الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عرفة: والاتعاظ هو أن تقيس فعله بفعل غيره من العصاة، ويخاف أن ينزل به من العقوبة بمثل ما نزل بمن فعل ذلك وليهتدي فمن أطاع الله عز وجل ويرجو أن يناله من الخير والثواب مثل ما نال ذلك الطائع.
قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا
…
(139)}
ابن عرفة: الوهن هو ذل وضعف في النفس بمؤلم مستقبل كسماعنا الآن
…
عند النصارى وخوفنا منها أن تكون على
…
فتحدث بذلك في نفوسنا روع وهلع، والحزن هو التفجع على أمر مؤلم وقع ومضى، وقدم الوهن؛ لأنه المقصود بالذات.
قوله تعالى: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ).
قالوا: إنه حال من الضمير (وَلَا تَهِنُوا).
ابن عرفة: والصواب أنه مستأنف؛ لأنهم لم ينهوا عن الوهن في هذه الحالة بل مطلقا وهم الأعلون أيضا مطلقا سواء وهنوا أو لَا، فإن قلت: هلا قيل: أو كنتم مؤمنين؟، قلت: إنما عبر بأن تهييجا على الاتصاف بأن الإيمان ولاسيما أنها تعريض بالمنافقين فهم داخلون فيها فكذلك عبر بأن.
قوله تعالى: {إِنَّ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ
…
(140)}
قيل: جواب الشرط مقدر، أي: فلا ضعف ينالكم تأسيكم بهم وتسليكم بما لهم معكم، وما نالهم من أيديكم، وقيل: المذكور هو نفس الجواب.
ابن عرفة: وكان بعضهم يجري هذا على الخلاف في لأن المذهب هل هو مذهب أو لَا؟، فإن قلت: إنه مذهب، فيكون المذهب هو الجواب، فإنه لازمة التسلي والتأسي بهم، فإِن قلنا: إنه ليس بمذهب، فالجواب: قوله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً) قال ابن عطية: سبب نزول الآيتين، أن الصحابة قالوا: يا رسول الله، كان بنوا إسرائيل أكرم على الله منَّا حين كان المذنب منهم يصبح، فعقوبته مكتوبة على باب داره، فأنزل الله هذه الآية توسعة ورحمة ومؤمنا من ذلك الفعل.
قال ابن عرفة: وضم هذا السبب للآية نفيه أن المستغفر من الذنب مساو لمن يذنب، لكن إن من لم يذنب إن كان للعلم بفاعل الفاحشة، واجتنبها فليس مساويا له
بوجه، بل هو أعلى منه، وإن تركها حين عالم بفاعلها فهو مساو لمن فعلها واستغفر الله منها وقد جاء "التائب من الذنب كمن لَا ذنب له".
قال ابن عطية: والذنب عطف على جملة ناس، وناس على جملة أخرى، وليس الذين تبعت كرر معه واو العطف؛ لأن تلك الطبقة الأولى منزه عن الوقوع في الفواحش.
قال ابن عطية: أراد أنه من عطف الموصوفات لَا من عطف الصفات.
ابن عرفة: وهذا [اعتزال*] خفي؛ ولذلك قال ابن عبد السلام: [**يحدنا منه]؛ لأنه إذا كان من عطف الصفات يكون داخلا تحت سنن المتقين، والزمخشري وأصحابه: لا يسمونه متقيا، ولذلك قال الزمخشري: أعدت للمتقين [وللتائبين*] فجعل المؤمنين ثلاث طبقات: متقين وتائبين عن الذنب، ومصرين عليه، [فسمي*] المذنب التائب متقيا.
