الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي هذا الحديث القدسي عدة فوائد؛ إحداها: تحريم التصوير لما فيه من المضاهاة بخلق الله - تعالى - وذلك من أعظم الظلم.
وقد روى مسلم في "صحيحه" والبخاري في "الأدب المفرد" وأبو داود الطيالسي في "مسنده" من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا.
قال النووي - رحمه الله تعالى -: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر؛ لأنه مُتَوَعَّد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها.
قال: ولا فرق في هذا كله بين ماله ظل وما لا ظل له، هذا تلخيص مذهبنا في المسألة وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم.
وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل، ولا بأس بالصورة التي ليس لها ظل، وهذا مذهب باطل، انتهى.
وستأتي تتمة كلامه مع الكلام على حديث عائشة رضي الله عنها، إن شاء الله تعالى.
الثانية: أن
التصوير من الكبائر
؛ كما يدل على ذلك قول الله - تعالى -
في هذا الحديث: "ومَن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي"، وغير ذلك من الأدلة الكثيرة، كما سأنبه على كل منها في موضعه - إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر بعض الفقهاء أن المصور لا تقبل شهادته؛ لأنه فاسق.
الثالثة: التنفير من التصوير.
الرابعة: الحكم على المصورين بأنهم من أظلم الظالمين؛ لأنهم عمدوا إلى ما اختصَّ به الرب تبارك وتعالى من الخلق والتصوير فصنعوا على مثاله ليضاهئوا بخلق الله، وذلك جور منهم ومجاوزة للحد، ووضع للشيء في غير موضعه وهذا هو حقيقة الظلم، كما نص على ذلك أئمة اللغة وغيرهم من العلماء.
قال الجوهري وغيره من أهل اللغة: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، زاد الراغب الأصفهاني: إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه، قال: والظلم في مجاوزة الحق.
وقال الهروي وابن الأثير: أصل الظلم الجور ومجاوزة الحد.
قلت: وهذا القول يرجع إلى ما قاله الجوهري؛ لأن الجور ومجاوزة الحد من وضع الشيء في غير موضعه، إذا كان المعتدي على حقوق الخلق ظالمًا جائرًا فالمصور أَوْلَى بأن يكون ظالمًا جائرًا؛ لأنه قد تعاطى ما ليس له بحقٍّ ونازع الرب تبارك وتعالى في أفعاله وخصائصه التي لا يشركه فيها أحد.
الخامسة: أن في وصف المصورين بالظلم العظيم إشعار بالوعيد الشديد لهم بدليل قول الله - تعالى -: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 21].
وفي "صحيح مسلم" و"سنن أبي داود" وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال: الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعظمة أزاري، فمن نازعني واحدًا منها قذفته في النار))، وروى مسلم أيضًا من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وروى الطبراني في "الصغير" من حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وهكذا الأمر في المصورين لمشاركتهم للمتكبرين والمتعظمين في الملة التي اقتضت قذفهم في النار، وهي منازعتهم للرب تبارك وتعالى في خصائصه التي لا يشركه فيها أحد.
وسيأتي النص الصريح على أن كل مصور في النار وأنه يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم، وأن المصورين من أشد الناس عذابًا يوم القيامة.
السادسة: أن في قوله: ((فليخلقوا ذرة أو حبة أو شعيرة)) تبكيتًا لهم وتعجيزًا، قال النووي: معناه فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التي هي خلق الله - تعالى - وكذلك: ((فليخلقوا حبة حنطة أو
شعير))؛ أي: ليخلقوا حبة فيها طعم تؤكل وتزرع تنبت، ويوجد فيها ما يوجد في حبة الحنطة والشعير ونحوهما من الحب الذي يخلقه الله - تعالى - وهذا أمر تعجيز، انتهى.
السابعة: أنه لا فرق بين الصور المجسدة وغير المجسدة، فكل من النوعين صناعته حرام وظلم عظيم، وهذا هو الذي فهمه أبو هريرة رضي الله عنه قال ابن بطال: فهم أبو هريرة أن التصوير يتناول ما له ظل وما ليس له ظل، فلهذا أنكر ما يُنْقَش في الحيطان.
قلت: والأدلة على ما فهمه أبو هريرة رضي الله عنه كثيرة في الأحاديث الآتية وسأنبه عليها - إن شاء الله تعالى.
