الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: في أدلة الحنابلة نقلاً ومعنى
الباب الثالث: في أدلة الحنابلة نقلاً ومعنى
…
الباب الثالث: في أدلة الحنابلة نقلاً ومعنى
اعلم –وفقك الله تعالى- أن الله سبحانه وتعالى قال: {يَسْأَلونَكَ1 عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ
…
} 2.
وفي الصحيحين3، وغيرهما4، حيث حجّ صلى الله عليه وسلم حجة الوداع5، وقد استدار الزمان، كما كان قال في خطبته: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض6، السنة اثنا7 عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاث8 متواليات، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب
…
" الحديث9.
وأنزل الله عز وجل: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا10 عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا
1 في جميع النسخ: (ويسألونك) ، بزيادة واو في الأول.
2 الآية 189 من سورة البقرة.
3 صحيح البخاري، كتاب الأضاحي، باب من قال الأضحى يوم النحر 3/317.
وصحيح مسلم، كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال 3/1305، رقم:1679.
أخرجاه بسنديهما عن أبي بكرة رضي الله عنه.
4 مسند أحمد 5/37.
وسنن أبي داود، كتاب المناسك، باب الأشهر الحرم 2/483، رقم:1947.
(حجة الوداع) أسقطت من (ك) .
6 انظر كلام العلماء رحمهم الله على معنى هذه الجملة، في: شرح السنة 7/220.
7 في (ك) : اثنى.
8 كذا في الأصل. وفي (س) ، وفي صحيح البخاري.
أما في (ك) ، وفي صحيح مسلم، فبالتأنيث (ثلاثة) .
9 انظر: صحيح البخاري وصحيح مسلم، الصفحات السابقة.
10 في (ك)، (س) : اثني.
أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
…
} 1.
فأخبر سبحانه أن هذا هو الدين القيم لا ما عداه2، فظهر بهذا عود المواقيت إلى الأهلة لا إلى العدد والحساب3.
قال العلامة المجتهد تقي الدين ابن تيمية4: وقد ذهب قوم منتسبة إلى الشيعة من الإسماعيلية5 وغيرهم، يقولون بالعدد دون الرؤية6.
ومبدأ خروج هذه البدعة من الكوفة: فمنهم من يعتمد على جدول يزعمون أن جعفر الصادق7 دفعه إليهم، وهذا كذب مختلق على جعفر، اختلقه عليه عبد الله بن معاوية8.
1 الآية 36 من سورة التوبة.
2 انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/134، فتح القدير 2/358.
3 انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/140.
4 الإمام الفقيه المجتهد أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، ابن تيمية الحراني الدمشقي، المحدث الحافظ المفسر الأصولي، الزاهد شيخ الإسلام، وعلم الأعلام، وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره، والإسهاب في أمره، كان من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين.
من مصنفاته الكثيرة: الفتاوى، السياسة الشرعية، القواعد النورانية، درء تعارض العقل والنقل. مات مسجوناً سنة 728هـ.
ترجمته في: الذيل على طبقات الحنابلة 2/387، تذكرة الحفاظ 4/1496، طبقات الحفاظ 520، شذرات الذهب 6/80، هدية العارفين 1/105، الأعلام 1/144.
5 الإسماعيلية: فرقة باطنية، انتسبت إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق، ظاهرها التشيع لآل البيت، وحقيقتها هدم عقائد الإسلام، تشعبت فرقها وامتدت عبر الزمان حتى وقتنا الحاضر.
6 مجموع الفتاوى 25/179.
7 هو جعفر بن محمد بن علي، القرشي الهاشمي المعروف بجعفر الصادق، أحد الأعلام حدث عن أبيه، وعن عروة بن الزبير، وعطاء ابن أبي رباح، والزهري، وغيرهم. وحدث عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وشعبة، وسفيان بن عيينة، وآخرون، كان ذا منزلة رفيعة في العلم، وثقة الشافعي وأبو حاتم وغيرهما. مات بالمدينة سنة 148هـ.
ترجمته في: حلية الأولياء 3/192، وفيات الأعيان 1/327، ميزان الإعتدال 1/414، الأعلام 2/126.
8 لم أقف على ترجمته.
هذا وقد ثبت بالنقل المرضي عن جعفر وعامة أئمة أهل البيت، ما عليه جماعة المسلمين1.
ومنهم: من يعتمد على2 أن رابع رجب رمضان، أو على3 أن خامس رمضان الماضي أو رمضان الحاضر4.
ومنهم: من يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً لا يُعرف في شيء من كتب الإسلام، ولا رواه عالم قط، أنه قال:"يوم صومكم يوم نحركم"5.
وغالب هؤلاء يوجبون أن يكون رمضان تاماً، ويمنعون أن يكون تسعة وعشرين6 [يوماً]7.
قال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية8:
لا خلاف بين المسلمين أنه إذا كان مبدأ الحكم في الهلال حسبت الشهور كلها هلالية، مثل: أن يصوم للكفارة في هلال المحرم، أو يتوفى زوج المرأة في هلال المحرم، [أو يولي9 من امرأته في هلال المحرم] 10، أو يبيعه في الهلال
1 مجموع فتاوى ابن تيمية 25/179.
(على) في الموضعين أسقطت من (ك) .
(على) في الموضعين أسقطت من (ك) .