قيل لابن عرفة: لعل ابن عطية جعلها قضية حقيقية فسلم من الاعتزال، فقال: إنما تحتمل على أنها خارجية، وأما الحقيقية فبعيدة هنا، فإن قلت: هلا قيل: إذا عملوا؛ لأن العمل يصدق على الفعل الحسي والمعنوي بدليل حديث "إنما الأعمال بالنيات" وقال الفخر: أنه استثناء فيه النية والنظر، فجعلهما داخلين تحت مسمى العمل، فالجواب: أنه من باب استلزام الأخص أمر استلزمه الأعم من باب أحرى؛ لأنه إذا كان الفعل المسمى المعقب بالاستغفار مستلزما للمغفرة فأحرى أن يستلزمها المعنوي، فإن قلت: المراد نفي الفاحشة، والنهي عن فعلها حتى يصير كأنها من باب المحال، فلم عبر بـ إذا التي تشعر بتحقيق الوقوع، ولا تدخل إلا على الممكن أن التي يصح دخولها على الممكن، والمحال نحو:(قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) فالجواب: أنه يراد تارة ثبوث الشرط، وتارة يراد ثبوت الملازمة بينهما، فلو عبر بأن لاحتمل أن يكون ثبوت الملازمة بينهما محال؛ لأن (إِنَّ) قد تدخل على المحال فيستلزم محالات فعبر بـ إذا التي هي لا تدخل إلا على الممكن، والممكن إنما يستلزم ممكنا مثله، ولا يستلزم المحال أبدا.
قيل لابن عرفة: أو يجاب بأنه إذا الاستغفار يزيل الذنب أثر الذنب المحقق فعله فأحرى أن يزيل المشكوك في فعله، والذي يقطع فعله ولم يفعله، قال كاتب هذا سمعت من ابن عرفة في ميعاده، وكان أعطاني ليلة الجلوس براءة تجعله على هذه الدولة نصها، إن قيل: لم عدل عن أن التي لَا تدخل على محقق الوقوع، ولا إمكانه إلى ذا الدالة على ذلك، مع فعل الفاحشة المطلوب شرعا نفيه لَا أنواعه؟، قلت: لأن المقصود من هذه الشرطية إنما هو ثبوت الملازمة بين فعل الفاحشة والاستغفار منها، ولفظ إذا يدل على رجحان وقوع الفاحشة الملزوم لعدم امتناعها فثبوتها يدل على ثبوت ملازمها قطعا ضرورة امتناع وقوع استلزام وقوع الممكن للمحال، والمحال قد يستلزم محالات فلا يثبت نفس الملازمة بين فعلهم الفاحشة وبين استغفارهم، فإن قلت: فإذا كان فعل الفاحشة منهم محالا كان أبلغ في رفع درجاتهم، قلت: ليس المقصود من هذا القسم حصول هذه الدرجة، بل هذه حالة الطائفة الأولى، والمقصود الإخبار عن طائفة يمكن وقوع الفاحشة منهم إلا أنهم لَا يصرون عليها، بل مبادرون بالاستغفار منها عاجلا، انتهى نقله من خط ابن عرفة.
قال ابن عطية: والفاحشة لفظ يعم جميع المعاصي، وفسرها السدي بالزنا.
قوله تعالى: (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) دليل على أن ذلك إلا أن يقال هنالك: معرفة بالألف واللام العهدية.
ابن عرفة: ويحتمل عندي أن الفاحشة هي المعاصي المتعدية للغير، والظلم هو المعاصي القاصرة على النفس، وهو أحد تفسيري الزمخشري: في قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ).
قوله تعالى: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
المكلف تارة بفعل الذنب ويستغفر منه وينوي أنه لَا يعود إليه، وتارة لَا يستحضر ذلك ونفي الإصرار يعم الوجهين.
ابن عرفة: ما أفاد قوله (وَلَمْ يُصِرُّوا) بعد قوله تعالى: (ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) وهو يعني عنه لحديث ما أصرَّ من استغفر، فالجواب عنه مثل ما أجاب به الفخر في قوله تعالى:(لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) أي لم يصروا على ما فعلوه في المعاصي، وحالهم في المستقبل أنهم لو فعلوا فاحشة يستغفروا الله منها.
