الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة يونس
سورة (يونس) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.
وهي مكية إلا ثلاث آيات، وهي قوله سبحانه وتعالى:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ..} . إلخ الآية رقم [94، 95، 96].
قاله ابن عباس-رضي الله عنهما، وقيل: غير ذلك، وهي مائة وتسع آيات، وألف وثمانمائة، واثنتان وثلاثون كلمة. وتسعة آلاف وتسعة وتسعون حرفا. انتهى. خازن. وانظر شرح الاستعاذة والبسملة وإعرابهما في أول سورة (يوسف) على نبينا وحبيبنا وعليه ألف صلاة وألف سلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1)}
الشرح: {الر} : قال ابن عباس والضحاك-رضي الله عنهما-معناه (أنا الله أرى)، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-في رواية أخرى عنه:{الر،} و {حم،} و {ن} حروف متقطعة، مجموعها (الرحمن)، وبه قال سعيد بن جبير، وسالم بن عبد الله. وقال النحاس:
ورأيت أبا إسحاق يميل إلى هذا القول؛ لأن سيبويه قد حكى مثله عن العرب، وأنشد قول لقيم بن أوس أحد بني ربيعة بن مالك لامرأته، وهو الشاهد رقم (1811) من شواهد همع الهوامع المخطوط لديّ، وأسأل الله التوفيق لطبعه:[الرجز]
إن شئت أشرفنا كلانا فدعا
…
الله جهدا ربّه، فأسمعا
بالخير خيرات، وإن شرّا فعا
…
ولا أريد الشرّ إلاّ أن تعا
إذ المعنى: إن شئت صعدت أنا وأنت مكانا عاليا، ودعونا الله جهدنا، وسألنا أن يعامل كلا منا بما يستحق: المحسن يجزيه بإحسانه، والمسيء يجزيه بإساءته، ولا أريد الشر والدعاء به، إلا أن ترغبي فيه، وتأبى المعروف والخير.
هذا وقال الحسن وعكرمة: {الر} قسم، وقال سعيد عن قتادة:{الر} اسم للسورة، وقال مجاهد: هي فواتح السور، وقال محمد بن زيد: هي تنبيه، وكذا حروف التهجي. انتهى قرطبي، وخازن بتصرف كبير مني، وانظر: ما ذكرته في أول سورة (البقرة) إن أردت الزيادة.
{تِلْكَ} : الإشارة إلى ما تضمنته السورة الكريمة، أو القرآن، وإنما أدخلت اللام على اسم الإشارة، وهي للبعد، والسورة الكريمة، أو القرآن الكريم في متناول اليد؛ وذلك للإيذان بعلو شأنه، وكونه في الغاية القصوى من الفضل والشرف، وعلو المكانة؛ فكأنه بسبب ذلك بعيد كل البعد. {آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ}: المحكم بالحلال، والحرام، والحدود، والأحكام، فهو فعيل بمعنى: مفعول، وقيل: هو بمعنى الحاكم، فهو: فعيل بمعنى: فاعل؛ لأن القرآن حاكم يميز بين الحق والباطل، ويفصل بين الحلال والحرام، وقيل: هو بمعنى المحكوم فيه، أي: حكم الله فيه بالعدل والإحسان، وبالنهي عن الفحشاء والمنكر، وبالجنة لمن أطاعه، وبالنار لمن عصاه.
الإعراب: {الر} : في إعراب هذا اللفظ وجوه: الأول: أن محله الرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: هذه {الر} . أو هو مبتدأ خبره ما بعده. الثاني: أن محله النصب على أنه مفعول به لفعل محذوف، التقدير: اقرأ، أو اتل، أو هو منصوب على تقدير حذف حرف القسم، كما تقول: الله لأفعلن، والناصب فعل محذوف أيضا، التقدير: التزمت الله، أي: اليمين به، الثالث: أن محله الجر على القسم، وحرف الجر محذوف، وبقي عمله بعد الحذف؛ لأنه مراد، فهو كالملفوظ به، وتقدير الكلام على هذا: أقسم أو أحلف ب {الر،} وضعف هذا سليمان الجمل، فقال: وهذا ضعيف؛ لأن ذلك، أي: حذف الجار، وإبقاء عمله من خصائص الجلالة المعظمة، لا يشركها فيه غيرها، ولا محل لها من الإعراب على اعتبارها وأمثالها حروفا مقطعة، أو مختصرة من أسماء. {تِلْكَ}: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {آياتُ}: خبر المبتدأ، وهو مضاف، و {الْكِتابِ}: مضاف إليه. {الْحَكِيمِ} : صفة: {الْكِتابِ،} وفاعله، أو نائب فاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية ابتدائية لا محل لها، أو هي في محل نصب مفعول به لفعل محذوف، التقدير: اقرأ أو اتل
…
إلخ، أو هي في محل رفع خبر المبتدأ {الر} على وجه مر ذكره.
الشرح: {أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ} أي: لا يحق لهم أن يعجبوا من إرسال رسول منهم للناس، والمراد بالناس: أهل مكة، وانظر الآية رقم [82](الأعراف)، وانظر العجب في الآية رقم [63] منها. {رَجُلٍ مِنْهُمْ} أي: من بعض رجالهم، لكنه ليس من عظمائهم، والمراد به: سيد الخلق، وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم، هذا؛ وقرئ شاذا برفع «(عجب)». {أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ}: خوفهم عقاب الله وانتقامه منهم، إن هم أصروا على الكفر، ومخالفة أوامر الله تعالى. {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} أي: بشرهم برضا الله، ورضوانه، وجنة عرضها الأرض والسموات، هذا؛ وعمم سبحانه
الإنذار لجميع الناس؛ لأنه قل أن يوجد فيهم من لا يستحق الإنذار والتخويف، وخصص البشارة بالمؤمنين؛ إذ لا يستحق الكافرون والفاجرون والفاسقون أن يبشروا بخير. {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ}:
اختلف في معنى {قَدَمَ صِدْقٍ} اختلافا كثيرا، فقيل: منزلة رفيعة، قال ذو الرمة:[الطويل]
لنا قدم، لا ينكر النّاس أنّها
…
مع الحسب العاديّ طمّت على البحر
وقال مقاتل: أعمالا صالحة قدّموها، قال الوضاح اليشكري:[المنسرح]
صلّ لذي العرش، واتّخذ قدما
…
تنجيك يوم العثار والزّلل
وقيل: إنه كناية عن السعي في العمل الصالح، فكنى عنه بالقدم، كما يكنى عن الإنعام باليد، وعن الثناء باللسان، قال حسان رضي الله عنه:[الطويل]
لنا القدم العليا إليك وخلفنا
…
لأوّلنا في طاعة الله تابع
وقال ابن الاعرابي: القدم: التقدم في الشرف، قال العجاج:[الرجز]
زلّ بنو العوّام عن آل الحكم
…
وتركوا الملك لملك ذي قدم
وقيل: هو ولد صالح قدموه، وقال الحسن وقتادة: هو محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه شفيع مطاع يتقدمهم، كما قال:«أنا فرطكم على الحوض» . وقد سئل صلى الله عليه وسلم، فقال:«هي شفاعتي توسّلون بي إلى ربّكم» . {عِنْدَ رَبِّهِمْ} : الإضافة إضافة تشريف وتكريم، {لَساحِرٌ}: ويقرأ: «(سِحر)» فالأول وصف للرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما نسبوه إلى السحر لما أتاهم بالمعجزات الباهرات التي لا يقدر أحد من البشر أن يحصل مثلها، والثاني: وصف للقرآن الكريم، وإنما نسبوه إلى السحر لأن فيه الإخبار بالبعث والنشور، وكانوا ينكرون ذلك، وانظر شرح السحر في الآية رقم [109](الأعراف).
الإعراب: {أَكانَ} : الهمزة: حرف استفهام وتوبيخ وإنكار. (كان): فعل ماض ناقص.
{لِلنّاسِ} : متعلقان بمحذوف حال من {عَجَباً} كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا على القاعدة «نعت النكرة إذا تقدم عليها، صار حالا» ، وقيل: متعلقان ب (كان). وقيل: متعلقان ب {عَجَباً} لأنه مصدر، وهو ضعيف. {عَجَباً}: خبر (كان) مقدم. {كانَ} : حرف مصدري ونصب. {أَوْحَيْنا} : فعل وفاعل، {إِلى رَجُلٍ}: متعلقان بالفعل قبلهما، {مِنْهُمْ}: متعلقان بمحذوف صفة: {رَجُلٍ} . و {كانَ} والفعل {أَوْحَيْنا} : في تأويل مصدر في محل رفع اسم (كان) مؤخر، هذا؛ وعلى قراءة رفع:«(عجب)» فهو اسم (كان)، والمصدر المؤول خبرها وفيه الإخبار عن النكرة بالمعرفة، وهو ضعيف، {كانَ}: مفسرة. {أَنْذِرِ} : أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» ، {النّاسَ}: مفعول به، والجملة الفعلية مفسرة للإيحاء، هذا؛ وقيل: إن {كانَ} مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر بحرف جر محذوف، والأول أقوى. {وَبَشِّرِ}: أمر، وفاعله «أنت». {الَّذِينَ}: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. وجملة: {آمَنُوا}
مع المتعلق صلة الموصول لا محل لها، وجملة:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} معطوفة على ما قبلها على الوجهين المعتبرين فيها. {كانَ} : حرف مشبه بالفعل. {لَهُمْ} : متعلقان بمحذوف خبر أن تقدم على اسمها. {قَدَمَ} : اسمها مؤخر، و {قَدَمَ}: مضاف، و {صِدْقٍ}: مضاف إليه، من إضافة الموصوف إلى الصفة {عِنْدَ}: ظرف مكان متعلق بمحذوف صفة: {قَدَمَ صِدْقٍ،} و {عِنْدَ} :
مضاف، و {رَبِّهِمْ}: مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة، و {كانَ} واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (بشر).
التقدير: بشر
…
إلخ، بكونهم لهم قدم
…
إلخ. {قالَ} : ماض. {الْكافِرُونَ} : فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد؛ {كانَ}: حرف مشبه بالفعل. {هذا} : الهاء: حرف تنبيه لا محل له. (ذا): اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب اسم {كانَ} . {لَساحِرٌ} : اللام: هي المزحلقة. (ساحر):
خبر {كانَ} . {مُبِينٌ..} .: صفته، والجملة الاسمية:{إِنَّ هذا..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. تأمل، وتدبر. وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الشرح: {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} : خصهما بالذكر؛ لأنهما أعظم المخلوقات، فيما يرى العباد، وجمع السموات دون الأرض، وهي مثلهن؛ لأن طبقاتها مختلفة بالذات، متفاوتة بالصفات، والآثار والحركات، وقدمها لشرفها وعلو مكانها، وتقدم وجودها؛ ولأنها متعبد الملائكة، ولم يقع فيها معصية كما في الأرض، وانظر {خَلَقَ} في الآية رقم [5]. {فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ}: انظر الآية رقم [54](الأعراف)، ففيها الكفاية، وانظر {ثُمَّ} في الآية رقم [103] منها. {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}: يقضيه ويقدره وحده، لا يشركه في تدبير خلقه أحد، وقيل: معناه أنه سبحانه وتعالى، يدبر أحوال الخلق، وأحوال ملكوت السموات والأرض، فلا يحدث حدث في العالم العلوي، ولا في العالم السفلي إلا بإرادته وتدبيره وقضائه وحكمته.
{ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} أي: لا يشفع عنده شافع يوم القيامة، إلا من بعد أن يأذن الله له في الشفاعة، وانظر آية الكرسي، وانظر الشفاعة في الآية رقم [53] (الأعراف). {ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ} أي: الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهية والربوبية لا يشركه أحد في شيء من ذلك. {فَاعْبُدُوهُ} : وحدوه، وانظر العبادة في الآية رقم [112]، التوبة، {تَذَكَّرُونَ}: تتفكرون أدنى تفكر، فينبهكم على أنه المستحق للربوبية والعبادة، لا ما تعبدونه من الأوثان وغيرها،
وأصل الفعل: تتذكرون فحذفت إحدى التاءين، وهذا الحذف كثير ومستعمل في القرآن الكريم وفي الكلام العربي. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {إِنَّ} : حرف مشبه بالفعل. {رَبَّكُمُ} : اسم {إِنَّ،} والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {اللهُ}: خبر {إِنَّ} . {الَّذِي} :
اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة لفظ الجلالة، أو هو بدل منه، وجملة:
{خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ} : صلة الموصول لا محل لها، وجملة:{اِسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} معطوفة على جملة الصلة، لا محل لها مثلها، وجملة:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} في محل نصب حال من فاعل {اِسْتَوى} المستتر، والرابط: رجوع الفاعل إليه. أو هي في محل رفع خبر ثان ل {إِنَّ} .
أو هي مستأنفة لا محل لها. {ما} : نافية. {مِنْ} : حرف جر صلة. {شَفِيعٍ} : مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
{إِلاّ} : حرف حصر. {مِنْ بَعْدِ} : متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، و {بَعْدِ} مضاف، و {إِذْنِهِ}: مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية:{ما مِنْ شَفِيعٍ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {ذلِكُمُ} : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له، والميم علامة جمع الذكور. {اللهُ}: خبره.
{رَبَّكُمُ} : بدل مما قبله، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية:{ذلِكُمُ..} .
إلخ مستأنفة لا محل لها. {فَاعْبُدُوهُ} : الفاء: حرف عطف على رأي: من يجيز عطف الإنشاء على الخبر، وابن هشام يعتبرها للسببية المحضة، وأراها الفاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ذلك واقعا وحاصلا فاعبدوه. (اعبدوه): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والهاء مفعول به، وجملة (اعبدوه) لا محل لها على جميع الوجوه المعتبرة بالفاء {أَفَلا}: الهمزة: حرف استفهام وتوبيخ وتقريع، الفاء: حرف عطف. (لا):
نافية. {تَذَكَّرُونَ} : مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون
…
إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية:{أَفَلا تَذَكَّرُونَ} مستأنفة مع الجملة المقدرة المعطوفة عليها على القول الثاني في الفاء، ومعطوفة على ما قبلها على القول الأول في الفاء. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.
الشرح: {إِلَيْهِ} : إلى الله. {مَرْجِعُكُمْ} : رجوعكم إلى الله. وهذا يكون بالموت أولا، ثم بالبعث والحشر والنشور ثانيا. {وَعْدَ اللهِ حَقًّا} أي: وعد على هذا الرجوع وعدا صادقا،
لا خلف فيه. فاستعدوا للقائه، وقرئ شاذا برفع المصدرين. {إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} أي: من النطفة المذرة. {ثُمَّ يُعِيدُهُ} : يوم القيامة بعد موته، وإهلاكه، وتناثر جميع أجزائه، وقرئ شاذا بفتح همزة «أنه» ، وإعلال {يُعِيدُهُ} مثل إعلال (يصيب) في الآية رقم [51]، من سورة (التوبة). {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ بِالْقِسْطِ} أي: بعدله سبحانه وتعالى، أو بعدالتهم، وقيامهم على العدل في أمورهم، أو بإيمانهم؛ لأنه العدل القويم، كما أن الشرك ظلم عظيم، وهو الأوجه لمقابلته بما بعده. انتهى. بيضاوي بتصرف. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ} أي: ماء حار قد انتهى حره. {وَعَذابٌ أَلِيمٌ} أي: موجع يخلص وجعه إلى قلوبهم، وانظر الآية رقم [39] من سورة (التوبة)، {بِما كانُوا يَكْفُرُونَ} أي: بسبب كفرهم.
قال البيضاوي: فإن معناه: ليجزي الذين كفروا بشراب من حميم، وعذاب أليم بسبب كفرهم، لكنه غير النظم للمبالغة في استحقاقهم للعقاب، والتنبيه على أن المقصود بالذات من الإبداء والإعادة هو الإثابة، والعقاب واقع بالعرض، وأنه تعالى يتولى إثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه؛ ولذلك لم يعينه، وأما عقاب الكفرة فكأنه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم، وشؤم أفعالهم. انتهى.
وقال القرطبي: وكان معظم قريش يعترفون بأن الله خالقهم، فاحتج عليهم بهذا، فقال: من قدر على الابتداء، قدر على الإعادة بعد الإفناء، أو بعد تفريق الأجزاء. انتهى.
الإعراب: {إِلَيْهِ} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مَرْجِعُكُمْ} : مبتدأ مؤخر، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر الميمي لفاعله. {جَمِيعاً}: حال من الكاف والميم، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {وَعْدَ}: مفعول مطلق لفعل محذوف، مؤكد لنفسه؛ لأن قوله {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} وعد من الله، والجملة الفعلية الناجمة في محل نصب حال من الضمير المجرور محلا بقوله {إِلَيْهِ} وتكون (قد) قبلها مقدرة، أو هي مستأنفة لا محل لها، و {وَعْدَ}: مضاف، و {اللهِ}: مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله. {حَقًّا}: مفعول مطلق لفعل محذوف أيضا، مؤكد لغيره، وهو ما دل عليه وعد الله، والجملة الفعلية الناتجة مثل سابقتها. {إِنَّهُ}: حرف مشبه بالفعل، والهاء: اسمها، وجملة:{يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} : في محل رفع خبرها، والجملة الاسمية تعليل أو مستأنفة لا محل لها، هذا؛ وعلى فتح همزة (أنه) تؤول مع اسمها وخبرها بمصدر في محل جر بلام تعليل محذوفة، التقدير لكونه يبدأ الخلق، والجار والمجرور متعلقان بالمصدر {وَعْدَ} هذا؛ وعلى قراءة المصدرين بالرفع فهما مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية يقال فيها ما قلته باعتبار الفعلية في الجملتين الناتجتين. {ثُمَّ}: حرف عطف.
وجملة: {يُعِيدُهُ} معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها. {لِيَجْزِيَ}: مضارع منصوب ب «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل يعود إلى (الله)، و «أن» المضمرة والمضارع في تأويل
مصدر في محل جر بلام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالفعل {يُعِيدُهُ}. {الَّذِينَ}: مفعول به أول، والثاني محذوف، تقديره: جنات ونحوه، وجملة:{آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، وجملة:{وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} معطوفة عليها، وانظر الآية رقم [9] لا محل لها مثلها.
{بِالْقِسْطِ} : متعلقان بالفعل يجزي، وقيل: متعلقان بمحذوف حال من الموصول. {وَالَّذِينَ} :
الواو: حرف استئناف. (الذين): اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.
{كَفَرُوا} : فعل وفاعل، والألف للتفريق، وجملة:{كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول لا محل لها. {لَهُمْ} : متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {شَرابٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ (الذين). {مِنْ حَمِيمٍ}: متعلقان بمحذوف صفة:
{شَرابٌ} . {وَعَذابٌ} : معطوف على {شَرابٌ} . {أَلِيمٌ} : صفته، والجملة الاسمية:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {بِما} الباء: حرف جر. (ما): مصدرية. {كانُوا} :
ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق، وجملة:{يَكْفُرُونَ} : في محل نصب خبر (كان)، و (ما) المصدرية والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة:{شَرابٌ،} و {وَعَذابٌ،} أو بمحذوف حال منهما بعد وصفهما بما تقدم، والأول أقوى؛ لأنهما مرفوعان بالابتداء، هذا؛ وقيل: إن الذين معطوف على ما قبله، فهو منصوب مثله، وهو ضعيف.
الشرح: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً} أي: مضيئة، أو ذات ضياء، وهو مصدر كقيام، أو هو جمع ضوء كسياط وسوط، وحياض وحوض، فالياء منقلبة عن واو لمناسبة الكسرة قبلها، هذا؛ والفعل (أضاء) يستعمل لازما ومتعديا، فمن الأول قوله تعالى:{كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ،} ومن الثاني قوله تعالى: {فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ} وله مصدر آخر هو (الضوء) بضم الضاد وفتحها. {وَالْقَمَرَ نُوراً} أي: ذا نور، وسمي نورا للمبالغة، وهو أعم من الضوء، وقيل: ما بالذات ضوء، وما بالعرض نور، وقد نبه سبحانه وتعالى بذلك على أنه خلق الشمس نيرة في ذاتها، والقمر منيرا بعرض مقابلة الشمس، والاكتساب منها. وانظر الآية رقم [33] من سورة (إبراهيم) عليه السلام. {وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ} أي: قدر له منازل. فلما حذف الجار اتصل الضمير بالفعل، والضمير يرجع إلى الشمس والقمر، والمعنى: قدر لهما منازل، أو قدر لسيرهما منازل، لا يجاوزانهما في السير، ولا يقصران عنها، وإنما وحد الضمير للإيجاز، أو اكتفى بذكر أحدهما دون الآخر، فهو كقوله سبحانه وتعالى:{وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} الآية رقم [62]
من سورة (التوبة)، وقيل: يعود الضمير إلى القمر وحده؛ لأن سير القمر في المنازل أسرع، وبه يعرف انقضاء الشهور والسنين؛ لأن الشهور المعتبرة في الشرع مبنية على رؤية الأهلة، والسنة المعتبرة في الشرع هي السنة القمرية لا الشمسية، ومنازل القمر ثمان وعشرون منزلة وانظر ما ذكرته في الآية رقم [16] من سورة (الحجر) ففيها كبير فائدة. {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ}:
لتعرفوا حساب الشهور والأيام والسنين، وزيادتها، ونقصانها.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: لو جعل شمسين شمسا بالنهار، وشمسا بالليل، ليس فيهما ظلمة ولا ليل، لم يعلم عدد السنين، وحساب الشهور، هذا؛ والسنين: جمع سنة، وهي الحول والعام. وأصلها سنة، أو سنو، وتصغيرها سنية وسنيهة وسنينة، وتجمع جمع المذكر السالم، سنون وسنين، وجمع المؤنث السالم سنوات وسنهات.
{ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ} أي: ما أراد الله عز وجل بخلق ذلك إلا الحكمة والصواب، إظهارا لصنعته وحكمته، ودلالة على قدرته وعلمه، {وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} فهذا هو الحق. {يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}: تفصيل الآيات تبيينها، وتوضيحها ليستدل بها على قدرته تعالى لاختصاص الليل بظلامه، والنهار بضيائه من غير استحقاق لهما، ولا إيجاب، هذا؛ ويقرأ:{يُفَصِّلُ} بياء المضارعة، والنون مع نصب الآيات، كما يقرأ بتاء المضارعة، ورفع الآيات، وخص القوم الذين يعلمون بالذكر؛ لأنهم المنتفعون بالتأمل بتلك الآيات.
هذا؛ و (جعل) يأتي بمعنى: خلق وأنشأ.
قال البيضاوي-رحمه الله تعالى-الفرق بين (خلق) و (جعل) الذي له مفعول واحد، أن الخلق فيه معنى التقدير، والجعل فيه معنى التضمين؛ ولذلك عبر عن إحداث النور والظلمات بالجعل {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} تنبيها على أنهما لا يقومان بأنفسهما كما زعمت المجوس. انتهى.
الإعراب: {هُوَ} : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الَّذِي} : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبره، وجملة:{جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً} : صلة الموصول لا محل لها. {وَالْقَمَرَ نُوراً} : معطوفان على مفعولي {جَعَلَ،} وقيل: يجوز اعتبار {ضِياءً} حالا، واعتبار {جَعَلَ} بمعنى (خلق) نصب مفعولا واحدا، والتقدير: خلق الشمس ذات ضياء، فيكون تقدير: القمر ذا نور. {وَقَدَّرَهُ} : ماض، والفاعل يعود إلى الله، والهاء مفعول به على التوسع، و {مَنازِلَ}: ظرف مكان، أو هو منصوب بنزع الخافض، وقيل: التقدير: قدره ذا منازل، فيكون الفعل (قدر) قد نصب مفعولين، وعلى اعتبار الضمير منصوبا بنزع الخافض، فيكون {مَنازِلَ} مفعولا به، والجملة الاسمية:{هُوَ الَّذِي..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
{لِتَعْلَمُوا} : مضارع منصوب ب «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في
تأويل مصدر في محل جر بلام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالفعل:(قدّره). {عَدَدَ} :
مفعول به، وهو مضاف، و {السِّنِينَ}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {وَالْحِسابَ}: معطوف على ما قبله. {ما} : نافية. {خَلَقَ} : ماض. {اللهُ} : فاعل. {ذلِكَ} : اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {إِلاّ}:
حرف حصر. {بِالْحَقِّ} : متعلقان بمحذوف حال مستثنى من عموم الأحوال، التقدير: إلا ملتبسا بالحق. والجملة: {ما خَلَقَ اللهُ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {يُفَصِّلُ} : مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهُ،} وعلى قراءة: «(نفصّل)» فالفاعل مستتر تقديره «نحن» . {الْآياتِ} : مفعول به منصوب. وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. وعلى قراءة «(تفصّل)» بتاء المضارعة، فهو مبني للمجهول، و (الآيات) نائب فاعله. {لِقَوْمٍ}: متعلقان بالفعل (يفصّل). {يَعْلَمُونَ} : فعل وفاعل، والمفعول محذوف للتعميم، والجملة الفعلية في محل جر صفة:(قوم) وجملة: {يُفَصِّلُ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها، واعتبارها حالا من لفظ الجلالة لا يأباه المعنى. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الشرح: {إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} : اختلافهما بالذهاب والإياب، والزيادة والنقصان، وانظر شرح {(السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)} في الآية رقم [3]. {لَآياتٍ}: لدلالات، على قدرة الله تعالى، وانظر التقوى في الآية رقم [1] من سورة (الأنفال)، وإنما خص سبحانه المتقين بالذكر؛ لأنهم هم الذين يتفكرون، فيعتبرون ويتبصرون، و (قوم) هنا يشمل الرجال المتقين والنساء المتقيات بلا ريب ولا شك، هذا؛ وفي (ما) تغليب ما لا يعقل على من يعقل.
الإعراب: {إِنَّ} : حرف مشبه بالفعل. {فِي اخْتِلافِ} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {إِنَّ} مقدم، و {اِخْتِلافِ}: مضاف، و {اللَّيْلِ}: مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله.
{وَالنَّهارِ} : معطوف على {اللَّيْلِ} . {وَما} : اسم موصول مبني على السكون في محل جر معطوف على {اِخْتِلافِ،} والجملة الفعلية صلة (ما)، والعائد محذوف؛ إذ التقدير: وفي الذي خلقه الله في السموات والأرض. {لَآياتٍ} : (اللام): لام الابتداء. (آيات): اسم {إِنَّ} مؤخر منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. {لِقَوْمٍ}: متعلقان بمحذوف صفة (آيات). {يَتَّقُونَ} : فعل وفاعل، والمفعول محذوف، التقدير:(يتقون الله) والجملة الفعلية في محل جر صفة (قوم)، والجملة الاسمية:{إِنَّ فِي اخْتِلافِ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
الشرح: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا} : لا يتوقعونه لإنكارهم للبعث، وذهولهم بالمحسوسات عما وراءها. هذا؛ وأصل الرجاء: الأمل في الشيء والطماعية فيه، وما في الآية بمعنى: لا يخالفون، أفاده القرطبي، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي في صفة عسال، أي: الذي يقطف عسل النحل: [الطويل]
إذا لسعته الدّبر لم يرج لسعها
…
وخالفها في بيت نوب عواسل
وقيل: {لا يَرْجُونَ} هنا بمعنى يطمعون، ومنه قول سوّار بن المضرب السعدي، أحد بني سعد تميم، وكان قد هرب من الحجاج حين فرض البعث مع المهلب بن أبي صفرة لقتال الخوارج:[البسيط]
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي
…
وقومي تميم، والفلاة ورائيا
وقال بعض العلماء: لا يقع الرجاء بمعنى الخوف، إلا مع الجحد، أي: النفي، كقوله تعالى:{ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقاراً،} وقال بعضهم: بل يقع في كل موضع دل عليه المعنى، وهو المعتمد. {وَرَضُوا}: انظر الآية رقم [58](التوبة). {وَاطْمَأَنُّوا بِها} : سكنوا إلى الدنيا، وركنوا إليها وقصروا همهم على لذائذها وزخارفها. {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ}: لا يتفكرون بهذه الآيات ولا يتدبرونها؛ لانهماكهم في جمع الدنيا وحطامها، وانصرافهم إلى شهواتها، وانظر (نا) في الآية رقم [8] من سورة (هود) عليه السلام.
الإعراب: {إِنَّ} : حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ} : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم {إِنَّ} . {لا} : نافية. {يَرْجُونَ} : فعل وفاعل. {لِقاءَنا} : مفعول به، و (نا): في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف، وجملة:{لا يَرْجُونَ..} . إلخ صلة الموصول لا محل لها، وجملة:{وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا} : معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، وجملة:{وَاطْمَأَنُّوا بِها} : معطوفة على جملة الصلة لا محل لها أيضا. {وَالَّذِينَ} :
معطوف على اسم {إِنَّ} . {هُمْ} : ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {عَنْ آياتِنا} : متعلقان بما بعدهما، و (نا): في محل جر بالإضافة. {غافِلُونَ} : خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية:{هُمْ..} . إلخ صلة الموصول لا محل لها.
{أُولئِكَ مَأْواهُمُ النّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8)}
الشرح: {أُولئِكَ} : الإشارة إلى المذكورين في الآية السابقة. {مَأْواهُمُ} : مقرهم ومصيرهم وانظر الآية رقم [95](التوبة). {بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} أي: يعملون من الكفر والأعمال الخبيثة، هذا؛ والكسب عبارة عما يفيد جر منفعة، أو دفع مضرة، هذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يكسبه من دنياه لآخرته، ولكن الكافرون والفاسقون يكسبون في دنياهم ما يوردهم جهنم في الآخرة، وبئس المصير.
الإعراب: {أُولئِكَ} : اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب لا محل له. {مَأْواهُمُ}: مبتدأ ثان مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والهاء في محل جر بالإضافة. {النّارُ}: خبر المبتدأ الثاني، والجملة الاسمية:{مَأْواهُمُ النّارُ} في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{أُولئِكَ..} . إلخ في محل رفع خبر {إِنَّ} في الآية السابقة {بِما،} والباء: حرف جر. (ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، دل عليه الكلام، أي: جوزوا بالذي، أو بشيء كانوا يكسبونه، والعائد أو الرابط: محذوف، كما رأيت تقديره، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بسبب كسبهم، والجار والمجرور متعلقان بالفعل الذي رأيت تقديره، هذا؛ ولا يصح اعتبار (ما) موصولة ولا موصوفة في الآية رقم [4] كما رأيت هناك.
الشرح: {وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} : الأعمال الصالحات على اختلاف أنواعها، وتفاوت مراتبها. {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ} أي: يهديهم بسبب الإيمان إلى سلوك طريق يؤدي بهم إلى الجنة، أو يؤدي بهم لإدراك الحقائق، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم» . وقال مجاهد: يهديهم على الصراط إلى الجنة يجعل لهم نورا يمشون به، وقال قتادة: بلغنا أن المؤمن إذا خرج من قبره يصور له عمله في صورة حسنة، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك، فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة، والكافر بالضد فلا يزال به عمله حتى يدخله النار.
وقال ابن الأنباري: يجوز أن يكون المعنى أن الله يزيدهم هداية بخصائص، ولطائف، وبصائر ينور بها قلوبهم، ويزيل بها الشكوك عنهم. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ}:
انظر الآية رقم [72] التوبة ومعنى جريان الأنهار من تحتهم: أي: بين أيديهم ينظرون إليها من أعالي أسرتهم وقصورهم، وهذا أحسن في السرور والنزهة والفرجة، هذا؛ وينبغي أن نلاحظ أن السعادة السرمدية في الآخرة، لا يكون سببها الإيمان وحده، بل لا بد من العمل الصالح ودليل ذلك عطف العمل الصالح على الإيمان في كثير من الآيات القرآنية، وقد أطلت الكلام على هذا في رسالتي (الحج والحجاج في هذا الزمن).
الإعراب: {إِنَّ} : حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ} : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسمها، وجملة:{آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول. {وَعَمِلُوا} : ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. {الصّالِحاتِ}: صفة لمفعول به محذوف، كما رأيت في الشرح منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. {يَهْدِيهِمْ}: مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والهاء مفعول به. {رَبُّهُمْ}: فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، وجملة:{يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ} : في محل رفع خبر {إِنَّ} . {بِإِيمانِهِمْ} : متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {تَجْرِي}: مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل. {مِنْ تَحْتِهِمُ}: متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {الْأَنْهارُ}: فاعل، وجملة:{تَجْرِي..} . إلخ في محل رفع خبر ثان ل {إِنَّ،} أو في نصب حال من الضمير المنصوب، والرابط: الضمير فقط، أو هي مستأنفة لا محل لها. {فِي جَنّاتِ}: متعلقان بمحذوف خبر آخر ل {إِنَّ،} أو بمحذوف حال من الضمير المنصوب، أو من {الْأَنْهارُ،} أو هما متعلقان بالفعل (يهدي)، أو ب {تَجْرِي،} و {جَنّاتِ} :
مضاف، و {النَّعِيمِ}: مضاف إليه، والجملة الاسمية:{إِنَّ الَّذِينَ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
الشرح: {دَعْواهُمْ فِيها} أي: دعاؤهم في هذه الجنات التسبيح والتقديس للملك الجليل، وقيل:{دَعْواهُمْ} بمعنى سؤالهم، وذلك أنه إذا أراد المؤمنون أن يسألوا شيئا من نعيم الجنة أخرجوا السؤال بلفظ التسبيح. وقيل: هو نداؤهم الخدم ليأتوهم بما شاءوا، ثم سبحوا الله وقدسوه، هذا؛ و {سُبْحانَكَ} اسم مصدر. وقيل: مصدر مثل غفران، وليس بشيء؛ لأن الفعل (سبح) بتشديد الباء، والمصدر تسبيح، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله، مثل:
معاذ الله، وقد أجري علما على التسبيح بمعنى التنزيه على الشذوذ في قول الأعشى:[السريع]
قد قلت لمّا جاءني فخره
…
سبحان من علقمة الفاخر؟
وتصدير الكلام به اعتذار عن الاستفسار، والجهل بحقيقة الحال، ولذلك جعل مفتاح التوبة، فقال موسى على نبينا وعليه الصلاة والسّلام. {سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} وقال ذو النون-عليه السلام:{سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ،} وقد نزه الله ذاته في كثير من الآيات بنفسه تنزيها لائقا به. {اللهُمَّ} : انظر شرحه في الآية رقم [32](الأنفال). {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ} أي: يحيي بعضهم بعضا بالسلام، أو تحييهم الملائكة بالسلام، أو هي تحية الله لهم، هذا؛ والتحية مصدر حياه الله بتشديد الياء، وأصل معناه: الدعاء له بالحياة، ثم عم في كل كلام يلقيه بعض الناس على بعض بقصد الدعاء، كقولهم: أبيت اللعن، وانعموا صباحا، أو مساء، ونحو ذلك، ثم خصته الشريعة الإسلامية بكلام معين، وهو قول القائل: السّلام عليكم.
{وَآخِرُ دَعْواهُمْ..} . إلخ: أي: وآخر دعواهم على جميع اعتباراته وتفسيراته هو أن يحمدوا الله على ما أنعم به عليهم من صنوف النعم، وقرئ برفع (الحمد) ونصبه.
هذا؛ ويؤخذ من الآية الكريمة سنية بدء الطعام والشراب بتسبيح الله وتقديسه، وأفضل ذلك البسملة، وأن يختم طعامه وشرابه بالحمدلة.
الإعراب: {دَعْواهُمْ} : مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {فِيها}: متعلقان بدعواهم. {سُبْحانَكَ} :
مفعول مطلق لفعل محذوف، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر، أو اسم المصدر لفاعله، فيكون المفعول محذوفا، أو من إضافة المصدر لمفعوله، فيكون الفاعل محذوفا، والجملة الفعلية الحاصلة منه، ومن فعله المحذوف في محل رفع خبر المبتدأ، وعليه فالخبر هو نفس المبتدأ؛ لأن معنى دعائهم هو هذا اللفظ، مثل:(نطقي: حسبي الله)، وهذا عند الخليل وسيبويه، وقال الكسائي: هو منصوب على أنه نداء مضاف، والمعتمد الأول.
{اللهُمَّ} : منادى مفرد علم، مبني على الضم في محل نصب بيا النداء المحذوفة، والمعوض عنها الميم المشددة في الآخر، والجملة الندائية في محل نصب مفعول به للمصدر. {وَتَحِيَّتُهُمْ}:
مبتدأ، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله، أو لمفعوله، انظر الشرح.
{فِيها} : متعلقان بتحية لأنه مصدر. {سَلامٌ} : خبر لمبتدإ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها، الأولى بالاستئناف، والثانية بالاتباع. {وَآخِرُ}: مبتدأ، وهو مضاف، و {دَعْواهُمْ}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله. {أَنِ} مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف. {الْحَمْدُ}: مبتدأ {لِلّهِ} : متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. {رَبِّ} : صفة، أو بدل من:(الله). و {رَبِّ} مضاف، و {الْعالَمِينَ}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم
…
إلخ، وهذه الإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية:{الْحَمْدُ..} . إلخ في محل رفع خبر {أَنِ،} وعلى نصب: (الحمد)
فهو اسمها، و {لِلّهِ} خبرها، وعلى الاعتبارين فهي واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل رفع خبر آخر
…
إلخ، هذا؛ وقيل: إن {أَنِ} مفسرة والجملة بعدها لا محل لها؛ لأنها تفسيرية، ولا وجه له؛ لأن المبتدأ يبقى بلا خبر، والجملة الاسمية:{وَآخِرُ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
الشرح: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ..} . إلخ: المعنى ولو يعجل الله للناس إجابة طلبهم ودعائهم في الشر بما لهم فيه مضرة ومكروه في نفس أو مال، كما يحبون أن يعجل لهم إجابة دعائهم بالخير؛ لأهلكوا وماتوا جميعا، ولكن الله لطيف بعباده، رحيم بخلقه. لا يعجل لهم إجابة دعائهم في الشر، وإن عجل لهم إجابة دعائهم في الخير، والمراد بأجلهم: أجل حياتهم في الدنيا. {فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ..} . إلخ: أي: فنترك الكافرين الذين لا يخافون لقاءنا يترددون ويتحيرون في متاهات ضلالهم، وكفرهم وعنادهم، إمهالا، لا إهمالا، واستدراجا لهم.
هذا؛ والعمه: التحير والتردد، وهو قريب من العمى، لكن العمى يطلق على ذهاب نور العين، وعلى الخطأ في الرأي، والعمه لا يطلق إلا على الثاني، وفي المصباح، عمه عمها من باب تعب: إذا تردد، وتحير، وتعامه مأخوذ من قولهم: أرض عمهاء: إذا لم يكن فيها أمارات تدل على النجاة، فهو عمه وأعمه، وهذا الفعل لم أر له ماضيا ولا أمرا، فيظهر أنه فعل جامد لا يأتي منه غير المضارع، وإن ذكر في كتب اللغة ماض له، لكنه لم يستعمل، ولم يتداول.
بعد هذا فالتعجيل: تقديم الشيء عن وقته، والاستعجال طلب العجلة، وسأحدثك عن العجلة في الآية رقم [1] من سورة (النحل)، إن شاء الله تعالى. {لَقُضِيَ}: انظر الآية رقم [44] الأنفال، هذا؛ ويقرأ الفعل بالبناء للمعلوم، وبالبناء للمجهول، كما يقرأ «لقضينا» ، وفي الكلام التفات من الغيبة إلى التكلم، انظر الآية رقم [50].
تنبيه: نزلت الآية في أهل مكة حين طلبوا نزول العذاب، وانظر الآية رقم [32] الأنفال، وقال مجاهد: نزلت في الرجل يدعو على نفسه أو ماله، أو ولده إذا غضب
…
إلخ، فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير؛ لقضي إليهم أجلهم-انتهى. فالآية ذامة لخلق ذميم هو في بعض الناس، يدعون في الخير، فيريدون تعجيل الإجابة، ثم يحملهم أحيانا سوء الخلق على الدعاء في الشر، فلو عجل لهم لهلكوا. انتهى. قرطبي. وانظر الآية رقم [6] من سورة (الرعد)، أقول: وينبغي أن تذكر الآية قوله تعالى: {وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً} الإسراء [11]، هذا؛ واختلف في هذا الدعاء، فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّي
سألت الله عز وجل أن لا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه»، قال بعضهم: وقد يستجاب ذلك الدعاء، واحتج له بأحاديث تركتها اختصارا، منها حديث الذي لعن ناقته، وخذ ما يلي: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ إنّي اتخذت عندك عهدا، لن تخلفنيه، فإنّما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيّما رجل من المسلمين سببته، أو لعنته، أو جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة، وقربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة، واجعل ذلك كفّارة له يوم القيامة» . متفق عليه.
الإعراب: {وَلَوْ} : الواو: حرف استئناف. (لو): حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. {يُعَجِّلُ اللهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ} : مضارع وفاعله، ومفعوله، ومتعلقه، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {اِسْتِعْجالَهُمْ} : في الكلام حذف، فإنّ التقدير:
ولو يعجل.. تعجيلا مثل استعجالهم بالخير، فحذف (تعجيلا)، وأقام صفته مقامه، ثم حذف صفته، وأقام المضاف إليه مقامه، هذا مذهب الخليل وسيبويه، وقال الفراء والأخفش: الأصل كاستعجالهم، ثم حذف الكاف ونصب، أي: هو منصوب بنزع الخافض، والأول أولى، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {بِالْخَيْرِ}: متعلقان بالمصدر. {لَقُضِيَ} :
اللام: واقعة في جواب (لو). (قضي): ماض مبني للمجهول. {إِلَيْهِمْ} : متعلقان بالفعل قبلهما. {أَجَلُهُمْ} : نائب فاعله، وعلى القراءة الثانية، فهو مفعول به، والفاعل مستتر، تقديره:
«هو» يعود إلى {اللهُ} والهاء: في محل جر بالإضافة، وجملة:{لَقُضِيَ..} . إلخ جواب (لو) لا محل لها، و (لو) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له، وعلى قراءة «(لقضينا)» فهو فعل وفاعل، ويبقى {أَجَلُهُمْ} مفعول به. {فَنَذَرُ}: مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» . {الَّذِينَ} :
اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول، وجملة:{لا يَرْجُونَ لِقاءَنا} : صلة الموصول. {فِي طُغْيانِهِمْ} : متعلقان بما بعدهما. {يَعْمَهُونَ} : مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ثان، وجملة:{فَنَذَرُ..} . إلخ معطوفة على جملة محذوفة؛ إذ التقدير، ولكن نمهلهم فنذر
…
إلخ، وهذا الكلام معطوف على (لو) ومدخولها لا محل لها مثله.
