الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثالث أن قولك: سمعت المنادي يحتمل، إما سماعك نداءه، أو سماعك منه قولا آخر غير النداء، فلما قال: ينادي للإيمان فهم أن المراد سماع ما نودي به.
قوله تعالى: (فَآمَنَّا).
فيه حجة لما اختار عياض، وهو القول الثالث في مسألة القائل: أنا مؤمن فلابد من زيادة إن شاء الله تعالى أولا، فقال عياض: إن أراد في المستقبل في التقبل وما يقع به فلا بد من زيادتها وإن أراد صحة معتقده في الوقت الحالي فيجب حذفها، فهذا حجة لعياض نقلها في المدارك لما عرف بمحمد بن سحنون فإن لَا يستثنى، وابن عبدوس يستثنى وانظر ما سبق في البقرة في قوله تعالى:(قُولُوا آمَنا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَينَا).
قوله تعالى: (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا).
الزمخشري: الذنوب الكبائر، والسيئات الصغائر.
ابن عرفة: الصواب العكس لَا حل الترتيب لئلا يكون تكرارا لغير فائدة؛ لأن مغفرة الكبائر يستلزم مغفرة الصغائر من باب أحرى ألا ترى أن الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر، ولا يرد هذا بعد قوله هذا:(لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) فالمراد بالسيئات الكبائر والمغفرة الستر، فلا يلزم منها للتخوف بذلك، قال تعالى:(وَكَفر عَنا سَيئَاتِنَا) ليفيد محو الذنب من أصل، وكذلك هو في الدنيا والآخرة، فقال: هذا إن [أُفرد الدعاء بها، وأمَّا إن أقرناها*] بالتكفير، فهو دليل على إرادة ما قلناه أن الستر في الدنيا، والمحق في الآخرة.
قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
…
(194)}
قيل: أي على تصديق رسلك، وقيل: على ألسنة رسلك، والعطف في الآية ترقٍ؛ لأن الأول جلب ملائم، (وَلَا تُخْزِنَا) دفع مؤلم وهو آكد من دفع الملائم.
قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ).
ابن عرفة: الصواب أن يراد إنك لَا تخلف ما وعدتنا به، وليس المراد لَا تخلف الميعاد بالإطلاق عليه سؤال، الزمخشري: في طلب الوفاء بالعهد مع أنه حق لَا حلف فيه.
قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ
…
(195)}
قال ابن عطية: ليس هو لطلب الفعل بل بمعنى أجاب، كـ:
وداعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجيبُ إِلَى النَّدَى
…
فلَمْ يستَجِبْهُ عندَ ذاكَ مُجِيبُ
فقلتُ ادعُ أخَرى وارفعِ الصوتَ دعوةً
…
لعلَّ أبا المغوارِ منكَ قريبُ
قلت: أو بمعنى الطلب مجازا على معنى التشريف لهم، والاعتبار بقضاء حاجتهم في الفور من حيث نزل نفسه منزلة من سأل حاجة غير متيسرة له في الحال فجعل يطلبها ويحث عليها وجدها، فبادر بإعطائها لمن سأله إياها؛ لأن الاعتناء بدء بهذا السائل أشد ممن سأل حاجته وأصغرها أو قال: إشارة إلى سرعة الإجابة.
ابن عرفة: والصواب أن أجاب عام في الإجابة بالموافق والمخالف، ولذلك خصصه بقوله تعالى:(أَنِّي لَا أُضِيعُ)، كما يقول: هذا الحيوان زيد فخصصه والآية حجة لأهل السنة القائلين: بالكسب، ويؤخذ منها أن الإيمان عمل، قيل له: قد قالوا: إن الإيمان لَا يوزن نص عليه أبو طالب، وصاحب سورة الأعمال وغيره قالوا: أنه لو وزن الإيمان لرجح بجميع السيئات، وذكروا في ذلك حديثا فرده ابن عرفة: بأن الإيمان يوزن ولا يرجح بالسيئات والمسألة علمية، فلا يحتج فيها كما قال المازري في حديث:" [مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ*] " مع أنه حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم، فكيف بحديث لم يخرجه واحد منهما ولا صححه أحد.
قوله تعالى: (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ).
[هذا احتراس*]؛ لئلا يوهم أن الإناث أفضل من الذكور]، أو العكس.
قوله تعالى: (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا).
إما عام تحته أنواع، أي الذين هاجروا بعضهم باختيارهم كعمر وعثمان، وغيرهما من رؤساء قريش، وأخرج بعضهم من مكة جبرا كبلال وعمار وسلمان الفارسي وغيرهم من ضعفاء المسلمين، وأوذي بعضهم، وإما على تقرير حذف الموصول أي فالذين هاجروا والذين أخرجوا، فيكون من عطف الموصوفات، وإما أنه من عطف الصفات.
قوله تعالى: (لأُكَفرَنَّ عَنْهُمْ سَيئَاتِهِمْ).
ابن عرفة: هذه تدل على أن المراد بالسيئات الكبائر كما قلناه فيما سبق لا الصغائر، كما قال الزمخشري: لأن الصغائر مقصورة باجتناب الكبائر، قال وغفران الكبائر إما بالتوبة أو الهداية مع هذه الأفعال فترجمها، وقال الأصوليون في الكليات الخمس: إن أكدها حافظ الأديان فما بعده، قالوا: وفائدة هذا الترتيب إذا ظهر هذا