المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ سبب امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه الصور - إعلان النكير على المفتونين بالتصوير

[حمود بن عبد الله التويجري]

الفصل: ‌ سبب امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه الصور

أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة)) اهتمامًا بالزجر عن اتخاذ الصور؛ لأن الوعيد إذا حصل لصانعها فهو حاصل لمستعملها؛ لأنها لا تصنع إلا لتستعمل فالصانع متسبب والمستعمل مباشر فيكون أولى بالوعيد، انتهى.

الرابعة عشرة: امتناع الملائكة من دخول البيت إذا كان فيه صورة.

ولا فرق في هذا بين أن تكون الصورة مجسَّمة أو غير مجسمة؛ لأن (أل) للاستغراق فتعم كل صورة محرمة الصنعة والاتخاذ، وكذلك النكرة في قوله:((لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة)) تقتضي العموم أيضًا؛ لأنها في سياق النفي فتعم كل صورة من صور ذوات الأرواح.

قال الخطابي في الكلام على هذا الحديث: وأما الصورة فهي كل صورة من ذوات الأرواح كانت لها أشخاص منتصبة أو كانت منقوشة في سقف أو جدار أو مصنوعة في نمط أو منسوجة في ثوب أو ما كان، فإن قضية العموم تأتي عليه فليجتنب، انتهى.

وقد ذكر القرطبي والنووي‌

‌ سبب امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه الصور

ة.

فأما القرطبي فقال في "المفهم": إنما لم تدخل الملائكة البيت الذي فيه الصورة؛ لأن مُتَّخِذها قد تشبَّه بالكفار؛ لأنهم يتخذون الصور

ص: 40

في بيوتهم ويعظمونها، فكرهت الملائكة ذلك فلم تدخل بيته هجرًا له لذلك، انتهى.

وأما النووي فقال في "شرح مسلم": قال العلماء: سبب امتناعهم من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله - تعالى - وبعضها في صورة ما يُعْبَد من دون الله - تعالى - فعوقب مُتَّخِذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه، واستغفارها له، وتبريكها عليه وفي بيته، ودفعها أذى الشيطان، انتهى.

الحديث الثالث: عن أنس رضي الله عنه قال: كان قرام لعائشة رضي الله عنها قد سترت به جانب بيتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أميطي عنِّي قرامك هذا؛ فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي))؛ رواه الإمام أحمد والبخاري.

قال الطيبي: فيه إيذان بأن للصور والأشياء الظاهرة تأثيرًا في القلوب الطاهرة والنفوس الزكية؛ يعني: فضلاً عمن دونها.

قلت: وهذا الحديث شبيه بالرواية الأخيرة عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها وشبيه أيضًا برواية سعد بن هشام عنها رضي الله عنها.

وظاهر هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أقرَّها على نصب القرام في أول الأمر، ثم أمرها بعد ذلك بنزعه، فعلى هذا يكون الأمر بالنزع ناسخًا للإقرار.

ص: 41

قال النووي في الجواب عن إقراره لها: هذا محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة فلهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل ويراه ولا ينكره قبل هذه المرة الأخيرة، انتهى.

الحديث الرابع: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الذين يصنعون هذه الصور يُعَذَّبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم))؛ رواه الإمام أحمد والشيخان والنسائي.

وفي هذا الحديث من الفوائد تحريم التصوير، وأنه من الكبائر وتعذيب المصوِّرين يوم القيامة وتكليفهم بما يظهر به عجزهم، والرد على صاحب الأغلال وأشباهه، وأنه لا فرْق بين الصور المجسَّمة وغير المجسمة؛ لأن (أل) للاستغراق فتعم كما تقدم التنبيه على ذلك قريبًا.

الحديث الخامس: عن أبي الضحى مسلم بن صبيح قال: كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير فرأى في صفته تماثيل فقال: سمعت عبدالله رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصورون))؛ رواه الإمام أحمد والشيخان والنسائي، وهذا لفظ البخاري.