الشرح: {مَسَّ الْإِنْسانَ} : أصابه. {الضُّرُّ} : الشدة والبؤس. هذا؛ والضر بضم الضاد:
خاص بما في النفس كمرض وهزال، وبفتح الضاد: شائع في كل ضرر ومصيبة. {دَعانا لِجَنْبِهِ} أي: مضجعا على جنبه. {أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً} أي: في جميع حالاته؛ لأن الإنسان
لا يعدو هذه الحالات. {فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ} : أزلنا، ورفعنا عنه الشدة والبلاء. {مَرَّ}:
استمر على كفره وعصيانه. {كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ} أي: كأنه لم يطلب منا رفع ضر أصابه، ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء، والضيق والفقر. {كَذلِكَ زُيِّنَ} أي: كما زين لهذا الدعاء عند البلاء، والإعراض عند الرخاء؛ {زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ} أي: للمشركين أعمالهم من الكفر والمعاصي، وهذا التزيين يجوز أن يكون من الله، ويجوز أن يكون من الشيطان.
هذا؛ والمسرف: هو المجاوز الحد في كل شيء، وإنما سمي الكافر مسرفا؛ لأنه أسرف نفسه وضيعها في عبادة الأصنام، وأتلف ماله وضيعه في البحائر والسوائب، وما كانوا ينفقونه على الأصنام وخدامها. انتهى. خازن، هذا؛ ولا تنس أن في المسلمين مسرفين ومجرمين
…
إلخ.
قال القرطبي: وهذه صفة كثير من المسلمين، إذا أصابته العافية مر على ما كان عليه من المعاصي، أقول: وقوله تعالى في سورة (لقمان): {وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ} يؤيد ما في هذه السورة.
هذا؛ والإنسان يطلق على الذكر والأنثى من بني آدم، ومثلها كلمة «شخص» قال تعالى:
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ،} ومعلوم أن الله تعالى لم يقصد الذكور خاصة، والقرينة الآيات الكثيرة الدالة على أن المراد الذكر، والأنثى، واللام في الإنسان إنما هي لام الجنس التي تفيد الاستغراق، ولذا صح الاستثناء من الإنسان في سورة العصر، هذا؛ وإنسان العين هو المثال الذي يرى فيها، وهو النقطة السوداء التي تبدو لامعة وسط السواد هذا؛ وجمع الإنسان:
الناس انظر الآية رقم [38] من سورة (يوسف) عليه السلام، هذا؛ وقائم، أصله قاوم؛ لأنه من قام يقوم، فقل في إعلاله: قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولم يعتد بالألف الزائدة؛ لأنها حاجز غير حصين، فالتقى ساكنان: الألف الزائدة والألف المنقلبة، فأبدلت الثانية منهما همزة، وقل مثله في إعلاله (بائع) من باع يبيع، فالأول واوي، وهذا يائي.
الإعراب: {وَإِذا} : (إذا): ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ}: ماض ومفعوله وفاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها على القول المشهور المرجوح.
{دَعانا} : ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل يعود إلى {الْإِنْسانَ،} و (نا): مفعول به، والجملة الفعلية جواب (إذا) لا محل لها. {لِجَنْبِهِ}: متعلقان بمحذوف حال من الفاعل المستتر، واللام بمعنى: على، التقدير: مضجعا على جنبه. {قاعِداً أَوْ قائِماً} : معطوفان على الحال المحذوفة، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {فَلَمّا}:(لمّا): حرف وجود لوجود عند سيبويه، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب، وهي ظرف بمعنى حين عند ابن
السراج والفارسي وابن جني وجماعة، تتطلب جملتين مرتبطتين ببعضهما ارتباط فعل الشرط بجوابه، وصوب ابن هشام الأول، والمشهور الثاني، وجملة:{كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ} لا محل لها؛ لأنها ابتدائية على القول بحرفية (لمّا): وهي في محل جر بإضافة (لمّا) إليها على اعتبارها ظرفا، ومتعلقة بالجواب. {مَرَّ}: ماض، والفاعل يعود إلى {الْإِنْسانَ،} والجملة الفعلية جواب (لمّا) لا محل لها. {كَأَنْ} : حرف مشبه بالفعل مخفف من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف، التقدير: كأنه. {لَمْ} : حرف نفي وقلب وجزم. {يَدْعُنا} : مضارع مجزوم ب {لَمْ} . وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الواو، والضمة قبلها دليل عليها، و (نا): مفعول به، والفاعل يعود إلى {الْإِنْسانَ}. {إِلى ضُرٍّ}: متعلقان بالفعل قبلهما. {مَسَّهُ} : ماض، والفاعل يعود إلى {الضُّرُّ}. والهاء: مفعول به، والجملة الفعلية صفة:{الضُّرُّ} . وجملة: {لَمْ يَدْعُنا..} .
إلخ في محل رفع خبر {كَأَنْ} . والجملة الاسمية: {كَأَنْ..} . إلخ. في محل نصب حال من فاعل {مَرَّ} المستتر. و (لما) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {كَذلِكَ} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، عامله الفعل بعده، وتقدير الكلام: زين للمسرفين ما كانوا يعملون تزيينا كائنا مثل ذلك التزيين الذي فعله الذي أصابه الضر حين يتوجه إلى الله بالدعاء، واللام: للبعد، والكاف: حرف خطاب. {زُيِّنَ} : ماض مبني للمجهول.
{لِلْمُسْرِفِينَ} : متعلقان بالفعل قبلهما. {قائِماً} : تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل رفع نائب فاعل، والجملة الفعلية بعدها صلة (ما)، أو صفتها، والعائد أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: زين للمسرفين الذي، أو شيء كانوا يعملونه، وعلى اعتبار {قائِماً} مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل رفع نائب فاعل، التقدير:
زين للمسرفين عملهم. {كانُوا} : ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق، وجملة:{يَعْمَلُونَ} خبر كان.
الشرح: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمّا ظَلَمُوا} : خطاب لأهل مكة، وبيان لهم بأن الله أهلك من قبلهم من الأمم السابقة بسبب ظلمهم لأنفسهم بالشرك، والخروج عن طاعة الله تعالى. {وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ} أي: بالمعجزات الواضحات، والبراهين الساطعات. {وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا} أي: وما استقام لهم أن يؤمنوا لعدم استعدادهم، وخذلان الله لهم، وعلمه الأزلي بأنهم يموتون على الكفر، وبأنهم لو خيروا؛ لما اختاروا غير الكفر. {كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}: انظر الإعراب لتقدير الكلام.
-هذا؛ و {الْقُرُونَ} جمع قرن بفتح القاف وسكون الراء مائة سنة على الصحيح، وقيل:
ثمانون، وقيل: ثلاثون، ويقال: القرن في الناس أهل زمان واحد، وهو المراد في الآية الكريمة، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني
…
إلخ». ومنه قول الشاعر: [الطويل]
إذا ذهب القرن الذي أنت فيهمو
…
وخلّفت في قرن فأنت غريب
وخذ قول لبيد بن ربيعة الصحابي رضي الله عنه: [الطويل]
فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب
…
لعلّك تهديك القرون الأوائل
-والقرن بفتح القاف أيضا: الزيادة العظمية التي تنبت في رءوس بعض الحيوانات، ومنه إسكندر ذو القرنين، والقرن: الجبل الصغير، وذؤابة المرأة من الشعر، والقرن من القوم:
سيدهم، ومن السيف: حده ونصله، وجمعه في كل ما تقدم قرون، هذا؛ وهو بكسر القاف وسكون الراء: الكفؤ في الشجاعة والعلم ونحوهما، والجمع على هذا أقران، وانظر الظلم في الآية رقم [23]. {وَجاءَتْهُمْ}: هذا الفعل يستعمل متعديا؛ إن كان بمعنى: وصل، وبلغ، كما في هذه الآية، ويستعمل لازما؛ إن كان بمعنى حضر وأقبل، كما في قوله تعالى:{إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} .
أقول: وتفسير المجرمين بالمشركين والكافرين هو في الغالب، ولا تنس أن في المسلمين مجرمين، يقترفون الكبائر والمنكرات، ويفعلون الشنيع من السيئات، ولا سيما في هذا العصر الذي طغت فيه المادة، وران على قلوب أكثر المسلمين حب المال، والمنصب، والجاه، وغير ذلك، وانظر المزيد من ذلك في الآية رقم [80] من سورة (التوبة)، أو [13]، من سورة (إبراهيم) عليه الصلاة والسلام.
الإعراب: {وَلَقَدْ} : الواو: حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، التقدير: والله، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. اللام: واقعة في جواب القسم. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {أَهْلَكْنَا} : فعل وفاعل. {الْقُرُونَ} : مفعول به. {مِنْ قَبْلِكُمْ} :
متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {الْقُرُونَ} والكاف: في محل جر بالإضافة. {لَمّا} : ظرف بمعنى حين، مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل {أَهْلَكْنَا} .
{ظَلَمُوا} : فعل ماض وفاعله، والألف للتفريق، وجملة:{ظَلَمُوا} : مع المفعول المحذوف في محل جر بإضافة {لَمّا} إليها، وجملة:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا..} . إلخ جواب القسم لا محل لها، والقسم وجوابه كلام مستأنف لا محل له. {وَجاءَتْهُمْ}: ماض، والتاء: للتأنيث، والهاء: مفعول به.
{رُسُلُهُمْ} : فاعله، والهاء: في محل جر بالإضافة. {بِالْبَيِّناتِ} : متعلقان بالفعل (جاء)، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {رُسُلُهُمْ،} وجملة: {وَجاءَتْهُمْ..} . إلخ: في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو، والضمير، و (قد) قبلها مقدرة، وجوز عطفها على جملة:{ظَلَمُوا}
فتكون في محل جر مثلها. {وَما} : الواو: حرف عطف. (ما): نافية. {كانُوا} : ماض ناقص، والواو: اسمه، والألف للتفريق. {لِيُؤْمِنُوا}: مضارع منصوب ب «أن» مضمرة بعد لام الجحود، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة والمضارع في تأويل مصدر في محل جر بلام الجحود، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر:{كانُوا} . التقدير:
وما كانوا مريدين للإيمان، وهذه الجملة معطوفة على جملة:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا..} . إلخ لا محل لها مثلها {كَذلِكَ} : الكاف: حرف تشبيه وجر. ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالكاف، واللام للبعد، والكاف: حرف خطاب لا محل له، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف عامله الفعل بعده، التقدير: نجزي القوم.. جزاء كائنا مثل جزاء من سبقهم من الأمم. {نَجْزِي} : مضارع مرفوع
…
إلخ، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» . {الْقَوْمَ} :
مفعول به أول. {الْمُجْرِمِينَ} : صفته منصوب
…
إلخ، والمفعول الثاني محذوف، تقديره:
العذاب، أو الهلاك ونحوه، وجملة:{كَذلِكَ نَجْزِي..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
{ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
الشرح: {جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ} : الخطاب لأهل مكة، كما في الآية السابقة، والمعنى جعلناكم سكانا في الأرض من بعد القرون المهلكة. {لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} أي: خيرا أو شرا، فنجازيكم بحسب أعمالكم، والنظر هنا بمعنى العلم، يريد: لنختبر أعمالكم، وهو سبحانه يعلم ما يكون، قبل أن يكون ففيه استعارة تمثيلية. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الدّنيا حلوة خضرة وإنّ الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون؟ فاتّقوا الدّنيا، واحذروا فتنة النّساء» أخرجه مسلم.
هذا؛ و {خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ} : بمعنى يخلف بعضكم بعضا، وهو جمع: خليفة، مثل كرائم وكريمة، وصحائف وصحيفة، هذا؛ وكل من جاء بعد من مضى فهو خليفة، وفي المصباح:
والخليفة أصله خليف بغير هاء؛ لأنه بمعنى الفاعل، دخلته الهاء للمبالغة كعلامة ونسابة، ويكون وصفا للرجل خاصة، ويقال: خليفة آخر بالتذكير، ومنهم من يقول: خليفة أخرى بالتأنيث، ويجمع باعتبار أصله على خلفاء، مثل شريف وشرفاء، وباعتبار اللفظ على خلائف.
الإعراب: {ثُمَّ} : حرف عطف. {جَعَلْناكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول به أول، {خَلائِفَ}:
مفعول به ثان. {فِي الْأَرْضِ} : متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان ب {خَلائِفَ}. {مِنْ بَعْدِهِمْ}: متعلقان بالفعل جعلنا لا غير، والهاء: في محل جر بالإضافة. {لِنَنْظُرَ} : مضارع منصوب ب «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» . {كَيْفَ} : اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال عامله ما بعده. {تَعْمَلُونَ} : مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية:{كَيْفَ تَعْمَلُونَ} : في محل نصب مفعول به للفعل (ننظر) المعلق
عن العمل لفظا بسبب الاستفهام، و «أن» المضمرة والفعل:(ننظر) في تأويل مصدر في محل جر بلام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالفعل:{جَعَلْناكُمْ،} وجملة: {جَعَلْناكُمْ..} . إلخ معطوفة على جملة: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا..} . إلخ في الآية السابقة لا محل لها مثلها.
الشرح: {تُتْلى} : تقرأ. {عَلَيْهِمْ} : على كفار قريش. {آياتُنا} : آيات القرآن.
{تَبَيَّنَتِ} : واضحات لا لبس فيها، ولا إشكال. {قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا} أي: لا يخافون يوم البعث والحساب، ولا يرجون الثواب، وهم أهل مكة، وانظر:{لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا} في الآية رقم [7]. {اِئْتِ} : أمر من (أتى). وهو يستعمل لازما، إن كان بمعنى: حضر وأقبل، ومتعديا إن كان: بمعنى وصل وبلغ، فمن الأول قوله تعالى:{أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} ومن الثاني قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ..} . إلخ هذا؛ وإعلال {اِئْتِ} مثل إعلال {اِئْذَنْ} في الآية رقم [49] من سورة (التوبة)، {اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ}: قال القرطبي: الفرق بين تبديله، والإتيان بغيره: أن تبديله لا يجوز أن يكون معه، والإتيان بغيره قد يجوز أن يكون معه، وفي قولهم ذلك ثلاثة أوجه:
-أحدها: أنهم سألوه أن يحول الوعد وعيدا، والوعيد وعدا، والحلال حراما، والحرام حلالا، قاله ابن جرير الطبري.
-الثاني: أنهم سألوه أن يسقط ما في القرآن من عيب آلتهم، وتسفيه أحلامهم، قاله ابن عيسى.
-الثالث: أنهم سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور، قاله الزجاج.
{قُلْ ما يَكُونُ لِي} : ما ينبغي ولا يصح لي. {أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي} : من قبل نفسي، أو من جهتي، وانظر شرح النفس في الآية رقم [9] من سورة (الأعراف)، وشرح {تِلْقاءِ} في الآية رقم [47] منها. {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ} أي: لا أتبع إلا ما أتلوه عليكم من وعد وعيد، وتحريم وتحليل، وأمر ونهي. {إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي}: أي: إن خالفت في تبديله، وتغييره، أو في ترك العمل به.
هذا؛ وانظر: «الخوف» و «التخوف» في الآية رقم [55] من سورة (الأعراف)، أو الآية رقم [13] من سورة (الرعد)، بعد هذا؛ ولا تنس أن في هذه الآية التفافا بالنسبة لما قبلها من الخطاب إلى الغيبة، وانظر الالتفاف في الآية رقم [50] الآتية.
الإعراب: {وَإِذا} : (إذا): انظر الآية رقم [12]، {تُتْلى}: مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر. {عَلَيْهِمْ}: متعلقان بالفعل قبلهما. {آياتُنا} :
نائب فاعل، و (نا): في محل جر بالإضافة. {تَبَيَّنَتِ..} .: حال من {آياتُنا} منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، وجملة:{تُتْلى..} . إلخ في محل جر بإضافة (إذا) إليها على القول المرجوح المشهور. {قالَ} : ماض، {الَّذِينَ}: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل، وجملة:{لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا} : صلة الموصول لا محل لها.
{اِئْتِ} : أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره «أنت». {بِقُرْآنٍ}: متعلقان بالفعل قبلهما. {غَيْرِ} : صفة قرآن، و {غَيْرِ}: مضاف، و {هذا}: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، والهاء حرف تنبيه لا محل له، وجملة:{اِئْتِ..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَ..} .
إلخ جواب (إذا) لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام معطوف على ما قبله لا محل له.
{بَدِّلْهُ} : أمر، والهاء: مفعول به، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» ، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها. {قُلْ}: أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» ، {ما}: نافية. {يَكُونُ} : مضارع ناقص. {تُتْلى} : متعلقان بمحذوف خبر: {يَكُونُ} مقدم، والمصدر المؤول من {أَنْ أُبَدِّلَهُ} في محل رفع اسم {يَكُونُ} مؤخر، وجملة:{ما يَكُونُ..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {مِنْ تِلْقاءِ} : متعلقان بالفعل قبلهما، و {تِلْقاءِ}: مضاف، و {نَفْسِي}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء: في محل جر بالإضافة. {أَنْ} : حرف نفي. {أَتَّبِعُ} : مضارع وفاعله مستتر تقديره: «أنا» . {إِلاّ} : حرف حصر. {ما} : تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل نصب مفعول به. {يُوحى}: مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، ونائب الفاعل يعود إلى {ما،} تقديره: «هو» . {إِلَيَّ} : متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:{يُوحى إِلَيَّ} : صلة {ما،} أو صفتها، وجملة:{إِنْ أَتَّبِعُ..} . إلخ في محل نصب مقول القول. {إِنِّي} : حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمها. {أَخافُ}:
مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«أنا» ، والجملة الفعلية في محل رفع خبر {أَنْ}. والجملة الاسمية:{إِنِّي أَخافُ..} . إلخ تعليل للنفي، وهي داخلة في مقول القول. {أَنْ}: حرف شرط جازم. {عَصَيْتُ} : ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء فاعله. {رَبِّي}:
مفعول به منصوب
…
إلخ، والياء في محل جر بالإضافة، وجملة:{عَصَيْتُ رَبِّي} : لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، التقدير: إن عصيت ربي؛ فإني أخاف، و {أَنْ} ومدخولها كلام معترض بين الفعل
{أَخافُ} ومفعوله، وهو {عَذابَ}: لا محل له، و {عَذابَ}: مضاف، و {يَوْمٍ}: مضاف إليه.
{عَظِيمٍ} : صفة: {يَوْمٍ،} هذا؛ وإن اعتبرته صفة: {عَذابَ،} وهو مفاد كلام الخازن، فيكون مجرورا على الجوار، وحقه النصب، انظر الجر على الجوار في الآية رقم [7] من سورة (المائدة) تجد ما يسرك.
الشرح: {قُلْ} : خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. {ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} : ما قرأت القرآن عليكم، والخطاب لأهل مكة. {وَلا أَدْراكُمْ بِهِ}: ولا أعلمكم الله به على لساني، ويقرأ «(لأدراكم)» بلام التأكيد، أي: لو شاء الله {ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ،} ولأعلمكم به على لسان غيري، والمعنى أنه الحق الذي لا محيص عنه، لو لم أرسل به لأرسل به غيري، وقرئ شاذا:«(ولا أدرؤكم ولا أدرأتكم)» بالهمزة فيها على لغة من يقلب الألف المبدلة من الياء همزة، أو على أنه الدرء بمعنى الدفع، والمعنى: إن الأمر بمشيئة الله تعالى، لا بمشيئتي حتى أجعله على نحو ما تشتهونه. انتهى. بيضاوي.
هذا، والفعل (درى) من أفعال اليقين، وقد ينصب مفعولين، والكثير المستعمل فيه أن يتعدى لواحد بالباء، نحو دريت بكذا، فإن دخلت عليه همزة التعدية، تعدى إلى واحد بنفسه، وإلى واحد بالباء كما في هذه الآية، قال شيخ الإسلام: ومحل ذلك إذا لم يدخل على الفعل استفهام، وإلا تعدى إلى ثلاثة مفاعيل، نحو قوله تعالى:{وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ} فالكاف مفعول به أول، والجملة الاسمية بعدها سدت مسد المفعولين. انتهى. والذي في الهمع والمغني، قيل:
-وهو الأوجه-: إن الجملة الاسمية سدت مسد المفعول الثاني المتعدي إليه بالحرف، فتكون في محل نصب بإسقاط الجار، كما في:«فكرت، أهذا صحيح أم لا؟» أي: فكرت بما ذكر.
انتهى. جرجاوي. فإن كان درى بمعنى ختل، أي: خدع كانت متعدية إلى واحد بنفسها، مثل:
دريت الصيد، أي: ختلته وخدعته، قال الأخطل التغلبي:[الطويل]
فإن كنت قد أقصدتني إذ رميتني
…
بسهمك فالرّامي يصيد، ولا يدري
أي: يصيد، ولا يختل، ومثله قول الآخر:[الطويل]
فإن كنت لا أدري الظّباء فإنّني
…
أدسّ لها تحت التّراب الدّواهيا
أي: لا أختل، وإن كانت بمعنى:(حك)، مثل درى رأسه بالمدرى؛ أي: حكه به؛ فهي كذلك متعدية لواحد فقط.
{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ} أي: مقدارا من الزمان، وهو أربعون سنة من قبل نزول القرآن، تعرفونني بالصدق والأمانة، لا أقرأ، ولا أكتب، ثم جئتكم بالمعجزات، وبهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس العلوم، وأخبار الماضين، وفيه من الأحكام والآداب، ومكارم الأخلاق، والفصاحة والبلاغة، ما أعجز البلغاء والفصحاء، عن معارضته. {أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي: أفلا تتدبرون لعلكم تنتفعون بما فيه، وانظر العقل في الآية رقم [2] من سورة (يوسف) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.
الإعراب: {قُلْ} : أمر، وفاعله مستتر، تقديره:«أنت» . {لَوْ} : حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. {شاءَ اللهُ} : فعل وفاعل، والمفعول محذوف، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {ما} : نافية. {تَلَوْتُهُ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية جواب:{لَوْ} لا محل لها. {عَلَيْكُمْ} : متعلقان بالفعل قبلهما، و {لَوْ} ومدخولها في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {وَلا} :
نافية، {أَدْراكُمْ}: ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل يعود إلى الله، والكاف مفعول به أول، والإعراب على القراءات الأخرى ظاهر إن شاء الله تعالى. {بِهِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، وهما مفعوله الثاني، والجملة الفعلية معطوفة على جواب {لَوْ} لا محل لها مثله. {فَقَدْ}: الفاء: حرف استئناف. (قد) حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال.
{لَبِثْتُ} : فعل وفاعل. {فِيكُمْ} : متعلقان بالفعل قبلهما. {عُمُراً} : ظرف زمان متعلق بالفعل قبله. {مِنْ قَبْلِهِ} : متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف صفة:{عُمُراً،} والهاء: في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية:{فَقَدْ لَبِثْتُ..} . إلخ مستأنفة أو هي تعليلية لا محل لها. {أَفَلا} : الهمزة: حرف استفهام وتوبيخ. الفاء: حرف عطف. (لا): نافية.
{تَعْقِلُونَ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة مع الجملة المعطوفة عليها على القول الثاني، ومعطوفة على ما قبلها على القول الأول في الفاء.
الشرح: {فَمَنْ أَظْلَمُ..} . إلخ: أي: لا أحد أظلم وأفسد ممن افترى على الله الكذب، وبدل كلامه، أو أضاف إليه شيئا مما لم ينزله، وكذلك لا أحد أظلم منكم إذا أنكرتم القرآن، وافتريتم على الله الكذب، وقلتم ليس هذا كلامه، أو المعنى: افترى على الله الكذب؛ أي: جعل له شريكا، أو زعم أن له ولدا. {أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ} أي: بالقرآن، ففيه بيان: أن الكاذب على الله، والمكذب بآياته في الكفر سواء، وما أكثر الناس المكذبين بآيات القرآن في هذا
الزمن، وهم يزعمون: أنهم مسلمون ومؤمنون، والله يشهد إنهم لكاذبون، وانظر الآية رقم [21] من سورة (الأنعام)، فهذه الآية مثلها في جميع ألفاظها.
الإعراب: {فَمَنْ} : الفاء: حرف استئناف. (من): اسم استفهام مفيد للنفي مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَظْلَمُ} : خبره، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {مِمَّنِ}:
متعلقان ب {أَظْلَمُ} و (من) تحتمل الموصوفة والموصولة، فهي مبنية على السكون في محل جر ب (من)، وجملة:{اِفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً} صلة (من)، أو صفتها، والعائد أو الرابط رجوع الفاعل إليها، وجملة:{كَذَّبَ بِآياتِهِ} : معطوفة على ما قبلها على الوجهين المعتبرين فيها.
{إِنَّهُ} : حرف مشبه بالفعل، والهاء: اسمها، وجملة:{لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} : في محل رفع خبر (إنّ) والجملة الاسمية: {إِنَّهُ..} . إلخ تعليل، أو مستأنفة لا محل لها على الاعتبارين.
الشرح: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} : لأن الأصنام جمادات، لا تقدر على نفع، ولا على ضر، والمعبود ينبغي أن يكون مثيبا ومعاقبا حتى تعود عبادته بجلب نفع، أو بدفع ضر. {وَيَقُولُونَ} أي: المشركون. {هؤُلاءِ} أي: الأصنام. {شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ} أي: تشفع لنا فيما يهمنا من أمور الدنيا، وفي الآخرة إن يكن بعث، وحشر، ونشر، و {شُفَعاؤُنا} واقع على {ما،} فقد راعى لفظها فيما بعدها، وراعى معناها بوقوع {شُفَعاؤُنا} عليها. {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ..}. إلخ: أي: أتخبرون الله بأن له شريكا، أو ولدا، وهو لا يعلم بذلك، ففيه توبيخ، وتقريع لهؤلاء الكفرة المفترين على الله. {سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ}:
نزه الله نفسه عن الشركاء والأضداد، والأولاد، وغير ذلك.
{وَتَعالى} : تعاظم شأنه، وهذا الفعل يأتي منه ماض، ومضارع، ولا يأتي منه أمر، فهو ناقص التصرف. {يُشْرِكُونَ} أي: معه من الأصنام والأضداد وغير ذلك، هذا؛ ويقرأ الفعل بالياء والتاء، وعلى الأول فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة.
الإعراب: {وَيَعْبُدُونَ} : الواو: حرف استئناف. (يعبدون): فعل وفاعل. {مِنْ دُونِ} :
متعلقان بالفعل قبلهما، و {يَعْبُدُونَ}: مضاف، و {اللهِ}: مضاف إليه. {ما} : اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به. {لا}: نافية. {يَضُرُّهُمْ} : مضارع، وفاعل يعود إلى {ما،} والهاء: مفعول. والجملة الفعلية صلة {ما،} أو صفتها، والعائد أو
الرابط: رجوع الفاعل إليها، وجملة:{وَلا يَنْفَعُهُمْ} : معطوفة على ما قبلها، وجملة:
{وَيَعْبُدُونَ..} . إلخ: مستأنفة لا محل لها. {هؤُلاءِ} : الهاء: حرف تنبيه لا محل له. (أولاء):
اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. {شُفَعاؤُنا} : خبر المبتدأ، و (نا): في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر. {عِنْدَ}: ظرف مكان متعلق باسم الفاعل، و {عِنْدَ}: مضاف، و {اللهِ}: مضاف إليه، والجملة الاسمية:{هؤُلاءِ..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{وَيَقُولُونَ..} . إلخ معطوفة على جملة: {وَيَعْبُدُونَ..} . إلخ لا محل لها مثلها. {قُلْ} : أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {أَتُنَبِّئُونَ} : الهمزة: حرف استفهام وتوبيخ وتقريع. (تنبئون): فعل وفاعل. {اللهِ} : منصوب على التعظيم. {بِما} :
متعلقان بالفعل قبلهما على أنهما مفعول به ثان، و (ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد أو الرابط: محذوف، التقدير: بالذي، أو بشيء لا يعلمه. {فِي السَّماواتِ}: متعلقان بمحذوف حال من المفعول المحذوف، وهو الضمير. {وَلا}:(لا): زائدة لتأكيد النفي. {فِي الْأَرْضِ} :
معطوفان على ما قبلهما، والجملة الفعلية:{أَتُنَبِّئُونَ..} . إلخ: في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ: مستأنفة لا محل لها. {سُبْحانَهُ} : انظر الآية رقم [10]. {وَتَعالى} :
ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (الله). {عَمّا}: جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، و (ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر ب «عن» ، والجملة بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد أو الرابط:
محذوف؛ إذ التقدير: تعالى عن الذي، أو عن شيء يشركونه معه، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر ب «عن» ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، التقدير: تعالى الله وتنزه عن شركهم، والكلام {سُبْحانَهُ..} . إلخ مستأنف لا محل له.
الشرح: {وَما كانَ النّاسُ إِلاّ أُمَّةً واحِدَةً} أي: مطبوعين على التوحيد بالفطرة، أو متفقين على الحق، وذلك في عهد آدم-عليه السلام-إلى أن قتل قابيل أخاه هابيل، أو بعد الطوفان في زمن نوح عليه السلام، أو كانوا على الضلال، والكفر في فترة من الرسل. {فَاخْتَلَفُوا}: باتباع الهوى والأباطيل، والشرك بعبادة غير الله، وهذا على القول الأول بسابقه، أو اختلفوا ببعثة الرسل، فتبعتهم طائفة، وأصرت أخرى على الكفر، وهذا على القول الثاني بسابقة، فيكون مثل قوله تعالى:
{كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ..} . إلخ. {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ}
أي: بتأخير الحكم بينهم، أو العذاب، الفاصل بينهم إلى يوم القيامة، فإنه يوم الفصل والجزاء، وقيل: الكلمة هي قوله تعالى في الحديث القدسي: «سبقت رحمتي غضبي» . {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي: بنزول العذاب وتعجيل العقوبة للمجرمين، وإبقاء الموحدين.
الإعراب: {وَما} : الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {كانَ} : ماض ناقص. {النّاسُ} :
اسم كان. {إِلاّ} : حرف حصر. {أُمَّةً} : خبر {كانَ} . {واحِدَةً} : صفة (أمة)، وجملة:
{وَما كانَ..} . إلخ مستأنفة، وجملة:{فَاخْتَلَفُوا} : معطوفة عليها، لا محل لها مثلها. {وَلَوْلا}:
(لولا): حرف امتناع لوجود. {كَلِمَةٌ} : مبتدأ. {سَبَقَتْ} : ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل يعود إلى:{كَلِمَةٌ،} والجملة الفعلية صفة: {كَلِمَةٌ} . {مِنْ رَبِّكَ} : متعلقان بالفعل قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.
وخبر المبتدأ محذوف. {لَقُضِيَ} : اللام واقعة في جواب (لولا). (قضي): ماض مبني للمجهول. {بَيْنَهُمْ} : ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، والهاء في محل جر بالإضافة. {فِيما}:
متعلقان في محل رفع نائب فاعل: (قضي)، و (ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر ب (في)، هذا؛ وعلى قراءة «(قَضى)» بالبناء للمعلوم فالفاعل يعود إلى (الله). والجار والمجرور {فِيما}: متعلقان بالفعل (قضى)، وهما في محل نصب مفعول به.
{فِيهِ} : متعلقان بالفعل بعدهما، والجملة الفعلية:{فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} : صلة (ما)، أو صفتها، وجملة:{لَقُضِيَ..} . إلخ جواب (لولا) لا محل لها، و (لولا) ومدخولها كلام معطوف على الجملة الفعلية قبلها لا محل له مثلها. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.
الشرح: {وَيَقُولُونَ} أي: أهل مكة. {لَوْلا} : هلا. {أُنْزِلَ عَلَيْهِ} : على محمد صلى الله عليه وسلم، {آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} أي: معجزة غير معجزة القرآن، وانشقاق القمر، وغيرهما مما شاهدوه، وإنما يريدون مما اقترحوه: كجعل الجبال ذهبا، وكون بيت له من زخرف، وإحياء من مات من آبائهم، وقال الضحاك: عصا كعصا موسى. {فَقُلْ} : الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم. {إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ} أي: إن الذي سألتموه إنما هو من الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى. {فَانْتَظِرُوا}: ترقبوا نزول، أو ظهور ما اقترحتموه. {إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} أي: قضاء الله فيما بيننا وبينكم بإظهار المحق على المبطل، وهو كقوله تعالى:{فَتَرَبَّصُوا إِنّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} وانظر الآية رقم [102] الآتية.
الإعراب: {وَيَقُولُونَ} : (يقولون): فعل مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله. {لَوْلا}:
حرف تحضيض. {أُنْزِلَ} : ماض مبني للمجهول. {عَلَيْهِ} : متعلقان بالفعل قبلهما. {آيَةٌ} :
نائب فاعل. {مِنْ رَبِّهِ} : متعلقان بمحذوف صفة: {آيَةٌ} . وجملة: {لَوْلا أُنْزِلَ..} . إلخ: في محل نصب مقول القول، وجملة:{وَيَقُولُونَ..} . إلخ: مستأنفة لا محل لها. {فَقُلْ} : الفاء:
حرف استئناف. (قل): أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {إِنَّمَا} : كافة ومكفوفة. {الْغَيْبُ} :
مبتدأ. {لِلّهِ} : متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{فَقُلْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {فَانْتَظِرُوا} : الفاء: هي الفصيحة. (انتظروا): أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {إِنِّي}: حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمها. {مَعَكُمْ}: ظرف مكان متعلق بما بعده، والكاف في محل جر بالإضافة، {مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}: متعلقان بمحذوف خبر (إنّ) والجملة الاسمية: {إِنِّي..} . إلخ تعليل للأمر لا محل لها، وجملة:{فَانْتَظِرُوا..} . إلخ: لا محل لها؛ لأنها جواب لشرط مقدر محذوف، التقدير: وإذا كان ذلك واقعا وحاصلا؛ فانتظروا، وهذا الشرط المقدر وجوابه في محل نصب مقول القول أيضا.
الشرح: {وَإِذا أَذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُمْ} أي: وإذا أنزلنا على الناس-وهم أهل مكة-. {رَحْمَةً} سعة في الرزق ورخاء في العيش من بعد نزول الجدب والقحط، وضيق العيش، {إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا} أي: تكذيب واستهزاء بآيات الله، وتدبير المكايد للرسول صلى الله عليه وسلم، هذا؛ والمكر: تدبير المكايد في الخفاء، وهو أيضا احتيال وخداع. {قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً} أي:
أشد عقابا، وأقدر على الجزاء والانتقام منكم، والله منزه عن المكر بالمعنى المتقدم، وإنما ذكر العقاب والانتقام بلفظ المكر للمشاكلة، وقد مر معنا كثير من هذا، انظر الآية رقم [67](التوبة) والآية رقم [30] الأنفال، وغيرهما. {إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ} أي: إن الحفظة الكرام الكاتبين-رضوان الله تعالى عليهم-يسجلون كيدكم ومكركم، ويحفظون عليكم الأعمال القبيحة السيئة إلى يوم القيامة؛ حتى تفتضحوا بها، ويجازيكم على مكركم أشد الجزاء، وأعظمه، وانظر الحفظة والكاتبين في الآية رقم [61] من سورة (الأنعام)، والآية رقم [11] من سورة (الرعد).
هذا؛ و {تَمْكُرُونَ} بالتاء فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، انظر الالتفات في الآية رقم [50] ويقرأ بالياء، وعليه فلا التفات، هذا؛ وفي قوله {أَذَقْنَا} استعارة تصريحية تبعية، فعبر عن لذة الخصب والرخاء بالإذاقة، كما عبر عن ألم العذاب والانتقام بها في كثير من الآيات.
تنبيه: روي: أنه حبس المطر عن أهل مكة سبع سنين حتى هلكوا من الجوع والقحط، ثم إن الله تعالى رحمهم، فأنزل عليهم المطر الكثير حتى أخصبت البلاد، وعاش الناس بعد ذلك الضر، فلم يتعظوا بذلك، بل رجعوا إلى الفساد والكفر، وتدبير المكايد، والخداع.
الإعراب: {وَإِذا} : الواو: حرف استئناف. (إذا): انظر الآية رقم [12]. {أَذَقْنَا} : فعل وفاعل. {النّاسَ} : مفعول به. {رَحْمَةً} : مفعول به ثان. {مِنْ بَعْدِ} : متعلقان ب {رَحْمَةً،} أو بمحذوف صفة لها، و {بَعْدِ}: مضاف، و {ضَرّاءَ}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة، وهي علة تقوم مقام علتين من موانع الصرف، {مَسَّتْهُمْ}: ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل يعود إلى:{ضَرّاءَ،} والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر صفة:{ضَرّاءَ} . {إِذا} : للمفاجأة، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [106]، من سورة (الأعراف)، تجد ما يسرك. {لَهُمْ}: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مَكْرٌ} : مبتدأ مؤخر. {فِي آياتِنا} : متعلقان ب {مَكْرٌ،} أو بمحذوف صفة له، وجملة:
{أَذَقْنَا..} . إلخ في محل جر بإضافة (إذا) إليها على القول المشهور المرجوح، وجواب (إذا)، {إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا}. {قُلِ}: أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {اللهُ} : مبتدأ. {أَسْرَعُ} :
خبره، {مَكْراً}: تمييز، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلِ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {إِنَّ} : حرف مشبه بالفعل. {رُسُلَنا} : اسم {إِنَّ} . و (نا): في محل جر بالإضافة. {يَكْتُبُونَ} : مضارع مرفوع، والواو فاعله {ما تَمْكُرُونَ} إعرابه مثل إعراب:{عَمّا يُشْرِكُونَ} في الآية رقم [18] بلا فارق مع ملاحظة أن (ما) هناك مجرورة، وهنا منصوبة.
الشرح: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} : الله هو الذي يسهل لكم السير في البر على ظهور الدواب، واليوم على الحديد والبخار كما هو مشاهد، وفي البحر على ظهور السفن والبواخر، هذا؛ و «البرّ» بفتح الباء: الأرض اليابسة غير البحر، وهو يضم الباء حب القمح، وبكسرها عمل الخير أيا كان، هذا؛ و (البحر): الماء الكثير، أو الملح، والجمع بحور وبحار وأبحر- انتهى. قاموس. هذا؛ وقرئ «(ينشركم)»: بالشين، أي: يبثكم ويفرقكم. فهو مثله. {الْفُلْكِ} .
انظر الآية رقم [37] من سورة (هود) وما بعدها. {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} أي: سارت السفن بركابها في البحر بريح لينة الهبوب. {وَفَرِحُوا بِها} أي: سروا بالريح الطيبة التي تسيّر البواخر بهدوء ورفق ولطف. وانظر الآية رقم [58] الآتية. {جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ} أي: فاجأت السفن، أو الريح الطيبة رياح شديدة الهبوب. {وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ}: أحاط بهم موج البحر من جميع الجهات. {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} : اعتقدوا: أن البلاء وأسباب الهلاك نزلت بهم من جميع الجهات. {دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: سألوا الله وحده أن ينجيهم، وتركوا ما كانوا
يعبدون، وفي هذا دليل على أن الخلق قد جبلوا على الرجوع إلى الله في الشدائد، وأن المضطر يجاب دعاؤه، وإن كان كافرا؛ لانقطاع الأسباب، ورجوعه إلى رب الأرباب، ففي حالة الخوف والشدة والبلاء كل واحد يعود إلى الله بالالتجاء إليه، والاعتماد عليه حتى الملاحدة والدهريين في هذا العصر. {لَئِنْ أَنْجَيْتَنا} أي: من هذه الشدائد، وهذا البلاء، أي: يقولون ذلك.
{لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ} أي: العاملين بما يرضيك على نعمة النجاة من هذا البلاء، وانظر الشكر في الآية رقم [112] التوبة. وفي قوله تعالى:{وَجَرَيْنَ بِهِمْ} التفات من الخطاب إلى الغيبة للمبالغة كأنه تذكرة لغيرهم ليتعجب من حالهم، وينكر عليهم، وانظر الالتفات في رقم [50].
الإعراب: {هُوَ الَّذِي} : مبتدأ وخبر، وجملة:{يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} : صلة الموصول لا محل لها. {حَتّى} : حرف ابتداء، ويعتبرها الأخفش جارة ل {إِذا،} وقد رده ابن هشام في المغني، وعلى قول الأخفش تحتمل أن تكون متعلقة بالفعل {يُسَيِّرُكُمْ،} وهو ظاهر قول الزمخشري، وأن تكون متعلقة بمحذوف دل عليه السياق، التقدير: دام ذلك إلى وقت سيركم في البر والبحر. {إِذا} : انظر الآية رقم [12]. {كُنْتُمْ} : ماض ناقص مبني على السكون، والتاء:
اسمه. {فِي الْفُلْكِ} : متعلقان بمحذوف خبر كان، وجملة:{كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ} : في محل جر بإضافة {إِذا} إليها. {وَجَرَيْنَ} : فعل وفاعل. {بِهِمْ} : جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما.
{بِرِيحٍ} : متعلقان بالفعل قبلهما، وجوز تعليقهما بمحذوف حال من نون النسوة، التقدير:
ملتبسة بريح طيبة. {وَفَرِحُوا} : فعل وفاعل. والألف للتفريق. {بِها} : متعلقان بما قبلهما، وجملة:{وَجَرَيْنَ..} . إلخ و {وَفَرِحُوا بِها} : معطوفتان على جملة: {كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ} : فهما في محل جر مثلها. وجواز أن تكون الثانية حالا من الضمير في {بِهِمْ،} والرابط: الواو، والضمير، وتكون (قد): قبلها مقدرة. {جاءَتْها} : ماض، والتاء للتأنيث، والهاء: مفعول به.
{بِرِيحٍ} : فاعل. {عاصِفٌ} : صفة: {بِرِيحٍ} . وجملة: {جاءَتْها..} . إلخ: جواب {إِذا} لا محل لها، و {إِذا} ومدخولها كلام مستأنف لا محل له، وجملة:{وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ} : لا محل لها مثله.
{مِنْ كُلِّ} : متعلقان بالفعل قبلهما. أو هما متعلقان بمحذوف حال من {الْمَوْجُ،} و {كُلِّ} :
مضاف، و {مَكانٍ}: مضاف إليه. {وَظَنُّوا} : فعل وفاعل، والألف للتفريق. {أَنَّهُمْ}: حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه. {أُحِيطَ}: ماض مبني للمجهول. {بِهِمْ} : متعلقان في محل رفع نائب فاعل، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي (ظنوا) والجملة الفعلية معطوفة على جواب، {إِذا} لا محل لها مثله. {دَعَوُا}: ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة التي هي فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية بدل من جملة:{وَظَنُّوا..} . إلخ؛ لأن دعاءهم من لوازم ظنهم. {اللهَ} : منصوب على التعظيم. {مُخْلِصِينَ} : حال من واو الجماعة
منصوب، وعلامة نصبه الياء
…
إلخ. وفاعله مستتر فيه. {اللهَ} : متعلقان ب {مُخْلِصِينَ} .
{الدِّينَ} : مفعول به ل {مُخْلِصِينَ،} {لَئِنْ} : اللام: موطئة للقسم. إن: حرف شرط جازم.
{أَنْجَيْتَنا} : فعل وفاعل ومفعول به. والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {مِنْ هذِهِ} : متعلقان بما قبلهما. {لَنَكُونَنَّ} : مضارع ناقص مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة التي هي حرف لا محل له، واللام واقعة في جواب القسم، واسمه مستتر فيه وجوبا تقديره:«نحن» . {مِنَ الشّاكِرِينَ} : متعلقان بمحذوف خبر (نكونن)، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف لا محل لها، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، وانظر الآية رقم [42] التوبة، والكلام {لَئِنْ..}. إلخ في محل نصب مقول القول لقول محذوف يقع حالا مثل:{مُخْلِصِينَ} . التقدير: قائلين: لئن
…
إلخ.
الشرح: {فَلَمّا أَنْجاهُمْ} : خلصهم، وأنقذهم من الغرق والخطر الذي أحاط بهم إجابة لدعائهم. {إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي: عادوا إلى الفساد، والكفر، والضلال، والمعاصي بسرعة فائقة مبطلين ومعتدين، وقوله {بِغَيْرِ الْحَقِّ}: احتراز عن دخول المسلمين بلاد الكفار، والاستيلاء عليها، وإن أدى ذلك إلى تخريب دورهم، وحرق زروعهم، وقلع أشجارهم، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الكفار الذين نكثوا العهود، وأخلفوا الوعود. {يا أَيُّهَا النّاسُ}: هذا النداء يعم جميع بني آدم. {إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ} : إن وبال البغي والظلم راجع عليكم، أو على أمثالكم من جنسكم. {مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا..}. أي: البغي منفعة الحياة الدنيا، لا تبقى، ويبقى عقابه، وما الحياة الدنيا إلا أيام قليلة، والعاقل لا يغتر بها. {ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ..}. إلخ: أي: أن مرجعكم إلينا، وهذا يكون بالموت أولا، ثم بالبعث والحشر والنشر ثانيا، فنخبركم بما عملتموه في هذه الدنيا من خير أو شر، فنجازيكم ما تستحقونه من جزاء.
هذا؛ والبغي: هو الظلم والاعتداء على حق غيرك، وعواقبه ذميمة، ومآل الباغي وخيم، وعقابه أليمة، ولو أن له جنودا بعدد الحصى والرمل والتراب، ورحم الله من يقول:[البسيط]
لا يأمن الدّهر ذو بغي، ولو ملكا
…
جنوده ضاق عنها السّهل والجبل
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تمكر، ولا تعن ماكرا، ولا تبغ ولا تعن باغيا، ولا تنكث ولا تعن ناكثا» . وقال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ،} وقال: {يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ،} وقال: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ،} وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
(ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه)، وتلا الآيات الثلاث، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أسرع الخير صلة الرّحم، وأعجل الشرّ البغي، واليمين الفاجرة» ، وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنه قال:
(لو بغى جبل على جبل لدكّ الباغي) ورحم الله من يقول: [البسيط]
يا صاحب البغي إنّ البغي مصرعة
…
فاربع فخير فعال المرء أعدله
فلو بغى جبل يوما على جبل
…
لاندكّ منه أعاليه وأسفله
وكان المأمون العباسي يتمثل بهذين البيتين في أخيه الأمين، حين ابتدأ بالبغي عليه، قال الشاعر الحكيم:[مجزوء الكامل]
والبغي يصرع أهله
…
والظّلم مرتعه وخيم
هذا؛ وانظر أنواع الظلم في رسالة: (الحج والحجاج في هذا الزمن) وأقبح أنواع الظلم أن يظلم الإنسان نفسه بارتكاب المعاصي والسيئات، فيسبب لها الخلود في نار جهنم.
هذا؛ وقد وصف سبحانه في هذه الآية وغيرها الحياة التي يحياها ابن آدم بالدنيا لدناءتها وحقارتها، وأنها لا تساوي عنده جناح بعوضة، ورحم الله من قال:[الكامل]
يا خاطب الدّنيا الدّنيّة إنّها
…
شرك الرّدى، وقرارة الأكدار
دار متى ما أضحكت في يومها
…
أبكت غدا تبّا لها من دار
الإعراب: {فَلَمّا} : الفاء: حرف استئناف. (لما): انظر الآية رقم [12]، {أَنْجاهُمْ}: ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل يعود إلى الله، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها على اعتبار (لما) حرفا، وفي محل جر بإضافة (لمّا) إليها على اعتبارها ظرفا.
{إِذا} : للمفاجأة. {أَنْجاهُمْ} : ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَبْغُونَ} :
فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله. {فِي الْأَرْضِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، {بِغَيْرِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، و (غير) مضاف، و {الْحَقِّ}: مضاف إليه، وجملة:{يَبْغُونَ..} . إلخ: في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة:{إِذا هُمْ يَبْغُونَ..} . إلخ: جواب (لما) لا محل لها {يا أَيُّهَا النّاسُ} :
انظر إعراب هذه الجملة في الآية رقم [158] من سورة (الأعراف)، أو الآية رقم [88] من سورة (يوسف) على نبينا وعليه ألف صلاة وألف سلام، فإنه جيد. و (لما) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {إِنَّما}: كافة ومكفوفة. {بَغْيُكُمْ} : مبتدأ، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله. {مَتاعَ}: بالرفع خبر المبتدأ وعليه فالجار والمجرور {عَلى أَنْفُسِكُمْ} :
متعلقان بالبغي؛ لأنه مصدر. وقيل: {مَتاعَ} خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: ذلك متاع، أو هو متاع، وعليه فالجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، هذا؛ وعلى قراءة:{مَتاعَ}
بالنصب، فقيل: هو مفعول به للمصدر (بغي)، فيكون بمعنى: طلبكم متاع، وقيل: هو مفعول مطلق لفعل محذوف، التقدير: يمنعكم بذلك متاع، وقيل: هو مفعول لأجله، وعليه فالجار والمجرور:{عَلى أَنْفُسِكُمْ} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، وقيل: متعلقان بالبغي، والخبر محذوف، تقديره: مذموم، أو منهي عنه، أو مكروه، ونحوه، وحسن الحذف لطول الكلام، و {مَتاعَ}: مضاف، و {الْحَياةِ}: مضاف إليه. {الدُّنْيا} : صفة: {الْحَياةِ} مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الاسمية:{إِنَّما بَغْيُكُمْ..} . إلخ: ابتدائية، أو مستأنفة لا محل لها. {ثُمَّ}: حرف عطف. {إِلَيْنا} : متعلقان بمحذوف خبر مقدم.
{مَرْجِعُكُمْ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها لا محل لها. {فَنُنَبِّئُكُمْ}:
مضارع. والفاعل مستتر تقديره: «نحن» ، والكاف مفعول به، {بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}: انظر إعراب: {بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} فهو مثله، وذلك في الآية رقم [8].
الشرح: {وَالْأَنْعامُ} : يطلق هذا اللفظ في الأصل على المأكول من الحيوانات؛ ولكنه يشمل هنا المأكول وغيره، والذي يأكله الناس هو: الحبوب، والخضار، والفواكه، والذي تأكل الأنعام هو: الحشيش، والتبن، وبعض الحبوب، والضمير في {بِهِ} يعود إلى الماء النازل من السماء، ومعنى اختلاط النبات به: اشتباكه بسببه حتى خالط بعضه بعضا. {حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها} أي: تزينت بأصناف النبات وأشكالها وألوانها المختلفة، كعروس أخذت من ألوان الثياب والزينة، وتزينت بها. {وَازَّيَّنَتْ}: أصله تزينت، ثم أدغمت التاء في الزاي، فسكن الأول، فدخلت ألف الوصل لأجل سكون أول الفعل، وإنما سكن الأول عند الإدغام؛ لأن كل حرف أدغمته فيما بعده، فلا بد من إسكان الأول أبدا، فلما أدغمت التاء في الزاي سكنت التاء، فاحتيج عند الابتداء إلى ألف الوصل، وله نظائر كثيرة في القرآن الكريم. انتهى. مكي.
هذا؛ وقرئ: «(أزينت)» ، أي: جاءت بالزينة، و «(ازيايت)» و «(ازاينت)» ، وقرئ:«(تزيّنت)» على الأصل، و «(ازّانت)» ، و «(ازيأّنت)» ، والإعراب لا يختلف على جميع القراءات. {وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ} أي: أيقنوا أنهم متمكنون من الدنيا، وقادرون على الانتفاع بلذائذها وشهواتها.
{أَتاها أَمْرُنا} : أتاها أمرنا وقضاؤنا بالإهلاك والفناء. {حَصِيداً} : شبيها بما حصد من أصله،
ولم يؤنث {حَصِيداً؛} لأنه فعيل بمعنى مفعول، يستوي فيه المذكر والمؤنث، والمفرد وغيره.
{كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} أي: لم تكن عامرة، من غنى بالمكان: إذا قام فيه، وعمره، والمغاني في اللغة المنازل التي يسكنها الناس، وقال قتادة: كأن لم تنعم. وقرئ الفعل {تَغْنَ} بالتاء والياء، هذا؛ و {بِالْأَمْسِ} يدل على زمن مضى قبل زمن التكلم لا على التعيين، فإن كان بدون (ال) فيكون مرادا به اليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه، وفي هذا الاسم يلغز، فيقال:(ما الاسم الذي إذا عرّف نكّر، وإذا نكّر عرّف؟). {نُفَصِّلُ الْآياتِ} أي: الدلالات على قدرة الله تعالى، قد بيناها وفصلناها فصلا فصلا. {يَتَفَكَّرُونَ} أي: في تلك الآيات، فينتفعون بذلك التفكير.
تنبيه: في الآية الكريمة تشبيه التمثيل، الذي هو منتزع من متعدد، فقد شبه الله الدنيا وبهجتها، وإقبالها على العبد، وركونه إليها في النبات الذي ينزل عليه المطر، وهذا النبات يقوى ويشتد، ويزهو يوما بعد يوم؛ ولكنه لا يلبث أن يصفر، ثم ييبس، ثم يكون هشيما وحطاما، كما ذكر سبحانه في الآية رقم [45] من سورة (الكهف)، والآية رقم [20] من سورة الحديد، وكذلك الدنيا مآلها إلى الهلاك والدمار، والفناء، هذا؛ وكذلك حياة الإنسان شبيهة بالنبات والزرع الذي ينزل عليه المطر، ومع الاختصار في الكلام خذ هاتين البيتين، ففيهما عبرة لأولي الألباب:[البسيط]
ما أنت إلاّ كزرع عند خضرته
…
لكلّ شيء من الآفات مقصود
فإن سلمت من الآفات أجمعها
…
فأنت من بعد ذا لا بدّ محصود
الإعراب: {إِنَّما} : كافة ومكفوفة. {مَثَلُ} : مبتدأ، وهو مضاف، و {الْحَياةِ}: مضاف إليه. {الدُّنْيا} : صفة: {الْحَياةِ} مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر. {كَماءٍ}:
متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، هذا؛ والكوفي يعتبر الكاف اسما مبنيا على الفتح في محل رفع خبر المبتدأ، وهي مضاف، و (ماء) مضاف إليه. {أَنْزَلْناهُ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل جر صفة ماء. {مِنَ السَّماءِ}: متعلقان بمحذوف حال من الضمير المنصوب، وجملة:{فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ} معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر صفة مثلها. {مِمّا}:
متعلقان بمحذوف حال من {نَباتُ الْأَرْضِ،} و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر ب (من)، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: من الذي، أو من شيء يأكله الناس والأنعام. {حَتّى}: حرف ابتداء.
{إِذا} : انظر الآية رقم [12]، {أَخَذَتِ}: ماض، والتاء للتأنيث. {الْأَرْضِ}: فاعل. {زُخْرُفَها} :
مفعول به، و (ها): في محل جر بالإضافة، وجملة:{أَخَذَتِ..} . إلخ: في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على القول المشهور المرجوح. {وَازَّيَّنَتْ} : (ازينت): ماض، والفاعل يعود إلى {الْأَرْضِ} والتاء للتأنيث، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر مثلها.
{وَظَنَّ} : ماض. {أَهْلُها} : فاعل، و (ها): في محل جر بالإضافة. {أَنَّهُمْ} : حرف مشبه بالفعل، و (ها): اسمها. {قادِرُونَ} : خبر (أن) مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وفاعله ضمير مستتر فيه. {عَلَيْها}: متعلقان ب {قادِرُونَ،} و (أنّ) واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي (ظن).
وجملة: {وَظَنَّ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر مثلها. {أَتاها}: ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، و (ها): مفعول به. {أَمْرُنا} : فاعل، و (نا): في محل جر بالإضافة. {لَيْلاً} : ظرف زمان متعلق بالفعل قبله. {نَهاراً} : معطوف على ما قبله، وجملة:
{أَتاها..} . إلخ جواب {إِذا} لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له، هذا؛ والأخفش يعتبر:{إِذا} : مجرورة ب {حَتّى} وهو غير مسلم له. وجملة: {فَجَعَلْناها حَصِيداً} :
معطوفة على جواب {إِذا} لا محل لها مثله. {كَأَنْ} : حرف مشبه بالفعل مخفف من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف. {لَمْ}: حرف نفي وقلب وجزم. {تَغْنَ} : مضارع مجزوم ب {لَمْ،} وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الألف المقصورة، والفاعل يعود إلى:
{الْأَرْضِ} . {بِالْأَمْسِ} : متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية في محل رفع خبر {كَأَنْ} والجملة الاسمية:{كَأَنْ..} . إلخ في محل نصب حال من الضمير المنصوب، أو هي من تعدد المفعول الثاني. {كَذلِكَ}: انظر إعراب هذا اللفظ، وتعليق مثله في الآية رقم [13] {نُفَصِّلُ}:
مضارع والفاعل مستتر تقديره: «نحن» . {الْآياتِ} : مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. {لِقَوْمٍ}: متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:
{يَتَفَكَّرُونَ} : في محل جر صفة (قوم)، وجملة:{كَذلِكَ..} . إلخ: مستأنفة لا محل لها.
{وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}
الشرح: {دارِ السَّلامِ} : دار السلامة من الأذى والكدر، أو دار التحية؛ لأن أهلها ينالون من الله التحية والسّلام، وكذلك من الملائكة، وقال الحسن: إن السّلام لا ينقطع عن أهل الجنة، وهو تحيتهم، كما قال تعالى في الآية رقم [10] {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ}. {وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ}: يوفق ويثبت. {صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} : المراد به: طريق الخير والهداية والنور.
قال الخازن: لما ذكر الله زهرة الحياة الدنيا، وأنها فانية زائلة لا محالة؛ دعا عباده إلى دار السّلام، والمعنى: أن من دخلها فقد سلم من المكاره، والآفات، كالموت، والمرض، والمصائب، والحزن، والغم، والتعب والنكد، وفيه دليل على أن فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ لأن العظيم لا يدعو إلا إلى عظيم، ولا يصف إلا عظيما، وقد وصف الله سبحانه وتعالى الجنة في آيات كثيرة من كتابه. انتهى بتصرف كبير.
وقال يحيى بن معاذ-رحمه الله تعالى-: يا بن آدم دعاك الله إلى دار السّلام. فانظر من أين تجيبه؟ فإن أجبته من دنياك؛ دخلتها، وإن أجبته من قبرك؛ منعتها. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: الجنان سبع: دار الجلال، ودار السّلام، وجنة عدن، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم، انتهى قرطبي. والمشهور: أن الجنان ثمان، انظر الآية رقم [23]، من سورة (الرعد)، وانظر الآية رقم [45]، من سورة (الحجر) لدركات النار.
الإعراب: {وَاللهُ} : (الله): مبتدأ. {يَدْعُوا} : مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو للثقل، والفاعل يعود إلى الله والمفعول محذوف، تقديره: عباده. {إِلى دارِ} : متعلقان بالفعل قبلهما، و {دارِ}: مضاف، و {السَّلامِ}: مضاف إليه، وجملة:{يَدْعُوا..} . إلخ في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{وَاللهُ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {وَيَهْدِي} : مضارع مرفوع
…
إلخ، والفاعل يعود إلى الله، {مَنْ}: تحتمل الموصولة والموصولة، فهي مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية صلة:{مَنْ،} أو صفتها، والعائد، أو الرابط: محذوف، التقدير: يهدي الذي، أو شخصا يشاؤه، أو يشاء هدايته، {إِلى صِراطٍ}:
متعلقان بالفعل قبلهما، {مُسْتَقِيمٍ}: صفة صراط، وجملة:{وَيَهْدِي..} . إلخ: معطوفة على ما قبلها فهي في محل رفع مثلها. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الشرح: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} أي: العمل، حيث قاموا بما أمرهم الله به، وابتعدوا عما نهاهم عنه. {الْحُسْنى}: المثوبة الحسنى وهي الجنة. ونعمت المثوبة هي لمن آمن وعمل صالحا، وانظر الآية رقم [52] التوبة، إن أردت الزيادة في الشرح. {وَزِيادَةٌ}: اختلف المفسرون في هذه الزيادة، واعتمد أنها النظر إلى وجهه الكريم، وذلك لما يلي.
فعن صهيب الرومي-رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تبارك وتعالى: أتريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتتجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النّظر إلى ربّهم تبارك وتعالى» . زاد في رواية: «ثم تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ» أخرجه مسلم، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [72] من سورة (التوبة) والآية رقم [38]، من سورة (النور) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
{وَلا يَرْهَقُ} : قيل: معناه: ولا يلحق، وقيل: لا يعلو، وقيل: لا يغشى، والمعنى متقارب.
{وُجُوهَهُمْ} : جمع وجه، وخص سبحانه الوجوه بالذكر؛ لأن الوجه أشرف الأعضاء الظاهرة،
وفيه أكثر الحواس؛ ولأنه موضع السجود، ومظهر آثار الخشوع والخضوع. {قَتَرٌ}: غبرة فيها سواد. {ذِلَّةٌ} : هوان ومذلة، والمعنى: لا يصيبهم ما يصيب أهل النار من حزن، وكآبة، وسوء حال. {أُولئِكَ} أي: الموصوفون بما ذكر. {الْجَنَّةِ} : انظر الآية رقم [72]، من سورة (التوبة).
{خالِدُونَ} : مقيمون لا يخرجون منها أبدا.
الإعراب: {لِلَّذِينَ} : متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر مقدم. {أَحْسَنُوا} : فعل وفاعل، والألف للتفريق، والمفعول محذوف، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها. {الْحُسْنى}:
مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها، وجملة:{وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} : فيها ثلاثة أوجه: أحدها: أنها مستأنفة، والثاني: أنها في محل نصب حال من الضمير المستتر في متعلق {لِلَّذِينَ} : وهذا لا يصح إلا بإضمار مبتدأ؛ لأن المضارع المنفي لا تسبقه واو الحال وإذا وقع مثل ذلك فهو على تقدير مبتدأ قبلها، فتكون الجملة اسمية، والثالث: أن الفعل في محل رفع عطفا على {الْحُسْنى،} فهو في محل رفع مثله، وهذا يعني تقدير (أن) المصدرية قبل الفعل:{يَرْهَقُ؛} ليصح جعله معه في محل رفع مبتدأ مخبرا عنه بالجار والمجرور، التقدير:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى،} وأن لا يرهق، أي: وعدم رهقهم، فلما حذفت (أن) رفع الفعل المضارع؛ لأنه ليس من مواضع إضمار (أن) ناصبة، وهذا كقوله تعالى:{وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} والمثل «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» . {وَلا} : الواو: حرف عطف. (لا):
زائدة لتأكيد النفي. {ذِلَّةٌ} : معطوف على {قَتَرٌ} . {أُولئِكَ} : اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف: حرف خطاب لا محل له. {أَصْحابُ} : خبر المبتدأ، و {أَصْحابُ}:
مضاف، و {الْجَنَّةِ}: مضاف إليه، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {وُجُوهَهُمْ}: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {فِيها} : متعلقان بما بعدهما. {خالِدُونَ} : خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وفاعله ضمير مستتر فيه، والجملة الاسمية:{وُجُوهَهُمْ..} . إلخ: في محل نصب حال من {أَصْحابُ الْجَنَّةِ،} أو من {الْجَنَّةِ} نفسها، والرابط على الاعتبارين: الضمير فقط، والعامل في الحال اسم الإشارة، واعتبارها مستأنفة ضعيف.
الشرح: {كَسَبُوا} : انظر الآية رقم [8]. {السَّيِّئاتِ} : جمع سيئة. {ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ} أي: ما من أحد يحفظهم ويمنعهم من غضب الله وانتقامه. {كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً} أي: كأنما ألبست وجوههم سوادا من الليل المظلم؛ وذلك لفرط سوادها
وظلمتها، هذا؛ وقد قرئ {قِطَعاً} بفتح الطاء وسكونها، فالأول: جمع قطعة، والثاني: اسم ما قطع فسقط، وقال ابن السكيت: القطع: طائفة من الليل، انظر الآية رقم [81] من السورة الآتية. هذا؛ وقوله تعالى:{جَزاءُ سَيِّئَةٍ} : مشاكلة، انظر الآية رقم [30] من سورة (الأنفال).
تنبيه: قال الخازن-رحمه الله تعالى-: اعلم أنه لمّا شرح الله سبحانه وتعالى أحوال المحسنين، وما أعدّ لهم من الكرامة؛ شرح في هذه الآية حال من أقدم على السيئات، والمراد بهم: الكفار والمقصود من التقييد بقوله: {جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها} التنبيه على الفرق بين الحسنات والسيئات؛ لأن الحسنات يضاعف ثوابها لعاملها تفضلا، وتكرما، وأما السيئات؛ فإنه يجازى عليها بمثلها عدلا منه سبحانه وتعالى. انتهى بتصرف كبير مني. والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
الإعراب: {وَالَّذِينَ..} . إلخ: قال سليمان الجمل: عبارة السمين: فيه سبعة أوجه: أحدها:
أن يكون {وَالَّذِينَ} عطفا على {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} أي: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى،} وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، فتعادل التقسيم، كقولك: في الدار زيد، والحجرة عمرو، وهذا يسميه النحويون عطفا على معمولي عاملين مختلفين وهذا يعني: أن الجار والمجرور {لِلَّذِينَ..} .
إلخ أي: في التقدير متعلقان بمحذوف خبر مقدم، و {جَزاءُ} مبتدأ مؤخر، وفي الظاهر {جَزاءُ} معطوف على {الْحُسْنى} . تأمل.
الوجه الثاني: أن (الذين) مبتدأ أول، و {جَزاءُ سَيِّئَةٍ} مبتدأ ثان، وخبره:{بِمِثْلِها،} والباء:
فيه زائدة؛ أي: وجزاء سيئة مثلها.
الثالث: أن الباء: ليست زائدة، والتقدير مقدر بمثلها، أو مستقر بمثلها، والمبتدأ الثاني وخبره خبر عن الأول.
الرابع: أن خبر {سَيِّئَةٍ} محذوف، فقدره الحوفي بقوله: لهم جزاء سيئة، قال: ودل على تقدير (لهم) قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى} حتى تتشاكل هذه بهذه، وقدره أبو البقاء:(جزاء سيئة بمثلها واقع) وهو وخبره أيضا خبر عن الأول، وعلى هذين التقديرين، فالباء: متعلقة بنفس جزاء؛ لأن هذه المادة تتعدى بالباء، فإن قلت: أين الرابط بين هذه الجملة والموصول الذي هو المبتدأ؟ قلت: على تقدير الحوفي هو الضمير المجرور باللام المقدر خبرا، وعلى تقدير أبي البقاء: هو محذوف تقديره: جزاء سيئة بمثلها واقع، نحو: السمين منوان بدرهم، وهو حذف مطرد لما عرفته غير مرة.
الخامس: أن يكون الخبر الجملة المنفية من قوله: {ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ؛} وعليه يكون قد فصل بين المبتدأ وخبره بجملة اعتراض.
السادس: أن الخبر الجملة: {كَأَنَّما أُغْشِيَتْ..} . إلخ؛ وعليه يكون قد فصل بين المبتدأ وخبره بثلاث جمل اعتراض.
السابع: أن الخبر هو: الجملة من قوله {أُولئِكَ..} . إلخ؛ وعليه يكون قد فصل بأربع جمل معترضة. وينبغي أن لا يجوز الفصل بثلاث جمل، فضلا عن أربع، انتهى. بتصرف.
هذا؛ وعلى اعتبار (الذين) معطوفا على ما قبله، فهو مبني على الفتح في محل جر، وعلى اعتبار مبتدأ فهو مبني على الفتح في محل رفع. {كَسَبُوا}: ماض وفاعله، والألف للتفريق.
{السَّيِّئاتِ} : مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، وجملة:{كَسَبُوا السَّيِّئاتِ} صلة الموصول لا محل لها. {جَزاءُ} : مبتدأ، وهو مضاف، و {سَيِّئَةٍ} مضاف إليه. {بِمِثْلِها}: متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، وقيل: الباء زائدة، و (مثلها) مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه خبر، وقيل:{بِمِثْلِها} متعلقان ب {جَزاءُ،} والخبر محذوف، تقديره واقع، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ، والرابط محذوف، التقدير: لهم أو بهم حسب المعنى، وعليه فلا بد من تقدير مضاف قبل (الذين)، أي: وجزاء الذين كسبوا
إلخ، هذا؛ وقيل: إن التقدير: فلهم جزاء سيئة بمثلها، وهذا يعني أن (لهم) متعلقان بمحذوف خبر {جَزاءُ} مقدما في التقدير، وتبقى الجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ، وزيدت الفاء بخبر المبتدأ في التقدير؛ لأن الموصول يشبه الشرط في العموم، وجملة:{وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} : قيل في محل نصب حال من واو الجماعة، ويضعفه اقتران الواو بها؛ لأن الجملة المضارعية المثبتة الواقعة حالا، لا تقترن بالواو، وقيل: معطوفة على جملة: {كَسَبُوا..} . إلخ: ويضعفه عطف المستقبل على الماضي، والأصح: أنها مستأنفة؛ على اعتبار ما قبلها خبرا عن الموصول، وعلى اعتبار (الذين
…
) إلخ: معطوفا على ما قبله، ومعترضة على اعتبار الموصول مبتدأ، خبره ما بعدها. {ما لَهُمْ}:{ما} : نافية. {لَهُمْ} : متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مِنَ اللهِ} : متعلقان ب {عاصِمٍ} بعدهما. {عاصِمٍ} : مبتدأ مؤخر. ويجوز اعتباره فاعلا بالجار والمجرور {لَهُمْ} لاعتماده على النفي، وهو في الحقيقة فاعل بفعل محذوف، التقدير: ما ثبت، أو ما يثبت لهم عاصم من الله، وعلى الاعتبارين فهو مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وهو {مِنَ،} والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ: (الذين)، أو هي معترضة لا محل لها، انظر الإعراب المتقدم. {كَأَنَّما}: كافة ومكفوفة. {أُغْشِيَتْ} : ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث. {وُجُوهُهُمْ}: نائب فاعل، والهاء:
في محل جر بالإضافة. {قِطَعاً} : مفعول به ثان. {مِنَ اللَّيْلِ} : متعلقان بمحذوف صفة:
{قِطَعاً} . {مُظْلِماً} : صفة ثانية ل {قِطَعاً،} أو حال منه بعد وصفه بما تقدم، وهذا على قراءة:
«(قطْعا)» ، بسكون الطاء، وهو حال من الليل على قراءة:(قطعا) بفتح الطاء، وجملة:{كَأَنَّما أُغْشِيَتْ..} . إلخ: مثل جملة: {ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ} : على الاعتبارين فيها {أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} : انظر الآية السابقة ففيها الإعراب مستوفى. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.
الشرح: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} : نجمعهم جميعا؛ أي: المحسنين والمسيئين المذكورين فيما تقدم لموقف الحساب يوم القيامة، هذا؛ والحشر الجمع من كل جانب وناحية إلى موضع واحد. {لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا} أي: في الدنيا بعبادة الحجارة والأوثان، أو الشمس والقمر، وغير ذلك.
{مَكانَكُمْ} أي: أثبتوا في مكانكم حتى تسألوا عما فعلتم في الدنيا، ففيه تهديد ووعيد للعابدين والمعبودين، ولا تنس أن المؤمنين يلزمون بالوقوف أيضا حتى يسألوا، ويحاسبوا، ولكن برفق ولطف. {أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ} أي: ما كنتم تعبدون من دون الله. وتشركونهم معه في التعظيم والتقديس. {فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ} أي: فرقنا بينهم وبين هؤلاء المعبودين، وقطعنا ما بينهم من التواصل في الدنيا.
هذا؛ وقال أبو البقاء: عين الكلمة واو، لأنه من: زال يزول، وإنما قلبت ياء؛ لأن وزن الكلمة (فيعل) أي: زيولنا، مثل: بيطر وبيقر، فلما اجتمعت الواو والياء، والياء ساكنة، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وقيل: هو من زلت الشيء أزيله، فعينه على هذا ياء، فيحتمل على هذا أن تكون فعلنا وفيعلنا. انتهى. هذا؛ وقرئ «زايلنا» ، هذا؛ وقال الجلال: زيلنا:
ميزنا بينهم وبين المؤمنين، كما في قوله تعالى:{وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ،} وهذا يكون عند الوقوف للسؤال، حين يؤمر بأهل الجنة إلى الجنة وبأهل النار إلى النار.
قال سليمان الجمل: وهذا التفسير بعيد من سابقه ولا حقه؛ إذ هما في الكلام على المشركين ومعبوداتهم، فالأولى القول الآخر الذي جرى عليه غيره كالبيضاوي والخازن، والخطيب. انتهى.
{وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيّانا تَعْبُدُونَ} أي: قالت الأصنام التي كانوا يعبدونها في الدنيا متبرءين منهم: {ما كُنْتُمْ إِيّانا تَعْبُدُونَ} وإنما كانت الشياطين تأمركم بعبادتنا. فكانت عبادتكم لهم، هذا؛ وإن الله ينطق الحجارة والأوثان يوم القيامة، فتكون هذه المحاورة بين المشركين ومعبوداتهم.
هذا؛ وقيل: المراد بالشركاء: الملائكة الذين عبدهم المشركون، وقيل: المراد بهم: الشياطين، والجميع ينطقون، وانظر الآية رقم [34] الآتية.
الإعراب: {وَيَوْمَ} : الواو: حرف استئناف. (يوم): مفعول به لفعل محذوف، تقديره: اذكر يوم، و (يوم) مضاف، والجملة الفعلية:{نَحْشُرُهُمْ} في محل جر بالإضافة. {جَمِيعاً} : حال من الضمير المنصوب، فهي حال مؤكدة.
{نَقُولُ} : مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» . {لِلَّذِينَ} : متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:{أَشْرَكُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول. {مَكانَكُمْ} : اسم فعل أمر منقول عن
الظرفية المكانية، وفاعله مستتر فيه وجوبا، هذا؛ وقيل: هو منصوب بفعل محذوف، التقدير:
الزموا مكانكم، والأول أولى بالاعتبار، والكاف حرف على الأول لا محل له، وفي محل جر بالإضافة على الثاني. {أَنْتُمْ}: هذا الضمير توكيد للضمير المستتر في اسم الفعل على الأول، وتوكيد لواو الجماعة في الفعل (الزموا) على الثاني. {وَشُرَكاؤُكُمْ}: معطوف على الضمير المستتر، أو على واو الجماعة، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة:{مَكانَكُمْ..} . إلخ على الاعتبارين في محل نصب مقول القول، وجملة:{نَقُولُ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها. فهي في محل جر مثلها. {فَزَيَّلْنا} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {بَيْنَهُمْ}:
ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ..} . إلخ:
معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. {ما} : نافية. {كُنْتُمْ} : ماض ناقص مبني على السكون، والتاء: اسمه. {إِيّانا} : ضمير منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. {تَعْبُدُونَ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل نصب خبر كان، وجملة:{ما كُنْتُمْ..} . إلخ في محل نصب مقول القول.
{فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (29)}
الشرح: معنى الآية الكريمة قد علم الله وكفى به شهيدا أنا ما علمنا أنكم كنتم تعبدوننا، وما كنا عن عبادتكم إيانا من دون الله إلا غافلين، لا نعلم وما نشعر بذلك، انتهى. خازن.
هذا؛ والفعل (كفى) بمعنى اكتف، أو نكتفي، وهو جامد ملازم لهذه الصيغة، وتزاد الباء في فاعله كما في هذه الآية وهو لازم لا ينصب المفعول به، وغيرها كثير، وقد يأتي بمعنى:
(حسب) وهو بهذه الصيغة، وهو يكون قاصرا لا يتعدى بنفسه إلى المفعول به، ولا تزاد الباء في فاعله، كما في قول سحيم بن وثيل الرياحي عبد بني الحسحاس:[الطويل]
عميرة ودّع، إن تجهّزت غازيا
…
كفى الشّيب والإسلام للمرء ناهيا
هذا؛ وقد يأتي الفعل متصرفا بمعنى: يجزي ويغني، فيتعدى لواحد، ولا تزاد الباء في فاعله، كما في قول الشاعر:[الوافر]
قليل منك يكفيني، ولكن
…
قليلك لا يقال له: قليل
ومثله ما إذا كان بمعنى: (وقى)، أو قام بكفايته في شأن من الشئون، وهذا يتعدى إلى مفعولين، كقوله تعالى:{وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ} .
الإعراب: {فَكَفى} : الفاء: حرف عطف. (كفى): ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {بِاللهِ} : الباء: حرف جر صلة. (الله): فاعل كفى مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. {شَهِيداً}: تمييز. {بَيْنَنا}
وَبَيْنَكُمْ: ظرف مكان متعلق ب {شَهِيداً،} و (نا) والكاف: كلاهما في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية {فَكَفى..} . إلخ، معطوفة على جملة:{ما كُنْتُمْ..} . إلخ فهي في محل نصب مقول القول مثلها. {إِنْ} : حرف مخفف من الثقيلة مهملة لا عمل لها. {كُنّا} : ماض ناقص مبني على السكون. و (نا): اسمه. {عَنْ عِبادَتِكُمْ} : متعلقان ب (غافلين) بعدهما، والكاف: في محل جر بالإضافة. {لَغافِلِينَ} : اللام: هي الفارقة بين «إنّ» المهملة والعاملة، وهي لازمة في حال الإهمال. (غافلين): خبر كان منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، والجملة الفعلية:{إِنْ كُنّا..} . إلخ، في محل نصب مقول القول مثل سابقتها.
الشرح: {هُنالِكَ} أي: في ذلك المقام، أو في ذلك الموقف، أو في ذلك الوقت. {تَبْلُوا}:
تختبر ما قدمت من عمل فتعاين نفعه وضره، وقرئ:«(تتلو)» أي: تقرأ كل نفس كتابها الذي كتب عليها، وقرئ «(نبلو)» أي: نختبر كل نفس، أي: نفعل بها فعل المختبر لحالها، المتعرف لسعادتها وشقاوتها بتعرف ما أسلفت من أعمالها، ويجوز أن يراد به: نصيب بالبلاء، أي: بالعذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر. {وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} : هذا الرد يكون يوم القيامة، وهو بمعنى الرجوع، ورجوعهم إلى الله ليحاسبهم على صنيع أعمالهم، ومعنى {مَوْلاهُمُ الْحَقِّ}: متولي أمورهم على الحقيقة، لا الذي اتخذوه وليّا باطلا من الأصنام وغيرها، {وَضَلَّ عَنْهُمْ}: غاب وذهب عنهم ما كانوا يكذبون في الدنيا من أن الأصنام التي يعبدونها تشفع لهم.
تنبيه: لا تناقض بين قوله تعالى هنا: {مَوْلاهُمُ} وبين قوله في سورة (محمد): {وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ؛} لأن ما هنا بمعنى المالك والقاهر، وهو مولاهم في الرزق، وإدرار النعم، وما هناك بمعنى: ليس بمولاهم في المعونة والنصرة، وغير ذلك، والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
الإعراب: {هُنالِكَ} : اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بالفعل بعده، واللام للبعد، والكاف: حرف خطاب لا محل له. {تَبْلُوا} : مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو للثقل. {كُلُّ}: فاعله على قراءته (تبلو) و (تتلو) وأما على قراءته بالنون، ف {كُلُّ} مفعول به، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» ، و {كُلُّ}:
مضاف، و {نَفْسٍ}: مضاف إليه. {ما} : اسم موصول أو نكره موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، وهذا على رفع {كُلُّ،} وفي محل نصب بدلا من {كُلُّ} على نصبها، وقيل: هي منصوبة على نزع الخافض، أي: بسبب ما أسلفت، انظر الشرح، والجملة بعدها صلتها أو صفتها، والعائد أو الرابط: محذوف، التقدير: الذي أو شيئا أسلفته. {وَرُدُّوا} :
ماض مبني للمجهول، مبني على الضم، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{تَبْلُوا..} . إلخ لا محل لها مثلها الأولى بالاستئناف، والثانية بالاتباع. {إِلَى اللهِ}:
متعلقان بالفعل قبلهما. {مَوْلاهُمُ} : بدل من (الله)، وقيل: صفة مجرورة وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر. والهاء في محل جر بالإضافة. {الْحَقِّ} : بالجر بدل أو صفة ثانية، ويقرأ بالنصب، وهو مفعول مطلق مؤكد لما قبله، أو هو على تقدير فعل، أي: أعني الحق، ويجوز رفعه على القطع مما قبله، ويكون التقدير: مولاهم الحق، ولكن لم أر من قرأ به.
{وَضَلَّ} : ماض. {عَنْهُمْ} : متعلقان بما قبلها. {ما} : تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية صلتها، أو صفتها، والعائد أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: ضل عنهم الذي، أو شيء كانوا يفترونه، وعلى اعتبار {ما} مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل رفع فاعل، التقدير: ضل عنهم افتراؤهم، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا.
الشرح: {قُلْ} : هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المعاندين. {مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ} أي: من المطر النازل من السماء؛ إذ هو سبب للرزق. {وَالْأَرْضِ} أي:
النبات والخارج من الأرض على جميع أنواعه وأشكاله، وانظر الآية رقم [3] وسماء أصله:
(سماو). فيقال في إعلاله: تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، ولم يعتد بالألف الزائدة؛ لأنها حاجز غير حصين، فالتقى ساكنان: الألف الزائدة، والألف المنقلبة، فأبدلت همزة، هذا؛ و (السماء) يذكر ويؤنث، والسماء: كل ما علاك، فأظلك، ومنه قيل لسقف البيت: سماء، والسماء: المطر، يقال: ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناك، قال معاوية بن مالك:[الوافر]
إذا نزل السّماء بأرض قوم
…
رعيناه، وإن كانوا غضابا
أراد بالسماء المطر، ثم أعاد الضمير عليه في (رعيناه) بمعنى النبات، وهذا يسمى عند علماء البديع استخداما. هذا؛ وقد يراد بالسماء السحاب الذي ينزل منه المطر. {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ}: أم من يستطيع خلقهما وتسويتهما، أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتها، وسرعة انفعالها من أذى شيء، هذا؛ وقد وحد السمع دون الأبصار، لأمن اللبس؛ ولأنه في الأصل مصدر، يقال: سمعت الشيء سمعا وسماعا، والمصدر لا يجمع؛ لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير، فلا يحتاج فيه إلى تثنية أو جمع، وقيل: وحد السمع؛ لأن مدركاته نوع واحد، وهو الصوت، ومدركات البصر مختلفة. {وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ}
الْحَيِّ: انظر الآية رقم [95] من سورة (الأنعام)، ففيها الكفاية. {وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}: انظر الآية رقم [3]، {فَسَيَقُولُونَ اللهُ} أي: أنهم يعترفون أن فاعل هذه الأشياء هو الله تعالى.
الإعراب: {قُلْ} : أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {مَنْ} : اسم استفهام وتقرير وتوبيخ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَرْزُقُكُمْ} : مضارع، والكاف في محل نصب مفعول به، والفاعل يعود إلى (من). {مِنَ السَّماءِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{مَنْ يَرْزُقُكُمْ..} . إلخ: في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {وَالْأَرْضِ} : معطوف على {السَّماءِ} . {أَمَّنْ} :
(أم): حرف عطف بمعنى (بل)، والجملة الاسمية:{أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ} : معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها، وأيضا الجملة الاسمية:{وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} :
معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول، والجملة الفعلية:{وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} : معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها، والجملة الاسمية:{وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} :
معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول أيضا. {فَسَيَقُولُونَ}: الفاء: حرف استئناف.
السين: حرف استقبال. (يقولون): مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو: فاعل. {اللهُ} : خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: هو الله، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، والجملة الفعلية:
{فَسَيَقُولُونَ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {فَقُلْ} : الفاء: هي الفصيحة. وانظر الآية رقم [3]، (قل):
أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . الهمزة: حرف استفهام وتقريع وتوبيخ. الفاء: حرف عطف.
(لا): نافية. {تَتَّقُونَ} : فعل وفاعل ومفعوله محذوف للعلم به، والجملة الفعلية:{أَفَلا تَتَّقُونَ} :
معطوفة على جملة محذوفة على رأي: الزمخشري ومن يوافقه، ولا جملة محذوفة على مذهب سيبويه والجمهور، وعلى المذهبين فالكلام في محل نصب مقول القول، وجملة:{فَقُلْ..} . إلخ:
لا محل لها؛ لأنها جواب لشرط غير جازم محذوف، التقدير: وإذا كان ذلك واقعا وحاصلا منهم فقل
…
إلخ، وهذا الشرط المقدر ومدخوله كلام مستأنف لا محل له.
الشرح: {فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ} أي: المتولي للأمور المذكورة في الآية السابقة، المستحق للعبادة هو ربكم الثابت ربوبيته؛ لأنه الذي أنشأكم وأحياكم ورزقكم، ودبر أموركم، لا ما أشركتم به. فماذا بعد الحق؟ أي: ما بعد عبادة الإله الحق إذا تركت عبادته إلا الضلال، فمن تخطى الحق الذي هو عبادة الله تعالى وقع في الضلال. {فَأَنّى تُصْرَفُونَ} أي: كيف تصرفون عقولكم إلى عبادة ما لا يرزق، ولا يحيي ولا يميت. أو كيف تصرفون عن الإيمان بالله تعالى مع قيام البرهان، هذا؛ وانظر شرح الحق في الآية رقم [120] من سورة (هود) عليه السلام.