الثامنة: فيه الرد على صاحب الأغلال وأضرابه من الزنادقة المارقين من دين الإسلام؛ فقد زعم عدو الله أن بني آدم قد يقدرون على خلق الإنسان وغيرة من الحيوان، قال في الصفحة السابعة والستين من أغلاله: وإنا لنخشى أو نرجو وقد تحقق الأيام أي الأمرين أحسن أن يأتي الزمن الذي يقال فيه الإنسان الصناعي والحيوان الصناعي.
وهذا ما لا يزال العلم أمامه حيران عاجزًا ولكنه لم يعترف بالعجز ولم يفكر في الاستسلام للإخفاق، بل ما فتئ يهاجم ويناضل يعزم مَن يعلم أنه منتصر لا محالة، هذا لفظة بحروفه.
والجواب أن يقال له ما قال الله - تعالى - لأشباهه وسلفه: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا} [الكهف: 5].
ويقال أيضًا: قد دلَّ الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على أن خلْق جميع الأشياء وإيجاد الحياة في كل مخلوق هي من خصائص الرب تبارك وتعالى التي لا يشاركه فيها أحد، وهذا مما لا يشك فيه مسلم، وجميع الأديان السماوية متفقة على هذا.
وقد كان المشركون الأوَّلون مقرِّين به، كما أخبر الله تبارك وتعالى بذلك عنهم في آيات كثيرة من كتابه، فهم أحسن حالاً من صاحب الأغلال وأضرابه من الزنادقة الذين يدندنون حول تشريك المخلوقين مع الخالق في خصائص الربوبية.
ويقال أيضًا لصاحب الأغلال: لا يشك مسلم أن ظنك كاذب وأن رجاءك خائب، فلن يأتي الزمن الذي توهمته بعقلك الفاسد أبدًا، ولن يقدر أعداء الله على خلق ذرة ولا بعوضة ولا حبة شعير فضلاً عن خلق الإنسان، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يخلقوا ذرة واحدة أو حبة واحدة لما قدروا على ذلك ولو جمعوا جميع قواهم وأسبابهم، وقول الخبيث: وهذا ما لا يزال العلم أمامه حيران
…
إلى آخره يعني بذلك علم أهل الصناعات الكيماوية، وجوابه أن يقال: ولا يزال علمهم كذلك حيران عاجزًا أبد الآبدين، ومَن شك في هذا فليس بمسلم.
وكيف يكون مسلمًا مَن يشك في تفرد الرب تبارك وتعالى بخصائص الربوبية
أبدًا كما كان متفردًا بذلك في الأزل؟ ولا يشك مسلم أن مهاجمة أعداء الله - تعالى - ومناضلتهم في إيجاد الحياة ستذهب سدًى، ولو فعلوا من الرسائل والأسباب ما فعلوا فمآلهم إلى العجز والإخفاق لا محالة، ومَن شك في عجزهم وإخفاقهم في هذا فقد شك في وحدانية الله - تعالى - وتفرده بخصائص الربوبية، ومَن شك في وحدانية الله - تعالى - وتفرده بالربوبية فهو ضالٌّ كافر.
وقد أقام عدو الله الظنون الكاذبة من الكفَرة الفجَرة مقام العلم المحقق الذي لا بُدَّ أن يكون معلومًا، وهذا من تهوُّره الخبيث وجراءته على الله - تعالى - وجهله بعظمته وجلاله، وكبريائه وتفرده بالخلق والأمر، فلا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته وأفعاله، ومن ظن أو رجا أن يكون لله شركاء في ربوبيته وأفعاله يخلقون أناسيَّ وحيوانات مثل مخلوقاته فما قدر الله حقَّ قدره، ومَن اغترَّ بظنون أعداء الله - تعالى - وجعلها علمًا محققًا لا بُدَّ أن تكون معلومة فهو من أحمق الناس وأقلهم عقلاً وليس وراء جهله وغروره جهل وغرور، فالحمد لله الذي عافاني وإخواني المسلمين مما ابتلى به صاحبَ الأغلال وأمثاله، ونسأله - تعالى - أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب.
الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها وله أربع طرق:
الطريق الأولى: عن القاسم بن محمد عنها رضي الله عنها وقد روي عن القاسم من خمسة أوجه:
الوجه الأول: عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلمَّا رآه هتكه وتلوَّن وجهه، وقال صلى الله عليه وسلم:((يا عائشة، أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله))، قالت عائشة رضي الله عنها فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين؛ رواه الإمام أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية النسائي: بقرام فيه تصاوير.
وفي رواية ابن ماجه: بستر فيه تصاوير.
وفي رواية لمسلم قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ وقد سترت نمطًا فيه تصاوير فنحَّاه فاتخذت منه وسادتين.
