المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه الخامس والعشرون - إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان - ت عفيفي

[ابن القيم]

الفصل: ‌الوجه الخامس والعشرون

لسانه بغير قصد منه الا مجرد السبب أو جزؤه بدون شرطه وانتفاء مانعه وذلك غير كاف في ثبوت الحكم والله اعلم

"‌

‌الوجه الخامس والعشرون

" انه لو سبق لسانه بالطلاق ولم يرده دين فيما بينه وبين الله تعالى ويقبل منه ذلك في الحكم في احدى الروايتين عن احمد الا ان تكذبه قرينه والرواية الاخرى يدين ولا يقبل في الحكم وكذلك قال أصحاب الشافعي إذا سبق الطلاق إلى لسانه بغير قصد فهو لغو ولكن لا تقبل دعوى سبق اللسان الا إذا ظهرت قرينة تدل عليه فقبلوا منه في الباطن دون الحكم الا بقرينة وكذلك قال اصحاب مالك: من سبق لسانه إلى الطلاق لم يقع عليه الطلاق قالوا: ويقبل في الفتوى. وابو حنيفة لا يرى سبق اللسان مانعا من وقوع الطلاق وعنه في سبق اللسان في العتق روايتان وقرر اصحابه بان المراة تملك بضعها لسبب يستوي فيه القصد وعدم

ص: 68

القصد كالسكران والمكره والهازل وكالرضاع بالاتفاق فزوال البضع لا يختلف في سببه القصد وعدم القصد بخلاف العتق فان السبب الذي يملك به نفسه يختلف فيه القصد وعدمه وروى ابو يوسف عن ابي حنيفة التسوية بينهما ثم اختلف اصحابه فقالت طائفة هما سواء في الوقوع وقالت طائفة بل هما سواء في عدم الوقوع والمقصود ان سبق اللسان إلى الطلاق من غير قصد له مانع من وقوعه عند الجمهور والغضبان إذا علم من نفسه ان لسانه سبقه بالطلاق من غير قصد جاز له الاقامة على نكاحه ويدين في الفتوى واما قبوله في الحكم فيخرج على الخلاف والأظهر انه ان قامت قرينة ظاهرة تدل على صحة قوله قبل في الحكم والغضب الشديد من اقوى القرائن ولا سيما فان كثيرا ممن يطلق في شدة الغضب يحلف بالله جهد يمينه انه لم يقصد الطلاق وانما سبق لسانه وحينئذ فالجمهور لا يوقعون عليه الطلاق كما صرح به اصحاب احمد والشافعي ومالك. وفي قوله في القضاء ثلاثة أقوال اصحها انه ان قامت قرينة ظاهرة على صحة قوله قبل والا فلا

فصل

وما يبين أن الغضبان قد يتكلم في الغضب بما لا يريده ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله يقول: "إنما أنا بشر وإني اشترطت على ربي عز وجل أي عبد من المسلمين شتمته أبو سببته أن يكون ذلك له زكاة وأجرا"

ص: 69

وفي مسند الإمام احمد من حديث مسروق عن عائشة قالت: "دخل على النبي صلى الله عليه وسلم رجلان فاغلظ لهما وسبهما قالت فقلت: يا رسول الله لمن اصاب منك خير ما اصاب هذان منك خير قالت فقال "أو ما علمت ما عاهدت عليه ربي عز وجل قلت ايما مؤمن سببته أو جلدته أو لعنته فاجعلهما له مغفرة وعافية" وفي الصحيحين من حديث ابي هريرة انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم ايما عبد مؤمن سببته فاجعل ذلك قربة اليك يوم القيامة" وفي بعض الفاظ الحديث "انما انا بشر ارضى كما يرضى البشر واغضب كما يغضب البشر فايما مؤمن سببته أو لعنته فاجعلها له زكاة" فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم مريدا لما دعا به في الغضب لما شرط على ربه وساله ان يفعل بالمدعو عليه ضد ذلك اذ من الممتنع اجتماع إرادة الضدين وقد صرح بإرادة احدهما مشترطا على ربه فدل على عموم إرادته لما دعا به في الحال الغضب هذا وهو النبي صلى الله عليه وسلم معصوم الغضب كما هو معصوم الرضا وهو مالك لفظه بتصرفه فكيف بمن لم يعصمه في غضبه وتمليكه ويتصرف فيه غضبه ويتلاعب الشيطان به فيه وإذا كان الغضبان يتكلم بما لا يريده ولا يريد مضمونه فهو بمنزلة المكره الذي يلجا إلى الكلام أو يتكلم به باختياره ولا يريد مضمونه والله اعلم. "فان قيل": ما ذكر ثم معارض بما يدل على وقوع الطلاق فان الغضبان اتى بالسبب اختيارا واراد في حال الغضب ترتب اثره عليه ولا يضر عدم إرادته له في حال