الإعراب: {فَذلِكُمُ} : الفاء: حرف استئناف. (ذلكم): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له، والميم: حرف دال على جماعة الذكور. {اللهُ} : خبر المبتدأ. {رَبُّكُمُ} : بدل من {اللهُ،} أو صفة له، والكاف: في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.. {الْحَقُّ}: بدل أو صفة مثل سابقه، والجملة الاسمية:{فَذلِكُمُ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {فَماذا} : الفاء: هي الفصيحة، وانظر الآية رقم [3]، (ماذا): يجوز أن يكون اسما استفهاميا مركبا في محل رفع مبتدأ مبنيا على السكون في محل رفع. {بَعْدَ} : ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، و {بَعْدَ}: مضاف، و {الْحَقُّ}:
مضاف إليه، هذا؛ ويجوز اعتبار (ما) اسما استفهاميا مبنيا على السكون في محل رفع مبتدأ، وذا:
اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ، و {بَعْدَ}: ظرف زمان متعلق بمحذوف صلة الموصول، و {بَعْدَ}: مضاف، و {الْحَقُّ}: مضاف إليه. {إِلاَّ} : حرف حصر. {الضَّلالُ} :
بدل من خبر المبتدأ، أو من الضمير المستتر فيه، والاستفهام بمعنى النفي. انتهى من قول السمين بتصرف كبير. هذا؛ وقال القرطبي: ذا صلة، وهذا يعني أنّ (ما): نافية، و {بَعْدَ} ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، و {بَعْدَ} مضاف، و {الْحَقُّ}: مضاف إليه. {إِلاَّ} : حرف حصر.
{الضَّلالُ} : مبتدأ مؤخر، والمعنى:(ما بعد الحق إلا الضلال)؛ وهذا هو الذي يؤيده المعنى والواقع، لا ما قاله السمين، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {فَأَنّى}: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب حال تقدم على عامله. {تُصْرَفُونَ} : مضارع مبني للمجهول مرفوع
…
إلخ، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها.
{كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (33)}
الشرح: معنى الآية الكريمة: كما ثبتت الربوبية لله، وثبت أنه ما بعد الحق إلا الضلال، وثبت انصرافهم عن الحق؛ ثبتت ووجبت كلمة الله عز وجل وحكمه الأزلي على الفاسقين بعدم إيمانهم، وذلك؛ لأنهم لو تركوا وشأنهم لما اختاروا إلا الكفر والفساد في الأرض. هذا؛ وتقرأ {كَلِمَةُ} بالإفراد والجمع.
الإعراب: {كَذلِكَ} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، عامله ما بعده، التقدير: وجبت كلمة ربك على.. وجوبا ثابتا مثل ثبوت ربوبيته تعالى، وثبوت ما بعد الحق إلا الضلال، وانظر الآية رقم [13]، لتفصيل الإعراب. {حَقَّتْ}: ماض، والتاء للتأنيث.
{كَلِمَةُ} : فاعل، و {كَلِمَةُ}: مضاف، و {رَبِّكَ}: مضاف إليه، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {عَلَى الَّذِينَ}: متعلقان بالفعل قبلهما. وجملة: {فَسَقُوا} صلة الموصول، {أَنَّهُمْ}: حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها، وجملة:
{لا يُؤْمِنُونَ} : مع المتعلق المحذوف في محل رفع خبر (أن)، و (أن) واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل رفع بدل من:{كَلِمَةُ،} أو في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: لعدم إيمانهم، أو المصدر في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: هي عدم إيمانهم، وقال الفراء: يجوز (إنهم) بالكسر على الاستئناف. انتهى قرطبي، ولم أر قراءة بالكسر.
الشرح: {قُلْ} : هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي، قل يا محمد لهؤلاء المشركين الضالين المضلين: هل يوجد شيء من الأصنام التي تعبدونها من يقدر على أن ينشئ الخلق على غير مثال سبق، ثم يعيده بعد موته، وفنائه، وتفتت أجزائه، وتقطع أوصاله كهيئته أول مرة؟ فإن لم يجيبوا، وبالطبع هم عاجزون، فأجبهم بقولك:{اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} : وإذا كان أحد لا يفعل ذلك، فكيف تصرفون عن الإيمان بالله، والامتثال لأوامره، واجتناب نواهيه؟! {ثُمَّ}:
انظر الآية رقم [1] من سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.
تنبيه: أطلق الله سبحانه {مِنْ} على الأصنام، وهي لا تعقل، ولا تضر ولا تنفع، محاكاة لقولهم، ومجاراة لزعمهم: أنها تعقل، وتدرك ما يقال لها، كما عوملت معاملة جمع المذكر السالم في الآية رقم [193] (الأعراف). هذا؛ وأطلق على الأصنام اسم الشركاء لأحد أمرين:
أحدهما: أن المشركين يشركونها مع الله في العبادة والتعظيم والتقديس، وثانيها: أنهم يشركونها في الأموال والأنعام والزروع، انظر الآية رقم [138] الأنعام وما بعدها، وإعلال (يعيد) مثل إعلال (يصيب) في الآية رقم [51](التوبة)، وانظر {تُؤْفَكُونَ} في الآية رقم [95] الأنعام ففيها الكفاية.
الإعراب: {قُلْ} : أمر وفاعله مستتر فيه تقديره: «أنت» . {هَلْ} : حرف استفهام مفيد للتوبيخ والتقريع. {مِنْ شُرَكائِكُمْ} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والكاف في محل جر بالإضافة. {مِنْ}: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. {يَبْدَؤُا} :
مضارع وفاعله يعود إلى {مِنْ،} {الْخَلْقَ..} .: مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها، والجملة الاسمية:{هَلْ مِنْ..} . إلخ في محل نصب مقول القول، والجملة الفعلية:
{قُلْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {ثُمَّ} : حرف عطف. {يُعِيدُهُ} : مضارع والفاعل يعود إلى {مِنْ،} والهاء مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها، وإعراب:
{قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} : واضح إن شاء الله تعالى، وجملة:{قُلْ} : مع المقول مستأنفة لا محل لها، وجملة:{يُعِيدُهُ} : معطوفة على جملة: {يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} : فهي في محل رفع مثلها، وإعراب:{فَأَنّى تُؤْفَكُونَ} : مثل إعراب: {فَأَنّى تُصْرَفُونَ} في الآية رقم [32] إفرادا ومحلا.
الشرح: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} أي: بنصب الحجج، وإرسال الرسل، والتوفيق للنظر والتدبر، و (هدى) كما يعدى ب «إلى» لتضمنه معنى الانتهاء يعدى باللام للدلالة على أن المنتهي غاية الهداية، وأنها لم تتوجه نحوه، على سبيل الاتفاق؛ ولذلك عدي بها ما أسنده إلى الله، فإن لم يجيبوا، وبالطبع هم عاجزون؛ فأجبهم بقولك. {قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ..}. إلخ أي: إن الله هو الذي يهدي إلى الحق، فهو أحق بالاتباع، لا هذه الأصنام، التي لا تهتدي إلا أن تهدى، ومثله حال أشراف شركائهم، كالملائكة، والمسيح، وعزير، وكل من عبد من دون الله، هذا؛ والفعل {يَهْدِي}: يقرأ بست قراءات. {فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} : هذا توبيخ وتقريع وإنكار، أي: ما بالكم ترضون بعبادة من لا ينفع ولا يضر؟ مع أن العقول السليمة لا ترضى بذلك، ولا تقره!.
تنبيه: قال الخازن-رحمه الله تعالى-فإن قلت: الأصنام جماد لا تتصور هدايتها، ولا أن تهدي غيرها، فكيف قال:{إِلاّ أَنْ يُهْدى؟} قلت: ذكر العلماء عن هذا السؤال وجهين:
الأول: أن معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال من مكان إلى مكان، فيكون المعنى: أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان آخر، إلا أن تحمل، وتنقل، فبين سبحانه وتعالى بهذا عجز الأصنام.
الثاني: أن ذكر الهداية في حق الأصنام على وجه المجاز، وذلك أن المشركين لما اتخذوا الأصنام آلهة، وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل؛ عبر عنها بما يعبر به عمن يسمع ويعقل ويعلم.
الإعراب: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} : انظر إعراب مثل هذا الكلام في الآية السابقة {قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} انظر إعراب مثلها في الآية السابقة {أَفَمَنْ..} . إلخ، الهمزة: حرف استفهام. الفاء: حرف عطف. (من): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، وجملة:{يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} : صلة الموصول لا محل لها. {أَحَقُّ} : خبر المبتدأ، والمصدر المؤول من {أَنْ يُتَّبَعَ}: في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير بالاتباع، وإن شئت اعتبرت المصدر في محل رفع على البدل من (من)، وهو بدل الاشتمال، وأجاز أبو البقاء اعتبار المصدر المؤول مبتدأ مؤخرا، و {أَحَقُّ} خبرا مقدما، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ (من)، والجملة الاسمية:{أَفَمَنْ..} . إلخ: مستأنفة لا محل لها. {أَمَّنْ} : (أم): حرف عطف، وهي متصلة. (من): مبتدأ، وجملة:{لا يَهِدِّي} : صلة الموصول لا محل لها، وخبر المبتدأ محذوف لدلالة ما قبله عليه؛ إذ التقدير: أم الذي لا يهدي أحق أن يتبع، وهذا من تمام المعادل،
والمعنى يقضي: أن الخبر المقدر بعد الاستثناء. تأمل. {إِلاّ} : حرف استثناء. {أَنْ} حرف مصدري ونصب. {يَهْدِي} : مضارع مبني للمجهول منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المقصورة للتعذر، ونائب الفاعل مستتر تقديره:«هو» يعود إلى (من)، و {أَنْ} المضارع في تأويل مصدر في محل نصب على الاستثناء، وهو في الأصل مجرور بحرف جر؛ فلما حذف الجار انتصب المصدر على الاستثناء المتصل، والجملة الاسمية:{أَمَّنْ..} . إلخ: معطوفة على ما قبلها لا محل لها. {فَما} : الفاء: هي الفصيحة. (ما): اسم استفهام وتوبيخ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {لَكُمْ} : متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم محذوف؛ إذ التقدير: وإذا كان ما ذكر في شأن شركائكم حاصلا وواقعا فما لكم تحكمون هذا الحكم الفاسد بعبادتهم، وتقديسهم وتعظيمهم؟! والشرط المقدر ومدخوله معطوف على ما قبله لا محل له. {كَيْفَ}: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال عامله ما بعده، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها بمنزلة التوكيد للجملة الاسمية المتضمنة للاستفهام التوبيخي.
الشرح: {وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ} أي: فيما يعتقدون. {إِلاّ ظَنًّا} : مستندا إلى خيالات فارغة، وأقيسة فاسدة، كقياس الغائب على الشاهد، والخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة، والمراد بالأكثر الجميع، أو من ينتمي منهم إلى تمييز ونظر، ولا يرضى بالتقليد الصرف، هذا؛ وأصل (الظن) استعماله في الطرف الراجح، وهنا قد استعمل في الطرف الموهوم فضلا عن المرجوح، والظن الذي يتبعه المشركون هو: أن الأصنام تشفع لهم. {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} : أي إن الظن لا يقوم مقام العلم والحقيقة، ولا ينفع صاحبه شيئا، وفيه دليل على أن تحصيل العلم في أصول الدين وقواعده واجب، والاكتفاء بالظن والتقليد غير جائز. {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ}: فيه تهديد ووعيد لهؤلاء المشركين الذين قلدوا آباءهم بعبادة الأصنام، وأعرضوا عن الحق والبرهان.
الإعراب: {وَما} : الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {يَتَّبِعُ} : مضارع. {أَكْثَرُهُمْ} : فاعل والهاء: في محل جر بالإضافة. {إِلاّ} : حرف حصر. {ظَنًّا} : مفعول به. والجملة الفعلية: {وَما يَتَّبِعُ..} . إلخ: مستأنفة لا محل لها. {إِنَّ} : حرف مشبه بالفعل. {الظَّنَّ} : اسمها. {إِلاّ} :
نافية. {يُغْنِي} : مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى {الظَّنَّ،} والجملة الفعلية في محل رفع خبر {إِنَّ} . {مِنَ الْحَقِّ} : متعلقان بمحذوف حال من شيئا كان صفة له
…
إلخ. {شَيْئاً} : مفعول مطلق، أو هو مفعول به على تفسير {يُغْنِي} ب «يدفع» ،
والجملة الاسمية: {إِنَّ الظَّنَّ..} . إلخ: مستأنفة لا محل لها، وأيضا الاسمية {إِنَّ اللهَ..}. إلخ:
مستأنفة لا محل لها أيضا، والجار والمجرور {بِما}: متعلقان ب {عَلِيمٌ} . وتفصيل الإعراب مثل {بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} في الآية رقم [8]، ومثل {عَمّا يُشْرِكُونَ} في الآية رقم [18].
الشرح: {وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ} أي: إن هذا القرآن جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن اختلافا اختلقه محمد، وذلك أن كفار قريش زعموا: أن محمدا صلى الله عليه وسلم أتى بهذا القرآن من عند نفسه على سبيل الافتعال والاختلاق. {وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} أي: ولكن الله أنزل هذا القرآن مصدقا لما قبله من الكتب التي أنزلها على أنبيائه كالتوراة والإنجيل، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان أميا لم يقرأ ولم يكتب، ولم يجتمع بأحد من العلماء المعاصرين له من يهود ونصارى. هذا؛ و {تَصْدِيقَ} يقرأ بالرفع والنصب. {وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ} أي: وتبيين ما في الكتب المتقدمة من العقائد، والشرائع، والحلال، والحرام، والفرائض والأحكام، وفيه إيحاء: أن هذا القرآن حوى جميع ما في الكتب التي سبقته، وزادها تفصيلا وإيضاحا. {لا رَيْبَ فِيهِ}: لا شك في هذا القرآن.
الإعراب: {وَما} : الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {كانَ} : ماض ناقص. {هذَا} : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع اسم {كانَ،} والهاء حرف تنبيه لا محل له. {الْقُرْآنُ} :
بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان عليه، ويقال: صفة، ولا أسلمه؛ لأنه غير مشتق. {كانَ}:
حرف مصدري ونصب. {يُفْتَرى} : مضارع مبني للمجهول منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر. ونائب الفاعل مستتر تقديره:«هو» يعود إلى {الْقُرْآنُ} . {مِنْ دُونِ} : متعلقان بالفعل قبلهما، و {دُونِ}: مضاف، و {اللهِ}: مضاف إليه، و {كانَ} والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل نصب خبر {كانَ} أي: افتراء، والمصدر يحول إلى اسم المفعول، التقدير:
مفترى، وجملة:{وَما كانَ..} . إلخ: مستأنفة لا محل لها. {وَلكِنْ} : الواو: حرف عطف.
(لكن): حرف استدراك مهمل لا عمل له. {تَصْدِيقَ} : بالنصب خبر ل «كان» محذوفة مع اسمها، التقدير: ولكن كان تصديق، أو هو مفعول لأجله، عامله محذوف، التقدير: ولكن أنزله الله تصديق. أو هو معطوف على خبر {كانَ} الأولى، وقيل: هو مفعول مطلق لفعل محذوف.
التقدير: ولكن يصدق تصديق، وهو بالرفع خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: ولكن هو تصديق، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة الفعلية السابقة لا محل لها مثلها، و {تَصْدِيقَ}: مضاف، و {الَّذِي} اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لمفعوله،
وفاعله محذوف. {بَيْنَ} : ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، و {بَيْنَ}: مضاف، و {يَدَيْهِ}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأن لفظه مثنى، وحذفت النون للإضافة، والهاء في محل جر بالإضافة. {وَتَفْصِيلَ}: معطوف على {تَصْدِيقَ} على الوجهين المعتبرين فيه، و (تفصيل) مضاف، و {الْكِتابِ}: مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف. {لا}: نافية للجنس تعمل عمل (إن). {رَيْبَ} : اسم {لا} مبني على الفتح في محل نصب. {فِيهِ} : متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر {لا،} والجملة الاسمية. {لا رَيْبَ فِيهِ} : في محل نصب حال من الكتاب، أو هي مستأنفة لا محل لها، أو هي في محل رفع خبر ثان على رفع {تَصْدِيقَ،} وخبر ثان ل «كان» المحذوفة على نصب {تَصْدِيقَ} . {مِنْ رَبِّ} : متعلقان بمحذوف حال ثانية. أو هما متعلقان ب {تَصْدِيقَ} أو ب (تفصيل) وتكون المسألة من باب التنازع، أو هما متعلقان بالفعل المقدر، و {رَبِّ}: مضاف، و {الْعالَمِينَ}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وهذه الإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.
الشرح: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} أي: أيقول المشركون افترى محمد صلى الله عليه وسلم القرآن واختلقه من تلقاء نفسه. {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: إن كان الأمر كما تقولون وتدعون؛ فأتوا بسورة من مثل هذا القرآن شبيهة به في الفصاحة، والبلاغة، وحسن النظم، فأنتم عرب فصحاء بلغاء. {وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ} أي: استعينوا على إتيان سورة مثل هذا القرآن بمن تريدون من غير الله. {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} أي: في قولكم إن محمدا صلى الله عليه وسلم اختلق القرآن، وافتراه.
تنبيه: قال سليمان الجمل-رحمه الله تعالى: مراتب تحدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن أربعة:
أولها: أنه تحداهم بكل القرآن، كما قال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ..} . إلخ الآية رقم [88] من سورة (الإسراء).
ثانيها: أنه تحداهم بعشر سور، قال تعالى:{قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ..} . إلخ الآية رقم [13] من سورة (هود) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.
ثالثها: أنه تحداهم بسورة واحدة، كما في هذه الآية، والآية رقم [23] من سورة (البقرة).
رابعها: أنه تحداهم بحديث مثله، قال تعالى:{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ..} . إلخ الآية رقم [34] من سورة الطور، فهذا مجموع الدلائل التي ذكرها الله في إثبات: أن القرآن معجز، ثم إن الله تعالى ذكر السبب الذي لأجله كذبوا بالقرآن، فقال:{بَلْ كَذَّبُوا بِما..} . إلخ الآية التالية. انتهى بتصرف.
تنبيه: ومعنى قوله تعالى في سورة (البقرة): {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} أي: فأتوا بسورة مع إنسان أمي مثل محمد صلى الله عليه وسلم يساويه في الفصاحة والبلاغة مع كونه لم يقرأ ولم يكتب، ومعنى {بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} هنا، أي: بسورة تساوي سور القرآن في الفصاحة والبلاغة، انتهى خازن بتصرف كبير. وبذلك يظهر لك وجه ذكر {مَنِ} هناك، وعدم ذكرها هنا. والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
الإعراب: {أَمْ} : حرف عطف، وهي متضمنة معنى همزة الاستفهام؛ لأنها متصلة بما قبلها.
{يَقُولُونَ} : مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله. {اِفْتَراهُ}: ماض، والهاء مفعوله، وفاعله يعود إلى غير مذكور، لكنه مفهوم من المقام؛ إذ المراد به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة:{يَقُولُونَ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا. {قُلْ} :
أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {فَأْتُوا} : الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر انظر الشرح. {فَأْتُوا} : أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {بِسُورَةٍ}:
متعلقان بالفعل قبلهما. {مِثْلِهِ} : صفة سورة، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:
(ائتوا
…
) إلخ في محل جزم جواب الشرط المقدر انظر الشرح، والشرط المقدر ومدخوله في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ: مستأنفة لا محل لها. (ادعوا): أمر، وفاعله، والألف للتفريق، ومتعلقه محذوف. إذ التقدير: ادعوا لمساعدتكم. {مَنِ} : اسم موصول أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة بعدها صلتها أو صفتها، والعائد أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: استطعتم دعوته. {مِنْ دُونِ} : متعلقان بالفعل (ادعوا) أو هما متعلقان بمحذوف في محل نصب حال من الضمير المحذوف العائد على {مَنِ،} و {مَنِ} بيان لما أبهم فيها. و {دُونِ} : مضاف، و {اللهِ}: مضاف إليه، وجملة: (ادعوا
…
) إلخ معطوفة على جملة:
(ائتوا
…
) إلخ فهي في محل جزم مثلها ثم هي في محل نصب مقول القول أيضا. {إِنْ} : حرف شرط جازم. {كُنْتُمْ} : ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء اسمه.
{صادِقِينَ} : خبره منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الفعلية:{كُنْتُمْ صادِقِينَ} لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله؛ إذ التقدير: إن كنتم صادقين في قولكم؛ فأتوا بسورة مثل هذا القرآن. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الشرح: {بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} أي: كذب المشركون بما في القرآن من ذكر الجنة والنار، والحشر والصراط والميزان، والجنة والنار وغير ذلك، مما لم يعلموا منه شيئا؛ لأنهم
كانوا ينكرون ذلك. {وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} أي: ولم يأتهم بيان ما يؤول إليه ذلك الوعيد الذي توعدهم الله به في القرآن من الانتقام الشديد، والأخذ السريع؛ حتى يتبين لهم أنه صدق أم كذب، والمعنى: أن القرآن معجز من جهة اللفظ، ومعجز من جهة المعنى، وهم قد كذبوا به قبل أن يتأملوا لفظه، وقبل أن يتدبروا معناه، واستمرار النفي ب (لمّا) يفيد أنه قد ظهر لهم فيما بعد إعجازه لكثرة ما تحداهم به، ومع ذلك بقوا مصرين على الكفر تمردا وعنادا، وهذا كان قبل الهجرة، ولكن بعد الهجرة تفهموا معناه، وتدبروا آياته؛ لذا فقد آمن منهم خلق كثير، ولا سيما بعد معاهدة الحديبية التي فتحت الباب على مصراعيه للتفاهم بين المسلمين وبين المشركين.
{كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: كما كذب هؤلاء بالقرآن كذبت الأمم الماضية أنبياءهم فيما وعدوهم، أو توعدوهم به. {فَانْظُرْ كَيْفَ..}. إلخ: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: فانظر يا محمد كيف كان عاقبة من ظلم من الأمم السابقة، فعاقبة من كذبك تكون مثل عاقبة هؤلاء، ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون الخطاب لكل فرد من الناس، ليعتبر من يعتبر.
الإعراب: {بَلْ} : حرف عطف وانتقال. {كَذَّبُوا} : فعل وفاعل والألف للتفريق. {بِما} :
متعلقان بالفعل قبلهما، و (ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر بالباء، وجملة:{لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} صلة (ما) أو صفتها، والعائد أو الرابط: الضمير المجرور محلا بالإضافة. {وَلَمّا} : الواو: واو الحال. (لما): حرف نفي وقلب وجزم. {يَأْتِهِمْ} : مضارع مجزوم ب (لما)، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والهاء في محل نصب مفعول به. {تَأْوِيلُهُ}: فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{وَلَمّا يَأْتِهِمْ..} . إلخ في محل نصب حال من واو الجماعة ب {كَذَّبُوا} والرابط: الواو، والضمير، وجوز عطفها على جملة الصلة، والحالية أقوى. {كَذلِكَ}: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف عامله الفعل الذي بعده، التقدير: كذب الذين من قبلهم تكذيبا كائنا مثل تكذيب كفار قريش للقرآن الكريم، وانظر تفصيل الإعراب في الآية رقم [13]، {كَذَّبَ}: ماض.
{الَّذِينَ} : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. {مِنْ قَبْلِهِمْ} : متعلقان بمحذوف صلة الموصول، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{كَذلِكَ كَذَّبَ..} . إلخ: مستأنفة لا محل لها، وكذلك جملة:{بَلْ كَذَّبُوا..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {فَانْظُرْ} : الفاء: هي الفصيحة وانظر الآية رقم [3]، (انظر): أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {كَيْفَ} : اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر كان، تقدم عليها وعلى اسمها. {كانَ}: ماض ناقص، {عاقِبَةُ}:
اسمها، وهو مضاف، و {الظّالِمِينَ}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء
…
إلخ، وجملة:
{كَيْفَ كانَ..} . إلخ في محل نصب مفعول به للفعل قبلهما، المعلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام، وجملة (انظر
…
) إلخ لا محل لها؛ لأنها جواب لشرط مقدر ب «إذا» ، التقدير: وإذا كان ذلك حاصلا وواقعا؛ فانظر، وهذا الكلام كله مستأنف لا محل له.
الشرح: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} أي: من أهل مكة من يصدق بالقرآن الكريم، ويعترف بأحقيته.
ومنهم من لا يصدق به، ولا يعترف بأحقيته، وهذا؛ وعد من العلي القدير، وبشارة منه لنبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بأن من قومه من يؤمن بالله، كيف لا؟ وقد أنجز الله من وعد؛ حيث آمن أكثر قريش وأكثر العرب، ثم حملوا لواء الإسلام، فنشروا تعاليمه في كل مكان، وقد مات منهم على الكفر من قدر الله له ذلك في الأزل، كأبي جهل، وأبي طالب، وأبي لهب، وأمثالهم وهؤلاء لو تركوا وشأنهم لما اختاروا غير الكفر؛ فلذا قدره لهم وقضاه عليهم. {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ}: المعادين المصرين على الكفر، الذين سجل الله لهم الشقاوة والتعاسة في قديم الأزل.
الإعراب: {وَمِنْهُمْ} : الواو: حرف استئناف، (منهم): متعلقان بمحذوف خبر مقدم.
{مَنْ} : اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر، وجملة:
{يُؤْمِنُ بِهِ} صلة {مَنْ،} أو صفتها هذا هو الإعراب الظاهر، ولا أعتمده، وإنما أعتمد ما ذكرته في الآية رقم [49] التوبة، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها، وإعراب ما بعدها مثلها، ولا فرق بينهما في الإيجاب والنفي. {وَرَبُّكَ}: مبتدأ، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {أَعْلَمُ}: خبره، وهو بمعنى عالم، وليس على بابه؛ لأنه لا أحد يشرك الله في علمه بحقيقة الفاسدين المفسدين. وفاعله مستتر فيه. {بِالْمُفْسِدِينَ}:
متعلقان ب {أَعْلَمُ} والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها، أو هي في محل نصب حال من فاعل {يُؤْمِنُ} المستتر، ويكون الرابط: الواو، والضمير المقدر ب (منهم)، أي: المفسدين منهم.
الشرح: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ} أي: وإن كذبك قومك يا محمد، ولم يؤمنوا بما جئتهم به من الهدى والنور. {فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} أي: قل لهم: لي عملي الذي أعمله فأجزى به، وهو الطاعة لا غير فأثاب عليها. {وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ}: وهو الشرك، والضلال، والفساد، فتعاقبون عليه، وتحاسبون به. {أَنْتُمْ بَرِيئُونَ..} . إلخ، أي: فأنتم لا تسألون عن عملي وأنتم بريئون منه، وأنا بريء من عملكم، ولا أسأل عما تعملون، وما أشبه معنى هذه الآية بالآية رقم [35] من سورة (هود).
تنبيه: في هذه الآية الكريمة قطع لأواصر القرابة، وصرم للصداقة يوم القيامة بين المؤمنين والكافرين، وهذا قد نطق فيه القرآن {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} .
الإعراب: {وَإِنْ} : الواو: حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {كَذَّبُوكَ} : ماض مبني على الضم في محل جزم فعل الشرط، والواو فاعله، والكاف: مفعوله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَقُلْ} : الفاء: واقعة في جواب الشرط.
(قل): أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {لِي} : متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {عَمَلِي} : مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، وياء المتكلم في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{فَقُلْ..} . إلخ: في محل جزم جواب الشرط، و (إن) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {أَنْتُمْ}: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
{بَرِيئُونَ} : خبر مرفوع، علامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وفاعله مستتر فيه. {مِمّا}: جار ومجرور متعلقان ب {بَرِيئُونَ،} و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر ب (من)، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد أو الرابط: محذوف؛ إذ التقدير: أعمله، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع الفعل بعدها، بمصدر في محل جر ب (من)، التقدير: من عملي، والجملة الاسمية:{أَنْتُمْ..} . إلخ توكيد لما أفادته لام الاختصاص من عدم تعدي أجر العمل إلى غير عامله، أي: لا تؤاخذون بعملي، لا أؤاخذ بعملكم، انتهى. نقلا من أبي السعود.
أقول: وهذا حلّ معنى، لا حلّ إعراب، لذا فالجملة الاسمية:{أَنْتُمْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها، والجملة الاسمية:{وَأَنَا بَرِيءٌ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها، وإعراب هذه مثلها، ومثل إعراب:{عَمّا يُشْرِكُونَ} في الآية رقم [18]، وجملة:{وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول، وإعرابها مثلها بلا فارق، والكلام كله في محل نصب مقول القول. تأمل.
الشرح: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} أي: ومن المشركين الذين يستمعون إليك حين تقرأ القرآن، ولكنهم لا ينتفعون بهذا السماع؛ لأنهم لم يعملوا عقولهم وقلوبهم، وذلك لشدة بغضهم، وعدوانهم لك، وكراهيتهم للحق والنور، وما أجدرك أن تنظر الآية رقم [25] من سورة الأنعام، فإنك تجد ما يسرك. {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ}: استفهام نفي وإنكار، أي: أتقدر على إسماعهم؟. {وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ} أي: ولو انضم إلى صممهم عدم تعقلهم، وفيه تنبيه على أن حقيقة استماع الكلام: فهم المعنى المقصود منه؛ ولذلك لا توصف به البهائم، وهو لا يتأتى إلا باستماع العقل السليم في تدبره، وعقولهم لما كانت مولعة بمعارضة الوهم، ومشايعة الإلف
والتقليد، تعذر إفهامهم الحكم، والمعاني الدقيقة، فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم، غير ما ينتفع به البهائم من كلام الناعق. انتهى. جمل البيضاوي.
الإعراب: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} : إعراب هذه الجملة مثل إعراب: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} في الآية رقم [40] والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها، {أَفَأَنْتَ}: الهمزة: حرف استفهام.
الفاء: حرف عطف. (أنت): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {تُسْمِعُ} :
مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» . {الصُّمَّ} : مفعول به، وجملة:{تُسْمِعُ الصُّمَّ} : في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{أَفَأَنْتَ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها، أو هي مستأنفة لا محل لها. {وَلَوْ}: الواو: واو الحال. (لو): وصلية. {كانُوا} : ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {لا}: نافية. {يَعْقِلُونَ..} .: مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب خبر (كان)، وجملة:{وَلَوْ كانُوا..} . إلخ في محل نصب حال من واو الجماعة؛ وعليه تكون الجملة الاسمية معترضة لا محل لها، أو في محل نصب حال من الضم، والرابط على الاعتبارين الواو، والضمير. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43)}
الشرح: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ} أي: ومن المشركين الذين ينظرون إليك، ويعاينون دلائل نبوتك. ولكن لا يصدقونك. {أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ} أي: أتقدر على هدايتهم إذا لم يفتح الله بصائرهم للإيمان، ويوفقهم للهدى. {وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ} أي: وإن انضم إلى عمى البصر عمى البصيرة، فإن المقصود من الإبصار والاستبصار الاعتبار والتدبر، والعمدة في ذلك البصيرة، فإن عميت فلا ينتفع ابن آدم بالمواعظ والنصائح، قال تعالى:{فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ،} ولذا نرى كثيرا من فاقدي البصر ينتفعون بما يسمعون، ويوجد عندهم تدبر وتفكر بما يملى عليهم؛ لأن بصائرهم أي: قلوبهم واعية.
والمراد بالآيتين الكريمتين تسلية النبي صلى الله عليه وسلم بسبب ما يلقى من قومه من عناء، أي: كما لا تقدر أن تسمع من سلب السمع، ولا تقدر أن تخلق للأعمى بصرا يهتدي به فكذلك لا تقدر أن توفق قومك للإيمان، وقد حكم الله عليهم أن لا يؤمنوا.
تنبيه: راعى سبحانه معنى {مَنْ} بقوله: {يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} ولفظها بقوله {يَنْظُرُ إِلَيْكَ} ومثلها الآية رقم [40] واعتبرهم صما لا يسمعون مع كونهم لهم آذان يسمعون بها؛ إذ المعنى:
لا يسمعون سماع قبول وتعقل، واعتبرهم عميا لا يبصرون مع كونهم لهم عيون يبصرون؛ إذ المعنى لا يبصرون طريق الهدى والرشاد، وانظر الآية رقم [179] من سورة (الأعراف)، وإعراب الآية الكريمة مثل سابقتها بلا فارق.
{إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)}
الشرح: قال العلماء في شرح هذه الآية: لما حكم الله على أهل الشقوة بالشقاوة لقضائه وقدره السابق فيهم؛ أخبر في هذه الآية: أن تقدير الشقاوة عليهم ما كان ظلما منه، تعالت حكمته؛ لأنه يتصرف في ملكه كيف يشاء، والخلق كلهم عبيده، وكل من تصرف في ملكه لا يكون ظالما، وإنما قال:{وَلكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ؛} لأن الفعل منسوب إليهم بسبب الكسب، وإن كان قد سبق قضاء الله وقدره فيهم. انتهى خازن. وفي الآية دليل على أن للعبد كسبا، وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت المجبرة، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [33].
الإعراب: {إِنَّ} : حرف مشبه بالفعل. {اللهَ} : اسمها. {لا} : نافية. {يَظْلِمُ} : مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهَ}. {النّاسَ}: مفعول به. {شَيْئاً} : نائب مفعول مطلق، وجوز اعتباره مفعولا ثانيا على تضمين {لا يَظْلِمُ}: معنى لا ينتقص: وجملة: {لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً} : في محل رفع خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية: {إِنَّ اللهَ..} . إلخ: ابتدائية أو مستأنفة لا محل لها على الاعتبارين، {وَلكِنَّ}:(لكنّ): حرف مشبه بالفعل. {النّاسَ} : اسمها. {أَنْفُسَهُمْ} : مفعول به مقدم. {يَظْلِمُونَ} : مضارع وفاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (لكن)، وعلى تخفيفها ف {النّاسَ} مبتدأ، والجملة الفعلية خبره، وعلى الوجهين فالجملة اسمية، وهي معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها.
الشرح: {وَيَوْمَ} «نحشرهم» : انظر الآية رقم [28] والفعل يقرأ بالياء والنون، وانظر (نا) في الآية رقم [8] من سورة (هود). {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ}: يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا، أو في القبور لهول ما يرون، والمراد بهم الكفار، وأما المؤمنون فلم يستقلوا لبثهم في الدنيا؛ لأنهم انتفعوا فيها بالعمل الصالح، وهم في مأمن من الهول والفزع. {يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ} أي: يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا، وهذا أول ما ينشرون، ثم ينقطع التعارف، وهذا التعارف توبيخ وافتضاح، يقول بعضهم لبعض: أنت أضللتني، وحملتني على الكفر، وليس تعارف مودة وعطف وشفقة، وأثبت القرطبي هذا التعارف بين الكافرين، واستدل بقوله تعالى:
{كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها} وغير ذلك {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ} أي: خسروا جنة عرضها السموات والأرض بسبب تكذيبهم بالبعث والحشر والنشور، ثم قيل: يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله عز وجل بعد أن دل على البعث والنشور، وقيل: خسروا في حال لقاء الله؛ لأن الخسران
إنما هو في تلك الحالة التي لا يرجى فيها إقالة، ولا تنفع توبة. {وَما كانُوا مُهْتَدِينَ}: إلى ما ينفعهم، ويصلح حالهم، وينجيهم من الخسار الذي وقعوا فيه في ذلك اليوم المعلوم.
الإعراب: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} : انظر الآية رقم [28]، {كَأَنْ}: حرف مشبه بالفعل مخفف من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، التقدير: كأنهم. {لَمْ} : حرف نفي وقلب وجزم، {يَلْبَثُوا}: مضارع مجزوم ب {لَمْ،} وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق. {إِلاّ}: حرف حصر. {ساعَةً} : ظرف زمان متعلق بالفعل قبله. {مِنَ النَّهارِ} : متعلقان بمحذوف صفة ساعة، وجملة:{لَمْ يَلْبَثُوا..} . إلخ: في محل رفع خبر {كَأَنْ،} والجملة الاسمية: {كَأَنْ لَمْ..} . إلخ في محل نصب حال من الضمير المنصوب، وقيل: في محل نصب صفة: (يوم)، وقيل: في محل نصب صفة مصدر محذوف، التقدير: حشرا كأن، والمعتمد الأول. {يَتَعارَفُونَ}: مضارع، والواو فاعله. {بَيْنَهُمْ}: ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية في محل نصب حال أخرى من الضمير المنصوب، أو من واو الجماعة، والرابط الضمير فقط، وهذه الحال مقدرة، أي: حال كونهم مقدرين التعارف، لا أنهم متعارفون بالفعل، هذا؛ وجوز اعتبار الظرف. (يوم): متعلقان به، التقدير: يتعارفون بينهم يوم يحشرهم، فتكون الجملة الفعلية مستأنفة، والمعنى على الأول أقوى، {قَدْ}: حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {خَسِرَ} : ماض. {الَّذِينَ} : فاعله، وجملة:{كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ} : صلة الموصول لا محل لها، وجملة:{قَدْ خَسِرَ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها، أو هي في محل نصب مقول القول لقول محذوف، التقدير: قائلين: قد خسر
…
إلخ، هذا المقدر حال من مفعول {يَحْشُرُهُمْ،} أو حال من فاعل: {يَتَعارَفُونَ،} وجملة: {وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} : معطوفة على جملة: {قَدْ خَسِرَ..} . إلخ على الوجهين المعتبرين فيها، أو هي معطوفة على {كَذَّبُوا..} . إلخ، فلا محل لها مثلها أيضا.
الشرح: {وَإِمّا نُرِيَنَّكَ} : نبصرك يا محمد في حياتك. {بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} : القتل أو الأسر، وقد حقق الله ذلك يوم بدر حيث قتل من قتل، وأسر من أسر. {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} أي: قبل أن ترى تحقيق ما نعدهم به من العذاب في الدنيا. {فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ} أي: مصيرهم ومآلهم في الآخرة، فإنك ترى عذابهم. {ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ} أي: الله رقيب حاضر وعالم بكل ما يفعله هؤلاء المشركون من تكذيبك ومحاربتك، لا يعزب عن علمه شيء.
الإعراب: {وَإِمّا} : الواو: حرف استئناف. (إما): أصلها: (إن ما) ف: «إن» حرف شرط جازم، و (ما): زائدة مدغمة فيها. {نُرِيَنَّكَ} : مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد
الثقيلة التي هي حرف لا محل له، والفاعل مستتر فيه وجوبا تقديره:«نحن» ، والكاف مفعول به أول. {بَعْضَ}: مفعول به ثان، و {بَعْضَ} مضاف، و {الَّذِي} اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة. {نَعِدُهُمْ}: مضارع، والفاعل تقديره:«نحن» ، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: نعدهموه، وجملة:{نُرِيَنَّكَ..} .
إلخ: لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجملة:{نَتَوَفَّيَنَّكَ} :
معطوفة على ما قبلها، وإعرابها مثلها. {فَإِلَيْنا}: الفاء: واقعة في جواب الشرط، (إلينا):
متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مَرْجِعُهُمْ} : مبتدأ مؤخر، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر الميمي لفاعله، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط، هذا في الإعراب؛ وأما في المعنى فجواب:{نُرِيَنَّكَ..} . إلخ محذوف. التقدير: فذاك ظاهر، والجملة الاسمية جواب شرط محذوف، التقدير: وإما نتوفينك قبل نزول العذاب بهم فلا يفوتهم، بل ننزله بهم في الآخرة، وهو ما استفيد من الجملة الاسمية:{فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ} : وانظر الآية رقم [42] من سورة (الرعد) ففيها فضل بيان {ثُمَّ} : حرف عطف. {اللهُ} : مبتدأ. {شَهِيدٌ} :
خبره، {عَلى}: حرف جر. {إِمّا} : تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر ب {عَلى،} والجار والمجرور متعلقان ب {شَهِيدٌ،} والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط: محذوف، التقدير: على الذي، أو على شيء يفعلونه، وعلى اعتبار {إِمّا} مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر ب {عَلى،} والجار والمجرور متعلقان ب {شَهِيدٌ} التقدير: شهيد على فعلهم.
الشرح: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ} أي: لكل أمة من الأمم السابقة بعث إليها رسول يدعوهم إلى الله، وإلى طاعته، وإلى الإيمان به. {فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ} أي: فإذا جاءهم رسولهم، وبلغهم ما أرسل به إليهم؛ كذبه قوم وصدقه آخرون. {قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}: حكم بينهم بالعدل، وفي وقت هذا القضاء والحكم بينهم قولان: أحدهما: أنه في الدنيا، فيهلك الله الكافرين، وينجي المؤمنون ورسلهم، ويكون ذلك عدلا منه تعالى لا ظلما.
القول الثاني: أن وقت القضاء يكون في الآخرة، فيدخل الله الرسل وأتباعهم الجنة، ويدخل الكافرين والمجرمين النار، ويكون ذلك عدلا منه تعالى لا ظلما. وهم {لا يُظْلَمُونَ}:
بزيادة شيء من سيئاتهم، ولا نقص شيء من حسناتهم.
الإعراب: {وَلِكُلِّ} : الواو: حرف استئناف. (لكلّ): متعلقان بمحذوف خبر مقدم، و (كل) مضاف، و {أُمَّةٍ}: مضاف إليه. {رَسُولٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة
لا محل لها. الفاء: حرف تفريع، (إذا): انظر الآية رقم [12]، والجملة الفعلية:{جاءَ رَسُولُهُمْ} : في محل جر بإضافة (إذا) إليها على القول المشهور المرجوح. ومفعول {جاءَ} محذوف، التقدير: فإذا جاءهم رسولهم. {قُضِيَ} : ماض مبني للمجهول. {بَيْنَهُمْ} : ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، والهاء في محل جر بالإضافة. {بِالْقِسْطِ}: في محل رفع نائب فاعل، والجملة الفعلية جواب (إذا) لا محل لها. و (إذا) ومدخولها كلام مفرع عما قبله لا محل له مثله. {وَهُمْ}: الواو: واو الحال. (هم): ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
{لا} : نافية. {يُظْلَمُونَ} : مضارع مبني للمجهول مرفوع
…
إلخ. والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{وَهُمْ..} . إلخ، في محل نصب حال من الضمير المجرور محلا بالإضافة، والرابط: الواو، والضمير.
{وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48)}
الشرح: {وَيَقُولُونَ} أي: يقول كفار قريش. {مَتى هذَا الْوَعْدُ} أي: الذي تعدنا به يا محمد من نزول العذاب، وقيل: قيام الساعة، وإنما قالوا ذلك على وجه التكذيب، والاستبعاد والاستهزاء. {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} أي: فيما تعدوننا به، وإنما قالوا بلفظ الجمع؛ لأن كل أمة قالت لرسولها كذلك، أو يكون المعنى إن كنتم صادقين أنت وأتباعك يا محمد.