وفي رواية له وللنسائي أنها نصبت سترًا فيه تصاوير فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعه قالت: قطعته وسادتين، فقال رجل في المجلس حينئذ يقال له ربيعة بن عطاء مولى بني زهرة: أفما سمعت أبا محمد يذكر أن عائشة رضي الله عنها قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتفق عليهما، قال ابن القاسم: لا، قال: لكني قد سمعته، يريد القاسم بن محمد، هذا لفظ مسلم.
وفي رواية له وللنسائي قالت: كان في بيتي ثوب فيه تصاوير فجعلته إلى سهوة في البيت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إليه ثم قال: ((يا عائشة، أخريه عنِّي))، فنزعته فجعلته وسائد.
ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" بنحوه.
الوجه الثاني: عن الزهري عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متسترة بقرام فيه صورة فتلوَّن وجهه، ثم تناول الستر فهتكه ثم قال:((إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله))؛ رواه مسلم والنسائي، وهذا لفظ مسلم.
الوجه الثالث: عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرته إنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، قالت: يا رسول الله، أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت؟ قال:((ما بال هذه النمرقة))، فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم))، وقال:((إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة))؛ رواه مالك والشيخان وأبو داود الطيالسي في "مسنده".
وروى النسائي وابن ماجه منه قوله: ((إن أصحاب الصور يعذَّبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم)).
وفي رواية للبخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى التماثيل قام بين البابين وجعل يتغير وجهه.
وفي رواية لمسلم قالت: فأخذته فجعلته مرفقتين فكان يترفَّق بهما في البيت.
الوجه الرابع: عن سماك عن القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها - أنها قالت: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون الله في خلقه؛ رواه النسائي هكذا موقوفًا وله حكم الرفع كنظائره.
الوجه الخامس: عن ربيعة بن عطاء مولى بني زهرة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها وقد تقدمت هذه الرواية مع الرواية الثالثة من روايات عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه.
الطريق الثانية: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر وعلقت درنوكًا فيه تماثيل فأمرني أن أنزعه فنزعته؛ متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
ولفظ مسلم قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت على بابي درنوكًا فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمرني فنزعته.
وقد رواه النسائي بنحو رواية مسلم.
الطريق الثالثة: عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لنا ستر فيه تمثال طائر، وكان الداخل إذا دخل استقبله،
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حولي هذا؛ فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا))؛ رواه مسلم والنسائي.
ورواه الترمذي بمعناه وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
الطريق الرابعة: عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها.
وستأتي هذه الرواية مع حديث أبي طلحة رضي الله عنه.
وقد اشتمل حديث عائشة رضي الله عنها على فوائد كثيرة إحداها تحريم التصوير، ويستفاد ذلك من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم لنصب الستر الذي فيه الصور، ومن هتْكه له، ومن تلوُّن وجهه لما رآه، ومن الوعيد الشديد للمصورين.
الثانية: أنه من الكبائر؛ لما جاء فيه من الوعيد الشديد.
الثالثة: أن علة التحريم هي المضاهاة بخلق الله - تعالى - وذلك من أعظم الظلم كما تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه والمضاهاة هي المشابهة والمماثلة.
وللتحريم علة أخرى وهي أن التصوير ذريعة إلى عبادة الصور كما وقع ذلك لقوم نوح وللنصارى وغيرهم من المشركين،
والذرائع لها حكم الغايات كما هو مقرر عند الأصوليين.
وللتحريم أيضًا علة ثالثة وهي التشبه بالنصارى والمشركين واتباع سنتهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((مَن تشبه بقوم فهو منهم))، وكل واحدة من هذه العلل الثلاث تكفي وحدها في تحريم التصوير، فكيف وقد اجتمعت كلها فيه؟ فهذا مما يزيد التحريم شدة وتغليظًا، والله أعلم.
الرابعة: أنه لا فرق في تحريم التصوير بين أن تكون الصور مجسَّدة أو غير مجسدة؛ لأن الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كان غير مجسَّد، ففيه ردٌّ على مَن زعم أن التحريم خاصٌّ بالصور المجسَّدة كما يقول كثيرٌ من أهل الجهل المركب في زماننا، وقد قال ذلك أناس قبلهم.
قال النووي: وهو مذهب باطل؛ فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يشكُّ أحد أنه مرقوم وليس لصورته ظل مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة.
وقال الزهري: النهي في الصورة على العموم، وكذلك استعمال ما هي فيه، ودخول البيت الذي هي فيه، سواء كانت رقمًا في ثوب أو غير رقم، وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهَن أو غير ممتهَن؛ عملاً بظاهر الأحاديث لا سيما حديث النمرقة.