ص: 70

رضاه اذ الاعتبار بالإرادة انما هو التلفظ بخلاف المكره فانه محمول على التكلم بالسبب غير مريد لترتب اثره عليه وبخلاف السكران المغلوب عقله فإنه غير مكلف والغضبان مكلف مختار فلا وجه لإلغاء كلامه. "فالجواب": ان يقال ان اريد بالاختيار رضاه به وايثاره له فليس بمختار وان اردتم انه يوقع بمشيئته وإرادته التي هو غير راض بها ولا باثرها فهذا بمجرده لا يوجب ترتب الاثر فان هذا الاختيار ثابت للمكره والسكران فانا لا نشترط في السكران ان لا يفرق بين الأرض والسماء بل المشترط في عدم ترتب اثر أقواله انه يهذي ويخلط في كلامه وكذلك المحموم والمريض وابلغ من هذا الصبي المراهق للبلوغ إذ هو من أهل الإرادة والقصد الصحيح ثم لم يترتب على كلامه أثره وكذلك من سبق لسانه بالطلاق ولم يرده فانه لا يقع طلاقه وقد أتى باللفظ في حال الاختيار غير سكره ولكن لم يقصده والغضبان وان قصده فلا حكم لقصده في حال الغضب لما تقدم من الأدلة الدالة على ذلك وقد صرح أصحابنا بان من كان جنونه لنشاف أو برسام لا يقع طلاقه ويسقط حكم تصرفه إن كانت معرفته غير ذاهبة بالكلية ولا يضره ان يذكر الطلاق وانه أوقعه وما ذكرناه من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ربه ان يجعل سبه لمن سبه في حال غضبه صريح في انه مريد له إذ لو أراده واختار لم يسأل ربه أن يفعل بالمدعو عليه ضد ما دعا به عليه إذ لا يتصور إرادة ضدين في حالة واحدة وهذا وحده كاف في المسالة فهذا ما ظهر في هذه المسألة بعد طول التأمل والفكر ونحن من وراء القبول والشكر لمن رد ذلك بحجة يجب المصير إليها ومن وراء الرد على من رد ذلك بالهوى والعناد والله المستعان وعليه التكلان "وصلى الله على سيد المرسلين" وخاتم النبيين وعلى اله وأصحابه وعترته وأنصاره صلاة دائمة بدوام ملك الله عز وجل تم نسخها على يد حامد بن أديب التقي لقبا الأثري مذهبا في أواخر رمضان سنة 1327

ص: 71

المطلقة

قصيدة لاديب العراقي معروف افندي الرصافي في الانتصار لمذهب المؤلف وشيخه عليهما رحمة الرحمة والرضوان.