قيل لابن عرفة: أو يجاب بأن الأول أفاد استغفارهم عن الفعل الواقع لهم ويبقي إليهم فعله، والعزم على العود، فأفاد قوله تعالى:(وَلَمْ يُصِرُّوا) أو يجاب: بأنهم إذا فعلوا استغفروا لَا يعودون إلى الذنب مرة أخرى، فقال ابن عرفة: إذا عادوا إليه فهو ذنب آخر وفاحشة أخرى ليست منفية بعد الإصرار.
قوله تعالى: (وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
قال الزمخشري: حال من فعل الإصرار وحرف النفي منتصبا عليهما معا وفسره بوجوه، ومنها قول بعضهم:(وَهُمْ يَعْلَمُونَ) إن باب التوبة مفتوح.
ابن عرفة: والمعنى على هذا منصوب على الأول فقط دون الثاني.
قوله تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).
قال الفخر عن القاضي عبد الجبار من المعتزلة: إنها دليل على أن الثواب مربوط بالعمل، فقال ابن عرفة: نعم تدل على أن هذا الثواب الخاص العمل، وليس فيها حصر بأن لَا ثواب إلا على العمل، وأيضا فالعمل على الإيمان، ونحن نقول: إذا لم يحصل الإيمان فلا ثواب واعتزل الزمخشري ورقق عن مذهبه الفاسد بآثار ذكرها وخلط الصحيح منها بالسقيم، وما توافق عليه أهل السنة، وما يخالفون فيه جملة منه تحمله على الناظر وعمومه عليه، ومن جملتها قوله عن شهر بن حوشب: طلب الجنة بلا عمل ذنب، وأرتجي الرحمة ممن لَا يطاق حمق وجهالة، أي ممن لَا يطيعه راجي منه الرحمة منه، وشهر بن حوشب: ضعيف عند المحدثين، وما حكاه عن الحسن صحيح، وقوله عن رابعة:
ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها
…
إن السفينة لَا تجري على اليبس
قال الطيبي قبله:
ما بال نفسك تبغي أن تدنسها
…
وثوب جسمك معسول من الدنس
فإن قلت: قال هنا: (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)، وقال تعالى في العنكبوت:(لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) فعطفه هنا بالواو، ولم يعطفه هناك، فأجاب أبو جعفر: بأن هنا وقع ذكر الجزاء منفصلا معطوفا فقال: جزاؤهم مغفرة وجنات، فناسب أن عطف عليها الجملة التي مدح بها ذلك الجزاء، ولما لم [يفصل*] جملة
الجزاء في العنكبوت، ولا وقع فيها عطف جاءت جملة للمدح غير معطوفة، فناسب النظم التعلم.
قوله تعالى: (هَنَا بيَانٌ لِلنَّاسِ).
ابن عرفة: الإشارة ولم يكن نزل كله بالإشارة لما نزل منه، قيل له: يلزمك استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه، قال هو كقول سيبويه: هذا باب كذا فالإشارة لمن يأتي.
ابن عرفة: وعادتهم يقولون: فيه دليل على امتناع ورود المجمل في القرآن، وأنه كله بين، قالوا: وأجيب بأنه ليس المراد أنه بين الإجمال، بل المراد ببيانه دلالته على وجود الله تعالى ووحدانيته، وما يجمع له، وما يستحيل عليه، قالوا: وهذا ترق، فالبيان راجع للتصوير، والهدى للتصديق بالحق والباطل والموعظة راجحة لاتباع الأوامر والنواهي والاتعاظ بالخوف من عذاب الله.
قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ).
هذا دليل على أن الأول خطاب المؤمنين فقط؛ لأن هذا خطاب لهم فتجري الآية على أسلوب واحد، ابن عطية: وهو من وهن، ومن كلامهم: المؤمن هين لين.
ورده ابن عرفة بأن وهن معتل الفاء وهين معتل العين، فالمادة مختلفة والعجب من أبي حيان: كيف سكت عنه ولم يتعقبه، ابن عطية: وقول العرب إذا لم تغلب فاطلب وأطلابه الخديعة والمكر، ومنه فعل عمرو بن سعيد الأشدق، مع عبد الملك ابن مروان: فإنه عند قتله إياه خدعه.
ابن عرفة: هنا وهم بأن عمرو بن سعيد مكر بعبد الملك، وليس كذلك بل المنقول هو أن عبد الملك مكر بعمرو بن سعيد، فالصواب أن يقول: ومنه فعل عبد الملك بعمرو بن سعيد فذلك أن عمرو بن سعيد طلب من عبد الملك أن يوليه الخلافة بعده، وقال له: قد صحبت أباك فامتنع عبد الملك فنفى عمرو إلى الشام واشتغل واستقل بنفسه فيه بالخلافة فجاء به عبد الملك وقاتله، ثم اصطلحوا على أن ولاه الخلافة من بعده وأعطاه أميرا في كل بلاد ثم أرسل إليه أن يأتيه أمر فحذره النَّاس منه، ولم يسمع منهم حتى آتى عبد الملك فدخل عليه، فقال: إني كنت جئت لك ظفرت بك لأكبلنك فكبله، ثم أخرجه إلى النَّاس وقتله.
قوله تعالى: (إِنَّ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ).
ابن عرفة: فعل الشرط مستقبل، وهو هنا ماضي؛ لأن مس القرح لهم قد وقع ومضى، وحينئذ فترجع إلى السبب؛ لأن المس سبب في التألم، وهو دائم مستمر في المستقبل معناه: إن ينالكم تألم في المستقبل بسبب مس القرح، فقد مس القوم قرح مثله.
ابن عرفة: وجواب الشرط إما المذكور بعينه أو لازمه ولكم في الكفار أسوة وسبيل، فقد نالكم مثل ذلك، قال وعادتهم يقولون: ما الفرق بين المس والإصابة قال تعالى: (إِنَّ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ) والظاهر أن الإصابة أعم لصدقها على الحسي والنظري، ولذلك تكلم الأصوليون على اختلاف هل كل مجتهد مصيب، أم لَا؟ مع أنه حكم نظري، والمس في المحسوسات يقول مس كذا، ولذلك فرق ابن رشد في المقدمات بينه وبين اللمس فجعل اللمس لَا يكون إلا عن قصد، يقول تماس الحجران، والمس يكون مقصودا وغير مقصود، فلا يطلق إلا على الأمور الضرورية المحسوسة فعبر هنا بالأخص في باب التسلي؛ ليكون أبلغ، وأنشد ابن عطية قول لخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي
…
على إخوانهم لقتلت نفسي
ولا يبكون مثل أخي ولكن
…
أعزي النفس عنه بالتأسي
قال والتأسي بالنَّاس هو النفع الذي يجره إلى نفسه الشاهد المحدود، فلذلك ردت شهادته فيما حد فيه، وإن تاب وحسنت حاله.
ابن عرفة: يريد الذي زنا وحده في الزنا لَا يقبل شهادته على أحد بالزنا؛ لأنا نتهمه أنه رمى غيره بالزنا لكي [يتسلى به*]؛ لأن الزاني يود أن يكون النَّاس كلهم زناة.
ابن عرفة: وحكي أن طفلا أحدب عيره النَّاس فاشتكى إلى أمه فقالت: إذا دخلت الجنة يعير كل من عيرك أحدب، وتكون أنت وحدك مستوي القامة، فقال لها: لقد زدتيني غما وهما، إذ جعلتيني في الجنة خارجا منها وأنا في الدنيا كذلك.
ابن عرفة: وخلط ابن عطية: وحكم للمجاور حرف الخلق. لأن ما وسطه حرف حلق، يجوز فتحه وتسكينه، باتفاق وما أخره حرف حلق فيه خلاف بين البصرين والبغداديين فشبه هو القرح لقولهم: أنا محموم.