قال: وهذا مذهب قوي، انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في الكلام على حديث النمرقة: يستفاد منه أنه لا فرق في تحريم التصوير بين أن تكون الصورة لها ظل أو لا، ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة، خلافًا لِمَن استثنى النسج وادعى أنه ليس بتصوير، انتهى.
الخامسة: الغضب وتسعر الوجه عند رؤية المنكر.
السادسة: كراهة دخول البيت الذي فيه صورة.
السابعة: إنكار المنكر بحسب القدرة فمَن قدر على التغيير بيده فذلك هو الواجب عليه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هتْك الستر بيده الكريمة ولا يكفي الإنكار باللسان لِمَن قدر على الإنكار باليد، ومَن لم يستطع بيده فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه.
الثامنة: هتْك الصور وطمْسها أينما وُجِدت، وسواء في ذلك الصور المجسدة وغير المجسدة.
وقد حكى الإجماعَ على منْع المجسَّدة ووجوب تغييرها غيرُ واحد من العلماء ومنهم النووي وابن العربي المالكي.
قال ابن العربي: وسواء كانت مما يمتهن أم لا.
وقرر الإمام أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله تعالى - تغيير الصورة المجسَّمة وغير المجسمة قال: وكل ما كان من العين أو التأليف المحرَّم فإزالته وتغييره متَّفق عليها بين المسلمين؛ مثل إراقة خمر المسلم،
وتفكيك آلات الملاهي، وتغيير الصور المصورة، وإنما تنازعوا في جواز إتلاف محلِّها تبعًا للحال، والصواب جوازه كما دلَّ عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، وهو ظاهر مذهب مالك وأحمد وغيرهما، انتهى كلامه - رحمه الله تعالى.
وعمومات الأحاديث التي تقدَّمت والتي ستأتي تقتضي التسوية بين المجسَّدة وغير المجسَّدة في المنْع من صناعتها، ووجوب تغييرها إذا وجدت الأماكن في بساط ونحوه مما يُدَاس بالأرجل، وكذلك ما يكون فيما يُمْتَهَن بالاستعمال كالوسائد ونحوها، فهذه وإن أمكن نقضها بدون نقض يَلحَق ما هي فيه - نقضت والدليل على ذلك فعلُ النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه، وفي رواية تصاوير بدل تصاليب.
وإن لم يمكن نقضها وأمكن لطخ الرأس بخياطة أو صبغ أو غيره مما يطمسه فإنه يلطخ؛ لأن في ذلك تغييرًا للصورة؛ والدليل على ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في حديث علي رضي الله عنه: ((لا تدع صورة إلا طمستها))، وفي رواية:((إلا لطختها))، وإن لم يمكن نقضها ولا لطخها تُرِكت بشرط أن تبتذل وتمتهن.
قال النووي: وأما اتخاذ المصوَّر فيه صورة حيوان فإن كان معلَّقًا على حائط أو ثوبًا ملبوسًا أو عمامة ونحو ذلك مما لا يُعَدُّ ممتهَنًا فهو حرام، وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام.
قلت: والدليل على ذلك رواية ربيعة بن عطاء عن القاسم بن محمد، وما رواه مسلم في حديث النمرقة وغير ذلك من الروايات التي
تقدمت في حديث عائشة رضي الله عنها وما سيأتي في رواية زيد بن خالد رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها، وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة جبريل كما سيأتي - إن شاء الله تعالى.
وما ذكرته هاهنا فيه جمع بين الأحاديث، والله أعلم.
التاسعة: جواز القعود والاتِّكاء على ما فيه صورة إذا لم يمكن طمسها؛ لأن في وطء الصورة والقعود والاتكاء عليها ابتذالاً وامتهانًا لها.
العاشرة: شدة الوعيد للمصورين.
الحادية عشرة: تكليفهم بما لا يقدرون عليه من نفخ الروح فيما صوروه، والقصد من ذلك طول تعذيبهم وإظهار عجزهم.
قال النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((ويقال لهم أحيوا ما خلقتم)) فهو الذي يسميه الأصوليون أمر تعجيز كقوله - تعالى -: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13]، انتهى.
الثانية عشرة: فيه الرد على صاحب الأغلال وأضرابه من الزنادقة الذين يخشون أو يرجون أن يقدر المصورون على نفخ الروح في تصاويرهم.
الثالثة عشرة: قال الحافظ ابن حجر: إن في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن