مُحَالٌ يُوجِبُ الْقَطْعَ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَنْدَفِعَ التَّنَاقُضُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَحِينَئِذٍ فَلْيُنْظَرْ مَا مَوْقِعُ كَلَامِ الشَّيْخِ الشَّارِحِ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ وَمَعْنَى إلَخْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ دَفْعَ اعْتِرَاضٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ عَنْ الْإِحْصَاءِ بِالْأَعْدَادِ بِأَنْ يُقَالَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ عَدَدَ الْأَشْيَاءِ وَمِنْهَا النِّعَمُ فَكَانَ اللَّائِقُ فِي دَفْعِهِ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَلَا يَرِدُ قَوْلُهُ وَأَحْصَى إلَخْ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْجُودَاتِ، وَالْمُرَادُ هُنَا بِالنِّعَمِ أَعَمُّ.
وَأَمَّا مُجَرَّدُ مَا ذَكَرَهُ فَلَا يَتَّجِهُ مِنْهُ الدَّفْعُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَنِعَمُهُ تَعَالَى
وَهُوَ كَالرُّشْدِ ضِدَّ الْغَيِّ وَمِنْ أَعْظَمِ طُرُقِهِ وَأَفْضَلِهَا التَّفَقُّهُ فَلِذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ (الْمُوَفِّقِ) أَيْ الْمُقَدِّرِ وَهُوَ جَرْيٌ عَلَى مَنْ يُجِيزُ غَيْرَ التَّوْقِيفِيَّةِ إذَا لَوْ يُوهِمُ نَقْصًا
(لِلتَّفَقُّهِ) أَيْ التَّفَهُّمِ وَأَخْذِ الْفِقْهِ تَدْرِيجًا وَهُوَ أَعْنِي الْفِقْهَ لُغَةً الْفَهْمُ مِنْ فَقِهَ بِكَسْرِ عَيْنِهِ فَإِنْ صَارَ الْفِقْهُ سَجِيَّةً لَهُ قِيلَ فَقُهَ بِضَمِّهَا، وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ النَّاشِئَةِ عَنْ الِاجْتِهَادِ وَمَوْضُوعُهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ تَعَاوُرُ تِلْكَ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ وَاسْتِمْدَادُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالِاسْتِصْحَابِ وَمَسَائِلِهِ كُلُّ مَطْلُوبٍ خَبَرِيٌّ يُبَرْهَنُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَفَائِدَتُهُ امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي وَغَايَتُهُ انْتِظَامُ أَمْرِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ مَعَ الْفَوْزِ بِكُلِّ خَيْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ (فِي الدِّينِ) وَهُوَ عُرْفًا وَضْعٌ إلَهِيٌّ
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الْإِطْنَابِ وَلَا يُعَابُ فِيهِ بِتَكَرُّرِ نَحْوِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ (قَوْلُهُ كَالرُّشْدِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ بِفَتْحِهِمَا نِهَايَةٌ وَمُغْنِي.
(قَوْلُهُ ضِدُّ الْغَيِّ) وَهُوَ الْهُدَى وَالِاسْتِقَامَةُ وَهِدَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى تَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا لَا يُحْصِيهَا عَدٌّ لَكِنَّهَا تَنْحَصِرُ فِي أَجْنَاسٍ مُتَرَتِّبَةٍ الْأَوَّلُ إفَاضَةُ الْقُوَى الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ الِاهْتِدَاءِ إلَى مَصَالِحِهِ كَالْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ وَالثَّانِي نَصْبُ الدَّلَائِلِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ، وَالثَّالِثُ الْهِدَايَةُ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يَكْشِفَ عَلَى قُلُوبِهِمْ السَّرَائِرَ وَيُرِيَهُمْ الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ بِالْوَحْيِ أَوْ الْإِلْهَامِ أَوْ الْمَنَامَاتِ الصَّادِقَةِ وَهَذَا قِسْمٌ يَخْتَصُّ بِنَيْلِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ نِهَايَةٌ قَالَ الرَّشِيدِيُّ لَا يَظْهَرُ تَرَتُّبُ الرَّابِعِ عَلَى مَا قُبَيْلَهُ؛ لِأَنَّهُ قِسْمٌ بِرَأْسِهِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ تَرَتُّبُهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّ قَوْلَهُ مُتَرَتِّبَةً أَيْ فِي الْجُمْلَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَعْقَبَهُ) كَذَا فِي النُّسْخَةِ الْمُقَابِلَةِ عَلَى أَصْلِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِرَارًا مِنْ التَّعْقِيبِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَعْقَبَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَلَعَلَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النَّاسِخِ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُقَدَّرُ) مِنْ الْأَقْدَارِ بِمَعْنَى خَلْقِ الْقُدْرَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ إطْلَاقُ الْمُوَفِّقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ إلَخْ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ تُوهِمْ) أَيْ الصِّفَةُ الْغَيْرُ التَّوْقِيفِيَّةِ
(قَوْلُهُ وَأَخْذِ الْفِقْهِ إلَخْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِلتَّفَهُّمِ إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّفَقُّهَ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى مُطْلَقِ التَّفَهُّمِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا التَّفَهُّمُ الْمُتَعَلِّقُ بِخُصُوصِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى الْمُوَفِّقَ لِتَحْصِيلِ عِلْمِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كُرْدِيٌّ بِزِيَادَةِ إيضَاحٍ أَيْ فَيَنْدَفِعُ بِهِ مَا لسم هُنَا (قَوْلُهُ وَهُوَ) إلَى قَوْلِهِ وَاسْتِمْدَادُهُ فِي النِّهَايَةِ وَإِلَى الْمَتْنِ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ مِنْ فِقْهٍ إلَى وَاصْطِلَاحًا وَقَوْلُهُ وَمَسَائِلُهُ إلَى وَغَايَتِهِ (قَوْلُهُ بِكَسْرِ عَيْنِهِ) كَفَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحًا نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ قِيلَ فَقُهَ بِضَمِّهَا) وَإِذَا سَبَقَ غَيْرَهُ إلَى الْفَهْمِ يُقَالُ فَقَهَ بِالْفَتْحِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ إلَخْ) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَامِلٌ لِعِلْمِ الْمُقَلِّدِ بِالْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِقْهًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْأُصُولِ فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ النَّاشِئِ لِيَكُونَ صِفَةً لِلْعِلْمِ بَدَلَ النَّاشِئَةِ الْوَاقِعِ صِفَةَ الْأَحْكَامِ خَرَجَ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يُطْلِقُونَ الْفِقْهَ عَلَى مَا يَشْمَلُ عِلْمَ الْمُقَلَّدِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم وَأَبْدَلَ النِّهَايَةُ وَالْمُغْنِي عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ النَّاشِئَةِ إلَخْ بِالْمُكْتَسَبِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ اهـ.
وَلَك أَنْ تُجِيبَ عَنْ الشَّارِحِ بِمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ مِنْ أَنْ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ مُشْعِرٌ بِعَلِيَّةِ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ مِنْ حَيْثُ نَشْأَتُهَا عَنْ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ الْعَمَلِيَّةِ) أَيْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالنِّيَّةِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ مَا يَشْمَلُ عَمَلَ الْقَلْبِ ع ش (قَوْلُهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِقَوْلِهِ بَلْ وَنِيَّتِهِ وَاعْتِقَادِهِ سم (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ تَعَاوُرُ تِلْكَ الْأَحْكَامِ) أَيْ عُرُوضِهَا مُغْنِي قَوْلُ الْمَتْنِ (فِي الدِّينِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّفَقُّهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ التَّفَهُّمِ لَا كَمَا يَقْتَضِيهِ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ الْفِقْهَ مِنْ الدِّينِ سم أَيْ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمَحَلِّيُّ وَالْمُغْنِي عَلَى التَّفْسِيرِ بِالتَّفَهُّمِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) إلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا لَفْظَةَ عُرْفًا وَمَا أُنَبِّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَضْعٌ إلَهِيٌّ إلَخْ) عِبَارَةُ السَّيِّدِ فِي حَوَاشِي الْعَضُدِ.
وَأَمَّا الدِّينُ فَهُوَ وَضْعٌ إلَهِيٌّ سَائِقٌ
إلَخْ) إنْ كَانَ هَذَا التَّفْرِيعُ أَيْضًا عَلَى الْأَوَّلِ الشَّامِلِ لِمَا إذَا كَانَتْ النِّعْمَةُ غَيْرَ الْمُبْتَدَأَةِ بَلْ فِي مُقَابَلَةِ مَا يُوجِبُهَا فَالْمُرَادُ بِالْمُوجِبِ حِينَئِذٍ الْمُقْتَضِي بِقَضِيَّةِ الْفَضْلِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ إذْ لَا يَجِبُ إلَخْ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِالثَّانِي أَشْكَلَ الْأَوَّلُ حِينَئِذٍ حَيْثُ اقْتَضَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحْضِ الْفَضْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ شُمُولُ الْأَوَّلِ لِغَيْرِ الْمُبْتَدَأَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مُبْتَدَأَةٌ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ أَيْضًا
(قَوْلُهُ أَيْ التَّفَهُّمُ إلَخْ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ حَمْلُ التَّفَقُّهِ عَلَى مَعْنَى تَفَهُّمِ الْفِقْهِ فَلَا يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا إذْ لَا يُتَفَهَّمُ الْفَهْمُ وَلَا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ بَلْ نَفْسُ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ إلَخْ) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَامِلٌ لِعِلْمِ الْمُقَلِّدِ بِالْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِقْهًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْأُصُولِ فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ النَّاشِئِ لِيَكُونَ صِفَةً لِلْعِلْمِ بَدَلَ النَّاشِئَةِ الْوَاقِعِ صِفَةً لِلْأَحْكَامِ لَخَرَجَ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يُطْلِقُونَ الْفِقْهَ عَلَى مَا يَشْمَلُ عِلْمَ الْمُقَلِّدِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِقَوْلِهِ بَلْ وَنِيَّتُهُ وَاعْتِقَادُهُ (قَوْلُهُ فِي الدِّينِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّفَقُّهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مُجَرَّدُ التَّفَهُّمِ كَمَا يَقْتَضِيهِ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ لِأَنَّ الْفِقْهَ مِنْ الدِّينِ (قَوْلُهُ وَهُوَ عُرْفًا وَضْعٌ إلَخْ) عِبَارَةُ السَّيِّدِ فِي حَوَاشِي الْعَضُدِ وَأَمَّا الدِّينُ فَهُوَ وَضْعٌ إلَهِيٌّ سَائِقٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودِ إلَى الْخَيْرِ بِالذَّاتِ
سَائِقٌ لِذَوِي الْعُقُولِ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودِ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ بِالذَّاتِ، وَقَدْ يُفَسَّرُ بِمَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَيُسَاوِيهِ الْمِلَّةُ مَاصَدَقًا كَالشَّرِيعَةِ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا يُدَانُ أَيْ يُخْضَعُ لَهَا تُسَمَّى دِينًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا يُجْتَمَعُ عَلَيْهَا وَتُمْلَى أَحْكَامُهَا تُسَمَّى مِلَّةً وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُقْصَدُ لِإِنْقَاذِ النُّفُوسِ مِنْ مُهْلِكَاتِهَا تُسَمَّى شَرِيعَةً (مَنْ) مَفْعُولٌ أَوَّلُ لِلْمُوَفِّقِ الْمُتَعَدِّي لِلثَّانِي بِاللَّامِ (لَطَفَ بِهِ) أَيْ أَرَادَ لَهُ الْخَيْرَ وَسَهَّلَهُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَنَّ عَلَيْهِ بِفَهْمٍ تَامٍّ وَمُعَلِّمٍ نَاصِحٍ وَشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِالطَّلَبِ وَدَوَامِهِ (وَاخْتَارَهُ) أَيْ انْتَقَاهُ لِلُطْفِهِ وَتَوْفِيقِهِ (مِنْ الْعِبَادِ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمَنْ فَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَالْمَعْهُودُ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65] .
وَشَاهِدُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَيْ عَظِيمًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَيُلْهِمْهُ رُشْدَهُ» وَمَفْعُولًا ثَانِيًا لِاخْتَارَ فَأَلْ فِيهِ لِلْجِنْسِ وَالْعَبْدُ لُغَةً الْإِنْسَانُ وَاصْطِلَاحًا الْمُكَلَّفُ وَلَوْ مَلَكًا أَوْ جِنِّيًّا (أَحْمَدُهُ) أَيْ أَصِفُهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إذْ كُلٌّ مِنْهَا جَمِيلٌ وَرِعَايَةُ جَمِيعِهَا أَبْلَغُ فِي التَّعْظِيمِ وَمَعَ هَذَا التَّحْقِيقِ أَنَّ الْحَمْدَ الْأَوَّلَ أَبْلَغُ وَأَفْضَلُ وَمِنْ ثَمَّ قُدِّمَ
لِأُولِي الْأَلْبَابِ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودِ إلَى الْخَيْرِ بِالذَّاتِ، وَيَتَنَاوَلُ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ وَقَدْ يُخَصُّ بِالْفُرُوعِ وَالْإِسْلَامُ هُوَ هَذَا الدِّينُ الْمَنْسُوبُ إلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ انْتَهَتْ، وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي عَلَيْهَا لِبَعْضِهِمْ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إلَهِيٌّ عَنْ الْأَوْضَاعِ الْبَشَرِيَّةِ نَحْوِ الرُّسُومِ السِّيَاسِيَّةِ وَالتَّدْبِيرَاتِ الْمَعَاشِيَّةِ وَقَوْلُهُ سَائِقٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ احْتِرَازٌ عَنْ الْأَوْضَاعِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي يَهْتَدِي بِهَا الْحَيَوَانَاتُ لِخَصَائِصِ مَنَافِعِهَا وَمَضَارِّهَا، وَقَوْلُهُ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودِ عَنْ الْمَعَانِي الِاتِّفَاقِيَّةِ وَالْأَوْضَاعِ الْقَسْرِيَّةِ وَقَوْلُهُ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ بِالذَّاتِ عَنْ نَحْوِ صِنَاعَتَيْ الطِّبِّ وَالْفِلَاحَةِ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ تَعَلَّقَتَا بِالْوَضْعِ الْإِلَهِيِّ أَعْنِي تَأْثِيرَ الْأَجْسَامِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ وَكَانَتَا سَائِقَتَيْنِ لِأُولِي الْأَلْبَابِ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودِ إلَى صِنْفٍ مِنْ الْخَيْرِ فَلَيْسَتَا تُؤَدِّيَانِهِمْ إلَى الْخَيْرِ الْمُطْلَقِ الذَّاتِيِّ أَعَنَى مَا يَكُونُ خَبَرًا بِالْقِيَاسِ إلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ وَالْقُرْبُ إلَى خَالِقِ الْبَرِيَّةِ انْتَهَى اهـ.
سم (قَوْلُهُ وَقَدْ يُفَسَّرُ إلَخْ) فَالدِّينُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ شَرْعُ الْأَحْكَامِ وَبِالثَّانِي نَفْسُ الْأَحْكَامِ كُرْدِيٌّ وَفِيهِ تَوَقُّفٌ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ فِي الْأَوَّلِ بِمَعْنَى الْمَوْضُوعِ كَمَا نَبَّهُوا عَلَيْهِ بَلْ قَوْلُ النِّهَايَةِ وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهُوَ وَضْعٌ إلَخْ صَرِيحٌ فِي الِاتِّحَادِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا) أَيْ الْأَحْكَامَ الْمَشْرُوعَةَ (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُقْصَدُ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَمِنْ حَيْثُ إظْهَارُ الشَّارِعِ لَهَا شَرْعًا وَشَرِيعَةً اهـ أَيْ كَمَا أَنَّ الشَّرِيعَةَ مَشْرَعَةُ الْمَاءِ، وَهِيَ مَوْرِدُ الشَّارِبَةِ ع ش (قَوْلُهُ لِلثَّانِي) وَهُوَ لِلتَّفَقُّهِ سم وَكُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَسَهَّلَهُ عَلَيْهِ) قَدْ يَنْبَغِي تَرْكُهُ سم وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمُقَدَّرِ لِلتَّفَقُّهِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مَنَّ عَلَيْهِ) الْأَخْصَرُ الْأُولَى بِأَنَّ مَنْ إلَخْ (قَوْلُهُ بِفَهْمٍ تَامٍّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالتَّوْفِيقُ الْمُخْتَصُّ بِالْمُتَعَلِّمِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ شِدَّةُ الْعِنَايَةِ وَمُعَلَّمٌ ذُو نَصِيحَةٍ وَذَكَاءُ الْقَرِيحَةِ وَاسْتِوَاءُ الطَّبِيعَةِ أَيْ خُلُوُّهَا مِنْ الْمَيْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالتَّوْفِيقِ الْمَذْكُورِ تَيْسِيرُ الْأَسْبَابِ الْمُوَافِقَةِ لِلْمَقْصُودِ وَالْمُحَصِّلَةِ لَهُ ع ش (قَوْلُهُ لِلُطْفِهِ إلَخْ) أَيْ أَوْ لِلتَّفَقُّهِ سم (قَوْلُهُ وَشَاهِدُ ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ وَمَفْعُولًا إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ إمَّا تَأْخِيرُهُ عَنْ بَيَانِ الْإِعْرَابِ وَأَلْ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَوْ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُغْنِي حَيْثُ قَالَ عَقِبَ مِنْ الْعِبَادِ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» أَيْ وَيُلْهِمُهُ الْعَمَلَ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ فَأَلْ فِيهِ إلَخْ) أَيْ وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ سم (قَوْلُهُ لِلْجِنْسِ) أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ لِلْعَهْدِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ أَيْ أَصِفُهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ) لَمْ يُرِدْ الشَّارِحُ أَنَّ هَذَا مَدْلُولُ أَحْمَدُهُ إذْ الَّذِي يَدُلُّ هُوَ عَلَيْهِ أَصِفُهُ بِالْجَمِيلِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ مُقَدِّمَتَيْنِ خَارِجَتَيْنِ أَشَارَ إلَى أُولَاهُمَا بِقَوْلِهِ إذْ كُلٌّ مِنْهَا جَمِيلٌ وَإِلَى ثَانِيَتِهِمَا بِقَوْلِهِ وَرِعَايَةُ جَمِيعِهَا إلَخْ بُنَانِيٌّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ (قَوْلُهُ أَبْلَغُ فِي التَّعْظِيمِ) أَيْ الْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ إذْ الْمُرَادُ بِهِ إيجَادُ الْحَمْدِ لَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ سَيُوجَدُ نِهَايَةٌ وَشَرْحُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ (قَوْلُهُ التَّحْقِيقُ أَنَّ الْحَمْدَ الْأَوَّلَ أَبْلَغُ إلَخْ) خَالَفَ الشَّارِحُ الْمُحَقِّقَ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَبَيَّنَ أَنَّ الثَّانِيَ أَبْلَغُ، وَبَسَطْنَا فِي كِتَابِنَا الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ تَأْيِيدَهُ وَرَدَّ خِلَافِهِ، وَمَا اعْتَرَضُوا بِهِ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَمْتَرِي فِيهِ الْعَاقِلُ الْفَاضِلُ بَلْ يَتَحَقَّقُ لَهُ مِنْهُ أَنَّ زَعْمَ أَبْلَغِيَّةِ الْأَوَّلِ مَنْشَؤُهُ عَدَمُ إمْعَانِ التَّأَمُّلِ وَعَدَمُ فَهْمِ مَعْنَى الْحَمَدَيْنِ عَلَى وَجْهِهِ فَرَاجِعْهُ سم وَكَذَا وَافَقَ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي لِلشَّارِحِ الْمُحَقِّقِ عِبَارَتَهُمَا
وَيَتَنَاوَلُ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ وَقَدْ يَخُصُّ بِالْفُرُوعِ وَالْإِسْلَامُ هُوَ هَذَا الدِّينُ الْمَنْسُوبُ إلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي عَلَيْهَا لِبَعْضِهِمْ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إلَهِيٌّ عَنْ الْأَوْضَاعِ الْبَشَرِيَّةِ نَحْوُ الرُّسُومِ السِّيَاسِيَّةِ وَالتَّدْبِيرَاتِ الْمَعَاشِيَّةِ، وَقَوْلُهُ سَائِقٍ لِذَوِي الْأَلْبَابِ احْتِرَازٌ عَنْ الْأَوْضَاعِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي يَهْتَدِي بِهَا الْحَيَوَانَاتُ لِخَصَائِصِ مَنَافِعِهَا وَمَضَارِّهَا وَقَوْلُهُ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودِ عَنْ الْمَعَانِي الِاتِّفَاقِيَّةِ وَالْأَوْضَاعِ الْقَسْرِيَّةِ وَقَوْلُهُ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ بِالذَّاتِ عَنْ نَحْوِ صِنَاعَتَيْ الطِّبِّ وَالْفِلَاحَةِ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ تَعَلَّقَتَا بِالْوَضْعِ الْإِلَهِيِّ أَعْنِي تَأْثِيرَ الْأَجْسَامِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ وَكَانَتَا سَائِقَتَيْنِ لِأُولِي الْأَلْبَابِ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودِ إلَى صِنْفٍ مِنْ الْخَيْرِ فَلَيْسَتَا تُؤَدِّيَانِهِمْ إلَى الْخَيْرِ الْمُطْلَقِ الذَّاتِيِّ أَعْنِي مَا يَكُونُ خَيْرًا بِالْقِيَاسِ إلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ وَالْقُرْبُ إلَى خَالِقِ الْبَرِّيَّةِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ الْمُتَعَدِّي لِلثَّانِي) أَعْنِي التَّفَقُّهَ (قَوْلُهُ وَسَهَّلَهُ) قَدْ يَنْبَغِي تَرْكُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ انْتِفَاءُ لِلُطْفِهِ) أَيْ أَوْ لِلتَّفَقُّهِ (قَوْلُهُ فَأَلْ فِيهِ لِلْجِنْسِ) أَيْ وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ (قَوْلُهُ التَّحْقِيقُ أَنَّ الْحَمْدَ الْأَوَّلَ أَبْلَغُ إلَخْ) خَالَفَهُ الشَّارِحُ الْمُحَقِّقُ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَبَيَّنَ أَنَّ الثَّانِيَ أَبْلَغُ وَبَسَطْنَا
بَلْ أَخَذَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ إيثَارِ الْقُرْآنِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] بِالِابْتِدَاءِ بِهِ أَنَّهُ أَبْلَغُ صِيَغِ الْحَمْدِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأَسِّيًا بِحَدِيثِ «إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ» وَلِيَجْمَعَ بَيْنَ مَا يَدُلُّ عَلَى دَوَامِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَعَلَى تَجَدُّدِهِ وَحُدُوثِهِ وَهُوَ الثَّانِي (أَبْلَغَ حَمْدٍ) أَيْ أَنْهَاهُ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ لَا التَّفْصِيلُ لِعَجْزِ الْخَلْقِ عَنْهُ حَتَّى الرُّسُلِ حَتَّى أَكْمَلَهُمْ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» (وَأَكْمَلَهُ) أَيْ أَتَمَّهُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ إطْنَابٌ فَقَطْ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ وَبِأَنَّ التَّمَامَ غَيْرُ الْكَمَالِ كَمَا يُومِئُ إلَيْهِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] فَالْإِتْمَامُ لِإِزَالَةِ نَقْصِ الْأَصْلِ وَالْإِكْمَالُ لِإِزَالَةِ نَقْصِ الْعَوَارِضِ مَعَ تَمَامِ الْأَصْلِ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] لِأَنَّ التَّمَامَ فِي الْعَدَدِ قَدْ عُلِمَ وَإِنَّمَا بَقِيَ احْتِمَالُ نَقْصِ بَعْضِ صِفَاتِهِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْحِسِّيَّةِ لَا الِاعْتِبَارِيَّةِ كَمَاهِيَّةِ الْحَمْدِ وَبِأَنَّ الْإِكْمَالَ فِي الْآيَةِ لِلدِّينِ وَالْإِتْمَامُ لِلنِّعْمَةِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا ذَلِكَ الْإِكْمَالُ وَالنَّصْرُ الْعَامُّ عَلَى كُلِّ مُنَافِقٍ وَمُعَانِدٍ فَلَمْ يَتَعَاوَرَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَاتَّجَهَ أَنَّهُمَا فِيهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ
وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ حَمْدِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَمْدٌ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ بِرِعَايَةِ الْأَبْلَغِيَّةِ وَذَاكَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا وَهِيَ الْمَالِكِيَّةُ أَيْ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ وَإِنْ لَمْ تُرَاعَ الْأَبْلَغِيَّةُ بِأَنْ يُرَادَ الثَّنَاءُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ فَذَاكَ الْبَعْضُ أَعَمُّ مِنْ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ لِصِدْقِهِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا الْكَثِيرِ فَالثَّنَاءُ بِهَا أَبْلَغُ فِي الْجُمْلَةِ أَيْضًا نَعَمْ الثَّنَاءُ بِالْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهُ أَيْ تَعْيِينُهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ هَذَا. اهـ.
وَزَادَ الثَّانِي فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ أَبْلَغَ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ اُفْتُتِحَ بِهِ الْكِتَابُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْدَ فِيهِ لِمَقَامِ التَّعْلِيمِ وَالتَّعْيِينُ لَهُ أَوْلَى اهـ.
(قَوْلُهُ بَلْ أَخَذَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ) مَرْجُوًّا بِهِ عَنْ الْمُغْنِي آنِفًا (قَوْلُهُ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْحَمْدِ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَالْحَمْدِ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي فَقَوْلُهُ نَاسِيًا إلَخْ عِلَّةٌ لِكُلٍّ مِنْ الدَّعْوَيَيْنِ وَلِذَا قَدَّمَهُ (قَوْلُهُ وَلِيَجْمَعَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْأُولَى فَقَطْ (قَوْلُهُ وَحُدُوثُهُ) مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ وَلَوْ عُكِسَ الْعَطْفُ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ الْمَتْنُ أَبْلَغُ حَمْدٍ) يَنْبَغِي أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَإِلَّا فَإِنْ أَرَادَ أَبْلَغَ الْحَمْدِ مُطْلَقًا فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ إذْ حَمْدُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ خُصُوصًا حَمْدُ سَيِّدِهِمْ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَبْلَغُ مِنْ حَمْدِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ مِنْ إجْمَالَاتِ الْحَمْدِ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ أَرَادَ حَمْدًا مَا أَبْلَغَ مِنْ حَمْدٍ مَا فَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ أَمْرٍ فَتَأَمَّلْهُ سم.
(قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالِ عِبَارَةِ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ عُمُومُ الْحَمْدِ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ النِّعَمُ لَا يُتَصَوَّرُ حَصْرُهَا كَمَا مَرَّ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُنْسَبَ عُمُومُ الْمَحَامِدِ إلَيْهِ تَعَالَى عَلَى جِهَةِ الْإِجْمَالِ بِأَنْ يَعْتَرِفَ مَثَلًا بِاشْتِمَالِهِ عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ الْجَلَّالِيَّةِ وَالْجَمَالِيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ حَدُّ الْحَمْدِ الْمَذْكُورِ اهـ قَالَ الرَّشِيدِيُّ وَمَعَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ ادِّعَاءِ إرَادَةِ الْمُصَنِّفِ الْمُبَالَغَةَ؛ لِأَنَّ حَمْدَهُ وَلَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ دُونَ حَمْدِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَوْ إجْمَالِيًّا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ قَاسِمٍ اهـ.
(قَوْلُهُ وَرُدَّ) أَيْ تَفْسِيرُ الْكَمَالِ بِالتَّمَامِ سم (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ إطْنَابٌ فَقَطْ) يَعْنِي أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَأَكْمَلُهُ مُجَرَّدُ إطْنَابٍ فَالْمُرَادُ بِهِ عَيْنُ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ أَبْلَغُ حَمْدٍ وَتَفْسِيرُ الْكَمَال بِالتَّمَامِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَعَدَمَ الْإِطْنَابِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ أَيْ قَوْلِهِ وَأَزْكَاهُ وَأَشْمَلُهُ وَقَالَ الْكُرْدِيُّ قَوْلُهُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ إطْنَابٌ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ وَنَحْوِهَا شَائِعٌ فِي الْخُطَبِ اهـ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى ضِدِّ مَا قُلْته وَيَرُدُّهُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَبِأَنَّ التَّمَامَ إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْمَرَامِ.
(قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ (قَوْلُهُ قَدْ عُلِمَ) أَيْ مِنْ لَفْظَةِ عَشْرَةٍ (قَوْلُهُ وَيُرَدُّ) أَيْ الرَّدُّ الثَّانِي (قَوْلُهُ بِأَنَّ هَذَا) أَيْ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ (قَوْلُهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْحِسِّيَّةِ إلَخْ) قَالَ سم لَك مَنْعُ هَذَا الْحَصْرِ، ثُمَّ أَطَالَ فِي رَدِّ كَلَامِ الشَّارِحِ وَجَعَلَهُ مَاهِيَّةَ الْحَمْدِ اعْتِبَارِيَّةً رَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَمُعَانِدٍ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لَمِنَّا وَكُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُتَعَاوَرَا) أَيْ لَمْ يُتَوَارَدَا الْإِكْمَالَ وَالْإِتْمَامَ فِي الْآيَةِ قَالَ سم هَذَا قَدْ لَا يَمْنَعُ مَا ذُكِرَ اهـ.
وَأَقُولُ إنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ رَدُّ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ لِمَا ذُكِرَ لَا مَنْعُهُ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ فِي
فِي كِتَابِنَا الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ تَأْيِيدُهُ وَرَدُّ خِلَافِهِ وَمَا اعْتَرَضُوا بِهِ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَمْتَرِي فِيهِ الْعَاقِلُ الْفَاضِلُ بَلْ يَتَحَقَّقُ لَهُ مِنْهُ أَنَّ زَعْمَ أَبْلَغِيَّةِ الْأَوَّلِ مُنْشَؤُهُ عَدَمُ إمْعَانِ التَّأَمُّلِ وَعَدَمُ فَهْمِ مَعْنَى الْحَمَدَيْنِ عَلَى وَجْهِهِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ أَبْلَغُ حَمْدٍ) يَنْبَغِي أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَإِلَّا فَإِنْ أَرَادَ أَبْلَغَ الْحَمْدِ مُطْلَقًا فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ إذْ حَمْدُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ خُصُوصًا حَمْدُ سَيِّدِهِمْ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِمْ أَبْلَغُ مِنْ حَمْدِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ مِنْ إجْمَالَاتِ الْحَمْدِ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ أَرَادَ حَمْدًا مَا فَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرًا مَرَّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَرُدَّ) أَيْ تَفْسِيرُ الْكَمَالِ بِالتَّمَامِ (قَوْلُهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْحِسِّيَّةِ) لَك مَنْعُ هَذَا الْحَصْرِ ثُمَّ إنْ أَرَادَ بِحِسِّيَّةِ الْمَاهِيَّاتِ حِسِّيَّتَهَا فِي نَفْسِهَا فَلَا شَيْءَ مِنْهَا بِحِسِّيٍّ؛ لِأَنَّهَا كُلِّيَّاتٌ وَالْكُلِّيَّاتُ لَا تُحَسُّ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ حِسِّيَّتَهَا بِحِسِّيَّةِ أَفْرَادِهَا الْمَوْجُودَةِ هِيَ فِيهَا فِي الْخَارِجِ فَمَاهِيَّةُ الْحَمْدِ كَذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ أَفْرَادًا فِي الْخَارِجِ فَإِنْ كَانَتْ أَقْوَالًا فَهِيَ مَحْسُوسَةٌ بِالسَّمْعِ أَوْ أَفْعَالًا فَبِالْبَصَرِ، وَأَيْضًا إنْ أَرَادَ بِالِاعْتِبَارِيِّ الِاصْطِلَاحِيَّ فَالِاصْطِلَاحِيُّ لَا يُنَافِي الْمَحْسُوسَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَالَهُ تَحَقُّقٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اعْتِبَارِ مُعْتَبَرٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ أَوْ مَا يَكُونُ تَحَقُّقُهُ بِاعْتِبَارِنَا وَلَوْ قَطَعَ النَّظَرَ عَنْ اعْتِبَارِنَا لَا يَكُونُ لَهُ تَحَقُّقٌ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَاهِيَّةَ الْحَمْدِ كَذَلِكَ أَمَّا عَلَى الثَّانِي فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِتَحَقُّقِهَا فِي الْخَارِجِ بِتَحَقُّقِ أَفْرَادِهَا (قَوْلُهُ فَلَمْ يُتَعَاوَرَا) هَذَا قَدْ لَا يَمْنَعُ مَا ذُكِرَ وَقَوْلُهُ فَاتَّجَهَ أَنَّهُمَا فِيهِ كَانَ
وَبِأَنَّ التَّمَامَ يُشْعِرُ بِسَبْقِ نَقْصٍ بِخِلَافِ الْكَمَالِ، وَيُرَدُّ بِفَرْضِ تَسْلِيمِهِ بِنَحْوِ مَا قَبْلَهُ (وَأَزْكَاهُ) أَنَمَاهُ (وَأَشْمَلَهُ) أَعَمَّهُ
(وَأَشْهَدُ) أَعْلَمُ أُتِيَ بِهِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» أَيْ الْقَلِيلَةِ الْبَرَكَةِ (أَنْ لَا إلَهَ) أَيْ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ (إلَّا اللَّهُ) وَفِي نُسْخَةٍ زِيَادَةُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَوَحْدَهُ تَأْكِيدٌ لِتَوْحِيدِ الذَّاتِ وَمَا بَعْدَهُ تَأْكِيدٌ لِتَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ رَدًّا عَلَى نَحْوِ الْمُعْتَزِلَةِ (الْوَاحِدُ) فِي ذَاتِهِ فَلَا تَعَدُّدَ لَهُ بِوَجْهٍ وَصِفَاتِهِ فَلَا نَظِيرَ لَهُ بِوَجْهٍ وَأَفْعَالِهِ فَلَا شَرِيكَ لَهُ بِوَجْهٍ وَلَمَّا نَظَرَ إلَى حَقَائِقِهَا وَمَا يَلِيقُ بِهَا حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا كَانَ أَيْ كُلُّ كَائِنٍ إلَى الْأَبَدِ مَتَى دَخَلَ فِي حَيِّزٍ كَانَ لَا أَبْدَعَ
قَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ} [المائدة: 3] إلَخْ وَقَالَ الْكُرْدِيُّ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمُتَعَاوِرِ أَيْ فِي الْمُتَعَاوِرِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْحَمْدِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، ثُمَّ رَأَيْت قَالَ سم قَوْلُهُ فَاتَّجَهَ أَنَّهُمَا فِيهِ كَانَ الْمُرَادُ فِي الْمَذْكُورِ مِنْ الْآيَةِ اهـ فَرَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى الْآيَةِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَبِأَنَّ التَّمَامَ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّهُ إطْنَابٌ إلَخْ (قَوْلُهُ وَيُرَدُّ بِفَرْضٍ إلَخْ) فِيهِ مَا فِيهِ سم (قَوْلُهُ بِنَحْوِ مَا قَبْلَهُ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا فِي الْمَاهِيَّاتِ الْحِسِّيَّةِ كُرْدِيٌّ
قَوْلُ الْمَتْنِ (وَأَشْهَدُ) قَالَ الشِّهَابُ الْأَشْبِيطِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْخُطْبَةِ مَعْنَاهَا هُنَا أَعْلَمُ ذَلِكَ بِقَلْبِي وَأُبَيِّنُهُ بِلِسَانِي قَاصِدًا بِهِ الْإِنْشَاءَ حَالَ تَلَفُّظِهِ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَذْكَارِ وَالتَّنْزِيهَاتِ انْتَهَى اهـ سم (قَوْلُهُ أُعْلِمُ) هَلْ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ كَمَا هُوَ مُنَاسِبٌ لِمَعْنَى الشَّهَادَةِ أَوَّلًا سم عَلَى حَجّ أَقُولُ قَضِيَّةُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الشِّهَابِ الْأَشْبِيطِيِّ ضَبْطُهُ بِالضَّمِّ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَأُبَيِّنُهُ بِلِسَانِي إلَخْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَعْنَى الشَّهَادَةِ قَبْلَهُ، وَتَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ ع ش عِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ هُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْأَذَانِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَمَا هُنَا بِأَنَّ الْأَذَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ اهـ قَوْلُ الشِّهَابِ الْأَشْبِيطِيِّ الْمَارُّ بِقَلْبِي صَرِيحٌ فِي الْفَتْحِ وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُ الْبُجَيْرِمِيِّ أَيْ أَعْلَمُ وَأُذْعِنُ فَلَا يَكْفِي الْعِلْمُ مِنْ غَيْرِ إذْعَانٍ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْقَلْبِ حَقِيقَةَ مَا عَلِمَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ) أَيْ فِي الْوُجُودِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَوْلُ الْمَتْنِ (إلَّا اللَّهُ) أَيْ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ»
وَفِي الْبُخَارِيِّ قِيلَ لِوَهْبٍ أَلَيْسَ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إلَّا وَلَهُ أَسْنَانٌ فَإِنْ جِئْت بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَك أَيْ مَعَ السَّابِقِينَ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ وَذُكِرَ لِابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُ وَهْبٍ فَقَالَ صَدَقَ وَأَنَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ الْأَسْنَانِ مَا هِيَ فَذَكَرَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ مُغْنِي (قَوْلُهُ تَأْكِيدٌ لِتَوْحِيدِ الذَّاتِ) قَدْ يُقَالُ تَأْكِيدٌ لِاخْتِصَاصِ الْأُلُوهِيَّةِ بِاَللَّهِ الَّذِي أَفَادَهُ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ سم (قَوْلُهُ لِتَوْحِيدِ الذَّاتِ) أَيْ وَالصِّفَاتِ (قَوْلُهُ وَمَا بَعْدَهُ) أَيْ قَوْلُهُ لَا شَرِيكَ لَهُ (قَوْلُهُ عَلَى نَحْوِ الْمُعْتَزِلَةِ) أَيْ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَشَاعِرَةِ لَوْ صَحَّ مِنْ أَنَّهَا بِالْقُدْرَتَيْنِ أَيْ قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَقُدْرَةِ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ فَلَا تَعَدُّدَ لَهُ بِوَجْهٍ) أَيْ لَا تَعَدُّدَ اتِّصَالِ بَابٍ يَتَرَكَّبُ مِنْ أَجْزَاءٍ وَلَا تَعَدُّدَ انْفِصَالٌ بِأَنْ يَكُونَ إلَهٌ آخَرُ (قَوْلُهُ فَلَا شَرِيكَ لَهُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَحْدَةَ الشَّامِلَةَ لِوَحْدَةِ الذَّاتِ وَوَحْدَةِ الصِّفَاتِ وَوَحْدَةِ الْأَفْعَالِ تَنْفِي كُمُومًا خَمْسَةً الْكُمَّ الْمُتَّصِلَ فِي الذَّاتِ، وَهُوَ تَرَكُّبُهَا مِنْ أَجْزَاءِ وَالْكُمَّ الْمُنْفَصِلَ فِيهَا وَهُوَ تَعَدُّدُهَا بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ لَهُ ثَانٍ فَأَكْثَرُ وَهَذَانِ مَنْفِيَّانِ بِوَحْدَةِ الذَّاتِ وَالْكَمُّ الْمُتَّصِلُ فِي الصِّفَاتِ وَهُوَ تَعَدُّدُهَا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ صِفَتَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَقُدْرَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَالْكَمُّ الْمُنْفَصِلُ فِيهَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ تَعَالَى صِفَةٌ تُشْبِهُ صِفَتَهُ تَعَالَى كَأَنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ قُدْرَةٌ يُوجِدُ بِهَا وَيُعْدِمُ كَقُدْرَتِهِ تَعَالَى وَهَذَانِ مَنْفِيَّانِ بِوَحْدَةِ الصِّفَاتِ.
وَالْخَامِسُ الْكَمُّ الْمُنْفَصِلُ فِي الْأَفْعَالِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَادِ وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِوَحْدَةِ الْأَفْعَالِ أَيْ وَإِنْ كَانَ نَفْيُهُ لَازِمًا مِنْ وَحْدَةِ الصِّفَاتِ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ الْجَوْهَرَةِ وَفِي تَصْوِيرِهِ الْكَمَّ الْمُتَّصِلَ فِي الصِّفَاتِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَى حَقَائِقِهَا) أَيْ حَقَائِقِ ذَاتِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّظَرِ فِيهَا عِلْمُهَا بِكُنْهِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْأَفْعَالِ فَقَطْ (قَوْلُهُ مِمَّا كَانَ) أَيْ مِمَّا أَوْجَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ (قَوْلُهُ فِي حَيِّزِ كَانَ) أَيْ
الْمُرَادُ فِي الْمَذْكُورِ مِنْ الْآيَةِ وَقَوْلُهُ وَيُرَدُّ بِفَرْضٍ إلَخْ فِيهِ مَا فِيهِ
(قَوْلُهُ وَأَشْهَدُ) قَالَ الشِّهَابُ الْأَشْبِيطِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْخُطْبَةِ مَعْنَاهَا هُنَا أُعْلَمُ ذَلِكَ بِقَلْبِي وَأُبَيِّنُهُ بِلِسَانِي قَاصِدًا بِهِ الْإِنْشَاءَ حَالَ تَلَفُّظِهِ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَذْكَارِ وَالتَّنْزِيهَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ أُعْلِمُ) هَلْ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ كَمَا هُوَ مُنَاسِبٌ لِمَعْنَى الشَّهَادَةِ أَوَّلًا (قَوْلُهُ تَأْكِيدٌ لِتَوْحِيدِ الذَّاتِ) قَدْ يُقَالُ بَلْ هُوَ تَأْكِيدٌ لِاخْتِصَاصِ الْأُلُوهِيَّةِ بِاَللَّهِ الَّذِي أَفَادَهُ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ (قَوْلُهُ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا كَانَ) صَرِيحٌ فِي إمْكَانِ غَيْرِ مَا كَانَ، وَإِلَّا لَقَالَ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ إلَّا مَا كَانَ وَإِمْكَانُ غَيْرِ مَا كَانَ مَعَ الْتِزَامِ أَنَّ مَا كَانَ هُوَ الْأَبْدَعَ يَسْتَلْزِمُ إمْكَانَ غَيْرِ الْأَبْدَعِ وَإِذَا كَانَ غَيْرُ الْأَبْدَعِ مُمْكِنًا فَمِنْ أَيْنَ أَنَّ مَا كَانَ هُوَ الْأَبْدَعَ بَلْ جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ هُوَ الْأَبْدَعَ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبْدَعِ مُمْكِنٌ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَيْرَ الْأَبْدَعِ إنْ كَانَ مُمْكِنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاقِعَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا فَمِنْ أَيْنَ أَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْأَبْدَعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا فَلَا يُقَالُ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا كَانَ بَلْ يُقَالُ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ إلَّا مَا كَانَ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ لَكِنَّ الْمُمْكِنَ بِالذَّاتِ قَدْ يَمْتَنِعُ بِالْغَيْرِ فَجَازَ أَنْ يَمْتَنِعَ
مِنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِلْمَ أَتْقَنَهُ وَالْإِرَادَةُ خَصَّصَتْهُ وَالْقُدْرَةُ أَبْرَزَتْهُ وَلَا نَقْصَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَكَانَ بُرُوزُهُ عَلَى أَبْدَعِ وَجْهٍ وَأَكْمَلِهِ وَلَمْ يَتَفَاوَتْ بِالنِّسْبَةِ لِبَارِئِهِ {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: 3] بَلْ لِذَوَاتِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْكَامِ فَاعْتِرَاضُهُ بِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ عَجْزُ الْمُحْدِثِ لِهَذَا الْعَالِمِ عَنْ إيجَادِ أَبْدَعَ مِنْهُ أَوْ بُخْلُهُ بِهِ أَوْ وُجُوبُ فِعْلِ الْأَصْلَحِ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ مُوجَبٌ بِالذَّاتِ هُوَ عَيْنُ الْحُمْقِ وَالْجَهْلِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ أَبْدَعُ مِنْهُ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ الْقُدْرَةُ بِإِعْدَامِهِ حَالَ وُجُودِهِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ فَلَمْ يُنَافِ ذَلِكَ صُلُوحَ الْقُدْرَةِ لِلطَّرَفَيْنِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ ثُمَّ الِاعْتِرَاضُ إنَّمَا يُتَوَهَّمُ حَيْثُ لَمْ تُجْعَلْ مَا مَصْدَرِيَّةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (الْغَفَّارُ) أَيْ السَّتَّارُ لِذُنُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِهَا وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْوَاحِدِ الْقَهْرُ آثَرَهُ عَلَى الْقَهَّارِ لِئَلَّا تَنْزَعِجَ الْقُلُوبُ مِنْ تَوَالِيهِمَا وَلِيَتِمَّ لَهُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الطِّبَاقِ الْمَعْنَوِيِّ لِإِشَارَةِ الْأَوَّلِ لِمَقَامِ الْخَوْفِ وَالثَّانِي لِضِدِّهِ.
(تَنْبِيهٌ) فَرَّقُوا بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْأَحَدِ وَأَصْلُهُ وَحِدَ
وُجِدَ (قَوْلُهُ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا كَانَ (قَوْلُهُ فَكَانَ بُرُوزُهُ إلَخْ) هَذَا التَّفْرِيعُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يُتْقِنُ إلَّا الْأَبْدَعَ وَالْإِرَادَةُ لَا تُخَصِّصُ إلَّا الْأَبْدَعَ وَالْقُدْرَةُ لَا تُبْرِزُ إلَّا الْأَبْدَعَ وَمَا ذَكَرَهُ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ سم (قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ إلَخْ) يَمْنَعُهُ مَا حَكَاهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ عَنْ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي جَوَابِهِ نَفْسَهُ عَنْ السُّؤَالِ عَنْهُ عَنْ كَلِمَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى إذَا فَعَلَ فَلَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَيْ فَضْلًا مِنْهُ وَمَنَالًا وُجُوبًا تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَ إلَّا نِهَايَةُ مَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ فَكُلُّ مَا قَضَاهُ وَيَقْضِيهِ مِنْ خَلْقِهِ بِعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى غَايَةِ الْحِكْمَةِ وَنِهَايَةِ الْإِتْقَانِ وَمَبْلَغُ جَوْدَةِ الصُّنْعِ اهـ.
ثُمَّ قَالَ الْجَلَالُ وَالْحَاصِلُ أَنَّا نَقُولُ كُلُّ مَوْجُودٍ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ إيجَادُهُ عَلَى عِدَّةِ أَوْجُهٍ أُخْرَى، وَأَنَّ الْقُدْرَةَ صَالِحَةٌ لِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي أَوْجَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَبْدَعَهَا لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِوَجْهِ الْحِكْمَةِ فِيهِ، وَإِيجَادُهُ وَلَا نَنْفِي أَنْ يُوجَدَ بَعْدَهُ ضِدُّهُ وَنَقُولُ أَنَّهُ إذَا أُوجِدَ ضِدُّهُ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي كَانَ ذَلِكَ الضِّدُّ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي أَبْدَعَ مِنْ الضِّدِّ الْأَوَّلِ فَكُلُّ مَوْجُودٍ أَبْدَعُ فِي وَقْتِهِ مِنْ خِلَافِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَاعْتِرَاضُهُ) أَيْ قَوْلُ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورُ وَلِجَلَالِ الدِّينِ السُّيُوطِيّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا بِتَشْيِيدِ الْأَرْكَانِ مِنْ لَا أَبْدَعَ فِي الْإِمْكَانِ مِمَّا كَانَ بَسَطَ فِيهَا بَيَانَ مَقْصِدِ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ وَحَقَّقَهُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَيَّدَهُ بِكَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيِّينَ، وَدَفَعَ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُورَدَةَ عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ عَدِيدَةٍ نَقْلِيَّةٍ وَعَقْلِيَّةٍ رَاجِعْهَا (قَوْلُهُ عَنْ إيجَادِ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ بُخْلِهِ بِهِ) أَيْ إنْ اقْتَدَرَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ وُجُوبِ فِعْلِ الْأَصْلَحِ) أَيْ كَمَا يَقُولُ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ (قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُ مُوجِبٌ إلَخْ) أَيْ كَمَا يَقُولُ بِهِ الْفَلَاسِفَةُ وَرَدَّ سم دَعْوَى الِاسْتِلْزَامِ الْمَذْكُورِ بِمَا نَصُّهُ امْتِنَاعُ إيجَادِ أَبْدَعَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لَا أَبْدَعَ مِنْهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْعَجْزِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ اهـ.
(قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ إلَخْ) هَذِهِ الْعِلَاوَةُ فَرْعُ أَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْأَبْدَعُ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا سم وَقَدْ مَرَّ هُنَاكَ مَنْعُهُ (قَوْلُهُ حَالَ وُجُودِهِ) التَّقْيِيدُ بِهِ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْإِيرَادِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بَلْ لِلْمُورِدِ أَنْ يُعَبِّرَ هَكَذَا يُمْكِنُ أَبْدَعُ مِنْ الْمَوْجُودِ بِأَنْ يُعْدِمَهُ وَيُوجِدَ بَدَلَهُ أَبْدَعَ مِنْهُ أَوْ بِأَنْ يُوجِدَ الْإِبْدَاعَ ابْتِدَاءً فَلَا يَلْزَمُهُ مَا أَلْزَمَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ سم.
(قَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ تُجْعَلْ مَا مَصْدَرِيَّةً) يُتَأَمَّلُ الْمَعْنَى عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ سم أَقُولُ الْمُغْنِي عَلَيْهَا كَمَا فِي تَشْيِيدِ الْأَرْكَانِ عَنْ الزَّرْكَشِيّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِنْ وُجُودِ هَذَا الْعَالَمِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَحْصُلُ لِلْمُمْكِنِ مِنْ الْحَقِّ سِوَى الْوُجُودِ وَقَدْ حَصَلَ (قَوْلُهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) يَقْتَضِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُغْفَرُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي الزَّائِدَةِ عَلَى الْكُفْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ عَمِيرَةَ وَيُوَافِقُهُ تَصْرِيحُهُمْ فِي الْجَنَائِزِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ سبحانه وتعالى مَا عَدَا الشِّرْكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ الْوُقُوعُ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ ع ش (قَوْلُهُ فَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِهَا) عِبَارَةُ غَيْرِهِ فَلَا يُظْهِرُهَا بِالْعِقَابِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ مِنْ شَأْنِ الْوَاحِدِ إلَخْ) أَيْ فِي مِلْكِهِ مَحَلِّيٌّ (قَوْلُهُ آثَرَهُ) أَيْ الْغَفَّارَ وَقَوْلُهُ مِنْ تَوَالِيهِمَا أَيْ الْقَهَّارِ وَالْوَاحِدِ (قَوْلُهُ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ الْوَاحِدِ وَالْغَفَّارِ فَفِي تَعْبِيرِهِ تَشْتِيتٌ لِلضَّمَائِرِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ لِئَلَّا تَنْزَعِجَ إلَخْ) لَا يُقَالُ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا فِي التَّنْزِيلِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَقَامُ هُنَا مَقَامُ الْوَصْفِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ وَالْإِنْعَامِ فَكَانَ ذِكْرُ الْغَفَّارِ هُنَا أَنْسَبَ عَمِيرَةٌ (قَوْلُهُ مِنْ الطِّبَاقِ الْمَعْنَوِيِّ) وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ وَحْدٌ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَوْ وَحْدٌ بَدَلٌ مِنْ أَصْلِهِ بِالْجَرِّ عُطِفَ عَلَى الْوَاحِدِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ قَالَ الْكُرْدِيُّ وَوَحْدٌ بِمَعْنَى وَاحِدٍ اهـ.
وَفِي كُلِّيَّاتِ أَبِي الْبَقَاءِ مَا نَصُّهُ وَهَمْزَتُهُ أَيْ الْأَحَدِ إمَّا أَصْلِيَّةٌ وَإِمَّا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْوَاوِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ وَحْدٌ
وُقُوعُ غَيْرِ الْأَبْدَعِ لِتَرْجِيحِ وُقُوعِ الْأَبْدَعِ بِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ بِهِ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ فَكَانَ بُرُوزُهُ) هَذَا التَّفْرِيعُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَقْتَنُّ إلَّا الْأَبْدَعَ وَالْإِرَادَةُ لَا تُخَصِّصُ إلَّا الْأَبْدَعَ وَالْقُدْرَةُ لَا تُبْرِزُ إلَّا الْأَبْدَعَ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ انْتَهَى (قَوْلُهُ عَنْ إيجَادِ أَبْدَعَ مِنْهُ) امْتِنَاعُ إيجَادِ أَبْدَعَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لَا أَبْدَعَ مِنْهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْعَجْزِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ) هَذِهِ الْعِلَاوَةُ فَرْعٌ أَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْأَبْدَعُ وَلَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا (قَوْلُهُ حَالَ وُجُودِهِ) التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ حَالَ وُجُودِهِ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْإِيرَادِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بَلْ لِلْمَوْرِدِ أَنْ يُعَبِّرَ هَكَذَا يُمْكِنُ أَبْدَعُ مِنْ الْمَوْجُودِ بِأَنْ يُعْدِمَهُ وَيُوجِدَ بَدَلَهُ أَبْدَعَ مِنْهُ أَوْ بِأَنْ يُوجِدَ الْأَبْدَعَ ابْتِدَاءً فَلَا يَلْزَمُ مَا أَلْزَمَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ تُجْعَلْ مَا مَصْدَرِيَّةً) يُتَأَمَّلُ الْمَعْنَى عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ (قَوْلُهُ
بِأَنَّ أَحَدًا يَخْتَصُّ بِأُولِي الْعِلْمِ وَبِالنَّفْيِ إلَّا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَاحِدُ أَوْ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْآيَةِ وَوَصْفًا بِاَللَّهِ دُونَ وَاحِدٍ وَوَحْدٍ وَبِأَنَّ نَفْيَهُ نَفْيٌ لِلْمَاهِيَّةِ بِخِلَافٍ فِي الْوَاحِدِ إذْ لَا يَنْفِي الِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَبِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُؤَنَّثِ أَيْضًا نَحْوُ {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] وَالْمُفْرَدُ وَالْجَمْعُ نَحْوُ {مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 47] وَبِأَنَّ لَهُ جَمْعًا مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ الْأَحَدُونَ وَالْآحَادُ وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ بِتَرَادُفِهِمَا وَلَكِنَّ الْغَالِبَ اسْتِعْمَالُ أَحَدٍ بَعْدَ النَّفْيِ اخْتِيَارٌ لَهُ
(وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا) عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَعَّفِ سُمِّيَ بِهِ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْلَفْ قَبْلُ أَوْ أَنَّ ظُهُورَهُ بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إشَارَةً إلَى كَثْرَةِ خِصَالِهِ الْمَحْمُودَةِ وَرَجَاءَ أَنْ يَحْمَدَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا سِيَّمَا إنْ صَحَّ مَا نُقِلَ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ رَأَى سِلْسِلَةً بَيْضَاءَ خَرَجَتْ مِنْهُ أَضَاءَ لَهَا الْعَالَمُ فَأُوِّلَتْ بِوَلَدٍ يَخْرُجُ مِنْهُ يَكُونُ كَذَلِكَ (عَبْدُهُ) قُدِّمَ لِأَنَّ وَصْفَ الْعُبُودِيَّةِ أَشْرَفُ الْأَوْصَافِ وَمِنْ ثَمَّ ذُكِرَ فِي أَفْخَمِ مَقَامَاتِهِ {أَسْرَى بِعَبْدِهِ - نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1]{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ} [النجم: 10](وَرَسُولُهُ) لِكَافَّةِ الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ إجْمَاعًا مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَكْفُرُ مُنْكِرُهُ وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ كَمَا رَجَّحَهُ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ كَالسُّبْكِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَرَدُّوا عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَصَرِيحُ آيَةِ {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] إذْ الْعَالَمُ مَا سِوَى اللَّهِ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «وَأُرْسِلْت إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً» يُؤَيِّدُ ذَلِكَ بَلْ.