4 مجموع الفتاوى 25/180.
5 لا أصل لهذا، كما قاله الإمام أحمد وغيره.
وذكره الزركشي بلفظ "نحركم يوم صومكم".
وقال في الأسرار: ولو صح يحمل على الغالب، أو على سنة وروده، وهو عام حجة الوداع أو غيره.
وانظر: المقاصد الحسنة 745، رقم: 1355، كشف الخفا 2/558، رقم 3263، الأسرار المرفوعة 397، رقم: 625، الدرر المنتثرة 182.
6 مجموع الفتاوى 25/180.
(يوماً) زيادة من (ك) .
8 مجموع الفتاوى 25/143.
9 الإيلاء: هو الحلف بالله تعالى على ترك وطء الزوحة في القبل مدة تزيد على أربعة أشهر.
انظر: المذهب الأحمد 154، المغني 7/298
10 ما بين القوسين أسقط من (س) .
إلى شهرين أو ثلاثة، فإن جميع /1 الشهور تُحسب بالأهلة، [وإن كان بعضها أو جميعها ناقصاً]2.
[فأما إن وقع مبدأ3 الحكم في أثناء الشهر] 4، فقيل تحسب الشهور كلها بالعدد، وقيل بل يكمل الشهر بالعدد والباقي بالأهلة.
وهذان القولان روايتان عن الإمام /5 أحمد6، أصحهما الثاني7، وهو الصواب الذي عليه عمل المسلمين قديماً وحديثاً8.
فإن كان الشهر الأول كاملاً كمل ثلاثين يوماً، وإن كان ناقصاً جعل تسعة وعشرين يوماً9.
إذا تقرر هذا /10 فاعلم أن الشهر قد يزيد11 وينقص.
قال عبد الله بن الإمام أحمد، حدثنا أبي12، قال: حدثنا محمد بن جعفر13، قال: حدثنا
1 نهاية ل 7 من (س) .
2 ما بين القوسين أسقط من (س) .
3 مبدأ أسقطت من (ك) .
4 ما بين القوسين أسقط من (س) .
5 نهاية ل 4 من (ك) .
6 مجموع الفتاوى 25/143.
7 مجموع الفتاوى 25/144.
8 مجموع الفتاوى 25/144.
9 المصدر السابق.
10 نهاية ل 5 من الأصل.
11 لفظة (يزيد و) أسقطت من (ك) .
12 انظر مسند أحمد 2/43.
13 الإمام الحافظ محمد بن جعفر أبو عبد الله الهذلي، مولاهم البصري، المشهور بـ (غندر) ، روى عن شعبة، وابن جريج، وسفيان وغيرهم، وحدث عنه الإمام أحمد، وابن المديني، ويحيى بن معين، وخلق سواهم، كان من خيار عباد الله، وأحد المتقنين للحديث، وثقه غير واحد من المحدثين، قيل: كان فيه غفلة. مات سنة 193هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 2/152، سير أعلام النبلاء 9/98، طبقات الحفاظ 131، شذرات الذهب 1/333.
شعبة1، عن الأسود بن2 قيس3، سمعت سعيد بن عمرو بن سعيد4، أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، وهكذا"[وعقد الإبهام في الثالثة (والشهر هكذا، وهكذا، وهكذا) يعني تمام الثلاثين]5.6
[وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن7، عن
1 الحافظ، العلم شعبة بن الحجاج، أبو بسطام الأزدي، العتكي، مولاهم، كان من سادات أهل زمانه حفظاً وإتقاناً، وورعاً وفضلاً، وهو أول من فتش عن أمر المحدثين بالعراق، وجانب الضعفاء والمتروكين، وصار علماً يقتدى به، وتبعه عليه بعده أهل العراق، وثقه غير واحد. مات سنة 160هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 9/255، وفيات الأعيان 2/469، حلية الأولياء 7/144، سير أعلام النبلاء 7/202، طبقات الحفاظ 89، الأعلام 3/164.
2 في جميع النسخ: الأسود بن قيس، وهو خطأ.
3 الأسود بن يزيد بن قيس، أبو عمرو النخعي الكوفي، من المخضرمين، حدث عن معاذ بن جبل، وابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم، وحدث عنه ابنه عبد الرحمن، والنخعي وأبو إسحاق السبيعي، والشعبي، وكان ذا منزلة رفيعة، ومكانة في العلم والثقة، يضرب بعبادته المثل. مات سنة 74هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 1/449، طبقات ابن سعد 6/70، حلية الأولياء 2/102، تذكرة الحفاظ 1/48.
4 سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي الأموي التابعي الجليل، حدث عن أبي هريرة، وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وروى عنه بنوه عمرو وإسحاق وخالد وغيرهم، وثقه النسائي وغيره. مات بعد سنة 126هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 8/415، الجرح والتعديل 9/302، سير أعلام النبلاء 5/200، تهذيب التهذيب 11/403.
5 وأخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال 2/761، رقم 15، 1080.
6 ما بين القوسين أسقط من (ك) .
7 هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان، أبو سعيد البصري، الإمام الحافظ، سمع من شعبة، ومالك بن أنس، والثوري، وغيرهم، وحدث عنه ابن المبارك وأبو ثور وأبو عبيد، وخلق سواهم، كان إماماً حجة قدوة في العلم والعمل، وثقه غير واحد، وقال عنه الإمام أحمد: ثقة خيار صالح مسلم، من معادن الصدق. مات بالبصرة سنة198هـ.
