الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) أي ولا تجادلوا من أراد الاستبصار فى الدين من اليهود والنصارى إلا باللين والرفق، وقابلوا الغضب بكظم الغيظ، والشّغب بالنصح، والسّورة بالأناة.
ونحو الآية قوله: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» وقوله: «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ» وقوله لموسى وهرون حين بعثهما إلى فرعون «فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى» .
إلا من ظلموا منهم وحادوا عن وجه الحق، وعموا عن واضح الحجة، وعاندوا وكابروا، ولم يجد فيهم الرفق، فمثل هؤلاء لا ينفع فيهم إلا الغلظة:
ووضع الندى فى موضع السيف بالعلا
…
مضرّ كوضع السيف فى موضع الندى
قال سعيد بن جبير ومجاهد: المراد بالذين ظلموا منهم- الذين نصبوا القتال للمسلمين وآذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجدالهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية.
(وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أي إذا حدّثكم أهل الكتاب عن كتبهم، وأخبروكم عنها بما يمكن أن يكونوا صادقين فيه وأن يكونوا كاذبين، ولم تعلموا حالهم فى ذلك- فقولوا لهم: آمنا بالقرآن الذي أنزل إلينا والتوراة والإنجيل اللذين أنزلا إليكم، ومعبودنا ومعبودكم واحد ونحن خاضعون له، منقادون لأمره ونهيه والطاعة له.
روى البخاري والنسائي عن أبى هريرة قال: «كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم،
وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون»
وروى عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شىء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إما أن تكذّبوا بحق، وإما أن تصدّقوا بباطل»
وفى البخاري عن حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدّث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدّثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب.
ثم بين أنه لا عجب فى إنزال القرآن على الرسول فهو على مثال ما أنزل من الكتب من قبل فقال:
(وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) أي كما أنزلنا الكتب على من قبلك أيها الرسول- أنزلنا إليك هذا الكتاب، فالذين آتيناهم الكتب ممن تقدم عهدك من اليهود والنصارى يؤمنون به، إذ كانوا مصدقين بنزوله بحسب ما علموا عندهم من الكتاب، ومن كفار قريش وغيرهم من يؤمن به.
(وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) أي وما يكذّب بآياتنا ويجحد حقها إلا من يستر الحق بالباطل، ويغطّى ضوء الشمس بالوصائل، ويغمط حق النعمة عليه، وينكر التوحيد عنادا واستكبارا.
ثم ذكر ما يؤيد إنزاله ويزيل الشبهة فى افترائه فقال:
(وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أي وما كنت من قبل إنزال الكتاب إليك تقدر أن تتلو كتابا ولا تخطه بيمينك: أي ليس من دأبك وعادتك ذلك، إذ لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط أو ممن يعتادهما لارتاب المشركون وقالوا لعله التقط ذلك من كتب الأوائل، ولما لم يكن أمرك هكذا لم يكن لارتيابهم وجه.
قال مجاهد: كان أهل الكتاب يجدون فى كتبهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يخط ولا يقرأ فنزلت هذه الآية.
وخلاصة ما سلف- إنك قد لبثت فى قومك عمرا طويلا قبل أن تأتى بهذا القرآن، لا تقرأ ولا تكتب، وكل واحد من قومك يعرف أنك أمي لا تقرأ ولا تكتب، وهذه صفتك فى الكتب المتقدمة كما قال:«الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ» .
فلا وجه إذا للشك فى أن هذا القرآن منزّل من عند الله وليس مفتعلا من صنع يدك تعلمته من الكتب المأثورة عمن قبلك كما حكى سبحانه عنهم من نحو قولهم:
«وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» .
ثم أكد ما سلف وبين أنه منزل من عند الله حقا فقال:
(بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي بل هذا القرآن آيات واضحات الدلالة على الحق، يسّر الله حفظها وتفسيرها للعلماء كما قال:«وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟» .
روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبى إلا وقد أعطى ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلىّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا» .
(وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) أي وما يكذب آياتنا ويبخس حقها ويردها إلا المعتدون المكابرون الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه.
ونحو الآية قوله: «إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ» .