قَالَ الْبَارِزِيُّ أَنَّهُ أُرْسِلَ حَتَّى لِلْجَمَادَاتِ بَعْدَ جَعْلِهَا مُدْرِكَةً وَفَائِدَةُ الْإِرْسَالِ لِلْمَعْصُومِ وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ طَلَبُ إذْعَانِهِمَا لِشَرَفِهِ وَدُخُولُهُمَا تَحْتَ دَعْوَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ تَشْرِيفًا لَهُ عَلَى سَائِرِ الْمُرْسَلِينَ وَالرَّسُولُ مِنْ الْبَشَرِ ذَكَرٌ حُرٌّ أَكْمَلُ مُعَاصِرِيهِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ عَقْلًا وَفِطْنَةً وَقُوَّةَ رَأْيٍ
وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ يُرَادُ بِالْأَحَدِ مَا يَكُونُ وَاحِدًا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَلِأَنَّ الْأَحَدِيَّةَ هِيَ الْبَسَاطَةُ الصِّرْفَةُ عَنْ جَمِيعِ أَنْحَاءِ التَّعَدُّدِ عَدَدِيًّا أَوْ تَرْكِيبِيًّا أَوْ تَحْلِيلِيًّا فَاسْتُهْلِكَتْ الْكَثْرَةُ النِّسْبِيَّةُ الْوُجُودِيَّةُ فِي أَحَدِّيَّةِ الذَّاتِ.
وَلِهَذَا رَجَحَ عَلَى الْوَاحِدِ فِي مَقَامِ التَّنْزِيهِ لِأَنَّ الْوَاحِدِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ الْعَدَدِيِّ فَالْكَثْرَةُ الْعَيْنِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ مُنْتَفِيَةً فِي الْوَاحِدِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْكَثْرَةَ النِّسْبِيَّةَ مُتَعَقَّلٌ فِيهَا اهـ.
(قَوْلُهُ بِأَنَّ أَحَدٌ) كَأَنَّهُ عَلَى الْحِكَايَةِ عَلَى أَوَّلِ أَحْوَالِهِ بَصْرِيٌّ اهـ.
(قَوْلُهُ وَبِالنَّفْيِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْكُلِّيَّاتِ الْأَحَدُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ وَيَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ وَاسْمٍ لِمَنْ يَصْلُحُ أَنْ يُخَاطَبَ مَوْضُوعٌ لِلْعُمُومِ فِي النَّفْيِ مُخْتَصٌّ بِبَعْدِ نَفْيٍ مَحْضٍ نَحْوِ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] أَوْ نَهْيٍ نَحْوُ {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} [هود: 81] أَوْ اسْتِفْهَامٍ يُشْبِهُهُمَا نَحْوُ {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم: 98] وَلَا يَقَعُ فِي الْإِثْبَاتِ إلَّا بَعْدَ كُلٍّ وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ كَيَوْمِ الْأَحَدِ وَمِنْهُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَبِمَعْنَى الْوَاحِدِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَوَصْفًا) أَيْ وَيَخْتَصُّ وَصْفًا فَهُوَ حَالٌ سم عِبَارَةُ الْكُلِّيَّاتِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اسْتَأْثَرَ بِهَا فَلَا يَشْتَرِكُ فِيهَا شَيْءٌ اهـ.
(قَوْلُهُ إذْ لَا يَنْفِي) أَيْ نَفْيَ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ وَبِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْكُلِّيَّاتِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَحِينَ أُضِيفَ إلَيْهِ أَوْ أُعِيدَ إلَيْهِ ضَمِيرُ الْجَمْعِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ يُرَادُ بِهِ جَمْعٌ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي يَدُلُّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فَمَعْنَى {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] أَيْ بَيْنَ جَمْعٍ مِنْ الرُّسُلِ وَمَعْنَى {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} [الحاقة: 47] أَيْ مِنْ جَمَاعَةٍ وَمَعْنَى {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] أَيْ كَجَمَاعَةٍ مِنْ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ نَحْوُ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ إلَخْ) مِثَالٌ لِلْجَمْعِ (قَوْلُهُ بِتَرَادُفِهِمَا) أَيْ الْوَاحِدِ وَالْأَحَدِ (قَوْلُهُ اخْتِيَارٌ لَهُ) خَبَرٌ وَقَوْلُ إلَخْ وَالضَّمِيرُ لِأَبِي عُبَيْدٍ
(قَوْلُهُ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَعَّفِ) بِالْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ الْمُضَعَّفِ) أَيْ مُكَرَّرِ الْعَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ التَّضْعِيفِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَ الصَّرْفِيِّينَ وَهُوَ فِي الثُّلَاثِيِّ مَا كَانَتْ عَيْنُهُ وَلَامُهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَدَّ وَفِي الرُّبَاعِيِّ مَا كَانَتْ فَاؤُهُ وَلَامُهُ الْأُولَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَعَيْنُهُ وَلَامُهُ الثَّانِيَةُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَزَلْزَلَ ع ش (قَوْلُهُ سُمِّيَ بِهِ نَبِيُّنَا إلَخْ) وَلَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ بِمُحَمَّدٍ قَبْلَهُ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ لَمَّا قَرُبَ زَمَنُهُ صلى الله عليه وسلم وَنَشَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ نَعْتَهُ سَمَّى قَوْمٌ أَوْلَادَهُمْ بِهِ رَجَاءَ النُّبُوَّةِ لَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ وَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ بِإِلْهَامٍ) مُتَعَلِّقٌ بِسُمِّي (قَوْلُهُ إشَارَةً إلَخْ) مَفْعُولٌ لَهُ لِسُمِّي الْمُقَيَّدِ بِقَوْلِهِ بِإِلْهَامٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَرَجَاءٌ إلَخْ عُطِفَ عَلَيْهِ لَكِنْ بِدُونِ اعْتِبَارِ تَقَيُّدِ عَامِلِهِ أَيْ سُمِّيَ بِالْإِلْهَامِ فَتَأَمَّلْ عِبَارَةُ الْمُغْنِي سُمِّيَ بِهِ إلْهَامًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ يَكْثُرُ حَمْدُ الْخَلْقِ لَهُ لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْجَمِيلَةِ كَمَا رُوِيَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ قِيلَ لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَهَا لِمَ سَمَّيْت ابْنَك مُحَمَّدًا وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ آبَائِك وَلَا قَوْمِك قَالَ رَجَوْت أَنْ يُحْمَدَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفُ اسْمٍ وَلِنَبِيِّهِ كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ إنَّهُ رَأَى إلَخْ) أَيْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ (قَوْلُهُ مَعْلُومًا إلَخْ) الْأَوْلَى الْعَطْفُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ إلَخْ) خِلَافًا لِلنِّهَايَةِ عِبَارَتُهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ مِنْ النَّاسِ لِيَدْعُوَهُمْ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا أَوْضَحَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ اهـ وَيَأْتِي عَنْ الْمُغْنِي مَا يُشِيرُ إلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّارِحُ مِنْ بَعْثِهِ إلَى الْمَلَائِكَةِ (قَوْلُهُ إذْ الْعَالَمُ إلَخْ) عِلَّةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ وَصَرِيحُ إلَخْ) الْأَوْلَى وَظَاهِرُ آيَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى آيَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ يُؤَيِّدُ إلَخْ) خَبَرٌ وَصَرِيحُ إلَخْ (قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ بَعْثُهُ إلَى الْمَلَائِكَةِ (قَوْلُهُ بَلْ قَوْلُ الْبَارِزِيِّ إلَخْ) عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ عِبَارَتَهُ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ لِلْمُصَنِّفِ بَلْ أَخَذَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِعُمُومِهِ حَتَّى لِلْجَمَادَاتِ بِأَنْ رَكَّبَ فِيهَا عَقْلٌ حَتَّى آمَنَتْ بِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ الْإِرْسَالِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ فَإِنْ قُلْت تَكْلِيفُ الْمَلَائِكَةِ مِنْ أَصْلِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قُلْت الْحَقُّ تَكْلِيفُهُمْ بِالطَّاعَاتِ الْعَمَلِيَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] بِخِلَافِ نَحْوِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فِيهِمْ فَالتَّكْلِيفُ بِهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فَهُوَ مُحَالٌ اهـ.
(قَوْلُهُ مِنْ الْبَشَرِ) يُخْرِجُ الرَّسُولُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّ الْإِرْسَالَ مِنْهُمْ هُوَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
وَوَصْفًا) أَيْ وَيَخْتَصُّ وَصْفًا فَهُوَ حَالٌ
وَخَلْقًا بِالْفَتْحِ وَعُقْدَةُ مُوسَى أُزِيلَتْ بِدَعْوَتِهِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ كَمَا فِي الْآيَةِ مَعْصُومٌ وَلَوْ مِنْ صَغِيرَةٍ سَهْوًا قَبْلَ النُّبُوَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ سَلِيمٌ مِنْ دَنَاءَةِ أَبٍ وَخَنَى أُمٍّ وَإِنْ عَلِيًّا وَمِنْ مُنَفِّرٍ كَعَمًى وَبَرَصٍ وَجُذَامٍ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا نَحْوُ بَلَاءِ أَيُّوبَ وَعَمًى نَحْوِ يَعْقُوبَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ لِطُرُوِّهِ بَعْدَ الْأَنْبَاءِ وَالْكَلَامُ فِيمَا قَارَنَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا مُنَفِّرٌ بِخِلَافِهِ فِيمَنْ اسْتَقَرَّتْ نُبُوَّتُهُ وَمِنْ قِلَّةِ مُرُوءَةٍ كَأَكْلٍ بِطَرِيقٍ وَمِنْ دَنَاءَةِ صَنْعَةٍ كَحِجَامَةٍ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ وَلَا نَسْخٌ كَيُوشَعَ فَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ فَنَبِيٌّ فَحَسْبُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ إجْمَاعًا لِتَمَيُّزِهِ بِالرِّسَالَةِ الَّتِي هِيَ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ النُّبُوَّةِ فِيهِ وَزَعَمَ تَعَلُّقَهَا بِالْحَقِّ يَرُدُّهُ أَنَّ الرِّسَالَةَ فِيهَا ذَلِكَ مَعَ التَّعَلُّقِ بِالْخَلْقِ فَهُوَ زِيَادَةُ كَمَالٍ فِيهَا، وَصَحَّ خَبَرُ أَنَّ «عَدَدَ الْأَنْبِيَاءِ مِائَةٌ وَأَلْفٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا» وَخَبَرُ أَنَّ «عَدَدَ الرُّسُلِ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ» . وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى عَدِّهِمَا فَفِي سَنَدٍ لَهُ ضَعِيفٍ وَفِي آخَرَ مُخْتَلِطٌ لَكِنَّهُ انْجَبَرَ بِتَعَدُّدِهِ فَصَارَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ، وَمِمَّا يُقَوِّيهِ تَكَرُّرُ رِوَايَةِ أَحْمَدَ لَهُ فِي مُسْنَدِهِ وَقَدْ قَرَّرُوا أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الضَّعِيفِ فِي مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ وَبِمَا ذُكِرَ الصَّرِيحُ فِي تَغَايُرِ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ يَتَبَيَّنُ غَلَطُ مَنْ زَعَمَ اتِّحَادَهُمَا فِي اشْتِرَاطِ التَّبْلِيغِ وَاسْتِرْوَاحُ ابْنِ الْهُمَامِ مَعَ تَحْقِيقِهِ فِي نِسْبَتِهِ ذَلِكَ الْغَلَطَ لَلْمُحَقِّقِينَ
الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ السِّفَارَةِ رَشِيدِيٌّ عِبَارَةُ شَيْخِنَا وَمَعْنَى كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أَنَّهُمْ وَاسِطَةٌ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْخَلْقِ مِنْ الْبَشَرِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَخَلْقًا) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْكَلَامَ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ صَغِيرَةٍ سَهْوًا) مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ تَشْرِيعٌ.
وَأَمَّا السَّهْوُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَجَائِزٌ كَمَا وَقَعَ لَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِيَامِهِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ مُعْتَقِدًا التَّمَامَ بُنَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْغَايَاتِ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَخَنَى أُمٍّ) أَيْ بِالْقَصْرِ أَيْ فُحْشُهَا وَزِنَاهَا (قَوْلُهُ وَعَمَى) وَفِي كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} [هود: 91] مَا يُصَرِّحُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ فَقْدِ الْعَمَى وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي حَاشِيَتِهِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ نَحْوُ يَعْقُوبَ) كَشُعَيْبٍ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ) أَيْ عَمَى نَحْوِ يَعْقُوبَ (قَوْلُهُ لِطَرْدِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَلَاءِ وَالْعَمَى (قَوْلُهُ أَنَّ هَذَا) أَيْ الْمُقَارَنَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ) أَيْ الطَّارِئِ (قَوْلُهُ وَمِنْ قِلَّةٍ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مِنْ دَنَاءَةِ أَبٍ (قَوْلُهُ أُوحِيَ إلَيْهِ إلَخْ) نَعْتٌ خَامِسٌ لِذَكَرٍ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ إلَخْ) وَالْكَلَامُ فِي نُبُوَّةِ رَسُولٍ وَرِسَالَتِهِ وَإِلَّا فَالرَّسُولُ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ قَطْعًا وَالنُّبُوَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْوِلَايَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِنَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ تَعْلِيلَهُ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالنُّبُوَّةِ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفَ وَهُوَ الْإِيحَاءُ إلَى شَخْصٍ بِتَشْرِيعٍ خَاصٍّ بِهِ وَبِالرِّسَالَةِ الْإِيحَاءُ بِتَشْرِيعٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَوْ بِنَحْوِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّفَاسِيرِ الْمَشْهُورَةِ إذْ مِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ النُّبُوَّةَ بِكُلِّ هَذِهِ الْمَعَانِي لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْخَلْقِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهَا فِعْلُ مُكَلَّفٍ كَمَا أَنَّ الرِّسَالَةَ كَذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّةُ التَّعَلُّقِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَعَلُّقٌ بِالْحَقِّ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ صُدُورِهِمَا عَنْهُ، وَهَذَا الْبَيَانُ لَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى غَيْرِ مِثْلِهِ فَكَيْفَ بِهِ وَقَدْ شُرِّفَ بِالتَّلْقِيبِ بِسُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ مِنْ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ فَيَحُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالنُّبُوَّةِ بَاطِنَهَا الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْوِلَايَةِ وَهِيَ الْإِيحَاءُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، وَمَا يُلَائِمُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَسْرَارِ الْمَوْجُودَاتِ وَمَعْرِفَتِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَأَحْوَالِ النَّشْأَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ وَالْبَرْزَخِيَّةِ وَبِالرِّسَالَةِ ظَاهِرُ النُّبُوَّةِ الَّذِي هُوَ الْإِيحَاءُ بِالتَّشْرِيعِ الْخَاصِّ أَوْ الْعَامِّ إذْ الْأَوَّلُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَقِّ تَعَالَى وَالثَّانِي مُتَعَلِّقٌ بِالْخَلْقِ أَيْ بِتَكْمِيلِهِمْ لِيَتَهَيَّئُوا لِإِفَاضَةِ شَيْءٍ مَا مِنْ انْعِكَاسِ أَنْوَارِ بَاطِنِ النُّبُوَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ أَمَّا تَوْجِيهُ كَوْنِ الثَّانِي مُتَعَلِّقًا بِالْخَلْقِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا تَوْجِيهُ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ بِالْحَقِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا ذُكِرَ مَعَهَا فَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقَائِقِ الْمَوْجُودَاتِ وَاخْتِلَافِ النَّشَآتِ وَأَسْرَارِ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَأَكُّدِ التَّصْدِيقِ بِكَمَالِ الذَّاتِ وَاتِّصَافِهَا بِسَنِيِّ الصِّفَاتِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ مَا قَالَهُ بَعْضُ كُمَّلِ الْعَارِفِينَ مِنْ أَنَّ وِلَايَةَ النَّبِيِّ أَكْمَلُ مِنْ نُبُوَّتِهِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ وَزَعْمُ تَعَلُّقِهَا إلَخْ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ أَيْ وَزَعَمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَعَلُّقَ النُّبُوَّةِ بِالْحَقِّ وَتَعَلُّقَ الرِّسَالَةِ بِالْخَلْقِ (قَوْلُهُ فَهُوَ) أَيْ التَّعَلُّقُ بِالْخَلْقِ (قَوْلُهُ إنَّ عَدَدَ الرُّسُلِ ثَلَثُمِائَةٍ إلَخْ) .
(فَائِدَةٌ)
اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ مُحَمَّدٍ ثَلَثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَسُولًا فَقَالَ فِيهِ ثَلَاثُ مِيمَاتٍ وَإِذَا بَسَطْت كُلًّا مِنْهَا قُلْت فِيهِ م ي م وَعِدَّتُهَا بِحِسَابِ الْجُمَلِ الْكَبِيرِ تِسْعُونَ فَيَحْصُلُ مِنْهَا مِائَتَانِ وَسَبْعُونَ وَإِذَا بُسِطَتْ الْحَاءُ وَالدَّالُ قُلْت دَالٌ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ وَحَاءٌ بِتِسْعَةِ فَالْجُمْلَةُ مَا ذُكِرَ وَالِاسْمُ وَاحِدٌ فَتَمَّ عَدَدُ الرُّسُلِ كَمَا قِيلَ إنَّهُمْ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَأُولُوا الْعَزْمِ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ كَمَا قِيلَ فِيهِمْ
مُحَمَّدٌ إبْرَاهِيمُ مُوسَى كَلِيمُهُ
…
فَعِيسَى فَنُوحٌ هُمْ أُولُو الْعَزْمِ فَاعْلَمْ
مُغْنِي وَتَرْتِيبُهُمْ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ ع ش وَبُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ وَخَمْسَةَ عَشْرَ) أَوْ وَأَرْبَعَةَ عَشْرَ أَوْ وَثَلَاثَةَ عَشْرَ أَقْوَالُ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ إلَخْ) أَيْ الْوَاحِدُ (قَوْلُهُ ضَعِيفٌ) أَيْ رَاوٍ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ وَفِي آخَرَ) أَيْ سَنَدٍ آخَرَ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ انْجَبَرَ) أَيْ الْحَدِيثُ الْمُشْتَمِلُ إلَخْ (قَوْلُهُ بِتَعَدُّدِهِ) أَيْ السَّنَدِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْحَسَنُ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَنَّ مَا فِيهِ) أَيْ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (قَوْلُهُ تَبَيَّنَ غَلَطُ مَنْ زَعَمَ اتِّحَادَهُمَا وَهُمَا إلَخْ) أَقُولُ هَذَا الْقَوْلُ مَحْكِيٌّ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ عَلَى أَنَّهُ مَرْجُوحٌ لَا غَلَطٌ وَمِنْهَا النِّهَايَةُ وَفِي ع ش بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الشَّارِحِ مَا نَصُّهُ فَلْيُرَاجَعْ فَإِنَّ مُجَرَّدَ مَا عُلِّلَ بِهِ وَمِنْهُ وُرُودُ الْخَبَرِ بِعَدَدِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ لَا يَقْتَضِي التَّغْلِيطَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَاسْتِرْوَاحُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ غَلَطٌ إلَخْ وَالِاسْتِرْوَاحُ أَخْذُ الشَّيْءِ بِلَا تَعَبٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي نِسْبَةِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِرْوَاحِ (قَوْلُهُ مَعَ تَحْقِيقِهِ) أَيْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ (قَوْلُهُ لِلْمُحَقِّقِينَ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَقَدْ صُرِّحَ قَبْلُ بِأَنَّ الْخَبَرَ إنْ صَحَّ بِعَدَدِهِمَا الْمَذْكُورِ وَجَبَ ظَنًّا اعْتِقَادُهُ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي كَلَامِ مُحَقِّقِي أَئِمَّةِ الْأَصْلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا خِلَافُ ذَلِكَ الِاتِّحَادِ، وَأَيُّ مُحَقِّقِينَ خِلَافُ هَؤُلَاءِ ثُمَّ رَأَيْت تِلْمِيذَهُ الْكَمَالَ بْنَ أَبِي شَرِيفٍ أَشَارَ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْته وَوَقَعَ فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّوَارِيخِ وَالتَّفْسِيرِ مَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ، وَهُوَ تَقَوُّلٌ لَا أَصْلَ لَهُ فَوَجَبَ اعْتِقَادُ خِلَافِهِ (الْمُصْطَفَى) أَيْ الْمُسْتَخْلَصِ مِنْ الصَّفْوَةِ (الْمُخْتَارُ) مِنْ الْعَالَمِينَ لِدُعَائِهِمْ إلَى رَبِّهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُهُمْ بِنَصِّ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] إذْ كَمَالُ الْأُمَّةِ تَابِعٌ لِكَمَالِ نَبِيِّهَا {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] إذْ لَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا لَهُ إلَّا إنْ حَوَى جَمِيعَ كَمَالَاتِهِمْ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ آدَم وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي» وَنَهْيُهُ عَنْ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَعَنْ تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِمْ مَحَلُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] فِيمَا يُؤَدِّي لِخُصُومَةٍ أَوْ تَنْقِيصِ بَعْضِهِمْ أَوْ هُوَ تَوَاضُعٌ أَوْ قَبْلَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ
(صلى الله عليه وسلم) مِنْ الصَّلَاةِ وَهِيَ مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالتَّعْظِيمِ وَخُصَّ الْأَنْبِيَاءُ بِلَفْظِهَا فَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِمْ إلَّا تَبَعًا تَمْيِيزًا لِمَرَاتِبِهِمْ الرَّفِيعَةِ وَأُلْحِقَ بِهِمْ الْمَلَائِكَةُ لِمُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْعِصْمَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِهِمْ وَمَنْ عَدَاهُمْ مِنْ الصُّلَحَاءِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ خَوَاصِّهِمْ وَالسَّلَامُ وَهُوَ التَّسْلِيمُ مِنْ الْآفَاتِ الْمُنَافِيَةِ لِغَايَاتِ الْكِمَالَاتِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِنَقْلِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَرَاهِيَةَ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ أَيْ لَفْظًا لَا خَطًّا خِلَافًا لِمَنْ عَمَّمَ قِيلَ وَالْإِفْرَادُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ أَوْ الْكِتَابُ أَيْ بِنَاءً عَلَى التَّعْمِيمِ، وَكَانَ يَنْبَغِي وَعَلَى آلِهِ لِأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ عَلَيْهِمْ بِالنَّصِّ وَصَحْبِهِ
لِلشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ كَيْفَ تُرَقَّى إلَخْ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ مُوَافَقَتُهُ لِمَا نُقِلَ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ، ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ نَقَلَ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى تَرَادُفِهِمَا، وَإِنْ كُنْت رَدَدْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ إلَخْ) أَيْ ابْنُ الْهُمَامِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُؤَيِّدَةٌ لِلِاسْتِرْوَاحِ (قَوْلُهُ الْأَصْلَيْنِ) أَيْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَأُصُولِ الدِّينِ (قَوْلُهُ وَأَيُّ مُحَقِّقِينَ إلَخْ) اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ (قَوْلُهُ تِلْمِيذَهُ) أَيْ ابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ مِنْ الشُّرُوطِ) أَيْ فِي الرَّسُولِ قَوْلُ الْمَتْنِ (الْمُصْطَفَى) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الصَّفْوَةِ وَهِيَ الْخُلُوصُ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» الْمُخْتَارُ اسْمُ مَفْعُولٍ أَصْلُهُ مُخْتِيرٌ اخْتَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ لِيَدْعُوَهُمْ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُفَضَّلَ عَلَيْهِ إيذَانًا مِنْهُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْمَعْمُولِ يُؤْذِنُ بِالْعُمُومِ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَحُذِفَ إلَخْ) فِي النِّهَايَةِ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ فَهُوَ أَفْضَلُهُمْ) وَقَدْ حَكَى الرَّازِيّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ مُفَضَّلٌ عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ إذْ كَمَالُ الْأُمَّةِ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى مُدَّعَاهُ وَكَذَا قَوْلُهُ إذْ لَا يَكُونُ إلَخْ بَيَانٌ لِوَجْهِ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ مُمْتَثِلًا لَهُ) أَيْ لِهَذَا الْأَمْرِ (قَوْلُهُ وَنَهْيُهُ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ ظَاهِرِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ مَحَلُّهُ) مُبْتَدَأٌ ثَانٍ (قَوْلُهُ فِيمَا يُؤَدِّي إلَخْ) خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ وَنَهْيُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) عِلَّةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ فِيمَا يُؤَدِّي إلَخْ) أَوْ فِي نَفْسِ النُّبُوَّةِ الَّتِي لَا تَفَاوُتَ إلَّا فِي ذَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَفَاوِتِينَ بِالْخَصَائِصِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَنْقِيصِ بَعْضِهِمْ) أَيْ فَإِنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ نِهَايَةٌ
قَوْلُ الْمَتْنِ (صلى الله عليه وسلم) قَرَنَ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ بِالثَّنَاءِ عَلَى نَبِيِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أُحِبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَرْءُ بَيْنَ يَدَيْ خِطْبَتِهِ أَيْ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَكُلِّ أَمْرٍ طَلَبَهُ غَيْرَهَا حَمْدَ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُغْنِي (قَوْلُهُ إلَّا تَبَعًا إلَخْ) وَفِي الشَّبْرَخِيتِيِّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مَا نَصُّهُ تَتِمَّةٌ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ اسْتِقْلَالًا وَكَرَاهَتِهَا وَكَوْنِهَا خِلَافَ الْأَوْلَى خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ الْكَرَاهَةُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ قَالُوا أَيْ أَهْلُ السُّنَّةِ إنَّ النَّوْعَ الْإِنْسَانِيَّ أَفْضَلُ مِنْ نَوْعِ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنَّ خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ وَهُمْ الرُّسُلُ مِنْهُمْ وَإِنَّ عَوَامَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْأَتْقِيَاءُ الْأَوْلِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ كَالسَّيَّاحِينَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَجَمَعَ) إلَى قَوْلِهِ أَيْ لَفْظًا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي (قَوْلُهُ وَالسَّلَامِ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الصَّلَاةِ سم (قَوْلُهُ لَا خَطًّا) بَقِيَ مَا لَوْ أُتِيَ بِأَحَدِهِمَا لَفْظًا وَبِالْآخَرِ خَطًّا أَوْ بِهِمَا مَعًا خَطًّا هَلْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ أَوْ لَا وَهَلْ الْإِفْرَادُ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم دُونَ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ وَكَتَبَ الْبُجَيْرِمِيُّ عَلَى قَوْلِ الْإِقْنَاعِ أَتَى بِهَا لَفْظًا وَأَسْقَطَهَا خَطًّا، وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ الْكَرَاهَةِ مَا نَصُّهُ هَذَا وَجْهٌ وَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْكَرَاهَةِ إلَّا إذَا أَتَى بِهِمَا لَفْظًا وَخَطًّا لِمَنْ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْخَطِّ فَصُوَرُ الْإِفْرَادِ الْمَكْرُوهِ خَمْسَةٌ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ أَوْ يَكْتُبَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ أَوْ يَتَلَفَّظَ بِإِحْدَاهُمَا وَيَكْتُبَ الْأُخْرَى أَوْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا وَيَكْتُبَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ أَوْ يَكْتُبَهُمَا مَعًا وَيَتَلَفَّظَ بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَصُوَرُ الْقَرْنِ الْخَالِي عَنْ الْكَرَاهَةِ ثَلَاثٌ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ أَوْ يَكْتُبَهُمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ أَوْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا وَيَكْتُبَهُمَا مَعًا كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْ بِنَاءً عَلَى التَّعْمِيمِ) رَاجِعٌ لِلْمَعْطُوفِ فَقَطْ وَفِي سم مَا نَصُّهُ أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى التَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ خِلَافًا لِمَنْ عَمَّمَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَكَانَ يَنْبَغِي وَعَلَى آلِهِ) قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى
قَوْلُهُ وَالسَّلَامُ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ لَفْظًا لَا خَطًّا) بَقِيَ مَا لَوْ أَتَى بِأَحَدِهِمَا لَفْظًا وَبِالْآخَرِ خَطًّا أَوْ بِهِمَا مَعًا خَطًّا هَلْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ أَوْ لَا وَهَلْ الْإِفْرَادُ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا أَوْ لَا لِأَنَّ طَلَبَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام دُونَ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ أَيْ بِنَاءً عَلَى التَّعْمِيمِ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى التَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ خِلَافًا لِمَنْ عَمَّمَ (قَوْلُهُ وَكَانَ يَنْبَغِي وَعَلَى آلِهِ)
لِأَنَّهُمْ مُلْحَقُونَ بِهِمْ بِقِيَاسٍ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ آلِ لَا صُحْبَةَ لَهُمْ وَالنَّظَرُ لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْبِضْعَةِ الْكَرِيمَةِ إنَّمَا يَقْتَضِي الشَّرَفَ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ.
وَكَلَامُنَا فِي وَصْفِ يَقْتَضِي أَكْثَرِيَّةَ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ (وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا) الظَّاهِرُ تَرَادُفُهُمَا فَالْجَمْعُ لِلْإِطْنَابِ، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ الْبَاطِنَةِ وَالثَّانِي لِطَلَبِ زِيَادَةِ الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ الظَّاهِرَةِ ثُمَّ رَأَيْت مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ ضِدُّ النَّقْصِ وَالثَّانِي عُلُوُّ الْمَجْدِ، وَهُوَ أَمْيَلُ إلَى التَّرَادُفِ (لَدَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ وَسُؤَالُ الزِّيَادَةِ لَا يُشْعِرُ بِسَبْقِ نَقْصٍ؛ لِأَنَّ الْكَامِلَ يَقْبَلُ زِيَادَةَ التَّرَقِّي فِي غَايَاتِ الْكَمَالِ فَانْدَفَعَ زَعْمُ جَمْعٍ امْتِنَاعَ الدُّعَاءِ لَهُ صلى الله عليه وسلم عَقِبَ نَحْوِ خَتْمِ الْقُرْآنِ بِاَللَّهُمِ اجْعَلْ ثَوَابَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَعْمَالِ أُمَّتِهِ يَتَضَاعَفُ لَهُ نَظِيرُهَا؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً لَا تُحْصَى فَهِيَ زِيَادَةٌ فِي شَرَفِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ لَهُ ذَلِكَ فَسُؤَالُهُ تَصْرِيحٌ بِالْمَعْلُومِ (أَمَّا بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ لِحَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةِ مَعْنَاهُ فَإِنْ لَمْ يُنْوَ شَيْءٌ نُوِّنَتْ وَإِنْ نُوِيَ لَفْظُهُ نُصِبَتْ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ جُرَّتْ بِمِنْ وَهِيَ لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى آخَرَ.
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي بِهَا فِي خُطَبِهِ فَهِيَ سُنَّةٌ قِيلَ وَأَوَّلُ مَنْ قَالَهَا دَاوُد صلى الله عليه وسلم، وَرُجِّحَ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ تَكَلُّمٌ بِغَيْرِ لُغَتِهِ وَفَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ هُوَ فَصْلُ الْخُصُومَةِ أَوْ غَيْرُهَا بِكَلَامٍ مُسْتَوْعِبٍ لِجَمِيعِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ غَيْرِ إخْلَالٍ مِنْهَا بِشَيْءٍ وَفِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ أَنَّ يَعْقُوبَ قَالَهَا وَتَلْزَمُ الْفَاءُ فِي حَيِّزِهَا غَالِبًا لِتَضَمُّنِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ مَعَ مَزِيدِ تَأْكِيدٍ وَمِنْ ثَمَّ أَفَادَ أَمَّا زَيْدٌ فَذَاهِبٌ مَا لَمْ يُفِدْهُ زَيْدٌ ذَاهِبٌ مِنْ أَنَّهُ لَا مَحَالَةَ ذَاهِبٌ، وَأَنَّهُ مِنْهُ عَزِيمَةٌ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَصْلُ
الْآلِ وَالصَّحْبِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ وَلَا كَرَاهَةَ سم (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ) أَيْ أَصْحَابَهُ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ مِنْ الْبَضْعَةِ) وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ اللَّحْمِ يَعْنِي أَنَّهُمْ قِطْعَةٌ مِنْهُ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ) إلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَمْيَلُ إلَى التَّرَادُفِ) فِيهِ نَظَرٌ سم عَلَى حَجّ وَلَعَلَّهُ أَنَّ انْتِفَاءَ النَّقْصِ لَا يُحَصِّلُ مَجْدًا وَلَا رِفْعَةً مَثَلًا كَفِعْلِ الْمُبَاحَاتِ، وَالْمَجْدُ فَوْقَ ذَلِكَ كَالسَّخَاوَةِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ع ش (قَوْلُهُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ إلَخْ) مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْرِفَةً أَمَّا إذَا كَانَ نَكِرَةً فَتُعْرِبُ نُوِيَ مَعْنَاهُ أَوْ لَا كَمَا فِي التَّصْرِيحِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ الْمَعْرِفَةَ جُزْئِيٌّ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ شَبِيهًا بِالْحَرْفِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى الْجُزْئِيِّ بِخِلَافِ النَّكِرَةِ فَضَعُفَتْ الْمُشَابَهَةُ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْأَسْمَاءِ مِنْ الْإِعْرَابِ ع ش (قَوْلُهُ لِحَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ سَبَبَ بِنَائِهَا الْمُشَابَهَةُ بِالْحَرْفِ فِي الِافْتِقَارِ وَرُدَّ بِأَنَّ الِافْتِقَارَ الْمُوجِبَ لِلْبِنَاءِ إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ جُمْلَةً وَهُوَ هُنَا مُفْرَدٌ فِعْلُهُ بِنَائِهَا شَبَهُهَا بِأَحْرُفِ الْجَوَابِ كَنَعَمْ فِي الِاسْتِغْنَاءِ بِهَا عَمَّا بَعْدَهَا فَاللَّامُ لِلتَّوْقِيتِ لَا لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُنْوَ شَيْءٌ نُوِّنَتْ) أَيْ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَرُوِيَ تَنْوِينُهَا مَرْفُوعَةً وَمَنْصُوبَةً لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ لَفْظًا وَتَقْدِيرًا اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ جُرَّتْ بِمِنْ) لَعَلَّ هَذَا بِاعْتِبَارِهَا فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي خُصُوصِ هَذَا التَّرْكِيبِ سم أَقُولُ وَكَذَا قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُنْوَ شَيْءٌ نُوِّنَتْ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا التَّرْكِيبِ هُنَا وَهُوَ كَمَا فِي الْأَطْوَلِ تَذْكِيرًا ابْتِدَاءُ تَأْلِيفِهِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْمُتَبَرَّكِ بِهَا لِيَكُونَ آنُ الشُّرُوعِ فِيمَا بَعْدَهَا غَيْرَ ذَاهِلٍ عَنْهَا فَيَزِيدُ فِي التَّبَرُّكِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمُلَاحَظَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى آخَرَ) أَيْ بِقَصْدِ نَوْعٍ مِنْ الرَّبْطِ فَإِنَّ أَمَّا بَعْدُ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَكَذَا وَكَذَا أَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ الْكَذَا مَرْبُوطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَوَاقِعٌ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ بِالدَّعْوَى بَعْدَ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ فَأَفَادَ رَبْطَهُ بِمَا قَبْلَهُ بِأَنَّهُ وَاقِعٌ بَعْدَهُ وَلَا بُدَّ ابْنُ يَعْقُوبَ قَالَ الْمُغْنِي وَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ اهـ أَيْ صِنَاعَةً وَإِلَّا فَيَجُوزُ شَرْعًا أَوْ الْمُرَادُ لَا يُسْتَحْسَنُ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ فَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ فِي الْخُطَبِ وَالْمُكَاتَبَاتِ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَأَوَّلُ مَنْ قَالَهَا دَاوُد إلَخْ) وَهُوَ أَشْبَهُ نِهَايَةٌ أَيْ أَقْرَبُ لِلصِّحَّةِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ ع ش عِبَارَةُ الْبُجَيْرِمِيِّ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَهِيَ فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ لِأَنَّهَا تَفْصِلُ بَيْنَ الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمَقَاصِدِ وَالْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ مُجَرَّدَ هَذَا لَا يَرُدُّ نَقْلَ الثِّقَاتِ تَكَلُّمُهُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْخَاصِّ مِنْ غَيْرِ لُغَتِهِ خُصُوصًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَتَوَافَقُ اللُّغَاتُ سم (قَوْلُهُ غَالِبًا) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْمُطَوَّلِ وَأَصْلُهَا مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ فَوَقَعَتْ كَلِمَةُ أَمَّا مَوْضِعَ اسْمٍ هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَفِعْلٍ هُوَ الشَّرْطُ وَتَضَمَّنَتْ مَعْنَاهُمَا فَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الشَّرْطِ لَزِمَتْهَا الْفَاءُ اللَّازِمَةُ لِلشَّرْطِ غَالِبًا اهـ وَفِي حَوَاشِيهِمَا مَا حَاصِلُهُ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْ الْفَاءُ بَعْدَ أَمَّا وَلَمْ تَلْزَمْ بَعْدَ غَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوط؛ لِأَنَّ أَمَّا لَمَّا كَانَتْ دَلَالَتُهَا عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ بِالنِّيَابَةِ ضَعُفَتْ فَاحْتَاجَتْ إلَى دَلِيلٍ لِذَلِكَ فَوَجَبَ لُزُومُ الْفَاءِ كُلِّيًّا بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الشَّرْطِيَّةِ بِالْأَصَالَةِ اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يُعْتَذَرَ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْغَالِبِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ حَذْفِهَا فِي نَحْوِ {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106] أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ أَكَفَرْتُمْ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ أَفَادَ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ مَعَ مَزِيدِ تَأْكِيدٍ (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ الْأَصْلُ) أَيْ مَا حَقُّ التَّرْكِيبِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ هَذَا الْأَصْلُ اخْتِصَارًا فَنَرَى عَلَى الْمُطَوَّلِ (قَوْلُهُ
قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ وَالصَّحْبِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ وَلَا كَرَاهَةَ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَمْيَلُ إلَى التَّرَادُفِ) فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ) وَتُرْفَعُ أَيْ بِتَنْوِينٍ عَلَى عَدَمِ نِيَّةِ ثُبُوتِ شَيْءٍ، فَالرَّفْعُ عَلَى أَصْلِ الْمُبْتَدَأِ بَكْرِيٌّ قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ وَقَالَ الْحُوفِيُّ وَإِنَّمَا يَبْنِيَانِ أَيْ قَبْلَ وَبَعْدَ عَلَى الضَّمِّ إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْرِفَةً أَمَّا إذَا كَانَ نَكِرَةً فَإِنَّهُمَا يُعْرَبَانِ سَوَاءٌ نَوَيْت مَعْنَاهُ أَوْ لَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي كَنْزِ الْأُسْتَاذِ الْبَكْرِيِّ وَشَرْحِ الْعُبَابِ لِلشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُنْوَ شَيْءٌ نُوِّنَتْ) لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ التَّنْوِينَ مَعَ النَّصْبِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ حِينَئِذٍ أَوْ مَعَ الضَّمِّ (قَوْلُهُ أَوْ جُرَّتْ بِمِنْ) لَعَلَّ هَذَا بِاعْتِبَارِهَا فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي خُصُوصِ هَذَا التَّرْكِيبِ (قَوْلُهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ
هُنَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ سِيبَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَمَا ذُكِرَ
(فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ) افْتِعَالٌ مِنْ الشَّغْلِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ (بِالْعِلْمِ) الْمَعْهُودِ شَرْعًا وَهُوَ التَّفْسِيرُ وَالْحَدِيثُ وَالْفِقْهُ وَآلَاتُهَا وَاخْتِصَاصُهُ بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ عُرْفٌ خَاصٌّ بِنَحْوِ الْوَصِيَّةِ (مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ) فَفَرْضُ عَيْنِهِ أَفْضَلُ الْفُرُوضِ الْعَيْنِيَّةِ لِتَفَرُّعِهَا عَلَيْهِ وَأَفْضَلُهُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعِلْمَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَعْلُومِهِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ إجْمَاعًا وَكَذَا النَّظَرُ الْمُؤَدِّي إلَيْهَا وَوُجُوبُهُمَا بِالشَّرْعِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَشَاعِرَةِ إذْ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ وَعِنْدَ بَعْضٍ مِنَّا وَالْمُعْتَزِلَةِ بِالْعَقْلِ وَبَسْطُ ذَلِكَ يَطُولُ قِيلَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ دَوْرٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ اهـ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ مِنْهُ أَفْضَلُ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَنَفْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ النَّوَافِلِ وَكَوْنُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلَ مُطْلَقًا ثُمَّ بَقِيَّةُ الْعُلُومِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ التَّفْصِيلِ لَا يُنَافِي
هُنَا) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ أَمَّا قُرَيْشًا فَأَنَا أَفْضَلُهَا فَإِنَّ التَّقْدِيرَ مَهْمَا ذَكَرْت قُرَيْشًا إلَخْ عَبْدُ الْحَكِيمِ (قَوْلُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ سِيبَوَيْهِ إلَخْ)
وَقَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ مُرَادُ سِيبَوَيْهِ بَيَانُ الْمَعْنَى الْبَحْتِ وَتَصْوِيرُ أَنَّ أَمَّا تُفِيدُ لُزُومَ مَا بَعْدَ فَائِهَا لِمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ كَذَلِكَ بَلْ الْأَصْلُ إنْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ فَحُذِفَ الشَّرْطُ وَزِيدَتْ مَا وَأُدْغِمَتْ النُّونُ فِي الْمِيمِ وَفُتِحَتْ الْهَمْزَةُ وَالتَّفْصِيلُ فِي الرَّضِيِّ (قَوْلُهُ فِي تَفْسِيرِهِ) أَيْ تَرْكِيبِ أَمَّا بَعْدُ وَقَوْلُهُ مَهْمَا بَسِيطَةٌ لَا مُرَكَّبَةٌ مِنْهُ وَمَا وَلَا مِنْ مَامَا خِلَافًا لِزَاعِمِيهِمَا قَامُوسٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ مَا ذُكِرَ) التَّحْقِيقُ أَنَّ بَعْدَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْجَزَاءِ لَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الشَّرْطِ فَالتَّقْدِيرُ عَلَيْهِ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَبَعْدَ مَا ذَكَرَ رَشِيدِيٌّ وَحَفِيدُ السَّعْدِ وَشَيْخُنَا
(قَوْلُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ) أَيْ مَصْدَرًا وَضَمِّهِ أَيْ اسْمًا وَفِي الْمُخْتَارِ الشُّغْلُ بِضَمِّ الشِّينِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا وَبِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ وَفَتْحِهَا فَصَارَتْ أَرْبَعَ لُغَاتٍ، وَالْجَمْعُ أَشْغَالٌ وَشَغَلَهُ مِنْ بَابِ قَطَعَ وَلَا تَقُلْ أَشْغَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ انْتَهَى وَفِي الْقَامُوسِ وَأَشْغَلَهُ لُغَةٌ جَيِّدَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ انْتَهَى اهـ ع ش (قَوْلُهُ الْمَعْهُودِ) إلَى قَوْلِهِ وَاخْتِصَاصُهُ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ النِّهَايَةُ وَاللَّامُ فِي الْعَلَمِ لِلْجِنْسِ أَوْ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ وَهُوَ الْفِقْهُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ لِلتَّفَقُّهِ أَوْ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الصَّادِقُ بِالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ فِي الدِّينِ أَوْ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ الْعِلْمِ الْمَشْرُوعِ أَيْ الَّذِي يَسُوغُ تَعَلُّمُهُ شَرْعًا قَالَ بَعْضُهُمْ وَعِدَّتُهُ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ اهـ.
قَالَ ع ش قَوْلُهُ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ هَذَا لَا يُبَايِنُ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ تَبَايُنًا كُلِّيًّا بَلْ الْفِقْهُ مَثَلًا يَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنْهَا مُسَمًّى بِاسْمٍ عِنْدَ مَنْ اعْتَبَرَهَا بِذَلِكَ الْعَدِّ اهـ.
(قَوْلُهُ وَآلَاتُهَا) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ التَّفْسِيرُ (قَوْلُهُ وَاخْتِصَاصُهُ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي خُرُوجِ الْآلَاتِ عَنْ الْوَصِيَّةِ سم أَيْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ بِنَحْوِ الْوَصِيَّةِ) أَيْ كَالْوَقْفِ (قَوْلُهُ فَفَرْضُ عَيْنِهِ) مَا وَجْهُ التَّفْرِيعِ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْفَاءُ لِلتَّفْسِيرِ (قَوْلُهُ أَفْضَلُ الْفُرُوضِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ سم (قَوْلُهُ وَأَفْضَلُهُ) أَيْ فَرْضُ عَيْنِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ هُنَا مَا يَشْمَلُ عِلْمَ التَّوْحِيدِ، وَقَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ السَّابِقُ، وَهُوَ التَّفْسِيرُ إلَخْ وَلَوْ زَادَ هُنَاكَ قَوْلَهُ أَوْ جِنْسَ الْعِلْمِ أَوْ كُلَّ عِلْمٍ يَسُوغُ تَعَلُّمُهُ نَظِيرَ مَا مَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ لَكَانَ أَظْهَرَ وَأَسْلَمَ (قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْوُجُوبِ بِالشَّرْعِ وَالْوُجُوبِ بِالْعَقْلِ (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ دَوْرٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ احْتَجَّ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ إلَّا بِالشَّرْعِ لَزِمَ إفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ إذْ يَقُولُ الْمُكَلَّفُ لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ أَيْ النَّظَرُ وَلَا يَجِبُ مَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْعُ وَلَا يَثْبُتُ الشَّرْعُ مَا لَمْ أَنْظُرْ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا:
أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ لَوْ وَجَبَ النَّظَرُ بِالْعَقْلِ فَبِالنَّظَرِ اتِّفَاقًا فَيَقُولُ لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ وَلَا يَجِبُ مَا لَمْ أَنْظُرْ إلَى أَنْ قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ الثَّانِي الْحَلَّ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَك لَا يَجِبُ النَّظَرُ عَلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْعُ عِنْدِي قُلْنَا، هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ مَوْقُوفًا عَلَى الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الشَّرْعِ لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ إذْ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَوْ تَوَقَّفَ الْوُجُوبُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ لَزِمَ الدَّوْرُ وَلَزِمَ أَيْضًا أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ عَلَى الْكَافِرِ بَلْ نَقُولُ الْوُجُوبُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الشَّرْعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَالشَّرْعُ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلِمَ الْمُكَلَّفُ ثُبُوتَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ نَظَرَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَنْظُرْ، وَكَذَلِكَ الْوُجُوبُ أَيْ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَكْلِيفُ الْغَافِلِ؛ لِأَنَّ الْغَافِلَ مَنْ لَمْ يَتَصَوَّرْ التَّكْلِيفَ لَا مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِهِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا قِيلَ إنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ لَا الْعِلْمُ بِهِ وَبِهَذَا الْحَلِّ أَيْضًا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ فَيُقَالُ قَوْلُك لَا يَجِبُ النَّظَرُ عَلَيَّ مَا لَمْ أَنْظُرْ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِالْوُجُوبِ وَالنَّظَرِ فِيهِ اهـ.
وَبِهِ يَتَّضِحُ الدَّوْرُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ سم (قَوْلُهُ لَا مَحِيدَ عَنْهُ) أَيْ لَا مَخْلَصَ عَنْهُ وَيَأْتِي بَيَانُ الدَّوْرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي فَصْلِ إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ كُرْدِيٌّ وَمَرَّ آنِفًا عَنْ سم بَيَانُهُمَا (قَوْلُهُ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ مِنْهُ) الْأَوْلَى وَفَرْضُ كِفَايَتِهِ (قَوْلُهُ وَكَوْنُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ نَشَأَ مِنْ
إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُجَرَّدُ هَذَا لَا يَرُدُّ نَقْلَ الثِّقَاتِ تَكَلُّمُهُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْخَاصِّ مِنْ غَيْرِ لُغَتِهِ خُصُوصًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَتَوَافَقُ اللُّغَاتُ
(قَوْلُهُ وَاخْتِصَاصُهُ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِ الْآلَاتِ عَنْ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ فَفَرْضُ عَيْنِهِ) مَا وَجْهُ التَّفْرِيعِ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْفَاءُ لِلتَّفْسِيرِ، وَقَوْلُهُ أَفْضَلُ الْفُرُوضِ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ دَوْرٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ) قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ احْتَجَّ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ إلَّا بِالشَّرْعِ لَزِمَ إفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ
عُدَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْضَلِ إذْ بَعْضُ الْأَفْضَلِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ بَقِيَّةِ أَفْرَادِهِ، وَقَدْ لَا فَزَعْمُ خُرُوجِ الْمَعْرِفَةِ أَوْ إيرَادِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَحِينَئِذٍ فَأَوْلَى مَعْطُوفٌ عَلَى أَفْضَلَ كَمَا يَأْتِي، وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مِنْ أَفْضَلَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ كَوْنَهُ أَفْضَلَ لَا يُنَافِي أَنَّهُ مِنْ الْأَفْضَلِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَحَّ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا» فَأَتَى هُنَا بِمِنْ مَعَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنُ النَّاسِ خُلُقًا إجْمَاعًا فَنَتَجَ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ مِنْ الْأَفْضَلِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ أَفْضَلَ بِنَصِّ كَلَامِ أَنَسٍ هَذَا الَّذِي هُوَ أَقْوَى حُجَّةً فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها كَمَا صَحَّ عَنْهَا أَيْضًا فَإِذَا اُنْتُهِكَ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ فِي ذَلِكَ غَضَبًا فَأَتَتْ بِمِنْ مَعَ أَنَّهُ أَشَدُّهُمْ وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ أَنَّ مِنْ هُنَا زَائِدَةٌ بِخِلَافِهَا فِي كَلَامِ أَنَسٍ.
فَإِنْ قُلْت إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ فَمَا فَائِدَةُ مِنْ الْمُوهِمَةِ خِلَافَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا قُلْت فَائِدَتُهَا الْإِشَارَةُ إلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْته وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ بَقِيَّةِ أَفْرَادِ نَوْعِهِ
إدْخَالِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِلْمِ بِقَوْلِهِ وَأَفْضَلُهُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ عَدَّ ذَلِكَ) أَيْ الْعِلْمَ كُرْدِيٌّ أَيْ الشَّامِلَ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ (قَوْلُهُ إذْ بَعْضُ الْأَفْضَلِ قَدْ يَكُونُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي ذَاتِهِ مُتَفَاوِتُ الرُّتَبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ بَعْضَ الْأَفْضَلِ أَنْ لَا يَكُونَ أَفْضَلَ كَالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ بَعْضُ الْأَفْضَلِ الَّذِينَ هُمْ الْأَنْبِيَاءُ مَعَ أَنَّهُ أَفْضَلُهُمْ عَمِيرَةٌ (قَوْلُهُ أَفْضَلَ بَقِيَّةِ أَفْرَادِهِ) الْمُرَادُ بِالْأَفْرَادِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْإِضَافِيَّةَ (قَوْلُهُ فَزَعَمَ خُرُوجَ الْمَعْرِفَةِ) أَيْ عَدَمَ انْدِرَاجِهَا فِي الْعِلْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَحَلِّيِّ وَصَرِيحُ الْمُغْنِي (قَوْلُهُ أَوْ إيرَادَهَا) أَيْ إيرَادَ الْمَعْرِفَةِ بِزَعْمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ كَوْنِهَا أَفْضَلَ مُطْلَقًا وَكَوْنِهَا مِنْ الْأَفْضَلِ، وَيَجُوزُ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ إلَى الْمُنَافَاةِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ دَخَلَ الْمَعْرِفَةُ فِي الْعِلْمِ هُنَا (قَوْلُهُ كَمَا يَأْتِي) أَيْ مِنْ تَقْدِيرِ مِنْ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِلْمَحَلِّيِّ وَالنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي عِبَارَتُهُ قَالَ الشَّارِحُ وَلَا يَصِحُّ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلَ بَيْنَهُمَا لِلتَّنَافِي عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْ لَوْ قُدِّرَ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ كَانَ كَوْنُهُ أَوْلَى مَا أَنْفَقَتْ إلَخْ مُنَافِيًا لِكَوْنِهِ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ أَوْلَى يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ أَفْضَلَ، وَكَوْنُهُ مِنْ أَفْضَلِ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِنْ أَوْلَى لَا كَوْنَهُ أَوْلَى فَالْإِشَارَةُ بِهَذَا التَّقْدِيرِ إلَى تَقْدِيرِ عَطْفِ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ اهـ.