ترجمته في: حلية الأولياء 9/3، تاريخ بغداد 10/240، سير أعلام النبلاء 9/192.
سفيان1، وإسحاق، يعني الأزرق2، حدثنا سفيان، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، وهكذا"] 3 حتى ذكر تسعاً وعشرين، قال إسحاق: وطبق يديه ثلاث مرات، وخنس4 إبهامه في الثالثة5.
وأخرجه البخاري6، عن آدم7، عن شعبة، ولفظه: "إنا أمة أمية
1 هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أحد كبار حفاظ الحديث، كان رأساً في الحفظ، ومعرفة الآثار، والفقه والزهد والورع، قال عنه شعبة: سفيان أمير المؤمنين في الحديث، ساد الناس بعلمه وورعة. له من الكتب: الجامع الكبير، الجامع الصغير، وكلاهما في الحديث. وكتاب في الفرائض. مات بالبصرة 161هـ.
ترجمته في: حلية الأولياء 6/356، تاريخ بغداد 9/151، الجرح والتعديل 4/222، وفيات الأعيان 2/386، تذكرة الحفاظ 1/203، الأعلام 3/104.
2 هو الحافظ إسحاق بن يوسف بن مرداس، أبو محمد الواسطي الأزرق، حدث عن الأعمش ومسعر بن كدام، وسفيان وغيرهم، وروى عنه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، وأحمد بن منيع، وآخرون، كان من جلة المقرئين، حجة له قدم راسخ في التقوى، وهو أحد الثقات المأمونين الصلحاء، مات سنة 195هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/315، تذكرة الحفاظ 1/320، تهذيب التهذيب 1/257، شذرات الذهب 1/343.
3 ما بين القوس الأول من أول الحديث، وهذا القوس أسقط بكامله من (ك) .
4 أي قبضها. وانظر النهاية 2/84.
5 أخرجه أحمد في المسند 2/52.
وقد أخرجه البخاري وغيره كما سيذكره المصنف بعد قليل.
6 في كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نكتب ولا نحسب 1/327.
7 آدم ابن أبي إياس عبد الرحمن بن محمد الخراساني، المروزي، أبو الحسن الخراساني، أحد الثقات المشهورين، نشأ ببغداد، وبها طلب الحديث، وكتب عن شيوخها، ورحل إلى الكوفة والبصرة والحجاز، ومصر والشام، وحدث عن كبار علمائها، مات بعسقلان سنة 220هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 2/39، تذكرة الحفاظ 1/409، طبقات الحفاظ 172، شذرات الذهب 2/47.
لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، وهكذا" 1، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين.
ورواه أبو داود2، عن سليمان بن حرب3، عن شعبة، ولفظه4:"إن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، وهكذا"، وخنس سليمان أصبعه في الثالثة: يعني تسعة5 وعشرين، وثلاثين.
ورواه النسائي6، من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان، كما ذكرناه7.
ومن طريق غندر، عن شعبة أيضاً كام سقناه، وقال في آخره:(تمام الثلاثين)، ولم يقل:(يعني) 8، فروايته من جهة المسند أجل الطرق وأرفعها
1 في الصحيح: (هكذا، وهكذا) فقط، وليس ثلاثاً كما ذكر المصنف.
2 في كتاب الصوم، باب الشهر يكون تسعاً وعشرين 2/739، رقم:2319.
3 سليمان بن حرب بن بجيل أبو أيوب الواشحي، الأزدي، قاضي مكة المكرمة، حدث عن شعبة وحماد بن سلمة، وجرير بن حازم، وغيرهم، وروى عنه البخاري، وأبو داود، ويحيى بن سعيد القطان، وآخرون، كان أحد الأئمة الثقات، كثير الحديث، وكان لا يدلس، ويتكلم في الرجال وفي الفقه. مات بالبصرة سنة 224هـ.
ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/300، تاريخ بغداد 9/33، وفيان الأعيان 2/418، تهذيب التهذيب 4/178.
(ولفظه) أسقطت من (ك) .
5 في سنن أبي داود: تسعاً.
6 الإمام الحافظ، أحمد بن شعيب بن علي الخراساني أبو عبد الرحمن النسائي، كان من بحور العلم مع الفهم والإتقان ونقد الرجال، وحسن التأليف، جال في طلب العلم في سائر الأمصار، ثم استوطن مصر، ورحل الحفاظ إليه، ولم يبق له نظير في هذا الشأن.
من مصنفاته: السنن الكبرى، الضعفاء والمتروكون، مناسك الحج، وغيرها، مات بالقدس سنة 303هـ.
ترجمته في: وفيات الأعيان 1/77، تذكرة لاحفاظ 2/698، تهذيب التهذيب 1/36، شذرات الذهب 2/239، كشف الظنون 2/1006، الأعلام 1/171.
7 انظر سنن النسائي كتاب الصيام 4/139.
8 انظر سنن النسائي، كتاب الصيام 4/140.
قدراً، إذ غندر1، أرفع من كل من رواه عن شعبة، وأضبط لحديثه، والإمام أحمد أجل من رواه عن غندر، عن شعبة2.
