الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى توحيد الله وصفاته بدون دليل عقلى على ما يدّعون، ولا رسول أرسل إليهم بما عنه يناضلون، ولا كتاب أنزل إليهم يؤيد ما يعتقدون، وإذا هم أفحموا بالحجة والسلطان المبين، لم يجدوا جوابا إلا تقليد الآباء والأجداد بنحو قولهم:«إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ» وما ذاك إلا من نزغات الشيطان، والشيطان لا يدعو إلا إلى الضلال الموصّل إلى النار، وبئس القرار.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) أي ألم تروا أيها الناس أن الله الذي سخر لكم ما فى السموات من شمس وقمر، ونجوم، تستضيئون بها ليلا ونهارا، وتهتدون بها فى ظلمات البر والبحر، وسحاب ينزل لكم الأمطار لسقى الناس والحيوان والمزارع المختلفة، وما فى الأرض من الدوابّ والأشجار، والمياه والبحار، والسفن والمعادن التي فى باطنها، إلى نحو ذلك من المنافع التي جعلها لغذائكم وأقواتكم، فتتمتعون ببعض ذلك، وتنتفعون بجميع ذلك، وأتمّ عليكم نعمه محسوسة وغير محسوسة.
والخلاصة: إنه تعالى نبّه خلقه إلى ما أنعم به عليهم فى الدنيا والآخرة بأن سخر لهم ما فى السموات وما فى الأرض وأسبغ عليهم من النعم الظاهرة والباطنة، فأرسل الرسل وأنزل الكتب وأزاح الشبه والعلل.
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس وقد سأله عن هذه الآية:
«الظاهرة: الإسلام وما حسن من خلقك، والباطنة: ما ستر عليك من سيئ عملك»
وقيل: الظاهرة الصحة وكمال الخلق، والباطنة: المعرفة والعقل وقيل: الظاهرة:
ما يرى بالأبصار من المال والجاه والجمال، وتوفيق الطاعات، والباطنة: ما يجده المرء فى نفسه من العلم بالله، وحسن اليقين، وما يدفع عن العبد من الآفات.
ثم ذكر أنه مع كل هذه الأدلة الظاهرة قد مارى بعض الناس دون برهان من عقل ولا مستند من نقل، فقال:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أي وهناك فريق من الناس يجادل فى توحيد الله وصفاته كالنضر بن الحارث وأبىّ بن خلف اللذين كانا يجادلان النبي صلى الله عليه وسلم فى ذلك بلا علم من عقل، ولا مستند من حجة صحيحة، ولا كتاب مأثور يؤيد صحة ما يدّعون.
ثم بين أنه لا مطمع فى إيمان مثل هؤلاء، لأنهم قد بلغوا الغاية فى الغباوة، واستسلموا للتقليد، وتركوا الدليل وإن كان لائحا ظاهرا، فقال:
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أي وإذا قيل لهؤلاء المجادلين الجاحدين لوحدانية الله: اتبعوا ما أنزل الله على رسوله من الشرائع- لم يجدوا ردا لذلك إلا قولهم: إنا نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من دين، فإنهم كانوا أهل حق ودين صحيح.
فوبخهم سبحانه على تلك المقالة التي هى من حبائل الشيطان ووساوسه فقال:
(أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ؟) أي أيتبعونهم على كل حال دون نظر إلى دليل؟ فربما كان اعتقادهم مبنيا على الهوى وترّهات الأباطيل، سداه ولحمته ما زينه لهم الشيطان من وساوس، لا تستند إلى حجة ولا برهان.
والخلاصة- أما كان لهم أن يفكروا ويتدبروا حتى يعلموا الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، فإن الرجال بالحق وليس الحق بالرجال؟
وفى هذا ما لا يخفى من تسفيه عقولهم وتسخيف آرائهم، وأنهم بلغوا الدّرك الأسفل فى هدم العقل، وعدم الركون إلى الدليل مهما استبانت غايته، واستقامت محجته