الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال: «ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت» ، فضمّ الى التحكم أمرا آخر وهو عدم وجود أي حرج في صدورهم، فلا يكون مجرد التحكيم والإذعان كافيا بل لا بد أن يكون نابعا من صدورهم، صادرا عن رضا واطمئنان وطيب نفس. وهذا أجمل تصوير للعلاقة التي يجب أن تترسخ بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وبين الرئيس والمرءوس، والثقة التي تتأصل في نفوس الشعب لقائدهم وولي أمرهم، ما دام موفقا، سائرا في جوار الاستقامة السليمة.
3-
ثم لم يكتف سبحانه، بهذا كله، بل ضمّ إليه قوله:
ويسلموا أي يذعنوا إذعانا تاما وينقادوا ظاهرا وباطنا لا انقيادا أعمى ولكنه انقياد الواثق المطمئن الى سلامة موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4-
وضمّ الى «يسلموا» المصدر المؤكد فقال: «تسليما» وهكذا لا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه هذا التحكيم ولا يجد الحرج في صدره بما قضى عليه والتسليم لحكم الله وشرعه تسليما لا يخالطه رد ولا تشوبه شائبة، فسبحان قائل هذا الكلام! واستمع الى تتمة هذا الفصل في الآية التالية.
الفوائد:
ما ذكرناه في إعراب قوله تعالى: «فلا وربك» هو المختار في رأينا، ونرى تميما للفائدة أن نورد بعض ما قيل فيه، فاعلم أنه كثرت زيادة «لا» مع القسم في القرآن الكريم حيث يكون بالفعل مثل: «فلا
أقسم بمواقع النجوم» «لا أقسم بهذا البلد» «لا أقسم بيوم القيامة» وغيرها. والفائدة منها تأكيد تعظيم المقسم به، ومعلوم أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له فكأنه يقول: إن إعظامي لهذه الأشياء بالقسم كلا إعظام، يعني بذلك أنها بمثابة من التعظيم والفخمية تستأهل أكثر من ذلك، وتستوجب ما فوقه، ومن أمثلته في الشعر قوله:
فلا وأبيك ابنة العامر
…
يّ لا يدعي القوم أني أفرّ
وسيأتي المزيد من بحثه في مواضعه القادمة من هذا الكتاب العجيب، وهناك أقوال للعلماء في هذا التركيب نثبتها لأنها لا تخلو من وجاهة منها:
1-
أن «لا» رد لكلام تقديره: فلا يفعلون، أو: ليس الأمر كما يزعمون من أنهم آمنوا بما أنزل إليك، ثم استأنف القسم بقوله:
وربك لا يؤمنون. فعلى هذا يكون الوقف على «لا» تاما، وقد ارتضاه الطبري، وناهيك به.
2-
والثاني أن «لا» الأولى قدمت على القسم اهتماما بالنفي، ثم كررت توكيدا.
3-
والثالث أن «لا» الثانية زائدة، والقسم معترض بين حرف النفي والمنفي، وكان التقدير فلا يؤمنون وربك فتكون الوجوه فيها أربعة.