قال ابن تيمية: وهذه الرواية المفسرة التي رواها البخاري، وأبو داود والنسائي من حديث شعبة تفسر رواية الثوري، وسائر الروايات عن ابن عمر، مما فيه إجمال يوهم كما هو في كثير من الروايات3.
وقال الإمام أحمد4: حدثنا يحيى بن سعيد5، عن محمد بن عمرو6، أخبرني يحيى بن عبد الرحمن7، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشهر تسع وعشرون"، فذكروا ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله
1 غندر هو محمد بن جعفر. تقدمت ترجمته ص 80.
2 انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 25/148.
3 انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 25/148.
4 في المسند 2/56. وأخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الصيام 3/85-86.
5 الإمام الحافظ، يحيى بن سعيد بن فروخ، أبو سعيد التميمي، مولاهم القطان، سمع هشام بن عروة والأعمش، ويحيى الأنصاري وغيرهم، وحدث عنه الإمام أحمد، وابن مهدي، وإسحاق الكوسج، وآخرون.
قال عنه الإمام أحمد: ما رأيت بعيني مثله، وقال ابن سعد: كان يحيى ثقة مأموناً حجة، وقد وثقه جمع من المحدثين وأثنوا عليه، مات سنة 198هـ.
ترجمته في: حلية الأولياء 8/380، طبقات ابن سعد 7/293، تاريخ بغداد 14/135، سير أعلام النبلاء 9/175.
6 الإمام المحدث الصدوق محمد بن عمرو بن علقمة، أبو الحسن الليثي المدني، حدث عن أبيه، وعن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وغيرهم، وحدث عنه مالك والثوري وسفيان بن عيينة وعدد غيرهم. قال النسائي وغيره: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، مات سنة 145هـ، وقيل غير ذلك.
ترجمته في: التاريخ الكبير 1/191، الجرح والتعديل 8/30، ميزان الاعتدال 3/763، تهذيب التهذيب 9/375.
7 يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ابن أبي بلتعة اللخمي، روى عن أبيه، وأسامة بن زيد، وابن عمر، وروى عنه عروة بن الزبير، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة وغيرهم، كان ثقة كثير الحديث، مات سنة 104هـ.
ترجمته في: الجرح والتعديل 9/165، تهذيب التهذيب 11/249، التقريب 2/352.
أبا عبد الرحمن1، وهل هجر رسول الله /2 صلى الله عليه وسلم نساءه شهراً3، فنزل لتسع وعشرين4، فقيل له، فقال:"إن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين".
فثبت بالروايات الصحيحة عن ابن عمر، أن الشهر يكون مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين5.
وأما رواية أيوب6، عن نافع: "إنما الشهر تسع وعشرون
…
" الحديث7، أي: إنما الشهر اللازم الدائم تسعة وعشرون"8.
فعلى هذا فالشهر اللازم الدائم تسعة وعشرون، فأما اليوم الزائد، فأمر جائز يكون في بعض الشهور، ولا يكون في بعضها9.
والمقصود أن التسعة والعشرين يجب عددها واعتبارها بكل حال، بكل
1 تعني رضي الله عنها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، لما تعلمه فيه من تمسكه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله. وانظر: الفتح الرباني 9/252.
2 نهاية ل 8 من (س) .
(شهرا) أسقطت من (ك) .
4 حديث هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه.
أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقاً بالنية 2/1104، رقم:1478.
5 مجموع الفتاوى 25/155.
6 هو أيوب ابن أبي تيمية كيسان العنزي، مولاهم البصري، أبو بكر السختياني، من صغار التابعين، سمع من الحسن البصري، ومجاهد وابن سيرين وغيرهم، وحدث عنه الزهري، وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وغيرهم، كان فقيهاً ثقة كثير العلم حجة. مات سنة 131هـ بالبصرة.
ترجمته في: حلية الأولياء 3/2، طبقات ابن سعد 7/246، سير أعلام النبلاء 6/15، شذرات الذهب 1/181.
7 بقية الحديث: "
…
فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له".
أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضات لرؤية الهلال 2/759، رقم: 6، 1080. وهو في مسند أحمد 2/5.
8 الفتح الرباني 9/251- 252.
9 شرح السنة 6/230، معالم السنن 2/93، شرح صحيح مسلم للنووي 7/190-191.
وقت، فلا يشرع الصوم بحال حتى يمضي تسعة وعشرون من شعبان، ولا بد أن يصام في رمضان1 تسعة وعشرون لا يصام أقل منها بحال2.3
قال الوليد بن عتبة4: صمنا على عهد علي رضي الله عنه ثماني وعشرين، فأمرنا علي أن نقضي يوماً5.
قال الإمام أحمد: العمل على هذا، لأن الشهر هكذا وهكذا وهكذا، تسعة وعشرون، فمن صام هذا الصوم قضى يوماً ولا كفارة عليه6.
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل7، قال: حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الشهر8 تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له 9". قال نافع: فكان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر، فإن رؤي فذاك، وإن لم يُر ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطراً، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائماًَ10
(في رمضان) كررت في (ك) .
2 انظر: المصادر السابقة، ومجموع فتاوى ابن تيمية 25/153.
(بحال) أسقطت من (ك) .
4 الوليد بن عتبة، ويقال ابن عيينة الليثي، كوفي روى عن علي رضي الله عنه، وروى عنه حميد بن عبد الله الأصم.
