الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا كان هذا السبب واثره من الجاء الشيطان لم يكن من اختيار العبد فلا يترتب عليه حكمه
فصل
فاما دلالة السنة فمن وجوه
أحدها
حديث عائشة المتقدم وهو قوله "لا طلاق ولا عتاق في اغلاق". وقد اختلف في الاغلاق فقال اهل الحجاز: هو الاكراه. وقال اهل العراق: هو الغضب وقالت طائفة: هو جمع الثلاث بكلمة واحدة. حكى الأقوال الثلاثة صاحب كتاب مطالع الانوار وكان الذي فسره بجمع الثلاث اخذه من التغليق وهو ان المطلق غلق طلاقه كما يغلق صاحب الدين ما عليه وهو من غلق الباب فكأنه اغلق على نفسه باب الرحمة بجمعه الثلاث فلم يجعل له الشارع ذلك ولم يملكه اياه رحمة به انما ملكه طلاقا يملك فيه الرجعة بعد الدخول وحجر عليه في وقته ووضعه وقدره. فلم يملكه اياه في وقت الحيض ولا في وقت طهر جامعها فيه ولم يملكه ان يبينها بغير عوض بعد الدخول فيكون قد غير صفة الكلام وهذا عند الجمهور فلو قال لها: انت طالق طلقة لا رجعة لي فيها أو طلقة بائنة لغا ذلك وثبتت له الرجعة وكذلك لم يملكه جمع الثلاث في
مرة واحدة بل حجر عليه في هذا وهذا وكان ذلك من حجة من لم يوقع الطلاق المحرم ولا الثلاث بكلمة واحدة لانه طلاق محجور على صاحبه شرعا وحجر الشارع يمنع نفوذ التصرف وصحته كما يمنع نفوذ التصرف في العقود المالية فهذه حجة من اكثر من ثلاثين حجة ذكروها على كلام وقع الطلاق المحجور على المطلق فيه. والمقصود هاهنا ان هؤلاء فسروا الاغلاق بجمع الثلاث لكونه اغلق على نفسه باب الرحمة الذي لم يغلقه الله عليه الا في المرة الثالثة "واما الآخرون" فقالوا: الإغلاق مأخوذ من إغلاق الباب وهو ارتاجه واطباقه فالأمر المغلق ضد الأمر المنفرج والذي أغلق عليه الأمر ضد الذي فرج له وفتح عليه فالمكره "مكرر" الذي اكره على أمر إن لم يفعله وإلا حصل له من الضرر ما اكره عليه قد أغلق عليه باب القصد والإرادة لما اكره عليه فالإغلاق في حقه بمعنى أغلاق أبواب القصد والإرادة له فلم يكن قلبه منفتحا لإرادة القول والفعل الذي اكره عليه ولا لاختيارهما فليس مطلق الإرادة والاختيار بحيث إن شاء طلق وان شاء لم يطلق وان شاء تكلم وان شاء لم يتكلم بل أغلق عليه باب الإرادة إلا للذي قد اكره عليه. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن
شئت ولكن ليعزم المسالة فان الله لا مكره له" فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لا يفعل إلا إذا شاء بخلاف المكره الذي يفعل ما لا يشاؤه فانه لا يقال يفعل ما يشاء إلا إذا كان مطلق الدواعي وهو المختار وأما من الزم بفعل معين فلا ولهذا يقال المكره غير مختار ويجعل قسيم المختار لا قسما منه ومن سماه مختارا فانه يعني أن له إرادة واختيارا بالقصد الثاني فانه يريد الخلاص من الشر ولا خلاص له إلا بفعل ما اكره عليه فصار مريدا له بالقصد الثاني لا بالقصد الأول والغضبان الذي يمنعه الغضب من معرفة ما يقول وقصده فهذا من أعظم الاغلاق وهو في هذا الحال بمنزلة المبرسم والمجنون والسكران بل أسوأ حالا من السكران لان السكران لا يقتل نفسه ولا يلقي ولده من علو والغضبان يفعل ذلك وهذا لا يتوجه فيه نزاع انه لا يقع طلاقه والحديث يتناول هذا القسم قطعا. وحينئذ فنقول الغضب ثلاثة أقسام: