الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
صلصال: أي طين يا بس يصلصل ويصوّت إذا نقر وهو غير مطبوخ، فإذا طبخ فهو فخّار، وحما: أي طين تغير واسودّ من مجاورة الماء له واحدته حمأة، ومسنون:
أي مصوّر مفرغ على هيئة الإنسان كالجواهر المذابة التي تصب فى القوالب. والجانّ:
أي هذا الجنس كما أن الإنسان يراد به ذلك، فإذا أريد بالإنسان آدم أريد بالجان أبو الجن، ونار السموم: هى النار الشديدة الحرارة التي تقتل وتنفذ فى المسامّ، بشرا: أي إنسانا وسمى بذلك لظهور بشرته أي ظاهر جلده، سويته: أي أتممت خلقه وهيّاته لنفخ الروح فيه، والنفخ: إجراء الريح من الفم أو غيره فى تجويف جسم صالح لإمساكها والامتلاء بها، ويراد به هنا إضافة ما به الحياة على المادة القابلة لها، ورجيم: أي مرجوم مطرود من كل خير وكرامة، اللعنة: الإبعاد على سبيل السخط يوم الدين: أي يوم الجزاء، فأنظرنى:
أي أمهلنى وأخرنى ولا تمتنى، ويوم الوقت المعلوم: هو وقت النفخة الأولى حين تموت الخلائق كما روى عن ابن عباس، والإغواء: الإضلال، هذا صراط علىّ: أي هذا صراط حق لا بد أن أراعيه مستقيم أي لا انحراف فيه فلا يعدل عنه إلى غيره، والسلطان: التسلط والتصرف بالإغواء، سبعة أبواب: أي سبع طبقات، جزء مقسوم:
أي فريق معين مفروز من غيره.
الإيضاح
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) أي ولقد خلقنا أول فرد من أفراد الإنسان من طين يابس يصلصل ويصوت إذا نقر، أسود متغير مفرغ فى قالب ليجفّ وييبسن كالجواهر المذابة التي تصبّ فى القوالب.
ونحو الآية قوله: «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ» وقد جاء «خلق آدم على أطوار مختلفة فكان أولا ترابا» كما قال:
«إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ» ثم كان طبنا كما قال:
«إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ» ثم كان صلصالا من حمأ مسنون كما جاء فى هذه الآية وإنما خلقه على ذلك الوضع، ليكون خلقه أعجب وأتم فى الدلالة على القدرة.
(وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) أي وخلقنا هذا الجنس من قبل خلق آدم من نار الريح الحارة التي لها لفح وتقتل من أصابته.
وعن ابن مسعود: هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التي خلق منها الجان ثم قرأ: (والجان خلقناه من قبل من نار السموم)
وقد ورد فى الصحيح «خلقت الملائكة من نور، وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» .
وفى الآية إيماء إلى شرف آدم عليه السلام وطيب عنصره وطهارة محتده، وعلينا أن نؤمن بأن الجن خلقت من النار، ولكنا لا نعرف كنه ذلك ولا حقيقته، فذلك ما لا سبيل إلى معرفته إلا من طريق الوحى.
وبعد أن ذكر سبحانه فى معرض الدليل على قدرته- خلق الإنسان الأول، ذكر بعد مقاله للملائكة والجن بشأنه فقال:
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ. فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) أي واذكر أيها الرسول لقومك حين نوّه ربكم بذكر أبيكم آدم فى ملائكته قبل خلقه، وتشريفه بأمر الملائكة بالسجود له، وتخلف إبليس عدوه عن السجود له من بين سائر الملائكة حسدا وعنادا واستكبارا بالباطل فقال:«لم أكن لأسجد» إلخ.
وحكى عنه فى آية أخرى أنه قال: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» وتقدم هذا القصص فى سورة الأعراف وقلنا هناك: إن الأمر بالسجود أمر تكليفى، وأنه قد وقع حوار بين إبليس وربه، ويرى كثير من العلماء أن القصة بيان لغرائز البشر والملائكة والشيطان، إذ جعل الملائكة وهم المدبّرون لأمور الأرض بإذن ربهم مسخرون لآدم وذريته، وجعل هذا النوع مستعدا للانتفاع بالأرض كلها لعله بسنن الله فيها وعمله بهذا السنن، فانتفع بمائها وهوائها ومعادنها ونباتها وحيوانها وكهربائها ونورها، وبذا أظهر حكمة الله فى خلقها، واصطفى بعض أفراده وخصهم بوحيه ورسالته وجعلهم مبشرين ومنذرين، وجعل الشيطان عاصيا متمردا على الإنسان وعدوّا له، وجعل النفوس البشرية وسطا بين النفوس الملكية المفطورة على طاعة الله وإقامة سننه فى صلاح الخلق، وبين أرواح الجن الذين يغلب على شرارهم- الشياطين- التمرد والعصيان.