الإعراب: {وَيَقُولُونَ} : الواو: حرف استئناف، (يقولون): مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله. {مَتى}: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بمحذوف خبر مقدم. {هذَا} : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر، والهاء حرف تنبيه لا محل له. {الْوَعْدُ}: بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان عليه، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{وَيَقُولُونَ..} . إلخ: مستأنفة لا محل لها {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} : انظر الآية رقم [38] لإعراب هذه الجملة.
الشرح: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاّ ما شاءَ اللهُ} : هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لما استعجل كفار مكة العذاب، أي: قل يا محمد لهؤلاء الكفار: إني لا أقدر على جلب نفع لنفسي، ولا دفع ضر عنها إلا بمشيئة الله. {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ..} . إلخ، أي: لهلاك كل أمة وقت معلوم في علمه سبحانه وتعالى، إذا جاء وقت انقضاء أجلهم فلا يمكنهم أن يستأخروا ساعة باقين في الدنيا، ولا يتقدمون ساعة أيضا، وانظر الآية رقم [34] من سورة (الأعراف)، تجد ما يسرك.
الإعراب: {قُلْ} : فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {لا} : نافية. {أَمْلِكُ} : فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«أنا» . {لِنَفْسِي} : جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والياء في محل جر بالإضافة، هذا؛ وجوز تعليق الجار والمجرور بمحذوف حال من {ضَرًّا،} كان صفة له
…
إلخ. {ضَرًّا} : مفعول به. الواو: حرف عطف. (لا): نافية، ويقال: زائدة لتأكيد النفي. {نَفْعاً} : معطوف على ما قبله. {إِلاّ} : أداة استثناء. {ما} : تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل نصب على الاستثناء، والجملة بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد أو الرابط: محذوف؛ إذ التقدير: إلا الذي أو شيئا شاءه الله، وجملة:{لا أَمْلِكُ..} . إلخ: في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ: مستأنفة لا محل لها.
{لِكُلِّ} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {أَجَلٌ} : مبتدأ مؤخر، و (كل) مضاف، و {أُمَّةٍ}: مضاف إليه. {إِذا} : انظر الآية رقم [12]، {جاءَ}: ماض. {أَجَلُهُمْ} : فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على القول المشهور المرجوح. {فَلا}: الفاء: واقعة في جواب {إِذا،} (لا): نافية. {يَسْتَأْخِرُونَ} : فعل مضارع، والواو فاعله. {ساعَةً}: ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، والجملة الفعلية جواب {إِذا،} لا محل لها، وجملة:{وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} مع المتعلق المحذوف معطوفة عليها، لا محل لها مثلها، و {إِذا} ومدخولها كلام مستأنف لا محل له.
الشرح: {قُلْ} : هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم. {أَرَأَيْتُمْ} أي: أخبروني، قال سليمان الجمل:
استعمال (أرأيت) في الإخبار مجاز، أي: أخبروني عن حالتكم العجيبة، ووجه المجاز أنه لما كان العلم بالشيء سببا للإخبار عنه، والأبصار به طريقا إلى الإحاطة به علما، وإلى صحة الإخبار عنه استعملت الصيغة التي لطلب العلم، أو لطلب الإبصار في طلب الخبر، لاشتراكهما في الطلب. {أَتاكُمْ}: انظر في الآية رقم [15]{عَذابُهُ} : عذاب الله. {بَياتاً} : ليلا، وهو في الأصل مصدر (بات)، وأما مصدر (بيت)، فهو تبييت، فالأول: مثل سلام، والثاني مثل تسليم.
{نَهاراً} أي: في النهار، وقال سبحانه في الآية رقم [98](الأعراف). {ضُحًى} وهو وقت ارتفاع الشمس واشتداد حرارتها، والناس في هذا الوقت يكونون منشغلين بطلب المعاش. {ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ}: استفهام معناه التهويل والتعظيم، أي: ما أعظم ما يستعجلون به، كما يقال لمن يطلب أمرا، يستوخم عاقبته: ماذا تجني على نفسك؟! والضمير في {مِنْهُ} يعود إلى العذاب، أو إلى الله، هذا؛ وقد وضع المجرمون موضع الضمير للدلالة على أنهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من مجيء الوعيد، لا أن يستعجلوه، وقد حصل في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة.
تنبيه: في الآية الكريمة التفات من الخطاب إلى الغيبة، كما يكون من الغيبة إلى التكلم، ومنهما إلى الخطاب، ومن المفرد إلى الجمع، وبالعكس، وقد نبهت على ذلك فيما مضى، كما أنبه عليه في محاله إن شاء الله تعالى، وله فوائد كثيرة: منها نظرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد، هذه فائدته العامة، ويختص كل موضع بنكت، ولطائف باختلاف محله، كما هو مقرر في علم البديع، ووجهه حثّ السامع، وبعثه على الاستماع حيث أقبل المتكلم عليه، وأعطاه فضل عنايته، وخصصه بالمواجهة.
الإعراب: {قُلْ} : أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {أَرَأَيْتُمْ} : الهمزة: حرف استفهام.
(رأيتم): فعل وفاعل، {إِنْ}: حرف شرط جازم. {أَتاكُمْ} : ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، وهو في محل جزم فعل الشرط، والكاف مفعول به، {عَذابُهُ}: فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة. {بَياتاً}: ظرف زمان متعلق بالفعل قبله. {نَهاراً} : معطوف على {بَياتاً،} وجملة: {أَتاكُمْ..} . إلخ لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف، تقديره: تندموا على الاستعجال أو تعرفوا خطأكم، ويجوز أن يكون الجواب الجملة الاستفهامية، وحذفت منه الفاء الرابطة للجواب. {ماذا،} (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. (ذا): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الفعلية بعده صلته، وقد حذف العائد؛ إذ التقدير: ما الذي يستعجله
…
إلخ، هذا؛ ويجوز اعتبار {ماذا،} كله اسما مركبا مبنيا على السكون في محل رفع مبتدأ، والجملة الفعلية بعده في محل رفع خبره، والرابط محذوف، كما رأيت تقديره، والهاء في:{مِنْهُ} عائدة على الوجهين على العذاب، هذا؛ وإن اعتبرت:{ماذا} اسما مركبا مفعولا مقدما للفعل بعده، فهو وجه سائغ، ويكون الضمير في {مِنْهُ} عائدا على الله. و {مِنْهُ} متعلقان بمحذوف حال من الضمير المنصوب الذي رأيت تقديره فيما سبق، أو هو متعلق بالفعل قبله على اعتبار {ماذا} مفعولا مقدما. {الْمُجْرِمُونَ}: فاعل {يَسْتَعْجِلُ} مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وجملة:{أَرَأَيْتُمْ..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
تنبيه: بقي أن تعرف أن الفعل {أَرَأَيْتُمْ} يتعدى إلى مفعولين، وأن الثاني اكثر ما يكون جملة استفهام ينعقد منها مع ما قبلها مبتدأ وخبر، كقول العرب: أرأيت زيدا ما صنع؟ والمعنى:
أخبرني عن زيد ما صنع، إذا تقرر هذا فالمفعول الأول هنا محذوف، ولا يصح أن تقع جملة الشرط موقعه، والمسألة من باب التنازع، تنازع (أرأيتم) و (أتاك). قوله {عَذابُهُ} وإعمال الثاني هو المختار على مذهب البصريين، وهو الذي ورد به السماع أكثر من إعمال الأول، فلما أعمل
الثاني حذف من الأول، ولم يضمر؛ لأن إضماره يختص بالشعر، أو قليل في الكلام على اختلاف النحويين في ذلك. انتهى جمل بتصرف بسيط.
أقول: إني أرى: أن الفعل {أَرَأَيْتُمْ} معلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام، وجواب الشرط محذوف لدلالة جملة الاستفهام عليه، وأن الجملة:{ماذا يَسْتَعْجِلُ..} . إلخ على جميع وجوه الإعراب التي رأيتها فيها قد سدت مسد المفعولين، وما بينهما كلام معترض لا محل له أعطى الكلام تأكيدا وتسديدا، ولا حاجة إلى هذا التكلف والتعسف، والله الموفق والمعين، وبه أستعين.
{أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)}
الشرح: {أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} : المعنى: إن أتاكم عذاب الله ليلا أو نهارا آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان، وهذا على أن الكلام مرتبط بما قبله، أو المعنى: أتأمنون أن ينزل بكم العذاب، ثم يقال لكم إذا حل: الآن آمنتم به، وهو أوجه من الأول. {وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} أي: تطلبون العذاب استهزاء، وتكذيبا.
أما (الآن): فهي كلمة ملازمة للظرفية غالبا، مبنية على الفتح دائما، لتضمنها معنى الإشارة وألفها منقلبة عن واو، لقولهم في معناها الأوان، وقيل: عن ياء؛ لأنه من آن يئين: إذا قرب، وقيل: أصله أوان قلبت الواو ألفا، ثم حذفت لالتقاء الساكنين، ورد بأن الواو قبل الألف لا تقلب كالجواد والسواد، وقيل: حذفت الألف، وغيرت الواو، إلى الألف، كما قالوا: راح ورواح، استعملوه مرة على فعل، ومرة على فعال، كزمن وزمان، وقد جاءت {آلْآنَ} بهمزتين:
الأولى: همزة الاستفهام، والثانية: همزة (ال) المعرفة، وإذا اجتمعت هاتان الهمزتان وجب في الثانية أحد أمرين: تسهيلها من غير ألف بينها وبين الأولى، وإبدالها مدّا بقدر ثلاث ألفات على حد قول ابن مالك رحمه الله تعالى:[الرجز]
وايمن همز ال كذا ويبدل
…
مدّا في الاستفهام، أو يسهّل
وقد وقع في القرآن الكريم من هذا القبيل ستة مواضع: اثنان في الأنعام، وهما {آلذَّكَرَيْنِ} مرتين، وثلاثة في هذه السورة لفظ {آلْآنَ} هنا وفيما سيأتي الآية رقم [91] ولفظ {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} في الآية رقم [58]، وواحد في النمل {آللهُ خَيْرٌ أَمّا يُشْرِكُونَ} الآية رقم [59]، ولولا المد في هذه الكلمات لم يظهر الاستفهام، ويسمى هذا المد في أحكام التجويد مد الفرق؛ لأنه يفرق بين الاستفهام والخبر؛ لأنه لولا المد لتوهم أنه خبر لا استفهام.
الإعراب: {أَثُمَّ} : الهمزة: حرف استفهام وتوبيخ وتقرير. (ثم): حرف عطف. {إِذا} : انظر الآية رقم [12]، {ما}: زائدة مفيدة للتوكيد. {وَقَعَ} : ماض، وفاعله مستتر تقديره:«هو» يعود
إلى {عَذابُهُ،} والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على القول المرجوح المشهور.
{آمَنْتُمْ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية جواب {إِذا} لا محل لها. {بِهِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، و {إِذا} ومدخولها كلام مستأنف، أو هو معطوف على ما قبله، وانظر الشرح. {آلْآنَ}:
ظرف زمان متعلق بفعل محذوف مع متعلق آخر. التقدير: فلا يقبل منكم الإيمان، ويقال لكم:
{آلْآنَ،} ولا تنس أن همزة الاستفهام مفيدة للتوبيخ والتقريع والتأنيب، وهذا الكلام كله يحتمل العطف على جواب {إِذا،} ويحتمل الاستئناف، ولا محل له على الاعتبارين، {وَقَدْ}: الواو:
واو الحال. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {كُنْتُمْ} : ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {بِهِ}: متعلقان بالفعل بعدهما، وهما في محل نصب مفعول به، وجملة (تستعجلون به): في محل نصب خبر كان، وجملة:{وَقَدْ كُنْتُمْ..} . إلخ في محل نصب حال من ضمير الخطاب الذي رأيت تقديره، والرابط: الواو، والضمير.
الشرح: {ثُمَّ قِيلَ..} . إلخ أي: يقال للمشركين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر: ذوقوا العذاب الأليم في نار الجحيم خالدين فيه أبدا، ولا تجزون وتعاقبون إلا بسبب الذي كنتم تعملونه في الدنيا من الكفر ومخالفة أوامر الله تعالى، والقائل لهم ذلك هم خزنة جهنم.
الإعراب: {ثُمَّ} : حرف عطف. {قِيلَ} : ماض مبني للمجهول. {لِلَّذِينَ} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع نائب فاعل. {ظَلَمُوا} : ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها. {ذُوقُوا}: فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، {عَذابَ}: مفعول به، وهو مضاف، و {الْخُلْدِ}: مضاف إليه، وجملة:
{ذُوقُوا..} . إلخ في محل نائب فاعل، وهذا على رأي: من يجيز وقوع الجملة فاعلا، ويكون جاريا على القاعدة في بناء الفعل للمجهول (يحذف الفاعل، ويقام المفعول مقامه)؛ وعليه فالجار والمجرور {لِلَّذِينَ} : متعلقان بالفعل {قِيلَ،} و {قِيلَ} : نائب الفاعل ضمير مستتر تقديره: قيل القول، وعليه فجملة {ذُوقُوا}: في محل نصب مقول القول، فالأقوال ثلاثة في مثل هذا التركيب، وجملة:{قِيلَ..} . إلخ معطوفة على جملة: (يقال) التي رأيت تقديرها في الآية السابقة. {هَلْ} : حرف استفهام معناه النفي. {تُجْزَوْنَ} : مضارع مبني للمجهول مرفوع
إلخ، والواو نائب فاعله وهو المفعول الأول. {إِلاّ}: حرف حصر. {بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} :
انظر إعراب مثل هذه الكلمة في الآية رقم [8] والجار والمجرور {بِما} على جميع الوجوه المعتبرة في (ما) متعلقان بالفعل {تُجْزَوْنَ،} وهما في محل نصب مفعوله الثاني، والجملة الفعلية:
{هَلْ تُجْزَوْنَ..} . إلخ في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو فقط، وساغ ذلك؛ لأن الاستفهام معناه النفي كما رأيت، أو هي في محل نصب مقول القول.
الشرح: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ} : يستخبرونك يا محمد عن قيام الساعة، وعن وقوع العذاب بهم.
{أَحَقٌّ هُوَ} أي: أواقع ما تعدنا به حقا؟! {قُلْ إِي وَرَبِّي} أي: قل أقسم بربي إن العذاب واقع بكم، وإن الساعة لا ريب فيها. {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي: بفائتين من العذاب، أو ما أنتم بمعجزين الله تعالى بأن لا يقدر على تعذيبكم، قال البيضاوي: السائل هو حيي بن أخطب اليهودي لمّا قدم مكة.
الإعراب: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ} : الواو: حرف استئناف. يستنبئونك: مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله، والكاف مفعول به أول. {أَحَقٌّ}: الهمزة استفهام معلق لما قبله عن العمل.
(حق): مبتدأ. {هُوَ} : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل ب (حق) سد مسد خبره، ويجوز اعتبار الضمير مبتدأ مؤخرا، و (حق): خبرا مقدما، وعلى الوجهين فالجملة اسمية، وهي في محل نصب مفعول به ثان للفعل قبلها المعلق عن العمل لفظا، والجملة الفعلية:{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {إِي} : حرف جواب مبني على السكون في محل نصب مقول القول. {وَرَبِّي} : الواو: حرف قسم وجر. (ربي): مقسم به مجرور بالواو، وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، التقدير:
أقسم بربي. {إِنَّهُ} : حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {لَحَقٌّ}: اللام: هي المزحلقة.
(حق): خبر (إن)، والجملة الاسمية:{إِنَّهُ لَحَقٌّ} : جواب القسم لا محل لها. والقسم وجوابه في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {وَما} : نافية حجازية تعمل عمل (ليس). {أَنْتُمْ} : ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع اسم ما.
{بِمُعْجِزِينَ} : الباء: حرف جر صلة. (معجزين): خبر ما مجرور لفظا، منصوب محلا، وإن اعتبرت (ما) نافية مهملة، فيكون {أَنْتُمْ} مبتدأ، والباء زائدة في خبره، وعلى الوجهين فالجملة اسمية، وهي تحتمل العطف على جواب القسم، والاستئناف ولا محل لها على الاعتبارين.
الشرح: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ} أي: بالشرك والخروج عن طاعة الله تعالى، أو بالتعدي على حقوق الغير. {ما فِي الْأَرْضِ}: كل ما في الأرض من أموال وخزائن. {لافْتَدَتْ بِهِ} أي:
قدمته فداء من العذاب، ولكنه لا يقبل منها، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفّارٌ فَلَنْ}
{يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ} . {وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ} : لأنهم بهتوا بما عاينوا مما لم يحسبوه من فظاعة الأمر وهوله، فلم يقدروا أن ينطقوا، وقيل: أسروا الندامة: أخلصوها؛ لأن إخفاءها إخلاصها، أو لأنه يقال: سر الشيء لخالصته من حيث إنها تخفى، ويضمن بها، وقيل:(أسروا) أظهروا، فالكلمة من الأضداد، ويدل عليه: أن الآخرة ليست دار تجلد وتصبر، وقيل: وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم؛ لأن الندامة لا يمكن إظهارها، وذكر المبرد فيه وجها ثالثا: أنه بدت بالندامة أسرة وجوههم، وهي تكاسير الجبهة، واحدها:
سرار، والندامة: الحسرة لوقوع شيء، أو فوت شيء، وأصلها: اللزوم، ومنه النديم؛ لأنه يلازم المجالس. انتهى قرطبي. وأسروا وما بعده حكاية ما يكون في الآخرة، وانظر التعبير بالماضي عن المستقبل في الآية رقم [116](المائدة)، {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}: انظر الآية رقم [47] لشرح هذه الكلمات.
قال البيضاوي: ليس تكريرا، أي: إن هذا الكلام ليس تكرارا لما في الآية رقم [47]؛ لأن الأول: قضاء بين الأنبياء ومكذبيهم، والثاني: مجازاة المشركين على الشرك، أو الحكومة بين الظالمين والمظلومين، والضمير إنما يتناولهم لدلالة الظلم عليهم. انتهى.
الإعراب: {وَلَوْ} : الواو حرف استئناف. (لو): حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. {أَنَّ} :
حرف مشبه بالفعل. {لِكُلِّ} : متعلقان بمحذوف خبر {أَنَّ} مقدم، و (كل): مضاف، و {نَفْسٍ}:
مضاف إليه. {ظَلَمَتْ} : ماض، والتاء: للتأنيث، والفاعل يعود إلى {نَفْسٍ،} والجملة الفعلية في محل جر صفة: {نَفْسٍ،} {ما} : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم {أَنَّ} مؤخر. {فِي الْأَرْضِ} : متعلقان بمحذوف صلة الموصول، و {أَنَّ} واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل رفع فاعل لفعل محذوف، هو شرط (لو) عند المبرد، التقدير: ولو ثبت ظلم كل نفس، ونحوه، وقال سيبويه: هو في محل رفع بالابتداء، والخبر محذوف، التقدير:
ولو ظلم كل نفس ثابت، أو واقع، وقول المبرد هو المرجح؛ لأن (لو) لا يليها إلا فعل ظاهر، أو مقدر، والفعل المقدر على قول المبرد وفاعله المؤول جملة فعلية لا محل لها من الإعراب؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لافْتَدَتْ} : اللام: واقعة في جواب (لو).
(افتدت): ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع تاء التأنيث التي هي حرف لا محل له، والفاعل يعود إلى {نَفْسٍ،} تقديره: «هي» ، والجملة الفعلية جواب (لو) لا محل لها، {بِهِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، و (لو) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له.
(أسروا): ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {النَّدامَةَ}: مفعول به، وجملة:{وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ} : مستأنفة لا محل لها. {لَمّا} : ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، وهو بمعنى:«حين» مبني على السكون في محل نصب. {رَأَوُا} : ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة التي هي فاعله، وحركت بالضمة لالتقاء
الساكنين، وإنما حركت بالضم دون غيره، ليفرق بين الواو الأصلية وبين واو الجماعة في نحو قولك:(لو اجتهدت؛ لنجحت)، وقيل: ضمت؛ لأن الضمة هنا أخف من الكسرة؛ لأنها من جنس الواو، وقيل: حركت بحركة الياء المحذوفة، وقيل: غير ذلك، وانظر إعلاله في الآية رقم [35] من سورة (يوسف) عليه السلام. {الْعَذابَ}: مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {لَمّا} إليها، هذا؛ وإن اعتبرت {لَمّا} مثل (لما) في الآية رقم [12] فيكون جوابها محذوفا لدلالة ما قبله عليه، والأول أقوى. {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}: انظر إعراب هذا الكلام في الآية رقم [47]، وجملة:{وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها، ويجوز أن تكون معطوفة على جملة:{رَأَوُا الْعَذابَ} فتكون داخلة في حيز {لَمّا،} والضمائر كلها عائدة على {لِكُلِّ نَفْسٍ،} وقال بعضهم، إنها عائدة على الظالمين والمظلومين، وقال آخرون: إنها عائدة على الرؤساء والأتباع.
الشرح: {أَلا إِنَّ لِلّهِ..} . إلخ: أي: إن كل شيء موجود في السموات والأرض لله، ملك له لا يشركه فيه غيره، وما يملكه العبد في هذه الدنيا ظاهرا إنما هو على وجه الوكالة، فهنيئا لمن أحسن الوكالة، وقام بحقوقها كاملة، وويل ثم ويل، ثم ويل لمن قصر في حقوق الوكالة، أو خان فيها، {أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} أي: ما وعد به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، من ثواب المطيع المنيب، وعقاب العاصي المفسد حق لا ريب فيه. {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي: أكثر الناس لا يعلمون ذلك لقصور عقولهم، واستيلاء الغفلة عليهم يفترون ما يفترون، ويفعلون ما يفعلون {يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ} .
بعد هذا {ما} تستعمل لغير العاقل، و {ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} منهم العاقل وغير العاقل، فغلب غير العاقل على العاقل هنا كما يغلب العاقل على غير العاقل في غير هذه الآية كما في الآية رقم [66]، ونحوها {السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}: انظر الآية رقم [3]. {لا يَعْلَمُونَ} : لا يعرفون.
الإعراب: {أَلا} : حرف تنبيه واستفتاح يسترعى به انتباه المخاطب لما يأتي بعده من كلام.
{إِنَّ} : حرف مشبه بالفعل، {لِلّهِ}: متعلقان بمحذوف خبر {إِنَّ} تقدم على اسمها. {ما} :
اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم {إِنَّ} مؤخر. {فِي السَّماواتِ} : متعلقان بمحذوف صلة الموصول. {وَالْأَرْضِ} : معطوفة على ما قبله، والجملة الاسمية:{أَلا إِنَّ لِلّهِ..} .
إلخ: لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، وجملة:{أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} : مؤكدة لما قبلها، وإعرابها لا خفاء فيه. {وَلكِنَّ}: الواو: حرف عطف. (لكن): حرف مشبه بالفعل معناه الاستدراك.
{أَكْثَرَهُمْ} : اسم (لكن)، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{لا يَعْلَمُونَ} : مع المفعول المحذوف في محل رفع خبر لكن، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها.
{هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)}
الشرح: {هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ} أي: الذي يملك السموات والأرض، وما بينهما قادر على الإحياء والإماتة في الدنيا، فهو يقدر عليها في الآخرة بلا ريب، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي: في الآخرة بالبعث والنشور للحساب والجزاء، وانظر (رجع) في الآية رقم [83] التوبة.
الإعراب: {هُوَ} : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {يُحيِي} : مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء، والفاعل يعود إلى الله، والمفعول محذوف، التقدير: يحيي الأموات، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{هُوَ يُحْيِ} مستأنفة لا محل لها. {وَإِلَيْهِ} : الواو: حرف عطف. (إليه): متعلقان بالفعل بعدهما.
{تُرْجَعُونَ} : مضارع مبني للمجهول مرفوع
…
إلخ، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الاسمية قبلها لا محل لها مثلها، وإن اعتبرتها في محل نصب حال من فاعل (يميت) المستتر، فلست مفندا، والرابط: الواو، والضمير.
الشرح: {يا أَيُّهَا النّاسُ} : قيل: أراد بالناس قريشا، وقيل: هو جميع الناس، وهو الأصح والمعتمد. {جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}: قال الخليل: الموعظة التذكير بالخير فيما يرق له القلب، وقيل: الموعظة ما يدعو إلى الصلاح بطريق الرغبة والرهبة، والقرآن داع إلى كل خير وصلاح بهذا الطريق. {وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ} أي: إن القرآن يشفي ما في القلوب من داء الجهل، وذلك؛ لأن داء الجهل أضر للقلب من داء المرض للبدن، وأمراض القلب هي الأخلاق الذميمة، والعقائد الفاسدة، والجهالات المهلكة، فالقرآن مزيل لهذه الأمراض كلها؛ لأن فيه الوعظ والزجر، والتخويف، والترغيب، والترهيب، والتحذير والتذكير، فهو الدواء والشفاء لهذه الأمراض القلبية جميعها، وإنما خص الصدر بالذكر؛ لأنه موضع القلب وغلافه، وهو أعز موضع في بدن الإنسان لمكان القلب فيه. {وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} أي: رشد وبيان، وهداية من الضلالة، ونعمة شاملة لمن قرأ القرآن، وانتفع به، هذا؛ وقد خص سبحانه المؤمنين بالذكر؛ لأنهم هم الذين ينتفعون بالقرآن وبتعاليمه، هذا؛ وقد أطلق سبحانه لفظ الموعظة والشفاء، والهدى والرحمة على القرآن، وانظر الآية رقم [203](الأعراف)، تجد ما يسرك.
الإعراب: {يا أَيُّهَا} : يا: حرف نداء ينوب مناب أدعو. (أيها): نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب بأداة النداء. و (ها): حرف تنبيه لا محل له. وأقحم للتوكيد، وهو عوض عن المضاف إليه. {النّاسُ}: بدل من أي، أو عطف بيان عليه، وانظر الآية رقم [88]، من سورة (يوسف) على نبينا وحبيبنا وعليه ألف صلاة، وألف سلام، ففيها بحث جيد. {قَدْ}: حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {جاءَتْكُمْ} : ماض، والتاء للتأنيث، والكاف مفعول به. {مَوْعِظَةٌ}:
فاعل. {مِنْ رَبِّكُمْ} : متعلقان ب {مَوْعِظَةٌ،} أو هما متعلقان بالفعل (جاء) والكاف في محل جر بالإضافة، وجملة:{قَدْ جاءَتْكُمْ..} . إلخ في محل نصب حال من {النّاسُ،} والعامل في الحال أداة النداء؛ لما فيها من معنى الفعل كما رأيت. {وَشِفاءٌ} : معطوف على {مَوْعِظَةٌ} . {لِما} :
متعلقان ب (شفاء)؛ لأنه مصدر. {فِي الصُّدُورِ} : متعلقان بمحذوف صلة الموصول. {وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} : معطوفان على ما قبلهما، وعلامة رفع (هدى) ضمة مقدرة على الألف المحذوفة، والثابتة دليل عليها، وليست عينها. {لِلْمُؤْمِنِينَ}: متعلقان ب (هدى) أو ب (رحمة) على التنازع، أو بمحذوف صفة لأحدهما، وحذفت صفة الثاني لدلالة صفة الأول، أو بالعكس.
{قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ (58)}
الشرح: {قُلْ} : هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. {بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ} : قال أبو سعيد الخدري، وابن عباس-رضي الله عنهما: فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام. {فَبِذلِكَ}: الإشارة إلى الفضل والرحمة، والعرب تأتي بذلك للواحد والاثنين والجمع، قال تعالى:{عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ} أي: بين المسنة والصغيرة، فاسم الإشارة قام مقام الاثنين. {فَلْيَفْرَحُوا}: يقرأ بالياء والتاء. {هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ} أي: فضل الله ورحمته أفضل بكثير من الذي يجمعون من حطام الدنيا الفاني، والمؤمن ينبغي أن يفرح بفضل الله ورحمته فرحا عظيما، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من هداه الله للإسلام، وعلّمه القرآن، ثمّ شكا الفاقة كتب الله الفقر بين عينيه إلى يوم يلقاه» .
ثم تلا هذه الآية، فهنيئا لمن عمل بفضل الله ورحمته بالمعنيين المتقدمين.
بعد هذا؛ فالفرح: لذة في القلب بإدراك المحبوب، ولذا أكثر ما يستعمل في اللذات البدنية الدنيوية، وقد ذم الله الفرح في مواضع، كقوله تعالى:{لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} وقوله {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} ولكنه مطلق، فإذا قيد الفرح لم يكن ذمّا لقوله تعالى في حق الشهداء {فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} وقال سبحانه هنا {فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} .
الإعراب: {قُلْ} : أمر. وفاعله مستتر تقديره: «أنت» . {بِفَضْلِ} : متعلقان بفعل محذوف يدل عليه ما بعده، التقدير: ليفرحوا بفضل، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها، و (فضل) مضاف، و {اللهِ}: مضاف إليه من إضافة
المصدر لفاعله. {وَبِرَحْمَتِهِ} : معطوفان على ما قبلهما. {فَبِذلِكَ} : الفاء: هي زائدة. (بذلك):
جار ومجرور بدل مما قبلهما. واللام للبعد. والكاف حرف خطاب لا محل له، وتعليقهما بالفعل بعدهما أقوى معنى، وعليه فالفاء الزائدة هي المقرونة بالفعل. تأمل. والفاء العاطفة هي المقرونة باسم الإشارة. {فَلْيَفْرَحُوا}: الفاء: حرف عطف. (ليفرحوا): مضارع مجزوم بلام الأمر، وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة المحذوفة ومؤكدة لها، وهي في محل نصب مقول القول مثلها، وهناك أقوال وتأويلات في إعراب هذه الجملة ضربت عنها صفحا. {هُوَ خَيْرٌ}: مبتدأ وخبر. {مِمّا} : جار ومجرور متعلقان ب {خَيْرٌ،} و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر ب (من)، والجملة الفعلية بعدها صلتها أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: من الذي، أو من شيء يجمعونه، واعتبار (ما) مصدرية ضعيف معنى، والجملة الاسمية:{هُوَ خَيْرٌ..} . إلخ تعليل للأمر، أو مستأنفة لا محل لها على الوجهين.
الشرح: {قُلْ} : هو مثل الآية السابقة. {أَرَأَيْتُمْ} : انظر الآية رقم [50]، {ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ}: جعل الرزق منزلا؛ لأنه مقدر في السماء محصل بأسباب منها، انتهى.
بيضاوي. وقال القرطبي: أنزل بمعنى: خلق، كما قال:{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} وقال جل ذكره: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ،} فيجوز أن يعبر عن الخلق بالإنزال؛ لأن الذي في الأرض من الرزق، إنما هو بما ينزل من السماء من مطر. انتهى. وانظر {خَلَقَ} و {جَعَلَ} في الآية رقم [5]، {فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً}: قال مجاهد: هو ما حكموا به من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وقال الضحاك: هو قول الله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً} انتهى. وانظر الآية رقم [136] من سورة (الأنعام){آللهُ} : انظر الآية رقم [51]، {أَذِنَ لَكُمْ} أي: في التحريم والتحليل، فتقولون ذلك بحكمه. {أَمْ}:
بمعنى بل. {تَفْتَرُونَ} : تكذبون على الله في ادعائكم أن الله تعالى أمرنا بهذا. والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
الإعراب: {قُلْ} : أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {أَرَأَيْتُمْ} : الهمزة: حرف استفهام.
(رأيتم): فعل وفاعل، والميم علامة جمع الذكور. {ما}: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول، والجملة الفعلية صلة {ما،} والعائد محذوف، التقدير:
أنزله الله. {لَكُمْ} : متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنْ رِزْقٍ} : متعلقان بمحذوف حال من
الضمير المنصوب المحذوف، و {مِنْ} بيان لما أبهم في {ما}. {فَجَعَلْتُمْ}: فعل وفاعل، {مِنْهُ}: متعلقان بالفعل قبلهما. {حَراماً} : مفعول به. {وَحَلالاً} : معطوف على ما قبله، وجملة:{فَجَعَلْتُمْ..} . إلخ: معطوفة على جملة الصلة لا محل لها مثلها. {قُلْ} : أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {آللهُ} : الهمزة: حرف استفهام إنكاري توبيخي. (الله): مبتدأ، وجملة:{أَذِنَ لَكُمْ} : في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} :
في محل نصب مفعول به ثان للفعل {أَرَأَيْتُمْ،} والعائد من هذه الجملة على المفعول الأول محذوف، تقديره: الله أذن لكم فيه؛ واعترض على هذا بأن قوله: {قُلْ} يمنع من وقوع الجملة بعده مفعولا ثانيا، وأجيب عنه بأنه كرر توكيدا، وعلى هذا فليست الجملة الاسمية مقولة ل {قُلْ}. {أَمْ}: حرف عطف بمعنى (بل). {عَلَى اللهِ} : متعلقان بالفعل بعدهما، والجملة الفعلية:{عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ..} . معطوفة على جملة: {أَرَأَيْتُمْ..} . إلخ فهي في محل نصب مقول القول مقدم، هذا؛ وجوز اعتبار {ما} استفهامية مبنية على السكون في محل نصب مفعول به مقدم أيضا، وهي حينئذ معلقة ل {أَرَأَيْتُمْ} عن العمل، وإليه ذهب الحوفي والزمخشري، ويجوز أن تكون:{ما} استفهامية في محل رفع مبتدأ، والجملة الاسمية:
{آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} خبره، والعائد محذوف كما تقدم، وهذه الجملة الاستفهامية معلقة ل {أَرَأَيْتُمْ،} والظاهر من هذه الأوجه هو الوجه الأول؛ لأن فيه إبقاء (أرأيت) على بابها من تعديتها إلى مفعولين وأنها مؤثرة في أولهما، بخلاف جعل {ما} استفهامية، فإنها معلقة ل (أرأيت)، وسادة مسد المفعولين. انتهى. جمل نقلا عن السمين بتصرف مني.
الشرح: {وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ} أي:، أيّ: شيء يظنه المفترون على الله الكذب في يوم القيامة، أيظنون أن الله لا يؤاخذهم، ولا يجازيهم على أعمالهم القبيحة من شرك، وما يتبعه من أعمال خبيثة، فهو استفهام بمعنى التوبيخ والتقريع، والوعيد العظيم لمن يفتري على الله الكذب. {إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ}: حيث أنعم عليهم بالعقل وهداهم بالرسل، وإنزال الكتب لبيان الحلال والحرام، وتمييز النافع من الضار. {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ}: الله على ذلك الفضل والإحسان، كيف وقد قال سبحانه في آية آخرى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} .
هذا؛ ويوم القيامة هو اليوم الذي يقوم فيه الناس من قبورهم للحساب والجزاء، وأصل القيامة: القوامة؛ لأنها من قام يقوم، قلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة. {لا يَشْكُرُونَ}: هذا
الفعل يتعدى بنفسه وبحرف الجر، تقول: شكرت الله وشكرت له، كما تقول: نصحت زيدا، ونصحت له، وانظر الشكر في الآية رقم [112]، التوبة، هذا؛ ومن أسماء الله تعالى الشكور، ومعناه: هو الذي يجازي على يسير الطاعات كثير الدرجات، ويعطي بالعمل في أيام معدودة، نعما في الآخرة غير محدودة.
الإعراب: {وَما} : الواو: حرف استئناف. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {ظَنُّ} : خبر المبتدأ، و {ظَنُّ}: مضاف، و {الَّذِينَ} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله، ومفعولاه محذوفان، التقدير: أنه لا يعاقبهم، وانظر الشرح، وجملة:{يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} صلة الموصول لا محل لها. {يَوْمَ} : ظرف زمان متعلق بالمصدر {ظَنُّ،} والجملة الاسمية: {وَما ظَنُّ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
{إِنَّ} : حرف مشبه بالفعل. {اللهِ} : اسمها. {لَذُو} : خبر {إِنَّ} مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، واللام هي المزحلقة، و (ذو) مضاف، و {فَضْلٍ} مضاف إليه. {عَلَى النّاسِ}: متعلقان ب {فَضْلٍ} أو بمحذوف صفة له، والجملة الاسمية:{إِنَّ اللهَ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {وَلكِنَّ} : الواو: حرف عطف. (لكن):
حرف مشبه بالفعل. {أَكْثَرَهُمْ} : اسم (لكن)، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{لا يَشْكُرُونَ} : مع المفعول المحذوف في محل رفع خبر (لكن)، والجملة الاسمية:{وَلكِنَّ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها.
الشرح: {وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ} : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: لا تكون في عبادة أو غيرها؛ إلا والرب مطلع عليك. والشأن: الحال، والخطب، والأمر، وجمعه: شئون. {وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ} : وما تحدث من شأن من الشئون فيتلى من أجله القرآن، فيعلم كيف حكمه، أو ينزل فيه قرآن فيتلى، وقال الطبري:{مِنْهُ} أي: من كتاب الله تعالى. {وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته معه، وقيل: المراد كفار قريش. {إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً} أي: شاهدين لأعمالكم، وذلك؛ لأن الله تعالى شاهد على كل شيء وعالم بكل شيء؛ لأنه لا محدث، ولا خالق، ولا موجود إلا الله تعالى، فكل ما يدخل في الوجود من أحوال العباد، وأعمالهم الظاهرة والباطنة داخل في عمله، وهو شاهد عليه. {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}: تخوضون فيه وتندفعون:
والمعنى: إذ تشيعون في القرآن الكذب، هذا؛ والفعل هنا من: أفاض الرباعي، وانظره من:
(فاض) الثلاثي في الآية رقم [92] التوبة، {وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ}: ولا يبعد عنه، ولا يغيب عن علمه، ويقرأ الفعل بضم الزاي وكسرها.
{مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ} : وزن ذرة، والمثقال: الوزن، والذرة: النملة الصغيرة الحمراء، وهي خفيفة الوزن جدا. {فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ}: قدم سبحانه ذكر الأرض هنا على السماء بينما قدم ذكر السماء في سورة (سبأ) على الأرض؛ لأنه ذكر سبحانه هنا شهادته على أهل الأرض وأحوالهم وأعمالهم، ثم وصل ذلك بقوله {وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} فلهذا حسن تقديم الأرض على السماء هنا. انتهى. خازن بتصرف. وانظر الآية رقم [3] وإعلال (سماء) في الآية رقم [31].
{وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ} أي: من الذرة، وهذا؛ ويقرأ {أَصْغَرَ} و {أَكْبَرَ} بالرفع والنصب. {إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ}: المراد به اللوح المحفوظ.
هذا؛ ونقل القرطبي والجمل عن الجرجاني قوله {إِلاّ} بمعنى واو النسق، أي: وهو في كتاب مبين، وسلمه القرطبي، وقال الجمل: وهذا الوجه فيه تعسف، وهو وجيه، هذا؛ و (مبين) اسم فاعل من (أبان) الرباعي أصله (مبين) بسكون الباء وكسر الياء، فنقلت كسرة الياء إلى الباء بعد سلب سكونها؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ولا تنس: أن اسم الفاعل من «بان» الثلاثي بائن، وأصله باين، وإعلاله مثل إعلال قائم في الآية رقم [12]، وانظر (نا) في الآية رقم [8] من سورة (هود)، وفي الآية الكريمة التفات تنبه له.
الإعراب: {وَما} : الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {تَكُونُ} : مضارع ناقص، واسمه مستتر تقديره:«أنت» . {فِي شَأْنٍ} : متعلقان بمحذوف خبر: {تَكُونُ،} والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها، وجملة:{وَما تَتْلُوا..} . إلخ معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. {مِنْهُ} :
متعلقان بالفعل قبلهما، وهذا على اعتبار الضمير عائدا إلى {شَأْنٍ} و (من) مفيدة للتعليل، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {قُرْآنٍ} كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا، وهذا على اعتبار الضمير عائدا على الله تعالى. {مِنْ}: حرف جر صلة. {قُرْآنٍ} : مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وهناك من يقول إن {مِنْ قُرْآنٍ} جار ومجرور بدل من قوله {مِنْهُ} وجملة:{وَلا تَعْمَلُونَ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. {مِنْ} : حرف جر صلة. {عَمَلٍ} : مفعول به
…
إلخ، {إِلاّ}: حرف حصر. {كُنّا} : ماض ناقص مبني على السكون، و (نا): اسمه. {عَلَيْكُمْ} :
متعلقان ب {شُهُوداً؛} لأنه جمع شاهد. {شُهُوداً} : خبر كان. {إِذْ} : ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق ب {شُهُوداً} أيضا، وجملة:{تُفِيضُونَ فِيهِ} . في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها، وجملة:{كُنّا..} . إلخ في محل نصب حال مستثنى من عموم الأحوال. وهي على تقدير (قد) قبلها. {وَما} : الواو: حرف استئناف. (ما): نافية، {يَعْزُبُ}:
مضارع، {عَنْ رَبِّكَ}: متعلقان بالفعل قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {مِنْ}: حرف جر صلة. {مِثْقالِ} : فاعل {يَعْزُبُ} مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره
…
إلخ، و {مِثْقالِ}: مضاف، و {ذَرَّةٍ}: مضاف إليه، {فِي الْأَرْضِ}: متعلقان بمحذوف صفة: {ذَرَّةٍ،} أو هما متعلقان بمحذوف حال من {مِثْقالِ ذَرَّةٍ،} وساغ ذلك لتخصصه بالإضافة، {وَلا}:(لا): صلة لتأكيد النفي. {فِي السَّماءِ} :
معطوفان على ما قبلهما. {وَلا} : الواو: حرف عطف، (لا): صلة. {أَصْغَرَ} : بالنصب معطوف على لفظ {مِثْقالِ} مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للصفة ووزن أفعل، وفاعله مستتر فيه وجوبا تقديره:«هو» . {مِنْ ذلِكَ} : متعلقان ب {أَصْغَرَ} واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له، هذا؛ وعلى قراءة {أَصْغَرَ،} بالرفع معطوف على محل {مِثْقالِ،} {وَلا أَكْبَرَ} : معطوف على ما قبله على القراءتين. {إِلاّ} : حرف حصر لا محل له. هذا؛ وقال الزجاج: ويجوز الرفع على الابتداء، وخبره {إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ} وهو غير مسلم له، {فِي كِتابٍ}: متعلقان بمحذوف حال مستثنى من عموم الأحوال، واعتبرهما أبو البقاء متعلقين بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: ألا وهو في كتاب (أقول: والأجود تقدير: ألا كل ذلك في كتاب). وعليهما فالجملة الاسمية في محل نصب حال مستثنى من عموم الأحوال، وانظر قول الجرجاني في الشرح. {مُبِينٍ}: صفة {كِتابٍ} .
