الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عرفة: وكان الشيوخ مختلفون في [
…
] هل يشتركان في شيء أم لَا؟ فمنهم من كان يمنع اشتراكهما مطلقا إذ لو اشتركا في أمر لجاز ارتفاعه، وإذا جاز ارتفاعه جاز ارتفاعهما، فيلزم عليه ارتفاع النقيضين، وهذا باطل، وكان ابن الحباب يجيز اشتراكهما بقولهم في حد التناقص، أنه اختلاف قضيتين بالسلب والإيجاب فهما مشتركتان في مطلق الاختلاف.
ابن عرفة: من راعي الأمور الوجودية منع اشتراكهما، ومن راعى الأمور الاعتبارية [جوز*] اشتراكهما، وكان بعضهم يستدل بهذه الآية مع قوله تعالى: في سورة الأعراف: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) على جواز اشتراك النقيضين في أمر ما، قال: لأن الإخبار عن عيسى عليه الصلاة والسلام بآية علم الكتاب، والحكمة، والتوراة [إخبار*] بوصف كمال، يدل على أن معرفة الكتابة في الشخص من صفات الكمال، ووصف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكونه أميا لَا يقرأ ولا يكتب كمال في حقه، والكتابة نقيض لَا كتابة، فقد اشترك النقيضان في أن كلاهما وصف كمال.
قال ابن عرفة: والجواب أن يقول الممتنع اشتراك النقيضين في الوصف العقلي، وهذا وصف جعلي شرعي، فإنه يلزم من اشتراكهما الوصف العقلي.
قيل لابن عرفة: النقيضان مشتركان في أن كلاهما معنى، أو كلاهما ذات فقال: تلك أمور اعتبارية لَا وجودية.
قوله تعالى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
(49)}
قال تعالى: (فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ).
والنصارى من ذرية إسماعيل، سموا نصارى؛ لكونهم نصروا عيسى عليه السلام، يدخل فيهم بنوا إسرائيل، وإسرائيل هو يعقوب عليه الصلاة والسلام.
قوله تعالى: (قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
قال ابن عرفة: أعلن أن دعوى المدعي لَا بد من اقترانها بالدليل الدال على صحتها، هكذا اقتضى الشرع والعقل، أما الشرع فلقوله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، "لو أعطي النَّاس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم"، وأما العقل فلأن
قبول دعوى المدعي على خصمه من غير دليل ترجيح من غير مرجح، وهو باطل وإعمال الدعوتين جمع بين النقيضين وإبطالهما يرد إلى الإهمال والتعطيل، فلذلك ترد دعواه الرسالة بالآية فظاهر كلام ابن التلمساني شارح المعالم الدينية: إن الأمر الخارق للعادة ما يسمى آية إلا إذا كان معه التحدي كذا نقل عنه بعض الطلبة.
وقال ابن عرفة: بل الآية أعم كان معها التحدي حسا أو حكما فهي معجزة.
قوله تعالى: (أَنِّي أَخْلُقُ)،
أي أقدر.
قال الشاعر:
[ولأَنْتَ تَفْري ما خَلَقْتَ وبَعْ
…
ضُ القومِ يَخْلُقُ ثم لَا يَفْري*]
ابن عرفة: معناه تقدر مثلا أنك تقدر عشرة، وتصدق ذلك بالفعل وبعض القوم يقدر شيئا ثم لايستطيع أن يفعله.
قوله تعالى: (فَأَنْفُخُ فِيهِ).
قال الفخر: احتج بها من يقول: إن الروح جسم لطيف؛ لأن النفخ إنما هو بالجسم.
ورده ابن عرفة بأن عيسى لَا ينفخ الروح.
قوله تعالى: (بِإِذْنِ اللَّهِ).
أي بقدره، وقال ابن عطية: يعلمه أي يعلمه أفعل ذلك، وتمكينه إياي.
ابن عرفة: لولا قوله: وتمكينه لكان كلاما خلقا لإبقاء مذهب المعتزلة، والمراد بالتمكين إقداره إياه على فعله؛ لأن التمكين هو القدرة على الفعل، ولذلك قال تأمل قوله تعالى:(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ) مع قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "البكر تستأمر وأذنها صماتها" فناقض بين الآية والحديث؛ لأن معنى الآية فهزموهم بقدرة الله، ومعنى الحديث الإخبار بعجز البكر عن التصرف في أمرها، وعلى العقد على نفسها؛ لأن الإذن فيهما مختلف.
ابن عرفة: وإنما قال: (أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطينِ كَهَيْئَةِ) ولم يقل فيه: (بِإِذنِ اللَّهِ)؛ لأن ذلك لَا يمكن البشر فعله عادة فالفخارون والشماعون يصنعون مثل ذلك، وكذلك:(وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ) ولم يقل فيه (بِإِذْنِ اللَّهِ) لأنه ممكن من غير