الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الأعشى:
بالأبلق الفرد من تيماء منزله
…
حصن حصين وجار غير ختّار
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه أنه سخر للانسان ما فى السموات وما فى الأرض- ذكر هنا بعض ما فيهما بقوله يولج الليل فى النهار إلخ، وبعض ما فى السموات بقوله وسخر الشمس والقمر، وبعض ما فى الأرض بقوله ألم تر أن الفلك تجرى فى البحر بنعمة الله، ثم ذكر أن كل المشركين معترفون بتلك الآيات، إلا أن البصير يدركها على الفور، ومن فى بصيرته ضعف لا يدركها إلا إذا وقع فى شدة، وأحدق به الخطر، فهو إذ ذاك يعترف بأن كل شىء بإرادة الله.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أي ألم تشاهد أيها الناظر بعينيك أن الله يزيد ما نقص من ساعات الليل فى ساعات النهار، ويزيد ما نقص من ساعات النهار فى ساعات الليل.
والخلاصة: إنه يأخذ من الليل فى النهار، فيقصر ذاك ويطول هذا، وذاك فى مدة الصيف، إذ يطول النهار إلى الغاية، ثم يبتدئ النهار فى النقصان، ويطول الليل إلى الغاية فى مدة الشتاء.
(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) لمصالح خلقه ومنافعهم.
(كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي كل منهما يجرى بأمره إلى وقت معلوم، وأجل محدد، إذا بلغه كوّرت الشمس والقمر.
(وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي وأن الله بأعمالكم من خير وشر خبير بها لا تخفى عليه خافية من أمرها، وهو مجازيكم بها.
ثم بين الحكمة فى إظهار آياته للناس، فقال:
(ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) أي إنما يظهر آياته للناس ليستدلوا بها على أنه هو المستحق للعبادة، وأن كل ما سواه هو الباطل الذي يضمحلّ ويفنى، فهو الغنى عما سواه، وكل شىء فقير إليه.
(وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) أي وأنه تعالى المرتفع على كل شىء، والمتسلط على كل شىء، فكل شىء خاضع له، وهو الحكم العدل اللطيف الخبير.
وبعد أن ذكر الآيات السماوية الدالة على وحدانيته أشار إلى آية أرضية، فقال:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) أي ألم تشاهد أيها الرسول السفن وهى تسير فى البحر حاملة للأقوات والمتاع، من بلد إلى آخر، ومن قطر إلى قطر هو فى حاجة إليها لينتفع الناس بما على ظاهر الأرض مما ليس فى أيديهم.
وفى هذا دليل على عجبب قدرته التي ترشدكم إلى أنه الحق الذي أوجد ما ترون من الأحمال الثقيلة على وجه الماء الذي ترسب فيه الإبرة فما دونها.
ثم ذكر من يستفيد من النظر فى الآيات، فقال:
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي إن فيما ذكر لدلائل واضحات لكل صبار فى الضراء، شكور فى الرخاء. قال الشعبي: الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله، ألم تر إلى قوله:«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ» . وقوله: «وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ» .
وقال عليه الصلاة والسلام: «الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر» .
ثم بين أن المشركين ينسون الله فى السراء ويلجئون إليه حين الضراء، فقال:
(وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي وإذا أحاطت بالمشركين الذين يدعون من دون الله الآلهة والأوثان- الأمواج العالية كالجبال، وأحدق بهم الخطر من كل جانب حين يركبون السفن- فزعوا بالدعاء إلى الله مخلصين له الطاعة لا يشركون به شيئا، ولا يدعون معه أحدا سواه، ولا يستغيثون بغيره.