الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حال إنجيل يوحنا وفيه تسع أمور
ولم يثبت بالسند الكامل أن الإنجيل المنسوب إلى يوحنا من تصنيفه، بل ههنا أمور تدل على خلافه:
الأول:
أن طريق التصنيف في سالف الزمان قبل المسيح عليه السلام وبعده كان مثل الطريق المروج الآن في أهل الإسلام، كما عرفت في الأمر الرابع من حال التوراة، وستعرف في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث من الباب الثاني، ولا يظهر من هذا الإنجيل أن يوحنا يكتب الحالات التي رآها بعينه، والذي يشهد له الظاهر مقبول، ما لم يقم دليل قوي على خلافه.
والثاني:
أن الآية الرابعة والعشرين من الباب الحادي والعشرين من هذا الإنجيل هكذا: "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ويعلم أن شهادته حق"، فقال كاتبه في حق يوحنا هذه الألفاظ:"هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وشهادته" بضمائر الغائب، وقال في حقه تعلم على صيغة المتكلم، فعلم أن كاتبه غير يوحنا، والظاهر أن هذا الغير، وجد شيئاً من مكتوبات يوجنا، فنقل عنه مع زيادة ونقصان والله أعلم.
والثالث:
أنه لما أنكر على هذا الإنجيل في القرن الثاني بأنه ليس من تصنيف يوحنا، وكان في هذا الوقت (أَرينيوس) الذي هو تلميذ (يُوْليكارْب)
الذي هو تلميذ يوحنا الحواري موجوداً فما قال في مقابلة المنكرين: إني سمعت من (يوليكارب) أن هذا الإنجيل من تصنيف الحواري، فلو كان هذا الإنجيل من تصنيفه لعلم (يوليكارب) ، وأخبر (أرينيوس) . ويبعد كل البعد أن يسمع أرينيوس من يوليكارب الأشياء الخفيفة مراراً، وينقل ولا يسمع في هذا الأمر العظيم الشأن مرة أيضاً، وأبعد منه احتمال أنه سمع لكن نسي، لأنه كان يَعْتبر الرواية اللسانية اعتباراً عظيماً، ويحفظها حفظاً جيداً.
نقل (يُوسِي بَيَس) في الصفحة 219 من الباب العشرين من الكتاب الخامس من تاريخه المطبوع سنة 1847 قول (أرينيوس) في حق الروايات اللسانية هكذا: "سمعت هذه الأقوال بفضل الله بالإمعان التام، وكتبتها في صدري لا على الورق. وعادتي من قديم الأيام أني أقرؤها دائماً". ويستبعد أيضاً أنه كان حافظاً لكنه ما نقل في مقابلة الخصم، وعلم من هذا الوجه أن المفكرين أنكروا كون هذا الإنجيل من تصنيف يوحنا في القرن الثاني، وما قدر المعتقدون أن يثبتوه. فهذا الإنكار ليس بمختص بنا، وستعرف في جواب المغالطة الأولى أن (سلسوس) من علماء المشركين الوثنيين كان يصيح في القرن الثاني: بأن المسيحيين بدَّلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات، بل أزيد من هذا تبديلاً كأنَّ مضامينها بدلت، وأن (فاستس) الذي هو من أعظم علماء فرقة (ماني كيز) كان يصيح في القرن الرابع: بأن هذا الأمر مُحَقق، أن هذا العهد الجديد ما صنّفه المسيحُ ولا الحواريون، بل صنفه رجل مجهول