الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم تتب الآن فلا تتوب أبدا، وهو مثل معناه: إن لم يكن كذا فهو كذا، وقال الأصمعي: إن لم يكن كذا فلا يكن كذا، قلت، وقال أبو عبيد في الأمثال في باب طلب الحاجة: معناه هذا الآن فلا يكن بعد الآن.
قوله تعالى: (لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ).
قال الزمخشري: معناه أن الله عند اعتقادهم ذلك الأمر الفاسد يضع الغم والحسرة في قلوبهم وتضيق صدورهم عقوبة.
ابن عرفة: هذا فيه ترقيق لمذهبه الاعتزال إلى الفساد؛ لأن قولهم (لَوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا)، ومذهبهم أن الله لَا يخلق المعصية ولا يريدها فلذلك أسند الجعل الواقع من الله تعالى إلى متعلق القول، ولم يسنده إلى القول نفسه، ونحن نقول: اسم الإشارة راجع إلى نفس مقالتهم لَا إلى متعلقاتها وهي الحسرة والحيرة والحزن والندم، وهي مختلفة المعاني فالحزن هو التألم، والتفجع على أمر وقع من غير تسبب فعل للمتألم كمن يحزن على ميت، فالندم هو التلهف على عدم فعل الشيء، كما ورد "لا يقول أحدكم لو كان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان"، والحيرة: هو التألم من أمر أنت قادر على فعله، ومتمكن منه ففرطت فيه حتى فات، فكذلك هؤلاء كانوا قادرين على الجلوس في بيوتهم.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ).
إن قلت: ما فائدة ذكر الإحياء مع أن الكلام في موت من مات؟ قلت: فائدته التسوية بين الأحياء والأموات فمعنى أنكم كما شاهدتم الإحياء، وعلمتم أن الله تعالى هو الذي أحياهم من غير سبب كذلك فاعلموا أن الله تعالى قادر على إماتتهم من غير سبب، فقد يموتون وهم في بيوتهم، وقد يحضرون القتال ويشعرون بالجراح ويعيشون.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
قرئ بتاء الخطاب يشمل المؤمنين والمنافقين، فهو وعد ووعيد، وقرئ بياء الغيبة فخص المنافقين، ويكون صوابه وعيد فقط.
قوله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ
…
(157)}
قال ابن عرفة: لما قتل مرجوحية القتل في سبيل الله بقوله تعالى: (وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) عقبة ببيان راجية على الموت من غير قتل.
قوله تعالى: (أَوْ مُتُّمْ).
إما أنه فيه حذف من الثاني لدلالة الأول عليه، أي (أَوْ مُتُّمْ) في سبيل الله، أو هو كما قال ابن بشير في كتاب الطهارة في التيمم: إن الأصوليين اختلفوا في العطف هل يقتضي التشريك في المعنى كما تقتضيه في الإعراب أم لَا؟ وتقدم بيانه في هذه السورة في قوله تعالى: (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) وأشارا إليه ابن التلمساني: في المسألة الرابعة من الباب الثالث في العطف على العام، هل يفيد العموم، أم لَا؟ قال ابن عرفة: والقراءة على ثلاثة أنواع، فواحد يموت قبل حضور القتال، فهذا قال في المدونة لَا يسهم له، فلو لم يذكر في الآية لما توهم أنه لا يلحق برتبة الشهداء؛ لأن الأول لَا يسهم له في الغنيمة، والثاني: يغسل ويصلى عليه بخلاف الميت في معركة القتال، فذلك قال تعالى:(أَوْ مُتمْ) ليتناول هذين النوعين.
قوله تعالى: (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ).
قال مغفرة نكرة، والتنكير للتعظيم، ولاسيما مع قوله تعالى:(مِنَ اللَّهِ) حسبما نبه الزمخشري عليه في قوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) فإن قلت: ما فائدة قوله تعالى: (وَرَحْمَةٌ) بعد ذكر المغفرة؟ إن الرحمة سبب في المغفرة فهلا قدمت عليها، أو لم تذكر من أصل، قلنا: المغفرة هي نعمة، وهي رفع الأمور المؤلمة، فالرحمة تعم الجلب والدفع، فالرحمة بالثواب ومحو السيئات، والمغفرة تقتضي محو السيئات فقط، فكان العطف تأسيسا.
قوله تعالى: (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
قرئ بياء الخطاب وبياء الغيبة.
ابن عرفة: فعلى قراءة الغيبة يكون خير فعلا، ولا مشاركة فيها، وعلى قراءة الخطاب يكون للمؤمنين فهي أفعل من؛ لأن موتهم في القتال أخير وأحسن من جمعهم فيه أنفقاه في السبيل في التصدق بها؛ لأنها أحسن من جميع المال لإنفاقه في شهوات الدنيا ولذاتها، فإن قلت: كلف بها من مات، قلنا: هي حكاية حال ماضية، أي خير من جمعهم المال عاشوا وجمعوه، ثم لما كان الموت بغير القتل أكثر منه بالقتل، وكان الخير يعم الجميع بالأعم، ليرتب عليه الوصف العام.