ترجمته في: التاريخ الكبير 8/149، الجرح والتعديل 9/10.
5 أخرجه عبد الرزاق في كتاب الصيام 4/156، رقم:7308.
والبيهقي في كتاب الصيام، باب الشهر يخرج في حساب الصائمين ثماني وعشرين فيقضون يوماً 4/251.
6 مجموع الفتاوى 25/155.
7 هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية، سبقت ترجمته ص 67.
8 في (ك) : إنما شهر، بالتنكير.
9 أي قدروا له عدد الشهر حتى تكملوه ثلاثين يوماً، وقيل: قدروا له منازل القمر، فإنه يدلكم على أن الشهر تسع وعشرون أو ثلاثون.
وانظر: النهاية 4/23، شرح السنة 6/230.
10 سبق تخريجه ص 58.
وفي سنن أبي داود1 من حديث حماد بن زيد2، قال: حدثنا أيوب هكذا سواء، ولفظه:"الشهر تسع وعشرون"، وقال في آخره: فكان ابن عمر إذا كان شعبان تسعاً وعشرين نظر له، فإن رؤي فذاك، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب /3 ولا قتر أصبح مفطراً، فإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائماً، قال: وكان ابن عمر يفطر مع الناس، ولا يأخذ بهذا الحساب.
ورواه باللفظ الأول عبد الرزاق4 في مصنفه5، عن معمر6، عن
1 كتاب الصوم، باب الشهر يكون تسعاً وعشرين 2/740-742، رقم:2320.
2 حماد بن زيد بن درهم، أبو إسماعيل البصري، الإمام الحافظ الثبت، سمع من عاصم ابن أبي النجود، ومنصور بن المعتمر، ويونس بن عبيد، وخلق كثير، وحدث عنه ابن المبارك وسليمان بن حرب، وعبد الرحمن بن مهدي، وآخرون، كان من أعلم الناس في زمانه بالبصرة، وثقه الإمام أحمد، وابن مهدي وغيرهما. مات سنة 179هـ.
ترجمته في: حلية الأولياء 6/257، سير أعلام النبلاء 7/456، طبقات الحفاظ 103، شذرات الذهب 1/292.
3 نهاية ل 6 من الأصل.
4 الحافظ الكبير، عبد الرزاق بن همام الصنعاني، أبو بكر الحميري، صاحب المصنف، وأحد أعلام المحدثين، روى عن الأوزاعي ومالك والثوري، وغيرهم، وروى عنه خلق كثير، منهم: يحيى بن معين، وابن المديني، وإسحاق الكوسج، رجل في طلب الحديث إلى الحجاز والشام والعراق. مات سنة 211هـ.
ترجمته في: الجرح والتعديل 6/38، ميزان الاعتدال 2/609، طبقات الحفاظ 158، الأعلام 3/353.
5 في كتاب الجامع، باب كم الشهر؟ 10/402، رقم:19498.
6 الإمام الحافظ معمر بن راشد الأزدي، مولاهم أبو عروة البصري، حدث عن الزهري، وقتادة والأعمش وغيرهم، وروى عنه ابن المبارك، وعبد الرزاق، وعمرو بن دينار، وآخرون، كان من أهل اليمن من أوعية العلم، مع الصدق والتحري والورع، وثقه عدد من العلماء، وكان فقيهاً متقناً. مات سنة 152هـ. وقيل غير ذلك.
ترجمته في: سير أعلام النبلاء 7/5، تهذيب التهذيب 10/243، طبقات الحفاظ 88، شذرات الذهب 1/235.
أيوب، عن نافع عن ابن عمر، [عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنما الشهر تسع وعشرون". وبه عن ابن عمر] 1، أنه إذا كان سحاب أصبح صائماً، وإن لم يكن سحاب أصبح مفطراً2.
وروى الشيخان3، عن مالك4، عن نافع عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان، فقال:"لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له"5.
ورواه عن نافع غير مالك، جماعة منهم: عبيد الله6 ابن عمر بن حفص بن عاصم7، وأخوه عبد الله 8ض
1 ما بين القوسين أسقط من (ك) .
2 انظر: مصنف عبد الرزاق، كتاب الصيام، باب فصل ما بين رمضان وشعبان 4/161، رقم:7323.
3 صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا" 1/326-327.
وصحيح مسلم، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال 2/759، رقم 3، 1080.
4 الإمام مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، المدني، العلم المشهور، إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة، وهو من تابعي التابعين، أجمعت طوائف العلماء على إمامته وجلالته، وعلو كعبه في الفقه والحديث، وصنف كتاب ((الموطأ)) بطلب من أبي جعفر المنصور، مات بالمدينة المنورة سنة 179هـ.
ترجمته في: الديباج المذهب 17، وفيات الأعيان 4/135، تذكرة الحفاظ 1/207، الأعلام 5/258.
5 وانظر الموطأ، كتاب الصيام، باب رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان 145، رقم:636.
6 في (س) : عبد الله.
7 عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم، أبو عثمان القرشي العدوي، الإمام الحافظ من صغار التابعين، كان من سادات أهل المدينة، وأشراف قريش فضلاً وعلماً وعبادة وشرفاً وحفظاً وإتقاناً. مات سنة 147هـ. وقيل غير ذلك.
ترجمته في: التاريخ الكبير 5/395، تذكرة الحفاظ 1/161، تهذيب التهذيب 7/38.