بدت كالشمس يحضنها الغروب

فتاة راع نضرتها الشحوب

منزهة عن الفحشاء خود

من الخفرات انسة عروب

نور تستجد بها المعالي

وتبلى دون عفتها العيوب

صفا ماء الشباب بوجنتيها

فحامت حول رونقه القلوب

ولكن الشوائب ادركته

فعاد وصفوه كدر مشوب

ذوي منها الجمال الغض وجدا

وكاد يجف ناعمه الرطيب

اصابت من شيبتها الليالي

ولم يدرك ذؤابتها المشيب

وقد خلب العقول لها جبين

تلوح على اسرته النكوب

الا ان الجمال إذا علاه

نقاب الحزن منظره عجيب

حليلة طيب الاعراق زالت

به عنها وعنه بها الكروب

رعى ورعت فلم تر قط منه

ولم ير قط منها ما يريب

توثق حبل ودهما حضورا

ولم ينكث توثقه المغيب

فغاضب زوجها الخلطاء يوما

بامر للخلاف به نشوب

فاقسم بالطلاق لهم يمينا

وتلك النية خطا وحوب

وطلقها على جهل ثلاثا

كذلك يجهل الرجل الغضوب

وافتى بالطلاق طلاق بت

ذوو فتيا تعصبهم عصيب

فبانت عنه لم تات الدنايا

ولم يعلق بها الذام المعيب

ص: 73

فظلت وهي باكية تنادي

بصوت منه ترتجف القلوب

لماذا يا نجيب صرمت حبلي

وهل اذنبت عندك يا نجيب

ومالك قد جفوت جفاء قال

وصرت إذا دعوتك لا تجيب

ابن ذنبي الي فدتك نفسي

فاني عنه بعدئذ اتوب

اما عاهدتني بالله ان لا

يفرق بيننا الا شعوب

لئن فارقتني وصددت عني

فقلبي لا يفارقه الوجيب

وما ادماه ترتع حول روض

ويرتع خلفها رشا ربيب

فما لفتت اليه الجيد حتى

تخطفه بازمتيه ذيب

فراحت من تحرقها عليه

بداء مالها فيه طبيب

تشم الارض تطلب منه ريحا

وتنجب والبغام هو النحيب

وتمزع في الفلاة لغير وجه

وأونة لمصرعه تؤوب

باجزع من فؤادي يوم قالوا

برغم منك فارقك الحبيب

فاطرق راسه خجلا واغضى

وقال ودمع عينيه سكوب

نجيبة اقصري عني فاني

كفاني من لظي الندم اللهيب

وما والله هجرك باختياري

ولكن هكذا جرت الخطوب

فليس يزول حبك من فؤادي

وليس العيش دونك لي يطيب

ولا اسلو هواك وكيف اسلو

هوى كالروح في له دبيب

سلي عني الكواكب وهي تسري

بجنح الليل تطلع أو تغيب

فكم غالبتها بهواك سهدا

ونجم القطب مطلع رقيب

خذي من نور "رنتجن" شعاعا

به للعين تنكشف الغيوب

والقيه بصدري وانظريني

ترى قلبي عليك به ندوب

وما المكبول القى في خضم

به الامواج تصعد أو تصوب

فراح يغطه التيار غطا

إلى ان تم فيه له الرسوب

باهلك يا ابنة الامجاد مني

إذا أنا لم يعد بك لي نصيب

ص: 74

الا قل في الطلاق لموقعيه

بما في الشرع ليس له وجوب

غلوتم في ديانتكم غلوا

يضيق ببعضه الشرع الرحيب

اراد الله تيسيرا وانتم

من التعسير عندكم ضروب

وقد حلت بامتكم كروب

لكم فيهن لا لهم الذنوب

وهي حبل الزواج ورق حتى

كاد إذا نفخت له يذوب

كخيط من لعاب الشمس ادلت

به في الجو هاجرة حلوب

يمزقه من الافواه نفث

ويقطعه من النسم الهبوب

فدى "ابن القيم" الفقهاء كم قد

دعاهم للصواب فلم يجيبوا

ففي "اعلامه" للناس رشد

ومزدجر لمن هو مستريب

نحا فيما اتاه طريق علم

نحاها شيخه الحبر الاديب

وبين حكم دين الله لكن

من الغالين لم تعه القلوب

لعل الله يحدث بعد امرا

لنا فيخيب منهم من يخيب

ص: 75