الشرح: {أَوْلِياءَ اللهِ} : الذين يتولونه بالطاعة، ويتولاهم بالكرامة، وقال ابن عباس وابن جبير-رضي الله عنهما: هم الذين يذكر الله برؤيتهم، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أولياء الله: قوم صفر الوجوه من السهر، عمش العيون من العبر، خمص البطون من الجوع، يبس الشفاه من الذوى، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في هذه الآية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ من عباد الله عبادا، ما هم بأنبياء، ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله تعالى» . قيل: يا رسول الله خبّرنا من هم، وما أعمالهم، فلعلّنا نحبّهم؟ قال:«هم قوم تحابّوا في الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فو الله إنّ وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، ولا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس» .
ثم قرأ: {أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ..} . إلخ. وهناك أقوال كثيرة وكلها تدور حول طاعة الله وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، {لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} أي: في الآخرة عند الفزع الأكبر، {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}: على ما فاتهم من الدنيا لما عوضهم إياه من خير لا ينفد، ونعيم سرمدي لا يزول،
ولا يتغير. {الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ} : هذا إشعار بأن ولاية الله للعبد، وولاية العبد لله لا تكون بالإيمان وحده، بل لا بد من اقترانه بالتقوى؛ التي هي: فعل المأمورات على اختلاف أنواعها، وترك المنهيات بجميع صنوفها، وألوانها.
الإعراب: {أَلا} : انظر الآية رقم [55]، {إِنَّ}: حرف مشبه بالفعل. {أَوْلِياءَ} : اسم {إِنَّ} . وهو مضاف، و {اللهِ}: مضاف إليه يحتمل أن يكون من إضافة الوصف لفاعله، أو لمفعوله. {أَلا}: نافية مهملة، ولا يجوز إعمالها إعمال ليس؛ لأنها تكررت. {خَوْفٌ}: مبتدأ.
{عَلَيْهِمْ} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، ويجوز تعليقهما ب {خَوْفٌ؛} لأنه مصدر، أو بمحذوف صفة له، وعليهما فالخبر محذوف تقديره: حاصل أو موجود والجملة الاسمية في محل رفع خبر {إِنَّ} . {وَلا} : الواو: حرف عطف. (لا): نافية، أو هي زائدة لتأكيد النفي. {عَلَيْهِمْ}: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَحْزَنُونَ} : مضارع، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها، والجملة الاسمية:{أَلا إِنَّ..} . إلخ، ابتدائية، أو مستأنفة لا محل لها.
{الَّذِينَ} : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، خبره:{لَهُمُ الْبُشْرى} : أو هو في محل رفع خبر ثان ل {إِنَّ،} أو هو خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: هم الذين، ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار (أعني)، أو صفة لأولياء بعد الخبر، وقيل: يجوز أن يكون في موضع جر بدلا من الضمير في: {عَلَيْهِمْ،} وهذا أضعف الأقوال. {آمَنُوا} : فعل وفاعل والألف للتفريق، والجملة مع المتعلق المحذوف صلة الموصول لا محل لها، وجملة:{وَكانُوا يَتَّقُونَ} معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الشرح: {لَهُمُ} : لأولياء الله. {الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} : لقد اختلف في هذه البشرى لأولياء الله. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى:
{لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا،} قال: «هي الرّؤيا الصّالحة يراها المؤمن، أو ترى له» . أخرجه الترمذي. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يبق بعدي من النّبوّة، إلاّ المبشّرات، قالوا: وما المبشرات؟، قال: الرؤيا الصالحة» . أخرجه البخاري. وعنه أيضا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اقترب الزّمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزءا من النبوة» . أخرجه البخاري. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [5] و [43] من سورة (يوسف) عليه السلام.
وقال الزهري وقتادة: هي نزول الملائكة بالبشارة من الله عند الموت، ويدل عليه قوله تعالى:{الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ..} . إلخ وأيضا قوله تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ،} وقيل: هي الثناء الحسن، ويدل على ذلك ما جاء عن أبي ذر قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه، قال: تلك عاجل بشرى المؤمن؟» . أخرجه مسلم، وقال الحسن: هي ما بشر الله به المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه، ويدل عليه قوله تعالى:{لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ} يعني: لا خلف لوعد الله الذي وعد به أولياءه على طاعته في كتابه، وعلى ألسنة رسله، ولا تغيير لذلك الوعد. {ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي: ما يصير إليه أولياؤه فهو الفوز العظيم. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {لَهُمُ} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {الْبُشْرى} : مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ «الذين» على وجه مر ذكره، أو هي مستأنفة لا محل لها. {فِي الْحَياةِ}: متعلقان ب {الْبُشْرى؛} لأنه مصدر، وقيل: متعلقان بمحذوف حال من {الْبُشْرى،} وكثير لا يجيزون وقوع الحال من المبتدأ. {الدُّنْيا} : صفة: {الْحَياةِ} مجرور
…
إلخ. {وَفِي الْآخِرَةِ} : معطوفان على ما قبلهما. {لا} : نافية للجنس تعمل عمل (إن). {تَبْدِيلَ} : اسم {لا} مبني على الفتح في محل نصب. {لِكَلِماتِ} : متعلقان بمحذوف خبر: {لا،} وانظر إعراب: {لا رَيْبَ فِيهِ} في الآية رقم [37]، ففيها الكفاية، و (كلمات) مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه، وجملة:{لا تَبْدِيلَ..} . إلخ معترضة لا محل لها. {ذلِكَ} : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {هُوَ}: ضمير فصل لا محل له.
{الْفَوْزُ} : خبر المبتدأ. {الْعَظِيمُ} : صفة، هذا؛ وإن اعتبرت {هُوَ} مبتدأ ثانيا ف {الْفَوْزُ} خبره، والجملة الاسمية خبر ذلك، والجملة الاسمية:{ذلِكَ..} . إلخ معترضة في آخر الكلام كالتي قبلها لتحقيق المبشر به، وتعظيم شأنه، وليس من شرط الاعتراض أن يقع بعده كلام يتصل به. وإن اعتبرت الجملتين مستأنفتين؛ فلا محل لهما أيضا.
{وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)}
الشرح: {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} أي: لا يهمك، ولا يغمك، ولا يخوفك كفرهم، وتهديدهم ووعيدهم، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، هذا؛ ويقرأ الفعل بفتح الياء من الثلاثي، وبضمها من الرباعي، والمعنى واحد، والأول من باب فرح وطرب، وهي لغة قريش، والرباعي لغة تميم، وهو متعدّ على اللغتين، مثل سلكه وأسلكه. انتهى. مختار بتصرف.
{إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} أي: إن القوة الكاملة، والغلبة الشاملة، والقدرة التامة لله وحده، فهو ناصرك يا محمد على أعدائك، ومعينك ومانعك من الاعتداء عليك، ولا منافاة بين ما هاهنا وبين قوله تعالى:{وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ؛} لأن عزة الرسول صلى الله عليه وسلم وعزة المؤمنين بإعزاز الله إياهم، فثبت بذلك أن العزة لله جميعا، وهو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء، هذا؛ ويقرأ بكسر همزة {إِنَّ} وفتحها، {هُوَ السَّمِيعُ}: لأقوال المشركين سماع انتقام. {الْعَلِيمُ} :
بجميع أفعالهم، فيجازيهم بها ما يستحقون من جزاء، ولا تنس أن في الكلام تعزية وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {وَلا} : الواو: حرف استئناف. (لا): ناهية. {يَحْزُنْكَ} : مضارع مجزوم ب (لا) الناهية، والكاف مفعول به، {قَوْلُهُمْ}: فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {إِنَّ}: حرف مشبه بالفعل. {الْعِزَّةَ} : اسمها.
{لِلّهِ} : متعلقان بمحذوف خبر {إِنَّ،} {جَمِيعاً} : حال من {الْعِزَّةَ،} وهي حال مؤكدة، ويجوز اعتباره توكيدا ل {الْعِزَّةَ،} ولم يؤنث؛ لأن فعيلا يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ لشبهه بالمصادر، والجملة الاسمية:{إِنَّ..} . إلخ تعليل للنهي، أو هي مستأنفة لا محل لها، ولا يتوهم متوهم: أن الجملة من مقول المشركين، فيحصل في الكلام تناقض؛ ولذا فالوقف على قولهم واجب، ومثل هذه الآية آية سورة (يس)، هذا؛ وعلى قراءة فتح همزة «(أنّ)» تؤول مع اسمها وخبرها بمصدر في محل جر بحرف تعليل محذوف؛ وعليه فلا يجب الوقف على {قَوْلُهُمْ} .
تأمل، وتدبر. وجملة:{هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} معترضة أو مستأنفة لا محل لها على الاعتبارين.
الشرح: {أَلا إِنَّ لِلّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} أي: من الملائكة والثقلين، وإذا كان هؤلاء الذين هم أشرف المخلوقات عبيدا لله، لا يصلح أحد منهم للألوهية والربوبية، فما لا يعقل منها أحق أن لا يكون ندا لله ولا شريكا له، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [55]. {وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ} أي: شركاء على الحقيقة، وإن كانوا يسمونها شركاء، بل يظنون: أنها تنفعهم وتشفع لهم، والحقيقة: أنها لا تنفع ولا تشفع. {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ} : وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على حق، وأن أصنامهم ستشفع لهم وتنفعهم، أو هم يتبعون جهالتهم وآراءهم الفاسدة، فإن الظن قد يطلق على ما يقابل العلم. {وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ}: يكذبون على الله فيما ينسبونه إليه كاتخاذ الولد، وجعل عبادة الأصنام وصلة إليه، وتحليل الميتة، وتحريم البحائر، والسوائب، وغير ذلك، أو المعنى: أنهم يقدرون أنهم على
شيء معتد به، هذا؛ وحقيقة الخرص ما يقال عن ظن وتخمين، ومنه: خرص التمر، والعنب على شجرهما، وهو معروف في مبحث الزكاة في الفقه الإسلامي.
الإعراب: {أَلا إِنَّ لِلّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} : انظر إعراب هذه الجملة ومحلها في الآية رقم [55]. {وَما} : الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {يَتَّبِعُ} : مضارع.
{الَّذِينَ} : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل، وجملة:{يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ،} صلة الموصول لا محل لها. {شُرَكاءَ} : مفعول {يَتَّبِعُ،} ومفعول: {يَدْعُونَ} محذوف تقديره: (يدعون من دون الله أصناما): هذا؛ وجوز اعتبار (ما) استفهامية مفعولا مقدما للفعل بعدها، هذا؛ وأجيز اعتبار (ما) موصولة معطوفة على (من) كأنه قيل: ولله ما يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء، أي: وله شركاؤهم، كما أجيز اعتبارها موصولة أيضا في محل رفع مبتدأ، والجملة بعدها صلتها، والعائد محذوف، والخبر محذوف أيضا، وتقدير الكلام: والذي يتبعه الذين يدعون من دون الله باطل لا أصل له. انتهى. جمل نقلا من هنا وهناك وقد تصرفت فيه. والجملة الفعلية أو الاسمية مستأنفة على ثلاثة أوجه ومعطوفة على اعتبار (ما) مبتدأ. تأمل جيدا. {إِنَّ} : حرف نفي. {يَتَّبِعُونَ} : مضارع مرفوع، والواو فاعله، {أَلا}: حرف حصر.
{الظَّنَّ} : مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {وَإِنْ}: الواو: حرف عطف.
(إن): حرف نفي. {هُمْ} : ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَلا} : حرف حصر، وجملة:{يَخْرُصُونَ} : في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، ومؤكدة لها لا محل لها مثلها.
الشرح: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} أي: مع أزواجكم، وأولادكم، ليزول التعب، والكلال، والسكون: الهدوء بعد اضطراب واستقرار بعد حركة. {وَالنَّهارَ مُبْصِراً} أي: مضيئا لتهتدوا به في قضاء حوائجكم، والمبصر: الذي يبصر، والنهار يبصر فيه، وإنما قال:{مُبْصِراً} تجوزا، وتوسعا على عادة العرب في قولهم: ليل قائم، ونهار صائم، وقال قطرب: يقال: أظلم الليل، أي: صار ذا ظلمة، وأضاء النهار، وأبصر، أي: صار ذا ضياء، وبصر. انتهى. قرطبي بتصرف. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ} أي: علامات ودلالات على قدرة الله تعالى. {لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} : سماع تدبر، وتعقل، واعتبار، فيعلمون بذلك: أن الذي خلق هذه الأشياء كلها هو الإله المعبود، المنفرد بالوحدانية في الوجود.
هذا؛ والليل واحد بمعنى الجمع، واحدته: ليلة، مثل: تمر، وتمرة، وقد جمع على (ليال)، فزادوا فيه الياء على غير قياس، ونظيره: أهل وأهال، والليل الشرعي من غروب
الشمس إلى طلوع الفجر الصادق، وهو أحد قولين في اللغة، والقول الآخر من غروبها إلى طلوعها، هذا؛ والنهار ضد الليل، وهو لا يجمع كما لا يجمع العذاب، والسراب، فإن جمعته قلت في الكثير: نهر بضمتين كسحاب وسحب، وأنشد ابن كيسان:[الرجز]
لولا الثريدان لمتنا بالضّمر
…
ثريد ليل، وثريد بالنّهر
وفي القليل: أنهر، والنهار من طلوع الفجر، أو من طلوع الشمس على ما تقدم في نهاية الليل، إلى غروب الشمس، وقد يطلق عليهما اسم اليوم، كما ستعرفه في الآية رقم [3] من سورة (هود)، هذا؛ والليل يطلق على الحبارى، أو على فرخها وفرخ الكروان، والنهار يطلق على فرخ القطا. انتهى. قاموس. وقد ألغز بعضهم بقوله:[الوافر]
إذا شهر الصّيام إليك وافى
…
فكل ما شئت ليلا أو نهارا
الإعراب: {هُوَ الَّذِي} : مبتدأ وخبر، وجملة:{جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ} صلة الموصول، والعائد رجوع الفاعل إليه، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {لِتَسْكُنُوا}: مضارع منصوب ب «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {فِيهِ}: متعلقان بما قبلهما. {وَالنَّهارَ} : معطوف على {اللَّيْلَ،} {مُبْصِراً} : حال إن كان جعل بمعنى خلق وأبدع، ومفعول ثان إن كان بمعنى: صير، وحذف مقابله بعد الفعل {جَعَلَ} كما حذف مقابل {لِتَسْكُنُوا} من بعده ليدل كل على المحذوف من مقابله، والتقدير: هو الذي جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه، والنهار مبصرا لتسعوا فيه لمعاشكم، فحذف (مظلما) لدلالة:{مُبْصِراً} عليه، وحذف (لتسعوا) لدلالة:{لِتَسْكُنُوا} عليه، وهذا يسمى احتباكا، وهو أفصح كلام. انتهى. جمل بتصرف. {إِنَّ}: حرف مشبه بالفعل. {فِي ذلِكَ} : متعلقان بمحذوف خبر إن تقدم على اسمها. {لَآياتٍ} : اللام: لام الابتداء. (آيات): اسم {إِنَّ} منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. {لِقَوْمٍ}: متعلقان بمحذوف صفة (آيات)، وجملة:{يَسْمَعُونَ} : مع المفعول المحذوف في محل جر صفة (قوم)، والجملة الاسمية:{إِنَّ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
الشرح: {قالُوا} أي: كفار قريش، {اِتَّخَذَ اللهُ وَلَداً}: يعني به قولهم: الملائكة بنات الله وهذه الآية مكية، فلا تشمل قول النصارى: عيسى ابن الله، ولا قول اليهود: عزير ابن الله، انظر
الآية رقم [30] التوبة لحكاية قول الفريقين. {سُبْحانَهُ} : انظر الآية رقم [10]، {هُوَ الْغَنِيُّ}:
غير محتاج للولد، والنصير، والمساعد، والولد مسبب عن الحاجة، فقد نزه الله نفسه عن الصاحبة، والأولاد، ثم أخبر بفناء المطلق، وأن له كل ما يوجد في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا، وانظر الآية رقم [55] و [66]. {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا}: ما عندكم حجة وبرهان على ما تدعونه من اتخاذ الولد لله، وانظر الآية رقم [96] من سورة (هود). {أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ}: فيه توبيخ وتقريع على اختلافهم الكذب على الله، وعلى جهلهم الفادح، وفيه دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة، وأن العقائد لا بد لها من دليل قاطع، وأن التقليد فيها غير سائغ.
الإعراب: {قالُوا} : ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق {اِتَّخَذَ اللهُ وَلَداً}: ماض وفاعله ومفعوله، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة:
{قالُوا..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {سُبْحانَهُ} : مفعول مطلق لفعل محذوف. والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر، أو اسم المصدر لفاعله، فيكون المفعول محذوفا، أو من إضافة المصدر لمفعوله، فيكون الفاعل محذوفا، والجملة الفعلية الحاصلة منه، ومن فعله المحذوف مستأنفة لا محل لها. {هُوَ الْغَنِيُّ}: مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية تعليل للتنزيه لا محل لها. {لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ}: انظر إعراب هذه الجملة في الآية رقم [55]، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {إِنْ}: حرف نفي بمعنى (ما).
{عِنْدَكُمْ} : ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف في محل جر بالإضافة.
{مِنْ} : حرف جر صلة. {سُلْطانٍ} : مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. {بِهذا}: جار ومجرور متعلقان ب {سُلْطانٍ،} أو بمحذوف صفة له، وحرف التنبيه مقحم بين الجار والمجرور، هذا؛ ويجوز اعتبار {سُلْطانٍ} فاعلا بالظرف لاعتماده على النفي، وعند التأمل يظهر لك: أنه فاعل بفعل محذوف، التقدير: ما ثبت عندكم سلطان بهذا. {أَتَقُولُونَ} : الهمزة: حرف استفهام وتوبيخ وإنكار. (تقولون): مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله. {عَلَى اللهِ}: متعلقان بالفعل قبلهما. {ما} : تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل نصب مقول القول، وصح ذلك؛ لأنها كناية عن كلام كثير، أو لأن الفعل بمعنى (تفترون). {لا}: نافية.
{تَعْلَمُونَ} : فعل وفاعل والجملة الفعلية صلة {ما} . أو صفتها، والعائد أو الرابط: محذوف.
إذ التقدير: الذي أو شيئا لا تعلمونه، والجملة الفعلية:{أَتَقُولُونَ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
{قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69)}
الشرح: {قُلْ} : خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} : بإضافة الشريك إليه، وباتخاذ الولد له. {لا يُفْلِحُونَ}: لا يسعدون، وإن اغتروا بطول السلامة، والبقاء في النعمة، ثم لا ينجون من النار، ولا يفوزون بالجنة، وانظر إعلال (يصيب) في الآية رقم [51] من سورة (التوبة)، فإعلال {يُفْلِحُونَ} مثله، وانظر المفلحون في الآية رقم [88] منها.
الإعراب: {قُلْ} : أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {إِنَّ} : حرف مشبه بالفعل.
{الَّذِينَ} : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم {إِنَّ،} وجملة: {يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} : صلة الموصول لا محل لها، وجملة:{لا يُفْلِحُونَ} : في محل رفع خبر:
{إِنَّ،} والجملة الاسمية: {إِنَّ الَّذِينَ..} . إلخ: في محل نصب مقول القول، وجملة:
{قُلْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
الشرح: {مَتاعٌ} : انتفاع وتلذذ، وتمتع واستمع بكذا انتفع به، والمتعة: الانتفاع، والتلذذ بالشيء، وأمتعه الله، ومتعه بكذا بمعنى واحد، ومتاع الغرور، أي: ما يغر ويخدع، ولا يغر إلا ضعفاء النفوس والإيمان، وخاب الفسقة الذين يقولون: إن متاع الغرور هو ما تحمله المرأة في أيام حيضها، فمن أين أتوا بهذا التفسير الذي لا يقره ذوق فضلا عن عدم وجوده في كتب اللغة؟! {فِي الدُّنْيا}: انظر الآية رقم [23]، {ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ}: رجوعهم، وهذا يكون يوم القيامة يوم البعث والنشور للحساب والجزاء، {نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ} أي: نعذبهم العذاب الشديد في جهنم، وانظر {فَذُوقُوهُ}: في الآية رقم [14] الأنفال. {بِما كانُوا يَكْفُرُونَ} أي:
يعذبون بسبب كفرهم، وجحودهم نعمة الله عليهم في الدنيا، وافترائهم الكذب على الله تعالى.
الإعراب: {مَتاعٌ} : خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: ذلك متاع، أو هو مبتدأ خبره محذوف، التقدير: لهم متاع، والجملة الاسمية مستأنفة على الاعتبارين. {فِي الدُّنْيا}: متعلقان ب {مَتاعٌ،} أو بمحذوف صفة له. {ثُمَّ} : حرف عطف. {إِلَيْنا} : متعلقان بمحذوف خبر مقدم.
{مَرْجِعُهُمْ} : مبتدأ مؤخر، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر الميمي لفاعله، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. {نُذِيقُهُمُ}: مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» ، والهاء مفعول به أول. {الْعَذابَ}: مفعول به ثان. {الشَّدِيدَ} : صفته، وجملة:{نُذِيقُهُمُ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا {بِما كانُوا يَكْفُرُونَ} انظر
إعراب هذه الكلمات في الآية رقم [4] والجار والمجرور بعد التأويل متعلقان بالفعل: (نذيق)، وانظر الشرح يتضح لك التقدير.
الشرح: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} أي: اقرأ يا محمد على قومك خبر نوح مع قومه. {إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ} : حين قال نوح لقومه الذين بعث إليهم داعيا ومنذرا. {إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ} أي: إن كان عظم وشق عليكم طول مقامي بينكم، وذلك؛ لأنه عليه الصلاة والسلام. أقام فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى، ويذكرهم بآيات الله، ويقدم لهم المواعظ، والنصح، والإرشاد، فلم يزدادوا إلا عتوا، ونفورا. {فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ}:
اعتمدت وفوضت أمري إليه، فهو حسبي، وثقتي، وملجئي، وملاذي.
{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ} : ما أشبه هذا القول بقول هود عليه السلام: {فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} : يقال: أجمع الأمر: إذا عزم عليه، والأمر مجمع، ويقال أيضا: اجمع أمرك، ولا تدعه منتشرا، وقال تعالى حكاية عن قول فرعون وأشياعه:{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا،} ولا يقال: أجمع أعوانه وشركاءه، وإنما يقال: جمع أعوانه وأصدقاءه، وهذا مبني على قاعدة:
(يقال: أجمع في المعاني، وجمع في الأعيان)، هذا هو الأكثر والمستعمل، وقد يستعمل كل واحد مكان الآخر، قال تعالى:{فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى} انظرها برقم [60] من سورة (طه)؛ تجد ما يسرك حيث تجدها مؤولة؛ لذا فإن التقدير في الآية: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ،} وادعوا شركاءكم مع العلم: أنه قد قرئ برفع «شركاؤكم» وانظر الإعراب. {ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} أي: لا يكن ما أجمعتم عليه من كيدي أمرا مستورا، بل اجعلوه ظاهرا مكشوفا، أو المعنى: لا يكن حالكم عليكم غما إذا أهلكتموني، وتخلصتم من ثقل مقامي بينكم، وتذكيري لكم، هذا؛ والغمة أيضا:
الكربة، والغم: الكرب، وانظر (الهم) في الآية رقم [13] (التوبة). {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ}: امضوا بما في أنفسكم من مكروه، وما توعدوني به من قتل، وطرد، وافرغوا منه. {وَلا تُنْظِرُونِ} أي:
لا تؤخروني ولا تمهلوني.
وهذا الكلام من نوح عليه السلام على طريق التعجيز لهم، فقد أخبر الله تعالى عنه: أنه كان قد بلغ الغاية في التوكل على الله، وأنه كان واثقا بنصره إياه، غير خائف من كيدهم، علما منه بأنهم وآلهتهم ليس لهم نفع ولا ضر، وأن مكرهم لا يصل إليه. انتهى. خازن.
الإعراب: {وَاتْلُ} : (اتل): أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره وهو الواو، والضمة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» . {عَلَيْهِمْ} : متعلقان بالفعل قبلهما. {نَبَأَ} : مفعول به، وهو مضاف، و {نُوحٍ}: مضاف إليه. {إِذْ} : ظرف متعلق ب {نَبَأَ،} أو هي بدل من {نَبَأَ} فهي مبنية على السكون في محل نصب على الوجهين، وجملة:{قالَ لِقَوْمِهِ} في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها.
{يا قَوْمِ} : منادى منصوب، انظر تفصيل الإعراب في الآية رقم [28] من سورة (هود) عليه السلام، والجملة الندائية في محل نصب مقول القول. {إِنْ}: حرف شرط جازم. {كانَ} :
ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط. {كَبُرَ} : ماض. {عَلَيْكُمْ} : متعلقان بالفعل قبلهما. {مَقامِي} : تنازعه الفعلان قبله، فالأول يطلبه اسما له، والثاني يطلبه فاعلا، والثاني أولى عند البصريين لقربه، والأول أولى عند الكوفيين لسبقه، وإذا عمل فيه أحدهما؛ فيعمل الثاني في ضميره، وعلى الوجهين فهو مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر الميمي لفاعله، وجملة:{كَبُرَ..} . إلخ في محل نصب خبر {كانَ} وجملة: {كانَ..} . إلخ لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي.
{وَتَذْكِيرِي} : معطوف على ما قبله مرفوع مثله
…
إلخ، والياء في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله. {بِآياتِ}: متعلقان بالمصدر (تذكيري)، و (آيات) مضاف، و {اللهِ}: مضاف إليه. {فَعَلَى} : الفاء: حرف اعتراض، وقال أو البقاء، واقعة في جواب الشرط، ولا وجه له.
{فَعَلَى اللهِ} : متعلقان بالفعل بعدهما. {تَوَكَّلْتُ} : فعل وفاعل. والجملة الفعلية معترضة بين فعل الشرط وجوابه. {فَأَجْمِعُوا} : الفاء: واقعة في جواب الشرط. (أجمعوا): أمر مبني على حذف النون. والواو فاعله، والألف للتفريق والجملة الفعلية في محل جواب الشرط.
وهي معطوفة على ما قبلها على قول أبي البقاء. وجزم السفاقسي بأن جواب الشرط محذوف، التقدير: فافعلوا ما شئتم؛ وعليه فالجملتان معترضتان. تأمل. {أَمْرَكُمْ} : مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {وَشُرَكاءَكُمْ}: فيه أوجه: أحدها: أنه معطوف على ما قبله. بتقدير حذف مضاف. أي: وأمر شركائكم. والثاني: أنه معطوف بدون تقدير مضاف. الثالث: أنه مفعول به بفعل محذوف، تقديره: وادعوا شركاءكم. الرابع: أنه مفعول معه؛ أي: مع شركائكم، هذا؛ وقرئ «(شركاؤكم)» بالرفع، وفيه تخريجان: أحدهما أنه معطوف على واو الجماعة وجاز ذلك للفصل بالمفعول به. والثاني: أنه مبتدأ محذوف الخبر، تقديره:(وشركاؤكم فليجمعوا أمرهم)، وشذت فرقة فقرأت:«(وشركائكم)» بالجر، ووجهت على حذف المضاف، وإبقاء المضاف إليه مجرورا على حاله، فتقديره: وأمر شركائكم، والكوفي يعطفه على الضمير من غير إعادة الجار، {ثُمَّ}: حرف عطف، {لا}: ناهية، {يَكُنْ}: مضارع ناقص مجزوم ب {لا} الناهية، {أَمْرَكُمْ}: اسم {يَكُنْ،} والكاف في محل
جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {عَلَيْكُمْ}: متعلقان ب {غُمَّةً} بعدهما. {غُمَّةً} :
خبر {يَكُنْ،} والجملة الفعلية {لا يَكُنْ..} . إلخ معطوفة على {إِنْ} ومدخولها، والكلام كله في محل نصب مقول القول. {اُقْضُوا}: أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة أيضا فهي في محل نصب مقول القول. {وَلا}: الواو:
حرف عطف. (لا): ناهية. {تُنْظِرُونِ} : مضارع مجزوم ب (لا) الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعله، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول أيضا.
الشرح: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} أي: فإن أعرضتم عما جئتكم به. {فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} أي: من عوض على تبليغ الرسالة ووعظي، وتذكيري بآيات الله. {إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللهِ}: لا أطلب منكم أجرا إنما أجري على الله. {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي: إني أمرت بدين الإسلام، وأنا ماض فيه، غير تارك له، سواء أقبلتموه، أم لم تقبلوه؟
الإعراب: {فَإِنْ} : الفاء: حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {تَوَلَّيْتُمْ} : ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف، أي: فلا ضرر عليّ. {فَما} : الفاء: حرف تعليل. (ما): نافية. {سَأَلْتُكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول به أول. {مِنْ} : حرف جر زائد. {أَجْرٍ} : مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وجملة:{فَما سَأَلْتُكُمْ..} .
إلخ تعليل للجواب المحذوف، و {فَإِنْ} ومدخولها كلام مستأنف وهو من مقول نوح عليه السلام. {فَإِنْ}: حرف نفي. {أَجْرِيَ} : مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم
…
إلخ. والياء في محل جر بالإضافة. {إِلاّ} : حرف حصر. {عَلَى اللهِ} : متعلقان بمحذوف في محل خبر المبتدأ والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَأُمِرْتُ}: ماض مبني للمجهول، مبني على السكون، وتاء الفاعل نائب فاعله، وهو المفعول الأول. {فَإِنْ}: حرف مصدري ونصب. {أَكُونَ} : مضارع ناقص منصوب ب {فَإِنْ،} واسمه مستتر تقديره: «أنا» .
{مِنَ الْمُسْلِمِينَ} : متعلقان بمحذوف خبر {أَكُونَ،} و {فَإِنْ} والمضارع الناقص في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به ثان لأمر؛ لأن هذا الفعل يتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه وبحرف الجر، كما هو معروف، فإن قدرت المصدر مجرورا بحرف محذوف، فيكون الجار والمجرور
متعلقين بالفعل (أمرت)، وهما في محل نصب مفعوله الثاني، وجملة:{وَأُمِرْتُ..} . إلخ مستأنفة، أو معطوفة على ما قبلها لا محل لها على الوجهين. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.
الشرح: {فَكَذَّبُوهُ} : كذبوا نوحا، وأصروا على تكذيبه، بعد ما ألزمهم الحجة، وبيّن لهم:
أن إعراضهم عنه، وعن دعوته، إنما هو لعنادهم، وتمردهم. {فَنَجَّيْناهُ} أي: من الغرق. {وَمَنْ مَعَهُ} أي: من المؤمنين، وكانوا ثمانين. {فِي الْفُلْكِ}: في السفينة التي صنعها، وانظر الآية رقم [37] من سورة (هود)، وما بعدها، {وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ}: انظر الآية رقم [14]. {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا} : بالطوفان، كما ستقف عليه في الآية رقم [40]، من سورة (هود)، وما بعدها. {فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} أي: فانظر يا محمد، أو يا أيها الإنسان كيف كان آخر ونتيجة من أنذرتهم الرسل، فلم يؤمنوا، ولم يقبلوا ذلك، فيه تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن كذب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعزية وتسلية.
تنبيه: ذكر الله تعالى في هذه السورة قصة نوح عليه الصلاة والسلام موجزة، وانظرها في سورة (الأعراف)، وفي سورة (هود) بأوسع وأبسط من هذه السورة.
الإعراب: {فَكَذَّبُوهُ} : (كذبوه): فعل ماض وفاعله ومفعوله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {فَنَجَّيْناهُ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {وَمَنْ}: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على الضمير المنصوب. {مَعَهُ} : ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، {فِي الْفُلْكِ}: متعلقان بما تعلق به ما قبلهما، أو هما متعلقان بالفعل:(نجينا)، وجملة:{وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ} : معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا، وكذلك {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ}: معطوفة أيضا، وجملة:{كَذَّبُوا بِآياتِنا} : صلة الموصول لا محل لها {فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} : انظر إعراب هذه الجملة ومحلها في الآية رقم [39] فهي مثلها بلا فارق.
الشرح: {ثُمَّ بَعَثْنا} : أرسلنا. {مِنْ بَعْدِهِ} : من بعد نوح. {رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ} : لم يذكر الله من كان بعد نوح من الرسل، وذكر في سورة (الأعراف) وفي سورة (هود): هودا، وصالحا، وإبراهيم، ولوطا، وشعيبا وغيرهم. {فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ}: فجاء الرسل أقوامهم بالدلالات
الواضحات والمعجزات الباهرات؛ التي تدل على صدقهم. {فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} أي: فما صح وما استقام لهؤلاء الأقوام أن يؤمنوا لشدة شكيمتهم في الكفر وخذلان الله لهم بسبب تعودهم على تكذيب الحق، وتمرنهم عليه قبل بعثة الرسل. انتهى. بيضاوي. وقال الخازن: إن أولئك الأقوام جروا على منهاج قوم نوح في التكذيب. ولم يزجرهم ما جاءتهم به الرسل، ولم يرجعوا عما هم فيه من الكفر والتكذيب. انتهى. فالواو في {كانُوا} و (يؤمنوا) ضمير القوم، والواو في {كَذَّبُوا} عائدة على قوم نوح، والضمير في {بِهِ} عائدة على نوح. {نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}: نختم على قلوب المجاوزين الحد في الكفر والتكذيب، فلا يؤمنوا؛ لانهماكهم في الضلال، واتباع المألوف، وفيه دليل على أن الأفعال واقعة بقدر الله تعالى وللعبد كسب فيها، وقد ذكرت ذلك مرارا فيما تقدم.
الإعراب: {ثُمَّ} : حرف عطف. {بَعَثْنا} : فعل وفاعل {مِنْ بَعْدِهِ} : متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {رُسُلاً،} كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا، والهاء في محل جر بالإضافة. {رُسُلاً}: مفعول به. {إِلى قَوْمِهِمْ} : متعلقان بمحذوف صفة: {رُسُلاً،} والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{بَعَثْنا..} . إلخ معطوفة على ما قبلها. {فَجاؤُهُمْ} : ماض، وفاعله، ومفعوله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا. {بِالْبَيِّناتِ}: متعلقان بالفعل قبلهما. {فَما} : الفاء: حرف عطف وتفريع. (ما): نافية. {كانُوا} : ماض، والواو اسمه، والألف للتفريق. {لِيُؤْمِنُوا}: مضارع منصوب ب «أن» مضمرة وجوبا بعد لام الجحود، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة والمضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر (كان)، التقدير: ما كانوا مريدين للإيمان. {بِما} : متعلقان بالفعل قبلهما، و (ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر بالباء، وجملة:{كَذَّبُوا بِهِ} صلة الموصول، أو صفة النكرة الموصوفة. {مِنْ قَبْلُ}: متعلقان بمحذوف حال من الضمير المجرور محلا بالباء، و {مِنْ} بيان لما أبهم في (ما) و {قَبْلُ} مبني على الضم في محل جر لقطعه عن الإضافة لفظا لا معنى. {كَذلِكَ}: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف عامله ما بعده، التقدير: نطبع على قلوب المعتدين طبعا كائنا مثل الطبع الذي طبعناه على قلوب قوم نوح، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل لها، وانظر الآية رقم [13] {نَطْبَعُ}: مضارع، وفاعله مستتر تقديره:«نحن» . {عَلى قُلُوبِ} : متعلقان بالفعل قبلهما، و {قُلُوبِ}: مضاف، و {الْمُعْتَدِينَ}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وجملة:{كَذلِكَ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
الشرح: {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: من بعد هؤلاء الرسل. {مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ} :
انظر الآية رقم [103] من سورة (الأعراف)، {بِآياتِنا}: بمعجزاتنا التسع، انظر ما ذكرته في الآية رقم [133] (الأعراف) وما بعدها. {فَاسْتَكْبَرُوا}: عن اتباعهما وقبول الحق الذي جاءا به.
{وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ} : معتادين الإجرام، فلذلك تهاونوا برسالة ربهم، واجترءوا على ردها.
الإعراب: {ثُمَّ} : حرف عطف. {بَعَثْنا} : فعل وفاعل. {مِنْ بَعْدِهِمْ} : متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {مُوسى}: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف. {وَهارُونَ}: معطوف على {مُوسى،} {إِلى فِرْعَوْنَ} : متعلقان بالفعل {بَعَثْنا} وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. {وَمَلائِهِ} :
معطوف على {فِرْعَوْنَ،} والهاء في محل جر بالإضافة. {بِآياتِنا} : متعلقان بالفعل: {بَعَثْنا،} و (نا): في محل جر بالإضافة، وجملة:{بَعَثْنا..} . إلخ معطوفة على جملة: {كَذَّبُوا..} . إلخ لا محل لها مثلها. {فَاسْتَكْبَرُوا} : ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا. {وَكانُوا}: ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {قَوْماً}: خبر (كان). {مُجْرِمِينَ} : صفة: {قَوْماً} منصوب، وجملة:{وَكانُوا..} . إلخ معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا.
{فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)}
الشرح: {فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا} : يريد فرعون وقومه، أي: فلما جاء فرعون وقومه الحق الذي جاء به موسى من عند الله، وعرفوه بتظاهرات المعجزات الباهرة المزيحة للشك والريبة. {قالُوا إِنَّ هذا..}. إلخ: أي: قال فرعون وملؤه: إن هذا الذي جاء به موسى سحر مبين يعرفه كل أحد.
الإعراب: {فَلَمّا} : الفاء: حرف استئناف. (لما): انظر الآية رقم [12] وجملة: {جاءَهُمُ الْحَقُّ} ابتدائية لا محل لها على اعتبار (لما) حرفا، وفي محل جر بإضافة (لما) إليها على اعتبارها ظرفا. {مِنْ عِنْدِنا}: متعلقان بالفعل جاء، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {الْحَقُّ،} ونا: في محل جر بالإضافة. {قالُوا} : فعل وفاعل، والألف للتفريق. {إِنَّ}: حرف مشبه بالفعل. {هذا} : اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب اسم {إِنَّ،} والهاء حرف تنبيه لا محل له. {لَسِحْرٌ} : اللام: هي المزحلقة (سحر): خبر {إِنَّ} . {مُبِينٌ..} .: صفته،
والجملة الاسمية: {إِنَّ هذا..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالُوا..} . إلخ جواب (لمّا) لا محل لها، و (لمّا) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له.
{قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُونَ (77)}
الشرح: {قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمّا جاءَكُمْ} : إنه سحر، فحذف المحكي بالقول لدلالة ما قبله عليه، وقيل لدلالة ما بعده عليه. {أَسِحْرٌ هذا}:{هذا} استفهام إنكاري وتوبيخي، أي: إنه ليس بسحر، ثم أكد ذلك بقوله:{وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُونَ} لأن السحر تمويه، وتخييل، وصاحب ذلك لا ينجح، ولا يفلح أبدا.
الإعراب: {قالَ} : ماض. {مُوسى} : فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر. {أَتَقُولُونَ}: الهمزة: حرف استفهام توبيخي تقريعي. (تقولون): مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله. {لِلْحَقِّ}: متعلقان بالفعل قبلهما. {لَمّا} : ظرفية بمعنى حين مبنية على السكون في محل نصب متعلق بالفعل (تقولون) أيضا. {جاءَكُمْ} : ماض، والكاف مفعول به، والفاعل يعود إلى (الحق) تقديره:«هو» ، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {لَمّا} إليها، ومقول:(تقولون) محذوف، انظر الشرح، وجملة:{أَتَقُولُونَ..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَ..} .
إلخ مستأنفة لا محل لها. {أَسِحْرٌ} : الهمزة: حرف استفهام توبيخي أيضا. (سحر): خبر مقدم.
{هذا} : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية من مقول موسى أيضا. {وَلا}: الواو: واو الحال. (لا): نافية. {يُفْلِحُ} : مضارع. {السّاحِرُونَ} : فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الفعلية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو فقط.
الشرح: {قالُوا} أي: فرعون وملؤه لموسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة وسلام. {أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا}: لتصرفنا وتلوينا، واللفت، والفتل بمعنى واحد، وفعلاهما من باب (ضرب). {عَمّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا}: قال الخازن: من الدين، وقال غيره: من عبادة الأصنام وهو الأصح، وهذا يدل على أن قوم فرعون كانوا يعبدون الأوثان مع عبادة فرعون، فإنه كان يصنع لهم الأصنام، ويأمرهم بعبادتها، ويقول لهم: أنا ربكم الأعلى. {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ} أي: الملك في أرض مصر، وأطلق الكبرياء على الملك؛ لأنه أعظم ما يطلب في الدنيا، ولاتصاف الملوك
بالكبر والتكبر على الناس باستعبادهم وإذلالهم، والخطاب في {لَكُمَا} لموسى وهارون. {وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ}: بمصدقين فيما جئتما به، هذا؛ ويقرأ {وَتَكُونَ} بالياء والتاء.
الإعراب: {قالُوا} : فعل وفاعل، والألف للتفريق. {أَجِئْتَنا}: الهمزة: حرف استفهام إنكاري. (جئتنا): فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة:
{قالُوا..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {لِتَلْفِتَنا} : مضارع منصوب ب «أن» مضمرة جوازا بعد لام التعليل، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» ، و (نا): مفعول به، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {عَمّا}: متعلقان بالفعل قبلهما، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر ب «عن» ، وجملة:{وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا} صلة ما، أو صفتها، والعائد أو الرابط الضمير المجرور محلا ب (على) التقدير: عن الذي، أو عن شيء وجدنا
…
إلخ. (تكون): مضارع ناقص معطوف على تلفتنا منصوب مثله. {لَكُمَا} : متعلقان بمحذوف خبر (تكون) مقدم، والميم والألف حرفان دالان على التثنية. {الْكِبْرِياءُ}: اسم (كان) مؤخر. {فِي الْأَرْضِ} : متعلقان بنفس {الْكِبْرِياءُ،} أو بمحذوف حال منه، أو بمحذوف حال من الضمير المستتر في متعلق:{لَكُمَا،} أو هما متعلقان بالفعل (تكون)، أو بمحذوف خبر ثان له. انتهى. أبو البقاء بتصرف مني. {وَما}: الواو: حرف استئناف. (ما): نافية حجازية تعمل عمل (ليس). {نَحْنُ} : ضمير منفصل مبني على الضم في محل رفع اسم (ما). {لَكُمَا} : متعلقان بما بعدهما. {بِمُؤْمِنِينَ} : الباء: حرف جر صلة.
(مؤمنين): خبر (ما) مجرور لفظا، منصوب محلا، والجر اللفظي، والنصب المحلي قام مقامهما الياء نيابة عن الكسرة أو الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والجملة الاسمية:{وَما نَحْنُ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها، وإن اعتبرتها في محل نصب حال من (نا) فالمعنى لا يأباه، والرابط:
الواو، والضمير، ثم هي تعود في محل نصب مقول القول. تأمل، وتدبر.