8 عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم، أبو عبد الرحمن القرشي العمري، المحدث كان عالماً عاملاً خيراً حسن الحديث، قال أحمد: لا بأس به، وضعفه ابن المديني، وقال ابن حبان: كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن ضبط الأخبار، وجودة الحفظ للآثار، فرفع المناكير في روايته، فلما فحش خطؤه استحق الترك، مات سنة 171هـ، وقيل غير ذلك.
ترجمته في: الضعفاء لابن حبان 2/6، الجرح والتعديل 5/109.
وسلمة بن علقمة1، وفيلح بن سليمان2، وعمر بن محمد بن زيد العمري3، وأسامة بن زيد الليثي4، وعبد العزيز ابن أبي رواد5، والحكم
1 سلمة بن علقمة التميمي، أبو بشر البصري، روى عن ابن سيرين ونافع وغيرهما، وروى عنه حماد بن زيد، وابن علية وابن أبي عدي، وغيرهم، كان حافظاً متقناً، وثقه أحمد وابن معين وغيرهما، وقال أبو حاتم: صالح الحديث ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس. مات سنة 139هـ.
ترجمته في: الجرح والتعديل 4/167، تهذيب التهذيب 4/150، التقريب 1/318.
2 فليح بن سلميان ابن أبي المغيرة الأسلمي، المدني الحافظ أحد أئمة الأثر، ولد في آخر أيام الصحابة، قال عنه ابن معين وأبو حاتم والنسائي، ليس بالقوي، وقال الدارقطني: يختلفون فيه ولا بأس به، وقال أبو داود: لا يحتج به. مات سنة 168هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 7/133، الجرح والتعديل 7/84، ميزان الاعتدال 3/365، تهذيب التهذيب 8/303.
3 عمر بن محمد بن زيد العمري العدوي المدني، روى عنه أبيه وجده زيد، وعم أبيه سالم ونافع، وغيرهم، وروى عنه أخوه عاصم وشعبة ومالك والسفيانان وغيرهم، كانت ثقة قليل الحديث، وثقه غير واحد من العلماء، وكان من أفضل أهل زمانه، وكان أكثر مقامه بالشام، قتل سنة 145هـ.
ترجمته في: ميزان الاعتدال 3/220، تهذيب التهذيب 7/495.
4 أسامة بن زيد الليثي مولاهم المدني، حدث عن سعيد بن المسيب، ومحمد بن كعب القرظي، وعمرو بن شعيب، وجماعة، وروى عنه حاتم بن إسماعيل وابن وهب وأبو نعيم، وآخرون، قال النسائي: ليس بالقوي، وقال عنه الإمام أحمد: ليس بشيء له عن نافع مناكير، مات سنة 153هـ
ترجمته في: الجرح والتعديل 2/284، كتاب المجروحين 1/179، ميزان الاعتدال 1/174.
5 عبد العزيز ابن أبي رواد الأزدي شيخ الحرم، وأحد الأئمة الصالحين العباد، قال عنه الإمام أحمد: كان مرجئاً، وكان رجلاً صالحاً وليس هو في التثبيت كغيره. وقال أبو حاتم: صدوق، مات سنة 159هـ.
ترجمته في: التاريخ الكبير 6/22، كتاب المجروحين 2/136، ميزان الاعتدال 2/628، شذرات الذهب 1/246.
ابن عبد الله1، ووجه الحجة من هذا الحديث وغيره، من جهتين:
الأولى / 2: فعل ابن عمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أعلم بمراده، فينبغي الرجوع إلى ما فهمه ابن عمر من هذا3، كما رجعنا إليه في خيار المجلس، فإنه كان إذا أراد ثبت4 البيع5، ولزومه، فارق صاحبه6.
الثانية: قوله: "إنما الشهر تسعة وعشرون يوماً"، مبين أن الأصل في الشهر ذلك، وإذا زال الأصل من أحدهما، ثبت الأصل من الشهر الآخر7، فلما كانت الزيادة قد تقع، كان المراد أن الأصل في الشهر8 هذا، وما عداه متردد9.
وللعلماء في قوله: "فاقدروا له"، قولان:
أحدهما: أن المعنى قدروا للهلال زماناً يمكن أن يطلع فيه، وذلك/10 ليلة الثلاثين، فأما الليلة التي بعدها فذاك لا يحتاج إلى تقدير11،
1 الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي، روى عن القاسم ونافع والزهري، قال أحمد: أحاديثه كلها موضوعة، وكان ابن المبارك شديد الحمل عليه، وقال جماعة: هو متروك الحديث، وقال أبو حاتم: كان ممن يفتعل الحديث.
ترجمته في: الجرح والتعديل 3/120، لسان الميزان 2/332.
2 نهاية ل 9 من (س) .
3 المغني 3/90، 564، شرح منتهى الإرادات 1/438، الشرح الكبير للمقدسي 2/4، 357.
4 في (س) : بت، وفي (ك) بته.
(البيع) أسقطت من (ك) .
6 انظر: المصادر السابقة، الصفحات السابقة.
7 انظر: الفتح الرباني 9/251-252، شرح السنة 6/230، معالم السنن 2/93، شرح صحيح مسلم للنووي 7/190-191.
8 في (س)، (ك) :(الشهور) ، بالجمع.