وقد ذكر سبحانه حجاج إبليس وذكر سبب امتناعه عن السجود لآدم بأنه خير منه، فإنه خلق من النار وآدم من الطين، والنار خير من الطين وأشرف منه، والشريف لا يعظّم من دونه ولو أمره ربه بذلك.
وفى هذا ضروب من الجهالة وأنواع من الفسق والعصيان فإنه:
(1)
اعترض على خالقه بما تضمنه جوابه.
(2)
احتج عليه بما يؤيد به اعتراضه.
(3)
إنه جعل امتثال الأمر موقوفا على استحسانه وموافقته لهواه، وهذا رفض لطاعة الخالق وترفّع عن مرتبة العبودية.
(4)
استدلاله على خيريته بالمادة التي منها التكوين، وخيرية المواد بعضها على بعض أمر اعتباري تختلف فيه الآراء، إلى أن الملائكة خلقوا من النور وهو قد خلق من النار، والنور خير من النار، وهم قد سجدوا امتثالا لأمر ربهم.
(5)
إنه قد جهل ما خصّ به آدم من استعداده العلمي والعملي أكثر من سواه، ومن تشريفه بأمر الملائكة بالسجود له، فكان بذلك أفضل منهم وهم أفضل من إبليس بعنصر الخلقة والطاعة لربهم.
(قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ. قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) أمره سبحانه أمرا كونيا لا يخالف بالخروج من المنزلة التي كانت فيها من الملا الأعلى، ثم جعله مرجوما مطرودا وأتبعه لعنة لا تزال متواصلة لاحقة به متواترة عليه إلى يوم القيامة، وهو يبعث الخلق من قبورهم، فيحشرون لموقف الحساب وهو وقت النفخة الأولى، فلما تحقق النّظرة.
(قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) أي قال إبليس: رب بسبب إغوائك إياى وإضلالى لأزينن لذرية آدم واحببنّ إليهم المعاصي وأرغّبنّهم فيها ولأغوينّهم كما أغويتنى وقدّرت علىّ ذلك إلا من أخلص منهم لطاعتك، ووفقته لهدايتك، فإن ذلك ممن لا سلطان لى عليه ولا طاقة لى به.
ثم هدده سبحانه وأوعده بقوله:
(قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) أي قال هذا طريق مرجعه إلىّ، فأجازى كل امرئ بعمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، كما يقول القائل لمن يتوعده ويتهدده:
طريقك علىّ. وأنا على طريقك: أي لا مهرب لك منى، ونظير الآية قوله تعالى:
«إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ» .
وهذا رد لما جاء فى كلام إبليس حيث قال: «لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم.
ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم» الآية.
(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) أي إن عبادى
لا سلطان لك على أحد منهم سواء أكانوا مخلصين أم غير مخلصين، لكن من اتبعك باختياره صار من أتباعك.
وقال سفيان بن عيينة: ليس لك عليهم قوة ولا قدرة على أن تلقيهم فى ذنب يضيق عنه عفوى.
والخلاصة- إن إبليس أوهم أن له على بعض عباد الله سلطانا بقوله لأزينن لهم فى الأرض ولأغوينهم أجمعين، فأكذبه الله بقوله إن عبادى إلخ.
ونحو الآية قوله تعالى حكاية عن إبليس: «وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي» وقوله «إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ» .
(وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) أي وإن جهنم موعد جميع من اتبع إبليس وهى مقرهم وبئس المهاد جزاء ما اجترحوا من السيئات وكفاء ما دنّسوا به أنفسهم من قبيح المعاصي.
(لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) أي لها سبع طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم فى الغواية والضلالة.
أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس رضى الله عنهما أنها: جهنم والسعير ولظى والحطمة وسقر والجحيم والهاوية وهى أسفلها.
(لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) أي كتب لكل باب منها فريق معين من أتباع إبليس يدخلونه ولا محيد لهم عند بحسب أعمالهم واختلاف مراتبهم فى النار.
قال ابن جريج: النار سبع دركات وهى جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية فأعلاها للعصاة الموحدين، والثانية لليهود، والثالثة للنصارى، والرابعة للصابئين، والخامسة للمجوس، والسادسة للمشركين، والسابعة للمنافقين، فجهنم أعلى الطبقات ثم ما بعدها تحتها وهكذا.