المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

"احدها" إن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله بحيث لا يتغير عليه - إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان - ت عفيفي

[ابن القيم]

الفصل: "احدها" إن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله بحيث لا يتغير عليه

"احدها" إن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه ويعلم ما يقول وما يقصده فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده ولا سيما إذا وقع منه ذلك بعد تردده فكره "القسم‌

‌ الثاني

" أن يبلغ به الغضب نهايته بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة فلا يعلم ما يقول ولا يريده فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه كما تقدم والغضب غول العقل فإذا اغتال الغضب عقله حتى لم يعلم ما يقول فلا ريب انه لا ينفذ شيء من أقواله في هذه الحالة فإن أقوال المكلف إنما مع علم القائل بصدورها منه ومعناها وإرادته للتكلم بها. "فالأول" يخرج النائم والمجنون والمبرسم والسكران وهذا الغضبان "والثاني" يخرج من تكلم باللفظ وهو لا يعلم معناه البتة فإنه لا يلزم مقتضاه "والثالث" يخرج من تكلم به مكرها وان كان عالما بمعناه. "القسم الثالث" من توسط في الغضب بين المرتبتين فتعدى مبادئه ولم ينته إلى أخره بحيث صار كالمجنون فهذا موضع الخلاف ومحل النظر والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده التي يعتبر فيها الاختيار والرضا وهو فرع من الاغلاق كما فسره به الأئمة وقد ذكرنا دلالة الكتاب على ذلك من وجوه.

"وأما دلالة السنة" فمن وجوه "أحدهما" حديث عائشة وقد تقدم ذكر وجه دلالته.

"الثاني" ما رواه احمد والحاكم في مستدركه من حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين".

ص: 39

وهو حديث صحيح وله طرق وجه الاستدلال به أنه صلى الله عليه وسلم الغي وجوب الوفاء بالنذر إذا كان في حال بالغضب مع أن الله "سبحانه وتعالى" اثنى على الموفين بالنذور وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناذر لطاعة الله بالوفاء بنذره. وقال "من نذر أن يطيع الله فليطعمه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه".

ص: 40

فإذا كان النذر الذي أثنى الله من أوفى به وأمر رسوله بالوفاء بما كان منه طاعة قد اثر الغضب في انعقاده لكون الغضبان لم يقصده وإنما حمله على بيانه الغضب فالطلاق بطريق الأولى والأخرى فإن قيل: فكيف رتب عليه كفارة اليمين "قيل" ترتب الكفارة عليه لا يدل على ترتب موجبه ومقتضاه عليه والكفارة لا تستلزم التكليف ولهذا تجب في مال الصبي والمجنون إذا قتلا صيدا أو غيره وتجب على قاتل الصيد ناسيا أو مخطئا وتجب على من وطئ في نهار رمضان ناسيا عند الأكثرين فلا يلزم من ترتب الكفارة اعتبار كلام الغضبان وهذا هو الذي يسميه الشافعي نذر الغلق ومنصوصه عدم وجوب الوفاء به إذا حلف به بل يخير بينه وبين الكفارة. وحكى له قول آخر بتعين الكفارة عينا وقول آخر بعين الوفاء به إذا حنث كما يلزمه الطلاق والعتاق وهذا قول مالك واشهر الروايتين عن أبي حنيفة

ص: 41