9 انظر: المصادر السابقة، ومجموع الفتاوى 25/153.
10 نهاية ل 5 من (ك) .
11 العدة 117، الكافي 1/347، الفتح الرباني 9/250.
وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} 1، أي: ضُيق2.
الثاني: أن معنى (اقدروا) 3:احكموا بطلوعه من جهة الظاهر، مأخوذ من قوله تعالى:{قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} 4، أي: حكمنا بذلك5.
هذا وقد ذكرنا فعل ابن عمر، ووجه الحجة منه، لا يقال كان ذلك باجتهاد منه، لأن قوله:"فاقدروا له"، دلّ على وجوب الصوم على ما قلنا، ولو دل على الفطر كان ابن عمر قد عمل بخلاف ما روى، والأصل أن الصحابي لا6 يخالف ما يروي، لا سيما مع تكرر ذلك منه، لأن الراوي قال: كان ابن عمر يفعل كذا، وهذا يدل على تكرر الفعل منه، لا سيما وقد مرت النقول عن الصحابة بالحث على صوم يوم الشك7، وحديث الصحيحين في سرر شعبان8.
هذا ما يتعلق بالمنقول، وأما المعقول من حيث المعنى والحكم ففيه أوجه:
أحدها: أن نقول الفطر في هذا اليوم متردد بين الحظر والإباحة، فوجب فيه الصوم، كما لو غم الهلال في آخر رمضان.
والدليل على تردد الفطر أن هذا اليوم يجوز9 أن يكون من رمضان، فيكون فيه الفطر10 محظوراً، ويجوز أن يكون من شعبان فيكون فيه الفطر
1 الآية 7 من سورة الطلاق.
2 فتح القدير للشوكاني 5/245.
3 في (س) : (قدروا) .
4 الآية 57 من سورة النمل.
5 فتح القدير 4/145.
6 في (س) : ما.
7 انظر ص 66 وما بعدها.
8 انظر ص 72.
(يجوز) أسقطت من (ك) .
10 (الفطر) أسقطت من (س) .
مباحاً، ولا سبيل إلى إنكار تجويز الأمرين، وإذا تردد الأمر بين الحظر والإباحة، ترجح جانب الحظر.
ثانيها: إذا غم الهلال في آخر الشهر يجب الصوم اتفاقاً لما ذكرنا، وهذا أولى، لأن اليوم الأخير يجوز أن يكون من شوال فيحرم في الصوم، ويجوز أن يكون من رمضان فيجب فيه الصوم، فإذا كنا نرجح الصوم مع تردده بين الوجوب والحظر، فلأن نرجح الصوم هاهنا مع تردده بين الوجوب والإباحة أولى.
ثالثها: إذا اشتبهت الميتة بالمذكاة غلبنا جانب الخظر فحرمنا1.
رابعها: إذا اشتبهت أخته بنساء أجانب حرمن كذلك2 أيضاً3.
خامسها: إذا اشتبه الماء بالبول حرم استعمالهما4.
سادسها: إذا طلق إحدى نسائه، ونسي عينها حرم الجميع5.
سابعها: أنا أوجبنا إمساك جزء من الليل في أوله وآخره، وإن لم يكن محلاً للصوم ليتحقق صوم رمضان، وإذا وجب الإمساك في زمان ليس بمحل للصوم أصلاً ليتحقق صوم رمضان، فلأن يجب في زمان يجوز أن يكون من رمضان أولى.
ثامنها: لو لم نوجبه لم نأمن فوات6 المصلحة، وإذا أوجبناه فإن وافق زمان رمضان حصل الفرض، وإن لم يوافق /7 لم يحصل ضرر، وصار هذا كما
1 المغني 1/61، الإنصاف 1/79.
2 في (س) : (لذلك) .
3 الكافي لابن قدامة 1/12، الشرح الكبير للمقدسي 1/19، شرح منتهى الإرادات 1/22.
4 المغني 1/60، المذهب الأحمد 4: الإنصاف 1/74.
5 المغني 7/253، المحرر 2/61.
6 في (ك) : (من فوات) .
7 نهاية ل 10 من (س) .
إذا شك في تضايق/1 وقت الصلاة، فإن يجب عليه فعلها حذر الفوات، وفارقت الصوم في أنا إذا شككنا في دخول وقتها لم يجب فعلها حذراً من وقوعها قبل وقتها، فإذا أخرناها لم نخف الفوات، وفي مسألتنا إذا قدمنا الصوم لم تفت وظيفته، ومتى أخرناه2 فاتت3.
فإن قيل: الواجب عليه صوم رمضان، وهذا اليوم ليس من رمضان، لأنه يثبت إما بالقطع وهي الرؤية ممن يقع بهم العلم، أو إكمال عدد شعبان، أو بغلبة الظن بشهادة العدل الواحد عند قوم، والعدد عند آخرين4، ولم يوجد في مسألتنا شيء من ذلك، لأن الغيم لا يدل على وجود الهلال ولا على عدمه، ولم يكن الشهر ثابتاً، فلا يثبت بمجرد الشك، كما لو شك في وقت الصلاة5، وهل طلع الفجر؟ فإنه لا يحرم عليه الأكل6، وخرج على هذا اليوم الأخير، لأن الأصل وجوب الصيام، وهاهنا7 الأصل الفطر.