(قَوْلُهُ عَطْفُهُ عَلَى مِنْ أَفْضَلِ) أَيْ فَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ الشَّامِلِ لِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ بَعْضُ فُرُوضِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْعِلْمِ مَا عَدَا مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَحِينَئِذٍ فَمِنْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَيَمْتَنِعُ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ، وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا كَلَامُ الْمَحَلِّيِّ سم أَيْ فَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ وَكَلَامُ الْمَحَلِّيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ شُمُولِ الْعِلْمِ فِي الْمَتْنِ لِلْمَعْرِفَةِ وَكَلَامُ الشَّارِحِ عَلَى الشُّمُولِ (قَوْلُهُ إنَّ كَوْنَهُ) أَيْ الشَّيْءِ وَقَالَ الْكُرْدِيُّ أَيْ الْعِلْمُ (قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ) أَيْ مَا تَقَرَّرَ مِنْ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ (قَوْلُهُ فَأَتَى إلَخْ) أَيْ أَنَسٌ وَالْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ فَنَتَجَ) أَيْ ثَبَتَ (قَوْلُهُ هَذَا) نَعْتٌ لِكَلَامِ أَنَسٍ وَقَوْلُهُ الَّذِي إلَخْ نَعْتٌ لِهَذَا (قَوْلُهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَمَا صَحَّ إلَخْ) هَلَّا قَالَ وَمَا صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا إلَخْ (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ كَحَدِيثِ أَنَسٍ (قَوْلُهُ إنَّ مِنْ هُنَا إلَخْ) أَيْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ (قَوْلُهُ الْمُوهِمَةُ خِلَافَ ذَلِكَ) أَيْ مُسَاوَاتَهُ لِبَقِيَّةِ أَفْرَادِ الْأَفْضَلِ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ) أَيْ الْخِلَافُ (قَوْلُهُ فَائِدَتُهَا الْإِشَارَةُ إلَخْ) فِي إفَادَتِهَا الْإِشَارَةَ إلَى مَا ذُكِرَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ بَعْضَ الْأَفْضَلِ صَادِقٌ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لِبَقِيَّةِ أَفْرَادِ الْأَفْضَلِ بَلْ بَعْضُ الطَّاعَاتِ غَيْرُ الْمَعْرِفَةِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ حَتَّى مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ مَعَ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهَا إنْقَاذُ نَبِيٍّ بَلْ أَوْ غَيْرِ نَبِيٍّ مِنْ الْهَلَاكِ تَعَيَّنَ تَقْدِيمُ الْإِنْقَاذِ وَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا سم وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ مَعَ صَلَاةِ الْفَرْضِ
إذْ يَقُولُ الْمُكَلَّفُ لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ أَيْ النَّظَرُ وَلَا يَجِبُ مَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْعُ وَلَا يَثْبُتُ الشَّرْعُ مَا لَمْ أَنْظُرْ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ لَوْ وَجَبَ النَّظَرُ بِالْعَقْلِ فَبِالنَّظَرِ اتِّفَاقًا فَيَقُولُ لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ يَجِبْ وَلَا يَجِبُ مَا لَمْ أَنْظُرْ إلَى أَنْ قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ الثَّانِي الْحَلُّ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَك لَا يَجِبُ النَّظَرُ عَلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْعُ عِنْدِي قُلْنَا هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الْوُجُوبُ عَيْنَهُ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ مَوْقُوفًا عَلَى الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الشَّرْعِ لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ إذْ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْوُجُوبِ فَلَوْ تَوَقَّفَ الْوُجُوبُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ لَزِمَ الدَّوْرُ وَلَزِمَ أَيْضًا أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ عَلَى الْكَافِرِ بَلْ نَقُولُ الْوُجُوبُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الشَّرْعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالشَّرْعُ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلِمَ الْمُكَلَّفُ بِثُبُوتِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ نَظَرَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَنْظُرْ، وَكَذَلِكَ الْوُجُوبُ أَيْ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَكْلِيفُ الْغَافِلِ لِأَنَّ الْغَافِلَ مَنْ لَمْ يَتَصَوَّرْ التَّكْلِيفَ لَا مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا قِيلَ إنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ لَا الْعِلْمُ بِهِ وَبِهَذَا الْحَلِّ أَيْضًا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ فَيُقَالُ قَوْلُك لَا يَجِبُ النَّظَرُ عَلَيَّ مَا لَمْ أَنْظُرْ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِالْوُجُوبِ وَالنَّظَرِ فِيهِ اهـ.
وَبِهِ يَتَّضِحُ الدَّوْرُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مِنْ أَفْضَلِ) أَيْ فَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ الشَّامِلِ لِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ بَعْضُ فُرُوضِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ الْإِشَارَةُ إلَخْ) فِي إفَادَتِهَا الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذُكِرَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ كَوْنَهُ بَعْضَ الْأَفْضَلِ صَادِقٌ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لِبَقِيَّةِ أَفْرَادِ الْأَفْضَلِ بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْعِلْمِ مَا عَدَا مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَحِينَئِذٍ فَمِنْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَيَمْتَنِعُ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ
وَمَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِنَوْعٍ آخَرَ أَعْلَى مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ بَقِيَّةِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَالنَّوَافِلِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ أَيْ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ هُوَ مَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْفُرُوضِ الْعَيْنِيَّةِ غَيْرِ الْعِلْمِ وَنَفْلُهُ أَفْضَلُ النَّوَافِلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ إذْ حَمْلُهُ الْمَذْكُورُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مِنْ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ أَفْضَلُ مِنْ نَفْلِ الصَّلَاةِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعِلْمِ حِينَئِذٍ وَلَا بِدْعَ أَنْ يَخُصَّ قَوْلَهُمْ أَفْضَلُ عِبَادَةِ الْبَدَنِ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَمَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِفُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَالْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَصِحَّ حَذْفُ مِنْ لِهَذَا الِاعْتِبَارِ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ فَضْلُهُ الْوَارِدُ فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ مَا يَحْمِلُ مَنْ لَهُ أَدْنَى نَظَرٍ إلَى كَمَالِ اسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي تَحْصِيلِهِ مَعَ الْإِخْلَاصِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ فِيهِ وِرَاثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَحِيَازَةُ فَضِيلَةِ الصَّالِحِينَ الْقَائِمِينَ بِمَا تَحَتَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ خَلْقِهِ.
وَيَظْهَرُ حُصُولُ أَدْنَى مَرَاتِبِ ذَلِكَ بِالِاتِّصَافِ بِوَصْفِ الْعَدَالَةِ الْآتِي فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ
(و) مِنْ (أَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ)
إلَخْ لَعَلَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ حَقَّ التَّقْرِيبِ أَنْ يَقُولَ مَعَ الِاشْتِغَالِ بِفَرْضِ عَيْنِ الْعِلْمِ كَعِلْمِ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَيْنًا.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ اعْتِرَاضِ سم بِأَنَّ مُرَادَ التُّحْفَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ أَيْ فَرْضِ عَيْنِ الْعِلْمِ وَفَرْضِ كِفَايَتِهِ وَنَفْلِهِ أَفْضَلُ بَقِيَّةِ أَفْرَادِ نَوْعِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَاعَةٌ لِدُخُولِهِ تَحْتَهَا اهـ أَيْ وَلَيْسَ غَيْرُ الْإِنْقَاذِ فِي صُورَةِ الْمُعَارَضَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِ الْمَعْرِفَةِ طَاعَةً (قَوْلُهُ وَمَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِنَوْعٍ آخَرَ إلَخْ) وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي فَرْضِ عَيْنٍ الْعِلْمُ وَلِذَا تَرَكَهُ فِي التَّفْصِيلِ الْآتِي آنِفًا (قَوْلُهُ إنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ هُوَ مَفْضُولٌ إلَخْ) خَبَرُ إنَّ فَرْضَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَنَفْلُهُ أَفْضَلُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى اسْمِ أَنَّ وَخَبَرُهُ (قَوْلُهُ وَحَمَلَهُ الْمَذْكُورُ) أَيْ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَا بِدْعَ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ، وَنَفْلُهُ أَفْضَلُ النَّوَافِلِ إلَخْ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ بِغَيْرِ الْعِلْمِ، وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ التَّخْصِيصِ بِادِّعَاءِ عَدَمِ انْدِرَاجِ الْعِلْمِ فِي عِبَادَةِ الْبَدَنِ إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ دُونَ الْقَلْبِ (قَوْلُهُ وَمَفْضُولٌ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى أَفْضَلِ النَّوَافِلِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَصِحَّ حَذْفُ مِنْ إلَخْ) أَقُولُ إذَا لَمْ يَصِحَّ حَذْفُ مِنْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَمْ يَصِحَّ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَهَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ السَّابِقَ، وَيَصِحُّ عَطْفُهُ إلَخْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى أَفْرَادِ الْعِلْمِ وَلَا إلَى أَصْنَافِهِ، وَيُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى نَوْعِهِ فَيَصِحُّ أَنَّ نَوْعَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ نَوْعِ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ، وَيَصِحُّ حِينَئِذٍ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ وَحَذْفُ مِنْ وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي حَمْلِ الْعَاقِلِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِهِ كَوْنُهُ بَعْضَ الْأَفْضَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا يُنَافِي أَفْضَلِيَّتَهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَوْنُ بَعْضِ أَفْرَادِهِ مَفْضُولًا كَمَا عُلِمَ مِنْ تَفْصِيلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ كَمَا أَنَّ نَوْعَ الْإِنْسَانِ أَفْضَلُ مِنْ نَوْعِ الْمَلَكِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْمَلَكِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِهِ سم بِحَذْفِ (قَوْلُهُ الْجِنْسُ) الْأَنْسَبُ لِسَابِقِهِ النَّوْعُ (قَوْلُهُ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ) أَوْرَدَ النِّهَايَةُ جُمْلَةً مِنْهُمَا وَالْمُغْنِي جُمَلًا كَثِيرَةً مِنْهُمَا وَمِنْ الْآثَارِ وَقَوْلُهُ مَا يُحْمَلُ فَاعِلُ الْوَارِدِ (قَوْلُهُ إلَى كَمَالٍ) مُتَعَلِّقٌ بِنَظَرَ (قَوْلُهُ عَلَى اسْتِفْرَاغِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِيُحْمَلُ (قَوْلُهُ مَعَ الْإِخْلَاصِ فِيهِ إلَخْ) الْأَوْلَى إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ أَخْلَصَ فِيهِ، وَعَمِلَ بِعِلْمِهِ حَتَّى إلَخْ عِبَارَةُ الْمُغْنِي.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ طَلَبَهُ مُرِيدًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ أَرَادَهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَمَالٍ أَوْ رِيَاسَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ شُهْرَةٍ أَوْ اسْتِمَالَةِ النَّاسِ إلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مَذْمُومٌ، ثُمَّ ذَكَرَ آيَةً وَأَخْبَارًا وَآثَارًا وَارِدَةً فِي ذَمِّهِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ الْقَائِمِينَ إلَخْ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِلصَّالِحِينَ (قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ الْعَمَلِ أَوْ الصَّلَاحِ
(قَوْلُ الْمَتْنِ مَا أَنْفَقْت إلَخْ) وَهُوَ الْعِبَادَاتُ نِهَايَةٌ وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي تَعَلُّمًا إلَخْ أَنَّ مَا وَاقِعَةٌ عَلَى مُطْلَقِ عِلْمٍ وَلَعَلَّ
أَفْضَلَ، وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا كَلَامُ الْمَحَلِّيِّ وَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْ مَعَ مُرَاعَاةِ مُطَابَقَةِ مَا أَفَادَهُ مِنْ أَنَّهُ بَعْضُ الْأَفْضَلِ لَا الْأَفْضَلُ لِلْوَاقِعِ فَلْيُتَأَمَّلْ بَلْ بَعْضُ الطَّاعَاتِ غَيْرُ الْمَعْرِفَةِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ حَتَّى مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ مَعَ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهَا إنْقَاذُ نَبِيٍّ أَوْ غَيْرِ نَبِيٍّ مِنْ الْهَلَاكِ تَعَيَّنَ تَقْدِيمُ الْإِنْقَاذِ، وَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهَا (قَوْلُهُ فَلَمْ يَصِحَّ حَذْفُ مِنْ) أَقُولُ إذَا لَمْ يَصِحَّ حَذْفُ مِنْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَمْ يَصِحَّ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِلَّا لَصَحَّ حَذْفُ مِنْ وَالْمُقَرَّرُ خِلَافُهُ وَحِينَئِذٍ فَهَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ السَّابِقَ وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مِنْ أَفْضَلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَاكَ بِبَعْضِ الِاعْتِبَارَاتِ نَعَمْ لَنَا أَنْ لَا نَنْظُرَ إلَى أَفْرَادِ الْعِلْمِ وَلَا إلَى أَصْنَافِهِ وَيُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى نَوْعِهِ فَيَصِحُّ لَنَا أَنَّ نَوْعَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ نَوْعِ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ وَيَصِحُّ حِينَئِذٍ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلَ، وَيَصِحُّ أَيْضًا حَذْفُ مِنْ.
وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي حَمْلِ الْعَاقِلِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِهِ كَوْنُهُ بَعْضَ الْأَفْضَلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ وَلَا يُنَافِي أَفْضَلِيَّتَهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَوْنُ بَعْضِ أَفْرَادِهِ مَفْضُولًا كَمَا عُلِمَ مِنْ تَفْصِيلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ كَمَا أَنَّ نَوْعَ الْإِنْسَانِ أَفْضَلُ مِنْ نَوْعِ الْمَلَكِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْمَلَكِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَكَمَا أَنَّ نَوْعَ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ نَوْعِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْمَرْأَةِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِ الرَّجُلِ فَلْيُتَأَمَّلْ (فَإِنْ قُلْت) يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ هَذَا مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ (قُلْت) لَا مَانِعَ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا الِاعْتِبَارُ إنْ كَانَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَصِحَّ غَيْرُهُ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ تَوْجِيهُ كَلَامِهِ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ
آثَرَهُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَّا فِيمَا صُرِفَ فِي خَيْرٍ وَمَا عَدَاهُ وَلَوْ فِي مَكْرُوهٍ يُقَالُ فِيهِ ضُيِّعَ وَخُسِرَ وَغُرِمَ وَبَنَاهُ لِلْمَجْهُولِ لِلْعِلْمِ بِفَاعِلِهِ وَلِكَوْنِ عَيْنِهِ غَيْرَ مَنْظُورٍ إلَيْهَا بِخُصُوصِهَا وَلِيَعُمَّ (فِيهِ) تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا (نَفَائِسُ الْأَوْقَاتِ) مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ أَوْ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَوْ هِيَ بَيَانِيَّةٌ وَمُفْرَدُ نَفَائِسَ نَفِيسَةٌ لَا نَفِيسٌ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ الْآتِي مِنْ النَّفَائِسِ الْمُسْتَجَادَاتِ إذْ فَعَائِلُ إنَّمَا تَكُونُ جَمْعًا لِفَعِيلَةٍ فَإِضَافَتُهَا لِلْأَوْقَاتِ الَّتِي هِيَ جَمْعٌ مُذَكَّرٌ لِتَأْوِيلِهَا بِالسَّاعَاتِ شِبْهُ شُغْلِ الْأَوْقَاتِ بِالْعُلُومِ بِصَرْفِ الْمَالِ فِي الْخَبَرِ الْمُكَنَّى عَنْهُ بِالْإِنْفَاقِ، وَوَصْفُهَا بِالنَّفَاسَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِخَطَرِ الْقَدْرِ وَعِزَّةِ النَّظِيرِ إشَارَةً إلَى أَنَّ فَائِتَهَا بِلَا خَيْرٍ لَا يُمْكِنُ تَعْوِيضُهُ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ الْوَقْتُ سَيْفٌ إنْ لَمْ تَقْطَعْهُ قَطَعَك
(وَقَدْ) لِلتَّحْقِيقِ هُنَا (أَكُثْرُ أَصْحَابِنَا) الَّذِينَ نَظَمْنَا وَإِيَّاهُمْ سِلْكُ اتِّبَاعِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه تَشْبِيهًا بِالْمُجْتَمِعِينَ فِي الْعَشَرَةِ بِجَامِعِ الْمُوَافَقَةِ وَشِدَّةِ الِارْتِبَاطِ وَهُوَ جَمْعُ صَحْبٍ الَّذِي هُوَ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ لِأَنَّ أَفْعَالًا لَا يَكُونُ جَمْعًا لِفَاعِلٍ (رحمهم الله) تَعَالَى أَبْلَغُ مِنْ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمْ لِإِشْعَارِهِ
مَا فِي النِّهَايَةِ أَحْسَنُ مِنْهُ (قَوْلُهُ آثَرَهُ) أَيْ عَلَى نَحْوِ صُرِفَتْ سم (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَخْ) قَالَ فِي الدَّقَائِقِ يُقَالُ فِي الْخَيْرِ أَنْفَقَتْ وَفِي الْبَاطِلِ ضَيَّعَتْ وَخَسِرَتْ وَغَرِمَتْ مُغْنِي وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَفْعَالَ الثَّلَاثَةَ فِي الشَّرْحِ بِبِنَاءِ الْفَاعِل وَيَجُزْ كَوْنُهَا بِبِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْضًا عَلَى وَفْقِ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ فِي خَيْرٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْمُبَاحَ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لِلْعِلْمِ بِفَاعِلِهِ) أَيْ أَنَّهُ الْمُكَلَّفُ أَوْ طَالِبُ الْعِلْمِ (قَوْله وَلِيَعُمَّ) أَيْ مَعَ الِاخْتِصَارِ (قَوْلُهُ تَعَلُّمًا إلَخْ) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ (قَوْلُهُ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ) إلَى قَوْلِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي (قَوْلُهُ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ) أَيْ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ أَوْ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ) أَيْ كَجَرْدِ قَطِيفَةٍ أَيْ قَطِيفَةٍ مَجْرُودَةٍ إذْ الْأَوْقَاتُ كُلُّهَا نَفِيسَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ هِيَ بَيَانِيَّةٌ) أَيْ، وَالْمُرَادُ بِنَفَائِسِ الْأَوْقَاتِ أَزْمِنَةُ الصِّحَّةِ وَالْفَرَاغِ مُغْنِي عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إضَافَتُهُ بَيَانِيَّةً لِأَنَّ الْإِضَافَةَ الْبَيَانِيَّةَ عَلَى تَقْدِيرِ مِنْ الْبَيَانِيَّةِ أَوْ التَّبْعِيضِيَّةِ أَوْ الِابْتِدَائِيَّةِ.
وَالْكُلُّ مُمْكِنٌ هُنَا؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ وَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةً كُلُّهَا فِي الْحَقِيقَةِ لَكِنَّ بَعْضَهَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ نَفِيسًا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضٍ آخَرَ، وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِتَفْصِيلِ بَعْضِهَا اهـ قَالَ الرَّشِيدِيُّ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْإِضَافَةَ الْبَيَانِيَّةَ هِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى مَعْنَى مِنْ الْمُبَيِّنَةِ لِلْجِنْسِ لَا مُطْلَقًا فَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ طَرِيقَةُ أَوْ أَنَّ مُرَادَهُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ إلَخْ) كَانَ وَجْهُ الْإِفَادَةِ أَنَّ الْوَصْفَ بِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ أَعْنِي الْمُسْتَجَادَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْصُوفَهُ جَمْعُ نَفِيسَةٍ سم (قَوْلُهُ إذْ فَعَائِلُ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لِنَفِيسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ جَمْعٌ لِكُلِّ رُبَاعِيٍّ مُؤَنَّثٍ بِمُدَّةٍ قَبْلَ آخِرِهِ مَخْتُومًا بِالتَّاءِ أَوْ مُجَرَّدًا عَنْهَا اهـ.
(قَوْلُهُ فَإِضَافَتُهَا) أَيْ نِسْبَتُهَا (قَوْلُهُ لِتَأْوِيلِهَا بِالسَّاعَاتِ) أَوْ كَانَ الْمُصَنِّفُ قَدْ وَصَفَ الْأَوْقَاتِ بِالنَّفِيسَةِ، ثُمَّ جَمَعَ النَّفِيسَةَ عَلَى النَّفَائِسِ مُغْنِي (قَوْلُهُ شَبَّهَ شُغْلَ الْأَوْقَاتِ إلَخْ) هَلَّا قَالَ شَبَّهَ الْأَوْقَاتَ بِالْأَمْوَالِ وَأَسْنَدَ إلَيْهَا الْإِنْفَاقَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ الْمُكَنَّى عَنْهُ إلَخْ) أَيْ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْإِنْفَاقِ مَجَازًا مُغْنِي وَنِهَايَةٌ أَيْ اسْتِعَارَةٌ رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَوَصْفُهَا بِالنَّفَاسَةِ إلَخْ) أَيْ أَضَافَ إلَيْهَا صِفَتَهَا لِلسَّجْعِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ بِلَا خَيْرٍ) أَيْ عِبَادَةٍ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ تَقْطَعْهُ قَطَعَك) أَيْ إنْ لَمْ تَشْغَلْهُ بِالْعِبَادَةِ فَاتَك
(قَوْلُهُ لِلتَّحْقِيقِ هُنَا) أَيْ لَا لِلتَّكْثِيرِ وَقَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ إنَّهَا لَهُمَا مَعًا، وَيُرَادُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّكْثِيرَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ وَأَكْثَرَ وَجَعْلُهَا لِلتَّكْثِيرِ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَكَثُرَ إكْثَارَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ ع ش قَوْلُ الْمَتْنِ (أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا) أَيْ مَجْمُوعُهُمْ لَا كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْهُمْ عَمِيرَةٌ (قَوْلُهُ الَّذِينَ نَظَمْنَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي أَيْ أَتْبَاعُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَالصُّحْبَةُ مِنْهَا الِاجْتِمَاعُ فِي اتِّبَاعِ الْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مَجَازٌ سَبَبُهُ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَهُمْ وَشِدَّةُ ارْتِبَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ كَالصَّاحِبِ حَقِيقَةً اهـ.
(قَوْلُهُ اتِّبَاعُ الشَّافِعِيِّ) مِنْ الِافْتِعَالِ (قَوْلُهُ تَشْبِيهًا) أَيْ لِأَتْبَاعِ الشَّافِعِيِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ بِجَامِعِ الْمُوَافَقَةِ إلَخْ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَشِدَّةِ الِارْتِبَاطِ)
وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ الْعِلْمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ رَحِمٌ مُتَّصِلَةٌ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَفْعَالًا إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ الْأَصْحَابُ جَمْعُ صَاحِبٍ لِأَنَّ إلَخْ (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ جَمْعًا لِفَاعِلٍ) أَقُولُ وَلَا لِفَعَلَ الْمَفْتُوحِ الْفَاءِ الصَّحِيحِ الْعَيْنِ السَّاكِنَةِ إلَّا شُذُوذًا كَمَا فِي التَّوْضِيحِ
قَوْلُهُ آثَرَهُ) أَيْ عَلَى نَحْوِ صَرَفْت (قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ الْآتِي مِنْ النَّفَائِسِ) فِيهِ بَحْثٌ إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ نَفِيسٍ وَنَفِيسَةٍ يُجْمَعُ عَلَى فَعَائِلَ (قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ إلَخْ) كَانَ وَجْهُ الْإِفَادَةِ أَنَّ الْوَصْفَ بِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ أَعْنِي الْمُسْتَجَادَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْصُوفَهُ جَمْعُ نَفِيسَةٍ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ فَعَائِلَ لِكُلٍّ مِنْ نَفِيسٍ وَنَفِيسَةٍ بَلْ عِبَارَةُ الْأَلْفِيَّةِ تَقْتَضِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ قَيَّدُوا فَعِيلًا فِيهَا بِمَا يُخْرِجُ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا دَلَالَةَ لِمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ نَفَائِسَ هُنَا جَمْعُ نَفِيسَةٍ (قَوْلُهُ إنَّمَا يَكُونُ جَمْعًا لِفَعِيلَةٍ) فِيهِ قُصُورٌ وَلِذَا قَالَ فِي الْأَلْفِيَّةِ
وَبِفَعَائِلَ اجْمَعْنَ فَعَالَهْ
…
وَشِبْهَهُ ذَا تَاءٍ أَوْ مُزَالَهْ
اهـ.
لَكِنْ قَيَّدُوا الْمُزَالَ وَمِنْهُ فَعَيْلٌ بِمَا يُخْرِجُ مَا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَإِضَافَتُهَا لِلْأَوْقَاتِ إلَخْ) فِي ابْنِ شُهْبَةَ الصَّغِيرِ الْإِشَارَةُ إلَى جَوَابٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ وَنَفَائِسُ جَمْعُ نَفِيسَةٍ فَكَانَ الْمُصَنِّفُ قَدْ وَصَفَ الْأَوْقَاتَ بِالنَّفِيسَةِ ثُمَّ جَمَعَ النَّفِيسَةَ عَلَى النَّفَائِسِ اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مُفْرَدَ نَفَائِسَ نَفِيسَةٌ بِمَعْنَى الْأَوْقَاتِ لَا بِمَعْنَى الْوَقْتِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ أَفْعَالًا لَا يَكُونُ جَمْعًا لِفَاعِلٍ) أَقُولُ وَلَا لِفَعْلٍ كَمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا شَذَّ أَيْ أَفْعَالٌ فِي فَعْلٍ الْمَفْتُوحِ الْفَاءِ صَحِيحِ الْعَيْنِ السَّاكِنَةِ اهـ.
(فَإِنْ قُلْت) أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ جَمْعًا لِفَاعِلٍ مُطْلَقًا أَيْ لَا قِيَاسًا وَلَا شُذُوذًا بِخِلَافِ فَعْلٍ فَإِنَّهُ
بِتَحَقُّقِ الْوُقُوعِ تَفَاؤُلًا وَفِيهِ اقْتِدَاءٌ بِمَنْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ قَائِلًا {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] الْآيَةَ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ يُعَبِّرْ بِمَا فِي الْآيَةِ قُلْت إشَارَةً إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِكُلِّ دُعَاءٍ أُخْرَوِيٍّ عَلَى أَنَّ فِي إيثَارِ لَفْظِ الرَّحْمَةِ تَأَسِّيًا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «رَحِمَ اللَّهُ أَخِي مُوسَى» (مِنْ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا زَائِدَةٌ لِصِحَّةِ الْمَعْنَى بِدُونِهَا وَقِيلَ مِنْ بِمَعْنَى فِي كَإِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ تَعَسُّفٌ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَقِيلَ لِلْمُجَاوَزَةِ كَمَا فِي زَيْدٌ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو أَيْ جَاوَزَهُ فِي الْفَضْلِ كَمَا أَنَّهُمْ هُنَا جَاوَزُوا الْإِكْثَارَ فِي (التَّصْنِيفِ) وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ أَصْنَافًا مُتَمَيِّزَةً وَأَخَصُّ مِنْهُ التَّأْلِيفَ لِاسْتِدْعَائِهِ زِيَادَةً هِيَ إيقَاعُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الْمُتَمَيِّزَةِ وَكُتُبُ الْأَصْحَابِ مِنْ ذَلِكَ فَالتَّصْنِيفُ هُنَا بِمَعْنَى التَّأْلِيفِ وَهُوَ فِي الْعُلُومِ الْوَاجِبَةِ لَا الْمَنْدُوبَةِ كَالْعَرُوضِ خِلَافًا لِمَنْ عَدَّهُ مِنْ جُمْلَةِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ مِنْ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِ مَنْ اخْتَرَعَهُ فَقِيلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ شَيْخُ شَيْخِ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ غَيْرُهُ وَكِتَابَةُ الْعِلْمِ مُسْتَحَبَّةٌ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ وَهُوَ وَجِيهٌ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَإِلَّا لَضَاعَ الْعِلْمُ وَإِذَا وَجَبَتْ كِتَابَةُ الْوَثَائِقِ لِحِفْظِ الْحُقُوقِ فَالْعِلْمُ أَوْلَى (مِنْ) قِيلَ بَيَانِيَّةٌ وَفِيهِ إنْ لَمْ يُجْعَلْ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ مَفْعُولٍ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّصْنِيفَ غَيْرُ الْمَبْسُوطِ وَالْمُخْتَصَرِ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ، وَالْأَصْلُ وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا الْمُصَنَّفَاتِ (الْمَبْسُوطَاتِ) هِيَ مَا كَثُرَ لَفْظُهَا وَمَعْنَاهَا
فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ جَمْعًا لِفَاعِلٍ مُطْلَقًا أَيْ لَا قِيَاسًا وَلَا شُذُوذًا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكُونُ جَمْعَ فَاعِلٍ شُذُوذًا نَحْوُ جَاهِلٍ وَإِجْهَالٍ فَإِنْ ثَبَتَ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ صَحْبٍ شُذُوذًا فِيهَا، وَإِلَّا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ صَاحِبٍ شُذُوذًا فَتَخْصِيصُ الْأَوَّلِ تَحَكُّمٌ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ بِتَحْقِيقِ الْوُقُوعِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ إلَى نَائِبِ فَاعِلِهِ وَلَوْ قَالَ بِتَحَقُّقِ الْوُقُوعِ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي دُعَائِهِ لِلْأَصْحَابِ (قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِمَنْ إلَخْ) أَيْ بِجَامِعِ الدُّعَاءِ لِلسَّابِقِ سم (قَوْلُهُ إشَارَةً إلَخْ) وَلِأَنَّ الرَّحْمَةَ أَعَمُّ مِنْ الْمَغْفِرَةِ سم قَوْلُ الْمَتْنِ (مِنْ التَّصْنِيفِ) يَسْبِقُ لِلْفَهْمِ أَنَّهَا صِلَةُ أَكْثَرَ سم (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ) إلَى قَوْلِهِ وَأَخُصُّ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ إنَّهَا زَائِدَةٌ) أَيْ فِي الْإِثْبَاتِ سم عَلَى حَجّ أَيْ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ الْمُجِيزُ لِزِيَادَتِهَا فِي الْإِثْبَاتِ لَكِنَّ الْأَخْفَشَ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَجْرُورُهَا نَكِرَةً وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ رَشِيدِيٌّ وَقَدْ يُتَكَلَّفُ فَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا فِي قُوَّةِ مَا قَصَّرُوا فِي الْإِكْثَارِ فَهُوَ نَفْيٌ فِي الْمَعْنَى، وَبِأَنَّ أَلْ فِي التَّصْنِيفِ فَهُوَ نَكِرَةٌ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ الْمَعْنَى إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ الْمَعْنَى بِدُونِهِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا وَيَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] وقَوْله تَعَالَى {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البقرة: 25] .
وَقَدْ يُقَالُ مَا الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِ مِنْ هُنَا لِلتَّقْوِيَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاحْتِيجَ إلَيْهِ لِضَعْفِ الْعَامِلِ بِفَصْلِهِ بِالْجُمْلَةِ الدِّعَائِيَّةِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِيهِ تَعَسُّفٌ) وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الطَّرِيقِ الظَّاهِرِ ع ش (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ طَرَفٌ لِلنِّدَاءِ وَالتَّصْنِيفُ لَيْسَ ظَرْفًا لِلْإِكْثَارِ رَشِيدِيٌّ وع ش وَقَدْ يُقَالُ إنَّ التَّصْنِيفَ مَكَانٌ مَعْنَوِيٌّ لِلْكَثْرَةِ (قَوْلُهُ جَاوَزُوا الْإِكْثَارَ إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ سم وَلَعَلَّ وَجْهَ أَمْرِهِ بِالتَّأَمُّلِ أَنَّ حَلَّهُ لِلْمَتْنِ حِينَئِذٍ لَيْسَ عَلَى نَظِيرِ حَلِّهِ لِلْمِثَالِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عُمْرًا الَّذِي هُوَ مَدْخُولُ مِنْ فِيهِ مَفْعُولًا فَنَظِيرُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْ يُقَالَ تَجَاوَزُوا التَّصْنِيفَ فِي الْإِكْثَارِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنًى هُنَا رَشِيدِيٌّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مِنْ وُجُوهِهِ أَنَّ الْإِكْثَارَ لَا حَدَّ لَهُ يَقِفُ عِنْدَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْمُجَاوَزَةُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ أَصْنَافًا مُتَمَيِّزَةً) أَيْ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فَمُؤَلِّفُ الْكِتَابِ يُفْرِدُ الصِّنْفَ الَّذِي هُوَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ وَيُفْرِدُ كُلَّ صِنْفٍ مِمَّا هُوَ فِيهِ عَنْ الْآخِرَةِ فَالْفَقِيهُ يُفْرِدُ مَثَلًا الْعِبَادَاتِ عَنْ الْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوِهَا وَكَذَا الْأَبْوَابُ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ التَّصْنِيفُ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ مِنْ الْبِدَعِ إلَخْ خَبَرٌ (قَوْلُهُ فِي الْعُلُومِ الْوَاجِبَةِ) أَيْ عَيْنًا أَوْ كِفَايَةً (قَوْلُهُ مِنْ عِدَّةٍ) أَيْ عِلْمُ الْعُرُوضِ (قَوْلُهُ مِنْ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ) لَعَلَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْعِلْمِ عَنْ الضَّيَاعِ وَفِي الْكَنْزِ لِلْأُسْتَاذِ الْبَكْرِيِّ وَتَصْنِيفُ الْعِلْمِ مُسْتَحَبٌّ سم (قَوْلُهُ الَّتِي حَدَثَتْ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ تَفْسِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا يُعَدُّ تَصْنِيفًا (قَوْلُهُ فَقِيلَ عَبْدُ الْمَلِكِ إلَخْ) وَقِيلَ الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ وَقِيلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ) أَيْ كِفَايَةٌ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ لِحِفْظِ الْحُقُوقِ) لَعَلَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ لِنَحْوِ الْيَتِيمِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ قِيلَ) إلَى قَوْلِهِ وَالْإِيجَازُ فِي النِّهَايَةِ.
(قَوْلُهُ وَفِيهِ إنْ لَمْ يُجْعَلْ إلَخْ) وَيُجَابُ بِحَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ مِنْ تَصْنِيفِ الْمَبْسُوطَاتِ سم (قَوْلُهُ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ) فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ تُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَةِ كَلَامِ النُّحَاةِ فِي بَدَلِ الِاشْتِمَالِ وَنَبَّهَ عَلَى بَعْضِهَا هُنَا الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ رَشِيدِيٌّ عِبَارَةُ سم وَفِي كَوْنِهِ لِلِاشْتِمَالِ نَظَرٌ إذْ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ بَدَلُ كُلٍّ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ إنْ لَمْ يُؤَوَّلْ التَّصْنِيفُ بِالْمُصَنَّفِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) أَيْ الْمُرَادُ مِنْ الْعِبَارَةِ لَا أَنَّهُ كَانَ صِفَةً فِي الْأَصْلِ، ثُمَّ صَارَ بَدَلًا ع ش قَوْلُ الْمَتْنِ (مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ إلَخْ) أَيْ فِي الْفِقْهِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ هِيَ مَا كَثُرَ إلَخْ) الْأَوْلَى هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي تَذْكِيرُ
يَكُونُ جَمْعًا لَهُ شُذُوذًا (قُلْت) وَهُوَ جَمْعٌ لِفَاعِلٍ شُذُوذًا فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ أَفْعَالًا مِمَّا حُفِظَ فِي فَاعِلٍ نَحْوُ جَاهِلٍ وَأَجْهَالٍ فَإِنْ ثَبَتَ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ صَحْبٍ شُذُوذًا وَإِلَّا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ صَاحِبٍ شُذُوذًا فَتَخْصِيصُ الْأَوَّلِ تَحَكُّمٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِيهِ اقْتِدَاءٌ) أَيْ بِجَامِعِ الدُّعَاءِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ قُلْت إشَارَةً إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ أَيْضًا الرَّحْمَةُ أَعَمُّ مِنْ الْمَغْفِرَةِ (قَوْلُهُ مِنْ التَّصْنِيفِ) يَسْبِقُ لِلْفَهْمِ أَنَّهَا صِلَةُ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ زَائِدَةٌ) أَيْ فِي الْإِثْبَاتِ (قَوْلُهُ جَاوَزَا الْإِكْثَارَ) فِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ مِنْ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ) لَعَلَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْعِلْمِ عَنْ الضَّيَاعِ وَفِي الْكَنْزِ لِلْأُسْتَاذِ الْبَكْرِيِّ وَتَصْنِيفُ الْعِلْمِ مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ وَفِيهِ إنْ لَمْ يُجْعَلْ إلَخْ) يُجَابُ بِحَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ مِنْ تَصْنِيفِ الْمَبْسُوطَاتِ إلَخْ (قَوْلُهُ أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ) أَيْ أَوْ بَدَلُ كُلٍّ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مِنْ تَصْنِيفِ إلَخْ
(وَالْمُخْتَصَرَاتِ) هِيَ مَا قَلَّ لَفْظُهَا وَكَثُرَ مَعْنَاهَا قِيلَ وَالْإِيجَازُ لِكَوْنِهِ حَذْفَ طُولِ الْكَلَامِ وَهُوَ الْإِطْنَابُ غَيْرُ الِاخْتِصَارِ؛ لِأَنَّهُ حَذْفُ تَكْرِيرِهِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى وَيَشْهَدُ لَهُ {فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصلت: 51] وَفِيهِ تَحَكُّمٌ وَاسْتِدْلَالٌ بِمَا لَا يَدُلُّ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ حَذْفُ ذَلِكَ الْعَرْضِ فَضْلًا عَنْ تَسْمِيَتِهِ فَالْحَقُّ تَرَادُفُهُمَا كَمَا فِي الصِّحَاحِ
(وَأَتْقَنُ) أَحْكَمَ كُلَّ (مُخْتَصَرٍ) مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ فَفِيهِ تَفْضِيلٌ مُسَوِّغٌ لِلِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ إذَا اجْتَمَعَتْ مَعْرِفَةٌ وَنَكِرَةٌ تَعْيِينُ كَوْنِ الْمَعْرِفَةِ الْمُبْتَدَأَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ مَحَلُّهَا فِي نَكِرَةٍ غَيْرِ اسْمِ اسْتِفْهَامٍ نَحْوُ كَمْ مَالُكَ وَغَيْرُ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ نَحْوُ خَيْرٌ مِنْك زَيْدٌ فَفِي هَذَيْنِ يَتَعَيَّنُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ النَّكِرَةُ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِتَعَارُضِ دَلِيلَيْ الْجُمْهُورِ وَسِيبَوَيْهِ.
وَذَكَرَ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ أَنَّ كَوْنَ النَّكِرَةِ الْمُبْتَدَأَ أَيْ فِي غَيْرِ صُورَتَيْ سِيبَوَيْهِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْفُصَحَاءِ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ الْمُجَوِّزِ لِلْحُكْمِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا لِلْآخَرِ وَعَلَيْهِ فَهُوَ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ ابْنِ هِشَامٍ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمُسَوِّغُ فَهُوَ عِنْدَ ابْنِ هِشَامٍ تَعَارُضُ الدَّلِيلَيْنِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ اعْتِبَارُ الْقَلْبِ فَإِنْ قُلْت خَصَّ الرَّضِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ كَوْنَ أَفْعَلُ الْمُبْتَدَأَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ بِمَا إذَا وَقَعَ جُزْءًا لِجُمْلَةٍ وَقَعَتْ صِفَةً لِنَكِرَةٍ كَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ أَفْضَلَ مِنْهُ أَبُوهُ قُلْت هَذَا اسْتِرْوَاحٌ تَوَهَّمُوهُ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ وَغَفَلُوا عَنْ كَوْنِ سِيبَوَيْهِ مَثَّلَ بِخَيْرٌ مِنْك زَيْدٌ كَمَا رَأَيْته فِي كِتَابِهِ وَهَذَا يُبْطِلُ مَا اشْتَرَطُوهُ وَلَمَّا كَانَ الْمُحَقِّقُونَ كَابْنِ هِشَامٍ وَغَيْرِهِ مُسْتَحْضِرِينَ لِكَلَامِهِ مَثَّلُوا بِمِثَالِهِ هَذَا وَأَعْرَضُوا عَنْ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطِ الَّذِي زَعَمَهُ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ سَمِعْنَا مِنْ مُحَقِّقِي مَشَايِخِنَا أَنَّ نَقْلَ هَؤُلَاءِ مُقَدَّمٌ عَلَى نَقْلِ الْعَجَمِ لِاسْتِرْوَاحِهِمْ فِيهِ كَثِيرًا وَتَعْوِيلِهِمْ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَعْقُولِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَنْقُولِ فَإِنْ قُلْت الْمُنَاسِبُ لِلسِّيَاقِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ مَدْحُ الْمُحَرَّرِ وُصْلَةً لِمَدْحِ كِتَابِهِ كَوْنُ الْمُحَرَّرِ هُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بالْأَتْقَنِيَّةِ فَلِمَ عَكَسْتُهُ.
قُلْت؛ لِأَنَّ تَخْرِيجَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ الْأَبْلَغِ اقْتَضَى ذَلِكَ وَالتَّقْدِيرُ إذَا أَكْثَرُوا مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ فَلَا حَاجَةَ لِلْمُحَرَّرِ وَلَا لِكِتَابِك فَأَجَابَ بِأَنَّهَا مَعَ كَثْرَتِهَا مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْأَتْقَنِيَّةِ وَأَتْقَنُهَا هُوَ الْمُحَرِّرُ فَاحْتِيجَ إلَيْهِ لِهَذِهِ الْأَتْقَنِيَّةِ الْمَحْصُورَةِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْإِعْرَابُ لِهَذَا الْغَرَضِ الْعَارِضِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْأَبْلَغِيَّةِ يُحْوِجُ لِذَلِكَ كَمَا يُعْرَفُ مِنْ أَسَالِيبِ الْبُلَغَاءِ (الْمُحَرَّرُ) الْمُهَذَّبُ الْمُنَقَّى
الضَّمِيرِ (قَوْلُهُ هِيَ مَا قَلَّ لَفْظُهَا إلَخْ) بَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ مَوْجُودٌ قَطْعًا وَهُوَ مَا قَلَّ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ فَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ مَا قَلَّ لَفْظُهُ سَوَاءٌ كَثُرَ مَعْنَاهُ أَوْ لَا سم وَعِ ش (قَوْلُهُ وَالْإِيجَازُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ غَيْرُ الِاخْتِصَارِ خَبَرُهُ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ إلَخْ) عِلَّةً مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ طَرَفَيْ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ طُولُ الْكَلَامِ الْإِطْنَابُ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الِاخْتِصَارَ (قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ) أَيْ لِتَفْسِيرِ الِاخْتِصَارِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَجْعَلُ الِاخْتِصَارَ حَذْفَ عَرَضِ الْكَلَامِ، وَإِنَّ عَرَضَهُ هُوَ تَكْرِيرُهُ سم.
(قَوْلُهُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ) أَيْ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ الْحَذْفِ بِاسْمٍ هُوَ الِاخْتِصَارُ دُونَ اسْمٍ هُوَ الْإِيجَازُ كُرْدِيٌّ
(قَوْلُهُ مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ فَفِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَأَتْقَنُ مُخْتَصَرٍ) تَفْضِيلٌ أَيْ نَوْعُ تَفْضِيلٍ وَهُوَ التَّفْضِيلُ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ (قَوْلُهُ مُسَوِّغٌ لِلِابْتِدَاءِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ أَتْقَنَ مُبْتَدَأً لِجَوَازِ كَوْنِهِ خَبَرًا، وَالْمُبْتَدَأُ هُوَ الْمُحَرَّرُ بَلْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ، وَأَيْضًا الْإِضَافَةُ مُسَوِّغَةٌ لِلِابْتِدَاءِ سم (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ أَتْقَنَ مُبْتَدَأً مَعَ كَوْنِ الْخَبَرِ مَعْرِفَةً كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى إلَخْ) أَيْ نَحْوُ تَرْكِيبِ الْمُصَنِّفِ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَى أَفْعَلَ الْمُنَكَّرِ فَمَعْرِفَةٌ (قَوْلُهُ مَحَلُّهَا) أَيْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَرِدُ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ) أَيْ قَلْبِ الْمَعْنَى بِأَنْ جَعَلَ مَعْنَى أَحَدِهِمَا مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَالْآخَرِ حُكْمًا وَيَعْكِسُ كُرْدِيٌّ.
عِبَارَةَ سم عَلَى مُخْتَصَرِ السَّعْدِ بِأَنْ يُثْبِتَ لِأَحَدِ الْجُزْأَيْنِ حُكْمَ الْجُزْءِ الْآخَرِ وَعَكْسَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ كَوْنُ مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ، وَقَوْلُهُ فَهُوَ أَيْ مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمُسَوِّغُ) أَيْ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ (قَوْلُهُ قُلْت هَذَا) أَيْ التَّخْصِيصُ الْمَذْكُورُ أَقُولُ يَبْعُدُ كُلَّ بُعْدٍ اسْتِرْوَاحُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ بِرُمَّتِهِمْ، ثُمَّ لَا يُنَاسِبُ مَقَامَ الشَّارِحِ نِسْبَتُهُمْ إلَى الْخَطَأِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ الْمِثَالَ الْمَذْكُورَ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ مَعَ احْتِمَالِ عُذْرِ تَعَدُّدِ كِتَابِهِ أَوْ نُسَخِهِ أَوْ مَوْضِعِ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ وَتَصْرِيحِهِ فِي بَعْضِهَا بِاشْتِرَاطِ مَا ذَكَرُوهُ وَاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَقَوْلُهُ تَوَهَّمُوهُ أَيْ الرَّضِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالْجَمْعُ نَظَرًا لِمَعْنَى مِنْ الْمَوْصُولَةِ (قَوْلُهُ مَا اشْتَرَطُوهُ) أَيْ مِنْ وُقُوعِ أَفْعَلَ جَزَاءً جُمْلَةٌ صِفَةٌ لِنَكِرَةٍ (قَوْلُهُ إنْ نَقَلَ هَؤُلَاءِ) أَيْ عُلَمَاءُ الْعَرَبِ (قَوْلَهُ عَلَى التَّقْيِيدِ) مَصْدَرٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ قُلْت؛ لِأَنَّ تَخْرِيجَهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ مَعَ كَوْنِ الْمُحَرَّرِ هُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ قَالَهُ سم وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ جَعْلُ الْأَهَمِّ لِعَارِضِ الْمَقَامِ أَصْلًا مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ مُسْنَدًا مَطْلُوبًا لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ اقْتَضَى ذَلِكَ) أَيْ اخْتِيَارُ الْعَكْسِ (قَوْلُهُ فَأَجَابَ إلَخْ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ فَاحْتِيجَ إلَيْهِ لِهَذِهِ الْأَتْقَنِيَّةِ) قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الْمَعْنَى إلَى الْإِتْيَانِ بِصُورَةِ الْحَصْرِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ الزِّيَادَةُ عَلَى كُلِّ مَا عَدَاهُ مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي أَصْلِ الْمَعْنَى فَلَا يَتَصَوَّرُ مَعَهُ مُشَارِكٌ وَلَا أَبْلَغُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَصْرِيٌّ.
(قَوْلُهُ الْمُهَذِّبُ الْمُنَقِّي) تَفْسِيرٌ لِلْمُحَرَّرِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ لَا بِالنَّظَرِ لِحَالِ الْعَلَمِيَّةِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ
وَفِي كَوْنِهِ لِلِاشْتِمَالِ أَنَّ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ بَدَلُ كُلٍّ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ إنْ لَمْ يُؤَوَّلُ التَّصْنِيفُ بِالْمُصَنَّفِ (قَوْلُهُ هِيَ مَا قَلَّ لَفْظُهَا) بَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ مَوْجُودٌ قَطْعًا، وَهُوَ مَا قَلَّ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ فَالْوَجْهُ تَفْسِيرُ الْمُخْتَصَرِ بِمَا يَشْمَلُهُ كَأَنْ يُقَالَ مَا قَلَّ لَفْظُهُ سَوَاءٌ كَثُرَ مَعْنَاهُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَجْعَلُ الِاخْتِصَارَ حَذْفَ عَرْضَ الْكَلَامِ وَأَنَّ عَرْضَهُ هُوَ تَكْرِيرُهُ
(قَوْلُهُ مُسَوِّغٌ لِلِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ) لَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ أَتْقَنَ مُبْتَدَأً لِجَوَازِ كَوْنِهِ خَبَرًا وَالْمُبْتَدَأُ هُوَ الْمُحَرَّرُ بَلْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ، وَأَيْضًا فَالْإِضَافَةُ مُسَوِّغَةٌ لِلِابْتِدَاءِ (قَوْلُهُ قُلْت لِأَنَّ تَخْرِيجَهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ مَعَ كَوْنِ الْمُحَرَّرِ هُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ
وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْن الْوَصْفِ فِي الْأَصْل يُجْعَلُ عَلَمَ جِنْسٍ أَوْ شَخْصٍ أَوْ بِالْغَلَبَةِ، وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ بِأَنْ يُسَمَّى بِهِ أَشْيَاءُ ثُمَّ يَغْلِبُ عَلَى بَعْضِهَا وَتَسْمِيَتُهُ مُخْتَصَرًا لِقِلَّةِ لَفْظِهِ لَا لِكَوْنِهِ مُلَخَّصًا مِنْ كِتَابٍ بِعَيْنِهِ
(تَنْبِيهٌ) .
التَّحْقِيقُ أَنَّ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ مِنْ حَيِّزِ عَلَمِ الْجِنْسِ لَا اسْمِهِ وَإِنْ صَحَّ اعْتِبَارُهُ وَلَا عَلَمُ الشَّخْصِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ وَإِنْ أُلِّفَ فِيهِ بِمَا يَحْتَاجُ رَدُّهُ إلَى بَسْطٍ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّهُ، وَأَنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ مِنْ حَيِّزِ عَلَمِ الشَّخْصِ (لِلْإِمَامِ) هُوَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي الدِّينِ (أَبِي الْقَاسِمِ) إمَامِ الدِّينِ عَبْدِ الْكَرِيمِ قِيلَ وَهَذِهِ التَّكْنِيَةُ لَا تُوَافِقُ مَا صَحَّحَهُ مِنْ حُرْمَتِهَا مُطْلَقًا بَلْ مَا اخْتَارَهُ مِنْ تَخْصِيصِ الْمَنْعِ بِزَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ حُرْمَتِهَا فِيمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَقَطْ اهـ وَيُرَدُّ بِأَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ وَضْعُهَا أَوَّلًا، وَأَمَّا إذَا وُضِعَتْ لِإِنْسَانٍ وَاشْتَهَرَ بِهَا فَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَشْمَلُهُ وَلِلْحَاجَةِ كَمَا اغْتَفَرُوا التَّلْقِيبَ بِنَحْوِ الْأَعْمَشِ لِذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ وَيَرُدُّ الْأَخِيرَيْنِ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ فِي «لَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي» لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ نَعَمْ صَحَّ خَبَرُ «مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِي فَلَا يَكْتَنِي بِكُنْيَتِي وَمَنْ اكْتَنَى بِكُنْيَتِي فَلَا يَتَسَمَّى بِاسْمِي» وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْأَخِيرِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ فَقُدِّمَ لِذَلِكَ.
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ أَشَارَ لِذَلِكَ (الرَّافِعِيُّ) نِسْبَةً لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه كَمَا حُكِيَ عَنْ خَطِّ الرَّافِعِيِّ نَفْسِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِرَافِعَان بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ قَزْوِينَ اعْتَرَضُوهُ (رحمه الله) نَظِيرُ مَا مَرَّ (ذِي) أَيْ صَاحِبٍ
وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ هُنَا عِلْمٌ لِلْكِتَابِ وَلَا مَانِعَ إلَخْ (قَوْلُهُ يُجْعَلُ عَلَمَ جِنْسٍ) أَيْ بِالْوَضْعِ فَقَوْلُهُ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عُطِفَ عَلَى هَذَا الْمُقَدَّرِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ) أَيْ كَوْنُ الِاسْمِ عَلَمًا لِجِنْسٍ أَوْ شَخْصٍ بِالْوَضْعِ وَكَوْنُهُ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ، وَنَظَرَ فِيهِ الْبَصْرِيُّ بِمَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ أَيْ الْعَلَمُ بِالْغَلَبَةِ مَعَ أَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعَلَمِيَّةَ فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يُسَمَّى إلَخْ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَضْعِ لَا مِنْ الْغَلَبَةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِالْغَلَبَةِ هُنَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ لَا الْعُرْفِيُّ الْمُقْتَضِي سَبْقَ الْوَضْعِ لِمَفْهُومٍ كُلِّيٍّ (قَوْلُهُ بِأَنْ يُسَمَّى بِهِ أَشْيَاءُ) أَيْ أَجْنَاسٌ أَوْ أَشْخَاصٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ مِنْ حَيِّزِ عَلَمِ الشَّخْصِ) وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَسَامِي الْعُلُومِ وَأَسَامِي الْكُتُبِ مِنْ حَيِّزِ عَلَمِ الْجِنْسِ لِاتِّفَاقِ الْحُكَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّ لِمُحَالِ الْإِعْرَاضِ مَدْخَلًا فِي تَشَخُّصِهَا، وَلِذَا لَمْ يُجَوِّزُوا انْتِقَالَهُ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ فَكَيْفَ يَكُونُ الصَّوْتُ الْقَائِمُ بِهَذَا الْهَوَاءِ وَاللَّوْنُ الْقَائِمُ بِهَذِهِ الْوَرَقَةِ وَالْمَعْلُومُ الْقَائِمُ بِهَذَا الذِّهْنِ عَيَّنَ الْقَائِمَ بِآخَرَ بِالشَّخْصِ كَالنَّبَوِيِّ وَفِي سم بَعْدَ ذِكْرِ نَحْوِهِ عَنْ الْفَوَائِدِ الْغِيَاثِيَّةِ مَا نَصُّهُ، ثُمَّ سَيَأْتِي أَوَّلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ تَفْسِيرُ الْكِتَابِ وَالْبَابِ وَالْفَصْلِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْكُتُبِ بِجُمْلَةٍ مِنْ الْعِلْمِ فَمُسَمَّى الْكُتُبِ الْمَسَائِلُ كَالْعُلُومِ فَجَعْلُ أَسْمَاءِ الْعُلُومِ مِنْ حَيِّزِ عَلَمِ الشَّخْصِ وَأَسْمَاءِ الْكُتُبِ مِنْ حَيِّزِ عَلَمِ الْجِنْسِ تَحَكُّمٌ اهـ.
(قَوْلُهُ قِيلَ) إلَى قَوْلِهِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ فِي الْمُغْنِي وَإِلَى قَوْلِهِ وَيَرُدُّ الْأَخِيرَيْنِ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ التَّكْنِيَةُ) أَيْ تَكْنِيَةُ الْمُصَنِّفِ لِلرَّافِعِيِّ بِأَبِي الْقَاسِمِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ مَا صَحَّحَهُ) أَيْ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ عَنْ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ مِنْ حُرْمَتِهَا مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ لِغَيْرِ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيُرَدُّ) أَيْ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إلَخْ (قَوْلُهُ فَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ) أَيْ التَّكْنِيَةُ (قَوْلُهُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَيَرُدُّ الْأَخِيرَيْنِ إلَخْ) رَدُّ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ لِمُصَحِّحِ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَصْرِيٌّ أَقُولُ الْمُنَافَاةُ ظَاهِرَةٌ إذْ النَّهْيُ الْآتِي شَامِلٌ لِمَنْ سُمِّيَ بِغَيْرِ مُحَمَّدٍ أَيْضًا (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُجَابَ إلَخْ) يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ أَصَحِّيَّةَ الْأَوَّلِ إنَّمَا تُوجِبُ تَقْدِيمَهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا عَلَى وَجْهِ التَّخْصِيصِ أَوْ التَّقْيِيدِ سم عِبَارَةُ الْبَصْرِيِّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُعْدَلُ إلَى التَّرْجِيحِ إلَّا مَعَ عَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ وَهُوَ هُنَا مُتَأَتٍّ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَفِيهِ أَعْمَالُهُمَا اهـ.