{وَقالَ فِرْعَوْنُ اِئْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (79)}
الشرح: {وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي..} . إلخ: إنما قال فرعون هذا حين رأى معجزة العصا، واليد البيضاء، واعتقد أنهما سحر، فأراد أن يعارض معجزة موسى على نبينا وعليه ألف صلاة، وألف سلام بأنواع من التلبيس ليظهر أن ما أتى به موسى سحر.
الإعراب: {وَقالَ فِرْعَوْنُ} : فعل ماض وفاعله. {اِئْتُونِي} : أمر مبني على حذف النون، والواو، وياء المتكلم مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول. {بِكُلِّ}: متعلقان بالفعل قبلهما، و (كل) مضاف، و {ساحِرٍ}: مضاف إليه. {عَلِيمٍ} : صفة ساحر، وجملة:
{وَقالَ فِرْعَوْنُ..} . إلخ معطوفة على جملة: {قالُوا..} . إلخ لا محل لها مثلها.
{فَلَمّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)}
الشرح: {فَلَمّا جاءَ السَّحَرَةُ} : حضر سحرة فرعون الذين جاءوا لمناظرة موسى عليه السلام. {أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ} أي: اطرحوا على الأرض ما معكم من حبالكم وعصيكم، وقد طلب السحرة من فرعون أجرا إن هم غلبوا موسى عليه السلام، انظر الآية رقم [113] من سورة (الأعراف).
الإعراب: {فَلَمّا} : (لمّا): انظر الآية رقم [12]{جاءَ السَّحَرَةُ} : فعل وفاعل، وانظر محل مثلها في الآية رقم [76] {أَلْقُوا}: أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، {فَلَمّا}:
اسم موصول أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به. {أَنْتُمْ مُلْقُونَ} : مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية صلة {فَلَمّا،} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: ألقوا الذي، أو شيئا أنتم ملقونه، وجملة:{أَلْقُوا..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَ لَهُمْ مُوسى..} . إلخ جواب (لمّا) لا محل لها، و (لمّا) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له، وقال الجمل: عطف على محذوف، أي: فأتوا بالسحرة، فلما جاء السحرة
…
إلخ، ولا داعي له.
الشرح: {فَلَمّا أَلْقَوْا} أي: ما معهم من الحبال والعصي، وانظر الآية رقم [116] (الأعراف) {ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} أي: الذي جئتم به هو السحر الباطل، وهذا على سبيل التوبيخ لهم. {إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ}: سيمحقه، أو سيظهر بطلانه، ويفضح صاحبه. {إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}: لا يثبته ولا يقويه، وفيه دليل على أن السحر إفساد وتمويه، لا حقيقة له، هذا؛ وفي الآية تحذير من الفساد، وسلوك طرق الشر، ومن سلك طريق الشر؛ فالله يكله إلى شيطانه يتلاعب به كيف يشاء، فالله يقول:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} بخلاف من اهتدى وسلك طريق الخير، فإنه يجد توفيقا من الله إلى الخير، وعونا عليه، قال تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ} . والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
الإعراب: {فَلَمّا} : الفاء: حرف استئناف. (لما): انظر الآية رقم [12]. {أَلْقَوْا} : ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة التي هي فاعله، والألف للتفريق، والمفعول محذوف، انظر الشرح، والجملة الفعلية انظر ما قيل في مثلها في الآية رقم [76]. {قالَ مُوسى}: فعل وفاعل، والجملة الفعلية جواب (لمّا) لا محل لها، و (لمّا):
ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {فَلَمّا} : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ،
{جِئْتُمْ} : فعل وفاعل، {بِهِ}: متعلقان بما قبلهما، وجملة:{جِئْتُمْ بِهِ} : صلة الموصول لا محل لها. {السِّحْرُ} : خبر المبتدأ، هذا؛ ويقرأ بالاستفهام، فعلى هذا تكون:{فَلَمّا} استفهاما، وفي موضعها وجهان: أحدهما نصب بفعل محذوف موضعه بعد {فَلَمّا} تقديره: أي: شيء أتيتم به، وجئتم به يفسر المحذوف، فعلى هذا في قوله {السِّحْرُ} وجهان: أحدهما: هو خبر مبتدأ محذوف، أي: أهو السحر. والثاني: أن يكون الخبر محذوفا، أي: السحر هو، والثاني موضعها رفع بالابتداء، و {جِئْتُمْ بِهِ}: الخبر، و {السِّحْرُ} فيه وجهان: أحدهما ما تقدم من الوجهين، والثاني: هو بدل من موضع {فَلَمّا} كما تقول: ما عندك؟ أدينار أم درهم؟ ويقرأ على لفظ الخبر، وفيه وجهان: أحدهما: استفهام أيضا في المعنى، وحذفت الهمزة للعلم بها، والثاني: هو خبر في المعنى، فعلى هذا تكون {فَلَمّا} بمعنى (الذي) و {جِئْتُمْ بِهِ} صلتها و {السِّحْرُ} خبرها، ويجوز أن تكون {فَلَمّا} استفهاما، والسحر خبر مبتدأ محذوف. انتهى. عكبري بحروفه.
هذا؛ وأجاز الفراء نصب السحر ب {جِئْتُمْ،} وتكون {فَلَمّا} للشرط، و {جِئْتُمْ} في موضع جزم ب {فَلَمّا،} والفاء محذوفة، التقدير: فإن الله سيبطله، وهذا القول لم يوافق الفراء عليه أحد من النحاة؛ لأن حذف الفاء من جواب الشرط لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، والقرآن لا يخرج على الضرورة، والجملة:{ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} في محل نصب مقول القول. {إِنَّ} : حرف مشبه بالفعل. {اللهَ} : اسمها. {سَيُبْطِلُهُ} : السين: حرف استقبال. (يبطله): مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهَ} . والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر:{إِنَّ،} والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ..} . إلخ في محل نصب مقول القول أيضا، والإعراب واضح إن شاء الله تعالى.
{وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)}
الشرح: {وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ} : يثبته، ويبينه، ويوضحه، ويقويه، ويعليه. {بِكَلِماتِهِ}: بأوامره وحججه وبراهينه، وقرئ:«بكلمته» ، {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}: تحقيق ما ذكر، والمراد ب:{الْمُجْرِمُونَ} فرعون وملؤه، وانظر الآية رقم [13].
الإعراب: {وَيُحِقُّ} : (يحق): مضارع. {اللهُ} : فاعله. {الْحَقَّ} : مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على خبر (إنّ). {وَلَوْ}: الواو: واو الحال. (لو): وصلية. {كَرِهَ} : ماض.
{الْمُجْرِمُونَ} : فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والمفعول محذوف؛ إذ التقدير: ولو كره المجرمون ذلك، والجملة الفعلية هذه في محل نصب حال من:{الْحَقَّ،} والرابط: الواو، والضمير، وانظر الآية رقم [8] الأنفال، {بِكَلِماتِهِ}: متعلقان بالفعل (يحق)، والهاء في محل جر بالإضافة.
الشرح: {فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} : لقد اختلف في مرجع الضمير، فقيل: إنه يرجع إلى موسى، وأراد بهم قوم موسى، هلك الآباء وبقي الأبناء الذين نجوا من قتل فرعون فآمنوا بموسى، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: الضمير يعود إلى فرعون، يعني من قوم فرعون، منهم مؤمن آل فرعون الذي ذكر بإسهاب في سورة (غافر)، وخازن فرعون، وامرأته آسية، وماشطة ابنته، وامرأة خازنه، وقيل: هم أقوام آباؤهم من القبط، وأمهاتهم من بني إسرائيل فسموا ذرية، كما يسمى أولاد الفرس الذين توالدوا في بلاد اليمن وبلاد العرب:
الأبناء؛ لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم، قاله الفراء، وعلى هذا فالضمير في قومه يعود إلى موسى للقرابة من جهة الأمهات، وإلى فرعون، إذا كانوا من القبط.
هذا؛ والذرية: نسل الإنسان وقد تكثر، وانظر الآية رقم [172] (الأعراف). {عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ} أي: مع خوف من فرعون؛ لأنه كان مسلطا عليهم عاتيا. {وَمَلائِهِمْ} : واختلف في مرجع الضمير أيضا، فقيل: هو عائد على الذرية، ولم يؤنث؛ لأن الذرية قوم، فهو مذكر في المعنى، وقيل: هو عائد على القوم، وقيل: هو عائد على فرعون، وإنما جمع لوجهين:
أحدهما: أن فرعون لما كان عظيما عندهم عاد عليه الضمير بلفظ الجمع، كما يقول العظيم:
نحن نأمر، والثاني: أن فرعون صار اسما لأتباعه، كما أن ثمود وعادا اسمان للقبيلتين وقيل:
الضمير يعود على محذوف، تقديره: من آل فرعون وملئهم، أي: ملأ الآل، وهذا عندنا غلط؛ لأن المحذوف لا يعود إليه ضمير، انتهى. عكبري بتصرف.
{أَنْ يَفْتِنَهُمْ} أي: يصرفهم عن دينهم بالتعذيب والانتقام، فوحد الفاعل؛ لأن قوم فرعون وملأه كانوا على مراده وتابعين له. {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ} أي: لعات متجبر متكبر في أرض مصر. {وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} أي: المتجاوزين الحد؛ لأنه عبد فادعى الربوبية، وأكثر القتل والتعذيب في بني إسرائيل.
قال الخازن: لما ذكر الله عز وجل ما أتى به موسى عليه السلام من المعجزات العظيمة الباهرة؛ أخبر الله سبحانه وتعالى أنه مع مشاهدة هذه المعجزات ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه، وإنما ذكر الله عز وجل هذا تسلية لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان كثير الاهتمام بإيمان قومه، وكان يغتم بسبب إعراضهم عن الإيمان به، واستمرارهم على الكفر والتكذيب.
الإعراب: {فَما} : الفاء: حرف استئناف. (ما): نافية. {آمَنَ} : ماض. {لِمُوسى} :
متعلقان بما قبلهما. {إِلاّ} : حرف حصر. {ذُرِّيَّةٌ} : فاعل. {مِنْ قَوْمِهِ} : متعلقان بمحذوف
صفة: {ذُرِّيَّةٌ،} والهاء في محل جر بالإضافة. {عَلى خَوْفٍ} : متعلقان بالفعل: {آمَنَ} . {مِنْ فِرْعَوْنَ} : متعلقان ب {خَوْفٍ،} {وَمَلائِهِمْ} : معطوف على {فِرْعَوْنَ،} والهاء في محل جر بالإضافة، والمصدر المؤول من {أَنْ يَفْتِنَهُمْ} بدل اشتمال من {فِرْعَوْنَ،} أو في محل نصب مفعول به للمصدر {خَوْفٍ،} والهاء مفعول به. {وَإِنَّ} : حرف مشبه بالفعل. {فِرْعَوْنَ} : اسم (إن). {لَعالٍ} : اللام: هي المزحلقة، (عال): خبر (إن) مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، وفاعله مستتر فيه، {فِي الْأَرْضِ}: متعلقان ب (عال)، وجملة:
{وَإِنَّ فِرْعَوْنَ..} . إلخ، في محل نصب حال من فاعل:{يَفْتِنَهُمْ} المستتر، والرابط: الواو، وإعادة {فِرْعَوْنَ} بلفظه {وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} وهذه الجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال مثلها.
الشرح: {وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ..} . إلخ: أي: ثقوا بالله، واعتمدوا عليه، وسلموا الأمر إليه، فإنه ناصر أولياءه ومهلك أعداءه. {إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} أي: منقادين، ومستسلمين لأمره، وقضائه وقدره، وفي الآية دليل على أن التوكل على الله، والتفويض لأمره من كمال الإيمان، وإن من كان يؤمن بالله؛ فلا يتوكل إلا على الله، لا على غيره.
الإعراب: {وَقالَ مُوسى} : فعل ماض وفاعله. والجملة الندائية: {يا قَوْمِ} في محل نصب مقول القول، وانظر تفصيل الإعراب في الآية رقم [28] من سورة (هود). {إِنْ}: حرف شرط جازم. {كُنْتُمْ} : ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط. والتاء اسمه، وجملة:{آمَنْتُمْ بِاللهِ} : في محل نصب خبر (كان)، وجملة:{كُنْتُمْ..} . إلخ: لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَعَلَيْهِ} : الفاء: واقعة في جواب الشرط.
(عليه): جار ومجرور متعلقان بالفعل بعدهما. {تَوَكَّلُوا} : أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، و (إن) ومدخولها في محل نصب مقول القول، وجملة:{وَقالَ..} . إلخ معطوفة على جملة: {آمَنَ..} . إلخ لا محل لها مثلها، {إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}: الإعراب واضح إن شاء الله تعالى، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه.
قال القرطبي: كرر الشرط تأكيدا، وقال البيضاوي: وليس هذا من تعلق الحكم بشرطين، فإن المعلق بالإيمان وجوب التوكل، فإنه المقتضي له، والمشروط بالإسلام حصوله، فإنه لا يوجد مع التخليط، ونظيره: إن دعاك زيد فأجبه إن قدرت.
قال سليمان الجمل: ومحصله: أن المعلق على الأول وجوب التوكل، وعلى الاستسلام وجود التوكل، وعلى هذا فجواب الثاني محذوف كما يقتضيه صنيع الكازروني، ونصه، فالمعنى إن كنتم آمنتم؛ وجب عليكم التوكل، وإن كنتم مسلمين؛ توكلتم عليه. انتهى.
{فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ (85)}
الشرح: {فَقالُوا} أي: قال قوم موسى. {عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا} أي: أسلمنا أمورنا إلى الله، ورضينا بقضائه وقدره، وانتهينا إلى أمره، وإنما قالوا ذلك؛ لأنهم كانوا مسلمين. {رَبَّنا}: انظر الآية رقم [45] من سورة (هود). {لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} أي: لا تنصر الفراعنة علينا فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين، أو لا تمتحنا بأن تعذبنا على أيديهم.
وقال مجاهد: المعنى: لا تهلكنا بأيدي أعدائنا، ولا تعذبنا بعذاب من عندك، فيقول أعداؤنا: لو كانوا على حق لم نسلط عليهم فيفتنوا.
وقال أبو مجلز وأبو الضحاك: يعني لا تظهرهم علينا، فيروا أنهم خير منا، فيزدادوا طغيانا وكفرا. انتهى. قرطبي. وانظر البغي في الآية [23].
الإعراب: {فَقالُوا} : (قالوا): فعل وفاعل، والألف للتفريق. {عَلَى اللهِ}: متعلقان بما بعدهما. {تَوَكَّلْنا} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة:
{فَقالُوا..} . إلخ معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا. {رَبَّنا} : منادى حذف منه حرف النداء، و (نا): في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الندائية في محل نصب مقول القول. {لا}: دعائية جازمة. {تَجْعَلْنا} : مضارع مجزوم ب {لا،} والفاعل مستتر تقديره: «أنت» ، و (نا): مفعول به أول. {فِتْنَةً} : مفعول به ثان. {لِلْقَوْمِ} :
متعلقان ب {فِتْنَةً،} أو بمحذوف صفة لها. {الظّالِمِينَ} : صفة (القوم) مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وجملة:{تَجْعَلْنا..} . إلخ في محل نصب مقول القول أيضا.
{وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86)}
الشرح: {وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ} أي: خلصنا، وأنقذنا بفضلك وكرمك من أيدي قوم فرعون الكافرين؛ لأنهم كانوا يستعبدونهم، ويستخدمونهم بالأعمال الشاقة، قال البيضاوي: وفي تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على أن الداعي، ينبغي أن يتوكل أولا لتجاب دعوته. وانظر (كفروا) في الآية رقم [19] من سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.
الإعراب: {وَنَجِّنا} : (نجنا): فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» ، و (نا): مفعول به. {بِرَحْمَتِكَ} :
متعلقان بالفعل قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة. {مِنَ الْقَوْمِ}: متعلقان بالفعل: (نجنا).
{الْكافِرِينَ} : صفة القوم مجرور
…
إلخ، وجملة:{وَنَجِّنا..} . إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول أيضا.
الشرح: {وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا} : اتخذا: يقال: بوأت زيدا مكانا، وبوأت لزيد مكانا، فالأول بمعنى: أنزلت زيدا مكانا، والثاني بمعنى: اتخذت لزيد مكانا، والمبوأ: المنزل الملزوم، ومنه: بوأه الله منزلا، أي: ألزمه إياه، وأسكنه فيه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» . أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، وانظر:{تُبَوِّئُ} في الآية رقم [121](آل عمران) و {بَوَّأْنا} في الآية رقم [26] من سورة (الحج)، و {تَبَوَّؤُا} في الآية رقم [9] من سورة (الحشر)، و [93] الآتية، والآية رقم [73] من سورة (الأعراف).
{لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً} : يسكنون فيها، أو يتعبدون فيها، قال كثير من المفسرين: كان بنو إسرائيل لا يصلون إلا في كنائسهم ومعابدهم، وكانت ظاهرة، فلما أرسل الله موسى إلى فرعون، أمر بمعابدهم فخرجت، ومنعوا الصلاة فيها. {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أي: مصلى تصلون فيها مختفين من كيد فرعون وملئه لتأمنوا على أنفسكم، فأمروا بالصبر واتخاذ المعابد في البيوت، والمداومة على الصلاة، والدعاء إلى أن ينجز الله وعده، وهو المراد بقوله تعالى:{قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا..} . إلخ الآية رقم [128] -من سورة (الأعراف) -وقيل: المعنى:
اجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضا، وقيل: المعنى اجعلوا مساجدكم إلى القبلة، أي: إلى بيت المقدس، وقيل: الكعبة، والأول أولى بالاعتبار. {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}: أدوها كاملة في تلك البيوت. {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} : قيل: الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، والأظهر: أنه لموسى عليه السلام، أي: بشر بني إسرائيل بأن الله سيظهرهم على عدوهم، وقد حقق الله ما وعد به، وهو يشمل كل مؤمن إلى يوم القيامة.
قال البيضاوي رحمه الله تعالى: وإنما ثنى الضمير أولا؛ لأن التبوؤ للقوم، واتخاذ المعابد مما يتعاطاه رءوس القوم بتشاور، ثم جمع؛ لأن جعل البيوت مساجد والصلاة فيها مما ينبغي أن يفعله كل أحد، ثم وحد؛ لأن البشارة في الأصل وظيفة صاحب الشريعة. انتهى.
الإعراب: {وَأَوْحَيْنا} : الواو: حرف عطف. (أوحينا): فعل وفاعل. {إِلى مُوسى} : متعلقان بالفعل قبلهما. {وَأَخِيهِ} : معطوف على {مُوسى} مجرور مثله، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، والهاء في محل جر بالإضافة. {أَنْ}: حرف تفسير.
{تَبَوَّءا} : فعل أمر مبني على حذف النون، وألف الاثنين فاعله. {لِقَوْمِكُما}: متعلقان بالفعل قبلهما على أنهما مفعول به أول، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {بُيُوتاً،} كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا على القاعدة:«نعت النكرة إذا تقدم عليها صار حالا» هذا؛ وأجيز اعتبار اللام الجارة زائدة، فيكون (قومكما) مجرورا لفظا، منصوبا حالا، والكاف في محل جر بالإضافة، والميم والألف حرفان دالان على التثنية. {بِمِصْرَ}: جار ومجرور متعلقان بالفعل:
{تَبَوَّءا،} وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، هذا؛ وأجيز تعليق الجار والمجرور بمحذوف حال من {بُيُوتاً،} كان صفة له
…
إلخ، أو بمحذوف حال من:(قومكما)، أو بمحذوف حال من ألف الاثنين، وفيه ضعف. انتهى. عكبري بتصرف بسيط. {بُيُوتاً}: مفعول به، وجملة:{تَبَوَّءا..} . إلخ تفسير ل: (أوحينا) لا محل لها، هذا؛ وأجيز اعتبار {أَنْ} مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل نصب مفعول به ل (أوحينا)، التقدير: أوحينا إليهما التبوؤ، والأول أقوى وأعرف؛ لأن {أَنْ} مسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه، وجملة:{وَأَوْحَيْنا..} . إلخ معطوفة على جملة: (قالوا
…
) إلخ لا محل لها مثلها.
{وَاجْعَلُوا} : أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، {بُيُوتَكُمْ}: مفعول به أول، والكاف في محل جر بالإضافة. {قِبْلَةً}: مفعول به ثان، وجملة:{وَاجْعَلُوا..} . إلخ معطوفة على ما قبلها على الوجهين المعتبرين فيها، وجملة:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} معطوفة أيضا، وكذلك جملة:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} معطوفة، وتحتمل الاستئناف. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.
الشرح: {وَقالَ مُوسى رَبَّنا..} . إلخ: قال سليمان الجمل رحمه الله تعالى: لما أتى موسى بالمعجزات الباهرات، ورأى القوم يصرون على الكفر والعناد؛ أخذ في الدعاء عليهم، ومن حق من يدعو على الغير أن يذكر أولا سبب إقدام الغير على الجرائم، التي هي سبب في الدعاء عليه، ولما كان سبب كفرهم، وعنادهم هو حب الدنيا وزينتها؛ قدم هذه المقدمة، فقال:{رَبَّنا إِنَّكَ..} . إلخ. انتهى. منقولا من كرخي وغيره. هذا؛ والزينة عبارة عما يتزين به كاللباس، وأثاث البيوت الفاخرة، والأشياء الجميلة، والمال: ما زاد على هذه الأشياء. انتهى. خازن.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: كان من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها ذهب وفضة، وزبرجد، وياقوت. {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}: يقرأ الفعل بضم الياء وفتحها، والمعنى أعطيتهم النعم المذكورة ليشكروها، ويتبعوا دينك، فكان عاقبة أمرهم: أنهم كفروها وضلوا عن سواء السبيل، وقيل: هو دعاء عليهم بالإضلال بما عرف من ممارسة أحوالهم أنه لا يكون غير ما حصل منهم، وقيل: المعنى: ربنا إنك جعلت هذه النعم سببا لضلالهم؛ لأنهم بطروا وطغوا في الأرض، واستكبروا عن الإيمان. {اِطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ}: الطمس: إزالة الشيء بالمحو، والمعنى: أزل صور أموالهم وهيئاتها، قال قتادة: بلغنا أن أموالهم، وحروثهم، وزروعهم، وجواهرهم صارت حجارة، وقيل غير ذلك. {وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ}: اطبع عليها وقسها حتى لا تلين، ولا تنشرح للإيمان. {فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ}: فلا يحصل منهم إيمان حتى يبصروا بأعينهم العذاب الموجع المؤلم، وهو الغرق، ولكن لم ينفعهم الإيمان شيئا حين شاهدوا العذاب، كما ستعرفه قريبا. هذا؛ وكان موسى يدعو، وأخوه هارون يؤمن على دعائه، عليهما الصلاة والسّلام.
تنبيه: قد يشكل على القارئ كيف دعا موسى عليه السلام على قومه بما رأيت، ووظيفة الرسل استدعاء قومهم إلى الإيمان، وترغيبهم فيه، والجواب: أن موسى عليه السلام إنما دعا عليهم بإذن الله، وإعلام منه تعالى: أنه ليس فيهم من يؤمن، ولا يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله، دليله قوله تعالى لنوح عليه السلام:{أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ} وعند ذلك دعا على قومه فقال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً} والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {وَقالَ مُوسى} : فعل وفاعل، {رَبَّنا}: منادى حذف منه أداة النداء، و (نا): في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {إِنَّكَ}: حرف مشبه بالفعل، والكاف في محل نصب اسمها. {آتَيْتَ}: فعل وفاعل. {فِرْعَوْنَ} : مفعول به أول {وَمَلَأَهُ} : معطوف على {فِرْعَوْنَ،} والهاء في محل جر بالإضافة. {زِينَةً} : مفعول به ثان.
{وَأَمْوالاً} : معطوف على {زِينَةً} . {فِي الْحَياةِ} : متعلقان بالفعل {آتَيْتَ} أو هما متعلقان بمحذوف صفة: {زِينَةً وَأَمْوالاً} . {الدُّنْيا} : صفة {الْحَياةِ} مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر، وجملة:{آتَيْتَ..} . إلخ في محل رفع خبر (إن)، والجملة الاسمية:
{إِنَّكَ..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{وَقالَ مُوسى..} . إلخ معطوفة على جملة:
{وَأَوْحَيْنا..} . إلخ لا محل لها أيضا. {رَبَّنا} : توكيد للسابق. {لِيُضِلُّوا} : لقد اختلف في هذه اللام، وأصح ما قيل فيها: إنها لام العاقبة، والصيرورة، وهو قول الخليل وسيبويه، وقيل: هي لام التعليل، وقيل: هي لام أجل، أي: أعطيتهم لأجل إعراضهم عنك، وعلى هذه الأقوال الثلاثة فالفعل منصوب، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان
بالفعل: {آتَيْتَ،} وقيل: اللام لام الأمر، فهو دعاء عليهم بلفظ الأمر، كأنه قال: ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال، وليكونوا ضلالا، وإليه ذهب الحسن البصري، وبه قال ابن هشام في «مغني اللبيب» ؛ وعليه فالفعل مجزوم لا منصوب، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول.
{عَنْ سَبِيلِكَ} : متعلقان بالفعل قبلهما. {رَبَّنا} : توكيد لما تقدم: {اِطْمِسْ} : فعل دعاء، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {عَلى أَمْوالِهِمْ} : متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية من مقول موسى أيضا، {وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ}: هذه الجملة معطوفة على ما قبلها، فلها حكمها محلا وإعرابا. {فَلا يُؤْمِنُوا} فهذا يحتمل النصب والجزم، فالنصب من وجهين:
أحدهما عطفه على {لِيُضِلُّوا،} والثاني: نصبه على جواب الدعاء في قوله: {اِطْمِسْ} و (لا) نافية على الوجهين، والفاء على الأول: حرف عطف، وعلى الثاني: للسببية، وأما الجزم على أن (لا) ناهية، ومعناها الدعاء، كقولك: لا تعذبني يا رب، وعلامة النصب والجزم حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، وعلى النصب يؤول الفعل مع «أن» المضمرة بمصدر معطوف على ما قبله. {حَتّى}: حرف غاية وجر. {يَرَوُا} : مضارع منصوب ب «أن» مضمرة بعد {حَتّى} وعلامة نصبه
…
إلخ، والواو فاعله، والألف للتفريق، {الْعَذابَ}: مفعول به. {الْأَلِيمَ} : صفة العذاب، و «أن» المضمرة والمضارع في تأويل مصدر في محل جر ب {حَتّى،} والجار والمجرور متعلقان بالفعل {يُؤْمِنُوا،} التقدير: فلا يؤمنوا إلى رؤية العذاب بأعينهم.
الشرح: {قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما} أي: قال الله تعالى لموسى وهارون: قد استجبت لكما فيما دعوتماني، وهو ما ذكر في الآية السابقة، والخطاب جاء بلفظ المثنى؛ لأن هارون كان يؤمن على دعاء موسى، وقيل: دعا معه بدليل قول موسى عليه السلام {رَبَّنا} هذا؛ وقرئ: «(أجبت دعوتكما)» و «(دعواتكما)» . {فَاسْتَقِيما} : فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة إلى الله، وتبيين الحجج والبراهين، ولا تستعجلا، فإن ما طلبتما كائن وواقع، ولكن في وقته. روي: أن فرعون مكث في قومه متجبرا متغطرسا بعد هذه الإجابة أربعين سنة ثم أهلك هو وقومه. {وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} أي: طريق الجهلة في الاستعمال، أو عدم الوثوق والاطمئنان بوعد الله، فإنه تعالى منجز وعده لأوليائه، ومحقق وعيده لأعدائه، هذا؛ ويقرأ «(تتبعان)» بتشديد النون وتخفيفها.
الإعراب: {قالَ} : ماض، وفاعله مستتر تقديره:«هو» يعود إلى «الله» . {قَدْ} : حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {أُجِيبَتْ} : ماض مبني للمجهول، والتاء حرف لا محل له.
{دَعْوَتُكُما} : نائب فاعل، والكاف في محل جر بالإضافة، والميم والألف حرفان دالان على التثنية، وعلى قراءة:«(أجبت)» فهو فعل وفاعل، و «(دعوتَكما)» بالنصب مفعول به، وجملة:{قَدْ}
أُجِيبَتْ
…
إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
{فَاسْتَقِيما} : الفاء: هي الفصيحة، وانظر الآية رقم [3] (استقيما): فعل أمر مبني على حذف النون، والألف فاعله، والجملة لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم، التقدير: وإذا كان قد استجيبت دعوتكما فاستقيما، وهذا الكلام كله في محل نصب مقول القول. {وَلا}: ناهية.
{تَتَّبِعانِّ} : مضارع مجزوم ب (لا) الناهية، وعلامة جزمه حذف النون
…
إلخ، وألف الاثنين فاعله، ونون التوكيد حرف لا محل له، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها، وهي في محل نصب مقول القول، وعلى القراءة الثانية ف (لا) نافية، والمضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والجملة الفعلية محتملة لوجهين: أحدهما: الاستئناف. والثاني: أنها في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: وأنتما لا تتبعان، والجملة الاسمية في هذه في محل نصب حال من ألف الاثنين، والرابط: الواو، والضمير. {سَبِيلَ}: مفعول به، و {سَبِيلَ}:
مضاف، و {الَّذِينَ} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة، وجملة:{لا يَعْلَمُونَ} مع المفعول المحذوف صلة الموصول لا محل لها.
الشرح: {وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ} أي: وقطعنا ببني إسرائيل، وعبرناهم إياه؛ حتى جاوزوه وعبروه. والمراد به البحر الأحمر. وقرئ:«جوزنا» . {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ} : لحقهم وأدركهم. {بَغْياً وَعَدْواً} : باغين، ومعتدين، وقيل: طلبا للاستعلاء بغير حق. {حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} : ناله ووصله. {قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ} : فلم يقبل منه هذا الإيمان؛ لأنه عند معاينة العذاب، قال تعالى:{فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا} وقيل: إنه قال هذه الكلمة ليتوصل بها إلى دفع ما نزل به من البلية الحاضرة، ولم يكن قصده بها الإقرار بوحدانية الله تعالى، والاعتراف له بالربوبية، لا جرم لم ينفعه ما قال في ذلك الوقت. {وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}: المنقادين لما يريده رب موسى.
تنبيه: قال أهل التفسير: اجتمع يعقوب وبنوه إلى يوسف، وهم اثنان وسبعون، وخرجوا مع موسى من مصر، وهم ستمائة ألف، وكان ذلك في مدة أربعمائة سنة، وذلك: أنه لما أجاب الله دعاء موسى وهارون أمرهما بالخروج ببني إسرائيل من مصر، ويسر لهم أسباب الخروج، وكان فرعون غافلا عنهم، فلما سمع بخروجهم خرج بجنوده في طلبهم، فلما أدركهم، قالوا لموسى: أين المخلص والمخرج، والبحر أمامنا، وفرعون وراءنا، وقد كنا نلقى
من فرعون البلاء العظيم؟ فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فضربه، فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم، وكشف الله عن وجه الأرض، وأيبس لهم البحر، فلحقهم فرعون، وكان على حصان أدهم، وخلفه عسكره، ويقال: إن فرعون هاب دخول البحر، ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى، فجاء جبريل عليه السلام على فرس أنثى، وقال له: تقدم، وهو لا يعرفه، ثم نزل في طريق من طرق البحر المفتوحة، فتبعها حصان فرعون، وميكائيل يسوقهم لا يشذ منهم أحد، فلما صار آخرهم في البحر، وهمّ أولهم بالخروج، انطبق عليهم البحر، وألجم فرعون الغرق، فقال: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، فدس جبريل عليه السلام في فمه طين البحر، وروى الترمذي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لمّا أغرق الله فرعون، قال، آمنت أنّه لا إله إلاّ الّذي آمنت به بنو إسرائيل، قال جبريل: يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر، فأدسّه في فيه مخافة أن تدركه الرّحمة» . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وسترى في سورة (طه) والشعراء وغيرهما مزيدا من ذلك إن شاء الله تعالى.
الإعراب: {وَجاوَزْنا} : (جاوزنا): فعل وفاعل، وانظر الآية رقم [8] من سورة (هود) {بِبَنِي}: متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعول به أول، و (بني) مضاف، و {إِسْرائِيلَ}: مضاف إليه. {الْبَحْرَ} : مفعول به ثان، وجملة:{وَجاوَزْنا..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {فَأَتْبَعَهُمْ} : ماض، والهاء مفعول به. {فِرْعَوْنُ}: فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. {وَجُنُودُهُ}: معطوف على ما قبله، والهاء في محل جر بالإضافة.
{بَغْياً} : مفعول لأجله. {وَعَدْواً} : معطوف على ما قبله، أو هما منصوبان على أنهما مصدران في موضع الحال، التقدير: باغين ومعتدين. {حَتّى} : حرف ابتداء وانظر ما ذكرته في الآية رقم [22]{إِذا} : انظر الآية رقم [12]. {أَدْرَكَهُ} : ماض ومفعوله. {الْغَرَقُ} : فاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها. {قالَ}: ماض، وفاعله يعود إلى {فِرْعَوْنُ} .
{آمَنْتُ} : فعل وفاعل. {أَنَّهُ} : حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {لا}: نافية للجنس تعمل عمل (إن). {إِلهَ} : اسم {لا} مبني على الفتح في محل نصب، والخبر محذوف، تقديره موجود. {إِلاَّ}: حرف حصر لا محل له. {الَّذِي} : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: كونه بدلا من اسم {لا} على المحل؛ إذ محله الرفع على الابتداء. وثانيها: كونه بدلا من {لا} وما عملت فيه؛ لأنها وما بعدها في محل رفع بالابتداء، وثالثها: كونه بدلا من الضمير المستكن في الخبر المحذوف، وهو الأقوى، والجملة الاسمية:{لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي} في محل رفع خبر {أَنَّهُ،} و (أن) واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل جر بالباء المحذوفة، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، التقدير: آمنت بكونه لا إله
…
إلخ، هذا؛ وقرئ بكسر همزة:«(إنه)» وعليه فالجملة اسمية، وهي في محل نصب مقول القول لقول محذوف، والقول المحذوف، ومقوله كلام مستأنف لا محل له، وقيل: إنه
بدل من {آمَنْتُ} على وجه التفسير له. انتهى. بيضاوي بتصرف. وجملة: {آمَنْتُ..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَ..} . إلخ جواب {إِذا} لا محل لها، و {إِذا} ومدخولها كلام مستأنف لا محل له، وقال الأخفش:{إِذا} متعلقة ب {حَتّى،} وهو غير مسلم له.
{آمَنْتُ} : ماض، والتاء للتأنيث حرف لا محل له. {بِهِ}: متعلقان بالفعل قبلهما. {بَنُوا} :
فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون للإضافة، و {بَنُوا}: مضاف، و {إِسْرائِيلَ..}.: مضاف إليه مجرور.. إلخ، وجملة:
{آمَنْتُ..} . إلخ صلة الموصول لا محل لها. {وَأَنَا} : الواو: واو الحال. (أنا): ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {مِنَ الْمُسْلِمِينَ} : متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، الجملة الاسمية في محل نصب حال من تاء الفاعل، والرابط: الواو، والضمير.
{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)}
الشرح: {آلْآنَ} أي: أتؤمن الآن وتتوب من الكفر؛ وقد أضعت التوبة في وقتها، وآثرت دنياك الفانية، على الآخرة الباقية! والمخاطب لفرعون بهذا الكلام هو جبريل. وقيل: ميكائيل عليهما السلام، وقيل: إن القائل لذلك هو الله تعالى، عرّف فرعون قبح صنعه، وما كان عليه من الفساد في الأرض، والأول أشهر، وانظر ما ذكرته في الآية السابقة عن جبريل. {وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ}: عصيت الله، وخالفت أوامره، قبل ذلك طوال حياتك. {وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}: في الأرض الضالين المضلين الناس عن توحيد الله تعالى، وانظر شرح {آلْآنَ} في الآية [51].
الإعراب: {آلْآنَ} : الهمزة حرف استفهام، وتوبيخ، وإنكار. (الآن): ظرف زمان متعلق بفعل محذوف، انظر تقديره في الشرح. {وَقَدْ}: الواو: واو الحال. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {عَصَيْتَ} : فعل وفاعل، والمفعول محذوف، انظر الشرح. {قَبْلُ}:
ظرف زمان مبني على الضم في محل نصب متعلق بالفعل قبله، وجملة:{وَقَدْ عَصَيْتَ..} . إلخ في محل نصب حال من فاعل (تؤمن) المقدر، والرابط: الواو، والضمير. {وَكُنْتَ}: ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {مِنَ الْمُفْسِدِينَ}: متعلقان بمحذوف خبر (كان)، وجملة:{وَكُنْتَ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال مثلها.
الشرح: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ} : نبعدك مما وقع فيه قومك من قعر البحر، ونجعلك طافيا على وجه الماء، أو نلقيك على نجوة من الأرض، ليراك بنو إسرائيل، هذا؛ ويقرأ الفعل بتشديد
الجيم وتخفيفها، كما قرئ بالحاء:{نُنَجِّيكَ} أي: نلقيك بناحية الساحل. {بِبَدَنِكَ} : بجسدك الذي لا روح فيه، وقيل: معناه بدرعك، وكانت درعه من لؤلؤ منظوم، وقيل: كانت من الذهب، وكان يعرف بها، والبدن: الدرع القصيرة، قاله أبو عبيدة، وأنشد للأعشى:[المتقارب]
وبيضاء كالنّهي موضونة
…
لها قونس فوق جيب البدن
البيضاء: الدرع، والنهي بالفتح والكسر: الغدير، وكل موضع يجتمع فيه الماء، والموضونة المنسوجة، والقونس: أعلى بيضة في الحديد، والبدن: الدرع القوية وجيبها تحتها، وقال كعب بن مالك رضي الله عنه:[الوافر]
ترى الأبدان فيها مسبغات
…
على الأبطال، واليلب الحصينا
أراد بالأبدان: الدروع، واليلب: الترس، وقيل: جلود يخرز بعضها إلى بعض تلبس على الرءوس خاصة، وهو اسم جنس، الواحد: يلبة، ورد هذا التفسير الأخفش. {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} أي: لمن بعدك علامة على قدرة الله القاهر الذي أذلك وأخزاك، وعبرة وعظة لبني إسرائيل؛ لأنهم خيل إليهم: أنه لا يهلك لعظمته عندهم وما حصل في قلوبهم من الرعب هيبة منه حتى كذبوا موسى عليه السلام حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينوه مطروحا على طريقهم في الساحل، فعرفوه، فمن ذلك الوقت لا يقبل الماء ميتا أبدا، وقيل: المعنى لمن يأتي بعدك من الجبابرة إذا سمعوا مآل أمرك ممن شاهدوك عبرة ونكالا، فيعرفون: أن الإنسان مهما بلغ من عظم الشأن، وكبرياء الملك مملوك مقهور بعيد عن مظان الألوهية. {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ}: لا يتفكرون فيها، ولا يعتبرون بها، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من اتعظ غيره به. هذا؛ والقائل هو الله تعالى، وهو يؤيده ما قيل في الآية السابقة. والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
الإعراب: {فَالْيَوْمَ} : الفاء: حرف استئناف. (اليوم): ظرف زمان متعلق بالفعل بعده.
{نُنَجِّيكَ} : مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر تقديره:
«نحن» ، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {بِبَدَنِكَ}: متعلقان بمحذوف حال من كاف الخطاب، التقدير: عاريا عن الروح ببدنك فقط، ونحو ذلك، والكاف في محل جر بالإضافة. {لِتَكُونَ}: مضارع ناقص منصوب ب «أن» مضمرة بعد لام التعليل، واسمه مستتر تقديره:«أنت» . {لِمَنْ} : متعلقان بالفعل الناقص، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {آيَةً،} كان صفة له، فما قدم عليه صار حالا
…
إلخ. {خَلْفَكَ} : ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، والكاف في محل جر بالإضافة. {آيَةً}: خبر تكون، و «أن» المضمرة والفعل تكون في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {وَإِنَّ}: الواو: واو الحال. (إن): حرف مشبه بالفعل. {كَثِيراً} : اسم (إنّ). {مِنَ النّاسِ} : متعلقان ب {كَثِيراً} . {عَنْ آياتِنا} : متعلقان بما بعدهما. و (نا): في محل جر بالإضافة.
{لَغافِلُونَ} : خبر إن مرفوع، وعلامة رفعه الواو
…
إلخ، واللام هي المزحلقة، والجملة الاسمية (إن
…
) إلخ في محل نصب حال من كاف الخطاب، والرابط: الواو فقط، وانظر الشاهد [845] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» ، وهو قول امرئ القيس:[الطويل]
وقد أغتدي والطّير في وكناتها
…
بمنجرد قيد الأوابد هيكل
الشرح: {وَلَقَدْ بَوَّأْنا} : أنزلنا، وانظر الآية رقم [87] {مُبَوَّأَ صِدْقٍ}: منزلا صالحا، وهو الشام ومصر بعد هلاك فرعون وجنوده، وإنما وصف المكان بالصدق؛ لأن عادة العرب إذا مدحت شيئا، أضافته إلى الصدق، تقول العرب: هذا رجل صدق وقدم صدق. {وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ} : من اللذائذ من فواكه وخضار وغير ذلك. {فَمَا اخْتَلَفُوا حَتّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ} : فما اختلفوا في أمر دينهم، إلا من بعد ما قرءوا التوراة، وعلموا أحكامها، أو: ما اختلفوا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته، وتظاهر معجزاته، وذلك: أنهم كانوا قبل مبعثه مقرين به، مجمعين على نبوته غير مختلفين فيه، لما يجدونه مكتوبا عندهم، فلما بعثه الله؛ اختلفوا فيه، فآمن به بعضهم كعبد الله بن سلام وأصحابه، وكفر به أكثرهم بغيا، وحسدا. {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ..}. إلخ: أي: يحكم ويفصل بينهم، فيثيب الطائع، ويعاقب العاصي، فيدخل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم الجنة، ويدخل من كفر به، وجحد نبوته النار.
الإعراب: {وَلَقَدْ} : الواو: حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، تقديره: والله، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره: أقسم بالله. اللام: واقعة في جواب القسم المقدر. قد:
حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {بَوَّأْنا} : فعل وفاعل. {بَنِي} : مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون للإضافة، و {بَنِي}: مضاف، و {إِسْرائِيلَ}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. {مُبَوَّأَ}: يحتمل أن يكون مصدرا ميميّا، وأن يكون اسم مكان؛ فعلى الأول هو مفعول مطلق، وعلى الثاني هو مفعول ثان للفعل:{بَوَّأْنا،} و {مُبَوَّأَ} :
مضاف، و {صِدْقٍ}: مضاف إليه، والجملة الفعلية:{وَلَقَدْ بَوَّأْنا..} . إلخ جواب القسم المقدر لا محل لها، والقسم وجوابه كلام مستأنف لا محل له، وجملة:{وَرَزَقْناهُمْ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. {مِنَ الطَّيِّباتِ} : متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل مفعوله الثاني.
