الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
وقيضنا: أي ويسرنا وهيأنا، قرناء: واحدهم قرين: أي أخدانا وأصحابا من غواة الجن والإنس، والغوا فيه: أي عارضوه باللغو والباطل حين يقرأ لتهوّشوا عليه، دار الخلد: أي دار الإقامة المستمرة، تحت أقدامنا: أي ندوسهما بهما انتقاما منهما.
المعنى الجملي
اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة على الكفر والمعاصي أردف ذلك ذكر السبب الذي من أجله وقعوا في الكفر، ثم حكى عنهم جناية أخرى وهى أنهم كانوا إذا سمعوا القرآن أعملوا الحيلة في عدم إسماع الناس له حتى لا يتدبروا معناه، فتشاغلوا حين قراءته برفع الأصوات وإنشاء الأشعار حتى يهوّشوا على القارئ ويغلبوا على قراءته ثم ذكر أنهم حين يقعون في العذاب الشديد يطلبون أن يروا من كانوا السبب في وقوعهم في الضلال من الجن والإنس ليدوسوهم تحت أقدامهم، انتقاما منهم على أن صيروهم في هذه الهاوية.
الإيضاح
(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي وسلطنا عليهم إخوانا وأعوانا من شياطين الجن والإنس، فزينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الدنيا من الضلالة والكفر واتباع الشهوات، وما خلفهم من أمر الآخرة، فألقوا إليهم أن لا جنة ولا نار، ولا بعث ولا حساب، إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر،
فسهل عليهم فعل ما يشهون، وركوب كل ما يتلذذون به من الفواحش.
(وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي ووجب عليهم من العذاب ما وجب على الذين كفروا من قبلهم ممن فعلوا فعلهم.
ثم علل استحقاقهم للعذاب فقال:
(إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) أي لأنهم استووا جميعا في الخسار والدمار، واستحقوا اللعن والخزي في الحياة الدنيا والآخرة.
وبعد أن أخبر عن كفر قوم هود وصالح وغيرهم أخبر عن مشركى قريش وأنهم كذبوا بالقرآن فقال:
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) أي وقال الذين كفروا بالله ورسوله: لا تنصتوا لسماع هذا القرآن، وعارضوه باللغو والباطل بإنشاد الشعر والأراجيز حتى تهوّشوا على القارئ لعلكم تغلبون على قراءته، وتميتون ذكره.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته، فكان المشركون يطردون الناس عنه ويقولون: الغوا فيه بالبكاء والصفير وإنشاد الشعر.
قال ابن عباس: قال أبو جهل إذا قرأ محمد فصيحوا في وجهه حتى لا يدرى ما يقول:
وقد يكون المعنى: لا تطيعوا. من قولهم: سمعت لك: أي أطعتك.
ثم أوعد الكفار بالعذاب الشديد فقال:
(فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي فلنذيقن الكافرين عذابا لا يحاط بوصفه، ولنجازينهم بأسوإ أعمالهم، لأن أعمالهم الحسنة كصلة الأرحام وإكرام الضيف قد أحبطها الكفر، ولم يبق لهم إلا القبيح، ومن ثم لم يجازوا إلا على السيئات.
وفي هذا تعريض بمن لا يخشع ولا يتدبر حين سماع القرآن، وتهديد ووعيد لمن بصدر منه حين سماع القرآن ما يهوّش على القارئ ويخلّط عليه في القراءة.
ثم بين العذاب الشديد الذي يحيق بهم فقال:
(ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ) أي ذلك الجزاء المعدّ لأعداء الله هو النار.
(لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) أي إنهم مخلدون فيها أبدا، لا انقطاع لعذابها، ولا انتقال منها.
ثم ذكر أن هذا جزاء لما عملوا فقال:
(جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) أي هى جزاء لهم على جحودهم بآياتنا، واستكبارهم عن سماعها.
ثم بين أنهم حين وقوعهم في العذاب الشديد يطلبون الانتقام ممن أضلوهم من شياطين الإنس والجن فقال:
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) أي وقال الكافرون وهم يتقلبون في العذاب: ربنا أرنا شياطين الإنس والجن الذين أوقعونا في الضلال ندسهم تحت أقدامنا انتقاما منهم ومهانة لهم.
وقصارى ذلك- إنهم طلبوا من ربهم أن يريهم من أضلهم من فريقى الجن والإنس من الرؤساء الذين كانوا يزّينون لهم الكفر، والشياطين الذين كانوا يوسوسون لهم ويحملونهم على المعاصي.
والشياطين على ضربين: جنّى وإنسيّ، قال تعالى:«وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ» وقال: «الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ» .
وقال علىّ كرم الله وجهه: هما ابن آدم الذي قتل أخاه وإبليس أي لأنهما هما اللذان سنّا المعصية.