الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
…
(94)}
ابن عرفة: الظاهر أن هذه الجملة مرتبطة بما قبلها لدخول الفاء فيها، قال: وفي الآية تخفيف وإشهار لسيفه -رحمه الله تعالى- بوجهين:
أحدهما: (مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) فيها إشارة إلى العفو فمن تاب من هؤلاء اليهود بخبر
هذا الإقرار، ورجع عن مقالته بتحريم ما حرموه، وإنما ينال هذا الوعيد من دام على
ذلك من بعد هذا البيان المقتضي لتحليل كل الطعام.
الثاني: تعريف الكذب، ولم يقل كذبا فهو الوعيد خاصا بمن افترى كذبا خاصا، وهو الكذب على الله في أن ينسب إليه تحريم ما حرمه، أي فمن افترى على الله بعد هذا البيان، ذلك الكذب المتقدم منهم قبل هذا البيان.
قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ
…
(95)}
ابن عرفة: الظاهر أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكل مؤمن؛ لأن هذه أمور واضحة ظاهرة لكل مؤمن، وقوله:(صَدَقَ اللَّهُ) على حذف مضاف، أي صدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كقوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) لأنهم ما ادعوا قط نسبة الكذب إلى الله.
قيل لابن عرفة: وكيف يخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصدق عن نفسه؟ فقال: هذا شبيه من يدعي دعوى ثم يدعي عليها بمقدمتين، ثم يقول فقولوا كذا وكذا أحق؛ لأن الخصم إذا سلم له المقدمتين فقد وافقه على صحة النتيجة.
قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ
…
(96)}
الأول قيل: هو الذي لم يسبقه بشيء، وقيل: هو السابق غيره، قال الفخر: فلو قال [أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ من هذين حر، فاشتراهما معا*]، وقال في المدونة في كتاب العتق إذا قال لأمته أول ولد تلديه حر فولدت توأمين، أنه يعتق الأول منهما، فإِن قال أول ولد تضعيه فوضعت توأمين أنهما يعتقان.
قوله تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ
…
(97)}
ابن عرفة: أي علامات على ما بين من كونه (مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) والظاهر أن المقام إبراهيم ما منح الله تعالى البيت من أن إبراهيم دعا فيه فأستجيب، ونفى
ابن [
…
] ذلك في النَّاس، فكل من دعا فيه يستجاب له في الغالب وهي خصوصية ليست في غيره، قال ابن الخطيب، [ومن آيات*] الحج، فرده ابن عرفة: بأن من أركان الحج الوقوف بعرفة، وهي في الحل، فليس الحج من آياته الخاصة به، ابن عطية: قال يحيى بن جعدة، أي ومن دخل البيت كان آمنا من النار.
ابن عرفة: أي ومن دخله مؤمنا، ومن قتل واستجار به فإنه يقتل عند مالك، ابن عطية: ومن آياته البينات زمزم، وفي منعها لهاجر [بهمز*] جبريل الأرض بعقبه، وفي حفر عبد المطلب لها آخرًا بعد دثورها بتلك الرؤية المشهورة، وبما نبع من الأبيض الماء تحت خف ناقته في سفره إلى منافرة قريش ومخاصمتهما في [أمر*] زمزم، وذكر ابن إسحاق [القصة*]، قلت: روي في السير أن عبد المطلب رأى في نومه في الحجر أربع مرات قائلا يأمره بحفر زمزم، وقال له في الرابعة: احفر زمزم لَا تنزف أبدا ولا تذر تسقي الحجيج الأعظم، وهو بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل، [**قال ابن شهاب الدين: فجرت بقرة بالجزيرة، فقامت وأعلنت ورمت بنفسها في موضع زمزم، فلما أحمل لحمها أقبل أعصم وهو الأبلق ينقر فيه، ومحت على قرية النمل فحفر فيه عبد المطلب، فلما بدا له الطير كبر
…
من اشتراك قريش فيها فطلبوا التحاكم معه عند كاهنة بني سعد بن هزيم بأشراف الشام وخرجوا والأرض
…
لَا ماء فيها فقرع ماء آل عبد المطلب ومنعهم قريش من مائهم فحفروا لأنفسهم قبورا ينزلون فيها أن ماتوا، ثم بدا لهم فارتحلوا، فلما انبعث بعير عبد المطلب راحله ففجر من تحتها عين من ماء عذب فكبر عبد المطلب واستقر هو وولده وقريش، ثم قالوا: قد والله قضي لك علينا، فارجع إلى سقايتك فهي لك].
قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).
لما تضمن الكلام السابق التنبيه على بركة البيت، كان ذلك كالسبب الحاصل على حجة وأعمال السفر إليه، وإن كان معظم الحج عرفة كما في الحديث "الحج عرفة" لكن إنما ذلك لأجل أن عرفة له وقت معين يفوت بفواته نحوا لَا ترى أن من أحصر عن الوقوف فهو محصر، ومن أحصر على الحج فليس بمحصر ولا يحله إلا البيت.
قال الزمخشري: ودلت الآية على تأكيد الحج من أربعة أوجه:
الأول: لفظه على. والثاني: عموم النَّاس.
والثالث: إبدال قوله: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا). والرابع: قوله تعالى: (وَمَنْ كَفَرَ).
فتارك الحج كأنه كافر، ومنهم من زاد قوله تعالى:(غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) ابن عرفة: وكان بعضهم يريد فيها وجها خامسا، وهو إسناد ذلك إلى كلمة الجلالة إلا أنا نفرق بين قول السيد لعبده افعل كذا، وبين قوله
…
أن تفعل كذا فإن هذا أبلغ في الدلالة على الاعتناء بذلك الأمر والاهتمام به، وقال: وهذا أيضا أبلغ من صريح الأمر، لأن صريح الأمر يختلف فيه هل هو للوجوب أو للندب؟ وهذا لَا خلاف فيه أعنى لفظ علي، وذكر عبد الحق في تهذيب الطالب عن بعضهم أن من شرط الاستطاعة وجود الماء في كل سهل ابن عرفة: ومعناه عندي وجوده كتاب منهله ينفذ فيها ماء الأخرى إما إذا كانت بحيث يصل إليها غالبا، فلا وحكى ابن الخطيب: اختلاف المتكلمين هل اختلاف الاستطاعة مع العقل أو قبله؟ قال: والآية حجة لمن يقول: إنها قبله.
ورده ابن عرفة بإن الاستطاعة تطلق على معنيين، فتارة بها التمكن من الفعل كقولك: زيد القاعد مستطيع على القيام، فهذه لَا خلاف أنه لَا يشترط فيها المقارنة، وليست هي المصطلح عليها عند المتكلمين، وتارة يراد بها القدرة على الفعل، فهذه هي التي تعرض لها الأصوليون، وذكر فيها الخلاف، والآية من القسم الأول، واختلفوا هل الحج على الفور أو لَا؟ ابن عطية: واحتج بها القائلون بالتراخي بوجهين:
أحدهما: استئذان الأبوين فيه العام والعامين، أجيب: بأن طاعتها واجبة فتعارض واجبان ورد بمنع ذلك بل هو من تعارض واجب ومندوب.
الثاني: خرج اللخمي الوجوب من قول مالك: في المرأة يموت عنها زوجها، فتريد الخروج إلى الحج، أنها لَا تحج في أيام عدتها.
ورده ابن عرفة: بأن العدة سابقة ولا يمكن طلاقها، والحج يمكن تلاقيه، قيل: بل وجوب الحج سابق على العدة، فقال: يفرض أنها بغت في العدة فسبق وجوب العدة على وجوب الحج، وأما المرأة إذا كان معها ذو رحم منها محرم وجب عليها الخروج، وكذا حكى الباجي عن مالك: إذا كانت في رفقه مأمونة، وفي سماع أشهب في الحج الثاني يسأل عن خروجها مع ختنها، وقال: تخرج مع جماعة النَّاس، ابن