قلنا: قولكم: ليس هذا من رمضان قطعاً أو ظاهراً، الأول مسلم، والثاني: ممنوع، لأن الأصل في الشهور النقصان على ما سبق في الأحاديث الصحيحة، وقد كان مقتضاها أن لا يجب صوم اليوم8 الأخير، لكن أوجبناه احتياطاً9.
سلمنا أنه ليس من رمضان ظاهراً لكن يحتمل أن يكون منه أم لا؟
1 نهاية ل 7 من الأصل.
2 في (ك) : أخرناها.
3 انظر: المذهب الأحمد 14، المغني 1/386، شرح منتهى الإرادات 1/137.
4 انظر ص 78.
5 المقنع 1/109، الكافي 1/100، هداية الراغب 106.
6 المغني 1/136، العدة 123.
7 في (س) : هنا.
8 في (س) : يوم.
9 المغني 3/90، الشرح الكبير للمقدسي 2/4، زاد المعاد 2/46.
الأول: مسلم، والثاني: ممنوع لأن كونه من رمضان، وكونه من شعبان على السواء في الإحتمال، فوجب أن يصام احتياطاً1.
سلمنا أن كونه من رمضان أبعد من كونه من شعبان، ولكن لِم لا يجب2 صومه توصلاً إلى أداء الواجب بيقين، كما أوجبنا غسل قصاص الشعر مع الوجه3؟
فإن قيل: الصوم عبادة فلا يجوز الدخول فيها إلا على يقين كسائر العبادات4، وبيانه: أن الشرع لما أوجب العبادات المؤقتة نصب لها أسباباً وأعلاماً، فدخول وقت الصلاة سبب لوجوبها، فلو شك فيه لم يجز له فعلها5، وكذلك لو شك في ملك نصاب6، أو في وجود الزاد أو الراحلة، وهل طلق7، أو أعتق، أم لا؟
ويوضحه أن الخطاب يتعلق بالذمة، فيقصد8 المكلف بأداء العبادة أن يبرأ، وهاهنا لم يتعلق بذمته شيء يحتاج أن يبرأ منه.
قلنا: هذا ليس بشك لما قررناه9 من الأدلة السابقة.
سلمنا أنه شك، لكن من العبادات ما يلزم مع الشك، وهو ما إذا نسي صلاة لا يعلم عينها10.
1 المصادر السابقة.
2 في (س) : لم يجب.
3 المغني 1/115-116، شرح منتهى الإرادات 1/52.
4 المجموع 6/426.
5 الكافي 1/100، المذهب الأحمد 14.
6 انظر: الشرح الكبير للمقدسي 1/697، الإنصاف 3/194-195.
7 المقنع 3/215، هداية الراغب 490.
8 في (ك) : فيفضل.
(قررناه) كررت في الأصل.
10 الشرح الكبير للمقدسي 1/226، شرح منتهى الإرادات 1/138.
وأما دخول الوقت فقد سبق جوابه، وهو: أن تأخير الصلاة لا يؤدي إلى ترك الإحتياط بخلاف مسألتنا.
وقولهم: لم يتعلق بذمته شيء، غير مسلم.
فإن قيل: الشك بالغيم ليس بأكثر من الشك الحاصل بشهادة من رد الحاكم شهادته، مع أنه هناك لا يجب/1 الصوم، فكذلك في الغيم، لأنه في الموضعين يحتمل أن يكون الهلال طالعاً.
وبيانه: أن الغيم ليس بسبب في وجوب الصوم، إنما السبب رؤية [الهلال] 2، أو شهادة برؤيته، ونحن على الأصل، وهو شعبان، فلا بد من ناقل عن هذا الأصل، والغيم لا يصلح3 أن يكون ناقلاً.
قلنا: رؤية الهلال خبر لا شهادة4، وليس من شرط الخبر أن يقبله حاكم، وإن رد خبره لفسقه فليست تلك شهادة ولا خبراً5 موجباً شكاً.
سلمنا أنها شهادة، لكن رد الحاكم إياها إسقاط لها، فكأنها6 لم توجد.
وقولهم: الغيم ليس بسبب.
قلنا: ليس بسبب بانفراده، مسلم، ولكن قد أضيف إليه ما يوجب الترجيح، وهو صلاحية الزمان لطلوع الهلال، وذلك يوجب الإحتياط للصوم7، كما تقول في آخر الشهر، يدل عليه أن الإمام أبا حنيفة8 قبل شهادة الواحد مع الغيم، ولم يقبلها مع الصحو9، والقياس في هذا واسع المجال، وفيما ذكرناه كفاية للمقلدين، والله سبحانه وتعالى10 أعلم.
1 نهاية ل 11 من (س) . ول 6 من (ك) .
2 زيادة من (ك) . ليست في الأصل.
3 في (س) : لا يصح.
4 المغني 3/158، شرح منتهى الإرادات 1/440.
5 في (س) : وخبراً.
6 في (س) : وكأنها.
7 شرح منتهى الإرادات 1/441، هداية الراغب 244.
8 هو النعمان بن ثابت التيمي بالولاء، أبو حنيفة إمام الحنفية، الفقيه المجتهد، مات ببغداد سنة 150هـ.
ترجمته في: تاريخ بغداد 13/313، الجواهر المضية 1/26.
9 تحفة الفقهاء 1/346، ملتقى الأبحر 1/198.
10 لفظة (وتعالى) أسقطت من (س) .