{فَمَا} : الفاء: حرف استئناف. ما: نافية. {اِخْتَلَفُوا} : فعل وفاعل، والألف للتفريق. {حَتّى}:
حرف غاية وجر، بعدها «أن» مضمرة. {جاءَهُمُ الْعِلْمُ}: ماض، ومفعوله، وفاعله، و «أن» المضمرة
والفعل جاء في تأويل مصدر في محل جر ب {حَتّى،} والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:{فَمَا اخْتَلَفُوا..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {إِنَّ} : حرف مشبه بالفعل. {رَبَّكَ} : اسم {إِنَّ،} والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {يَقْضِي}:
مضارع مرفوع
…
إلخ، والفاعل يعود إلى {رَبَّكَ}. {بَيْنَهُمْ}: ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، والهاء في محل جر بالإضافة {يَوْمَ}: ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، و {يَوْمَ}: مضاف، {الْقِيامَةِ}: مضاف إليه. {فِيما} : جار ومجرور متعلقان بالفعل {يَقْضِي} و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد أو الرابط: الضمير المجرور محلا ب (في). {كانُوا} : ماض ناقص، والواو اسمه، والألف للتفريق. {فِيهِ}: متعلقان بالفعل بعدهما. {يَخْتَلِفُونَ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل نصب خبر كان.
الشرح: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ} أي: من آيات القرآن المشتملة على القصص والأحكام والمواعظ وذلك على سبيل الفرض والتقدير؛ إذ محال أن يشك النبي صلى الله عليه وسلم بنبوته، أو فيما أوحي إليه.
وقال القرطبي: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد غيره، أي: لست في شك، ولكن غيرك في شك، قال أبو عمر محمد بن عبد الله الزاهد: سمعت الإمامين ثعلبا والمبرد يقولان: معنى {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} أي: قل: يا محمد للكافر. {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ،} وإني أعتمد الأول، وهو كقوله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} هو على سبيل الفرض والتقدير أيضا، ومعاذ الله أن يشرك النبي المعظم صلى الله عليه وسلم. {فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ} أي:
فاسأل علماء اليهود والنصارى، الذين آمنوا بك وبرسالتك، فإن ما أنزل إليك محقق عندهم، ثابت في كتبهم، على نحو ما أنزل إليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا أشكّ ولا أسأل» . {لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} أي: إن ما نزل إليك إنما هو الحق الثابت الذي لا شك فيه. {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ} أي: الشاكين فيما أنزل إليك من ربك، فاثبت على ما أنت عليه.
هذا؛ والشك في اللغة خلاف اليقين، والشك: اعتدال النقيضين عند الإنسان، لوجود أمارتين، أو لعدم الأمارة، والشك ضرب من الجهل.
الإعراب: {فَإِنْ} : الفاء: حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {كُنْتَ} : ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء اسمه. {فِي شَكٍّ}: متعلقان بمحذوف خبر كان. {مِمّا} : متعلقان ب {شَكٍّ؛} لأنه مصدر، أو هما متعلقان بمحذوف صفة له، و (ما): تحتمل
الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر ب (من)، والجملة بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد أو الرابط: محذوف، التقدير: من الذي، أو من شيء أنزلناه إليك. وجملة:
{كُنْتَ..} . إلخ لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَسْئَلِ} :
الفاء: واقعة في جواب الشرط. (اسأل): أمر، وفاعله:(أنت). {الَّذِينَ} : مفعول به، وجملة:
{يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ} صلة الموصول لا محل لها. {مِنْ قَبْلِكَ} : متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة، و (من) بيان لما أبهم في {الَّذِينَ} والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية:
{فَسْئَلِ..} . إلخ في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، و (إن) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {لَقَدْ}: اللام: واقعة في جواب قسم محذوف، التقدير: والله. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {جاءَكَ الْحَقُّ} : ماض ومفعوله وفاعله، والجملة الفعلية:{لَقَدْ..} . إلخ جواب القسم المقدر لا محل لها. {مِنْ رَبِّكَ} : متعلقان بمحذوف حال من {الْحَقُّ} والقسم المقدر وجوابه كلام مستأنف لا محل له. {فَلا} : الفاء: هي الفصيحة. (لا): ناهية. {تَكُونَنَّ} : مضارع ناقص مبني على الفتح في محل جزم ب (لا) الناهية، ونون التوكيد حرف لا محل له، واسمه ضمير مستتر تقديره:
«أنت» . {مِنَ المُمْتَرِينَ} : متعلقان بمحذوف خبر {تَكُونَنَّ،} وجملة: {فَلا تَكُونَنَّ..} . إلخ لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم؛ إذ التقدير: وإذا كان ما ذكر حاصلا، وواقعا فلا تكونن
إلخ، وهذا الشرط المقدر، ومدخوله كلام مستأنف لا محل له. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.
{وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95)}
الشرح: يقال في هذه الآية ما قيل في الآية السابقة من الفرض والتقدير، وما قاله القرطبي أيضا. وقال الخازن-رحمه الله تعالى-: واعلم أن هذا كله على ما تقدم من أن ظاهره خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره ممن عنده شك، وارتياب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشك، ولم يرتب، ولم يكذب بآيات الله، فثبت بهذا أن المراد به غيره، والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. انتهى. وقال الزمخشري في الكشاف: ويجوز أن يكون هذا على طريق التهييج، والإلهاب، كقوله تعالى:{فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ} {وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ} الآية رقم [86 و 87] من سورة (القصص).
الإعراب: {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ} : إعراب هذه الجملة مثل إعراب ما قبلها بلا فارق، وهي معطوفة عليها لا محل لها مثلها، وجملة:{كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ} صلة الموصول لا محل لها.
{فَتَكُونَ} : مضارع ناقص منصوب ب «أن» مضمرة بعد فاء السببية، واسمه ضمير مستتر تقديره:«أنت» . {مِنَ الْخاسِرِينَ} : متعلقان بمحذوف خبر تكون، وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، و «أن» المضمرة
والفعل تكون في تأويل مصدر معطوف بالفاء على مصدر متصيد من الفعل السابق، التقدير:
لا يكن منك تكذيب بآيات الله فخسران في الدنيا والآخرة. تأمل، وتدبر.
الشرح: {فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها} أي: هلا كانت قرية واحدة من القرى التي أهلكناها على ممر العصور تابت عن الكفر، وأخلصت الإيمان قبل معاينة العذاب، ولم تؤخر
توبتها كما أخر فرعون إيمانه وتوبته إلى أن حل به العذاب، فلم ينفعه إيمانه، وأداة التحضيض معناها النفي، أي: لم يقع ذلك في غابر الزمن. {إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ} أي: فهؤلاء نفعهم الإيمان عند مشاهدة العذاب، وهو ما أفاده قوله تعالى:{لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا..} . إلخ، فهم مستثنون من حكم عام، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
{الْخِزْيِ} : أي: المذل المخزي. {وَمَتَّعْناهُمْ} : تركناهم يتمتعون في هذه الدنيا ويتلذذون فيها إلى انقضاء آجالهم التي قدرها لهم العزيز الحكيم.
تنبيه: ذكر يونس عليه السلام باسمه في القرآن الكريم أربع مرات في سورة (النساء) الآية [163] والأنعام الآية رقم [86] وما نحن بصدد شرحها، وفي سورة (الصافات) الآية رقم [139] وما بعدها، وذكر بوصفه في سورة (الأنبياء) في قوله تعالى:{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً..} . إلخ الآية رقم [87] وذكر بوصفه أيضا في سورة (القلم)، في قوله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم:{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} ولم يعلم من نسبه في كتب التفسير والحديث إلا أنه (يونس بن متى) ويقول أهل الكتاب: إنه يونان بن أمتاي، والظاهر من أمره: أنه من بني إسرائيل، ويوجد ببلد اسمه: حلحول، وبقرب مدينة الخليل بفلسطين قبر يقال: إنه قبر يونس، وبمكان غير بعيد عنه قبر آخر، يقال: إنه قبر متى. انتهى. من قصص الأنبياء للمرحوم عبد الوهاب النجار، وسترى مزيدا لذلك في سورة (الأنبياء) والصافات إن شاء الله تعالى. هذا؛ ونون يونس فيها ثلاث لغات، وانظر ما ذكرته مزيدا على ذلك في الآية [4] من سورة (يوسف).
أما قصة يونس مع قومه، فأسردها لك على ما ذكره عبد الله بن مسعود، وسعيد بن جبير، ووهب وغيرهم-رضي الله عنهم أجمعين-، قالوا: إن قوم يونس-عليه السلام-كانوا بقرية نينوى من أرض الموصل، وكانوا أهل كفر وشرك، فأرسل الله سبحانه وتعالى إليهم يونس عليه السلام-يدعوهم إلى الإيمان بالله، وترك عبادة الأصنام، فدعاهم، فأبوا عليه، قيل له:
أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث، فأخبرهم بذلك، فقالوا: إنا لم نجرب عليه كذبا قط، فانظروا فإن بات فيكم الليلة فليس بشيء، وإن لم يبت فاعلموا: أن العذاب مصبحكم، فلما كان جوف الليل خرج يونس من بين أظهرهم، فلما أصبحوا تغشاهم العذاب، فكان فوق رءوسهم، قال ابن عباس-رضي الله عنهما: إن العذاب كان قد أهبط على قوم يونس-عليه السلام-حتى لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل، فلمّا دعوا؛ كشف الله عنهم ذلك، وقال مقاتل: قدر ميل.
وقال سعيد بن جبير: غشي قوم يونس العذاب كما يغشى الثوب القبر، وقال وهب: غامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا، فهبط حتى غشي مدينتهم، واسودت أسطحتهم،
فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك، فطلبوا نبيهم يونس-عليه السلام-فلم يجدوه، فقذف الله سبحانه وتعالى في قلوبهم التوبة، فخرجوا إلى الصحراء بأنفسهم، ونسائهم، وصبيانهم، ودوابهم، ولبسوا المسوح، وأظهروا التوحيد، والتوبة، وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والدواب، فحن البعض إلى البعض، فحن الأولاد إلى الأمهات، والأمهات إلى الأولاد، وعلت الأصوات وعجّوا إلى الله، وتضرّعوا إليه، وقالوا: آمنا بما جاء به يونس، وتابوا إلى الله، وأخلصوا النية، فرحمهم ربهم، فاستجاب دعاءهم، وكشف عنهم ما نزل بهم من العذاب، بعد ما أظلهم، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء، وكان يوم الجمعة.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم فيما بينهم؛ حتى إن كان الرجل ليأتي إلى الحجر، وقد وضع أساس بنيانه عليه، فيقلعه، فيرده إلى صاحبه.
وروى الطبراني بسنده عن أبي الجلد جيلان، قال: لما غشي قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم، فقالوا له: إنه قد نزل بنا العذاب، فما ترى؟! قال: قولوا: يا حيّ حين لا حيّ، ويا حيّ محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت! فقالوها، فكشف الله عنهم العذاب، ومتّعوا إلى حين.
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: إنهم قالوا: اللهم إن ذنوبنا قد عظمت، وجلّت، وأنت أعظم وأجل، فافعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله، قال: وخرج يونس-عليه السلام-ينتظر العذاب، فلم ير شيئا، فقيل له: ارجع إلى قومك، قال: وكيف أرجع إلى قومي، فيجدوني كذابا، وكان من كذب ولا بينة له قتل، فانصرف عنهم مغاضبا، فالتقمه الحوت، وستأتي القصة في سورة (الأنبياء)، و (الصافات) إن شاء الله تعالى.
الإعراب: {فَلَوْلا} : الفاء: حرف استئناف. (لولا): حرف تحضيض معناه هنا التوبيخ والتنديم، والنفي. {كانَتْ}: ماض تام، والتاء للتأنيث. {قَرْيَةٌ}: فاعله. {آمَنَتْ} : ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل يعود إلى قرية، والجملة الفعلية في محل رفع صفة:{قَرْيَةٌ} .
{فَنَفَعَها إِيمانُها} : ماض ومفعوله وفاعله، و (ها): في محل جر بالإضافة، الجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل صفة مثلها. {إِلاّ}: أداء استثناء. {قَوْمَ} : منصوب على الاستثناء المنقطع من قرية، وقيل: على الاستثناء المتصل على تقدير الكلام: فلولا كان أهل القرية آمنوا.. إلخ، وقال الزمخشري: وقرئ بالرفع على البدل. هكذا روى عن الجرمي، والكسائي، قال القرطبي: ومن أحسن ما قيل في الرفع، ما قاله أبو إسحاق الزجاج، قال:
يكون المعنى غير قوم يونس، فلما جاء ب {إِلاّ} أعرب الاسم الذي بعدها بإعراب (غير)، كما قال حضرمي بن عامر الأسدي:[الوافر]
وكلّ أخ مفارقه أخوه
…
لعمر أبيك إلاّ الفرقدان
وعليه يكون الإعراب كما يلي: {إِلاّ} : اسم بمعنى (غير) صفة ل {قَرْيَةٌ} ظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية، وهو مضاف، و {قَوْمَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة {إِلاّ} التي هي على صورة الحرف، وانظر الشاهد رقم [113] و [114] و [115] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» تجد ما يسرك، و {قَوْمَ}: مضاف، و {يُونُسَ}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. {لَمّا}: انظر الآية رقم [12]. {آمَنُوا} : فعل وفاعل، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية على اعتبار:{لَمّا} حرفا، وفي محل جر بإضافة {لَمّا} إليها على اعتبارها ظرفا. {كَشَفْنا}: فعل وفاعل. {عَنْهُمْ} : متعلقان بالفعل قبلهما.
{عَذابَ} : مفعول به، و {عَذابَ}: مضاف، و {الْخِزْيِ}: مضاف إليه. {فِي الْحَياةِ} : متعلقان ب (عذاب)؛ لأنه مصدر، أو اسم مصدر. {الدُّنْيا}: صفة الحياة، وقيل: مضاف إليه، وهو ضعيف وجملة:{كَشَفْنا..} . إلخ جواب {لَمّا} لا محل لها، و {لَمّا} ومدخولها في محل نصب حال من {قَوْمَ يُونُسَ،} والرابط: الضمير وهو أولى وأقوى من الاستئناف. {وَمَتَّعْناهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جواب لما لا محل لها مثله. {إِلى حِينٍ}: متعلقان بالفعل قبلهما.
الشرح: المعنى: يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ} يا محمد. {لَآمَنَ} بك، وصدقك. {مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} ولكنه لم يشأ أن يصدقك، ويؤمن بك إلا من سبقت له السعادة في الأزل، وشاء الكفر ممن علم أنه يختار الكفر لو ترك وشأنه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن به جميع الناس، ويتابعوه على الهدى. {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ..}. إلخ:
أي: ليس إيمانهم إليك حتى تكرههم عليه، أو تحرص عليه، إنما إيمان المؤمن، وإضلال الكافر، بمشيئة الله، وقضائه وقدره.
الإعراب: {وَلَوْ} : الواو حرف استئناف. (لو): حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. {شاءَ} :
ماض. {رَبُّكَ} : فاعله، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله ضمير مستتر فيه، والمفعول محذوف، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لَآمَنَ} : اللام: واقعة في جواب (لو). (آمن): ماض. {لَآمَنَ} : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. {فِي الْأَرْضِ} : متعلقان بمحذوف صلة الموصول. {كُلُّهُمْ} : توكيد ل {لَآمَنَ} والهاء في محل جر بالإضافة. {جَمِيعاً} : حال من {لَآمَنَ} مفيدة للتوكيد، فهي توكيد بعد توكيد، وجملة:{لَآمَنَ..} . إلخ جواب (لو) لا محل لها،
ولو ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {أَفَأَنْتَ} : الهمزة: حرف استفهام. الفاء: حرف عطف على محذوف، أو هي حرف استئناف. (أنت): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {تُكْرِهُ} : مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» . {النّاسَ} : مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، هذا؛ وأجاز السمين اعتبار الضمير فاعلا بفعل محذوف يفسره المذكور بعده، وعليه فالجملة الفعلية مفسرة لا محل لها، وعلى الوجهين فالجملة مستأنفة، أو معطوفة على جملة محذوفة. {حَتّى}: حرف غاية وجر بعدها «أن» مضمرة، وهي بمعنى لام التعليل. {يَكُونُوا}: مضارع ناقص منصوب ب «أن» مضمرة بعد {حَتّى،} وعلامة نصبه حذف النون، والواو اسمه، والألف للتفريق. {مُؤْمِنِينَ}: خبر يكونوا منصوب، وعلامة نصبه الياء
…
إلخ، و «أن» المضمرة والفعل {يَكُونُوا} في تأويل مصدر في محل جر ب {حَتّى،} والجار والمجرور متعلقان بالفعل {تُكْرِهُ} .
الشرح: {وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ} أي: وما كان ينبغي لنفس خلقها الله تعالى أن تؤمن، وتصدق إلا بقضاء الله لها بالإيمان، فإن هدايتها إلى الله، وهو الهادي المضل، ومعنى بإذن الله: بإرادته، وتوفيقه، وهدايته، ومشيئته. {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ}: السخط، والعذاب، والانتقام، وقرئ:«(نجعل)» بالنون. {عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} : لا يفهمون أمر الله فيما أمر، ونهيه فيما نهى عنه، أو المعنى: لا يتدبرون ما صنع الله في هذا الكون من آيات تدل على قدرته تعالى، ولا يستعملون عقولهم بالنظر في البراهين، والحجج التي نزل بها القرآن الكريم، ودعاهم إلى النظر فيها، وقرئ:«(الرّجز)» بالزاي.
الإعراب: {وَما} : الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {كانَ} : ماض ناقص.
{لِنَفْسٍ} : متعلقان بمحذوف خبر {كانَ} تقدم على اسمها، والمصدر المؤول من:{أَنْ تُؤْمِنَ} في محل رفع اسم {كانَ} مؤخر. {إِلاّ} : حرف حصر. {بِإِذْنِ} : متعلقان بمحذوف حال من فاعل {تُؤْمِنَ} المستتر، التقدير: أن تؤمن إلا مأذونا لها، هذا؛ وجوز اعتبارهما متعلقين بمحذوف خبر {كانَ،} وعليه يكون {لِنَفْسٍ} متعلقين ب {كانَ،} و (إذن) مضاف، و {اللهِ}: مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله، وجملة:{وَما كانَ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {وَيَجْعَلُ} : مضارع والفاعل يعود إلى {اللهِ} . {الرِّجْسَ} : مفعول به. {عَلَى الَّذِينَ} : متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:{لا يَعْقِلُونَ} صلة الموصول لا محل لها، وجملة:
{وَيَجْعَلُ..} . إلخ معطوفة على جملة محذوفة، التقدير: فيأذن لبعضهم في الإيمان، ويجعل
والمضارع في المعطوف والمعطوف عليه بمعنى الماضي، والكلام كله مستأنف لا محل له.
الشرح: {قُلِ} : خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. {اُنْظُرُوا ماذا..} . إلخ: هذا أمر لكفار مكة؛ لينظروا نظر اعتبار وتدبر وتفكر في الذي خلقه الله في السموات والأرض من آيات تدل على قدرة الصانع الحكيم، من شمس وقمر، وجبال وأشجار، وأنهار وبحار، فكل ذلك آيات دالة على وحدانيته تعالى، كما قال الشاعر:[المتقارب]
وفي كلّ شيء له آية
…
تدلّ على أنّه واحد
{وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ..} . إلخ: أي: لا تنفع الآيات، ولا تجدي الرسل قوما سبق في علم الله الأزلي: أنهم لا يؤمنون بالله، حيث قدر الله عليهم الشقاء الأبدي في نار الجحيم، ولو تركهم وشأنهم؛ لما اختاروا غير الكفر المؤدي إلى النار، وبئس القرار.
الإعراب: {قُلِ} : أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {اُنْظُرُوا} : أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {ماذا}: ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. (ذا): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبره. {فِي السَّماواتِ} : متعلقان بمحذوف صلة الموصول. {وَالْأَرْضِ} : معطوف على ما قبله، والجملة الاسمية:{ماذا..} . إلخ في محل نصب مفعول به للفعل {اُنْظُرُوا} المعلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام، هذا؛ وقيل:
إن {ماذا} كله اسم مركب، وهو موصول في محل نصب مفعول به، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صلته، والأول أقوى؛ لأن اسم الاستفهام له الصدارة، فلا يعمل فيه ما قبله بمفرده، وجملة:{اُنْظُرُوا} في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلِ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
الواو: واو الحال. (ما): نافية. {تُغْنِي} : مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل. {الْآياتُ}: فاعله. {وَالنُّذُرُ} : معطوف على {الْآياتُ} . {عَنْ قَوْمٍ} : متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:{لا يُؤْمِنُونَ} المنفية في محل جر صفة: {قَوْمٍ،} والجملة الفعلية: {وَما تُغْنِي..} . إلخ في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو فقط، وانظر الآية رقم [92] أو هي معترضة في آخر الكلام لا محل لها، هذا؛ وجوز اعتبار (ما) اسم استفهام مبنيا على السكون في محل رفع مبتدأ، والجملة الفعلية في محل رفع خبره، وعليه فالجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها، والأول أقوى. تأمل، وتدبر.
الشرح: {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاّ مِثْلَ أَيّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: ما ينتظر أهل مكة إلا مثل ما فعل الله بالأمم السابقة قبلهم من العذاب، والانتقام، والمراد بأيام الذين خلوا من قبلهم:
وقائع الله في قوم نوح، وعاد، وثمود، وغيرهم؛ إذ العرب تسمي العذاب: أياما، والنعم:
أياما، كقوله تعالى:{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللهِ} ففيه تهديد، ووعيد لهم؛ إذا لم يؤمنوا. {قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي..}. إلخ: أي: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين: ترقبوا هلاكي، أو ترقبوا نزول العذاب بكم.
{إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} : إني أترقب هلاككم، ونزول العذاب بكم، ثم بين جلت قدرته وتعالت حكمته أنه إذا نزل بهم العذاب أنجى الله رسوله والمؤمنين معه من ذلك العذاب، وانظر الآية رقم [20] وانظر شرح (اليوم) في الآية رقم [3] من سورة (هود).
الإعراب: {فَهَلْ} : الفاء: حرف استئناف. (هل): حرف استفهام معناه النفي.
{يَنْتَظِرُونَ} : مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون
…
إلخ، والواو فاعله. {إِلاّ}: حرف حصر. {مِثْلَ} : مفعول به، و {مِثْلَ}: مضاف، و {أَيّامِ}: مضاف إليه، و {أَيّامِ}: مضاف، و {الَّذِينَ} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. {خَلَوْا}: ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة التي هي فاعله، والألف للتفريق.
{مِنْ قَبْلِهِمْ} : متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} صلة الموصول لا محل لها، وجملة:{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها إعرابا، ومرتبطة بما قبلها معنى. {قُلْ} أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} انظر إعراب هذه الكلمات ومحلها في الآية رقم [20] وجملة: {قُلْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)}
الشرح: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا} أي: بعد إهلاك الأمم المكذبة لرسلها ننجي الرسل، وأتباعهم المؤمنين، وتلك من سنتنا إذا أنزلنا بقوم عذابا أنجينا الرسل والمؤمنين، والكلام على حكاية الحال الماضية. {كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} أي: كما أنجينا رسلنا السابقين وأتباعهم ننجيك يا محمد، {وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ} وصدقوك من الهلاك والعذاب، هذا؛ وقرئ:«(ننجي)» الأول بالتشديد، وأما الثاني فيقرأ بالتشديد والتخفيف.
تنبيه: قال بعض المتكلمين: المراد بقوله {حَقًّا عَلَيْنا} الوجوب؛ لأن تخليص الرسول والمؤمنين من العذاب واجب، وأجيب عن هذا بأنه حق واجب من حيث الوعد والحكم؛ لا لأنه واجب بسبب الاستحقاق؛ لأنه قد ثبت: أن العبد لا يستحق على خالقه شيئا. انتهى. خازن.
الإعراب: {ثُمَّ} : حرف عطف. {نُنَجِّي} : مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، وفاعله ضمير مستتر تقديره:«نحن» ، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ..} . إلخ لا محل لها مثلها. {رُسُلَنا} : مفعول به، و (نا): في محل جر بالإضافة.
{وَالَّذِينَ} : اسم موصول معطوف على {رُسُلَنا} فهو مبني على الفتح في محل نصب، وجملة:{آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف لا محل لها صلة الموصول. {كَذلِكَ} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، عامله ما بعده، التقدير: ننجي المؤمنين إنجاء كائنا مثل ذلك الإنجاء؛ الذي نجينا الرسل، ومن آمن معهم، هذا؛ وقيل:
الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: الأمر، أو الحال كذلك أفاده ابن عطية وأبو البقاء، والأول أولى وأقوى. {حَقًّا}: فيه أوجه: أحدها: أن يكون منصوبا بفعل مقدر، أي: حق ذلك حقا. والثاني: أن يكون بدلا من المحذوف النائب عنه الكاف، تقديره: الحاصل ذلك حقا. والثالث أن يكون {كَذلِكَ} و {حَقًّا} منصوبين ب {نُنْجِ} الذي بعدهما. والرابع: أن يكون {كَذلِكَ} منصوبا ب {نُنَجِّي} الأول، و {حَقًّا} ب (ننج) الثاني، وقال الزمخشري: مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين منكم، ونهلك المشركين، و {حَقًّا عَلَيْنا} اعتراض، يعني: وحق ذلك علينا حقا. انتهى. جمل. {عَلَيْنا} : متعلقان ب {حَقًّا،} أو بمحذوف صفة له، وإعراب:{نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} لا خفاء فيه، والجملة الفعلية مع متعلقاتها مستأنفة لا محل لها، والوقف على «آمنوا» جيد.
الشرح: {قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ} : المراد بالناس: أهل مكة، والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء الذين أرسلتك إليهم، فشكوا في أمرك، ولم يصدقوك. {إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} أي: الذي أدعوكم إليه، وهو التوحيد وعبادة الله، ونبذ عبادة الأصنام، فلا ينبغي لكم أن تشكوا فيه؛ لأنه دين إبراهيم عليه السلام، وأنتم من ذريته. {فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} أي: إن أصررتم على ما أنتم عليه من الكفر؛ فأنا بريء منكم، ومن معبوداتكم التي تعبدونها من دون الله.
{وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ} : فهذا خلاصة ديني اعتقادا، وعملا، فأعرضوها على العقل السليم، وانظروا فيها بعين الإنصاف والحق؛ لتعلموا صحتها. وإنما ذكر (التوفي) للتهديد
والوعيد، وهو يتضمن أيضا الخلق والإيجاد، والموت والإفناء، ثم الإحياء بعد الموت للحساب، وما يتبعه. {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي: المصدقين، بما دل عليه العقل ونطق به الوحي، وانظر مثل هذه الجملة في الآية رقم [72].
{وَأُمِرْتُ} : هذا الفعل يتعدى لمفعولين، تارة بنفسه، كما في قولك: أمرتك الخير، وتارة يتعدى إلى الثاني بحرف الجر، كما في قولك: أمرتك بالخير، ومثله:(استغفر)، و (اختار)، و (كنى)، و (سمّى)، و (دعا)، و (صدق)، و (زوج)، و (كال)، و (وزن)، وانظر (استغفر) في الآية رقم [80] من سورة (التوبة). وقد تحذف الهمزة من أوله في الأمر، انظر الآية رقم [145] من سورة (الأعراف). {دِينِي}: الدين: اسم لجميع ما يعبد به الله تعالى، والدين أيضا: الملة والشريعة، ومن هذا قوله تعالى:{ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} والدين الحساب والجزاء، ومنه: يوم الدين، أي: يوم الحساب والجزاء، ومنه: كما تدين تدان، أي: كما تفعل تجازى، وعن ابن عباس-رضي الله عنهما، قال: يوم الدين يوم حساب الخلائق، يدينهم بأعمالهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر؛ إلا من عفا الله عنه، والأمر أمره، ثم قال: ألا له الخلق والأمر، هذا؛ والدين بفتح الدال: القرض المؤجل، وجمع الأول: أديان، وجمع الثاني: ديون، وأدين، هذا؛ والدينونة القضاء والحساب، والديانة: اسم لجميع ما يتعبد به الله تعالى.
الإعراب: {قُلْ} : أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {يا أَيُّهَا} : (يا): حرف نداء ينوب مناب أدعو. (أيها): نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب بأداة النداء، و (ها): حرف تنبيه لا محل له، وأقحم للتوكيد، وهو عوض عن المضاف إليه. {النّاسُ}: بدل من (أي)، أو عطف بيان عليها، وقيل: صفة لها، وهو منصوب محلا، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الإتباع اللفظية، وانظر الآية رقم [158] من سورة (الأعراف) إن أردت الزيادة، والجملة الندائية في محل نصب مقول القول، والجملة الفعلية:
{قُلْ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {إِنْ} : حرف شرط جازم. {كُنْتُمْ} : ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء اسمه. {فِي شَكٍّ}: متعلقان بمحذوف خبر كان. {مِنْ دِينِي} : متعلقان ب {شَكٍّ} أو بمحذوف صفة له، وعلامة الجر كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة، وجملة:{كُنْتُمْ..} . إلخ لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَلا} : الفاء: واقعة في جواب الشرط. (لا): نافية. {أَعْبُدُ} : مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«أنا» . {الَّذِينَ} : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، وجملة:{تَعْبُدُونَ} صلة الموصول لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: تعبدونه. {مِنْ دُونِ} : متعلقان بمحذوف حال من الضمير المحذوف، و {مِنْ} بيان لما أبهم في الموصول،
و {تَعْبُدُونَ} : مضاف، و {اللهِ..}.: مضاف إليه، والجملة الفعلية:{فَلا أَعْبُدُ..} . إلخ في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، و (إن) ومدخولها في محل نصب مقول القول. {وَلكِنْ}: الواو: حرف عطف.
(لكن): حرف استدراك مهمل لا عمل له. {أَعْبُدُ اللهَ} : مضارع، وفاعله مستتر ومفعوله، والجملة الفعلية معطوفة على جواب الشرط، فهي في محل جزم مثله. {الَّذِي}: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة لفظ الجلالة. {يَتَوَفّاكُمْ} : مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {الَّذِي،} والكاف مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} انظر إعراب هذه الجملة في الآية رقم [72] فهي مثلها بلا فارق، إفرادا وجملا.
{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105)}
الشرح: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} أي: وأمرت بالاستقامة في الدين، والاشتداد فيه بامتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه. {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: قل في تفسير هذه الجملة مثل ما في الآية رقم [95/ 94].
الإعراب: {وَأَنْ} : (أن): حرف مصدري، ويؤول مع فعل الأمر:{أَقِمْ} بمصدر في محل جر بحرف جر محذوف، انظر تقديره في الشرح، والجار والمجرور معطوفان على المصدر المؤول من:{أَنْ أَكُونَ..} . إلخ في الآية السابقة، والمجرور محلا بحرف جر محذوف على أحد الاعتبارين فيهما، ولا يضر اختلاف الفعلين بالمضارعية، والأمرية؛ لاستيفاء الغرض بالفعلين المسبوقين مع (أن). {وَجْهَكَ}: مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة. {لِلدِّينِ}: متعلقان بالفعل قبلهما. {حَنِيفاً} : حال من الدين، أو من الفاعل، أو من المفعول {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} انظر إعراب مثل هذه الجملة في الآية رقم [95] وهذه الجملة معطوفة على جملة:
{أَقِمْ..} . إلخ فهي خاضعة لتأويلها مع (أن) بمصدر مثلها.
هذا؛ وقد قدر الجلال الكلام «وقيل لي: أن أقم
…
» إلخ وهذا يعني: أنه في محل نصب مقول القول لقول محذوف، لا أنه معطوف على الكلام السابق، وفي السمين ما نصه:
قوله: {وَأَنْ أَقِمْ} يجوز أن يكون على إضمار فعل، أي: وأوحي إلي أن أقم، ثم لك في (أن) وجهان: أحدهما: أن تكون تفسيرية لتلك الجملة المقدرة، وفيه نظر؛ إذ المفسر لا يجوز حذفه، والثاني: أن تكون مصدرية، فتكون هي وما في حيزها في محل رفع بذلك الفعل المقدر. انتهى. جمل.
الشرح: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ} : ولا تعبد من دون الله شيئا. {ما لا يَنْفَعُكَ} : إن عبدته ودعوته. {وَلا يَضُرُّكَ} إن عصيته، وتركت عبادته. {فَإِنْ فَعَلْتَ} أي: ما نهيتك عنه، فعبدت غيري، أو طلبت النفع، ودفع الضر من غيري. {فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظّالِمِينَ} أي: لنفسك؛ لأنك وضعت العبادة في غير موضعها، انظر: البغي في الآية رقم [23] وقل في هذه الآية ما رأيته في الآية رقم [95/ 94] من الفرض، والتقدير.
الإعراب: {وَلا} : الواو: حرف عطف. (لا): ناهية. {تَدْعُ} : مضارع مجزوم ب (لا) الناهية، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الواو، والضمة قبلها دليل عليها، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:«أنت» . {مِنْ دُونِ} : متعلقان بالفعل قبلهما، و {دُونِ}: مضاف، و {اللهِ}: مضاف إليه. {ما} : تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، وجملة:{لا يَنْفَعُكَ} صلة الموصول لا محل لها، وجملة:{وَلا يَضُرُّكَ} معطوفة عليها لا محل لها مثلها، وجملة:{وَلا تَدْعُ..} . إلخ معطوفة على جملة: {أَقِمْ..} . إلخ على الوجهين المعتبرين فيها، أو هي مستأنفة لا محل لها. {فَإِنْ}: الفاء: حرف تفريع واستئناف. {فَعَلْتَ} : إعرابه مثل كنتم في الآية السابقة إفرادا وجملة. {فَإِنَّكَ} : الفاء: واقعة في جواب الشرط. (إنك): حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها:{إِذاً} : حرف جواب، وجزاء مهمل لا عمل له. {مِنَ الظّالِمِينَ}: متعلقان بمحذوف خبر (إن) والجملة الاسمية: {فَإِنَّكَ..} . إلخ في محل جزم جواب الشرط
…
إلخ، و (إن) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له.
الشرح: {يَمْسَسْكَ} : يصبك، وانظر (لمس) و (مس) في الآية رقم [7] من سورة (الأنعام). {بِضُرٍّ}: مرض وفقر ونحوهما. {فَلا كاشِفَ لَهُ} : فلا يقدر على كشفه إلا الله تعالى. {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} : صحة، وغنى، ونحوهما. {فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ}: فلا مانع، ولا دافع لما يريده من الخير لك، ولغيرك. {يُصِيبُ بِهِ} أي: بالخير، وبالضر أيضا، وأفرد الضمير اكتفاء برجوعه إلى الخير، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [63] من سورة (التوبة) {يَشاءُ}: إصابته بالخير، أو بالشر. {الْغَفُورُ}: لذنوب عباده وخطاياهم، فهو صيغة مبالغة. {الرَّحِيمُ}: بأوليائه في الدنيا والآخرة، فتعرضوا لرحمته وفضله بالطاعة، ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية، وانظر إعلال:{يُصِيبُ} في الآية رقم [51] من سورة (التوبة).
تنبيه: قال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: ولعله ذكر الإرادة مع الخير، والمس مع الضر مع تلازم الأمرين للتنبيه على أن الخير مراد بالذات، وأن الضر إنما مسهم لا بالقصد الأول، ووضع الفضل موضع الضمير للدلالة على أنه متفضل بما يريد بهم من الخير، لا استحقاق لهم عليه، ولم يستثن؛ لأن مراد الله لا يمكن رده. انتهى. وقوله: لم يستثن، أي: مع الإرادة كما استثنى مع المس؛ لأن إرادة الله قديمة، بخلاف مس الضر، فإنه صفة فعل.
الإعراب: {وَإِنْ} : الواو: حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {يَمْسَسْكَ} : فعل مضارع فعل الشرط، والكاف مفعول به. {اللهُ}: فاعله. {بِضُرٍّ} : متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية:{يَمْسَسْكَ..} . إلخ لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَلا} : الفاء: واقعة في جواب الشرط. (لا): نافية للجنس، تعمل عمل إن.
{كاشِفَ} : اسم (لا) مبني على الفتح في محل نصب. {اللهُ} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر (لا). {إِلاّ} : حرف حصر. {هُوَ} : انظر مثله في الآية رقم [90] والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط.
وإعراب: {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} لا خفاء فيه إن شاء الله تعالى، والكلام كله مستأنف لا محل له. {يُصِيبُ}: مضارع، والفاعل يعود إلى الله. {بِهِ}: متعلقان بالفعل قبلهما. {مَنْ} : تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد أو الرابط: محذوف؛ إذ التقدير: يشاء إصابته.
{مِنْ عِبادِهِ} : متعلقان بمحذوف حال من الضمير المحذوف، و (من) بيان لما أبهم في {مَنْ} والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{يُصِيبُ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها، وإن اعتبرتها في محل نصب حال من الضمير المجرور محلا بالإضافة؛ فلست مفندا، والجملة الاسمية:{وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} تحتمل الحالية من فاعل: {يُصِيبُ} المستتر، والرابط: الواو، والضمير، وتحتمل الاستئناف، والاعتراض في آخر الكلام لا محل لها على الوجهين الأخيرين.
الشرح: {قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ} : انظر شرح هذه الكلمات في الآية رقم [104]. {قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ} : المراد به: النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو الإسلام، أو القرآن. {فَمَنِ اهْتَدى} أي: صدق محمد صلى الله عليه وسلم، واهتدى بهديه، وسار على نهجه. {فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} أي: لخلاص نفسه من العذاب الأبدي. {وَمَنْ ضَلَّ} : أعرض عن الحق المذكور، واتبع الأصنام والأوثان. {فَإِنَّما}
يَضِلُّ عَلَيْها أي: فإن وبال ضلاله يرجع على نفسه بالوبال، والخزي، والنكال. {وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} أي: بحفيظ أحفظ أعمالكم، وليس أمركم موكولا إلي، وإنما أنا رسول بشير ونذير، وانظر مثلها في سورة (هود) رقم [85].
قال ابن عباس-رضي الله عنهما: هذه الآية منسوخة بآية السيف.
الإعراب: {قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ} : انظر الآية رقم [104]. {قَدْ} : حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {جاءَكُمُ الْحَقُّ} : ماض، ومفعوله، وفاعله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الناس، والعامل:(يا) لما فيها من معنى الفعل، والرابط: الضمير فقط. {مِنْ رَبِّكُمْ} : متعلقان بمحذوف حال من {الْحَقُّ،} والكاف في محل جر بالإضافة. {فَمَنِ} :
الفاء: حرف تفريع واستئناف. (من): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
{اِهْتَدى} : ماض مبني على الفتح المقدر على الألف في محل جزم فعل الشرط، والفاعل يعود إلى (من) تقديره:«هو» . {فَإِنَّما} : الفاء: واقعة في جواب الشرط. إنما: كافة ومكفوفة. {يَهْتَدِي} : مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر يعود إلى (من) أيضا. {لِنَفْسِهِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية: (إنما
…
) إلخ في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه، فقيل: جملة الشرط، وقيل: جملة الجواب، وقيل: الجملتان، وهو المرجح لدى المعاصرين، هذا؛ وإن اعتبرت (من) اسما موصولا، فهي مبتدأ، وجملة:{اِهْتَدى} صلته، وجملة: (إنما
…
) إلخ خبره، ودخلت الفاء في الخبر؛ لأن الموصول يشبه الشرط في العموم، والجملة الاسمية:{فَمَنِ اهْتَدى..} . إلخ على الاعتبارين مستأنفة لا محل لها {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها} إعرابها مثل إعراب ما قبلها وهي معطوفة عليها. {وَما} : الواو: حرف استئناف. (ما): نافية حجازية تعمل عمل ليس.
{أَنَا} : ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع اسم: (ما). {عَلَيْكُمْ} : متعلقان بما بعدهما. {بِوَكِيلٍ} : الباء: حرف جر صلة. (وكيل): خبر ما منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والجملة الاسمية:
{وَما أَنَا..} . إلخ مستأنفة لا محل لها، هذا؛ وإن اعتبرت (ما) تميمية مهملة فالضمير مبتدأ، وتكون الباء زائدة في خبره، والأول أقوى.
{وَاِتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاِصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109)}
الشرح: {وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ} أي: اتبع يا محمد ما يأتيك من تعاليم بواسطة جبريل عليه السلام. {وَاصْبِرْ} أي: على أذى قومك، وتحمل أذيتهم. {حَتّى يَحْكُمَ اللهُ} أي: بالنصر
عليهم، وإظهار دينك. {وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ}: لأنه جلت حكمته، وعلت كلمته لا يحكم إلا بالحق، ولا يمكن الخطأ في حكمه لاطلاعه على السرائر اطلاعه على الظواهر.
تنبيه: قيل: الآية منسوخة بآية القتال، وقيل: ليست منسوخة، ومعنى:{وَاصْبِرْ} أي: على الطاعة، وعن المعصية، وقال ابن عباس-رضي الله عنه: لما نزلت الآية جمع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار، ولم يجمع معهم غيرهم، فقال:«إنّكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» . وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-بمثل ذلك، ثم قال أنس: فلم يصبروا، فأمرهم بالصبر، كما أمره الله تعالى، وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن حسان-رضي الله عنهما:[الوافر]
ألا أبلغ معاوية بن حرب
…
أمير المؤمنين نثا كلامي
بأنّا صابرون ومنظروكم
…
إلى يوم التّغابن والخصام
الإعراب: {وَاتَّبِعْ} : (اتبع): أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {ما} : تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل نصب مفعول به. {يُوحى}: مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، ونائب الفاعل مستتر تقديره:
«هو» يعود إلى {ما} . {إِلَيْكَ} : متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية صلة {ما،} أو صفتها، والعائد أو الرابط: رجوع نائب الفاعل إليها، وجملة (اتبع
…
) إلخ مستأنفة لا محل لها، وجملة:(اصبر) مع المتعلق المحذوف معطوفة عليها لا محل لها مثلها. {حَتّى} : حرف غاية وجر بعدها: «أن» مضمرة، وهي بمعنى: إلى أن. {يَحْكُمَ} : مضارع منصوب ب «أن» المضمرة. {اللهُ} : فاعله، و «أن» المضمرة والمضارع في تأويل مصدر في محل جر ب {حَتّى،} والجار والمجرور متعلقان بالفعل: (اصبر)، والجملة الاسمية:{وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ} في محل نصب حال من لفظ الجلالة، والرابط: الواو، والضمير.
انتهت سورة (يونس) بعون الله وتوفيقه.
والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.