وفي رواية لأحمد ومسلم عن مسلم بن صبيح قال: كنت مع مسروق في بيت فيه تماثيل مريم فقال مسروق: هذه تماثيل كسرى، فقلت: لا هذه تماثيل مريم، فقال مسروق: أما إني سمعت عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون)

ص: 42

وفي رواية لهما أيضًا: أن من أشد أهل النار يوم القيامة عذابًا المصورون، وفي هذا الحديث من الفوائد تحريم التصوير وأنه من الكبائر، وشدة الوعيد للمصورين، وأنهم من أشد أهل النار عذابًا، وأنه لا فرق بين تصوير ما له ظل وما لا ظل له.

قال الخطابي: إنما عظمت عقوبة المصور؛ لأن الصور كانت تُعْبَد من دون الله، ولأن النظر إليها يفتن، وبعض النفوس إليها تميل.

قال: والمراد بالصور هنا التماثيل التي لها روح، انتهى.

الحديث السادس: عن أبي وائل عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجلٌ قتله نبي أو قتل نبيًّا، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين))؛ رواه الإمام أحمد.

الحديث السابع: عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد روي عنه من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: عن سعيد بن أبي الحسن قال كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال: يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإنما أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: ((مَن صور صورة فإن الله مُعَذِّبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخٍ فيها أبدًا))، فربا الرجل ربوةً شديدة واصفرَّ وجهه فقال:((ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح))؛ رواه الإمام أحمد والشيخان، وهذا لفظ البخاري.

ص: 43

ولفظ مسلم قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إني رجل أصوِّر هذه الصور فأفتني فيها، فقال له: ادنُ منِّي، فدنا منه ثم قال: ادنُ منِّي، فدنا حتى وضع يده على رأسه قال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس فتعذبه في جهنم))، وقال: إن كنت لا بُدَّ فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له.

الوجه الثاني: عن النضر بن أنس بن مالك قال كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما وهو يفتي الناس لا يسند إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من فتياه، حتى جاءه رجل من أهل العراق فقال: إني رجل من أهل العراق، وإني أصور هذه التصاوير، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ادنُهْ، إمَّا مرتين أو ثلاثًا، فدنا فقال له ابن عباس رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((مَن صور صورة في الدنيا يكلف الله يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح وليس بنافخ))؛ رواه الإمام أحمد والشيخان والنسائي، وهذا لفظ أحمد.

الوجه الثالث: عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن صوَّر صورةً عُذِّب وكُلِّف أن ينفخ فيها، وليس بنافخ))؛ رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي والنسائي، وهذا لفظ البخاري.

ولفظ الترمذي: ((مَن صور صورةً عذَّبه الله حتى ينفخ فيها - يعني: الروح - وليس بنافخ فيها))، ثم قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ص: 44

الحديث الثامن: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن صوَّر صورةً كُلِّف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ))؛ رواه الإمام أحمد والنسائي.

وفي هذا الحديث والذي قبله من الفوائد تحريم التصوير، وأنه من الكبائر للوعيد عليه بالنار، وأن التحريم عامٌّ في كل صورة من صور ذوات الأرواح؛ لأن قوله:((صورة)) نكرة في سياق الشرط فتعم المجسدة وغير المجسدة والتامة والناقصة إذا كان فيها الرأس.

ويدخل في العموم تصوير الوجه وحده؛ لإطلاق الصورة عليه لغة وشرعًا كما سيأتي تقريره - إن شاء الله تعالى.

وفيهما أيضًا تعذيب المصورين وتعجيزهم والرد على صاحب الأغلال.

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما جواز تصوير الشجر ونحوه مما لا روح فيه.

وفي هذه المسألة خلاف بين العلماء وقول المانعين أحوط.

ومن أقوى ما يُحْتَجُّ لهم به حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يقول الله عز وجل: ومَن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة))؛ متفق عليه، فقوله في هذا الحديث:"يخلق خلقًا كخلقي" يعمُّ ذوات الأرواح والشجر وغيره ويعمُّ الصور التامة والناقصة.

ويدخل في عمومه تصوير اليد وحدها، والرجل وحدها، وما سواهما من الأعضاء؛ لأن الجميع من خلق الله - تعالى.

ص: 45