(قَوْلُهُ نِسْبَةً) إلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي قَالَ فِي الدَّقَائِقِ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى رَافِعَانِ بَلْدَةٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ بِلَادِ قَزْوِينَ وَاعْتَرَضَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ الْقَزْوِينِيُّ بِأَنَّهُ
تَنْبِيهٌ التَّحْقِيقُ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْفَوَائِدِ الْغِيَاثِيَّةِ لِشَيْخِنَا الشَّرِيفِ عِيسَى الصَّفَوِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ كَأَسْمَاءِ الْكُتُبِ أَعْلَامُ أَجْنَاسٍ عِنْدَ التَّحْقِيقِ وُضِعَتْ لِأَنْوَاعِ أَعْرَاضٍ تَتَعَدَّدُ أَفْرَادُهَا بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ كَالْقَائِمِ بِزَيْدٍ وَبِعَمْرٍو، وَقَدْ تُجْعَلُ أَعْلَامَ أَشْخَاصٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُتَعَدِّدَ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ يُعَدُّ عُرْفًا وَاحِدًا وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إنْ لَمْ تَكُنْ مَوْضُوعَةً لِلْمَفْهُومِ الْإِجْمَالِيِّ كَمَا مَرَّ اهـ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ الْمُحَقِّقَ قَالَ اسْمُ كُلِّ عِلْمٍ مَوْضُوعٌ بِإِزَاءِ مَفْهُومٍ إجْمَالِيٍّ هُوَ حَدُّهُ الِاسْمِيُّ اهـ وَلِلسُّبْكِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَإِنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ إلَخْ) سَيَأْتِي أَوَّلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ تَفْسِيرُ الْكِتَابِ وَالْبَابِ وَالْفَصْلِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْكُتُبِ بِجُمْلَةٍ مِنْ الْعِلْمِ فَمُسَمَّى الْكُتُبِ الْمَسَائِلُ كَالْعُلُومِ فَجَعْلُ أَسْمَاءِ الْعُلُومِ مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الشَّخْصِ وَأَسْمَاءِ الْكُتُبِ مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الْجِنْسِ تَحَكُّمٌ
1 -
(قَوْلُهُ وَيَرُدُّ الْأَخِيرَيْنِ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ) وَمِمَّا يُؤَيِّدُ الْمَذْهَبَ مَا فِي الْخَصَائِصِ لِلسُّيُوطِيِّ مِمَّا نَصُّهُ وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ وَقَعَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ فَقَالَ لَهُ لَا كَجُرْأَتِك عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُمِّيت بِاسْمِهِ وَكُنِّيت بِكُنْيَتِهِ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْمَعَهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ بَعْدَهُ فَدَعَا عَلِيٌّ بِنَفَرٍ فَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إنَّهُ سَيُولَدُ لَك بَعْدِي غُلَامٌ فَقَدْ نَحَلْته اسْمِي وَكُنْيَتِي وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَهُ اهـ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِزَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام لَكِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ مُخْتَصٌّ بِجَمْعِ الِاسْمِ مَعَ الْكُنْيَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُجَابَ إلَخْ) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ أَصِحِّيَّةَ الْأَوَّلِ إنَّمَا تُوجِبُ تَقْدِيمَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْجَمْعُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ التَّخْصِيصِ أَوْ
وَآثَرَهَا عَلَى صَاحِبٍ لِاقْتِضَائِهَا تَعْظِيمَ الْمُضَافِ إلَيْهَا وَالْمَوْصُوفِ بِهَا بِخِلَافِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى فِي مَعْرِضِ مَدْحِ يُونُسَ {وَذَا النُّونِ} [الأنبياء: 87] وَالنَّهْيُ عَنْ اتِّبَاعِهِ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إذْ النُّونُ لِكَوْنِهِ جُعِلَ فَاتِحَةَ سُورَةٍ أَفْخَمُ وَأَشْرَفُ مِنْ لَفْظِ الْحُوتِ، وَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ صِحَّةُ إضَافَتِهَا لِلْمَعْرِفَةِ بِمَا فِيهِ (التَّحْقِيقَاتُ) فِي الْعِلْمِ جَمْعُ تَحْقِيقَةٍ وَهِيَ الْمَرَّةُ مِنْ التَّحْقِيقِ وَهُوَ إثْبَاتُ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلِهَا أَوْ عِلَّتِهَا مَعَ رَدِّ قَوَادِحِهَا وَحَقِيقَةُ الشَّيْءِ وَمَاهِيَّتُهُ مَا بِهِ الشَّيْءُ هُوَ هُوَ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ لِلْإِنْسَانِ، وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ اعْتِبَارًا وَكَوْنُ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ مَاهِيَّةً حَقِيقِيَّةً جَعْلِيَّةً خَارِجِيَّةً هُوَ الصَّوَابُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَاهِيَّةَ بِجَعْلِ الْجَاعِلِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَعَلَى أَنَّهَا لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ مَوْجُودٍ خَارِجًا كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ.
لَا يُعْرَفُ بِبِلَادِ قَزْوِينَ بَلْدَةٌ يُقَالُ لَهَا رَافِعَانِ بَلْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى جَدٍّ مِنْ أَجْدَادِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَآثَرَهَا) أَيْ لَفْظَةَ ذِي عَلَى صَاحِبٍ سم (قَوْلُهُ تَعْظِيمُ الْمُضَافِ إلَيْهَا) يَعْنِي مَا تُضَافُ هِيَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالنَّهْيِ) عُطِفَ عَلَى مَدْحٍ سم (قَوْلُهُ ذَا النُّونِ إلَخْ) هَذَا تَعْلِيلٌ لِاسْتِدْعَاءِ ذِي لِتَعْظِيمِ الْمُضَافِ إلَيْهَا، وَأَمَّا اسْتِدْعَاؤُهَا لِتَعْظِيمِ الْمَوْصُوفِ بِهَا فَظَاهِرٌ مِنْ كَوْنِ الْأَوَّلِ فِي الْمَدْحِ وَالثَّانِي فِي النَّهْيِ.
(قَوْلُهُ وَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ إلَخْ) أَيْ فِي شَرْحِ وَيَحْرُمُ عَلَى ذِي الْجُمُعَةِ التَّشَاغُلُ بِالْبَيْعِ إلَخْ، وَيَأْتِي بِهَامِشِهِ رَدُّهُ سم (قَوْلُهُ مَعَ رَدِّ قَوَادِحِهِمَا) أَيْ قَوَادِحِ الدَّلِيلِ الْمُبَيَّنَةِ فِي عِلْمِ الْمُنَاظَرَةِ وَقَوَادِحِ الْعِلَّةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ وَحَقِيقَةُ الشَّيْءِ إلَخْ) اسْتِطْرَادِيٌّ لِمُجَرَّدِ مُشَارَكَتِهِ لِلْحَقِيقَةِ فِي الْمَادَّةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ) الْأَوْلَى التَّأْنِيثُ (قَوْلُهُ اعْتِبَارُ) عِبَارَةِ السَّعْدِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا بِهِ الشَّيْءُ هُوَ هُوَ بِاعْتِبَارِ تَحَقُّقِهِ حَقِيقَةً وَبِاعْتِبَارِ تَشَخُّصِهِ هَوِيَّةً اهـ وَعِبَارَةُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْلَمْ أَنَّ الصُّورَةَ فِي الْعَقْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُقْصَدُ بِاللَّفْظِ تُسَمَّى مَعْنًى وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَحْصُلُ مِنْ اللَّفْظِ تُسَمَّى مَفْهُومًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقُولٌ فِي جَوَابِ مَا هُوَ تُسَمَّى مَاهِيَّةً وَمِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهُ فِي الْخَارِجِ تُسَمَّى حَقِيقَةً، وَمِنْ حَيْثُ امْتِيَازُهُ عَنْ الْأَغْيَارِ تُسَمَّى هُوِيَّةً فَالذَّاتُ وَاحِدَةٌ وَاخْتِلَافُ الْعِبَارَاتِ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَكَوْنُ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ مَاهِيَّةً إلَخْ) لَيْسَ فِي هَذَا الْكَلَامِ تَحْرِيرُ مَعْنَى جَعْلِيَّةِ الْمَاهِيَّاتِ بَلْ يُوهِمُ أَنَّهَا فِي نَفْسِهَا جَعْلِيَّةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ لَخَصَّهُ الْكَمَالُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ سم عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَوَاقِفِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمَاهِيَّةُ لَيْسَتْ مَجْعُولَةً أَنَّهَا فِي حَدِّ أَنْفُسِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا جَعْلُ جَاعِلٍ وَتَأْثِيرُ مُؤَثِّرٍ، فَإِنَّك إذَا لَاحَظْت مَاهِيَّةَ السَّوَادِ، وَلَمْ تُلَاحِظْ مَعَهَا مَفْهُومًا سِوَاهَا لَمْ يُعْقَلْ هُنَاكَ جَعْلُ إذْ لَا مُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ وَنَفْسِهَا حَتَّى يُتَصَوَّرَ تَوَسُّطُ جَعْلٍ بَيْنَهُمَا فَتَكُونُ إحْدَاهُمَا مَجْعُولَةً تِلْكَ الْأُخْرَى.
وَكَذَا لَا يُتَصَوَّرُ تَأْثِيرُ الْفَاعِلِ فِي الْوُجُودِ بِمَعْنَى جَعْلِ الْوُجُودِ وُجُودًا بَلْ تَأْثِيرُهُ فِي الْمَاهِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجْعَلُهَا مُتَّصِفَةً بِالْوُجُودِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجْعَلُ اتِّصَافَهَا مَوْجُودًا مُتَحَقِّقًا فِي الْخَارِجِ فَإِنَّ الصَّبَّاغَ إذَا صَبَغَ ثَوْبًا لَا يُجْعَلُ الثَّوْبُ ثَوْبًا وَلَا الصَّبْغُ صَبْغًا بَلْ يُجْعَلُ الثَّوْبُ مُتَّصِفًا بِالصَّبْغِ فِي الْخَارِجِ، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ اتِّصَافُهُ بِهِ مَوْجُودًا ثَابِتًا فِي الْخَارِجِ فَلَيْسَتْ الْمَاهِيَّاتُ فِي أَنْفُسِهَا مَجْعُولَةً وَلَا وُجُودَاتُهَا أَيْضًا فِي أَنْفُسِهَا مَجْعُولَةً بَلْ الْمَاهِيَّاتُ فِي كَوْنِهَا مَوْجُودَةً مَجْعُولَةً يَعْنِي أَنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى اتِّصَافِهَا بِالْوُجُودِ مَجْعُولَةً، وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنَازَعَ فِيهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ نَفْيِ الْمَجْعُولِيَّةِ عَنْ الْمَاهِيَّاتِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَبَيْنَ إثْبَاتِهَا لَهَا بِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا أَنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي لَا يُتَوَهَّمُ بُطْلَانُهُ فَالْقَوْلُ بِنَفْيِ الْمَجْعُولِيَّةِ مُطْلَقًا وَبِإِثْبَاتِهَا مُطْلَقًا كِلَاهُمَا صَحِيحٌ إذَا حُمِلَا عَلَى مَا صَوَّرْنَاهُ اهـ.
أَيْ لِعَدَمِ تَوَارُدِهِمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَعَلَى أَنَّهَا لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ مَوْجُودٌ خَارِجًا إلَخْ) هَذَا خِلَافُ التَّحْقِيقِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ وَغَيْرِهِ عِبَارَةُ الْبُرْهَانِ لِلْفَاضِلِ الْكَلَنْبَوِيِّ وَلَا شَيْءَ مِنْ هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ أَيْ الْمَنْطِقِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَالطَّبِيعِيِّ بِمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ لِاسْتِحَالَةِ الْوُجُودِ بِدُونِ التَّشَخُّصِ بِدَاهِيَةٍ، وَإِنْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى وُجُودِ الْمَنْطِقِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَالْكَثِيرِ إلَى وُجُودِ الطَّبِيعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَيْ الطَّبِيعِيَّ جَزْءُ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ وَهُوَ الْفَرْدُ الْمُرَكَّبُ مِنْهُ وَمِنْ الْمُشَخِّصَاتِ كَزَيْدٍ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالْمُشَخِّصَاتِ لَكِنَّهُ أَيْ الطَّبِيعِيَّ جَزْءٌ عَقْلِيٌّ مِنْ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ لَا جَزْءٌ خَارِجِيٌّ مِنْهُ فِي مَذْهَبِ التَّحْقِيقِ فَالْحَقُّ أَنَّ وُجُودَهُ أَيْ الطَّبِيعِيِّ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِ أَفْرَادِهِ وَأَشْخَاصِهِ لَا أَنَّ نَفْسَهُ
التَّقْيِيدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَآثَرَهَا) أَيْ عَلَى صَاحِبٍ وَقَوْلُهُ وَالنَّهْيُ أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَدْحٍ (قَوْلُهُ وَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ صِحَّةُ إضَافَتِهَا لِلْمَعْرِفَةِ بِمَا فِيهِ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْجُمُعَةِ وَيَحْرُمُ عَلَى ذِي الْجُمُعَةِ التَّشَاغُلُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ أَضَافَ ذِي بِمَعْنَى صَاحِبٍ إلَى مَعْرِفَةٍ قُلْنَا أَلْ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ أَوْ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ فَصَحَّتْ الْإِضَافَةُ لِذَلِكَ إلَخْ اهـ وَقَدْ بَيَّنَّا بِهَامِشِهِ هُنَاكَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَهْمٌ فَقَدْ قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ مَا نَصُّهُ، وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِاسْمِ الْجِنْسِ أَيْ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّ ذُو لَا تُضَافُ إلَّا لِاسْمِ الْجِنْسِ النَّكِرَةِ فَاسْتُشْكِلَ سَبَبُ هَذَا الْوَهْمِ الْفَاسِدِ مَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ «أَنْ تَصِلَ ذَا رَحِمِك» وَغَابَ عَنْهُ مَوَاضِعُ فِي التَّنْزِيلِ {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 105] {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15]{ذِي الطَّوْلِ} [غافر: 3]{ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] اهـ أَيْ بَلْ الْمُرَادُ بِاسْمِ الْجِنْسِ مَا يُقَابِلُ الصِّفَةَ
1 -
(قَوْلُهُ وَحَقِيقَةُ الشَّيْءِ وَمَاهِيَّتُهُ إلَخْ) لَيْسَ فِي هَذَا الْكَلَامِ تَحْرِيرُ مَعْنَى
وَالتَّدْقِيقُ إثْبَاتُ الدَّلِيلِ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَإِنْ قُلْت جَمْعُ السَّلَامَةِ لِلْقِلَّةِ بِاتِّفَاقِ النُّحَاةِ وَمَدْلُولُ جُمُوعِ الْقِلَّةِ الْعَشَرَةُ فَمَا دُونَهَا وَلَا مَدْحَ فِي ذَلِكَ. قُلْت أَلْ فِي مِثْلِ هَذَا تُفِيدُ الْعُمُومَ إذْ الْأَصَحُّ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ لِلْعُمُومِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَمَا ذُكِرَ عَنْ النُّحَاةِ، إمَّا لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي جَمْعِ السَّلَامَةِ الْمُنَكَّرِ وَكَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمُعَرَّفِ كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ مُفِيدَ الْعُمُومِ كَأَلْ لَمَّا دَخَلَ عَلَى الْجَمْعِ فَإِنْ قُلْنَا بِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ إنَّ أَفْرَادَهُ الَّتِي عَمَّهَا وِحْدَانٌ فَقَدْ ذَهَبَ اعْتِبَارُ الْجَمْعِيَّةِ مِنْ أَصْلِهَا الْمُسْتَلْزِمِ لِلنَّظَرِ إلَى كَوْنِ آحَادِهِ عَشَرَةً فَأَقَلَّ، وَإِنْ قُلْنَا بِمَا عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إنَّ أَفْرَادَهُ جُمُوعٌ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ اسْتِغْرَاقِ كُلِّ جَمْعٍ جُمِعَ وَكَوْنِ تِلْكَ الْجُمُوعِ لِكُلِّ جَمْعٍ مِنْهَا عَدَدٌ مُعَيَّنٌ، وَأَمَّا لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ وَضْعِ جَمْعِ السَّلَامَةِ لِلْقِلَّةِ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُمُومِ لِعُرْفٍ أَوْ شَرْعٍ فَنَظَرُ النُّحَاةِ لِأَصْلِ الْوَضْعِ وَالْأُصُولِيِّينَ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ عَنْ نَيِّفٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَلَهُ كَرَامَاتٌ مِنْهَا أَنَّ شَجَرَةَ عِنَبٍ أَضَاءَتْ لَهُ لِفَقْدِ مَا يُسْرِجُهُ وَقْتَ التَّصْنِيفِ، وَوُلِدَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِنَحْوِ سَبْعِ سِنِينَ بِنَوَى مِنْ قُرَى دِمَشْقَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ عَنْ نَحْوِ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَذَكَرَ تِلْمِيذُهُ الْإِمَامُ ابْنُ الْعَطَّارِ أَنَّ بَعْضَ الصَّالِحِينَ رَأَى أَنَّهُ قُطْبٌ، وَأَنَّ الشَّيْخَ كَاشَفَهُ بِذَلِكَ وَاسْتَكْتَمَهُ وَكَشَفَ لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ حَظٌّ وَافِرٌ مِنْ تَجَلِّي اللَّهِ عَلَيْهِ بِرِضَاهُ وَعَطْفِهِ فَسَأَلَ اللَّهَ عَوْدَ بَعْضِهِ عَلَى كُتُبِهِ فَعَادَ فَعَمَّ النَّفْعُ بِهَا شَرْقًا وَغَرْبًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ
(وَهُوَ) أَيْ الْمُحَرَّرُ وَمَدْحُهُ بِمَا يَأْتِي مَدْحٌ لِكِتَابِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِ مَعَ مَا تَمَيَّزَ بِهِ، وَلَيْسَ مَدْحُ الْأَئِمَّةِ لِكُتُبِهِمْ فَخْرًا بَلْ هُوَ حَثٌّ عَلَى تَحَرِّي الْأَوْلَى وَالْأَكْمَلِ مُبَالَغَةً فِي النُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ (كَثِيرُ الْفَوَائِدِ) الَّتِي ابْتَدَعَهَا مُؤَلِّفُهُ وَلَمْ يَعْثُرْ عَلَيْهَا مَنْ قَبْلَهُ جَمْعُ فَائِدَةٍ وَهِيَ مَا يُرْغَبُ فِي اسْتِفَادَتِهِ
مَعَ كَوْنِهِ مَعْرُوضًا لِقَابِلِيَّةِ التَّكَثُّرِ مَوْجُودٌ فِيهِ أَيْ فِي الْخَارِجِ، وَلِذَا جَعَلُوا الْكُلِّيَّةَ وَأَقْسَامَهَا مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ لَا مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، وَأَمَّا الْكُلِّيُّ الْمَنْطِقِيُّ وَالْعَقْلِيُّ فَكَمَا لَا وُجُودَ لِأَنْفُسِهِمَا فِي الْخَارِجِ لَا وُجُودَ لِإِفْرَادِهِمَا فِيهِ اهـ.
زَادَ عَلَيْهَا الرُّشْدِيُّ مَا نَصُّهُ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْبِرْكَوِيُّ فِي الْإِمْعَانِ وُجُودُ الْكُلِّيِّ الطَّبِيعِيِّ فِي الْأَشْخَاصِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ جُزْئِيٍّ مَعْنًى كُلِّيٌّ حَاصِلٌ فِي الْعَقْلِ بِتَجْرِيدِهِ عَنْ الْمُشَخِّصَاتِ إذْ الْكُلِّيُّ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مَوْجُودًا فِي أَمْكِنَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَذَلِكَ بَيِّنُ الِاسْتِحَالَةِ وَإِنْ قَالَ أَكْثَرُ النَّاسِ إنَّهُ مَوْجُودٌ فِي ضِمْنِ الْأَشْخَاصِ؛ لِأَنَّهُ جَزْءٌ مِنْهَا اهـ وَعِبَارَةُ تَهْذِيبِ السَّعْدِ وَتُؤْخَذُ بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَتُسَمَّى مَخْلُوطَةً وَلَا خَفَاءَ فِي وُجُودِهَا وَبِشَرْطِ لَا شَيْءَ تُسَمَّى مُجَرَّدَةً وَلَا تُوجَدُ فِي الْأَذْهَانِ فَضْلًا عَنْ الْأَعْيَانِ وَلَا بِشَرْطِ شَيْءٍ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَخْلُوطَةِ فَتُوجَدُ لِكَوْنِهَا نَفْسَهَا فِي الْخَارِجِ لَا جُزْءًا مِنْهَا لِعَدَمِ التَّمَايُزِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ اهـ.
وَقَالَ مُحَشِّيهِ عَبْدُ اللَّهِ الْيَزْدِيُّ الْمَاهِيَّةُ لَهَا اعْتِبَارَاتٌ ثَلَاثَةٌ أَوَّلُهَا أَنَّهَا تُؤْخَذُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ الْعَوَارِضِ وَحِينَئِذٍ تُسَمَّى تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ مَاهِيَّةً مَخْلُوطَةً وَمَاهِيَّةً بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَلَا خَفَاءَ فِي وُجُودِهَا وَثَانِيهَا أَنَّهَا تُؤْخَذُ بِشَرْطِ الْخُلُوِّ عَنْ جَمِيعِ اللَّوَاحِقِ، وَهَذِهِ تُسَمَّى مَاهِيَّةً مُجَرَّدَةً وَمَاهِيَّةً بِشَرْطٍ لَا شَيْءَ، وَهَذِهِ لَا تُوجَدُ فِي الْأَذْهَانِ فَضْلًا عَنْ الْأَعْيَانِ، وَثَالِثُهَا أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْغَيْرِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا وَهَذِهِ تُسَمَّى مَاهِيَّةً مُطْلَقَةً وَمَاهِيَّةً لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ وَالْأَوَّلِيَّانِ نَوْعَانِ مِنْ الثَّالِثَةِ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْهُمَا وَمَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ أَمَّا عِنْدَ النَّافِي لِوُجُودِ الطَّبَائِعِ فَوُجُودُهَا بِوُجُودِ الْمَاهِيَّةِ الْمَخْلُوطَةِ كَوُجُودِ الْكُلِّيَّاتِ بِوُجُودِ الْأَشْخَاصِ وَعِنْدَ الْقَائِلِ بِوُجُودِهَا هِيَ مَوْجُودَةٌ بِنَفْسِهَا بِوُجُودِ مُغَايِرٍ كَالْجِسْمِ الْأَبْيَضِ الْمَوْجُودِ بِوُجُودٍ غَيْرِ وُجُودِ الْبَيَاضِ وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ الْأَوَّلَ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَا جَزَّأَ مِنْهَا إلَى حُجَّةِ الْمُخَالِفِينَ، وَرَدَّهَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْمَاهِيَّةُ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهَا جَزْءُ الْمَخْلُوطَةِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ وَجُزْءُ الْمَوْجُودِ مَوْجُودٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا خَارِجِيًّا لِعَدَمِ التَّمَايُزِ بَلْ جَزْءٌ عَقْلِيٌّ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الْخَارِج اهـ بِاخْتِصَارٍ.
(قَوْلُهُ وَالتَّدْقِيقُ إلَخْ) زَادَ الْمُغْنِي وَالتَّعْبِيرُ عَنْهَا بِفَائِقِ الْعِبَارَةِ الْحُلْوَةِ تَرْقِيقٌ وَبِمُرَاعَاةِ عِلْمِ الْمَعَانِي وَالْبَدِيعِ تَنْمِيقٌ وَالسَّلَامَةُ فِيهَا مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّرْعِ تَوْفِيقٌ اهـ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ قُلْت) إلَى قَوْلِهِ إذْ الْأَصَحُّ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي (قَوْلُهُ وَلَا مَدْحَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِجَمْعِ الْقِلَّةِ فَلَوْ عُدِلَ إلَى جَمْعِ الْكَثْرَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ إنَّ الْجَمْعَ الْمَعْرُوفَ إلَخْ) أَيْ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ بَيْنَ هَذَا) أَيْ الْأَصَحِّ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ فِي جَمْعِ السَّلَامَةِ) الْأَوْلَى فِي جَمْعِ الْقِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِمَا دَخَلَ) الْأَوْلَى إذَا دَخَلَ إلَخْ (قَوْلُهُ وُحْدَانٌ) بِضَمِّ الْوَاوِ أَيْ آحَادٌ كَالْمُفْرَدِ الْعَامِّ (قَوْلُهُ الْمُسْتَلْزِمُ إلَخْ) صِفَةٌ لِاعْتِبَارِ إلَخْ (قَوْلُهُ لِكُلِّ جَمْعٍ مِنْهَا) حَاجَةٌ إلَى جَمْعٍ (قَوْلُهُ فَنَظَرَ النُّحَاةُ) فِعْلٌ وَفَاعِلٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا لِأَنَّهُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا؛ لِأَنَّ إلَخْ (قَوْلُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ وَضْعِ جَمْعِ السَّلَامَةِ) أَيْ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ إذَا عُرِفَ فَفِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامٌ (قَوْلُهُ وَتُوُفِّيَ) إلَى قَوْلِهِ وَوَلَدُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ عَنْ نَيِّفٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَضَاءَتْ لَهُ الْكُرُومُ وَحُكِيَ أَنَّ شَجَرَةً أَضَاءَتْ عَلَيْهِ لَمَّا فَقَدَ عِنْدَ التَّصْنِيفِ مَا يُسْرِجُهُ عَلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَوَلَدُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) ذَكَرَ الْمُغْنِي طَرَفًا مِنْ أَحْوَالِ الْمُصَنِّفِ قُبَيْلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ إنَّهُ قُطْبٌ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَأَنَّ الشَّيْخَ) أَيْ الْمُصَنِّفَ عُطِفَ عَلَى أَنَّ بَعْضَ إلَخْ (قَوْلُهُ كَاشَفَهُ بِذَلِكَ) أَيْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ أَيْ بِعِلْمِهِ بِقُطْبِيَّتِهِ فِي الْقَامُوسِ كَاشَفَهُ بِالْعَدَاوَةِ بِإِدَامِهَا اهـ
(قَوْلُهُ الَّتِي ابْتَدَعَهَا إلَخْ) فِي كَوْنِ مَا فِي الْمُحَرَّرِ كَذَلِكَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ سم (قَوْلُهُ مَا يَرْغَبُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ
جَعْلِيَّةِ الْمَاهِيَّاتِ بَلْ يُوهِمُ أَنَّهَا فِي نَفْسِهَا جَعْلِيَّةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ لَخَصَّهُ الْكَمَالُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ
(قَوْلُهُ الَّتِي ابْتَدَعَهَا إلَخْ) فِي كَوْنِ مَا فِي الْمُحَرَّرِ وَكَذَلِكَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ
مِنْ الْفُؤَادِ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَلُ بِهِ فَتَرِدُ عَلَيْهِ اسْتِفَادَةً، وَمِنْهُ إفَادَةٌ وَعُرِّفَتْ بِكُلِّ نَافِعٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ مِنْ فَادَ أَتَى بِنَفْعٍ (عُمْدَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْمَذْهَبِ) أَيْ بَيَانِ الرَّاجِحِ وَإِيضَاحِ الْمُشْتَبَهِ مِنْهُ، وَأَصْلُهُ مَكَانُ الذَّهَابِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِمَا يُذْهَبُ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ تَشْبِيهًا لِلْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الرَّاجِحِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الْمَذْهَبُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَذَا (مُعْتَمَدٌ) تَرَقٍّ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ عُمْدَةٍ فَهُوَ مُغْنٍ عَنْهُ لَوْلَا غَرَضُ الْإِطْنَابِ فِي الْمَدْحِ (لِلْمُفْتِي) أَيْ الْمُجِيبِ فِي الْحَوَادِثِ بِمَا يَسْتَنْبِطُهُ أَوْ يُرَجِّحُهُ وَلِحُدُوثِ جَوَابِهِ وَقُوَّتِهِ شُبِّهَ بِالْفَتَى فِي السِّنِّ مِنْ فَتِيَ يَفْتَى كَعَلِمَ يَعْلَمُ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لَهُ لَفْظَا الْفَتْوَى بِالْفَتْحِ أَوْ الْفُتْيَا بِالضَّمِّ (وَغَيْرِهِ) وَهُوَ الْمُسْتَفِيدُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِإِفَادَةِ غَيْرِهِ (مِنْ) بَيَانِيَّةٌ (أَوْلَى) أَصْحَابُ (الرَّغَبَاتِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ جَمْعُ رَغْبَةٍ بِسُكُونِهَا وَهِيَ الِانْهِمَاكُ عَلَى الْخَيْرِ طَلَبًا لِحِيَازَةِ مَعَالِيهِ.
(تَنْبِيهٌ)
مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ جَوَازِ النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَنِسْبَةِ مَا فِيهَا لِمُؤَلِّفِيهَا
عِلْمٍ أَوْ مَالٍ اهـ.
(قَوْلُهُ مِنْ الْفُؤَادِ) أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفُؤَادِ وَهُوَ الْقَلْبُ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلَيْهِ سم قَوْلُ الْمَتْنِ (عُمْدَةٌ) خَبَرٌ ثَانٍ عَمِيرَةُ أَيْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مُغْنِي (قَوْلُهُ أَيْ بَيَانُ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ مَعًا عَلَى الثَّانِي (قَوْلُهُ وَإِيضَاحُ الْمُشْتَبَهِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا (قَوْلُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَذْهَبِ تَنَازَعَ فِيهِ الرَّاجِحُ وَالْمُشْتَبَهُ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبُجَيْرِمِيِّ وَالْمَذْهَبُ لُغَةً مَكَانُ الذَّهَابِ وَهُوَ الطَّرِيقُ وَاصْطِلَاحًا الْأَحْكَامُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا الْمَسَائِلُ شُبِّهَتْ بِمَكَانِ الذَّهَابِ بِجَامِعِ أَنَّ الطَّرِيقَ يُوَصِّلُ إلَى الْمَعَاشِ، وَتِلْكَ الْأَحْكَامُ تُوَصِّلُ إلَى الْمَعَادِ أَوْ بِجَامِعِ أَنَّ الْأَجْسَامَ تَتَرَدَّدُ فِي الطَّرِيقِ، وَالْأَفْكَارُ تَتَرَدَّدُ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَيْهَا الْمَذْهَبُ اسْتِعَارَةً مُصَرَّحَةً وَهَلْ هِيَ أَصْلِيَّةٌ أَوْ تَبَعِيَّةٌ قَوْلَانِ الْأَرْجَحُ مِنْهُمَا الثَّانِي اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اُسْتُعِيرَ إلَخْ) أَيْ اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً تَبَعِيَّةً بِأَنْ شُبِّهَ اخْتِيَارُ الْأَحْكَامِ بِمَعْنَى الذَّهَابِ وَاسْتُعِيرَ الذَّهَابُ لِاخْتِيَارِ الْأَحْكَامِ، وَاشْتُقَّ مِنْهُ مَذْهَبٌ بِمَعْنَى أَحْكَامٍ مُخْتَارَةٍ، ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً شَيْخُنَا وَبُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُغَلَّبِ قَوْلُ الْمَتْنِ مُعْتَمَدٌ خَبَرٌ ثَالِثٌ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ تَرَقٍّ) أَيْ هَذَا تَرَقٍّ فِي الْمَدْحِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ مُغْنٍ عَنْهُ) قَدْ يَمْنَعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا أَفَادَهُ الْأَوَّلُ مِنْ أَنَّ عَمْدِيَّتَهُ فِي تَحْقِيقِ خُصُوصِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الثَّانِي، بَلْ الثَّانِي أَعَمُّ كَمَا أَنَّ مَا فِي الثَّانِي مِنْ التَّفْصِيلِ لَيْسَ فِي الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم وَفِيهِ نَظَرٌ قَوْلُ الْمَتْنِ (لِلْمُفْتِي) بِسُكُونِ الْيَاءِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا مَعَ كَسْرِهَا عَلَى أَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى السَّاكِنِ الْيَاءِ نِسْبَةَ الْجُزْئِيِّ إلَى الْكُلِّ، ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْمُحَرَّرِ مُعْتَمَدًا لِلْمُفْتِي إلَّا أَنَّ الْمُفْتِيَ يُجِيبُ بِمَا فِيهِ، وَيَسْتَنِدُ فِي جَوَابِهِ لِتَقْرِيرِهِ وَتَرْجِيحِهِ فَكَيْفَ يُقَيَّدُ الْمُفْتِي بِقَوْلِهِ بِمَا يَسْتَنْبِطُهُ أَوْ يُرَجِّحُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ أَجَابَ بِمَا يَسْتَنْبِطُهُ أَوْ يُرَجِّحُهُ لَمْ يَعْتَمِدْ فِي جَوَابِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ فَلْيُتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ يُتْرَكُ شَأْنُهُ وَيُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ سم، وَقَدْ يُقَالُ الْقَصْدُ بِاعْتِمَادِهِ عَلَيْهِ جَعْلُهُ أَصْلًا لِاسْتِنْبَاطِهِ وَتَرْجِيحِهِ بَصْرِيٌّ.
(قَوْلُهُ بِمَا يَسْتَنْبِطُهُ إلَخْ) بَقِيَ مَا لَا اسْتِنْبَاطَ فِيهِ وَلَا تَرْجِيحَ بَلْ هُوَ نَقْلٌ مَحْضٌ فَقَضِيَّتُهُ خُرُوجُ الْمُجِيبِ بِهِ عَنْ الْمُفْتِي سم أَيْ فَهَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ (قَوْلُهُ شَبَّهَ) أَيْ جَوَابَهُ بِدَلِيلِ، ثُمَّ اُسْتُعِيرَ إلَخْ سم (قَوْلُهُ بِالْفَتَى) كَالْعَصَا الشَّابُّ (قَوْلُهُ وَهُوَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي مِمَّنْ يُصَنِّفُ أَوْ يُدَرِّسُ اهـ وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ كَالْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ لِإِفَادَةِ غَيْرِهِ) يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَمِلَ الْقَاضِيَ كَالْمُصَنِّفِ سم (قَوْلُهُ بَيَانِيَّةٌ) كَانَ الْمُبَيِّنُ قَوْلَهُ غَيْرِهِ أَوْ وَمَا قَبْلَهُ، وَيُمْكِنُ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ بِأَنْ يُرَادَ بِالرَّغَبَاتِ أَعَمُّ مِنْ الرَّغَبَاتِ فِي الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ سم عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَهُوَ بَيَانٌ لِغَيْرِهِ وَلِكُلٍّ مِنْ سَابِقَيْهِ اهـ قَوْلُ الْمَتْنِ (مِنْ أُولِي الرَّغَبَاتِ) كَانَ وَجْهُ هَذَا التَّقَيُّدِ أَنَّ الْوَصْفَ حِينَئِذٍ أَقْوَى وَأَمْدَحُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُعْتَمَدٌ لِغَيْرِ أُولِي الرَّغَبَاتِ أَيْضًا إذْ لَهُمْ وَيَصِحُّ مِنْهُمْ أَنْ يَعْتَمِدُوا عَلَيْهِ سم (قَوْلُهُ وَهِيَ الِانْهِمَاكُ عَلَى الْخَيْرِ إلَخْ)
قَضِيَّتُهُ أَنَّ الِانْهِمَاكَ عَلَى غَيْرِ الْخَيْرِ لَا يُسَمَّى رَغْبَةً وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بَيَانُ
فَتَرِدُ عَلَيْهِ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَهُوَ مُغْنٍ عَنْهُ) قَدْ يُمْنَعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا أَفَادَهُ الْأَوَّلُ مِنْ أَنَّ عَمْدِيَّتَهُ فِي تَحْقِيقِ خُصُوصِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الثَّانِي بَلْ الثَّانِي أَعَمُّ كَمَا أَنَّ مَا فِي الثَّانِي مِنْ التَّفْصِيلِ لَيْسَ فِي الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ لَا يُقَالُ يَلْزَمُ مِنْ أَنَّهُ مُعْتَمَدٌ لِلْمُفْتِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عُمْدَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْمَذْهَبِ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْكَوْنَ مُعْتَمِدًا لِلْمُفْتِي وَغَيْرِهِ قَدْ يَكُونُ بِتَحْرِيرِ مَذْهَبٍ آخَرَ أَوْ دَلِيلٌ يَصِحُّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَالْأَخْذُ بِهِ (قَوْلُهُ لِلْمُفْتِي) بِسُكُونِ الْيَاءِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا مَعَ كَسْرِهَا عَلَى أَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى السَّاكِنِ الْيَاءِ نِسْبَةَ الْجُزْئِيِّ إلَى الْكُلِّيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ مُعْتَمَدٌ لِلْمُفْتِي إلَّا أَنَّ الْمُفْتِيَ يُجِيبُ بِمَا فِيهِ، وَيَسْتَنِدُ فِي جَوَابِهِ لِتَقْرِيرِ الْمُحَرَّرِ وَتَرْجِيحِهِ فَكَيْفَ يُقَيِّدُ الْمُفْتِي بِقَوْلِهِ بِمَا يَسْتَنْبِطُهُ أَوْ يُرَجِّحُهُ لِأَنَّ مَنْ أَجَابَ بِمَا يَسْتَنْبِطُهُ أَوْ يُرَجِّحُهُ لَمْ يَعْتَمِدْ فِي جَوَابِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ فَلْيُتَأَمَّلْ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ يُتْرَكُ شَأْنُهُ وَيُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ.
(قَوْلُهُ بِمَا يَسْتَنْبِطُهُ) بَقِيَ مَا لَا اسْتِنْبَاطَ فِيهِ وَلَا تَرْجِيحَ بَلْ هُوَ نَقْلٌ مَحْضٌ فَقَضِيَّتُهُ خُرُوجُ الْمُجِيبِ بِهِ عَنْ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ مُشَبَّهٌ) أَيْ جَوَابُهُ بِدَلِيلِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ لِإِفَادَةِ غَيْرِهِ) يُمْكِنُ أَنْ يَشْمَلَ الْقَاضِيَ كَالْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ بَيَانِيَّةٌ) كَانَ الْمُبَيِّنُ قَوْلَهُ وَغَيْرِهِ أَوْ وَمَا قَبْلَهُ وَيُمْكِنُ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ بِأَنْ يُرَادَ بِالرَّغَبَاتِ أَعَمُّ مِنْ الرَّغَبَاتِ فِي الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ (قَوْلُهُ مِنْ أُولِي الرَّغَبَاتِ) كَأَنَّ وَجْهَ هَذَا التَّقْيِيدِ أَنَّ الْوَصْفَ حِينَئِذٍ أَقْوَى وَأَمْدَحُ وَإِلَّا فَهُوَ مُعْتَمِدٌ لِغَيْرِ أُولِي
مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ سَنَدُ النَّاقِلِ بِمُؤَلِّفِيهَا نَعَمْ النَّقْلُ مِنْ نُسْخَةِ كِتَابٍ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ وَثِقَ بِصِحَّتِهَا أَوْ تَعَدَّدَتْ تَعَدُّدًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهَا أَوْ رَأَى لَفْظَهَا مُنْتَظِمًا وَهُوَ خَبِيرٌ فَطِنٌ يُدْرِكُ السَّقَطَ وَالتَّحْرِيفَ فَإِنْ انْتَفَى ذَلِكَ قَالَ وَجَدْت كَذَا أَوْ نَحْوَهُ وَمِنْ جَوَازِ اعْتِمَادِ الْمُفْتِي مَا يَرَاهُ فِي كِتَابٍ مُعْتَمَدٍ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَنَّ الْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الشَّيْخَيْنِ لَا يُعْتَمَدُ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ الْفَحْصِ وَالتَّحَرِّي حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَتَابُعِ كُتُبٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْكَثْرَةَ قَدْ تَنْتَهِي إلَى وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ الْقَفَّالِ أَوْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مَعَ كَثْرَتِهِمْ لَا يُفَرِّعُونَ وَيُؤَصِّلُونَ إلَّا عَلَى طَرِيقَتِهِ غَالِبًا، وَإِنْ خَالَفَتْ سَائِرَ الْأَصْحَابِ فَتَعَيَّنَ سَبْرُ كُتُبِهِمْ هَذَا كُلُّهُ فِي حُكْمٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّيْخَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمْ تَزَلْ مَشَايِخُنَا يُوصُونَ بِهِ وَيَنْقُلُونَهُ عَنْ مَشَايِخِهِمْ وَهُمْ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ.
وَهَكَذَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَيْ مَا لَمْ يُجْمِعْ مُتَعَقِّبُو كَلَامِهِمَا عَلَى أَنَّهُ سَهْوٌ وَأَنَّى بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ كَادُوا يُجْمِعُونَ عَلَيْهِ فِي إيجَابِهِمَا النَّفَقَةَ بِفَرْضِ الْقَاضِي وَمَعَ ذَلِكَ بَالَغْت فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ كَبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْمُصَنِّفُ فَإِنْ وُجِدَ لِلرَّافِعِيِّ تَرْجِيحٌ دُونَهُ فَهُوَ، وَقَدْ بَيَّنْت سَبَبَ إيثَارِهِمَا وَإِنْ خَالَفَا الْأَكْثَرِينَ فِي خُطْبَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ بِمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ مُرَاجَعَتِهِ وَمِنْ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مُقَدَّمٌ عَلَى بَقِيَّةِ كُتُبِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ أَيْضًا بَلْ الْغَالِبُ تَقْدِيمُ مَا هُوَ مُتَتَبَّعٌ فِيهِ كَالتَّحْقِيقِ فَالْمَجْمُوعِ فَالتَّنْقِيحِ ثُمَّ مَا هُوَ مُخْتَصَرٌ فِيهِ كَالرَّوْضَةِ فَالْمِنْهَاجِ وَنَحْوِ فَتَاوَاهُ فَشَرْحِ مُسْلِمٍ فَتَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَنُكَتِهِ مِنْ أَوَائِلِ تَأْلِيفِهِ فَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ عَمَّا ذُكِرَ وَهَذَا تَقْرِيبٌ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَ تَعَارُضِ هَذِهِ الْكُتُبِ مُرَاجَعَةُ كَلَامِ مُعْتَمِدِي الْمُتَأَخِّرِينَ وَاتِّبَاعُ مَا رَجَّحُوهُ مِنْهَا (وَقَدْ اُلْتُزِمَ) اسْتِئْنَافٌ أَوْ حَالٌ فَقَدْ حِينَئِذٍ وَاجِبَةُ الذِّكْرِ أَوْ التَّقْدِيرِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لِتُقَرِّبَ الْمَاضِيَ مِنْ الْحَالِ وَاعْتَرَضَهُمْ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِمَا رَدَدْته عَلَيْهِمْ فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ فَانْظُرْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
(مُصَنَّفَةٌ رحمه الله) بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي خُطْبَتِهِ نَاصٌّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ
الْمُرَادِ بِالرَّغْبَةِ هُنَا ع ش (قَوْلُهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَخْ) خَبَرُ مَا أَفْهَمَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمِنْ جَوَازِ اعْتِمَادِ الْمُفْتِي) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مِنْ جَوَازِ النَّقْلِ إلَخْ أَيْ مَا أَفْهَمَ كَلَامَهُ مِنْ جَوَازٍ إلَخْ سم أَيْ وَقَوْلُهُ فِيهِ تَفْصِيلُ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَدَلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ التَّفْصِيلُ (قَوْلُهُ وَيُؤَصِّلُونَ) مِنْ التَّأْصِيلِ (قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ) أَيْ طَرِيقَةِ الْقَفَّالِ أَوْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَلَى التَّوْزِيعِ (قَوْلُهُ سَبْرُ كُتُبِهِمْ) أَيْ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى الشَّيْخَيْنِ وَالْإِفْتَاءُ بِمَا فِي الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ أَوْ أَحَدِهِمَا) الْأَوْلَى وَلَا وَاحِدٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ إلَخْ) خَبَرُ فَاَلَّذِي أَطْبَقَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَأَنَّى بِهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى سَهْوِ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا وَرَجَعَ الْكُرْدِيُّ الضَّمِيرَ إلَى وُقُوعِ السَّهْوِ عَنْهُمَا (قَوْلُهُ يُجْمِعُونَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى سَهْوِهِمَا (قَوْلُهُ فِي إيجَابِهِمَا النَّفَقَةَ إلَخْ) أَيْ لِلْأَقَارِبِ (قَوْلُهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْمُصَنِّفُ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ غَالِبًا وَإِلَّا فَقَدْ اعْتَمَدَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِمَّنْ لَهُ غَايَةُ الِاعْتِنَاءِ بِهِمَا مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي نَظَرِ الْأَمْرَدِ سم (قَوْلُهُ وَمِنْ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ إلَخْ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مِنْ جَوَازِ النَّقْلِ إلَخْ أَيْ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ هَذَا إلَخْ سم أَيْ وَقَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ هَذَا الْكِتَابَ) أَيْ الْمِنْهَاجَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَنَحْوُ فَتَاوَاهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مِنْ أَوَائِلِ إلَخْ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ فَشَرْحِ مُسْلِمٍ) عُطِفَ عَلَى نَحْوِ إلَخْ وَقَوْلُهُ فَتَصْحِيحٍ إلَخْ عَلَى شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ وَنُكَتِهِ أَيْ التَّنْبِيهِ عَلَى تَصْحِيحٍ إلَخْ (قَوْلُهُ بِمَا رَدَدْته عَلَيْهِمْ فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ إلَخْ) ذَكَرَ سم بَعْدَ سَرْدِ عِبَارَتِهِ وَرَدَّهَا جَوَابُ نَفْسِ السَّيِّدِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُتَوَسِّطِ وَالْمُطَوَّلِ عَنْ اعْتِرَاضِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ اطَّلَعَ الشَّارِحُ عَلَى حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ أَوْ حَاشِيَةِ الْمُتَوَسِّطِ كَانَ الْأَوْلَى بِهِ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا فِيهِمَا اهـ رَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ ادِّعَاءَ الْمُصَنِّفِ الْتِزَامَ الرَّافِعِيِّ مَا يَأْتِي إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ
الرَّغَبَاتِ أَيْضًا إذْ لَهُمْ.
وَيَصِحُّ مِنْهُمْ أَنْ يَعْتَمِدُوا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَمِنْ جَوَازِ اعْتِمَادِ الْمُفْتِي) أَيْ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ جَوَازِ إلَخْ فَقَدْ أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مِنْ جَوَازِ النَّقْلِ (قَوْلُهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْمُصَنِّفُ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ غَالِبًا، وَإِلَّا فَقَدْ اعْتَمَدَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِمَّنْ لَهُ غَايَةُ الِاعْتِنَاءِ بِهِمَا مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي نَظَرِ الْأَمْرَدِ (قَوْلُهُ وَمِنْ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ) أَشَارَ بِالتَّضْبِيبِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مِنْ جَوَازِ النَّقْلِ أَيْ وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ إلَخْ (قَوْلُهُ بِمَا رَدَدْته عَلَيْهِمْ فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ) مِنْ تَأَمُّلِ مَا أَجَابَ بِهِ فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ أَدْنَى تَأَمُّلٍ عَجِبَ مِنْ قَوْلِهِ رَدَدْته عَلَيْهِمْ وَقَوْلِهِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَعِبَارَةُ ذَلِكَ الشَّرْحِ مَا نَصُّهُ وَاعْتَرَضَهُمْ الْمُحَقِّقُ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ الْكَافِيجِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْهُمْ سَبَبُهُ اشْتِبَاهُ لَفْظِ الْحَالِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الْحَالَ الَّذِي تُقَرِّبُهُ قَدْ حَالُ الزَّمَانِ وَالْحَالُ الْمُبَيِّنُ لِلْهَيْئَةِ حَالُ الصِّفَاتِ وَلَكَ رَدُّهُ بِأَنَّهُمَا وَإِنْ تَغَايَرَا لَكِنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْحَالِ وَعَامِلِهَا وَحِينَئِذٍ لَزِمَ مِنْ تَقْرِيبِ الْأُولَى تَقْرِيبُ الثَّانِيَةِ الْمُقَارِنَةِ لَهَا فِي الزَّمَنِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ إذْ تَغْلِيطُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ لَا يَنْحَصِرُونَ مَعَ إمْكَانِ تَأْوِيلِ كَلَامِهِمْ تَسَاهُلٌ اهـ فَتَأَمَّلْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ هَذَا وَالسَّيِّدُ إنَّمَا نَقَلَ فِي حَاشِيَةِ الْمُتَوَسِّطِ هَذَا الِاعْتِرَاضَ بِلَفْظِ قِيلَ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِجَوَابٍ حَسَنٍ أَجَابَ بِهِ أَيْضًا فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ فِي الْمُطَوَّلِ مَضْمُونَ ذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنِسْبَةِ الِاشْتِبَاهِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِمْ، وَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا لَمْ يَرْتَضِهِ السَّيِّدُ وَعِبَارَةُ حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ فِي الْجَوَابِ مَا نَصُّهُ.
وَالصَّوَابُ أَنَّ الْأَفْعَالَ إذَا وَقَعَتْ قُيُودًا لِمَا لَهُ اخْتِصَاصٌ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ فُهِمَ مِنْهَا اسْتِقْبَالِيَّتُهُ اوَحَالِيَّتُهَا وَمَاضَوِيَّتُهَا بِالْقِيَاسِ إلَى ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ لَا بِالْقِيَاسِ إلَى زَمَانِ التَّكَلُّمِ كَمَا فِي مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ إلَى أَنْ قَالَ فَإِذَا قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ رَكِبَ كَانَ
فَقَوْلُ السُّبْكِيّ أَنَّ هَذَا لَا يُفْهَمُ الْتِزَامًا مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يُصَرَّحُ بِهِ (أَنْ يَنُصَّ) فِيمَا فِيهِ خِلَافًا أَيْ غَالِبًا (عَلَى مَا صَحَّحَهُ) فِيهِ (مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ) ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ إلَى الْقَلِيلِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْكَثِيرِ، وَهَذَا حَيْثُ لَا دَلِيلَ يُعَضِّدُ مَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّونَ وَإِلَّا اتَّبَعُوا وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ لَهُمَا أَعْنِي الشَّيْخَيْنِ تَرْجِيحُ مَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّ وَلَوْ وَاحِدًا فِي مُقَابَلَةِ الْأَصْحَابِ وَاعْتَرَضَهُمَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِمَا رَدَدْته عَلَيْهِمْ فِي خُطْبَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَأَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، وَبِمَا قَرَّرْته يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الرَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ يَجْزِمُ بِبَحْثٍ لِلْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِيمَا فِيهِ تَقْيِيدٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ وَرَدَّهُ بِأَنَّ هَذَا لَا يَطَّرِدُ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَا دَخَلَ فِي إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ تَصْرِيحِهِمْ بِهِ فَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ فَهِمَ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِهِمْ فَنَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ تَصْرِيحِهِمْ بِهِ (وَوَفَّى) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ أَيْ الرَّافِعِيُّ وَيَصِحُّ عَلَى
مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ فِي خُطْبَةِ الْمُحَرَّرِ نَاصٌّ إلَخْ (قَوْلُهُ فَقَوْلُ السُّبْكِيّ إلَخْ) أَقُولُ قَوْلُهُ نَاصٌّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ لِكِتَابِهِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ أَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلْمَدْحِ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ سم قَوْلُ الْمَتْنِ (عَلَى مَا صَحَّحَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ) أَيْ مَا رَجَّحَهُ أَكْثَرُهُمْ (قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخَطَأَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِالْتِزَامِ الرَّافِعِيِّ مَا ذُكِرَ أَوْ لِنَصِّهِ عَلَيْهِ وَتَرْجِيحِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ اتِّبَاعُ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْظَمُ وَتَرْجِيحُهُ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا دَلِيلَ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُعْظَمُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْجِيحُهُ وَاعْتِمَادُهُ، قُلْت سَوْقُ ذَلِكَ مُسَاقٌ الْمَدْحُ بِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يَذْكُرُهُ لِلِاعْتِمَادِ وَالتَّرْجِيحِ سم.
(قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ) الْمُشَارُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَإِلَّا اتَّبَعُوا (قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَمَعَ ذَلِكَ بَالَغْت إلَخْ (قَوْلُهُ وَبِمَا قَرَّرْته) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ غَالِبًا وَقَوْلُهُ وَهَذَا حَيْثُ إلَخْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُلْتَزِمَ النَّصَّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُعْظَمُ فِيمَا فِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْمُعْظَمِ فَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِبَحْثِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ أَمَّا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْمُعْظَمِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ تَصْحِيحٌ لَهُمْ فَإِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَإِمَّا لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا حَيْثُ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ فَلَا يَرِدُ إذْ لَمْ يُخَالِفْ مَا صَحَّحُوهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِمَّا حَيْثُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ النَّصُّ عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا يَرِدُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْتِزَامُ النَّصِّ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ اطَّلَعَ عَلَيْهِ سم (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى الِاعْتِرَاضِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ وَرَدَّهُ إلَخْ عُطِفَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِانْدِفَاعِ الرَّدِّ عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ هَذَا لَا يَطَّرِدُ) أَيْ وَقَدْ يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَقَامِ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ) إنْ أَرَادَ بِانْفِرَادِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُعْظَمِ تَصْحِيحٌ هُنَاكَ فَلَا حَاجَةَ لِلْجَوَابِ عَنْ هَذَا لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمُلْتَزَمِ، أَوْ أَنَّ لَهُمْ فِيهِ تَصْحِيحًا فَإِنْ كَانَ مُنَافِيًا لِذَلِكَ الِانْفِرَادِ لَمْ يَتَأَتَّ قَوْلُهُ إنَّهُ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِهِمْ إلَخْ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ لَهُمْ تَصْحِيحًا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ الِانْفِرَادِ سم (قَوْلُهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ) قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ الصَّغِيرُ وَأَوْفَى بِالْهَمْزِ أَيْضًا سم
الْمَفْهُومُ مِنْهُ كَوْنَ الرُّكُوبِ مَاضِيًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجِيءِ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ فَلَا تَحْصُلُ مُقَارَنَةُ الْحَالِ لِعَامِلِهَا، وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَدْ قَرَّبَتْهُ مِنْ زَمَانِ الْمَجِيءِ وَتُفْهَمُ الْمُقَارَنَةُ بَيْنَهُمَا فَكَانَ ابْتِدَاءُ الرُّكُوبِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَجِيءِ لَكِنَّهُ قَارَنَهُ دَوَامًا، وَإِذَا قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ يَرْكَبُ دَلَّ عَلَى كَوْنِ الرُّكُوبِ فِي حَالِ الْمَجِيءِ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ صِحَّةُ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ اهـ.
وَقَدْ عَقَّبَ الْجَوَابَ فِي حَاشِيَةِ الْمُتَوَسِّطِ بِقَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ اهـ قِيلَ وَجْهُ التَّأَمُّلِ أَنَّ قَدْ فِي الْأَصْلِ لِتَقْرِيبِ الْمَاضِي مِنْ الْحَالِ وَلَزِمَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ تَكُونَ لِتَقْرِيبِ الْمَاضِي مِنْ الْمَاضِي، وَالْجَوَابُ أَنَّ قَدْ وُضِعَ وَضْعًا عَامًّا صَالِحًا لِتَقْرِيبِ الْمَاضِي مِنْ الْحَالِ وَلِتَقْرِيبِهِ مِنْ الْمَاضِي اهـ وَلَوْ اطَّلَعَ الشَّارِحُ عَلَى حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ أَوْ حَاشِيَةِ الْمُتَوَسِّطِ كَانَ الْأَوْلَى بِهِ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا فِيهِمَا (قَوْلُهُ فَقَوْلُ السُّبْكِيّ إنَّ هَذَا لَا يُفْهَمُ الْتِزَامًا إلَخْ) أَقُولُ قَوْلُهُ نَاصٌّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ لِكِتَابِهِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ أَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلْمَدْحِ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَبِطَرِيقٍ آخَرَ مَا عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ إمَّا أَرْجَحُ أَوْ لَا إنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا مَعْنَى لِالْتِزَامِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دُونَ بَعْضٍ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الِالْتِزَامُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا مَعْنَى لِلْمَدْحِ بِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا حَيْثُ لَا دَلِيلَ يُعَضِّدُ مَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّونَ) فَإِنْ قُلْت لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُعْظَمُ لَا يَلْزَمُ سُنَّةً تَرْجِيحُهُ وَاعْتِمَادُهُ (قُلْت) سَوْقُ ذَلِكَ مَسَاقَ الْمَدْحِ بِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يَذْكُرُهُ لِلِاعْتِمَادِ وَالتَّرْجِيحِ إذْ لَا مَدْحَ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ مَا صَحَّحَهُ الْمُعْظَمُ مَعَ اعْتِقَادِ ضَعْفِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَبِمَا قَرَّرْته) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ غَالِبًا وَقَوْلُهُ وَهَذَا حَيْثُ إلَخْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُلْتَزَمَ النَّصُّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُعْظَمُ فِيمَا فِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْمُعْظَمِ فَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِبَحْثِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ أَمَّا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْمُعْظَمِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ تَصْحِيحٌ لَهُمْ فَإِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَإِمَّا لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا حَيْثُ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ فَلَا يَرِدُ إذْ لَمْ يُخَالِفْ مَا صَحَّحُوهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِمَّا حَيْثُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْتِزَامُ النَّصِّ عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا يَرِدُ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْتِزَامُ النَّصِّ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ اطَّلَعَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ) إنْ أَرَادَ بِانْفِرَادِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُعْظَمِ تَصْحِيحٌ هُنَاكَ فَلَا حَاجَةَ لِلْجَوَابِ عَنْ هَذَا لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمُلْتَزَمِ لِأَنَّ فَرْضَهُ فِيمَا لِلْمُعْظَمِ فِيهِ تَصْحِيحٌ أَوْ أَنَّ لَهُمْ فِيهِ تَصْحِيحًا فَإِنْ كَانَ مُنَافِيًا لِذَلِكَ الِانْفِرَادِ لَمْ يَتَأَتَّ قَوْلُهُ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِهِمْ إلَخْ فَيُتَعَيَّنُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ لَهُمْ تَصْحِيحًا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ الِانْفِرَادِ (قَوْلُهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ)
قَالَ
بُعْدٍ عَوْدُهُ لِلْمُحَرَّرِ (بِمَا الْتَزَمَهُ) حَسْبَمَا ظَهَرَ لَهُ أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يُنَافِي اسْتِدْرَاكَهُ عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي (وَهُوَ) أَيْ مَا الْتَزَمَهُ (مِنْ أَهَمِّ) الْمَطْلُوبَاتِ (أَوْ) أَيْ بَلْ هُوَ (أَهَمُّ) وَجَرُّهُ مُفْسِدٌ لِلْمَعْنَى (الْمَطْلُوبَاتِ) لِمَنْ يُرِيدُ مَعْرِفَةَ الرَّاجِحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَيَصِحُّ كَوْنُ أَوْ لِلتَّرْدِيدِ إبْهَامًا عَلَى السَّامِعِ وَتَنْشِيطًا لَهُ إلَى الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ وَلِلتَّنْوِيعِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الرَّاجِحِ مَذْهَبًا مِنْ الْأَهَمِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحَاطَةَ بِالْمَدَارِكِ وَهِيَ الْأَهَمُّ لِمَنْ يُرِيدُ مُجَرَّدَ الْإِفْتَاءِ أَوْ الْعَمَلِ، وَمُدْرَكًا بِالْعَكْسِ بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الْأَهَمُّ مُطْلَقًا وَإِنْ قَلَّ نَائِلُوهَا وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ
(لَكِنْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْكَمَالَاتِ فَلِمَ اخْتَصَرْته وَاعْتَرَضْته بِإِبْدَاءِ عُذْرَيْنِ ثَانِيهُمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْهَا التَّنْبِيهُ إلَى آخِرِهِ وَأَوَّلُهُمَا هُوَ أَنَّهُ وَقَعَ (فِي حَجْمِهِ) وَحَجْمِ الشَّيْءِ جُرْمُهُ النَّاتِئُ مِنْ الْأَرْضِ (كَبُرَ) اقْتَضَى بَعْدَهُ (عَنْ حِفْظِ أَكْثَرِ أَهْلِ) أَيْ جَمَاعَةِ (الْعَصْرِ) الرَّاغِبِينَ فِيمَا هُوَ الْأَحْرَى لِلْمُتَفَقِّهِ مِنْ حِفْظِ مُخْتَصَرٍ فِي الْفِقْهِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ وَالْعَصْرُ بِفَتْحٍ أَوْ ضَمٍّ فَسُكُونٍ وَبِضَمَّتَيْنِ وَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَهُوَ هُنَا الزَّمَنُ الْحَاضِرُ وَفِي الْآيَةِ كُلُّ الزَّمَنِ (إلَّا بَعْضَ أَهْلِ) أَيْ أَصْحَابِ (الْعِنَايَاتِ) مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْ أُتْحِفَ بِخَارِقِ الْعَادَةِ فِي حِفْظِهِ فَلَا يَكْبُرُ أَيْ يَعْظُمُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ أَبْسَطَ مِنْهُ فَضْلًا عَنْهُ، ثُمَّ الِاسْتِثْنَاءُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلٍ لَزِمَ أَنَّهُ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَإِنَّهُ عُلِمَ مِنْ مَفْهُومِ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَرَّحَ بِهِ
قَوْلُهُ عَوْدُهُ لِلْمُحَرَّرِ) الْمُنَاسِبُ عَلَى هَذَا عَوْدُهَا الْتَزَمَهُ لِلرَّافِعِيِّ سم وَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمُنَاسِبِ الْأَنْسَبَ (قَوْلُهُ حَسْبَمَا ظَهَرَ لَهُ إلَخْ) لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ مَا قَدَّرَهُ سَابِقًا أَعْنِي قَوْلَهُ غَالِبًا فَتَأَمَّلْهُ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ حَسْبَمَا إلَخْ) صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَفَاءً حَسْبَمَا إلَخْ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ تَأْلِيفِ الْمُحَرَّرِ (قَوْلُهُ فَلَا يُنَافِي) أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ وَوَفَّى بِمَا الْتَزَمَهُ (قَوْلُهُ وَجَرُّهُ مُفْسِدٌ لِلْمَعْنَى) يَعْنِي يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحَادُ الْإِضْرَابِ مَعَ مَا قَبْلَهُ سم (قَوْلُهُ لِمَنْ يُرِيدُ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِأَهَمَّ إلَخْ (قَوْلُهُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ أَنَّ مَا الْتَزَمَهُ أَهَمُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ بَعْضُ الْأَهَمِّ (قَوْلُهُ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحَاطَةَ إلَخْ) أَيْ وَالْإِفْتَاءَ أَوْ الْعَمَلَ أَيْضًا بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ بِالْمَدَارِكِ) هِيَ الْأَدِلَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَمُدْرَكًا) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ مَذْهَبًا إلَخْ وَقَوْلُهُ بِالْعَكْسِ يَعْنِي أَنَّ مَعْرِفَةَ الرَّاجِحِ مُدْرَكًا مِنْ الْأَهَمِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُرِيدُ مُجَرَّدَ الْإِفْتَاءِ أَوْ الْعَمَلِ، وَهِيَ الْأَهَمُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحَاطَةَ بِالْمَدَارِكِ أَيْضًا وَبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ مَا فِي سم مِنْ دَعْوَى الْمُنَافَاةِ بَيْنَ كَلَامَيْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ هِيَ الْأَهَمُّ) أَيْ مَعْرِفَةُ الرَّاجِحِ مُدْرَكًا وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ لِمُرِيدِ الْإِحَاطَةِ بِالْمَدَارِكِ وَمُرِيدِ مُجَرَّدِ الْإِفْتَاءِ أَوْ الْعَمَلِ أَوْ الْقَضَاءِ أَوْ التَّدْرِيسِ أَوْ التَّصْنِيفِ (قَوْلُهُ نَائِلُوهَا) أَيْ مَعْرِفَةُ الرَّاجِحِ مُدْرَكًا (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ أَجْلِ قِلَّةِ مَنْ ذُكِرَ (قَوْلُهُ الشَّافِعِيَّ إلَخْ) مَفْعُولُ خَالَفَ وَقَوْلُهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فَاعِلُهُ يَعْنِي أَنَّ مُخَالَفَةَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ الْمَدَارِكَ الرَّاجِحَةَ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ الَّتِي أَدْرَكَهَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ
(قَوْلُهُ إذَا كَانَ) أَيْ الْمُحَرَّرُ (قَوْلُهُ وَاعْتَرَضَتْهُ) أَيْ بِذِكْرِ الْقُيُودِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَالْمُخَالَفَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالْإِبْدَالِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ (قَوْلُهُ بِإِبْدَاءِ إلَخْ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ جَوَابٌ إلَخْ سم (قَوْلُهُ جُرْمُهُ النَّاتِئُ مِنْ الْأَرْضِ) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ نَتَأَ فَهُوَ نَاتِئٌ ارْتَفَعَ وَبَابُهُ قَطَعَ وَخَضَعَ اهـ فَقَوْلُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُرَادُ جِرْمُ الشَّيْءِ النَّاتِئُ مِنْهُ ع ش (قَوْلُهُ اقْتَضَى بَعْدَهُ) إشَارَةً لِتَضْمِينِ الْعَامِلِ سم أَيْ تَضْمِينِ كَبُرَ مَعْنَى بَعُدَ (قَوْلُهُ لِلْمُتَفَقِّهِ) أَيْ طَالِبِ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ بِفَتْحِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْقَامُوسِ وَالْعَصْرُ مُثَلَّثَةٌ وَبِضَمَّتَيْنِ الدَّهْرُ ج أَعْصَارٌ وَعُصُورٌ وَعُصُرٌ اهـ.
(قَوْلُهُ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ) أَيْ بِالِاصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّ سم أَيْ وَلِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ فِي اصْطِلَاحِ الْمَعَانِيِّينَ (قَوْلُهُ الزَّمَنُ الْحَاضِرُ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَنِّفِ سم (قَوْلُهُ وَفِي الْآيَةِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَصْرِ} [العصر: 1] إلَخْ (قَوْلُهُ كُلُّ الزَّمَنِ) عِبَارَةُ الْجَلَالَيْنِ الدَّهْرُ أَوْ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ أَوْ صَلَاةُ الْعَصْرِ اهـ.
وَفِي الْقَامُوسِ الدَّهْرُ الزَّمَانُ اهـ.
وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَةَ كُلٍّ هُنَا مَقْحَمَةٌ قَوْلُ الْمَتْنِ (إلَّا بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ) يَجُوزُ كَوْنُ إضَافَتِهِ بَيَانِيَّةً سم (قَوْلُهُ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ مُغْنِي وَعَمِيرَةُ هَذَا عَلَى أَوَّلِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْآتِيَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى ثَانِيهِمَا فَالضَّمِيرُ لِلْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) وَقَوْلُهُ عَلَيْهِمْ الضَّمِيرُ فِيهِمَا لِلْبَعْضِ الْأَوَّلِ نَظَرًا لِلَّفْظِ وَالثَّانِي نَظَرًا لِلْمَعْنَى (قَوْلُهُ لَزِمَ أَنَّهُ مُسْتَدْرَكٌ إلَخْ) لَك مَنْعُ الِاسْتِدْرَاكِ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقَلِّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ لَا جَمِيعُهُمْ وَلَوْلَاهُ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُهُمْ
ابْنُ شُهْبَةَ الصَّغِيرُ وَأَوْفَى بِالْهَمْزِ أَيْضًا (قَوْلُهُ عَوْدُهُ لِلْمُحَرَّرِ) وَالْمُنَاسِبُ عَلَى هَذَا عَوْدُ مَا إلَى مَا الْتَزَمَهُ الرَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ أَيْ بَلْ هُوَ) أَقُولُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّ بَلْ لِلْإِضْرَابِ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا لِمُطْلَقِ التَّرْدِيدِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْمَدْحِ كَوْنُهُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ أَوْ احْتِمَالُ كَوْنِهِ الْأَهَمَّ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيَصِحُّ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ وَجَرُّهُ مُفْسِدٌ لِلْمَعْنَى) لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَرَّ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحَادُ الْإِضْرَابِ مَعَ مَا قَبْلَهُ فَهَذَا مُرَادُهُ بِفَسَادِ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَمُدْرَكًا بِالْعَكْسِ) هَذَا مُنَافٍ لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّ مَعْرِفَةَ الرَّاجِحِ مُدْرَكًا مِنْ الْأَهَمِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُرِيدُ مُجَرَّدَ الْإِفْتَاءِ أَوْ الْعَمَلِ وَهَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِهِ السَّابِقِ فِي مَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ مَذْهَبًا وَهِيَ الْأَهَمُّ لِمَنْ يُرِيدُ مُجَرَّدَ الْإِفْتَاءِ وَالْعَمَلِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْأَهَمَّ لَهُ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهَا أَهَمَّ لَهُ وَإِلَّا بَطَلَ هَذَا الْحَصْرُ وَأَنَّ مَعْرِفَةَ الرَّاجِحِ مُدْرَكًا هِيَ الْأَهَمُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحَاطَةَ بِالْمَدَارِكِ لِأَنَّ كَوْنَهَا مِنْ الْأَهَمِّ بِالنِّسْبَةِ لَهُ يُنَافِي انْحِصَارَ الْأَهَمِّيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لَهُ فِي مَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ مُدْرَكًا فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ جَوَابٌ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِإِبْدَاءٍ إلَخْ (قَوْلُهُ اقْتَضَى بَعْدَهُ) فِيهِ إشَارَةٌ لِتَضْمِينِ الْعَامِلِ (قَوْلُهُ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ) أَيْ بِالِاصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّ وَقَوْلُهُ الزَّمَنُ الْحَاضِرُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ إلَّا بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ) يَجُوزُ كَوْنُ إضَافَتِهِ بَيَانِيَّةً (قَوْلُهُ لَزِمَ أَنَّهُ مُسْتَدْرَكٌ إلَخْ) أَقُولُ هَذَا مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ
لِإِفَادَةِ وَصْفِ الْأَقَلِّ الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ بِكَوْنِهِمْ مِنْ ذَوِي الْعِنَايَاتِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَكْثَرَ لَزِمَ ذَلِكَ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ فِيهِ فَائِدَةً هِيَ إفَادَةُ أَنَّ الْأَقَلِّينَ لَا يَعْظُمُ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ لِتَحَمُّلِهِمْ مَشَقَّتَهُ.
وَبَعْضُ الْأَكْثَرِ لَا يَعْظُمُ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ فَالْمُفَادُ مِنْ مَفْهُومِ الْأَكْثَرِ غَيْرُ الْمُفَادِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَتَأَمَّلْهُ (فَرَأَيْت) مِنْ الرَّأْيِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ أَيْ فَبِسَبَبِ عَجْزِ الْأَكْثَرِ عَنْ حِفْظِهِ أَرَدْت بَعْدَ التَّرَوِّي وَاتِّضَاحِ طَرِيقِ الْإِقْدَامِ (اخْتِصَارَهُ) مُسْتَوْعِبًا لِمَقَاصِدِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ أَوْ غَالِبًا فَلَا يَرِدُ مَا حَذَفَهُ مِنْهُ سَهْوًا أَوْ لِأَخْذِهِ مِنْ نَظِيرِهِ (فِي نَحْوِ نِصْفِ) بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ (حَجْمِهِ) أَيِّ قُرْبِهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَلَا يُنَافِي زِيَادَتَهُ عَلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ مَا زَادَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَبْلُغْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ (لِيَسْهُلَ) عِلَّةٌ لِمَا مَهَّدَهُ مِنْ تَقْلِيلِهِ لَفْظَ الْمُحَرَّرِ إلَى أَنْ صَارَ فِي ذَلِكَ الْحَجْمِ (حِفْظُهُ) أَيْ الْمُخْتَصَرِ لِمَنْ يَرْغَبُ فِي حِفْظِ مُخْتَصَرٍ (مَعَ مَا) حَالٌ مِنْ الْمَجْرُورِ أَيْ مَصْحُوبًا بِمَا (أَضُمُّهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) لِلتَّبَرُّكِ رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ رَأَيْت امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] الْآيَةَ.
وَالْإِسْنَادُ لِفِعْلِ الْغَيْرِ كَهُوَ لِفِعْلِ النَّفْسِ (مِنْ) بَيَانٌ لِمَا (النَّفَائِسِ الْمُسْتَجَادَاتِ) أَيْ الْمُعَدَّاتِ جِيَادًا لِبُلُوغِهَا أَقْصَى الْحُسْنِ (مِنْهَا) أَيْ تِلْكَ النَّفَائِسِ (التَّنْبِيهُ) مِنْ النُّبْهِ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَهِيَ الْفَطِنَةُ (عَلَى قُيُودٍ) جَمْعُ قَيْدٍ وَهُوَ اصْطِلَاحًا مَا جِيءَ بِهِ لِجَمْعٍ أَوْ مَنْعٍ أَوْ بَيَانِ وَاقِعٍ أَذْكُرُهَا (فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ) أَيْ قَلِيلٌ مِنْهَا كَمَا أَشْعَرَ بِهِ ذِكْرُ بَعْضُ قِيلَ وَهِيَ عَشْرٌ
سم (قَوْلُهُ وَصْفِ الْأَقَلِّ) أَيْ الْمُقَابِلِ لِلْأَكْثَرِ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ لَزِمَ ذَلِكَ أَيْضًا) أَيْ أَنَّهُ مُسْتَدْرَكٌ وَهَذَا مَمْنُوعٌ أَيْضًا بِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا سم (قَوْلُهُ أَنَّ الْأَقَلِّينَ إلَخْ) هَذَا مَفْهُومُ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ وَبَعْضُ الْأَكْثَرِ إلَخْ) هَذَا مُفَادُ الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ مِنْ الرَّأْيِ إلَخْ) أَيْ لَا مِنْ الرُّؤْيَةِ مُغْنِي (قَوْلُهُ أَيْ فَبِسَبَبِ عَجْزِ الْأَكْثَرِ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْأَقَلِّ لَا مِنْ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ فَلَا يَرِدُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ إلَخْ (قَوْلُهُ بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ) وَفِيهِ لُغَةٌ رَابِعَةٌ نَصِيفٌ بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَفَتْحِ أَوَّلِهِ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ (قَوْلُهُ أَيْ قَرَّبَهُ) تَفْسِيرُ نَحْوِ نِصْفِهِ سم (قَوْلُهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ إلَخْ) فَإِنَّ نَحْوَ الشَّيْءِ يُطْلَقُ عَلَى مَا سَاوَاهُ أَوْ قَارَبَهُ مَعَ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَعَ مَا زَادَهُ إلَخْ) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَ مَا ذَكَرْنَا فِي وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي اخْتِصَارِ الْأَصْلِ سم وَيُمْكِنُ مَنْعُهُ وَادِّعَاءُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا مَالَ إلَيْهِ الْمُغْنِي بِمَا نَصُّهُ هُوَ أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ نَحْوُ نِصْفِ حَجْمِهِ صَادِقٌ بِمَا وَقَعَ فِي الْخَارِجِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ بِيَسِيرٍ بَلْ هُوَ إلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ أَقْرَبُ كَمَا قِيلَ وَلَعَلَّهُ ظَنَّ ذَلِكَ حِينَ شَرَعَ فِي اخْتِصَارِهِ، ثُمَّ احْتَاجَ إلَى زِيَادَةٍ، وَقِيلَ إنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُحَرَّرِ دُونَ الزَّوَائِدِ اهـ.
وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَعْلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي نَحْوِ نِصْفٍ إلَخْ أَوْ قَوْلِهِ مَعَ مَا أَضُمُّهُ إلَخْ حَالًا مِنْ قَوْلِهِ اخْتِصَارُهُ مُرَادًا بِهِ الْمَجْمُوعُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِخْدَامِ قَوْلُ الْمَتْنِ (لِيَسْهُلَ إلَخْ) قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْكِتَابُ يُخْتَصَرُ لِيُحْفَظَ وَيُبْسَطَ لِيُفْهَمَ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَوْلُهُ مَعَ مَا أَضُمُّهُ إلَخْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى سَبْقِ الْخُطْبَةِ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ حَالٌ مِنْ الْمَجْرُورِ) أَيْ بِالْمُضَافِ وَهُوَ هَاءُ حَفِظَهُ سم وَيُمْكِنُ كَوْنُهُ حَالًا مِنْ اخْتِصَارِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِلتَّبَرُّكِ) مَا الْمَانِعُ مِنْ التَّعْلِيقِ سم (قَوْلُهُ لِمَا بَعْدَ رَأَيْت) يَشْمَلُ الِاخْتِصَارَ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ وَسُهُولَةَ حِفْظِهِ سم وَالْمُتَبَادِرُ اخْتِصَاصُهُ بِالضَّمِّ (قَوْلُهُ وَالْإِسْنَادُ إلَخْ) كَأَنَّهُ تَوْجِيهٌ لِرُجُوعٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِقَوْلِهِ لِيَسْهُلَ حِفْظُهُ سم.
(قَوْلُهُ لِفِعْلِ الْغَيْرِ) أَيْ كَسُهُولَةِ الْحِفْظِ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا بَعْدَ رَأَيْت بَصْرِيِّ (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِمَا) أَيْ سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ مَوْصُولًا اسْمِيًّا أَوْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ الْمُعَدَّاتِ) الْمُنَاسِبُ لِلسِّينِ الْمَعْدُودَاتُ (قَوْلُهُ لِبُلُوغِهَا إلَخْ) عَدُّهَا جِيَادًا لَا يَقْتَضِي بُلُوغَهَا أَقْصَى الْحُسْنِ إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّ الْعَادَةَ فِي الْعَدِّ ذَلِكَ سم (قَوْلُهُ وَهُوَ الْفَطِنَةُ) بِالْكَسْرِ الْحِذْقُ وَالْمُرَادُ بِالتَّنْبِيهِ هُنَا تَوْقِيفٌ النَّاظِرُ فِيهِ عَلَى تِلْكَ الْقُيُودِ ع ش (قَوْلُهُ أَوْ بَيَانٌ وَاقِعٌ) وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْقُيُودِ كَمَا قَالَهُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ ع ش (قَوْلُهُ أَذْكُرُهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّنْبِيهَ هُنَا بِمَعْنَى الذِّكْرِ ع ش (قَوْلُهُ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ ذِكْرُ بَعْضٍ) أَيْ بِحَسَبِ اسْتِعْمَالِهِمْ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْبَصْرِيِّ قَدْ
مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَهْلٍ يَصْدُقُ الْكَلَامُ مَعَ كَوْنِ مَنْ لَا يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِهِ نِصْفُ أَهْلِ الْعَصْرِ لِإِضَافَةِ الْأَكْثَرِ إلَى الْأَهْلِ بَعْدَ إخْرَاجِ بَعْضِ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ مِنْهُمْ وَهَذَا صَادِقٌ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَعْضِ مَعَ الْأَقَلِّ بَعْدَ إخْرَاجِهِ نِصْفَ الْجُمْلَةِ مَثَلًا الْجُمْلَةُ أَلْفٌ وَالْبَعْضُ مِائَتَانِ فَالْبَاقِي ثَمَانُمِائَةٍ وَأَكْثَرُهَا صَادِقٌ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْبَاقِي مِنْهَا مَعَ ذَلِكَ الْبَعْضِ خَمْسُمِائَةٍ بِخِلَافِهِ مَعَ تَرْكِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّ مَدْلُولَ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ أَنَّ مَنْ لَا يُحْفَظُ دُونَ النِّصْفِ فَتَأَمَّلْهُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَالَ لَك مَنْعُ الِاسْتِدْرَاكِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَفَادَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَقَلِّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ لَا جَمِيعَهُمْ وَلَوْلَاهُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُهُمْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَزِمَ ذَلِكَ أَيْضًا) أَيْ أَنَّهُ مُسْتَدْرَكٌ.
وَأَقُولُ هَذَا مَمْنُوعٌ أَيْضًا لِمِثْلِ مَا بَيَّنَّا بِهِ مَنْعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَاشِيَةِ الْأُخْرَى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَكْثَرَ يَصْدُقُ الْكَلَامُ مَعَ كَوْنِ مَنْ لَا يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِهِ وَهُوَ الْأَقَلُّ الْمَفْهُومُ مِنْ أَكْثَرَ وَالْمُسْتَثْنَى وَهُوَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ قَدْرُ النِّصْفِ مَثَلًا الْجُمْلَةُ أَلْفٌ وَأَكْثَرُهَا سَبْعُمِائَةٍ وَالْأَقَلُّ مِائَتَانِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ ثَلَثُمِائَةٍ وَالْجُمْلَةُ خَمْسُمِائَةٍ دَلَّ الْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَعْجِزُ عَنْ حِفْظِهِ إذْ دَلَّ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى عَدَمِ عَجْزِ الثَّلَاثِمِائَةِ، وَمَفْهُومُ أَكْثَرَ عَلَى عَدَمِ عَجْزِ الْمِائَتَيْنِ وَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِثْنَاءَ أَفَادَ الْكَلَامُ أَنَّ مَنْ لَا يَعْجِزُ لَيْسَ الْأَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ أَيْ قَرَّبَهُ) تَفْسِيرُ نَحْوِ نِصْفِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَعَ مَا زَادَهُ إلَخْ) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَ مَا ذَكَرْنَا فِي وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي اخْتِصَارِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ لِيَسْهُلَ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اخْتِصَارِهِ (قَوْلُهُ حَالٌ مِنْ الْمَجْرُورِ) أَيْ بِالْمُضَافِ وَهُوَ هَاءُ حَفِظَهُ (قَوْلُهُ لِلتَّبَرُّكِ) مَا الْمَانِعُ مِنْ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ لِمَا بَعْدَ رَأَيْت) يَشْمَلُ الِاخْتِصَارَ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ وَسُهُولَةَ حِفْظِهِ (قَوْلُهُ وَالْإِسْنَادُ) كَأَنَّهُ تَوْجِيهٌ لِرُجُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِقَوْلِهِ لِيَسْهُلَ حِفْظُهُ (قَوْلُهُ لِبُلُوغِهَا أَقْصَى الْحُسْنِ) عَدُّهَا جِيَادًا لَا يَقْتَضِي بُلُوغَهَا أَقْصَى الْحُسْنِ إلَّا أَنْ
وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُ الْمَسْأَلَةِ (هِيَ مِنْ الْأَصْلِ) أَيْ الْمُحَرَّرِ (مَحْذُوفَاتٌ) سَهْوًا أَوْ اتِّكَالًا عَلَى الْمُطَوَّلَاتِ أَوْ اخْتِصَارًا مَعَ كَوْنِهَا مُرَادَةً قِيلَ وَفِي إيثَارِ الْحَذْفِ عَلَى التَّرْكِ مَا يُرَجِّحُ الْأَخِيرَ وَفِيهِ مَا فِيهِ (وَمِنْهَا مَوَاضِعُ يَسِيرَةٌ) نَحْوُ الْخَمْسِينَ (ذَكَرَهَا) أَيْ أَثْبَتَهَا (فِي الْمُحَرَّرِ) لَمْ يُعَبِّرْ عَنْهُ بِالْأَصْلِ هُنَا تَفَنُّنًا، وَلِئَلَّا يَثْقُلَ لِقُرْبِهِ (عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ) أَيْ الرَّاجِحِ (فِي الْمَذْهَبِ) أَذْكُرُهُ فِيهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (كَمَا سَتَرَاهَا) نَفْسُهُ لِتَأَخُّرِ الرُّؤْيَةِ قَلِيلًا عَنْ هَذَا الْمَحَلِّ (إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) احْتَاجَ إلَيْهِ مَعَ إسْنَادِهِ فِعْلَ الرُّؤْيَةِ لِغَيْرِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ كَفِعْلِهِ إذْ لَا يَدْرِي هَلْ يَرَاهَا أَوْ لَا أَوْ لِتَضَمُّنِهِ فِعْلًا لِنَفْسِهِ هُوَ إتْيَانُهُ بِهَا كَذَلِكَ، وَكَمَا نَعْتٌ لِذِكْرٍ الْمَحْذُوفِ أَوْ حَالٌ وَالتَّقْدِيرُ أَذْكُرُ الرَّاجِحَ فِيهَا ذِكْرًا وَاضِحًا مِثْلَ الْوُضُوحِ الَّذِي سَتَرَاهَا عَلَيْهِ وَتَخَالُفُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارَيْنِ سَائِغٌ كَمَا فِي
أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي
(تَنْبِيهٌ) زَعَمَ فِي الْكَشَّافِ أَنَّ هَذِهِ السِّينَ تُفِيدُ الْقَطْعَ بِوُقُوعِ مَدْخُولِهَا كَمَا فِي {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: 137]{أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 71] سَأَنْتَقِمُ مِنْك وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْقَطْعَ هُنَا لِقَرِينَةِ الْمَقَامِ لَا مِنْ مَوْضُوعِ السِّينِ عَلَى أَنَّهُ وَطَّأَ بِهِ لِمَذْهَبِهِ الْفَاسِدِ مِنْ تَحَتُّمِ الْجَزَاءِ فَتَوْجِيهُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ لَهُ غَفْلَةٌ عَنْ هَذِهِ الدَّسِيسَةِ الِاعْتِزَالِيَّةِ (وَاضِحَاتٍ) مَفْعُولٌ ثَانٍ لِتَرَى الْعِلْمِيَّةِ وَكَوْنُهُ وَفَّى بِالْتِزَامِهِ النَّصَّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُعْظَمُ لَا يُنَافِي تَرْجِيحَ خِلَافِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ قَدْ يُرَجِّحُونَ مَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّ (وَمِنْهَا إبْدَالُ مَا) هِيَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ.
وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُعْتَرَضُ بِقَوْلِهِ دَهٍ يازده خِلَافًا لِمَنْ زَعْمُهُ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي أَلْسِنَةِ السَّلَفِ ثُمَّ الْخَلَفِ كَمَا يَأْتِي أَخْرَجَهَا عَنْ الْغَرَابَةِ (كَانَ مِنْ أَلْفَاظِهِ غَرِيبًا) لَا يُؤْلَفُ كَالْبَاغِ (أَوْ مُوهِمًا) أَيْ مُوقِعًا فِي الْوَهْمِ
يُتَوَقَّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْبَعْضَ يَصْدُقُ بِالْأَكْثَرِ فَتَدَبَّرْ اهـ.
(قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ فِي شَرْحٍ وَمِنْهَا مَسَائِلُ نَفِيسَةٌ بِزِيَادَةِ بَسْطٍ، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ فِي شَرْحِ الْمُوَفَّقِ لِلتَّفَقُّهِ قَوْلُ الْمَتْنِ (مَحْذُوفَاتٌ) قَالَ الْمَحَلِّيُّ أَيْ مَتْرُوكَاتٌ انْتَهَى، وَأَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى دَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْحَذْفَ إسْقَاطُهَا بَعْدَ وُجُودِهَا، وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَذْفِ دُونَ التَّرْكِ إشَارَةً إلَى إرَادَتِهَا وَدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا حَتَّى كَأَنَّهَا مَا تُرِكَتْ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ عَلَى الْمُطَوَّلَاتِ) أَيْ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ عَمِيرَةُ (قَوْله قِيلَ وَفِي إيثَارِهِ إلَخْ) هَذَا كَلَامٌ وَجِيهٌ، وَإِنْ قَالَ الشَّارِحُ وَفِيهِ مَا فِيهِ بَصْرِيٌّ وَتُعْلَمُ وَجَاهَتُهُ مِمَّا مَرَّ عَنْ سم آنِفًا قَوْلُ الْمَتْنِ (وَمِنْهَا إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى مِنْهَا التَّنْبِيهُ عَمِيرَةُ قَوْلُ الْمَتْنِ (مَوَاضِعُ إلَخْ) يَجُوزُ كَوْنُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ مَفْهُومٍ مِنْ السِّيَاقِ أَيْ تَحْقِيقِ مَوَاضِعَ فَيَظْهَرُ صِحَّةُ الْحَمْلِ سم، وَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ وَعَنْ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي تَوْجِيهٌ آخَرُ.
(قَوْلُهُ بِالْأَصْلِ إلَخْ) أَيْ وَلَا بِالضَّمِيرِ بِأَنْ يَقُولَ فِيهِ قَصْدًا لِلْإِيضَاحِ سم (قَوْلُهُ أَذْكُرُهُ فِيهَا) عِبَارَةُ الْمُغْنِي عَقِبَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَاضِحَاتٌ أَذْكُرُهَا عَلَى الْمُخْتَارِ اهـ وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَوَاضِعُ يَسِيرَةٌ بِأَنْ أُبَيِّنَ فِيهَا أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُ مَا فِيهِ فَصَارَ حَاصِلَ كَلَامِهِ أَيْ الْمُصَنِّفِ، وَمِنْهَا ذِكْرُ الْمُخْتَارِ فِي الْمَذْهَبِ فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى خِلَافِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّقْدِيرِ (قَوْلُهُ نَفْسُهُ) أَيْ أَخَّرَهُ بِالسِّينِ فَإِنَّ السِّينَ كَمَا يُسَمَّى حَرْفَ الِاسْتِقْبَالِ كَذَلِكَ يُسَمَّى حَرْفَ التَّنْفِيسِ أَيْ التَّأْخِيرِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ) أَيْ فِعْلَ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ أَوْ لِتَضَمُّنِهِ) عُطِفَ عَلَى لِمَا مَرَّ وَالضَّمِيرُ لِفِعْلِ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ أَوْ حَالٌ) أَيْ وَالتَّقْدِيرُ أَذْكُرُهَا عَلَى الْمُخْتَارِ وَاضِحَاتٍ وُضُوحًا مِثْلَ الْوُضُوحِ إلَخْ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ وَالتَّقْدِيرُ رَاجِعٌ لِلْحَالِ أَيْضًا وَمِثْلُ بِمَعْنَى الْمُمَائِلِ (قَوْلُهُ وَاضِحًا إلَخْ) قَدْ يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاضِحَاتٍ (قَوْلُهُ وَتَخَالُفُ الشَّيْءِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ نَشَأَ مِنْ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَشِعْرِي شِعْرِي) أَيْ شِعْرِي الْآن هُوَ شِعْرِي فِيمَا مَضَى كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُرَدُّ إلَخْ) لَا مَعْنَى لِرَدِّ النَّقْلِ عَنْ اللُّغَةِ سم (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ وَطَّأَ بِهِ إلَخْ) لَك أَنْ تَقُولَ التَّوْطِئَةُ بِذَلِكَ لِمَذْهَبِهِ لَا تَقْتَضِي بُطْلَانَ ذَلِكَ لُغَةً فَتَوْجِيهُ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَقَصْدُ التَّوْطِئَةِ أَمْرٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ مِنْ تَحَتُّمِ الْجَزَاءِ) أَيْ وُجُوبُ جَزَاءِ الْأَعْمَالِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ غَفْلَةٌ إلَخْ) حَاشَاهُ سم (قَوْلُهُ عَنْ هَذِهِ الدَّسِيسَةِ إلَخْ) الدَّسِيسَةُ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ الَّتِي لَا تَنْدَفِعُ بِدَوَاءٍ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) وَيُجَابُ أَيْضًا بِمَا قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَوَفَّى بِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ قَوْلِهِ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ سم (قَوْلُهُ إنَّهُمْ قَدْ يُرَجِّحُونَ) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ كَالشَّيْخَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ وُقُوعَهَا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَفْظُ الْبَاغِ كَذَلِكَ سم (قَوْلُهُ أَخْرَجَهَا إلَخْ) وَقَدْ
يُدَّعَى أَنَّ الْعَادَةَ فِي الْعَدِّ ذَلِكَ (قَوْلُهُ مَحْذُوفَاتٌ) قَالَ الْمَحَلِّيُّ أَيْ مَتْرُوكَاتٌ انْتَهَى.
وَأَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى دَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْحَذْفِ مِنْ إسْقَاطِهَا بَعْدَ وُجُودِهَا، وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَذْفِ دُونَ التَّرْكِ إشَارَةً إلَى إرَادَتِهَا وَدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا حَتَّى كَأَنَّهَا مَا تُرِكَتْ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَوَاضِعُ) يَجُوزُ كَوْنُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ مَفْهُومٍ مِنْ السِّيَاقِ أَيْ تَحْقِيقُ مَوَاضِعَ فَيَظْهَرُ صِحَّةُ الْحَمْلِ (قَوْلُهُ لَمْ يُعَبِّرْ عَنْهُ إلَخْ) أَيْ وَلَا بِالضَّمِيرِ بِأَنْ يَقُولَ ذَكَرَهَا فِيهِ قَصْدًا لِلْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْقَطْعَ إلَخْ) لَا مَعْنَى لِرَدِّ النَّقْلِ عَنْ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ وَطَّأَ بِهِ) لَك أَنْ تَقُولَ التَّوْطِئَةُ بِذَلِكَ لِمَذْهَبِهِ لَا تَقْتَضِي بُطْلَانَ ذَلِكَ لُغَةً وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ الْبَعْضِ إنَّمَا هُوَ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَقَصْرُ التَّوْطِئَةِ أَمْرٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنْ زَعَمَ الْغَفْلَةَ عَلَى الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِهَا مِمَّا لَا يَلِيقُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا مَنْشَأَ لَهُ إلَّا الْوَهْمُ أَوْجَبَ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَانْظُرْ هَذَا الْكَلَامَ مِنْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْهَامِشِ عَنْ شَرْحِ الْهَمْزِيَّةِ (قَوْلُهُ غَفْلَةُ) حَاشَاهُ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ قَدْ يُرَجِّحُونَ مَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّ) وَيُجَابُ أَيْضًا بِمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَوَفَّى بِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ قَوْلِهِ حَسْبَمَا ظَهَرَ لَهُ أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ النَّصِّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُعْظَمُ تَرْجِيحُهُ وَاعْتِمَادُهُ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ السِّيَاقَ قَاطِعٌ بِأَنَّ سَبَبَ الْتِزَامِ ذَلِكَ النَّصِّ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَمْرًا رَاجِحًا مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِالْتِزَامِ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ وُقُوعَهَا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ نَفْسُ لَفْظِ الْبَاغِ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِالْمَنْعِ وَفِيهِ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ أَخْرَجَهَا عَنْ الْغَرَابَةِ) قَدْ
أَيْ الذِّهْنَ (خِلَافَ الصَّوَابِ) بِأَنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ غَيْرَ مُرَادٍ أَوْ اسْتَوَى مَعْنَيَاهُ فَلَا يَدْرِي الْمُرَادَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مِمَّا يُؤْلَفُ فَلَا يَتَّحِدُ هَذَا مَعَ الْغَرِيبِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيهِ عَدَمُ إلْفٍ وَلَوْ بِلَا إيهَامٍ وَهَذَا فِيهِ إيهَامٌ وَلَوْ مَعَ إلْفٍ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ وَمَا هُمَا كَذَلِكَ لَا يُغْنِي أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَبِفَرْضِ إغْنَاءِ الْخَفِيِّ عَنْهُمَا كَأَنْ يَقُولَ إبْدَالُهُ الْخَفِيَّ بِالْأَوْضَحِ وَالْأَخْصَرِ لَا يَكْفِي فِي التَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّرَ ارْتَكَبَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْحَقِيقَيْنِ بِالتَّرْكِ وَالطَّرْحِ (بِأَوْضَحَ) مِنْهُ لِإِلْفِ النَّاسِ لَهُ وَسَلَامَتِهِ مِنْ الْإِيهَامِ (وَ) مَعَ ذَلِكَ يَكُونُ بِلَفْظٍ (أَخَصْرَ مِنْهُ بِعِبَارَاتٍ) بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ جَمْعُ عِبَارَةٍ وَعَبْرَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَهِيَ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ أَيْ يُعْرَبُ بِهِ عَنْهُ (جَلِيَّاتٍ) فِي أَدَاءِ الْمُرَادِ لِخُلُوِّهَا عَنْ الْغَرَابَةِ وَالْإِيهَامِ وَاشْتِمَالِهَا عَلَى حُسْنِ السَّبْكِ وَرَصَانَةِ الْمَعْنَى أَيْ غَالِبًا أَوْ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَلَا يُنَافِي الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِهَا، وَإِدْخَالُ الْبَاءِ فِي حَيِّزِ الْإِبْدَالِ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَفِي حَيِّزِ بَدَلٍ، وَالتَّبَدُّلُ وَالِاسْتِبْدَالُ عَلَى الْمَتْرُوكِ هُوَ الْفَصِيحُ وَخَفِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ عَلَى مَنْ اعْتَرَضَ الْمَتْنَ بِآيَةِ {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سبأ: 16] {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ} [البقرة: 108] وَقَدْ تَدْخُلُ فِي حَيِّزِ بَدَّلَ وَنَحْوِهِ عَلَى الْمَأْخُوذِ كَمَا فِي قَوْلِهِ
وَبَدَّلَ طَالِعِي نَحْسِي بِسَعْدِي
عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُتَعَاوَرُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ وَالتَّرْكُ بِاعْتِبَارَيْنِ فَيُتَعَاوَرُ عَلَيْهِ أَبْدَلَ وَمُقَابِلُهُ رِعَايَةً لَهُمَا
(وَمِنْهَا بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ) أَوْ الْأَقْوَالِ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه قِيلَ ذَكَرَ الْمُجْتَهِدُ لَهَا لِإِفَادَةِ إبْطَالِ
يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ إبْدَالَ الْغَرِيبِ مَخْصُوصٌ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذِكْرِهِ لِبَيَانِ حُكْمِهِ كَمَا فِي دَهٍ يازده فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ لِيُبَيِّنَ مُسَاوَاتَهُ لِقَوْلِهِ دِرْهَمٌ لِكُلِّ عَشْرَةٍ سم (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ غَيْرُ مُرَادٍ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ ظَاهِرًا مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِيهِ سم (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَوَى إلَخْ) وَهُوَ إجْمَالٌ وَمَا قَبْلَهُ إلْبَاسٌ (قَوْلُهُ الْخَفِيِّ) أَيْ لَفْظِ الْخَفِيِّ عَنْهُمَا أَيْ الْغَرِيبِ وَالْمُوهِمِ (قَوْلُهُ لَا يَكْفِي) أَيْ الْخَفِيُّ قَوْلُ الْمَتْنِ بِأَوْضَحَ قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ إيضَاحٌ عَمِيرَةُ (قَوْله بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ إلَخْ) هُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُ الْبَاءِ بِمَعْنَى فِي مُتَعَلِّقَةً بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ بِأَوْضَحَ أَوْ حَالٌ مِنْ أَوْضَحَ سم أَقُولُ لَا يَظْهَرُ كَوْنُ الْبَاءِ بِمَعْنَى فِي إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ السَّبَبِيَّةَ فَيُوَافِقُ كَلَامُهُ حِينَئِذٍ قَوْلَ عَمِيرَةَ الْبَاءُ إمَّا سَبَبِيَّةٌ أَوْ لِلْمُلَابَسَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ) أَيْ وَسُكُونِ ثَانِيهِ (قَوْلُهُ أَيْ يُعْرَبُ) بِبِنَاءِ الْمَفْعُولِ مِنْ الْإِعْرَابِ أَيْ الْإِفْصَاحِ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِهَا أَيْ عِبَارَتُهُ (قَوْلُهُ وَإِبْدَالُ الْبَاءِ إلَخْ) وِفَاقًا لِلنِّهَايَةِ عِبَارَتُهُ نَقْلًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الشَّمْسُ الْقَايَاتِيُّ أَنَّهَا إنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَأْخُوذِ فِي الْإِبْدَالِ مُطْلَقًا وَفِي التَّبْدِيلِ إنْ لَمْ يُذْكَرْ مَعَ الْمَتْرُوكِ وَالْمَأْخُوذِ غَيْرُهُمَا، أَمَّا إذَا ذُكِرَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سبأ: 16] وَكَمَا فِي قَوْلِك بَدَّلَهُ بِخَوْفِهِ أَمْنًا فَدُخُولُهَا حِينَئِذٍ عَلَى الْمَتْرُوكِ كَمَا فِي الِاسْتِبْدَالِ وَالتَّبَدُّلِ اهـ.
وَفِي ع ش عَنْ شَرْحِ أَلْفِيَّةِ الْحَدِيثِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ مَا يُوَافِقُهُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ فِي الِاسْتِبْدَالِ وَالتَّبَدُّلِ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ فِي التَّبْدِيلِ، وَقَالَ الرَّشِيدِيُّ قَوْلُهُ م ر كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَبَدَّلْنَاهُمْ} [سبأ: 16] إلَخْ أَيْ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَعَهُمَا الْمَفْعُولَ الَّذِي هُوَ الضَّمِيرُ اهـ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْمَأْخُوذِ) أَيْ كَمَا هُنَا سم (قَوْلُهُ هُوَ الْفَصِيحُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهَا فِي حَيِّزِ كُلٍّ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَالْمَتْرُوكِ، وَإِنَّمَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَصِيحِ فَقَطْ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُذْكَرَ مَعَ الْمَتْرُوكِ وَالْمَأْخُوذِ غَيْرُهُمَا أَوْ لَا ع ش (قَوْلُهُ وَفِي حَيِّزِ بَدَلٍ) لَمْ يَظْهَرْ نُكْتَةُ التَّعْبِيرِ فِيهِ بِالْفِعْلِ وَفِي أَخَوَيْهِ بِالْمَصْدَرِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) أَيْ مِنْ التَّبَدُّلِ وَالِاسْتِبْدَالِ (قَوْلُهُ وَبَدِّلْ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ إلَخْ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَالتَّحْقِيقُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إلَخْ، وَقِيلَ التَّقْدِيرُ وَلِنَجُرَّ عَلَى أَنَّ إلَخْ وَقَوْلُ الْكُرْدِيِّ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَدْ تَدْخُلُ إلَخْ فِيهِ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَتَعَاوَرُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ الْكُرْدِيُّ كَسُعُدِي فِي الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَمَأْخُوذٌ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَكُونُ لِأَنَّ الطَّالِعَ فِيهِ نَحْسٌ الْآنَ يَدْعُو لِحُصُولِ السَّعْدِ لَهُ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الشِّهَابُ الْخَفَاجِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فِي الْإِبْدَالِ فَإِنْ ذَكَرْت أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ الْمُعَوَّضَ أَوْ الْمُعَوَّضَ عَنْهُ فَبَاءُ الْمُقَابَلَةِ تَصْلُحُ لِلْمَأْخُوذِ وَالْمَتْرُوكِ فَاعْتَبِرْهُ بِقَوْلِك بَعَثَ هَذَا بِدِرْهَمٍ وَجَوَابُ مُخَاطَبِك اشْتَرَيْته بِهِ فَالدِّرْهَمُ مَأْخُوذُك وَمَتْرُوكُ صَاحِبِك اهـ وَهُوَ حَسَنٌ
(قَوْلُهُ أَوْ الْأَقْوَالِ) أَيْ بِدَلِيلِ فَمِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ سم (قَوْلُهُ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) اسْتِعْمَالُ التَّرَضِّي فِي غَيْرِ الصَّحَابَةِ جَائِزٌ كَمَا هُنَا، وَإِنْ كَانَ الْكَثِيرُ اسْتِعْمَالَ التَّرَضِّي فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمِ فِي غَيْرِهِمْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الشَّارِحِ م ر قُبَيْلَ زَكَاةِ النَّابِتِ مَا نَصُّهُ وَيُسَنُّ التَّرَضِّي وَالتَّرَحُّمُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْأَخْيَارِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ التَّرَضِّيَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمَ بِغَيْرِهِمْ ضَعِيفٌ انْتَهَى اهـ ع ش (قَوْلُهُ ذَكَرَ الْمُجْتَهِدُ) إلَى قَوْلِهِ وَزَعَمَ أَنَّ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلُهُ وَأَنَّ الْخِلَافَ إلَى، ثُمَّ الرَّاجِحُ وَمَا أُنَبِّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ ذَكَرَ الْمُجْتَهِدُ إلَخْ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمُجْتَهِدِ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ النَّاقِلُ لِأَقْوَالِ الْإِمَامِ أَوْ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ مُسَامَحَةً إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ يَقُولُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مَثَلًا الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَحَقُّ الْعِبَارَةِ نَقْلُ الْأَصْحَابِ لِأَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِ مُطْلِقِينَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لِإِفَادَةِ إلَخْ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ قَوْلُهُ، ثُمَّ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا إلَخْ وَعِبَارَةُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ مُجْتَهِدٍ قَوْلَانِ
يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ إبْدَالَ الْغَرِيبِ مَخْصُوصٌ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذِكْرِهِ لِبَيَانِ حُكْمِهِ كَمَا فِي ده ياز فَإِنَّهُ ذُكِرَ لَيُبَيِّنَ مُسَاوَاتَهُ لِقَوْلِهِ دِرْهَمٌ لِكُلِّ عَشْرَةٍ فِي حُكْمِهِ (قَوْلُهُ أَيْ الذِّهْنُ) هَذَا شَامِلٌ لِمَا لَهُ ظَاهِرٌ مُتَبَادِرٌ مِنْهُ هُوَ الْمُرَادُ لِأَنَّهُ يُوقِعُ فِي الذِّهْنِ الْمَعْنَى الْمَرْجُوحَ لَكِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ إرَادَةِ هَذَا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَذْكُرَ إلَّا النُّصُوصَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُرَادُ مُوهِمًا أَيُّهَا مَا قُوِّيَا (قَوْلُهُ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ) هُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُ الْبَاءِ بِمَعْنَى فِي مُتَعَلِّقَةً بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ بِأَوْضَحَ أَوْ حَالٌ مِنْ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ وَعِبْرَةٌ) أَيْ كَبُدْرَةٍ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَأْخُوذِ) أَيْ كَمَا هُنَا
(قَوْلُهُ أَوْ الْأَقْوَالُ) أَيْ بِدَلِيلِ
مَا زَادَ لَا لِلْعَمَلِ بِكُلٍّ انْتَهَى، وَلَا يَنْحَصِرُ فِي ذَلِكَ بَلْ مِنْ فَوَائِدِهِ بَيَانُ الْمُدْرَكِ، وَأَنَّ مَنْ رَجَّحَ أَحَدَهَا مِنْ مُجْتَهِدِي الْمَذْهَبِ لَا يُعَدُّ خَارِجًا عَنْهُ وَأَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيهَا حَتَّى يُمْنَعَ الزَّائِدُ بِمَعُونَةِ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُمْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلَيْنِ لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُ ثَالِثٍ إلَّا إنْ كَانَ مُرَكَّبًا مِنْهُمَا بِأَنْ يَكُونَ مُفَصَّلًا، وَكُلٌّ مِنْ شِقَّيْهِ قَالَ بِهِ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا مَا تَأَخَّرَ إنْ عُلِمَ، وَإِلَّا فَمَا نَصَّ عَلَى رُجْحَانِهِ وَإِلَّا فَمَا فُرِّعَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَمَا قَالَ عَنْ مُقَابِلِهِ مَدْخُولٌ أَوْ يَلْزَمُهُ فَسَادٌ، وَإِلَّا فَمَا أَفْرَدَهُ فِي مَحَلٍّ أَوْ جَوَابٍ وَإِلَّا فَمَا وَافَقَ مَذْهَبَ مُجْتَهِدٍ لِتُقَوِّيهِ بِهِ فَإِنْ خَلَا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ
مُتَعَاقِبَانِ فَالْمُتَأَخِّرُ قَوْلُهُ إلَخْ رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ مَا زَادَ) أَيْ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ وَاحِدًا مِنْهَا وَلَا مُرَكَّبًا مِنْهَا سم أَيْ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْحَصِرُ) أَيْ فَائِدَةُ الذِّكْرِ وَتَذْكِيرُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْفَكُّ عَنْ التَّاءِ كَالْمَعْرِفَةِ وَالنَّكِرَةِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعِصَامُ (قَوْلُهُ بَيَانُ الْمُدْرِكِ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مَوْضِعُ الْإِدْرَاكِ وَمَدَارِكُ الشَّرْعِ مَوَاضِعُ طَلَبِ الْأَحْكَامِ، وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ فِي الْوَاحِدِ مَدْرَكٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَلَيْسَ لِتَخْرِيجِهِ وَجْهٌ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ لَكِنْ فِي حَوَاشِي الشَّنَوَانِيِّ عَلَى شَرْحِ الشَّافِيَةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْغَزِّيِّ عَلَى الْجَارْبُرْدِيِّ أَنَّ الْمَدْرَكَ بِفَتْحِ الْمِيمِ انْتَهَى اهـ.
ع ش (قَوْلُهُ وَأَنَّ مَنْ رَجَّحَ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى بَيَانِ الْمُدْرَكِ (قَوْلُهُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيهَا) كَذَا فِيمَا رَأَيْت وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنَّ عَدَمَ الِانْحِصَارِ لَا يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِهَا حَتَّى يَكُونَ مِنْ فَوَائِدِهَا، وَأَنَّ عَدَمَ الِانْحِصَارِ مَنَافٍ لِمَا نَقَلَهُ مِنْ قَوْلِهِ إبْطَالُ مَا زَادَ وَلَوْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ هَكَذَا وَأَنَّ الْخِلَافَ انْحَصَرَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ زَائِدًا عَلَى مَا نَقَلَهُ بِقَوْلِهِ إبْطَالُ مَا زَادَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْعِبَارَةَ هِيَ مَا رَأَيْت وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ الْأَقْوَالِ بِمَعُونَةِ مَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيهَا بَلْ يَجُوزُ إحْدَاثُ قَوْلٍ زَائِدٍ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ خَارِجًا عَنْهَا بَلْ مُرَكَّبًا مِنْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ سم وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِشْكَالَ قَوِيٌّ، وَالْجَوَابُ ضَعِيفٌ وَلِذَا أَسْقَطَ النِّهَايَةُ هَذِهِ الْفَائِدَةَ (قَوْلُهُ حَتَّى يَمْنَعَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ فَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ لِلْحَصْرِ (قَوْلُهُ مُفَصِّلًا) اسْمُ فَاعِلٍ (قَوْلُهُ مِنْ شِقَّيْهِ) أَيْ التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ مَا تَأَخَّرَ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ مَا نُصَّ عَلَى رُجْحَانِهِ وَإِلَّا فَمَا عُلِمَ تَأَخُّرُهُ وَإِلَّا إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَمَا نُصَّ عَلَى رُجْحَانِهِ) يَقْتَضِي أَنَّ الرَّاجِحَ مَا تَأَخَّرَ إنْ عُلِمَ وَإِنْ نُصَّ عَلَى رُجْحَانِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا فَلَوْ عَكَسَ فَقَالَ، ثُمَّ الرَّاجِحُ مَا نُصَّ عَلَى رُجْحَانِهِ وَإِلَّا فَمَا تَأَخَّرَ إنْ عُلِمَ أَصَابَ، قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ وَهُوَ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَمَعْنًى أَمَّا نَقْلًا فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ كَالرَّوْضِ وَغَيْرِهِ وَكُتُبِ الْأُصُولِ كَجَمْعِ الْجَوَامِعِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَقُولُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا.
وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ أَقْوَى مِنْ التَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إنَّمَا رَجَّحَ الْأَوَّلَ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ وَمَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا كَالنَّاسِخِ لِلْأَوَّلِ بِتَرْجِيحِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ مِنْ أَقْوَالِهِ صلى الله عليه وسلم نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ مُطْلَقًا وَإِنْ قَالَ فِي الْمُتَقَدِّمِ إنَّهُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ فَعُلِمَ أَنَّ الصَّوَابَ مَا صَنَعَهُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ لَا مَا صَنَعَهُ الشَّارِحُ م ر الْمُوَافِقُ لِاعْتِرَاضِ ابْنِ قَاسِمٍ رَشِيدِيٌّ أَقُولُ وَكَذَا صَنِيعُ الْمُغْنِي مُوَافِقٌ لِصَنِيعِ التُّحْفَةِ كَمَا يَأْتِي لَكِنَّ قَوْلَهُ أَيْ الرَّشِيدِيِّ وَأَمَّا مَعْنَى إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا يُلَاقِي لِاعْتِرَاضِ سم إذْ مُرَادُهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِهِ الْمَعْلُومِ تَأَخُّرُهُ إذَا نَصَّ عِنْدَهُ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى رُجْحَانِ الْأَوَّلِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْأَوَّلِ قَطْعًا خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ صَنِيعُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَمَا نَصَّ) أَيْ الشَّافِعِيُّ ع ش (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَمَا قَالَ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا الصَّنِيعِ أَنَّهُ إذَا فَرَّعَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ عَنْهُ إنَّهُ مَدْخُولٌ أَوْ يَلْزَمُهُ فَسَادٌ أَنَّهُ يُقَدَّمُ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، ثُمَّ رَأَيْت الشِّهَابَ ابْنَ قَاسِمٍ سَبَقَ إلَى ذَلِكَ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ مَدْخُولٌ) أَيْ فِيهِ دَخَلٌ أَيْ نَظَرٌ ع ش (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَمَا وَافَقَ إلَخْ) عِبَارَةُ كَنْزِ الْبَكْرِيِّ وَلَوْ وَافَقَ أَخَذَ قَوْلَيْهِ الْمُطْلَقَيْنِ مَذْهَبُ مُجْتَهِدٍ كَانَ مُرَجَّحًا بِالنِّسْبَةِ
فَمِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ (قَوْلُهُ مَا زَادَ) أَيْ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهَا وَلَا مُرَكَّبًا مِنْهَا (قَوْلُهُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيهَا) كَذَا فِيمَا رَأَيْت وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنَّ عَدَمَ الِانْحِصَارِ لَا يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِهَا حَتَّى يَكُونَ مِنْ فَوَائِدِهَا وَإِنَّ عَدَمَ الِانْحِصَارِ مُنَافٍ لِمَا نَقَلَهُ مِنْ قَوْلِهِ إبْطَالُ مَا زَادَ وَلَوْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ هَكَذَا وَإِنَّ الْخِلَافَ انْحَصَرَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ زَائِدًا عَلَى مَا نَقَلَهُ بِقَوْلِهِ أَبْطَلَ مَا زَادَ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْعِبَارَةَ هِيَ مَا رَأَيْت وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ الْأَقْوَالِ بِمَعُونَةِ مَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيهَا بَلْ يَجُوزُ إحْدَاثُ قَوْلٍ زَائِدٍ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ خَارِجًا عَنْهَا بَلْ مُرَكَّبًا مِنْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَمَا نَصَّ عَلَى رُجْحَانِهِ) يَقْتَضِي أَنَّ الرَّاجِحَ مَا تَأَخَّرَ إنْ عُلِمَ وَإِنْ نَصَّ عَلَى رُجْحَانِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا فَلَوْ عُكِسَ فَقَالَ ثُمَّ الرَّاجِحُ مَا نُصَّ عَلَى رُجْحَانِهِ وَإِلَّا فَمَا تَأَخَّرَ إنْ عُلِمَ أَصَابَ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا مَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ تَأَخُّرُهُ وَهُوَ لَا يَخْلُصُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَمَا قَالَ) ظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ مَا فُرِّعَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ عَنْهُ يَلْزَمُهُ فَسَادٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَمَا وَافَقَ مَذْهَبَ مُجْتَهِدٍ) عِبَارَةُ كَنْزٍ مَوْلَانَا الْبَكْرِيُّ وَلَوْ وَافَقَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ الْمُطْلَقَيْنِ مَذْهَبَ مُجْتَهِدٍ كَانَ مُرَجَّحًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَلِّدِ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ مِنْ الْقَوْلِ فِي غَيْرِهَا وَالْمُوَافِقُ زَادَتْ بِهِ قُوَّةُ ذَلِكَ الْقَوْلِ انْتَهَى وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلشَّافِعِيِّ
فَهُوَ لِتَكَافُؤِ نَظَرَيْهِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى سَعَةِ الْعِلْمِ وَدِقَّةِ الْوَرَعِ حَذَّرَ مِنْ وَرْطَةِ هُجُومٍ عَلَى تَرْجِيحٍ مِنْ غَيْرِ اتِّضَاحِ دَلِيلٍ، وَزَعَمَ أَنَّ صُدُورَ قَوْلَيْنِ مَعًا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ كَفِيهَا قَوْلَانِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا غَلَطٌ أُفْرِدَ رَدُّهُ وَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِهِ وَوُقُوعِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِتَأْلِيفٍ حَسَنٍ قَالَ الْإِمَامُ وَوَقَعَ ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا.
وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَخْيِيرِ الْمُقَلِّدِ بَيْنَ قَوْلَيْ إمَامِهِ أَيْ عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ لَا الْجَمْعِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ إجْمَاعَ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ كَيْفَ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ
لِلْمُقَلِّدِ انْتَهَى.
وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مُوَافِقٌ أَبَا حَنِيفَةَ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ الْمُخَالِفَ أَوْلَى، وَهَذَا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا خَالَفَهُ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى مُوجَبِ الْمُخَالَفَةِ وَالثَّانِي الْقَوْلُ الْمُوَافِقُ أَوْلَى وَهَذَا قَوْلُ الْقَفَّالِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ نَجِدْ مُرَجِّحًا مِمَّا سَبَقَ انْتَهَى، وَيَنْبَغِي حَمْلُ تَصْحِيحِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَدُلَّ النَّظَرُ الْمُوَافِقُ لِقَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ عَلَى رُجْحَانِ الْمُخَالِفِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَدْ يُوَافِقُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَذْهَبَ مُجْتَهِدٍ سم بِحَذْفٍ (قَوْلُهُ فَهُوَ لِتَكَافُؤِ نَظَرَيْهِ) الْجُمْلَةُ جَوَابٌ فَإِنْ خَلَا إلَخْ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَدُلُّ إلَخْ) أَيْ ذِكْرُ قَوْلَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ ع ش (قَوْلُهُ حَذَرًا إلَخْ) لَعَلَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ لِيَدُلَّ عَلَى دِقَّةِ الْوَرَعِ، وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَحَذَرًا إلَخْ بِالْوَاوِ وَالْعَاطِفَةِ عَلَى لِتَكَافُؤِ نَظَرَيْهِ اهـ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.
(قَوْلُهُ مِنْ وَرْطَةِ هُجُومٍ) أَيْ مِنْ مَفْسَدَةِ هُجُومٍ وَالْوَرْطَةُ لُغَةً الْهَلَاكُ ع ش (قَوْلُهُ وَزَعَمَ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ غَلَطٌ وَيُصَرِّحُ بِالْجَوَازِ أَيْضًا قَوْلُ الْمُغْنِي مَا نَصُّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ جَدِيدَانِ فَالْعَمَلُ بِآخِرِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَبِمَا رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ قَالَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ عُمِلَ بِإِحْدَاهُمَا كَانَ إبْطَالًا لِلْآخَرِ عِنْدَ الْمُزَنِيّ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَكُونُ إبْطَالًا بَلْ تَرْجِيحًا، وَهَذَا أَوْلَى وَاتَّفَقَ ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ فِي نَحْوِ سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ قَالَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا لَزِمَ الْبَحْثُ عَنْ أَرْجَحِهِمَا بِشَرْطِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنْ أُشْكِلَ تَوَقَّفَ فِيهِ اهـ.
(قَوْلُهُ رَدَّهُ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَإِنَّ الْإِجْمَاعَ إلَخْ سم (قَوْلُهُ بِتَأْلِيفِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِأَفْرَدَ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ) إلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَهُوَ وَجِيهٌ وَقَوْلُهُ وَكَانَ أَخَذَ إلَى؛ لِأَنَّ كُلًّا وَمَا أُنَبِّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ إلَخْ) أَيْ الْمَالِكِيُّ ع ش (قَوْلُهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَخْيِيرِ الْمُقَلِّدِ إلَخْ) هَلْ يَجْرِي مَا ذُكِرَ فِي الْوَجْهَيْنِ سم (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ تَرْجِيحٌ إلَخْ) أَيْ أَمَّا إذَا ظَهَرَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ فَمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ لِنَفْسِهِ بِالْأَوْجُهِ الضَّعِيفَةِ كَمُقَابِلِ الْأَصَحِّ غَيْرُ صَحِيحٍ هَكَذَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا ع ش وَفِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي قَوْلَيْنِ لِمُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُنْتِجُ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ إذَا تَعَدَّدَ قَائِلُهُمَا كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ فَمَا اُشْتُهِرَ إلَخْ تَفْرِيعًا عَلَى مَا هُنَا فِي مَقَامِ الْمَنْعِ.
وَقَوْلُهُمْ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ إنَّمَا هُوَ فِي قَوْلَيْنِ لِإِمَامٍ وَاحِدٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ جَمْعِ الْجَوَامِعِ الَّذِي هِيَ عِبَارَتُهُ كَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ فِي قَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ لَيْسَ هُوَ خُصُوصَ الْعَمَلِ لِلنَّفْسِ بَلْ الْمُرَادُ كَوْنُهُ الْمَعْمُولَ بِهِ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ فَمَا اُشْتُهِرَ إلَخْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ هَذِهِ الشُّهْرَةَ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا مُلَخَّصُهُ بَعْدَ كَلَامٍ أَسْلَفَهُ، ثُمَّ مُقْتَضَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَإِذَا اخْتَلَفَ مُتَبَحِّرَانِ فِي مَذْهَبٍ إلَخْ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي الْعَمَلِ وَيُؤَيِّدُهُ إفْتَاءُ الْبُلْقِينِيِّ بِجَوَازِ تَقْلِيدِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي الدُّورِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ السُّبْكِيّ فِي الْوَقْفِ فِي فَتَاوِيهِ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَمَلِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اهـ فَكَلَامُ الرَّوْضَةِ السَّابِقُ أَيْ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الشَّرْحِ هُنَا مَعَ زِيَادَةِ التَّصْرِيحِ بِالْوَجْهَيْنِ مَحْمُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَمَلِ بِالْوَجْهَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ لِقَائِلٍ وَاحِدٍ أَوْ شَكَّ فِي كَوْنِهِمَا لِقَائِلٍ أَوْ قَائِلَيْنِ كَمَا فِي قَوْلَيْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا لَمْ يَتَحَرَّرْ لِلْمُقَلِّدِ بِطَرِيقٍ يَعْتَمِدُهُ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ كَوْنُهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّرْجِيحِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُ أَحَدِهِمَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَفَعَنَا بِهِ فَتَأَمَّلْهُ حَقَّ التَّأَمُّلِ وَانْظُرْ إلَى فِرْقَةٍ آخِرًا بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ لِقَائِلٍ وَاحِدٍ وَالْوَجْهَيْنِ لِقَائِلَيْنِ تَعْلَمُ مَا فِي تَفْرِيعِ شَيْخِنَا
قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا:
أَنَّ الْقَوْلَ الْمُخَالِفَ أَوْلَى وَهَذَا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا خَالَفَهُ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى مُوجَبِ الْمُخَالَفَةِ وَالثَّانِي الْقَوْلُ الْمُوَافِقُ أَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِدْ مُرَجِّحًا مِمَّا سَبَقَ انْتَهَى، وَعِبَارَةُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مُخَالِفُ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْجَحُ مِنْ مُوَافِقِهِ وَعَكَسَ الْقَفَّالُ وَالْأَصَحُّ التَّرْجِيحُ بِالنَّظَرِ فَإِنْ وُقِفَ فَالْوَقْفُ انْتَهَى وَيَنْبَغِي حَمْلُ تَصْحِيحِ الْمَجْمُوعِ السَّابِقِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَدُلَّ النَّظَرُ الْمُوَافِقُ لِقَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ عَلَى رُجْحَانِ الْمُخَالِفِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَدْ يُوَافِقُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَذْهَبَ مُجْتَهِدٍ (قَوْلُهُ أَفْرَدَ رَدَّهُ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ إلَخْ) هَلْ يَجْرِي مَا ذَكَرَ فِي الْوَجْهَيْنِ
مَنْعُ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ دُونَ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَانْتَصَرَ لَهُ الْغَزَالِيُّ كَمَا يَجُوزُ لِمَنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى تَسَاوِي جِهَتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ إجْمَاعًا وَقَوْلُ الْإِمَامِ يَمْتَنِعُ إنْ كَانَا فِي حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ كَإِيجَابٍ وَتَحْرِيمٍ بِخِلَافِ نَحْوِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ.
وَأَجْرَى السُّبْكِيُّ ذَلِكَ وَتَبِعُوهُ فِي الْعَمَلِ بِخِلَافِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَيْ مِمَّا عَلِمْت نِسْبَتَهُ لِمَنْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ، وَجَمِيعُ شُرُوطِهِ عِنْدَهُ وَحُمِلَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَيْ فِي قَضَاءٍ أَوْ إفْتَاءٍ وَمَحَلُّ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ صُوَرِ التَّقْلِيدِ مَا لَمْ يَتَتَبَّعْ الرُّخَصَ بِحَيْثُ تَنْحَلُّ رِبْقَةُ التَّكْلِيفِ مِنْ عُنُقِهِ، وَإِلَّا أَثِمَ بِهِ بَلْ قِيلَ فَسَقَ وَهُوَ وَجِيهٌ قِيلَ وَمَحَلُّ ضَعْفِهِ أَنَّ تَتَبُّعَهَا مِنْ الْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَّا فَسَقَ قَطْعًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ كَالْآمِدِيِّ مَنْ عَمِلَ فِي مَسْأَلَةٍ بِقَوْلِ إمَامٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ فِيهَا بِقَوْلِ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا لِتَعَيُّنِ حَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَعَ الثَّانِي تَرَكُّبُ حَقِيقَةٍ لَا يَقُولُ بِهَا كُلٌّ مِنْ الْإِمَامَيْنِ كَتَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ وَمَالِكٍ فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ.
ثُمَّ رَأَيْت السُّبْكِيَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَتَاوِيهِ ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةِ بَسْطٍ فِيهِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمْعٌ فَقَالُوا إنَّمَا يَمْتَنِعُ تَقْلِيدُ الْغَيْرِ بَعْدَ الْعَمَلِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ نَفْسِهَا لَا مِثْلِهَا خِلَافًا لِلْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ كَأَنْ أَفْتَى بِبَيْنُونَةِ زَوْجَتِهِ فِي نَحْوِ تَعْلِيقٍ فَنَكَحَ أُخْتَهَا، ثُمَّ أَفْتَى بِأَنْ لَا بَيْنُونَةَ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ لِلْأُولَى وَيُعْرِضَ عَنْ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ إبَانَتِهَا، وَكَانَ أَخَذَ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ تَقْلِيدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ فَأَرَادَ تَقْلِيدَ الشَّافِعِيِّ فِي تَرْكِهَا
الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْمَذْكُورَ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَتَمَّ بَسْطٍ بِمَا يُوَافِقُ مَا فِي فَتَاوِيهِ فَرَاجِعْهُ رَشِيدِيٌّ
أَقُولُ مَا نَقَلَهُ عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ وَغَيْرِهَا لَا يُنَافِي مَقَالَةَ ع ش فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَامِلُ مِنْ أَهْلِ تَرْجِيحٍ ظَهَرَ لَهُ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مَثَلًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي قَوْلَيْنِ لِمُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُنْتِجُ إلَخْ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ حُكْمَ تَعَدُّدِ الْوُجُوهِ يُعْلَمُ مِنْ حُكْمِ تَعَدُّدِ الْأَقْوَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ مُنِعَ ذَلِكَ) أَيْ التَّخْيِيرُ ع ش (قَوْلُهُ دُونَ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ) أَيْ مِمَّا يُحْفَظُ سم (قَوْلُهُ وَبِهِ يُجْمَعُ) أَيْ بِالْمَنْعِ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ وَالْجَوَازُ فِي الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ يَجُوزُ إلَخْ) أَيْ التَّخْيِيرُ (قَوْلُهُ وَأَجْرَى السُّبْكِيُّ ذَلِكَ) أَيْ التَّفْصِيلَ، وَقَوْلُهُ فِي الْعَمَلِ مُتَعَلِّقٌ بِأَجْرَى إلَخْ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَيْ بِغَيْرِ الْمَذَاهِبِ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَمَلِ ع ش (قَوْلُهُ أَيْ مِمَّا عَلِمْت إلَخْ) قَدْ يُشْكِلُ مَعَ فَرْضِ عِلْمِ النِّسْبَةِ وَجَمِيعِ الشُّرُوطِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهَا فِي تَقْيِيدِ غَيْرِهَا بِغَيْرِ الْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ هَذَا الْكَلَامِ سم (قَوْلُهُ لِمَنْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ) وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَمِيعُ شُرُوطِهِ) عُطِفَ عَلَى نِسْبَتُهُ وَضَمِيرُ عِنْدَهُ يَرْجِعُ إلَى الْعَامِلِ كُرْدِيٌّ وَالْأَصْوَبُ إلَى مَنْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ (قَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ التَّفْصِيلِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْمَنْعِ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ (قَوْلُهُ أَيْ فِي قَضَاءٍ أَوْ إفْتَاءٍ) أَيْ دُونَ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ) أَيْ التَّفْصِيلِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْجَوَازِ فِي الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ عِبَارَةُ الْكُرْدِيِّ أَيْ التَّقْلِيدُ فِي الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَتَبَّعْ الرُّخَصَ) أَيْ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ بِالْأَسْهَلِ مِنْهُ (قَوْلُهُ رِبْقَةُ التَّكْلِيفِ) أَيْ رِبَاطُهُ (قَوْلُهُ بَلْ قِيلَ فَسَقَ) وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ نِهَايَةٌ وَسَمِّ أَيْ فَلَا يَكُونُ فِسْقًا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الْفِسْقُ ع ش (قَوْلُهُ وَمَحَلُّ ضَعْفِهِ) أَيْ الْقَوْلِ بِالْفِسْقِ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ مَحَلُّ الْخِلَافِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ) أَيْ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ إلَخْ مِنْ جَوَازِ التَّقْلِيدِ لِإِمَامٍ فِي مَسْأَلَةٍ بَعْدَ الْعَمَلِ فِيهَا بِقَوْلِ إمَامٍ آخَرَ (قَوْلُهُ لِتَعَيُّنِ حَمْلِهِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ وَالضَّمِيرُ لِمَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ تَرَكُّبُ حَقِيقَةٍ إلَخْ) وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةٍ بِتَمَامِهَا بِجَمِيعِ مُعْتَبَرَاتِهَا فَيَجُوزُ وَلَوْ بَعْدَ الْعَمَلِ كَأَنْ أَدَّى عِبَادَتَهُ صَحِيحَةً عِنْدَ بَعْضِ الْأَرْبَعَةِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَهُ تَقْلِيدُهُ فِيهَا حَتَّى لَا يَلْزَمَ قَضَاؤُهَا دَيْرَبِيٌّ اهـ.
بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ نَحْوُ ذَلِكَ) أَيْ نَحْوُ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ) أَيْ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ ع ش أَيْ حَيْثُ رَجَّحَ الِامْتِنَاعَ مُطْلَقًا فِي نَفْسِ الْحَادِثَةِ وَمِثْلُهَا وَحُمِلَ قَوْلُ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَأَنْ أَفْتَى إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ كَأَنْ أَفْتَى شَخْصٌ بِبَيْنُونَةِ زَوْجَةٍ بِطَلَاقِهَا مُكْرَهًا، ثُمَّ نَكَحَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أُخْتَهَا مُقَلِّدًا أَبَا حَنِيفَةَ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ، ثُمَّ أَفْتَاهُ شَافِعِيٌّ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ مُقَلِّدًا لِلْحَنَفِيِّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ لَا يَقُولُ بِهِ حِينَئِذٍ كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ رَادًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ مُغْتَرًّا بِظَاهِرِ مَا مَرَّ اهـ قَالَ الرَّشِيدِيُّ قَوْلُهُ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى، وَأَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ إلَخْ أَيْ جَامِعًا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي صَرِيحِ فَتَاوَى وَالِدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْرَضَ عَنْ الثَّانِيَةِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبِنْهَا فَإِنَّ لَهُ وَطْءَ الْأُولَى تَقْلِيدًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ رَادًّا عَلَى الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ أَفْتَى إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ سَيَظْهَرُ سم (قَوْلُهُ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ لِلْأُولَى إلَخْ) كَوْنُ هَذِهِ يَلْزَمُ فِيهَا تَرَكُّبُ قَوْلِهِ لَا يَقُولُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحَلُّ تَأَمُّلٍ نَعَمْ لَوْ قِيلَ بِبَقَائِهِ مَعَهُمَا كَانَ وَاضِحًا بَصْرِيٌّ وَتَقَدَّمَ عَنْ الرَّشِيدِيِّ وَيَأْتِي عَنْ سم مَا يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ) كَأَنْ
قَوْلُهُ دُونَ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ) أَيْ مِمَّا يُحْفَظُ (قَوْلُهُ أَيْ مِمَّا عَلِمْت إلَخْ) قَدْ يُشْكِلُ مَعَ فَرْضِ عِلْمِ النِّسْبَةِ وَجَمِيعُ الشُّرُوطِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهَا فِي تَقْيِيدِ غَيْرِهَا بِغَيْرِ الْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ هَذَا الْكَلَامِ (قَوْلُهُ بَلْ قِيلَ فَسَقَ إلَخْ) الْوَجْهُ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ كَأَنْ أَفْتَى إلَخْ) فِي شَرْحِ م ر كَأَنْ أَفْتَى شَخْصٌ بِبَيْنُونَةِ زَوْجَةٍ بِطَلَاقِهَا مُكْرَهًا ثُمَّ نَكَحَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أُخْتَهَا مُقَلِّدًا أَبَا حَنِيفَةَ بِطَلَاقِ الْمُكْرَهِ ثُمَّ أَفْتَاهُ شَافِعِيٌّ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ مُقَلِّدًا لِلْحَنَفِيِّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ لَا يَقُولُ بِهِ حِينَئِذٍ كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ رَادًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ مُغْتَرًّا بِظَاهِرِ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَفْتَى إلَخْ) فِي هَذَا الْمِثَالِ نَظَرٌ سَيَظْهَرُ (قَوْلُهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ) أَيْ كَأَنْ بَاعَ مَا أَخَذَهُ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَلَا
فَيَمْتَنِعُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ لَا يَقُولُ بِهِ حِينَئِذٍ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ مَا مَرَّ
. (وَالْوَجْهَيْنِ) أَوْ الْأَوْجُهِ لِلْأَصْحَابِ خَرَّجُوهَا عَلَى قَوَاعِدِهِ أَوْ نُصُوصِهِ، وَقَدْ يَشِذُّونَ عَنْهُمَا كَالْمُزَنِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ فَتُنْسَبُ لَهُمَا وَلَا تُعَدُّ وُجُوهًا فِي الْمَذْهَبِ (وَالطَّرِيقَيْنِ) أَوْ الطُّرُقِ وَهِيَ اخْتِلَافُهُمْ فِي حِكَايَةِ الْمَذْهَبِ فَيَحْكِي بَعْضُهُمْ نَصَّيْنِ وَبَعْضُهُمْ نُصُوصًا وَبَعْضُهُمْ بَعْضَهَا أَوْ مُغَايِرَهَا حَقِيقَةً كَأَوْجُهٍ بَدَلَ أَقْوَالٍ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ بِاعْتِبَارٍ كَتَفْصِيلٍ فِي مُقَابَلَةِ إطْلَاقٍ وَعَكْسُهُ فَلِهَذَا كَثُرَتْ الطُّرُقُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ (وَالنَّصِّ) أَيْ الْمَنْصُوصِ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه مِنْ نَصَّ الشَّيْءَ رَفَعَهُ وَأَظْهَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ كَانَ ظَاهِرًا مَرْفُوعَ الرُّتْبَةِ عَلَى غَيْرِهِ (وَمَرَاتِبِ الْخِلَافِ) قُوَّةً وَضَعْفًا حَيْثُ ذُكِرَ (فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ) غَالِبًا
بَاعَ مَا أَخَذَهُ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَلَا يَصِحُّ تَصْوِيرُ ذَلِكَ بِمَا لَوْ كَانَ لَهُ دَارَانِ فَبِيعَتْ دَارٌ تُجَاوِرُ إحْدَاهُمَا فَأَخَذَهَا بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ، ثُمَّ أَرَادَ هُوَ بَيْعَ دَارِهِ الْأُخْرَى وَأَرَادَ تَقْلِيدَ الشَّافِعِيِّ فِي مَنْعِ أَخْذِ جَارِهِ لَهَا فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ أُخْرَى سم.
(قَوْلُهُ فَيَمْتَنِعُ فِيهِمَا) أَيْ يَمْتَنِعُ التَّقْلِيدُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ وَمَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فِي الْأُولَى إذْ قَضِيَّةُ قَوْلِ الثَّانِي فِيهَا أَنَّ الزَّوْجَةَ الْأُولَى بَاقِيَةٌ فِي عِصْمَتِهِ، وَأَنَّ الثَّانِيَةَ لَمْ تَدْخُلْ فِي عِصْمَتِهِ فَالرُّجُوعُ لِلْأُولَى وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ إبَانَةٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى حَجّ اهـ ع ش وَتَقَدَّمَ عَنْ الرَّشِيدِيِّ اعْتِمَادُهُ وَعَنْ الْبَصْرِيِّ مَا يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ لَا يَقُولُ بِهِ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْ جَوَازِ الْأَخْذِ بِشُفْعَةٍ وَعَدَمِهِ وَمِنْ حِلِّ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ مَعَ حِلِّ الْأُخْرَى كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ بِظَاهِرِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ جَوَازِ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ ع ش
(قَوْلُهُ أَوْ الْأَوْجُهِ) أَيْ بِدَلِيلٍ فَمِنْ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْأَوْجُهِ سم (قَوْلُهُ خَرَّجُوهَا) أَيْ اسْتَنْبَطُوهَا (قَوْلُهُ عَلَى قَوَاعِدِهِ إلَخْ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَشِذُّونَ عَنْهُمَا) أَيْ يَخْرُجُونَ عَنْ قَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ وَنُصُوصِهِ وَيَجْتَهِدُونَ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ مِنْهُمَا بَلْ عَلَى خِلَافِهِمَا (قَوْلُهُ فَتُنْسَبُ لَهُمَا) أَيْ تِلْكَ الْوُجُوهُ لِلْمُزَنِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَلَوْ قَالَ لَهُمْ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ فِي الْمَذْهَبِ) أَيْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ع ش (قَوْلُهُ أَوْ الطُّرُقِ) أَيْ بِدَلِيلِ فَمِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ سم (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ الطُّرُقُ سم (قَوْلُهُ اخْتِلَافُهُمْ) أَيْ أَثَرُهُ أَوْ لَازِمُهُ سم عِبَارَةُ عَمِيرَةَ الظَّاهِرُ أَنَّ مُسَمَّى الطَّرِيقَةِ نَفْسُ الْحِكَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ جَعَلَهَا الشَّارِحُ أَسْمَاءً لِلِاخْتِلَافِ اللَّازِمِ لِحِكَايَةِ الْأَصْحَابِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي حِكَايَةِ الْمَذْهَبِ) أَيْ الرَّاجِحِ قَالَهُ الْكُرْدِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُرَادُ بِالْمَذْهَبِ هُنَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ مُجَرَّدُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْقَوْلِ أَوْ الْوَجْهِ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا رَاجِحًا أَوْ مَرْجُوحًا (قَوْلُهُ فَيَحْكِي إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلِاخْتِلَافِ عِبَارَةُ غَيْرِهِ كَأَنْ يَحْكِيَ إلَخْ (قَوْلُهُ بَعْضُهُمْ نَصَّيْنِ) لَعَلَّ هُنَا حَذْفًا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ أَيْ وَبَعْضُهُمْ بَعْضَهُمَا أَوْ مُغَايِرُهُمَا حَقِيقَةً وَإِلَّا فَيُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ وَبَعْضُهُمْ بَعْضَهَا مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ أَوْ عَكْسُهُ) يُغْنِي عَنْهُ كَافُ كَأَوْجُهٍ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ بِاعْتِبَارِ) عُطِفَ عَلَى حَقِيقَةً (قَوْلُهُ وَعَكْسُهُ) مَرَّ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ فَلِهَذَا) أَيْ لِكَثْرَةِ أَنْوَاعِ الِاخْتِلَافِ هَذَا مَا يَظْهَرُ لِي لَكِنْ فِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ الْمَنْصُوصِ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا نُسِبَ إلَيْهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَسُمِّيَ مَا قَالَهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَرْفُوعُ الْقَدْرِ لِتَنْصِيصِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ إلَى الْإِمَامِ مِنْ قَوْلِك نَصَصْت إلَى فُلَانٍ إذَا رَفَعْته إلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ حَيْثُ ذُكِرَ) أَيْ الْخِلَافُ وَهَذَا تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي وَلَا يُنَافِيهِ إلَخْ قَوْلُ الْمَتْنِ (فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ) أَيْ حَالَاتِ الْخِلَافِ مِنْ كَوْنِهِ أَقْوَالًا أَوْ وُجُوهًا فَلَا تَنَافِي بَيْنَ قَوْلِ الشَّارِحِ غَالِبًا وَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ جَمِيعٌ إلَخْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَدَبِّرِ.
وَلَعَلَّ هَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْفَاضِلُ الْمُحَشِّي سم بِقَوْلِهِ فَتَأَمَّلْهُ فَفِيهِ دِقَّةٌ بَصْرِيٌّ وَعِبَارَةُ الْكُرْدِيِّ قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ أَيْ حَالَاتِ الْأَقْوَالِ أَوْ الْأَوْجُهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ غَالِبًا أَيْ بَيَانُ مَرَاتِبِ الْخِلَافِ غَالِبًا اهـ وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ غَالِبًا قَدْ يُقَالُ هَذَا الْقَيْدُ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَحَيْثُ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِلْحَالَاتِ الَّتِي بَيَّنَ فِيهَا مَرَاتِبَ الْخِلَافِ فَالْمَعْنَى فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ الَّتِي أَقُولُ فِيهَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ فَهُوَ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَالْفَاءُ لِلتَّفْسِيرِ اهـ وَقَوْلُهُ وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا إلَخْ هَذَا الْجَوَابُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ النِّهَايَةُ وَزَادَ الْمُغْنِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ غَالِبًا بِمَا نَصُّهُ أَوْ أَنَّ مُرَادَهُ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ بِحَسَبِ طَاقَتِهِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ هَذَا أَوْلَى اهـ أَيْ مِنْ الْجَوَابِ بِأَنَّهُ مِنْ الْعَامِّ
يَصِحُّ تَصْوِيرُ ذَلِكَ بِمَا لَوْ كَانَ لَهُ دَارَانِ فَبِيعَتْ دَارٌ تُجَاوِرُ إحْدَاهُمَا فَأَخَذَهَا بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ ثُمَّ أَرَادَ هُوَ بَيْعَ دَارِهِ الْأُخْرَى وَأَرَادَ تَقْلِيدَ الشَّافِعِيِّ فِي مَنْعِ أَخْذِ جَارِهِ لَهَا فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ أُخْرَى كَمَا يَجُوزُ أَخْذُ جَارِهَا لَهَا تَقْلِيدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فِي الْأُولَى إذْ قَضِيَّةُ قَوْلِ الثَّانِي فِيهَا أَنَّ الزَّوْجَةَ الْأُولَى بَاقِيَةٌ فِي عِصْمَتِهِ، وَأَنَّ الثَّانِيَةَ لَمْ تَدْخُلْ فِي عِصْمَتِهِ فَالرُّجُوعُ لِلْأُولَى وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ إبَانَةٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ أَوْ الْأَوْجُهِ) أَيْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَمِنْ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْأَوْجُهِ (قَوْلُهُ أَوْ الطُّرُقِ) أَيْ بِدَلِيلِ فَمِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ (قَوْلُهُ وَهِيَ اخْتِلَافُهُمْ) أَيْ أَثَرُهُ أَوْ لَازِمُهُ (قَوْلُهُ غَالِبًا) قَدْ يُقَالُ هَذَا الْقَيْدُ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ قَوْلِهِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ فَتَأَمَّلْهُ فَفِيهِ دِقَّةٌ وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا أَيْ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ فَحَيْثُ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِلْحَالَاتِ الَّتِي بَيَّنَ فِيهَا مَرَاتِبَ الْخِلَافِ فَالْمَعْنَى فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ الَّتِي أَقُولُ فِيهَا شَيْئًا
لِمَا يَأْتِي وَالْمُحَرَّرُ قَدْ يُبَيِّنُ وَقَدْ لَا وَلَا يُنَافِيهِ جَزْمُهُ بِمَسَائِلَ فِيهَا خِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ ذِكْرَ كُلِّ خِلَافٍ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ إنَّهُ حَيْثُ ذَكَرَ خِلَافًا بَيْنَ مَرْتَبَتِهِ أَوْ فِيهَا نَصٌّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لَهُ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ سِيَاقِهِ الْآتِي أَنَّهُ إنَّمَا يَذْكُرُ نَصًّا يُقَابِلُهُ وَجْهٌ أَوْ تَخْرِيجٌ، وَأَنَّهُ لَا يَذْكُرُ كُلَّ نَصٍّ كَذَلِكَ بَلْ إنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ.
(فَحَيْثُ) بِالضَّمِّ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ مَعَ إبْدَالِ يَائِهِ وَاوًا أَوْ أَلِفًا وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْمَكَانِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا كَمَا فِي {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] بِتَضْمِينِ أَعْلَمُ مَعْنَى مَا يَتَعَدَّى إلَى الظَّرْفِ أَيْ اللَّهُ أَنْفَذُ عِلْمًا حَيْثُ يَجْعَلُ أَيْ هُوَ نَافِذُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ يَتَعَيَّنُ أَنَّهَا مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى السَّعَةِ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَنْصِبُهُ لَا ظَرْفٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ فِي مَكَان أَعْلَمَ مِنْهُ فِي مَكَان، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَعْلَمُ نَفْسَ الْمَكَانِ الْمُسْتَحِقَّ لِوَضْعِ الرِّسَالَةِ لَا شَيْئًا فِي الْمَكَانِ قِيلَ وَكَمَا هُنَا وَهُوَ عَجِيبٌ إذْ التَّقْدِيرُ فَكُلُّ مَكَان مِنْ هَذَا الْكِتَابِ (أَقُولُ) فِيهِ.
وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ أَنَّهَا تَرِدُ لِلزَّمَانِ (الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ
الْمَخْصُوصِ (قَوْلُهُ لِمَا يَأْتِي) أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَحَيْثُ أَقُولُ وَقِيلَ كَذَا إلَخْ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ قَدْ يُبَيِّنُ) أَيْ نَحْوُ أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَأَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ لَا أَيْ نَحْوُ الْأَصَحِّ وَالْأَظْهَرِ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَلَا يُنَافِيهِ إلَخْ) أَيْ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ حَيْثُ ذُكِرَ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُفَرِّعْهُ عَلَيْهِ نَظَرًا لِعَطْفِ قَوْلِهِ أَوْ فِيهَا نَصٌّ إلَخْ عَلَى قَوْلِهِ فِيهَا خِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَخْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرْجَاعِ قَوْلِهِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَلْيُتَأَمَّلْ بَلْ قَضِيَّتُهُ اخْتِصَاصُ قَوْلِهِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ بِقَوْلِهِ وَمَرَاتِبِ الْخِلَافِ، وَبِهِ يَسْهُلُ الْحَالُ جِدًّا سم وَقَدْ يُغْنِي عَنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَعَنْ قَوْلِهِ الْآتِي؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ إلَخْ قَوْلُهُ غَالِبًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ سِيَاقِهِ الْآتِي) أَيْ بِقَوْلِهِ وَحَيْثُ أَقُولُ النَّصُّ إلَخْ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ نَصًّا يُقَابِلُهُ وَجْهٌ أَوْ تَخْرِيجٌ) أَيْ بِحَسَبِ اطِّلَاعِهِ فَلَا يَرِدُ مَا عَسَاهُ يُفْرَضُ مِنْ تَرْكِهِ نَصًّا يُقَابِلُهُ مَا ذُكِرَ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ سم أَقُولُ يُغْنِي عَمَّا قَدَّرَهُ قَوْلُ الشَّارِح، وَأَنَّهُ لَا يُذْكَرُ إلَخْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مَا قَدَّرَهُ يُغْنِي عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا يُذْكَرُ كُلُّ نَصٍّ إلَخْ) وَقَدْ يُقَالُ فَمَا الْمُرَجِّحُ حِينَئِذٍ لِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِالذِّكْرِ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ
(قَوْلُهُ أَيْ اللَّهُ أَنْفَذُ إلَخْ) تَأْوِيلُ أَعْلَمُ بِأَنْفَذُ لَا يَخْلُصُ فَإِنْ أُوِّلَ أَنْفَذُ بِأَصْلِ الْفِعْلِ فَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ أَعْلَمُ بِهِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ النُّفُوذِ، وَقَوْلُهُ أَيْ هُوَ نَافِذٌ يَقْتَضِي صَرْفَ أَعْلَمُ عَنْ التَّفْضِيلِ سم وَلَك مَنْعُ أَوَّلِ كَلَامِهِ بِأَنَّ تَأْوِيلَ أَعْلَمُ بِأَنْفَذُ لِتَحْصِيلِ مَا يَتَعَدَّى إلَى الظَّرْفِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَيْ هُوَ نَافِذُ الْعِلْمِ الْمُقْتَضِي لِمَا ذُكِرَ فَلِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى بَلْ جَمِيعَ صِفَاتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُتَعَلِّقَاتِهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّفْضِيلُ (قَوْلُهُ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ) صَرَّحَ ابْنُ هِشَامٍ بِأَنَّ حَيْثُ فِي الْآيَةِ مَفْعُولٌ بِهِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ يَعْلَمُ سم وَكَذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّضِيُّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِعَلَى السَّعَةِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَنْصِبُهُ) لَمْ يَقُلْ لَا يَعْمَلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ فِيهِ بِحَرْفِ التَّقْوِيَةِ فَيُقَالُ أَنَا أَضْرَبُ مِنْك لِزَيْدٍ وَأَعْرَفُ مِنْك بِزَيْدٍ عِصَامٌ (قَوْلُهُ لَا ظَرْفٌ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْعُولٍ بِهِ سم (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعَالَى إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْأَظْرُفِ وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمَعْنَى إلَخْ عُطِفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَكَمَا هُنَا) كَأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى كَمَا فِي اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ إلَخْ وَقَوْلُهُ إذْ التَّقْدِيرُ إلَخْ كَأَنَّهُ رُدَّ عَلَى مَا فِي هَذَا الْقِيلِ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا مِنْ الْمَكَانِ الْمَجَازِيِّ بِأَنَّ مَا هُنَا مَكَانٌ حَقِيقِيٌّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْكِتَابِ سَوَاءٌ جُعِلَ بِمَعْنَى الْأَلْفَاظِ أَوْ النُّقُوشِ أَوْ الْمَعَانِي أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فُصِّلَ فِي مَحَلِّهِ لَيْسَتْ أَمَاكِنَ حَقِيقِيَّةً لِلْقَوْلِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ أَرَدْنَا بِالْمَكَانِ الْمَكَانَ لُغَةً أَوْ الْمَكَانَ اصْطِلَاحًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَقَوْلُهُ وَهُوَ عَجِيبٌ إنَّمَا الْعَجِيبُ التَّعَجُّبُ مِنْهُ سم (قَوْلُهُ أَنَّهَا تُرَدُّ) أَيْ لَفْظَةُ
مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ فَهُوَ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ، وَالْفَاءُ لِلتَّفْسِيرِ وَبِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِالْقَلِيلِ مُبَالَغَةً فِي مَقَامِ الْمَدْحِ وَالْخَطَابَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَخْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرْجَاعِ قَوْلِهِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَلْيُتَأَمَّلْ بَلْ قَضِيَّتُهُ اخْتِصَاصُ قَوْلِهِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ بِقَوْلِهِ وَمَرَاتِبُ الْخِلَافِ وَبِهِ يَسْهُلُ الْحَالُ جِدًّا (قَوْلُهُ نَصًّا يُقَابِلُهُ وَجْهٌ أَوْ تَخْرِيجٌ) أَيْ بِحَسَبِ اطِّلَاعِهِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا عَسَاهُ يُفْرَضُ مِنْ تَرْكِهِ نَصًّا يُقَابِلُهُ مَا ذُكِرَ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ أَيْ اللَّهُ أَنْفَذُ) تَأْوِيلُ أَعْلَمُ بِأَنْفَذُ لَا يَخْلُصُ فَإِنْ أُوِّلَ أَنْفَذُ بِأَصْلِ الْفِعْلِ فَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ أَعْلَمُ بِهِ فَلَا وَجْه لِذِكْرِ النُّفُوذِ، وَقَوْلُهُ أَيْ هُوَ نَافِذٌ يَقْتَضِي صَرْفَ أَعْلَمُ عَنْ التَّفْضِيلِ (قَوْلُهُ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ يَتَعَيَّنُ أَنَّهَا مَفْعُولٌ بِهِ) صَرَّحَ ابْنُ هِشَامٍ بِأَنَّ حَيْثُ فِي الْآيَةِ مَفْعُولٌ بِهِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ يَعْلَمُ (قَوْلُهُ لَا ظَرْفٌ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْعُولِ بِهِ (قَوْلُهُ قِيلَ وَكَمَا هُنَا) كَانَ قَوْلُهُ وَكَمَا هُنَا عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] وَقَوْلُهُ إذْ التَّقْدِيرُ إلَخْ كَأَنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَا فِي هَذَا الْقِيلِ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا مِنْ الْمَكَانِ الْمَجَازِيِّ بِأَنَّ مَا هُنَا مَكَانٌ حَقِيقِيٌّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْكِتَابِ سَوَاءٌ جُعِلَ بِمَعْنَى الْأَلْفَاظِ أَوْ النُّقُوشِ أَوْ الْمَعَانِي أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فُصِّلَ فِي مَحَلِّهِ لَيْسَتْ أَمَاكِنَ حَقِيقَةً لِلْقَوْلِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ أَرَدْنَا بِالْمَكَانِ لُغَةً أَوْ الْمَكَانِ اصْطِلَاحًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ مَعْنَى الْمَكَانِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا، وَنِسْبَةُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَهُوَ عَجِيبٌ) إنَّمَا الْعَجِيبُ التَّعَجُّبُ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَحَيْثُ أَقُولُ الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ) الْمُرَادُ بِالْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ اللَّفْظُ أَيْ وَحَيْثُ أَقُولُ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الْحِكَايَةِ لِحَالَةِ رَفْعِهِ، وَيَجُوزُ غَيْرُ الرَّفْعِ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ فَمِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْ فَمُرَادِي بِالْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ هُوَ الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ أَيْ الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهَا فَالْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ الْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ وَالْمُقَدَّرُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْمُرَادِ بِهِ
فَمِنْ) مُتَعَلِّقٌ بِالْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ لِكَوْنِهِ كَالْوَصْفِ لَهُ أَيْ فَأَحَدُهُمَا كَائِنٌ مِنْ جُمْلَةِ (الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ) لِقُوَّةِ مُدْرَكِ غَيْرِ الرَّاجِحِ مِنْهُ بِظُهُورِ دَلِيلِهِ وَعَدَمِ شُذُوذِهِ وَتَكَافُؤِ دَلِيلِهِمَا فِي أَصْلِ الظُّهُورِ، وَيَمْتَازُ الرَّاجِحُ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُعْظَمَ أَوْ بِكَوْنِ دَلِيلِهِ أَوْضَحَ، وَقَدْ لَا يَقَعُ تَمْيِيزٌ (قُلْت الْأَظْهَرُ) لِإِشْعَارِهِ بِظُهُورِ مُقَابِلِهِ (وَإِلَّا) يَقْوَ مُدْرِكُهُ (فَالْمَشْهُورُ) هُوَ الَّذِي أُعَبِّرُ بِهِ لِإِشْعَارِهِ بِخَفَاءِ مُقَابِلِهِ، وَيَقَعُ لِلْمُؤَلِّفِ تَنَاقُضٌ بَيْنَ كُتُبِهِ فِي التَّرْجِيحِ يَنْشَأُ عَنْ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ فَلْيَعْتَنِ بِتَحْرِيرِ ذَلِكَ مَنْ يُرِيدُ تَحْقِيقَ الْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهِهَا (وَحَيْثُ أَقُولُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ فَمِنْ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْأَوْجُهِ) ثُمَّ إنْ كَانَتْ مِنْ وَاحِدٍ فَالتَّرْجِيحُ بِمَا مَرَّ فِي الْأَقْوَالِ أَوْ مِنْ أَكْثَرَ فَهُوَ بِتَرْجِيحِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ) بِنَظِيرِ مَا مَرَّ فِي الْأَقْوَالِ (قُلْت الْأَصَحُّ) لِإِشْعَارِهِ بِصِحَّةِ مُقَابِلِهِ وَكَانَ الْمُرَادُ بِصِحَّتِهِ مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ وَمَعَ اسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ عَلَى مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ فِي آنٍ وَاحِدٍ أَنَّ مُدْرِكَهُ لَهُ حَظٌّ مِنْ النَّظَرِ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ فِي رَدِّهِ إلَى غَوْصٍ عَلَى الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ وَالْأَدِلَّةِ الْخَفِيَّةِ بِخِلَافِ مُقَابِلِ الصَّحِيحِ الْآتِي فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَرُدُّهُ النَّاظِرُ وَيَسْتَهْجِنُهُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ
حَيْثُ قَوْلُ الْمَتْنِ (الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الْحِكَايَةِ لِحَالَةِ رَفْعِهِ، وَيَجُوزُ غَيْرُ الرَّفْعِ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (فَمِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ) أَيْ فَمُرَادِي بِلَفْظِ الْأَظْهَرِ أَوْ الْأَشْهَرِ الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ أَوْ الْأَشْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ فَالْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ الْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ وَالْمُقَدَّرُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْمُرَادِ بِهِ الْقَوْلُ لَا اللَّفْظُ، وَحَاصِلُ الْمُرَادِ وَحَيْثُ أَذْكُرُ هَذَا اللَّفْظَ فَقَدْ أَرَدْت بِهِ الْقَوْلَ الْأَظْهَرَ أَوْ الْمَشْهُورَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ إلَخْ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ نَظَائِرَهُ الْآتِيَةَ سم (قَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَظْهَرِ إلَخْ) أَرَادَ بِالتَّعَلُّقِ بِذَلِكَ الْحَمْلَ عَلَيْهِ لَا تَعَلُّقَ الْجَارِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّعَلُّقَ مَعَ كَائِنٍ الْآتِي، وَالْمَحْمُولُ عَلَى الشَّيْءِ يَكُونُ وَصْفًا لَهُ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الظَّرْفُ وَصْفًا لَهُ حَقِيقَةً بَلْ وَصْفُهُ الْحَقِيقِيُّ مُتَعَلِّقُ الظَّرْفِ قَالَ لِكَوْنِهِ كَالْوَصْفِ لَهُ كُرْدِيٌّ عِبَارَةُ الْبَصْرِيِّ لَعَلَّ مُرَادَهُ التَّعَلُّقُ الْمَعْنَوِيُّ لِيُلَائِمَ قَوْلَهُ أَيْ فَأَحَدُهُمَا كَائِنٌ إلَخْ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ) أَيْ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ كَالْوَصْفِ لَهُ أَيْ لِلْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ فَأَحَدُهُمَا) الْأَوْلَى فَهُوَ قَوْلُ الْمَتْنِ (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ) أَيْ الْمُخَالِفُ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ لِقُوَّةِ مُدْرِكِ غَيْرِ الرَّاجِحِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخِلَافِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ وَهِيَ لِقُوَّةِ مُدْرِكِهِ أَيْ الْخِلَافِ بِمَعْنَى الْمُخَالِفِ أَخْصَرُ وَأَوْضَحُ (قَوْلُهُ بِكَوْنِ دَلِيلِهِ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بِصِيغَةِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّ عَلَيْهِ إلَخْ وَفِي بَعْضِهَا بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمَنْصُوبِ عَطْفًا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَدْ لَا يَقَعُ إلَخْ) أَيْ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا وَإِلَّا فَالتَّرْجِيحُ تَحَكُّمٌ بَحْتٌ، ثُمَّ رَأَيْت الْفَاضِلَ الْمُحَشِّيَ سم قَالَ مَا نَصُّهُ قَدْ يُقَالُ لَا بُدَّ مِنْ تَمَيُّزٍ عِنْدَ الْمُرَجِّحِ، وَإِلَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ تَرْجِيحٌ انْتَهَى اهـ بَصْرِيٌّ قَوْلُ الْمَتْنِ (قُلْت الْأَظْهَرُ) يَجُوزُ إنْ قُلْت بِمَعْنَى ذَكَرْت فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى جُمْلَةٍ أَوْ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَظْهَرِ لَفْظُهُ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ الْأَظْهَرِ مَرْفُوعٌ حِكَايَةً لَهُ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي كَلَامِهِ يَقَعُ غَيْرَ مَرْفُوعٍ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ نَصْبُهُ وَجَرُّهُ حِكَايَةً لَهُمَا بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ وَحَيْثُ أَقُولُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ وَمِنْ قَوْلِهِ قُلْت الْأَصَحُّ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ سم قَوْلُ الْمَتْنِ (فَالْمَشْهُورُ) يَجُوزُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ فَمَقُولِي أَوْ مَذْكُورِي الْمَشْهُورُ أَوْ فَالْمَشْهُورُ مَقُولِي أَوْ مَذْكُورِي سم.
(قَوْلُهُ بِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ مُوَافَقَةِ الْمُعْظَمِ أَوْ أَوْضَحِيَّةِ الدَّلِيلِ هَذَا ظَاهِرُ صَنِيعِهِ لَكِنْ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَقْفَةٌ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا كَانَ لِصَاحِبِ الْوَجْهِ أَصْحَابٌ وَتَلَامِذَةٌ مُرَجِّحُونَ (قَوْلُهُ فَهُوَ بِتَرْجِيحِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ هُنَا مُوَافَقَةُ مَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ أَيْ مُطْلَقٍ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَاكَ وَلَا تَرْجِيحُ صَاحِبِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْأَوْجُهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ أَظُنُّ الْوَاقِعَ بِخِلَافِهِ سم (قَوْلُهُ وَلَا تَرْجِيحَ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ فِيهِ، ثُمَّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِتَرْجِيحِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ مُوَافَقَتُهُ (قَوْلُهُ وَكَانَ الْمُرَادُ إلَخْ) وَقَدْ يُقَالُ فِي الْجَوَابِ إنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ هِيَ الصِّحَّةُ بِحَسَبِ التَّخَيُّلِ وَالْقَرَائِنِ الْمُنَاسَبَةِ لَهَا لَا بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ بِبِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَلَا
الْقَوْلُ لَا اللَّفْظُ فَتَأَمَّلْهُ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ نَظَائِرَهُ الْآتِيَةَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَاصِلَ الْمُرَادِ وَحَيْثُ أَذْكُرُ هَذَا اللَّفْظَ فَقَدْ أَرَدْت بِهِ وَعَبَّرْت عَنْ الْقَوْلِ الْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ) قَدْ يُتَوَهَّمُ إرَادَةُ لَفْظِ الْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ وَالْوَجْهُ تَعَلُّقُهُ بِمَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ فَهُوَ الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ) الْمُرَادُ الْمَعْنَى وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ الْمُرَادُ اللَّفْظُ أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِحَقِيقَةٍ (قَوْلُهُ وَقَدْ لَا يَقَعُ تَمَيُّزٌ) قَدْ يُقَالُ لَا بُدَّ مِنْ تَمَيُّزٍ عِنْدَ الرَّاجِحِ وَإِلَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ تَرْجِيحٌ (قَوْلُهُ قُلْت الْأَظْهَرُ) يَجُوزُ أَنَّ قُلْت بِمَعْنَى ذَكَرْت فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى حَمْلِهِ أَوْ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَظْهَرِ لَفْظُهُ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ الْأَظْهَرِ مَرْفُوعٌ حِكَايَةً لَهُ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي كَلَامِهِ يَقَعُ غَيْرَ مَرْفُوعٍ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ نَصْبُهُ وَجَرُّهُ حِكَايَةً لَهُمَا بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْأَحْوَالِ.
وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ وَحَيْثُ أَقُولُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ وَمِنْ قَوْلِهِ قُلْت الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ فَالْمَشْهُورُ) يَجُوزُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ فَمَقُولِي أَوْ مَذْكُورِي الْمَشْهُورُ أَوْ فَالْمَشْهُورُ مَقُولِي أَوْ مَذْكُورِي ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَشْهُورِ لَفْظُهُ وَالظَّاهِرُ
أَنَّهُ مَرْفُوعٌ حِكَايَةً لِبَعْضِ أَحْوَالِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ غَيْرَ مَرْفُوعٍ أَيْضًا انْتَهَى (قَوْلُهُ فَهُوَ بِتَرْجِيحِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ هُنَا مُوَافَقَةُ مَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ أَيْ مُطْلَقٍ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ هُنَاكَ وَلَا تَرْجِيحُ صَاحِبِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْأَوْجُهِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ أَظُنُّ الْوَاقِعَ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ وَكَانَ الْمُرَادُ بِصِحَّتِهِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ هِيَ الصِّحَّةُ بِحَسَبِ
فَكَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا بِالِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا بِالْحَقِيقَةِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ حُكْمَانِ كَمَا ذُكِرَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَأَعْرِضْ عَمَّا وَقَعَ هُنَا مِنْ إشْكَالَاتٍ وَأَجْوِبَةٍ لَا تُرْضِي.
وَقَدْ يَقَعُ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ يُعَبِّرُ بِالْأَظْهَرِ وَفِي بَعْضِهَا يُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ بِالْأَصَحِّ فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ الْخِلَافَ أَقْوَالٌ أَوْ أَوْجُهٌ فَوَاضِحٌ، وَالْأَرْجَحُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ أَقْوَالٌ؛ لِأَنَّ مَعَ قَائِلِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ بِنَقْلِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه بِخِلَافِ نَافِيهِ عَنْهُ (وَإِلَّا) يَقْوَ (فَالصَّحِيحُ) هُوَ الَّذِي أُعَبِّرُ بِهِ لِإِشْعَارِهِ بِانْتِفَاءِ اعْتِبَارَاتِ الصِّحَّةِ عَنْ مُقَابِلِهِ، وَأَنَّهُ فَاسِدٌ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِنَظِيرِهِ فِي الْأَقْوَالِ بَلْ أَثْبَتَ لِنَظِيرِهِ الْخَفَاءَ، وَأَنَّ الْقُصُورَ فِي فَهْمِهِ إنَّمَا هُوَ مِنَّا فَحَسْبُ تَأَدُّبًا مَعَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَ وَفَرْقًا بَيْنَ مَقَامِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فَإِنْ قُلْت إطْبَاقُهُمْ هُنَا عَلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالصَّحِيحِ قَاضٍ بِفَسَادِ مُقَابِلِهِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا عُبِّرَ فِيهِ بِهِ لَا يُسَنُّ الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْخُرُوجِ وَمِنْهُ عَدَمُ فَسَادِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي مَسَائِلَ عَبَّرُوا فِيهَا بِالصَّحِيحِ بِسَنِّ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِيهَا قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ الْفَسَادَ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِدْلَال الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ لَا مُطْلَقًا فَهُوَ فَسَادٌ اعْتِبَارِيٌّ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ قَدْ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لِقَوَاعِدِنَا دُونَ قَوَاعِدِ غَيْرِنَا وَلِمَا ظَهَرَ لِلْمُصَنِّفِ مَثَلًا وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِغَيْرِهِ قُوَّتُهُ فَنُدِبَ الْخُرُوجُ مِنْهُ (وَحَيْثُ أَقُولُ الْمَذْهَبُ فَمِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ) كَأَنْ يَحْكِيَ بَعْضٌ الْقَطْعَ أَيْ أَنَّهُ لَا نَصَّ سِوَاهُ وَبَعْضٌ قَوْلًا أَوْ وَجْهًا أَوْ أَكْثَرَ، وَبَعْضٌ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ غَيْرَهُ مُطْلَقًا أَوْ بِاعْتِبَارٍ كَمَا مَرَّ ثُمَّ الرَّاجِحُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ قَدْ يَكُونُ طَرِيقُ الْقَطْعِ
يَظْهَرُ فِي الْقَوْلَيْنِ وَلَا فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَا الْوَاحِدُ سم أَقُولُ وَأَيْضًا إنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى رَدِّ ذَلِكَ الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ وَمَعَ اسْتِحَالَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَكَانَ ذَلِكَ) أَيْ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ دُونَ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الرَّشِيدِيِّ عَنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَمَّا عُبِّرَ عَنْهُ بِالْأَظْهَرِ (قَوْلُهُ فَوَاضِحٌ) يَعْنِي يُرَجَّحُ مَا يُطَابِقُ الْمَعْرُوفَ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَعَ قَائِلِهِ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ وَلَوْ أُطْلِقَ مُقَابِلُهُ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَعَلَّ الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ (قَوْلُهُ بِنَظِيرِهِ) أَيْ بِنَظِيرِ الْفَاسِدِ يُغْنِي لَمْ يُعَبِّرْ بِعِبَارَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقَابِلَ فَاسِدٌ كُرْدِيٌّ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَعِبَارَةُ غَيْرِ الشَّارِحِ وَهِيَ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِذَلِكَ أَيْ بِالْأَصَحِّ وَالصَّحِيحُ فِي الْأَقْوَالِ تَأَدُّبًا مَعَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَ فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ مُشْعِرٌ بِفَسَادِ مُقَابِلِهِ اهـ.
أَخْصَرُ وَأَوْضَحُ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَ) أَيْ قَالَهُ فِي إشَارَاتِ الرَّوْضَةِ ع ش (قَوْلُهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْخُرُوجِ إلَخْ) أَيْ سُنَّ الْخُرُوجُ (قَوْلُهُ قُلْت يُجَابُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ فَسَادُ اسْتِدْلَالٍ خَاصٍّ مَعَ وُجُودِ اسْتِدْلَالٍ صَحِيحٍ آخَرَ لَا يَقْتَضِي التَّعْبِيرَ بِالصَّحِيحِ بِالْأَصَحِّ كَمَا لَا يَخْفَى إذْ صِحَّةُ الْقَوْلِ وَعَدَمُ فَسَادِهِ لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى صِحَّةِ جَمِيعِ أَدِلَّتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَيُتَّجَهُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي رَاعَوْا فِيهَا الْخِلَافَ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ بَابِ الصَّحِيحِ بَلْ مِنْ بَابِ الْأَصَحِّ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِالصَّحِيحِ لِنَحْوِ اجْتِهَادٍ بِأَنَّ خِلَافَهُ أَوْ مِمَّنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَصَحِّ وَالصَّحِيحِ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا اصْطِلَاحٌ لِلْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ لَا لِجَمِيعِ الْأَصْحَابِ سم (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِدْلَال إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ الَّذِي إلَخْ.
وَقَوْلُهُ: لَا مُطْلَقًا أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ جَمِيعُ أَدِلَّتِهِ (قَوْلُهُ إنَّهُ حَقِيقِيٌّ) أَيْ أَنَّ الْفَسَادَ مِنْ حَيْثُ جَمِيعُ الْأَدِلَّةِ (قَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِقَوَاعِدِنَا إلَخْ) فِي هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي نَظَرٌ إذْ لَا عِبْرَةَ عِنْدَنَا بِقَوَاعِدِ غَيْرِنَا الْمُخَالِفَةِ لِقَوَاعِدِنَا إلَّا أَنْ تُقَيَّدَ قَوَاعِدُ غَيْرِنَا بِمَا قَوِيَ دَلِيلُهَا فَلْيُتَأَمَّلْ سم.
قَوْلُ الْمَتْنِ (الْمَذْهَبُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ وَالظَّاهِرُ رَفْعُهُ عَلَى الْحِكَايَةِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ وَيَجُوزُ غَيْرُ الرَّفْعِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ الْبَاقِي سم (قَوْلُهُ وَبَعْضُ قَوْلًا) أَيْ سِوَاهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ أَوْ وَجْهًا إلَخْ) عُطِفَ عَلَى الْقَطْعِ (قَوْلُهُ وَبَعْضُ ذَلِكَ) اُنْظُرْ مُبَايَنَتَهُ لِمَا قَبْلَهُ سم وَلِلْكُرْدِيِّ هُنَا مَا لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ لِكَوْنِهِ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى النَّصِّ وَضَمِيرُ أَوْ بَعْضِهِ رَاجِعٌ إلَى الْأَكْثَرِ، وَضَمِيرُ أَوْ غَيْرِهِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَجْهًا أَوْ أَكْثَرُ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضَهُ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ سم عِبَارَةُ الْكُرْدِيِّ أَيْ يَحْكِي بَعْضُ الْأَكْثَرِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَكْثَرِ اهـ.
(قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي شَرْحِ وَالطَّرِيقَيْنِ (قَوْلُهُ
التَّخَيُّلِ وَالْقَرَائِنِ الْمُنَاسِبَةِ لَهَا لَا بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ بِبِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَلَا يَظْهَرُ فِي الْقَوْلَيْنِ وَلَا فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَا لِوَاحِدٍ فَإِنْ قِيلَ وَلَا إذَا كَانَا لِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا فَالْحَقُّ مُتَعَدِّدٌ بِتَعَدُّدِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يُرَادَ ظُهُورُهُ أَوْ صِحَّتُهُ عَلَى ظُهُورِ أَوْ صِحَّةِ الْآخَرِ لِيَصِحَّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ أَظْهَرُ أَوْ أَصَحُّ
قُلْت قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ حَقًّا أَرْجَحَ لِزِيَادَةِ مَصْلَحَتِهِ أَوْ كَوْنِهِ أَدْخَلَ فِي الْخِدْمَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ خِصَالَ الْمُخَيَّرِ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقٌّ مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا أَرْجَحُ لِزِيَادَةِ مَصْلَحَتِهِ فَقَدْ يُتَصَوَّرُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَقِّ بِتَعَدُّدِ الْمُجْتَهِدِينَ فَيُوصَفُ بِنَحْوِ الْأَظْهَرِيَّةِ أَوْ الْأُضْحِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ الْفَسَادَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ فَسَادُ اسْتِدْلَالٍ خَاصٍّ مَعَ وُجُودِ اسْتِدْلَالٍ صَحِيحٍ آخَرَ لَا يَقْتَضِي التَّعْبِيرَ بِالصَّحِيحِ بَلْ بِالْأَصَحِّ كَمَا لَا يَخْفَى إذْ صِحَّةُ الْقَوْلِ وَعَدَمُ فَسَادِهِ لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى صِحَّةِ جَمِيعِ أَدِلَّتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَيَتَّجِهُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي رَاعَوْا فِيهَا الْخِلَافَ تُبَيِّنُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ بَابِ الصَّحِيحِ بَلْ مِنْ بَابِ الْأَصَحِّ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّفْسِيرُ بِالصَّحِيحِ لِنَحْوِ اجْتِهَادٍ بِأَنَّ خِلَافَهُ أَوْ مِمَّنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَصَحِّ وَالصَّحِيحِ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا اصْطِلَاحُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ لَا لِجَمِيعِ الْأَصْحَابِ (قَوْلُهُ قَدْ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَخْ) فِي هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي نَظَرٌ إذْ لَا عِبْرَةَ عِنْدَنَا بِقَوَاعِدِ غَيْرِنَا الْمُخَالِفَةِ لِقَوَاعِدِنَا إلَّا أَنْ تُقَيَّدَ قَوَاعِدُ غَيْرِنَا بِمَا قَوِيَ دَلِيلُهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَقُولُ الْمَذْهَبُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ وَالظَّاهِرُ رَفْعُ الْمَذْهَبِ عَلَى الْحِكَايَةِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَفْظُهُ، وَيَجُوزُ غَيْرُ الرَّفْعِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ الْبَاقِي (قَوْلُهُ وَبَعْضُ ذَلِكَ) اُنْظُرْ مُبَايَنَتَهُ لِمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُهُ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ
أَوْ مُوَافِقُهَا مِنْ طَرِيقِ الْخِلَافِ أَوْ مُخَالِفَهَا، لَكِنْ قِيلَ الْغَالِبُ أَنَّهُ الْمُوَافِقُ وَالِاسْتِقْرَاءُ النَّاقِصُ الْمُفِيدُ لِلظَّنِّ يُؤَيِّدُهُ.
وَرُبَّمَا وَقَعَ لِلْمَجْمُوعِ كَالْعَزِيزِ اسْتِعْمَالُ الطَّرِيقَيْنِ مَوْضِعَ الْوَجْهَيْنِ وَعَكْسُهُ (وَحَيْثُ أَقُولُ النَّصُّ فَهُوَ نَصُّ) الْإِمَامِ الْقُرَشِيِّ الْمُطَّلِبِيِّ الْمُلْتَقِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَدِّهِ الرَّابِعِ عَبْدِ مَنَافٍ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ (الشَّافِعِيِّ) نِسْبَةً لِشَافِعٍ الْمَذْكُورِ، وَشَافِعٌ هَذَا أَسْلَمَ هُوَ وَأَبُوهُ السَّائِبُ صَاحِبُ رَايَةِ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) إمَامُ الْأَئِمَّةِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَوَرَعًا وَزُهْدًا وَمَعْرِفَةً وَذَكَاءً وَحِفْظًا وَنَسَبًا فَإِنَّهُ بَرَعَ فِي كُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ وَفَاقَ فِيهِ أَكْثَرَ مَنْ سَبَقَهُ لَا سِيَّمَا مَشَايِخُهُ كَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَشَايِخِهِمْ، وَاجْتَمَعَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ وَكَثْرَةِ الْأَتْبَاعِ فِي أَكْثَرِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ.
وَتَقَدَّمَ مَذْهَبُهُ وَأَهْلُهُ فِيهَا لَا سِيَّمَا فِي الْحَرَمَيْنِ وَالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَأَهْلُهَا أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَأَهْلُهَا مَا لَمْ يَجْتَمِعْ لِغَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ حِكْمَةُ تَخْصِيصِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْمُولِ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَزَعْمُ وَضْعِهِ حَسَدٌ أَوْ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ طِبَاقَ الْأَرْضِ عِلْمًا» قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ نَرَاهُ الشَّافِعِيَّ أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ لِقُرَشِيٍّ مِنْ الشُّهْرَةِ كَمَا ذُكِرَ مَا اجْتَمَعَ لَهُ فَلَمْ يَنْزِلْ الْحَدِيثُ إلَّا عَلَيْهِ وَكَاشَفَ أَصْحَابَهُ بِوَقَائِعَ وَقَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا أَخْبَرَ وَرَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَعْطَاهُ مِيزَانًا فَأُوِّلَتْ لَهُ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ وَأَوْفَقُهَا لِلسُّنَّةِ الْغَرَّاءِ الَّتِي هِيَ أَعْدَلُ الْمِلَلِ وَأَوْفَقُهَا لِلْحِكْمَةِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ وُلِدَ بِغَزَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ ثُمَّ أُجِيزَ بِالْإِفْتَاءِ وَهُوَ ابْنُ نَحْوِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ رَحَلَ لِمَالِكٍ فَأَقَامَ عِنْدَهُ مُدَّةً
قِيلَ الْغَالِبُ أَنَّهُ الْمُوَافِقُ) هَذَا مَمْنُوعٌ نِهَايَةٌ قَالَ الرَّشِيدِيُّ، وَالْقَائِلُ بِذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ اهـ.
(قَوْلُهُ يُؤَيِّدُهُ) أَيْ مَا قِيلَ (قَوْلُهُ اسْتِعْمَالُ الطَّرِيقَيْنِ إلَخْ) أَيْ تَجَوُّزًا ع ش قَوْلُ الْمَتْنِ (وَحَيْثُ أَقُولُ النَّصُّ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ بِاعْتِبَارِ حِكَايَةِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ، وَيَجُوزُ غَيْرُهُ سم (قَوْلُهُ فِي جَدِّهِ الرَّابِعِ إلَخْ) فِيهِ تَسَمُّحٌ فَإِنَّ عَبْدَ مَنَافٍ ثَالِثُ جُدُودِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ (قَوْلُهُ مُحَمَّدٌ إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ ابْنِ عَبْدِ يَزِيدُ) كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهِمَا وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ ابْنُ يَزِيدَ بِإِسْقَاطِ عَبْدِ، وَلَعَلَّهُ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ (قَوْلُهُ ابْنِ إدْرِيسَ إلَخْ) وَأُمُّ الْإِمَامِ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ هَاشِمِ إلَخْ) هُوَ غَيْرُ هَاشِمٍ الَّذِي هُوَ أَخُو الْمُطَّلِبِ وَجَدُّهُ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهَاشِمٌ الْمَذْكُورُ فِي نَسَبِ الشَّافِعِيِّ هُوَ ابْنُ الْمُطَّلِبِ أَخُو هَاشِمٍ جَدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ لَهُ أَخٌ اسْمُهُ هَاشِمٌ هُوَ جَدُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَابْنٌ يُسَمَّى هَاشِمًا أَيْضًا هُوَ جَدُّ الشَّافِعِيِّ وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي عَبْدِ مَنَافٍ رَشِيدِيٌّ فَهَاشِمٌ الَّذِي فِي نَسَبِهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ عَمُّ هَاشِمٍ الَّذِي فِي نَسَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَالْمُطَّلِبُ فِي نَسَبِ الْإِمَامِ عَمُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدُّهُ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ نُسِبَ لِشَافِعٍ) وَالنِّسْبَةُ إلَى الشَّافِعِيِّ شَافِعِيٌّ لَا شَفْعَوِيٌّ كَمَا قِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمَنْسُوبَ لِلْمَنْسُوبِ يُؤْتَى بِهِ عَلَى صُورَةِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ لَكِنْ بَعْدَ حَذْفِ الْيَاءِ مِنْ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ وَإِثْبَاتِ بَدَلِهَا فِي الْمَنْسُوبِ ع ش (قَوْلُهُ لِشَافِعٍ الْمَذْكُورِ إلَخْ) وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ وَلِلتَّفَاؤُلِ بِالشَّفَاعَةِ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَشَافِعٌ هَذَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَشَافِعُ بْنُ سَائِبٍ هُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَقِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَرَعْرِعٌ وَأَسْلَمَ أَبُوهُ السَّائِبُ يَوْمَ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ صَاحِبَ رَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ فَأُسِرَ فِي جُمْلَةِ مَنْ أُسِرَ وَفَدَى نَفْسَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَفَاقَ إلَخْ) فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَأَوَّلُ مَنْ قَرَّرَ نَاسِخَ الْأَحَادِيثِ وَمَنْسُوخَهَا، وَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْفِقْهِ مَعْرُوفَةٍ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ إلَخْ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ إلَخْ) فَاعِلُ وَاجْتَمَعَ (قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْمُولِ بِهِ إلَخْ) يُرِيدُ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ) يَعْنِي فِي الْمَنَاقِبِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَوْنِهِ يَمْلَأُ طِبَاقَ الْأَرْضِ عِلْمًا (قَوْلُهُ وَكَاشَفَ أَصْحَابَهُ إلَخْ) قَالَ لِلرَّبِيعِ أَنْتَ زَاوِيَةُ كُتُبِي فَعَاشَ بَعْدَهُ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً حَتَّى صَارَتْ الرَّوَاحِلُ تُشَدُّ إلَيْهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِسَمَاعِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَمَعَ هَذَا قَالَ أَيْ الشَّافِعِيُّ وَدِدْت أَنْ لَوْ أُخِذَ عَنِّي هَذَا الْعِلْمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْسَبَ إلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَكَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مُجَابَ الدَّعْوَةِ لَا تُعْرَفُ لَهُ كَبِيرَةٌ وَلَا صَبْوَةٌ وَمِنْ كَلَامِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
أَمَتُّ مَطَامِعِي فَأَرَحْت نَفْسِي
…
فَإِنَّ النَّفْسَ مَا طَمِعَتْ تَهُونُ
وَأَحْيَيْت الْقُنُوعَ وَكَانَ مَيْتًا
…
فَفِي إحْيَائِهِ عِرْضِي مَصُونُ
إذَا طَمَعٌ يَحِلُّ بِقَلْبِ عَبْدٍ
…
عَلَتْهُ مَهَانَةٌ وَعَلَاهُ هُونُ
وَلَهُ أَيْضًا
مَا حَكَّ جِلْدَك مِثْلُ ظُفْرِك
…
فَتَوَلَّ أَنْتَ جَمِيعَ أَمْرِك
وَإِذَا قَصَدْت لِحَاجَةٍ
…
فَاقْصِدْ لِمُعْتَرِفٍ بِقَدْرِك
مُغْنِي (قَوْلُهُ وُلِدَ بِغَزَّةَ إلَخْ) أَيْ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا هَاشِمٌ جَدُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ وُلِدَ بِعَسْقَلَانَ وَقِيلَ بِمِنًى مُغْنِي (قَوْلُهُ: ثُمَّ أُجِيزَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي، ثُمَّ حُمِلَ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ وَنَشَأَ بِهَا وَحَفِظَ الْقُرْآنَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ
أَوْ مُوَافِقُهَا إلَخْ) هَلْ يَصْدُقُ عَلَى الْمُوَافِقِ الْمَذْكُورِ أَوْ الْمُخَالِفِ الْمَذْكُورِ قَوْلُنَا فَهُوَ الْمَذْهَبُ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ الَّذِي هُوَ تَقْدِيرُ قَوْلِهِ فَمِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ وَأَقُولُ نَعَمْ يَصْدُقُ؛ لِأَنَّ الْمُوَافِقَ أَوْ الْمُخَالِفَ الَّذِي هُوَ بَعْضُ إحْدَى الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ (قَوْلُهُ وَحَيْثُ أَقُولُ النَّصُّ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ
ثُمَّ لِبَغْدَادَ وَلُقِّبَ نَاصِرَ السُّنَّةِ لَمَّا نَاظَرَ أَكَابِرَهَا وَظَفِرَ عَلَيْهِمْ كَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ إذْ ذَاكَ مَيِّتًا ثُمَّ بَعْدَ عَامَيْنِ رَجَعَ لِمَكَّةَ ثُمَّ لِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ ثُمَّ بَعْدَ سَنَةٍ لَمِصْرَ فَأَقَامَ بِهَا كَهْفًا لِأَهْلِهَا إلَى أَنْ تَقَطَّبَ.
وَمِنْ الْخَوَارِقِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ نَظِيرُهَا لِمُجْتَهِدٍ غَيْرِهِ اسْتِنْبَاطُهُ وَتَحْرِيرُهُ لِمَذْهَبِهِ الْجَدِيدِ عَلَى سَعَتِهِ الْمُفْرِطَةِ فِي نَحْوِ أَرْبَعِ سِنِينَ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ بِهَا، وَأُرِيدَ بَعْدَ أَزْمِنَةٍ نَقْلُهُ مِنْهَا لِبَغْدَادَ فَظَهَرَ مِنْ قَبْرِهِ لَمَّا فُتِحَ رَوَائِحُ طَيِّبَةٌ عَطَّلَتْ الْحَاضِرِينَ عَنْ إحْسَاسِهِمْ فَتَرَكُوهُ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصَانِيفَ فِي تَرْجَمَتِهِ حَتَّى بَلَغَتْ نَحْوَ أَرْبَعِينَ مُصَنَّفًا ذُكِرَتْ خُلَاصَتُهَا فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ وَلْيُتَنَبَّهْ لِكَثِيرٍ مِمَّا فِي رِحْلَتِهِ لِلرَّازِيِّ كَالْبَيْهَقِيِّ فَإِنَّ فِيهَا مَوْضُوعَاتٍ كَثِيرَةً (وَيَكُونُ هُنَاكَ وَجْهٌ) مُقَابِلٌ لَهُ (ضَعِيفٌ) لَا يُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ فِي مُدْرِكِهِ قُوَّةٌ بِالِاعْتِبَارِ السَّابِقِ (أَوْ قَوْلٌ) لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُخَرَّجَ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَفِيهِ خِلَافٌ الْأَصَحُّ لَا لِأَنَّهُ لَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ لَرُبَّمَا أَبْدَى فَارِقًا إلَّا مُقَيَّدًا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ (مُخَرَّجٌ) مِنْ نَصِّهِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى حُكْمٍ مُخَالِفٍ بِأَنْ يَنْقُلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ نَصَّ كُلٍّ إلَى الْأُخْرَى فَيَجْتَمِعُ فِي كُلٍّ مَنْصُوصٌ وَمُخَرَّجٌ، ثُمَّ الرَّاجِحُ إمَّا الْمُخَرَّجُ وَإِمَّا الْمَنْصُوصُ وَإِمَّا تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَالْفَرْقِ وَهُوَ الْأَغْلَبُ وَمِنْهُ النَّصُّ فِي مُضْغَةٍ قَالَ الْقَوَابِلُ لَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهَا؛ لِأَنَّ مَدَارَهَا عَلَى تَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَقَدْ وُجِدَ وَعَدَمُ حُصُولِ أُمَيَّةِ الْوَلَدِ بِهَا؛ لِأَنَّ مَدَارَهَا عَلَى وُجُودِ اسْمِ الْوَلَدِ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَحَيْثُ أَقُولُ الْجَدِيدُ) وَهُوَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بِمِصْرَ وَمِنْهُ الْمُخْتَصَرُ وَالْبُوَيْطِيُّ وَالْأُمُّ خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ.
وَقِيلَ مَا قَالَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَغْدَادَ إلَى مِصْرَ (فَالْقَدِيمُ)
سِنِينَ وَالْمُوَطَّأَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ وَتَفَقَّهَ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ مُفْتِي مَكَّةَ الْمَعْرُوفِ بِالزِّنْجِيِّ لِشِدَّةِ شُقْرَتِهِ مِنْ بَابِ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ، وَأُذِنَ لَهُ فِي الْإِفْتَاءِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَعَ أَنَّهُ نَشَأَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أُمِّهِ فِي قِلَّةٍ مِنْ الْعَيْشِ وَضِيقِ حَالٍ، وَكَانَ فِي صِبَاهُ يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ، وَيَكْتُبُ مَا يَسْتَفِيدُهُ فِي الْعِظَامِ وَنَحْوِهَا حَتَّى مَلَا مِنْهَا خَبَايَا، ثُمَّ رَحَلَ إلَى مَالِكٍ إلَخْ وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَأَذِنَ لَهُ مَالِكٌ فِي الْإِفْتَاءِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً اهـ.
وَفِي الْبُجَيْرِمِيِّ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ أَيْ الْخَطِيبِ وَأَذِنَ إلَخْ أَيْ مُسْلِمٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي النِّهَايَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْإِذْنَ صَدَرَ مِنْهُمَا أَيْ: مِنْ مُسْلِمٍ وَمَالِكٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ لِبَغْدَادَ) سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهَا عُلَمَاؤُهَا وَرَجَعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ مَذَاهِبَ كَانُوا عَلَيْهَا إلَى مَذْهَبِهِ، وَصَنَّفَ بِهَا كِتَابَهُ الْقَدِيمَ مُغْنِي (قَوْلُهُ رَجَعَ لِمَكَّةَ) فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً، ثُمَّ لِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ فَأَقَامَ بِهَا شَهْرًا مُغْنِي (قَوْلُهُ فَأَقَامَ بِهَا) أَيْ سِتَّ سِنِينَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ كَهْفًا لِأَهْلِهَا) وَلَمْ يَزَلْ بِهَا نَاشِرًا لِلْعِلْمِ مُلَازِمًا لِلِاشْتِغَالِ بِجَامِعِهَا الْعَتِيقِ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَتُوُفِّيَ إلَخْ) وَسَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ ضَرْبَةٌ شَدِيدَةٌ فَمَرِضَ بِهَا أَيَّامًا، ثُمَّ مَاتَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ سَمِعْت أَشْهَبَ يَدْعُو عَلَى الشَّافِعِيِّ بِالْمَوْتِ فَكَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَمِتْ الشَّافِعِيَّ وَإِلَّا ذَهَبَ عِلْمُ مَالِكٍ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ فَقَالَ
تَمَنَّى أُنَاسٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ
…
فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْت فِيهَا بِأَوْحَدِ
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خِلَافَ الَّذِي مَضَى
…
تَهَيَّأْ لِأُخْرَى مِثْلِهَا وَكَأَنْ قَدْ
فَتُوُفِّيَ بَعْدَ الشَّافِعِيِّ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَانَ ذَلِكَ كَرَامَةً لِلْإِمَامِ شَيْخِنَا، زَادَ الْبُجَيْرِمِيُّ قِيلَ الضَّارِبُ لَهُ أَشْهَبُ حِينَ تَنَاظَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ فَأَفْحَمَهُ الشَّافِعِيُّ فَضَرَبَهُ قِيلَ بِكَلْيُونٍ وَقِيلَ بِمِفْتَاحٍ فِي جَبْهَتِهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الضَّارِبَ لَهُ فَتَيَانِ الْمَغْرِبِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَمِنْ جُمْلَةِ كَرَامَاتِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْفَى ذِكْرَ فَتَيَانِ وَكَلَامَهُ فِي الْعِلْمِ حَتَّى عِنْدَ أَهْلِ مَذْهَبِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ إلَخْ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلْخَ رَجَبٍ وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِهِ مُغْنِي قَالَ الرَّبِيعُ رَأَيْت فِي الْمَنَامِ قَبْلَ مَوْتِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَيَّامٍ أَنَّ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ مَاتَ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يُخْرِجُوا جِنَازَتَهُ فَلَمَّا أَصْبَحْت سَأَلْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ هَذَا مَوْتُ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا فَمَا كَانَ إلَّا يَسِيرٌ حَتَّى مَاتَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. (فَائِدَةٌ) اتَّفَقَ لِبَعْضِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ يَا رَبِّ بِأَيِّ الْمَذَاهِبِ أَشْتَغِلُ فَقَالَ لَهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ نَفِيسٌ بُجَيْرِمِيٌّ (قَوْلُهُ بِالِاعْتِبَارِ السَّابِقِ) أَيْ فِي شَرْحٍ فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافٌ) أَيْ فِي نِسْبَةِ الْقَوْلِ الْمُخْرَجِ إلَى الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ الْأَصَحُّ لَا أَيْ لَا يُنْسَبُ لِلشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ إلَّا مُقَيَّدًا أَيْ بِكَوْنِهِ مُخَرَّجًا وَقَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ أَيْ التَّقْيِيدُ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَنْقُلَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ وَالتَّخْرِيجِ أَنْ يُجِيبَ الشَّافِعِيُّ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي صُورَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مَا يَصْلُحُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَيَنْقُلُ الْأَصْحَابُ جَوَابَهُ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْهُمَا إلَى الْأُخْرَى فَيَحْصُلُ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْهَا قَوْلَانِ مَنْصُوصٌ وَمُخَرَّجُ الْمَنْصُوصِ فِي هَذِهِ هُوَ الْمُخَرَّجُ فِي تِلْكَ، وَالْمَنْصُوصُ فِي تِلْكَ هُوَ الْمُخَرَّجُ فِي هَذِهِ فَيُقَالُ فِيهِمَا قَوْلَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيج.
وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِ هَذَا عَدَمُ إطْبَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى التَّخْرِيجِ بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يُخَرِّجُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُبْدِي فَرْقًا بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَنْصُوصُ) لِيُتَأَمَّلَ وَجْهُ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَلِيهِ بَصْرِيٌّ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ الْمُغَايَرَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَمَّا الْمُخَرَّجُ أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالْمَنْصُوصُ فِي الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الْمَنْصُوصُ أَيْ فِي الْأُولَى وَالْمُخَرَّجُ فِي الثَّانِيَةِ عَكْسُ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ) مَنْصُوبٌ بِأَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ لِلتَّقْرِيرِ أَيْ وَأَمَّا تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ وَنَظِيرِهَا قَالَهُ الْكُرْدِيُّ، وَيَجُوزُ بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى تَقْرِيرُ إلَخْ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ النَّحْوِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَغْلَبُ) أَيْ التَّقْرِيرُ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ الْأَغْلَبِ أَوْ التَّقْرِيرِ (قَوْلُهُ عَلَى انْقِضَاءِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِالنَّصِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَدَارَهَا) أَيْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْمُضَافِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ حُصُولِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى انْقِضَاءِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا قَالَهُ إلَخْ) أَيْ إحْدَاثًا أَوْ اسْتِقْرَارًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَهُوَ مَا قَالَهُ قَبْلَ دُخُولِهَا (خِلَافُهُ) وَمِنْهُ كِتَابُهُ الْحُجَّةُ (أَوْ) أَقُولُ (الْقَدِيمُ أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ) لَا يُنَافِيهِ عَدَمُ وُقُوعِ هَذِهِ فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَالَهَا بَلْ إنْ صَدَرَتْ فَهِيَ كَسَابِقِهَا (فَالْجَدِيدُ خِلَافُهُ) وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ إلَّا فِي نَحْوِ عِشْرِينَ، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِنَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً يَأْتِي بَيَانُ كَثِيرٍ مِنْهَا، وَأَنَّهُ لِنَحْوِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ بِهِ عَمَلًا بِمَا تَوَاتَرَ عَنْ وَصِيَّةِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ فَهُوَ مَذْهَبُهُ، وَلَوْ نُصَّ فِيهِ عَلَى مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ، وَجَبَ اعْتِمَادُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ رُجُوعُهُ عَنْ هَذَا بِخُصُوصِهِ (وَحَيْثُ أَقُولُ وَقِيلَ كَذَا) فَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ
(وَالصَّحِيحُ أَوْ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَحَيْثُ أَقُولُ وَفِي قَوْلِ كَذَا فَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ) وَكَانَ تَرْكُهُ لِبَيَانِ قُوَّةِ الْخِلَافِ وَضِعْفِهِ فِيهِمَا لِعَدَمِ ظُهُورِهِ لَهُ أَوْ لِإِغْرَاءِ الطَّالِبِ عَلَى تَأَمُّلِهِ وَالْبَحْثِ عَنْهُ لِيَقْوَى نَظَرُهُ فِي الْمَدَارِكِ وَالْمَآخِذِ وَوَصْفُ الْوَجْهِ بِالضَّعْفِ دُونَ الْقَوْلِ تَأَدُّبًا
(وَمِنْهَا مَسَائِلُ) جَمْعُ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا يُبَرْهَنُ عَلَى إثْبَاتِ مَحْمُولِهِ لِمَوْضُوعِهِ فِي الْعِلْمِ وَمِنْ شَأْنِ ذَلِكَ أَنْ يُطْلَبَ وَيُسْأَلَ عَنْهُ فَلِذَا يُسَمَّى مَطْلُوبًا وَمَسْأَلَةً (نَفِيسَةٌ) لِعُمُومِ نَفْعِهَا وَمَسِّ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَوَصْفُ الْجَمْعِ بِالْمُفْرَدِ رِعَايَةً لِمُفْرَدِهِ سَائِغٌ (أَضُمُّهَا إلَيْهِ) أَيْ الْمُخْتَصَرَ فِي مَظَانِّهَا اللَّائِقَةِ بِهَا غَالِبًا (يَنْبَغِي) أَيْ يُطْلَبُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ
عَمِيرَةُ عِبَارَةُ الْمُغْنِي الْجَدِيدُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ تَصْنِيفًا أَوْ إفْتَاءً وَرُوَاتُهُ الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعُ وَالْمُرَادِيُّ وَحَرْمَلَةُ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الَّذِي انْتَقَلَ أَخِيرًا إلَى مَذْهَبِ أَبِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ هُمْ الَّذِينَ تَصَدَّوْا لِذَلِكَ وَقَامُوا بِهِ، وَالْبَاقُونَ نُقِلَتْ عَنْهُمْ أَشْيَاءُ مَحْصُورَةٌ عَلَى تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمْ اهـ.
وَفِي النِّهَايَةِ مَا يُوَافِقُهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا قَالَهُ قَبْلَ دُخُولِهَا) شَامِلٌ لِمَا قَالَهُ فِي طَرِيقِهَا سم عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالْقَدِيمُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ بِالْعِرَاقِ تَصْنِيفًا، وَهُوَ الْحُجَّةُ أَوْ أَفْتَى بِهِ وَرُوَاتُهُ جَمَاعَةٌ أَشْهَرُهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالزَّعْفَرَانِيُّ وَالْكَرَابِيسِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَدْ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ وَقَالَ لَا أَجْعَلُ فِي حِلِّ مَنْ رَوَاهُ عَنِّي، وَقَالَ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ عَدُّ الْقَدِيمِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الصَّدَاقِ غَيَّرَ الشَّافِعِيُّ جَمِيعَ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ فِي الْجَدِيدِ إلَّا الصَّدَاقَ، فَإِنَّهُ ضَرَبَ عَلَى مَوَاضِعَ مِنْهُ زَادَ مَوَاضِعَ وَأَمَّا مَا وُجِدَ بَيْنَ مِصْرَ وَالْعِرَاقِ فَالْمُتَأَخِّرُ جَدِيدٌ وَالْمُتَقَدِّمُ قَدِيمٌ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ قَدِيمٌ وَجَدِيدٌ فَالْجَدِيدُ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ يَسِيرَةٍ نَحْوِ السَّبْعَةَ عَشَرَ أَفْتَى فِيهَا بِالْقَدِيمِ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَقَدْ تَتَبَّعَ مَا أَفْتَى فِيهِ بِالْقَدِيمِ فَوَجَدَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا وَنَبَّهَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ هُنَا عَلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إفْتَاءَ الْأَصْحَابِ بِالْقَدِيمِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ اجْتِهَادَهُمْ أَدَّاهُمْ إلَى الْقَدِيمِ لِظُهُورِ دَلِيلِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نِسْبَتُهُ إلَى الشَّافِعِيِّ قَالَ وَحِينَئِذٍ فَمَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى بِالْجَدِيدِ، وَمَنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُ مَا اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ فِي الْعَمَلِ وَالْفَتْوَى بِهِ مُبَيِّنًا أَنَّ هَذَا رَأْيُهُ وَأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي قَدِيمٍ لَمْ يُعَضِّدْهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا مُعَارِضَ لَهُ فَإِنْ اعْتَضَدَ بِدَلِيلٍ فَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُمْ الْقَدِيمُ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَلَيْسَ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَحَلُّهُ فِي قَدِيمٍ نَصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِهِ أَمَّا قَدِيمٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْجَدِيدِ لِمَا يُوَافِقُهُ وَلَا لِمَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ مَذْهَبُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ عَدَمُ وُقُوعِ هَذِهِ) أَيْ لَفْظَةٍ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ.
(قَوْلُهُ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِنَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ إلَخْ) وَقَدْ يُقَالُ لَا مُنَافَاةَ بِأَنْ يُرَادَ بِالنَّحْوِ مَا يَقْرُبُ مِنْ نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى بَيَانٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَصَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَدِيمِ (قَوْلُهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ) أَيْ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْجَدِيدِ لِمَا يُوَافِقُهُ وَلَا لِمَا يُخَالِفُهُ مُغْنِي (قَوْلُهُ وَكَانَ إلَخْ) بِشَدِّ النُّونِ وَقَوْلُهُ تَرَكَهُ إلَخْ أَيْ الْمُصَنِّفُ اسْمُهُ وَخَبَرُهُ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ لَهُ) أَيْ ظُهُورِ الْمَذْكُورِ مِنْ قُوَّةِ الْخِلَافِ وَضَعْفِهِ لِلْمُصَنِّفِ سم (قَوْلُهُ لِيَقْوَى إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِالْإِغْرَاءِ وَعِلَّةٌ لَهُ (قَوْلُهُ وَوَصْفُ الْوَجْهِ) فِعْلٌ وَمَفْعُولٌ وَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ رَاجِعٌ إلَى الْمُصَنِّفِ
(قَوْلُهُ وَهِيَ مَا) أَيْ مَطْلُوبٌ خَبَرِيٌّ يُبَرْهِنُ إلَخْ أَيْ إنْ كَانَ كَسْبِيًّا نِهَايَةٌ أَيْ أَمَّا إذَا كَانَ بَدِيهِيًّا فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ بُرْهَانٌ ع ش عِبَارَةُ الْبُرْهَانِ لِلْفَاضِلِ الْكَلَنْبَوِيِّ مَسَائِلُ كُلِّ فَنٍّ حَمْلِيَّاتٌ مُوجِبَاتٌ ضَرُورِيَّاتٌ كُلِّيَّاتٌ يُبَرْهَنُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْفَنِّ إنْ كَانَتْ نَظَرِيَّةً إلَخْ، وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ قَوْلُهُ إنْ كَانَتْ نَظَرِيَّةً يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمَسَائِلَ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ نَظَرِيَّةً بَلْ قَدْ تَكُونُ بَدِيهِيَّةً اهـ.
(قَوْلُهُ وَمِنْ شَأْنِ إلَخْ) عِبَارَةُ السَّعْدِ فِي التَّلْوِيحِ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَكَّبَ التَّامَّ الْمُحْتَمِلَ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ يُسَمَّى مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْحُكْمِ قَضِيَّةً وَمِنْ حَيْثُ احْتِمَالُهُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ خَبَرًا، وَمِنْ حَيْثُ إفَادَتُهُ الْحُكْمَ أَخْبَارًا وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جُزْءًا مِنْ الدَّلِيلِ مُقَدِّمَةً وَمِنْ حَيْثُ يُطْلَبُ بِالدَّلِيلِ مَطْلُوبًا وَمِنْ حَيْثُ يَحْصُلُ مِنْ الدَّلِيلِ نَتِيجَةً وَمِنْ حَيْثُ يَقَعُ فِي الْعِلْمِ، وَيُسْأَلُ عَنْهُ مَسْأَلَةً فَالذَّاتُ وَاحِدَةٌ وَاخْتِلَافُ الْعِبَارَاتِ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ مَا يُبَرْهَنُ إلَخْ (قَوْلُهُ يُسَمَّى مَطْلُوبًا وَمَسْأَلَةً إلَخْ) نَشْرٌ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ (قَوْلُهُ وَوَصْفُ الْجَمْعِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ فَقَدْ ذَكَرَ الْأُشْمُونِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ أَنَّ الْأَفْصَحَ فِي وَصْفِ جَمْعِ الْكَثْرَةِ إذَا كَانَ لِمَا لَا يَعْقِلُ الْإِفْرَادُ بَصْرِيٌّ، وَأَيْضًا صَرَّحَ النُّحَاةُ بِجَوَازِ وَصْفِ غَيْرِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ مِنْ الْجُمُوعِ بِمُفْرَدٍ مُؤَنَّثٍ بِتَأْوِيلِ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ غَالِبًا) إشَارَةً إلَى أَنَّهُ قَدْ يَضُمُّهَا فِي غَيْرِ مَظَانِّهَا كَمَا فِي زِيَادَاتِ الْجَنَائِزِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ يُطْلَبُ إلَخْ) الْأَوْجَهُ
مَرْفُوعٌ بِاعْتِبَارِ حِكَايَةِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ وَيَجُوزُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ قَبْلَ دُخُولِهَا) شَامِلٌ لِمَا قَالَهُ فِي طَرِيقِهَا (قَوْلُهُ وَكَانَ تَرَكَهُ) أَيْ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ قُوَّةِ الْخِلَافِ وَضَعْفِهِ، وَقَوْلُهُ لَهُ أَيْ الْمُصَنِّفِ
(قَوْلُهُ غَالِبًا) إشَارَةً إلَى أَنَّهُ قَدْ يَجْمَعُهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لَا فِي مَظَانِّهَا كَمَا فِي زِيَادَةِ الْجَنَائِزِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي) الْأَوْجَهُ أَنَّ يَنْبَغِي
الْأَغْلَبُ فِيهَا اسْتِعْمَالَهَا فِي الْمَنْدُوبِ تَارَةً وَالْوُجُوبِ أُخْرَى، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْجَوَازِ أَوْ التَّرْجِيحِ وَلَا يَنْبَغِي قَدْ تَكُونُ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ (أَنْ لَا يُخَلِّيَ الْكِتَابَ) الْمَذْكُورَ وَهُوَ الْمُخْتَصَرُ وَمَا ضُمَّ إلَيْهِ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي ظَهْرِ خُطْبَتِهِ بِخُطَّةِ الْمِنْهَاجِ وَهُوَ كَالْمَنْهَجِ وَالنَّهْجِ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ مِنْ نَهَجَ كَذَا أَوْضَحَهُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى سَلَكَ فَقَطْ (مِنْهَا) لِنَفَاسَتِهَا وَوَصْفِهَا بِالنَّفَاسَةِ، وَالضَّمُّ أَفَادَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ لَكِنْ أَعَادَهُمَا هُنَا بِزِيَادَةٍ يَنْبَغِي وَمَعْمُولُهُ إظْهَارُ السَّبَبِ زِيَادَتُهَا مَعَ خُلُوِّهَا عَنْ التَّنْكِيتِ بِخِلَافِ سَابِقِهَا
(وَأَقُولُ) غَالِبًا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي فَصْلِ الْخَلَاءِ وَلَا يَتَكَلَّمُ وَإِنْ كَانَ زِيَادَةَ مَسْأَلَةٍ بِرَأْسِهَا وَسَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي إلْحَاقِ قَيْدٍ إلَخْ أَنَّ لَهُ زِيَادَاتٍ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ وَمِنْ الِاسْتِقْرَاءِ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي اسْتِدْرَاكِ التَّصْحِيحِ عَلَيْهِ (فِي أَوَّلِهَا قُلْت وَفِي آخِرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَيْ مِنْ كُلِّ عَالِمٍ وَزَعَمَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ قِيلَ مُطْلَقًا.
وَقِيلَ لِلْإِعْلَامِ بِخَتْمِ الدَّرْسِ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا إيهَامَ فِيهِ بَلْ فِيهِ غَايَةُ التَّفْوِيضِ الْمَطْلُوبِ بَلْ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْعِلْمِ فِي قِصَّةِ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ لَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فِيهِ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى أَيْ حَيْثُ سُئِلَ عَنْ أَعْلَمِ النَّاسِ فَقَالَ أَنَا إذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إلَيْهِ إذْ رَدُّهُ إلَيْهِ صَادِقٌ بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ بَلْ الْقُرْآنُ دَالٌّ لَهُ وَهُوَ {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَأَبْرَدُهَا عَلَى كَبِدِي إذَا سُئِلْت عَمَّا لَا أَعْلَمُ أَنْ أَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم عَنْ سُورَةِ النَّصْرِ فَقَالُوا اللَّهُ أَعْلَمُ فَغَضِبَ وَقَالَ قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ قَالَهُ مَرَّةً قَدْ تَيَقَّنَّا إنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
لِتَعَيُّنِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ فِيمَنْ جَعَلَ الْجَوَابَ بِهِ ذَرِيعَةً إلَى عَدَمِ إخْبَارِهِ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ فِي اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَعْلَمُ وَنَحْوِهِمَا مَا يُصَرِّحُ بِحُسْنِ مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ فَعَلَيْك بِهِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ يُسَنُّ لِمَنْ سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَمُنِعَ نَحْوُ مَا أَحْلَمَ اللَّهَ نَظَرًا لِتَقْدِيرِ النُّحَاةِ فِي التَّعَجُّبِ شَيْءٌ صَيَّرَهُ كَذَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ فِيهِ غَايَةَ الْإِجْلَالِ وَبِنَحْوِ {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف: 26] أَيْ مَا أَبْصَرَهُ وَأَسْمَعَهُ.
كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ
أَنَّ يَنْبَغِي هُنَا بِمَعْنَى يَلِيقُ وَيَحْسُنُ وَيَتَأَكَّدُ سم عَلَى حَجّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ أَيْ يُطْلَبُ فِي الْعُرْفِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ اسْتِعْمَالُهَا) أَيْ لَفْظَةُ يَنْبَغِي (قَوْلُهُ فِي الْمَنْدُوبِ تَارَةً وَالْوُجُوبِ أُخْرَى) ، وَتُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْقَرِينَةِ نِهَايَةٌ بَقِيَ مَا لَوْ لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ عَلَى النَّدْبِ إنْ كَانَ التَّرَدُّدُ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَإِلَّا فَعَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَاللِّيَاقَةِ وَمَعْنَاهَا هُنَا كَمَا قَالَ عَمِيرَةُ إنَّهُ يُطْلَبُ وَيَحْسُنُ شَرْعًا تَرْكُ خُلُوِّ الْكِتَابِ مِنْهَا ع ش قَوْلُ الْمَتْنِ (أَنْ يُخَلِّيَ) لَعَلَّهُ مِنْ الْإِخْلَاءِ (قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ) يَنْبَغِي حَذْفُهُ (قَوْلُهُ أَفَادَهُ) أَيْ الْوَصْفُ بِهِمَا (قَوْلُهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ) أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَ مَا أَضُمُّهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ النَّفَائِسِ الْمُسْتَجَادَاتِ (قَوْلُهُ لَكِنْ أَعَادَهُمَا) أَيْ الْوَصْفَيْنِ، وَكَانَ الْأَوْفَقُ لِمَا قَبْلَهُ الْإِفْرَادَ (قَوْلُهُ لِسَبَبِ زِيَادَتِهَا) أَيْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ مَعَ خَلَّوْهَا أَيْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَابِقِهَا) أَيْ مِنْ النَّفَائِسِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا تَنْكِيتَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي زِيَادَةِ فُرُوعٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفُرُوعِ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى اسْتِيعَابِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ حَتَّى يُنَكِّتَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ كَذَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهَا بِخِلَافِ التَّنْبِيهِ عَلَى الْقُيُودِ وَاسْتِدْرَاكِ التَّصْحِيحِ فَإِنَّ التَّنْكِيتَ يَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ فِي مَوْضِعِ التَّقْيِيدِ أَوْ مَشَى عَلَى خِلَافِ الْمُصَحَّحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مُغْنِي
قَوْلُ الْمَتْنِ (وَأَقُولُ فِي أَوَّلِهَا إلَخْ) أَيْ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ مَسَائِلِ الْمُحَرَّرِ مَحَلِّيٌّ أَيْ مَعَ التَّبَرِّي مِنْ دَعْوَى الْأَعْلَمِيَّةِ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ فَلَا يَرِدُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِغَالِبًا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ إلَخْ) الْوَاوُ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ يَقُولُ ذَلِكَ) أَيْ مَا يَأْتِي مِنْ قُلْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ فِي اسْتِدْرَاكِ التَّصْحِيحِ إلَخْ أَيْ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَزَادَةِ كَقَوْلِهِ قُلْت الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ ضَبَّةِ الذَّهَبِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُغْنِي قَوْلُ الْمَتْنِ (فِي أَوَّلِهَا قُلْت وَفِي آخِرِهَا إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ مَعْنَاهُمَا الْعُرْفِيُّ فَيَصْدُقُ بِمَا اتَّصَلَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ لَا إيهَامَ) أَيْ لِمُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِي الْعِلْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْمَ التَّفْضِيلِ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ مَا يَدُلُّ لَهُ) أَيْ لِطَلَبِ مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ إذْ رَدَّهُ إلَخْ) فِي كَوْنِ هَذَا الْقَدْرِ كَافِيًا فِي الِاسْتِدْلَالِ تَأَمَّلْ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ اللَّهُ أَعْلَمُ إلَخْ) أَيْ وَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا (قَوْلُهُ وَأَبْرَدُهَا) أَيْ الْكَلِمَاتِ أَوْ الْأَجْوِبَةِ أَوْ الْأَقْوَالِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَنْ أَقُولَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَا يُنَافِيهِ) أَيْ مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ عَنْ سُورَةِ النَّصْرِ) أَيْ عَنْ الْمُرَادِ بِالنَّصْرِ وَالْفَتْحِ فِيهَا (قَوْلُهُ أَنَّهُ قَالَ) أَيْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (وَقَوْلُهُ لِمَنْ قَالَهُ) أَيْ خِطَابًا لِمَنْ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُهُ مَرَّةً) يَظْهَرُ أَنَّهُ ظَرْفٌ لِقَالَ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ قَدْ تَتَبَّعْنَا إلَخْ) مَقُولُ عُمَرَ.
قَالَ سم قَدْ ضَبَّبَ الشَّارِحُ بَيْنَ قَدْ تَيَقَّنَّا وَبَيْنَ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ اهـ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ عَلَى تَقْدِيرِ لَامٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِتَيَقَّنَّا، وَقَوْلُهُ إنَّ اللَّهَ إلَخْ مَفْعُولُهُ (قَوْلُهُ لِتَعَيُّنِ حَمْلِهِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ، وَالضَّمِيرُ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ (قَوْلُهُ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ إلَخْ) أَوْ عَنْ حَالِ نَفْسِهِ مِنْ عِلْمٍ أَوْ جَهْلٍ مَا سُئِلَ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ) أَيْ حَسَنٌ مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ لَا رَدَّ قَوْلَ ذَلِكَ الْبَعْضِ بَصْرِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي نَحْوِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَمُنِعَ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ مَرْدُودٌ وَهُوَ كَلَامٌ اسْتِطْرَادِيٌّ (قَوْلُهُ لِتَقْدِيرِ النُّحَاةِ فِي التَّعَجُّبِ إلَخْ) يَعْنِي لِتَفْسِيرِ النُّحَاةِ صِيغَةَ التَّعَجُّبِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَبِنَحْوِ قُلْ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى بِأَنَّ فِيهِ إلَخْ فَإِنْ كَانَ الرَّدُّ مَأْخُوذًا مِنْ الْآيَةِ فَهُوَ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ إذْ لَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا هُوَ فِي إطْلَاقِ خُصُوصِ الصِّيغَةِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْمُفَسِّرِ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَعَ أَنَّ إرَادَتَهُ بَعِيدَةٌ مِنْ السِّيَاقِ، وَقَدْ يَخْتَارُ الثَّانِيَ وَيَمْنَعُ قَوْلَهُ فَلَا يَصْلُحُ إلَخْ بِاتِّفَاقِ الصَّرْفِيِّينَ عَلَى أَنَّ صِيغَتَيْ التَّعَجُّبِ مَا أَفْعَلَهُ وَأَفْعِلْ بِهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ إلَخْ) أَيْ هَذَا التَّفْسِيرُ وَقَوْلُهُ لِقَوْلِ قَتَادَةَ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِقَالَهُ أَيْ فَسَّرَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ
هُنَا بِمَعْنَى يَلِيقُ وَيَحْسُنُ وَيَتَأَكَّدُ
(قَوْلُهُ قَدْ تَيَقَّنَّا) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنَّ اللَّهَ
لِقَوْلِ قَتَادَةَ لَا أَحَدَ أَبْصَرُ مِنْ اللَّهِ وَلَا أَسْمَعُ وَتَقْدِيرُ النُّحَاةِ الْمَذْكُورُ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا مُطَّرِدٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَقَامٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ كَشَيْءٍ وَصَفَهُ بِذَلِكَ أَمَّا نَفْسُهُ أَوْ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ
(وَمَا وَجَدْته) أَيُّهَا النَّاظِرُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ (مِنْ زِيَادَةِ لَفْظَةٍ) أَيْ كَلِمَةٍ كَظَاهِرٍ وَكَثِيرٍ فِي قَوْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ (وَنَحْوِهَا) كَالْهَمْزَةِ فِي أَحَقِّ مَا يَقُولُ الْعَبْدُ فَإِنَّهَا جَزْءُ كَلِمَةٍ لَا كَلِمَةٌ (عَلَى مَا فِي الْمُحَرَّرِ فَاعْتَمِدْهَا فَلَا بُدَّ مِنْهَا) أَيْ لَا غِنَى وَلَا عِوَضَ عَنْهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْحُكْمِ أَوْ الْمَعْنَى أَوْ ظُهُورِهِ عَلَيْهَا (وَكَذَا مَا وَجَدْته) فِيهِ (مِنْ الْأَذْكَارِ) جَمْعُ ذِكْرٍ وَهُوَ لُغَةً كُلُّ مَذْكُورٍ وَشَرْعًا قَوْلٌ سِيقَ لِثَنَاءٍ أَوْ دُعَاءٍ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ شَرْعًا أَيْضًا لِكُلِّ قَوْلٍ يُثَابُ قَائِلُهُ (مُخَالِفًا لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ فَاعْتَمِدْهُ فَإِنَى حَقَّقْته) أَيْ ذَكَرْته وَأَثْبَتُّهُ وَأَصْلُهُ لُغَةً صِرْت مِنْهُ عَلَى يَقِينٍ كَتَحَقَّقْتُهُ (مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ) وَهُوَ لُغَةً ضِدُّ الْقَدِيمِ وَاصْطِلَاحًا عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ أَحْوَالُ ذَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلًا وَفِعْلًا وَصِفَةً (الْمُعْتَمَدَةِ) فِي نَقْلِهِ لِاعْتِنَاءِ أَهْلِهِ بِلَفْظِهِ، وَالْفُقَهَاءُ إنَّمَا يَعْتَنُونَ غَالِبًا بِمَعْنَاهُ دُونَ غَيْرِ الْمُعْتَمَدَةِ فَفِيهِ حَثٌّ عَلَى إيثَارِ فِعْلِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْثِرُ الْمُعْتَمَدَ عَلَى غَيْرِهِ (وَقَدْ أُقَدِّمُ بَعْضَ مَسَائِلِ الْفَصْلِ لِمُنَاسَبَةٍ) أَيْ لِوُقُوعِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُمَا وَجْهٌ مُنَاسِبٌ (أَوْ اخْتِصَارٌ) قَبْلَ أَحَدِهِمَا كَافٍ لِاسْتِلْزَامِهِ الْآخَرَ انْتَهَى.
بِذَلِكَ التَّفْسِيرِ أَخْذًا لَهُ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ (قَوْلُهُ وَتَقْدِيرُ النُّحَاةِ إلَخْ) أَقُولُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ فَقَدْ ذَكَرَ الرَّضِيُّ أَنَّ مَعْنَى مَا أَحْسَنَ زَيْدًا فِي الْأَصْلِ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا أَعْرِفُهُ جَعَلَ زَيْدًا حَسَنًا، ثُمَّ نُقِلَ إلَى إنْشَاءِ التَّعَجُّبِ وَانْمَحَى عَنْهُ مَعْنَى الْجَعْلِ فَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي التَّعَجُّبِ عَنْ شَيْءٍ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ بِجَعْلِ جَاعِلٍ نَحْوُ مَا أَقْدَرَ اللَّهَ وَمَا أَعْلَمَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ مِنْ اللَّفْظِ عَلَى ثَمَرَتِهِ، وَهِيَ التَّعَجُّبُ مِنْ الشَّيْءِ سَوَاءٌ كَانَ مَجْعُولًا وَلَهُ سَبَبٌ أَوْ لَا إلَى أَنْ قَالَ بَلْ مَعْنَى مَا أَحْسَنَ زَيْدًا وَأَحْسِنْ بِزَيْدٍ الْآنَ أَيْ حَسَّنَ حَسَّنَ زَيْدًا اهـ.
(قَوْلُهُ بِمَا يُنَاسِبُهُ) خَبَرٌ؛ لِأَنَّ أَيْ يُقَدَّرُ بِمَا إلَخْ
(قَوْلُهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ) الْأَحْسَنُ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَمِيرَةُ قَوْلُ الْمَتْنِ (مِنْ زِيَادَةِ لَفْظَةٍ إلَخْ) أَيْ بِدُونِ قُلْت نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ كَظَاهِرٍ) يَقْتَضِي أَنَّ الْمَزِيدَ عَلَى الْمُحَرَّرِ لَفْظَةُ ظَاهِرٍ فَقَطْ وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ وَالْمُغْنِي أَيْ وَالنِّهَايَةِ كَزِيَادَةِ كَثِيرٍ وَفِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ فِي قَوْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرًا وَالشَّيْنُ الْفَاحِشُ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ اهـ وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّ الْمَزِيدَ قَوْلُهُ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ لَا ظَاهِرٍ فَقَطْ، وَهُوَ الَّذِي يُطَابِقُ مَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْمُحَرَّرِ فَلَعَلَّ النُّسْخَةَ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا الشَّارِحُ مُخَالِفَةٌ لِلنُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ فِي حَاشِيَةِ الْمَحَلِّيِّ قَوْلُ الشَّارِحِ كَثِيرًا رَاجِعٌ لِلَفْظَةٍ، وَقَوْلُهُ وَفِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ رَاجِعٌ لِنَحْوِ اللَّفْظَةِ انْتَهَى.
وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْأَوْلَى إبْقَاءُ اللَّفْظَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا فَتَشْمَلُ هَمْزَةَ أَحَقَّ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَفْسِيرِهَا بِالْكَلِمَةِ بَصْرِيٌّ عِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ قَوْلُهُ م ر كَزِيَادَةِ كَثِيرٍ وَفِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ فَالْأَوَّلُ مِثَالٌ لِلَفْظَةٍ وَالثَّانِي مِثَالٌ لِنَحْوِهَا وَمَا هُنَا م ر مِنْ أَنَّ جُمْلَةَ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ مَزَادَةٌ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْوَاقِعِ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ وَوَقَعَ فِي التُّحْفَةِ أَنَّ الْمُزَادَ لَفْظَةُ ظَاهِرٍ فَقَطْ اهـ.
(قَوْلُهُ كَالْهَمْزَةِ فِي أَحَقَّ) قَضِيَّةُ تَعْرِيفِ الْكَافِيَةِ لِلْكَلِمَةِ أَنَّ هَذِهِ الْهَمْزَةَ كَلِمَةٌ، وَيُمَثِّلُ لِلنَّحْوِ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ فِي قَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ حَبَّتَيْ حِنْطَةٍ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ سم وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ يَاءُ التَّثْنِيَةِ أَوْلَى مِنْ الْهَمْزَةِ بِالدُّخُولِ فِي تَعْرِيفِ الْكَلِمَةِ، وَلِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْبَاءِ هَلْ هِيَ كَلِمَةٌ أَوْ بَعْضُهَا رُجِّحَ فِي الِامْتِحَانِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْهَمْزَةَ فِي مَحَلِّ الِاخْتِلَافِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَلِمَةً بَلْ بَعْضُهَا بِاتِّفَاقٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَطْوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الِامْتِحَانِ قَوْلُ الْمَتْنِ (فَاعْتَمَدَهَا) أَيْ الزِّيَادَةَ عَمِيرَةُ أَيْ جَعَلَهَا عُمْدَةً فِي الْإِفْتَاءِ وَنَحْوُهُ نِهَايَةٌ وَهَذَا جَوَابُ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا لِلتَّعْلِيلِ سم قَوْلُ الْمَتْنِ (وَكَذَا) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَقَوْلُهُ مَا وَجَدْته مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ عَمِيرَةُ وَإِنَّمَا خَاطَبَ النَّاظِرَ بِهَذَيْنِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُمَا وَقَعَا مِنْ النُّسَّاخِ أَوْ مِنْ الْمُصَنِّفِ سَهْوًا نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْحُكْمِ إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لِيَشْمَلَ زِيَادَةَ الْيَاءِ فِي قَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ حَبَّتَيْ حِنْطَةٍ فَإِنَّهَا أَفَادَتْ الْبُطْلَانَ فِي الْحَبَّتَيْنِ مَنْطُوقًا وَفِي الْحَبَّةِ بِمَفْهُومِ الْأُولَى سم.
(قَوْلُهُ وَشَرْعًا قَوْلٌ سِيقَ لِثَنَاءٍ أَوْ دُعَاءٍ إلَخْ) وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَبْطُلُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ الْعَطْفِ التَّغَايُرُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الدُّعَاءَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ع ش (قَوْلُهُ لِكُلِّ قَوْلٍ إلَخْ) أَيْ فَيَشْمَلُ نَحْوَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (قَوْلُهُ عِلْمٌ يُعْرَفُ إلَخْ) هَذَا تَعْرِيفٌ لِعِلْمِ الْحَدِيثِ رِوَايَةً (قَوْلُهُ وَصِفَةً) أَيْ وَتَقْرِيرًا وَهُمَا قَوْلُ الْمَتْنِ (الْمُعْتَمَدَةِ) أَيْ كَالصَّحِيحَيْنِ وَبَقِيَّةِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي نَقْلِهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ لِاعْتِنَاءِ أَهْلِهِ إلَخْ عِلَّةٌ لِكَوْنِهَا مُعْتَمَدَةً عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ دُونَ غَيْرِ الْمُعْتَمَدَةِ) حَالٌ (قَوْلُهُ فَفِيهِ إلَخْ) أَيْ فِي الْوَصْفِ بِالْمُعْتَمَدَةِ قَوْلُ الْمَتْنِ (بَعْضُ مَسَائِلِ الْفَصْلِ) إنَّمَا قُيِّدَ بِالْفَصْلِ إشْعَارًا بِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَدَّمُ مِنْ فَصْلٍ إلَى غَيْرِهِ فِي الْبَابِ وَلَوْ أَطْلَقَ شَمَلَ التَّقْدِيمَ مِنْ بَابٍ أَوْ كِتَابٍ إلَى آخَرَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ إذْ مِنْ شَأْنِهِ فَوَاتُ الْمُنَاسَبَةِ وَالِاخْتِصَارِ سم قَوْلُ الْمَتْنُ (أَوْ اخْتِصَارٍ)
قَوْلُهُ أَيُّهَا النَّاظِرُ) وَإِنَّمَا خَاطَبَ النَّاظِرَ بِهَذَيْنِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُمَا وَقَعَا مِنْ النُّسَّاخِ أَوْ مِنْ الْمُصَنِّفِ سَهْوًا شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ كَالْهَمْزَةِ فِي أَحَقَّ) قَضِيَّةُ تَعْرِيفِ الْكَافِيَةِ لِلْكَلِمَةِ أَنَّ هَذِهِ الْهَمْزَةَ كَلِمَةٌ، وَيُمَثِّلُ لِلنَّحْوِ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ فِي قَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ حَبَّتَيْ حِنْطَةٍ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ (قَوْلُهُ فَاعْتَمَدَهَا) جَوَابُ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْحُكْمِ إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لِيَشْمَلَ زِيَادَةَ الْيَاءِ فِي قَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ حَبَّتَيْ حِنْطَةٍ فَإِنَّهَا أَفَادَتْ الْبُطْلَانَ فِي الْحَبَّتَيْنِ مَنْطُوقًا وَفِي الْحَبَّةِ بِمَفْهُومِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ مَسَائِلُ الْفَصْلِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِالْفَصْلِ إشْعَارًا بِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَدِّمُ مِنْ فَصْلٍ إلَى غَيْرِهِ فِي الْبَابِ، وَلَوْ أَطْلَقَ شَمِلَ التَّقْدِيمَ مِنْ بَابٍ أَوْ كِتَابٍ إلَخْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ إذْ مِنْ شَأْنِهِ فَوَاتُ الْمُنَاسَبَةِ وَالِاخْتِصَارِ (قَوْلُهُ أَوْ اخْتِصَارٌ) يَنْبَغِي جَعْلُ أَوْ مَانِعَةَ خُلُوٍّ لَا جَمْعٍ إذْ قَدْ تَجْتَمِعُ الْمُنَاسَبَةُ وَالِاخْتِصَارُ وَوَجْهُ حُصُولِ الِاخْتِصَارِ بِالتَّقْدِيمِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ قَدْ يَتَنَاوَلُ مَعَ مَا قُدِّمَ عَلَيْهِ فِي عَامِلٍ
وَيُرَدُّ بِمَنْعِ الِاسْتِلْزَامِ إذْ قَدْ تُوجَدُ مُنَاسَبَةٌ بِلَا اخْتِصَارٍ بَلْ قَدْ لَا تُوجَدُ إلَّا مَعَ عَدَمِهِ، وَقَدْ يُوجَدُ اخْتِصَارٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ كَمَا وَقَعَ لَهُ أَوَّلَ الْجِرَاحِ فَإِنَّهُ أَخَّرَ بَحْثَ الْمُكْرَهِ عَنْ بَحْثِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْقَوَدِ لِيَجْمَعَ أَقْسَامَ الْمَسْأَلَةِ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ (وَرُبَّمَا) لِلتَّقْلِيلِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ عُرْفُ الْفُقَهَاءِ وَإِنْ قِيلَ إنَّهَا لِلتَّكْثِيرِ أَكْثَرَ، وَقَدْ قِيلَ بِهِمَا فِي {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] .
(قَدَّمْت فَصْلًا) وَهُوَ لُغَةً الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَهُوَ فِي الْكُتُبِ كَذَلِكَ لِفَصْلِهِ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَسَائِلِ وَأَنْوَاعِهَا (لِلْمُنَاسَبَةِ) كَفَصْلِ كَفَّارَاتِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْإِحْصَارِ (وَأَرْجُو) مِنْ الرَّجَاءِ ضِدُّ الْيَأْسِ فَهُوَ تَجْوِيزُ وُقُوعِ مَحْبُوبٍ عَلَى قُرْبٍ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] أَيْ لَا تَخَافُونَ عَظَمَتَهُ مَجَازٌ يَحْتَاجُ لِقَرِينَةٍ (إنْ) عَبَّرَ بِهَا مَعَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلرَّجَاءِ إذَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ مَعَ رَجَائِهِ مُلَاحِظٌ لِمَقَامِ الْخَوْفِ الْمُقْتَضِي لِلتَّرَدُّدِ فِي التَّمَامِ اللَّازِمِ لِلْمَرْجُوِّ (تَمَّ هَذَا الْمُخْتَصَرُ) الْحَاضِرُ ذِهْنًا وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَى وَضْعِ الْخُطْبَةِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي أَوَّلِ شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ وَتَقَدُّمُهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ صَنِيعُهُ فِي مَوَاضِعَ، وَقَدْ تَمَّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ) مِنْ شَرْحِ كَشْفٍ وَبَيَّنَ (لِلْمُحَرَّرِ) لِقِيَامِهِ بِأَكْثَرِ وَظَائِفِ الشُّرَّاحِ مِنْ إبْدَالِ الْغَرِيبِ وَالْمُوهِمِ وَذِكْرِ قُيُودِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانِ أَصْلِ الْخِلَافِ وَمَرَاتِبِهِ وَضَمِّ زِيَادَاتٍ نَفِيسَةٍ
يَنْبَغِي جَعْلُ أَوْ مَانِعَةَ خُلُوٍّ لَا جَمْعٍ إذْ قَدْ يَجْتَمِعُ الْمُنَاسَبَةُ وَالِاخْتِصَارُ، وَوَجْهُ حُصُولِ الِاخْتِصَارِ بِالتَّقْدِيمِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ قَدْ يَتَشَارَكُ مَعَ مَا قُدِّمَ إلَيْهِ فِي عَامِلٍ أَوْ خَبَرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَكْتَفِي لَهُمَا بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ سم.
(قَوْلُهُ يَمْنَعُ الِاسْتِلْزَامَ إلَخْ) أَقُولُ وَلَوْ سُلِّمَ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ يُقْصَدُ بِخُصُوصِهِ، وَهُوَ لَا يُفْهَمُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا سم (قَوْلُهُ وَذَلِكَ) أَيْ انْفِرَادُ الْمُنَاسَبَةِ عَنْ الِاخْتِصَارِ (قَوْلُهُ وَهُوَ إلَخْ) فِيهِ اسْتِخْدَامُ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَرْجِعِ لَفْظُ فَصْلٍ بَلْ الْجُمْلَةُ الْمَخْصُوصَةُ مِنْ الْأَلْفَاظِ أَوْ الْمَسَائِلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ سم قَوْلُ الْمَتْنِ (لِلْمُنَاسَبَةِ) لَمْ يَقُلْ أَوْ الِاخْتِصَارِ كَأَنَّهُ لِبُعْدِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ كَأَنْ يَحْصُلَ بِالتَّقْدِيمِ اشْتِرَاكُ الْفَصْلَيْنِ فِي تَرْجَمَةٍ عَامَّةٍ سم (قَوْلُهُ كَفَصْلٍ إلَخْ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ كَتَقْدِيمِ فَصْلِ التَّخْيِيرِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى فَصْلِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ اهـ وَعِبَارَةُ الْمُغْنِي كَمَا فُعِلَ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ، فَإِنَّهُ أَخَّرَهُ عَنْ الْكَلَامِ عَلَى الْجَزَاءِ وَالْمُحَرَّرُ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ وَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنْهَاجِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَآخِرَهَا الِاصْطِيَادُ وَلَا شَكَّ أَنَّ فَصْلَ التَّخْيِيرِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مُنَاسِبٌ لَهُ لِتَعَلُّقِهِ بِالِاصْطِيَادِ فَتَقْدِيمُ الْفَوَاتِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.
(قَوْلُهُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ضِدِّ الْيَأْسِ كُرْدِيٌّ قَوْلُ الْمَتْنِ (إنْ تَمَّ) جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ أَرْجُو عَمِيرَةُ أَيْ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَأَمَّا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ فَالْمُتَقَدِّمُ هُوَ نَفْسُ الْجَوَابِ وَلَا حَذْفَ وَلَا تَقْدِيرَ وَجَرَى عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالْمُنَاطِقَةُ عَبْدُ الْحَكِيمِ (قَوْلُهُ لِمَقَامِ الْخَوْفِ) أَيْ مَرْتَبَتِهِ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ فِي التَّمَامِ اللَّازِمِ لِلْمَرْجُوِّ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا عَبَّرَ بِأَنَّ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى التَّمَامِ اللَّازِمِ لِلْمَرْجُوِّ أَيْ كَوْنِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ مَعَ أَنَّ رَجَاءَ الْمَلْزُومِ يَقْتَضِي رَجَاءَ لَازِمِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ الْمُقْتَضِي لِلتَّرَدُّدِ الْمَرْجُوِّ الْمُسْتَلْزِمِ لِلتَّرَدُّدِ فِي لَازِمِهِ أَيْ التَّمَامِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي سم قَوْلُ الْمَتْنِ (هَذَا الْمُخْتَصَرُ) لَمْ يَقُلْ الْكِتَابُ مَعَ أَنَّهُ أَنْسَبُ إذْ الْمَرْجُوُّ تَمَامُ الْمُخْتَصَرِ وَمَا ضُمَّ إلَيْهِ لَا الْمُخْتَصَرُ فَقَطْ كَمَا قَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْلِيَ الْكِتَابَ تَغْلِيبًا لِلْمُخْتَصَرِ عَلَى مَا ضُمَّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ انْتَهَى بَكْرِيٌّ اهـ.
ع ش (قَوْلُهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ إلَخْ) مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ كُلُّهُ وَإِلَّا نَافَى إنْ تَمَّ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْإِشَارَةِ لِمَا فِي الذِّهْنِ وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُشَارَ لِلْخَارِجِيِّ سم.
(قَوْلُهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ) أَيْ كَوْنُ الْمُشَارِ إلَيْهِ الْحَاضِرَ فِي الذِّهْنِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ) وَمَا بَيَّنَهُ تَبِعَ فِيهِ الدَّوَانِيَّ وَقَدْ تَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا عِيسَى وَصَنَّفَ فِي جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ وَسَنُوَضِّحُ الْمَقَامَ فِي حَاشِيَتِنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى سم (قَوْلُهُ شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ) كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ بِالْيَاءِ وَلَامِ الْجَرِّ وَفِي نُسْخَةِ سم مِنْ الشَّرْحِ شَرْحُ الْإِرْشَادِ بِالْإِفْرَادِ وَالْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ الشُّرَّاحِ) الْمُنَاسِبُ الشُّرُوحُ (قَوْلُهُ مِنْ إبْدَالِ الْغَرِيبِ إلَخْ) فِي كَوْنِ الْإِبْدَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ وَظِيفَةِ الشَّارِحِ نَظَرًا لَا أَنْ يُرَادَ لَازِمَهُ مِنْ وُجُودِ التَّنْبِيهِ عَلَى وُجُودِ مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُبْدَلَ بَصْرِيٌّ وَقَوْلُهُ مِنْ
أَوْ خَبَرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيَكْتَفِي لَهُمَا بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيَرُدُّ إلَخْ) قَدْ يَقُولُ هَذَا الْقَائِلُ إنَّ الِاخْتِصَارَ مُنَاسَبَةٌ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ كَافٍ فَلَا يَنْهَضُ هَذَا الرَّدُّ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ بِمَنْعِ الِاسْتِلْزَامِ إلَخْ أَقُولُ وَلَوْ سُلِّمَ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا قَدْ يُقْصَدُ بِخُصُوصِهِ إذْ لَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ وَهُوَ فِي الْكُتُبِ كَذَلِكَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مُسَمَّى الْفَصْلِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ لَفْظَ فَصْلٍ بَلْ بِالْجُمْلَةِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ الْأَلْفَاظِ أَوْ الْمَسَائِلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ فَمُسَمَّى الْفَصْلِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي بَابِ الْحَدَثِ يُقَدِّمُ دَاخِلَ الْخَلَاءِ يَسَارَهُ إلَى بَابِ الْوُضُوءِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لُوحِظَ فِي تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَصْلًا كَوْنُهَا فَصَلَتْ بَيْن بَابِ الْوُضُوءِ وَبَابِ الْحَدَثِ وَلَعَلَّهُ بَعِيدٌ.
وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ إنَّمَا لُوحِظَ فِي ذَلِكَ التَّسْمِيَةِ أَنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ مَفْصُولَةٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلْمُنَاسَبَةِ) لَمْ يَقُلْ أَوْ الِاخْتِصَارُ كَأَنَّهُ لِبُعْدِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ كَانَ يَحْصُلُ بِالتَّقْدِيمِ اشْتِرَاكُ الْفَصْلَيْنِ فِي تَرْجَمَةٍ عَامَّةٍ أَوْ بَعْضُ مَسَائِلِهَا فِي نَحْوِ عَامِلٍ أَوْ خَبَرٍ (قَوْلُهُ فِي التَّمَامِ اللَّازِمِ لِلْمَرْجُوِّ) قَدْ يُفْهِمُ هَذَا الْكَلَامُ أَنَّ الْمَرْجُوَّ هُوَ الْمُعَلَّقُ بِأَنَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْهُ بَلْ الْمَرْجُوُّ أَنْ يَكُونَ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُعَبَّرْ بِأَنَّ فِي الْمَرْجُوِّ بَلْ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الْمَرْجُوُّ وَقَوْلُهُ لِلْمَرْجُوِّ أَيْ كَوْنُ هَذَا الْمُخْتَصَرِ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ إلَخْ) مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ كُلُّهُ وَإِلَّا نَافَى إنْ تَمَّ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْإِشَارَةِ لِمَا فِي الذِّهْنِ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُشَارَ لِلْخَارِجِيِّ (قَوْلُهُ أَوَّلَ شَرْحَيْ الْإِرْشَادِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَبَعْدُ فَهَذَا مُخْتَصَرٌ إلَخْ وَمَا بَيْنَهُ تَبِعَ فِيهِ الدَّوَانِيَّ وَقَدْ تَعَقَّبَهُ
إلَيْهِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا ذِكْرُ نَحْوِ الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيقِ فَلِذَا لَمْ يَقُلْ شَرْحًا ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (فَإِنِّي لَا أَحْذِفُ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ أُسْقِطُ (مِنْهُ شَيْئًا) بِحَسَبِ مَا عَزَمْت عَلَيْهِ (مِنْ الْأَحْكَامِ) الَّتِي فِي نُسْخَتِي، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا ذَكَرْته مَا يُفْهِمُ مَا حَذَفْته فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِحَذْفِهِ لَهُ مِنْ أَصْلِهِ.
وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ وَالشَّيْءُ لُغَةً عِنْدَ أَكْثَرِ أَئِمَّتِنَا مَا يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ وَيُخْبَرَ عَنْهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ وَعِنْدَ آخَرِينَ كَالْبَيْضَاوِيِّ حَقِيقَةٌ فِي الْمَوْجُودِ مَجَازٌ فِي الْمَعْدُومِ وَلَمْ تَخْتَلِفْ الْأَشَاعِرَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا فِي شَيْئِيَّةِ الْمَعْلُومِ بِمَعْنَى ثُبُوتِهِ فِي الْخَارِجِ وَعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِيهِ فَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ لَا وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ نَعَمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَوَافَقُونَا عَلَى أَنَّ الْمُحَالَ لَا يُسَمَّى شَيْئًا وَمَحَلُّ بَسْطِ ذَلِكَ كُتُبُ الْكَلَامِ (أَصْلًا) هِيَ عُرْفًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي النَّفْيِ مَصْدَرًا أَوْ حَالًا مُؤَكَّدَةً لِلَا أَحْذِفُ أَيْ مُسْتَأْصِلًا أَيْ قَاطِعًا لِلْحَذْفِ مِنْ أَصْلِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ اسْتَأْصَلَهُ قَطَعَهُ مِنْ أَصْلِهِ (وَلَا) أَحْذِفُ مِنْهُ شَيْئًا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ (مِنْ الْخِلَافِ وَلَوْ كَانَ وَاهِيًا) أَيْ ضَعِيفًا جِدًّا مَجَازٌ عَنْ السَّاقِطِ (مَعَ مَا) أَيْ آتِي بِجَمِيعِ ذَلِكَ مَصْحُوبًا بِمَا (أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ النَّفَائِسِ) الْمُتَقَدِّمَةِ (وَقَدْ) لِلتَّحْقِيقِ (شَرَعْت) بَعْدَ شُرُوعِي فِي ذَلِكَ الْمُخْتَصَرِ كَمَا أَفَادَهُ السِّيَاقُ أَوْ مَعَ شُرُوعِي فِيهِ عُرْفًا وَلَا يُنَافِيهِ ذَلِكَ السِّيَاقُ وَالتَّعْبِيرُ بِالتَّمَامِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الذِّهْنِ (فِي جَمْعِ جَزْءٍ) أَيْ كِتَابٍ صَغِيرِ الْحَجْمِ تَشْبِيهًا بِمَعْنَى الْجُزْءِ لُغَةً وَهُوَ بَعْضُ الشَّيْءِ (لَطِيفٍ) حَجْمُهُ جِدًّا (عَلَى صُورَةِ الشَّرْحِ) صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِجُزْءٍ (لِدَقَائِقَ) جَمْعُ دَقِيقَةٍ وَهِيَ مَا خَفِيَ إدْرَاكُهُ إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ تَأَمُّلٍ (هَذَا الْمُخْتَصَرِ) مِنْ حَيْثُ اخْتِصَارُهُ لِعِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ لَا لِكُلِّ دَقَائِقِ الْكِتَابِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ لَفْظُ الْمُخْتَصَرِ، وَصَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُ (وَمَقْصُودِي بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى الْحِكْمَةِ) أَيْ السَّبَبِ
وُجُودِ التَّنْبِيهِ إلَخْ لَعَلَّ الْأَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِمَا (قَوْلُهُ إلَيْهِ) أَيْ الْمُحَرَّرِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ عُلِّلَ إلَخْ) وَجْهُ التَّعْلِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ الْآتِي مَعَ مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ النَّفَائِسِ يُفِيدُ إبْدَالَ الْغَرِيبِ وَالْمُوهِمِ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ سم.
(قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ هَذَا الْمُخْتَصَرِ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ لِلْمُحَرَّرِ (قَوْلُهُ بِحَسَبِ مَا عَزَمْت إلَخْ) أَيْ بِقَدْرِ عَزْمِي وَإِمْكَانِي فَلَا يَرِدُ مَا حُذِفَ سَهْوًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَزْمِهِ وَإِمْكَانِهِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ فِي نُسْخَتِي) أَيْ النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي فَلَا يَرِدُ مَا حُذِفَ مِنْ الْأَصْلِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ الَّتِي فِي نُسْخَتِي) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِحَسَبِ إلَخْ نَعَمْ، وَهُوَ تَوْجِيهٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَوْ ذَكَرَهُ بِأَوْ لَكَانَ أَنْسَبَ بَصْرِيٌّ، وَقَدْ يُقَالُ أَشَارَ بِهِ إلَى تَوْزِيعِ الْحَذْفِ (قَوْلُهُ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْحَذْفَ إمَّا أَنْ يَكُونَ سَهْوًا، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَحْذُوفُ فِي نُسْخَتِهِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ نَظِيرِهِ الْمَذْكُورِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ أَصْلِهِ) أَيْ مِنْ الْمُحَرَّرِ (قَوْلُهُ خِطَابُ اللَّهِ) أَيْ كَلَامُهُ النَّفْسِيُّ الْأَزَلِيُّ (الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ) أَيْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا قَبْلَ وُجُودِهِ وَتَنْجِيزِيًّا بَعْدَ وُجُودِهِ بَعْدَ الْبَعْثَةِ (مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ) أَيْ مُلْزَمٌ مَا فِيهِ كُلْفَةً فَتَنَاوَلَ أَيْ التَّعْرِيفُ الْفِعْلَ الْقَلْبِيَّ الِاعْتِقَادِيَّ وَغَيْرَهُ وَالْقَوْلِيَّ وَغَيْرَهُ وَالْكَفَّ وَالْمُكَلَّفَ الْوَاحِدَ كَالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خَصَائِصِهِ وَالْأَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَلِّقَ بِأَوْجُهِ التَّعَلُّقِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الِاقْتِضَاءِ الْجَازِمِ وَغَيْرِ الْجَازِمِ وَالتَّخْيِيرَ شَرْحُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْمَحَلِّيِّ.
(قَوْلُهُ بِمَعْنَى ثُبُوتِهِ فِي الْخَارِجِ) أَيْ مُنْفَكًّا عَنْ صِفَةِ الْوُجُودِ (قَوْلُهُ أَيْ مُسْتَأْصِلًا إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْحَالِ فَقَطْ، وَأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَصْدَرِيَّةِ أَصْلُ عَدَمِ الْحَذْفِ أَصْلًا فَيَكُونُ أَصْلًا مَنْصُوبًا بِمَحْذُوفٍ سم (قَوْلُهُ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى اعْتِبَارِ مَا عُزِمَ عَلَيْهِ وَمَا فِي نُسْخَتِهِ سم أَيْ وَمَا حَذَفَهُ لِفَهْمِهِ مِنْ نَظِيرِهِ (قَوْلُهُ أَيْ ضَعِيفًا) هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ وَقَوْلُهُ مَجَازٌ عَنْ السَّاقِطِ أَيْ وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ هُوَ السَّاقِطُ سم قَوْلُ الْمَتْنِ (مَعَ مَا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا مُغْنِي (قَوْلُهُ أَيْ آتِي إلَخْ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ عَامِلَ الظَّرْفِ مَأْخُوذٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنِّي لَا أَحْذِفُ إلَخْ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ بَعْدَ شُرُوعِي) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْبَعْدِيَّةِ التَّرَاخِيَ وَبِالْمَعِيَّةِ الْآتِيَةِ التَّعْقِيبَ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ عُرْفًا إذْ مَعِيَّةُ لَفْظِ الْآخَرِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ تَكُونُ فِي الْعُرْفِ بِمَعْنَى التَّعْقِيبِ (قَوْلُهُ وَلَا يُنَافِيهِ إلَخْ) يُنْظَرُ صُورَةُ الْمُنَافَاةِ وَانْدِفَاعُهَا بِقَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ إلَخْ سم يَعْنِي إنَّمَا تَحْصُلُ الْمُنَافَاةُ لَوْ أُرِيدَ بِالْمَعِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةُ وَلَا مَجَالَ لِإِرَادَتِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُخْتَصَرِ وَذَلِكَ الْجُزْءِ اسْمٌ لِلَّفْظِ أَوْ النَّقْشِ وَمَعِيَّةُ لَفْظَيْنِ أَوْ نَقْشَيْنِ حَقِيقَةً مُسْتَحِيلٌ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّعْقِيبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ عُرْفًا (قَوْلُهُ وَالتَّعْبِيرُ بِالتَّمَامِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ إنْ تَمَّ هَذَا الْمُخْتَصَرُ الْمُقْتَضِي لِسَبْقِ الشُّرُوعِ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ) أَيْ التَّقَدُّمَ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ السِّيَاقِ وَالتَّعْبِيرُ بِالتَّمَامِ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ اخْتِصَارُهُ) أَيْ الْكَائِنَةُ مِنْ
شَيْخُنَا عِيسَى وَصَنَّفَ فِي جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ وَسَنُوَضِّحُ الْمَقَامَ فِي حَاشِيَتِنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نَعَمْ كَوْنُ الْإِشَارَةِ فِي عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ هَذِهِ لِمَا فِي الذِّهْنِ هُوَ الْمُنَاسِبُ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ إلَخْ) وَجْهُ التَّعْلِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ مَعَ مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ النَّفَائِسِ يُفِيدُ إبْدَالَ الْغَرِيبِ وَالْمُوهِمِ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ أَيْ مُسْتَأْصَلًا إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْحَالِ فَقَطْ، وَأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَصْدَرِيَّةِ أُؤَصِّلُ عَدَمَ الْحَذْفِ فَيَكُونُ أَصْلًا مَنْصُوبًا بِمَحْذُوفٍ (قَوْلُهُ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى اعْتِبَارِ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ وَمَا فِي نُسْخَتِهِ (قَوْلُهُ أَيْ ضَعِيفًا) هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ وَهُوَ بِمَعْنَى السَّاقِطِ لَكِنْ سُقُوطًا مَجَازِيًّا تَشْبِيهًا (قَوْلُهُ مَجَازٌ عَنْ السَّاقِطِ) الْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ السَّاقِطَ وَاسْتُعْمِلَ هُنَا فِي غَيْرِهِ فَالْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ هُنَا غَيْرُ السَّاقِطِ لَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ غَيْرُ السَّاقِطِ حَقِيقَةً وَإِلَّا فَهُوَ سَاقِطٌ مَجَازًا لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مَعَ شُرُوعِي فِيهِ) فِي هَذَا التَّرْدِيدِ بَحْثٌ لِتَعَيُّنِ بَعْدِيَّةِ الشُّرُوعِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ السَّبْقُ لِاسْتِحَالَةِ التَّكَلُّمِ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ، وَالْمَعِيَّةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُخْتَصَرِ وَذَلِكَ الْجَزَاءُ اسْمٌ لِلَّفْظِ أَوْ النَّقْشِ وَمَعِيَّةِ لَفْظَيْنِ أَوْ نَقْشَيْنِ مُسْتَحِيلٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْبَعْدِيَّةِ التَّرَاخِيَ وَبِالْمَعِيَّةِ التَّعْقِيبَ تَأَمَّلْ.
وَلَكِنْ لَا إشْكَالَ مَعَ قَوْلِهِ عُرْفًا (قَوْلُهُ وَلَا يُنَافِيهِ إلَخْ) يُنْظَرُ صُورَةُ الْمُنَافَاةِ وَانْدِفَاعُهَا بِقَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ إلَخْ (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ اخْتِصَارُهُ) قَدْ
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا فِي نَحْوِ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ الْمُتَوَفِّرَ فِيهِمَا سَائِرُ شُرُوطِ الْكَمَالِ وَمُتَمِّمَاتِهِ (فِي الْعُدُولِ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَفِي إلْحَاقِ) الزَّائِدِ عَلَى الْمُحَرَّرِ بِلَا تَمْيِيزٍ مِنْ (قَيْدٍ) لِلْمَسْأَلَةِ (أَوْ حَرْفٍ) فِي الْكَلَامِ كَالْهَمْزَةِ فِي أَحَقَّ (أَوْ شَرْطٍ لِلْمَسْأَلَةِ) وَهُوَ بِالسُّكُونِ لُغَةً تَعْلِيقُ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ بِمِثْلِهِ، وَاصْطِلَاحًا مَا يَأْتِي أَوَّلَ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ الشَّرْطُ يُرَادِفُ الْقَيْدَ، وَرُجِّحَ أَنَّ مَآلَهُمَا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَيُرَدُّ بِأَنَّ مِنْ أَقْسَامِ الْقَيْدِ مَا جِيءَ بِهِ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ نَقِيضُ الشَّرْطِ (وَنَحْوُ) مُبْتَدَأٌ (ذَلِكَ) وَهُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَمَا قَدْ يَخْفَى وَمِنْهُ بَيَانُ شُمُولِ عِبَارَتِهِ لِمَا لَمْ تَشْمَلْهُ عِبَارَةُ أَصْلِهِ، وَيَصِحُّ جَرُّ نَحْوُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَأَكْثَرُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ) وَهِيَ مَا لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ، وَتَفْسِيرُهَا بِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ قَاصِرٌ فَمِنْ ثَمَّ فَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ (الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا) لِمُرِيدِ الْكَمَالِ بِمَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهِهَا، قَالَ الشُّرَّاحُ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ بَلْ حَسَنٌ كَزِيَادَةِ لَفْظِ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ انْقَطَعَ لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الْغُسْلِ غَيْرُ الصَّوْمِ وَالطَّلَاقِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَمَعَ ذِكْرِ أَصْلٍ لَهُ فِي الطَّلَاقِ وَوَجْهُ حُسْنِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا لَعَلَّهُ يَخْفَى فِي مَحَلٍّ اُحْتِيجَ إلَيْهِ فِيهِ.
وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ مَسْأَلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَهَذَا الَّذِي أَخْرَجُوهُ بِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ نَظِيرُ وَلَا يَتَكَلَّمُ السَّابِقَةُ فَلَا يَصِحُّ إخْرَاجُهُ بِهِ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ إنَّمَا اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ إلْحَاقِ الْحَرْفِ فَإِنَّهُ بَعْضُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ لَكِنْ بِقَيْدِ كَوْنِهِ لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ لِجَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ النَّفَائِسِ أَوْ الْمُرَادُ بِالْحَرْفِ مُطْلَقُ الْكَلِمَةِ
حَيْثُ إلَخْ لَا يُقَالُ إنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَشْمَلُ التَّنْبِيهَ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي إلْحَاقِ قَيْدٍ أَوْ حَرْفٍ أَوْ شَرْطٍ لِلْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِصَارِ هُنَا خُصُوصَ تَقْلِيلِ اللَّفْظِ بَلْ أَخْذُ جُمْلَةِ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الْمُحَرَّرِ وَأَخْذُهُ مِنْ الْمُحَرَّرِ صَادِقٌ مَعَ إضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ يُنَبِّهُ عَلَى حِكْمَةِ إضَافَتِهِ إلَيْهِ وَيَصْدُقُ عَلَى بَيَانِ حِكْمَةِ تِلْكَ الْإِضَافَةِ أَنَّهُ شَرْحٌ لِدَقِيقَةٍ تَتَعَلَّقُ بِاخْتِصَارِ الْمُحَرَّرِ فَتَأَمَّلْهُ سم.
(قَوْلُهُ إنَّهَا) أَيْ الْحِكْمَةَ وَقَوْلُهُ الْعِلْمُ إلَخْ خَبَرُهُ (قَوْلُهُ الْمُتَوَفِّرُ) أَيْ الْمُجْتَمِعُ (فِيهِمَا) أَيْ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ (قَوْلُهُ فِي الْكَلَامِ) قُدِّرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ لَا يَحْسُنُ تَعَلُّقُهُ بِالْمَسْأَلَةِ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ وَيُرَدُّ بِأَنَّ مِنْ أَقْسَامِ الْقَيْدِ إلَخْ) وَمِنْ أَقْسَامِهِ أَيْضًا مَا جِيءَ بِهِ لِتَقْيِيدِ مَحَلِّ الْخِلَافِ مَعَ عُمُومِ الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ قَيْدٌ لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَمَا جِيءَ بِهِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَوْلَوِيَّةِ الْحُكْمِ فِيمَا خَلَا عَنْ الْقَيْدِ أَوْ إلَى أَنَّ هَذَا الْمُقَيَّدَ هُوَ مَحَلُّ اسْتِغْرَابِ ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ فِيهِ لَا يُقَالُ حَاصِلُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْقَيْدَ أَعَمُّ فَلِيَسْتَغْنِ بِهِ عَنْ الشَّرْطِ وَلْيَمْتَنِعْ عَطْفُ الشَّرْطِ عَلَيْهِ بِأَوْ لِامْتِنَاعِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ هُنَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا اهْتِمَامًا وَتَنْبِيهًا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَعَطْفُهُ بِأَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْقَيْدِ مَا لَا يَكُونُ شَرْطًا لِلْمَسْأَلَةِ فَتَبَايَنَا فِي الْإِرَادَةِ سم.
(قَوْلُهُ مُبْتَدَأٌ) أَيْ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ خَبَرُهُمَا وَفِيهِ مِنْ الْبُعْدِ مَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَمَا قَدْ يَخْفَى) عُطِفَ عَلَى الْمَقَاصِدِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِمَّا قَدْ يَخْفَى (قَوْلُهُ جَرُّ نَحْوِ) أَيْ عَطْفًا عَلَى الْحِكْمَةِ أَوْ الْعُدُولِ إلَخْ أَوْ إلْحَاقُ إلَخْ أَوْ قَيْدُ إلَخْ وَالْأَقْرَبُ الْأَخِيرُ (قَوْلُهُ الْمَذْكُورِ) أَيْ مِنْ الدَّقَائِقِ النَّاشِئَةِ عَنْ الِاخْتِصَارِ عَمِيرَةُ عِبَارَةُ الْكُرْدِيِّ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ النَّفَائِسِ الْمُسْتَجَادَاتِ إلَى هُنَا أَوْ مِنْ قَوْلِهِ وَمَقْصُودِي التَّنْبِيهُ إلَى هُنَا اهـ (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ الضَّرُورِيَّةُ (قَوْلُهُ وَتَفْسِيرُهَا بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ قَاصِرٌ) أَقُولُ لَا قُصُورَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ أَعَمُّ مِمَّا لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ وَبِوَصْفِ الضَّرُورِيَّاتِ بِقَوْلِهِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا تَصِيرُ بِمَعْنَى مَا لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّفْسِيرِ لَهَا بِمَا لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي كَوْنَ الصِّفَةِ لِلتَّفْسِيرِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فِي الصِّفَةِ سم (قَوْلُهُ فَمِنْ ثَمَّ) لِأَجْلِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِمَزِيدِ الْكَمَالِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِلَا بُدَّ إلَخْ وَعِلَّةٌ لَهُ وَفِي تَقْرِيبِهَا تَوَقُّفٌ، وَلَعَلَّ الْأَنْسَبَ مَا فِي الْمُغْنِي فَيُخِلُّ خُلُوُّهَا بِالْمَقْصُودِ اهـ.
(قَوْلُهُ بِمَعْرِفَةِ إلَخْ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَزِيدِ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِأَكْثَرَ (قَوْلُهُ فِي قَوْلِهِ) أَيْ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ فِي مَحَلٍّ إلَخْ) يَعْنِي بِهِ بَابَ الْحَيْضِ وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّنْبِيهِ (قَوْلُهُ وَفِي صِحَّتِهِ) أَيْ مَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ (قَوْلُهُ وَهَذَا الَّذِي إلَخْ) أَيْ حَلَّ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْغُسْلِ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِأَكْثَرَ (قَوْلُهُ السَّابِقَةَ) أَيْ فِي شَرْحِ وَأَقُولُ إلَخْ (قَوْلُهُ بَعْضُ الْمُشَارِ إلَيْهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ الْمُرَادُ بِالْحَرْفِ إلَخْ) أَيْ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ
يُتَوَهَّمُ إشْكَالُ قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ اخْتِصَارُهُ بِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ التَّنْبِيهَ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي إلْحَاقِ قَيْدٍ أَوْ حَرْفٍ أَوْ شَرْطٍ لِلْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ إلْحَاقَ ذَلِكَ لَا اخْتِصَارَ فِيهِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِصَارِ هُنَا خُصُوصَ تَقْلِيلِ اللَّفْظِ بَلْ أَخْذُ جُمْلَةِ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَرَّرِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَحْصُلَ تَقْلِيلُ اللَّفْظِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَوْ فِي غَالِبِ الْمَوَاضِعِ مَثَلًا وَأَخْذُهُ مِنْ الْمُحَرَّرِ صَادِقٌ مَعَ إضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ يُبَيِّنُهُ عَلَى حُكْمِ إضَافَتِهِ إلَيْهِ وَيَصْدُقُ عَلَى بَيَانِ حِكْمَةِ الْإِضَافَةِ أَنَّهُ شَرْحٌ لِدَقِيقَةٍ تَتَعَلَّقُ بِاخْتِصَارِ الْمُحَرَّرِ فَتَأَمَّلْهُ لَكِنْ قَدْ يَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ إشْكَالُ قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ اخْتِصَارُهُ لِعِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ (قَوْلُهُ وَيُرَدُّ بِأَنَّ مِنْ أَقْسَامِ الْقَيْدِ إلَخْ) أَقُولُ قَدْ يُقَالُ مِنْ أَقْسَامِهِ أَيْضًا مَا جِيءَ بِهِ لِتَقْيِيدِ مَحَلِّ الْخِلَافِ مَعَ عُمُومِ الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ قَيْدٌ لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَمَا جِيءَ بِهِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَوْلَوِيَّةِ الْحُكْمِ فِيمَا خَلَا عَنْ الْقَيْدِ أَوْ إلَى أَنَّ هَذَا التَّقَيُّدَ هُوَ مَحَلُّ اسْتِغْرَابِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ لَا يُقَالُ حَاصِلُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْقَيْدَ أَعَمُّ فَلْيُسْتَغْنَ بِهِ عَنْ الشَّرْطِ وَلْيَمْتَنِعْ عَطْفُ الشَّرْطِ عَلَيْهِ بِأَوْ لِامْتِنَاعِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِهَا لِأَنَّا نَقُولُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا اهْتِمَامًا وَتَنْبِيهًا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
وَعَطْفُهُ بِأَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْقَيْدِ مَا لَا يَكُونُ شَرْطًا لِلْمَسْأَلَةِ فَتَبَايَنَا فِي الْإِرَادَةِ (قَوْلُهُ وَتَفْسِيرُهَا بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ قَاصِرٌ) أَقُولُ لَا قُصُورَ فِيهِ لِأَنَّ الْمُحْتَاجَ أَعَمُّ مِمَّا لَا مَنْدُوحَةَ مِنْهُ وَبِوَصْفِ الضَّرُورِيَّاتِ بِقَوْلِهِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا تَصِيرُ مِمَّا لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّفْسِيرِ لَهَا بِمَا لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ فَإِنَّهُ
وَلَوْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ اتَّجَهَ مَا قَالُوهُ كَمَا أَنَّهُ مُتَّجَهٌ عَلَى جَرٍّ نَحْوُ (وَعَلَى اللَّهِ) لَا غَيْرِهِ (الْكَرِيمِ) بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ أَوْ مُطْلَقًا وَمِنْ ثَمَّ فُسِّرَ بِأَنَّهُ الَّذِي عَمَّ عَطَاؤُهُ جَمِيعَ خَلْقِهِ بِلَا سَبَبٍ مِنْهُمْ وَتَفْسِيرُهُ بِالْعَفُوِّ أَوْ الْعَلِيِّ بَعِيدٌ (اعْتِمَادِي) بِأَنْ يُقْدِرَنِي عَلَى إتْمَامِهِ كَمَا أَقْدَرنِي عَلَى الشُّرُوعِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ مَنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا كَاَلَّذِي سَبَقَ إيذَانٌ بِسَبْقِ وَضْعِ الْخُطْبَةِ (وَإِلَيْهِ) لَا إلَى غَيْرِهِ (تَفْوِيضِي) مِنْ فَوَّضَ أَمْرَهُ إلَيْهِ إذَا رَدَّهُ رِضًا بِفِعْلِهِ وَاعْتِقَادًا لِكَمَالِهِ (وَاسْتِنَادِي) فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخِيبُ مَنْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ وَالِاعْتِمَادُ وَالِاسْتِنَادُ يَصِحُّ أَنْ يُدَّعَى تَرَادُفُهُمَا، وَأَنَّ الِاعْتِمَادَ أَخَصُّ وَلَمَّا تَمَّ رَجَاؤُهُ بِإِجَابَةِ سُؤَالِهِ قَدَّرَ وُقُوعَ مَطْلُوبِهِ.
فَقَالَ (وَأَسْأَلُهُ النَّفْعَ بِهِ) أَيْ بِتَأْلِيفِهِ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ (لِي) فِي الْآخِرَةِ إذْ لَا مُعَوَّلَ إلَّا عَلَى نَفْعِهَا (وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ بَاقِيهِمْ أَوْ جَمِيعِهِمْ مِنْ السُّؤْرِ أَوْ سُورِ الْبَلَدِ بِأَنْ يُلْهِمَهُمْ الِاعْتِنَاءَ بِهِ وَلَوْ بِمُجَرَّدِ كِتَابَةٍ وَنَقْلٍ وَوَقْفٍ، وَنَفْعُهُمْ يَسْتَلْزِمُ نَفْعَهُ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهِ (وَرِضْوَانُهُ عَنِّي وَعَنْ أَحِبَّائِي) بِالتَّشْدِيدِ وَالْهَمْزِ أَيْ مَنْ يُحِبُّونِي وَأُحِبُّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ زَمَنُهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُحِبَّ فِي اللَّهِ كُلَّ مَنْ اتَّصَفَ بِكَمَالٍ سَابِقًا وَلَاحِقًا
(وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ) فِيهِ تَكْرِيرُ الدُّعَاءِ لِلْبَعْضِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ وَالْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ طَالَ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّسَبِ الْكَلَامِ
عَلَى الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ) وَهُوَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْإِنْسَانُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (قَوْلُهُ كَمَا أَنَّهُ مُتَّجَهٌ عَلَى جَرِّ نَحْوِ) لَا يَخْفَى أَنَّ جَرَّ نَحْوٍ هُوَ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ وَعَلَيْهِ كَلَامُ الشُّرَّاحِ فَالتَّصْدِيرُ بِغَيْرِهِ الْمَرْجُوحُ، وَبِنَاءُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا مُجَرَّدُ حُبِّ الِاعْتِرَاضِ سم وَقَدْ يُمْنَعُ الْحَصْرُ بِقَصْدِ تَشْحِيذِ الْأَذْهَانِ.
(قَوْلُهُ وَلَا غَيْرُهُ) أَشَارَ بِهِ وَبِقَوْلِهِ الْآتِي لَا إلَى غَيْرِهِ إلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ قَوْلُ الْمَتْنِ (وَعَلَى اللَّهِ الْكَرِيمِ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ وَإِنْ كَانَ صُورَتُهُ خَبَرًا فَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّضَرُّعُ إلَى اللَّهِ وَالِالْتِجَاءُ إلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْجُمْلَةَ الْخَبَرِيَّةَ تُذْكَرُ لِأَغْرَاضٍ غَيْرِ إفَادَةِ مَضْمُونِهَا الَّذِي هُوَ فَائِدَةُ الْخَبَرِ نِهَايَةٌ أَيْ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِمَضْمُونِهَا (قَوْلُهُ بِالنَّوَالِ) أَيْ الْعَطَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ مُطْلَقًا) أَيْ بِالنَّوَالِ وَغَيْرِهِ عِبَارَةُ ع ش نَقْلًا مِنْ هَامِشِ نُسْخَةٍ مِنْ شَرْحِ الدَّمِيرِيِّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْكَرِيمِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحْسَنُهَا مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَقْصِدِ الْأَسْنَى إنَّ الْكَرِيمَ هُوَ الَّذِي إذَا قَدَرَ عَفَا وَإِذَا وَعَدَ وَفَّى وَإِذَا أَعْطَى زَادَ عَلَى مُنْتَهَى الرَّجَاءِ وَلَا يُبَالِي كَمْ أَعْطَى، وَلَا لِمَنْ أَعْطَى وَإِنْ رَفَعْت حَاجَتَك إلَى غَيْرِهِ لَا يَرْضَى، وَإِنْ جَافَاهُ عَاتَبَ وَمَا اسْتَقْصَى وَلَا يُضِيعُ مَنْ لَاذَ بِهِ وَالْتَجَى وَيُغْنِيهِ عَنْ الْوَسَائِلِ وَالشُّفَعَاءِ فَمَنْ اجْتَمَعَ لَهُ ذَلِكَ لَا بِالتَّكَلُّفِ فَهُوَ الْكَرِيمُ الْمُطْلَقُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ لِأَجْلِ إرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ بِأَنَّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ فِي تَمَامِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِأَنْ يُقْدِرَنِي عَلَى إتْمَامِهِ كَمَا أَقْدَرَنِي عَلَى ابْتِدَائِهِ بِمَا تَقَدَّمَ عَلَى وَضْعِ الْخُطْبَةِ اهـ.
وَقَوْلُهُ كَمَا أَقْدَرَنِي إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ أَيْ بِقَرِينَةٍ وَأَرْجُو إنْ تَمَّ إلَخْ إذْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ وَكَذَا قَوْلُهُ وَقَدْ شَرَعْت فِي جَمْعِ جَزْءٍ إلَخْ فَإِنَّ الْمُرَادَ مَعَ الشُّرُوعِ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ أَيْ بَعْدَهُ انْتَهَى اهـ سم عِبَارَةُ الْمُغْنِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي، وَمِنْهَا تَمَامُ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِأَنْ يُقْدِرَنِي إلَخْ (قَوْلُهُ كَاَلَّذِي سَبَقَ) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ سم عَنْ الشِّهَابِ عَمِيرَةَ (قَوْلُهُ مَنْ فَوَّضَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي أَيْ رَدَّ أُمُورَهُ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ رَدُّ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إلَّا بِهِ اهـ (قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنْ يُقْدِرَنِي عَلَى إتْمَامِ هَذَا الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَلَمَّا تَمَّ إلَخْ) فِيهِ رَمْزٌ إلَى سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ قَالَ وَأَسْأَلُهُ إلَخْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ، وَالسُّؤَالُ فِي النَّفْعِ بِالْمَعْدُومِ لَيْسَ مِنْ دَأْبِ الْعُقَلَاءِ فَأَجَابَ بِذَلِكَ بَكْرِيٌّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَأَنَّ الِاعْتِمَادَ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الِاعْتِمَادَ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِنَادِ سم (قَوْلُهُ بِإِجَابَةٍ إلَخْ) صِلَةُ رَجَاؤُهُ (قَوْلُهُ فِي الْآخِرَةِ) الْأَوْلَى التَّعْمِيمُ عَمِيرَةُ عِبَارَةُ الْمُغْنِي (بِهِ) أَيْ الْمُخْتَصَرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِي بِتَأْلِيفِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَنَقَلَ) أَيْ إلَى الْبِلَادِ مَحَلِّيٌّ (قَوْلُهُ يَسْتَلْزِمُ نَفْعَهُ) عِبَارَة غَيْره يَسْتَتْبِعُ نَفْعَهُ أَيْضًا اهـ.
(قَوْله أَيْ مَنْ يُحِبُّونِي إلَخْ) حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَلِيقُ تَخْصِيصُهُ اهْتِمَامًا بِهِ وَأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالْمُشْتَرَكُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَيَيْهِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ وَحَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَقَطْ وَجَّهُوهُ بِأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِالْمَحْبُوبِ أَقْوَى وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَخُصُّهُ أَمَّا حَيْثُ أَتَى بِمَا يَشْمَلُ الْمَعْنَيَيْنِ بِلَا قَرِينَةٍ تُخَصِّصُ أَحَدَهُمَا فَالْوَجْهُ التَّعْمِيمُ سم عَلَى حَجّ اهـ رَشِيدِيٌّ وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ صَوَابُهُ الثَّانِي بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ وَأَنَّ الْمَحَلِّيَّ وَالنِّهَايَةَ وَالْمُغْنِيَ حَمَلُوهُ عَلَى الثَّانِي فَقَالُوا جَمْعُ حَبِيبٍ أَيْ مَنْ أَحَبَّهُمْ اهـ
(قَوْلُهُ لِلْبَعْضِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ جُمْلَةُ مَدْلُولِ يَاءِ عَنِّي وَمَدْلُولِ أَحِبَّائِي (قَوْلُهُ وَالْإِسْلَامُ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَإِذْ تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَمَعْرِفَةُ الْمُشْتَقِّ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ وَهُوَ هُنَا الْإِيمَانُ
يَقْتَضِي كَوْنَ الصِّفَةِ لِلتَّفْسِيرِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فِي الصِّفَةِ (قَوْلُهُ كَمَا أَنَّهُ مُتَّجَهٌ عَلَى جَرِّ نَحْوِ) لَا يَخْفَى أَنَّ جَرَّ نَحْوٍ هُوَ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ وَعَلَيْهِ كَلَامُ الشُّرَّاحِ فَالتَّصْوِيرُ بِقَيْدِهِ الْمَرْجُوحَ وَبِنَاءُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا مُجَرَّدُ حُبِّ الِاعْتِرَاضِ (قَوْلُهُ اعْتِمَادِي)
قَالَ الْمَحَلِّيُّ فِي تَمَامِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِأَنْ يُقْدِرَنِي عَلَى إتْمَامِهِ كَمَا أَقْدَرَنِي عَلَى ابْتِدَائِهِ بِمَا تَقَدَّمَ عَلَى وَضْعِ الْخُطْبَةِ انْتَهَى وَقَوْلُهُ كَمَا أَقْدَرَنِي إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ أَيْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَأَرْجُو إنْ تَمَّ إلَخْ إذْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ وَكَذَا قَوْلُهُ وَقَدْ شَرَعْت فِي جَمْعِ جَزْءٍ إلَخْ فَإِنَّ الْمُرَادَ مَعَ الشُّرُوعِ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ أَيْ بَعْدَهُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالِاعْتِمَادُ إلَخْ) الِاعْتِمَادُ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِنَادِ (قَوْلُهُ أَيْ مَنْ يُحِبُّونِي وَأُحِبُّهُمْ) حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَلِيقُ تَخْصِيصُهُ اهْتِمَامًا بِهِ، وَإِنَّ اللَّفْظَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالْمُشْتَرَكُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَيَيْهِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ وَحَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَقَطْ وَجَّهُوهُ بِأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِالْمَحْبُوبِ أَقْوَى وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَخُصُّهُ أَمَّا حَيْثُ أَتَى بِمَا يَشْمَلُ الْمَعْنَيَيْنِ بِلَا قَرِينَةٍ تُخَصِّصُ أَحَدَهُمَا