الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تؤفكون: أي تصرفون، قرارا: أي مستقرا، بناء: أي قبة ومنه أبنية العرب لقبابهم التي تضرب للسكنى فيها، فتبارك: أي تقدس وتنزه، الدين: الطاعة.
المعنى الجملي
بعد أن أثبت أن يوم القيامة حق، وكان المرء لا ينتفع فيه إلا بطاعة الله والتضرع له، وأشرف أنواع الطاعات الدعاء أي العبادة، لا جرم أمر الله تعالى بها في هذه الآية.
ولما كانت العبادة لا تنفع إلا إذا أقيمت الأدلة على وجود المعبود، ذكر من ذلك تعاقب الليل والنهار وخلق السموات والأرض وخلق الإنسان في أحسن صورة ورزقه من الطيبات.
الإيضاح
(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) أي اعبدوني أثبكم، هكذا روى عن ابن عباس والضحاك ومجاهد في جماعة آخرين، ويؤيده أن القرآن كثيرا ما استعمل الدعاء بمعنى العبادة كقوله:«إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً» وما
رواه النعمان بن بشير قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدعاء هو العبادة» ثم قرأ: «وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي إلى قوله: داخِرِينَ» . أخرجه الترمذي والبخاري في الأدب والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية.
ويجوز أن يراد بالدعاء والاستجابة معناهما الظاهر، ويرجحه ما
روى عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدعاء الاستغفار»
وعن أبى هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يدع الله يغضب عليه» . أخرجه أحمد والحاكم.
وعن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا ينفع حذر من قدر، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم بالدعاء» أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني،
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدعاء مخ العبادة» أخرجه الترمذي،
وعن ابن عباس قال: «أفضل العبادة الدعاء» وقرأ هذه الآية،
وأخرج البخاري في الأدب عن عائشة قالت «سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي العبادة أفضل؟ فقال: دعاء المرء لنفسه» .
ثم صرح سبحانه بأن المراد من الدعاء العبادة فقال:
(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) أي إن الذين يتعظمون عن إفرادى بالعبادة وإفرادى بالألوهة سيدخلون جهنم صاغرين أذلاء.
وفي هذا وعيد شديد لمن استكبر عن دعاء الله، وفيه لطف بعباده عظيم، وإحسان إليهم كبير، من حيث توعد من ترك طلب الخير منه، واستدفاع الشر بالدعاء بهذا الوعيد البالغ، وعاقبه بهذه العقوبة الشديدة، فيا عباد الله وجهوا رغباتكم إليه، وعوّلوا فى كل مطالبكم على من أمركم بتوجيهها إليه، وأرشدكم إلى التوكل عليه، وكفل لكم الإجابة بإعطاء مطالبكم، وحصول رغباتكم، فهو الكريم الجواد الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ويغضب على من لم يطلب من فضله العظيم، وملكه الواسع ما يحتاج إليه من أمور الدين والدنيا.
ولما أمر بالدعاء، والاشتغال به لا بد أن يسبق بمعرفة المدعوّ- ذكر الدليل عليه بذكر بعض نعمه فقال:
(1)
(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) أي إن الله الذي لا تصلح الألوهة إلا له، ولا تنبغى العبادة لغيره- هو الذي جعل الليل للسكون والاستراحة من الحركة والتردد في طلب المعاش والحصول على ما يفى بحاجات الحياة.
(2)
(وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي وجعل النهار مضيئا بشمسه ذات البهجة والرواء، لتتصرفوا فيه بالأسفار، وجوب الأقطار، والتمكن من مزاولة الصناعات، ومختلف التجارات.
ثم ذكر نتيجة لما تقدم فقال:
(إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) أي فهو المتفضل عليهم بالنعم التي لا تحصى، ولا يمكن أن تستقصى.
ثم بين أن كثيرا من عباده جحدوا هذه النعم، واستكبروا عن عبادة المنعم فقال:
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) هذه النعم، ولا يعترفون بها، إما لجحودهم وكفرهم بها كما هو شأن الكفار، وإما لإهمالهم النظر وغفلتهم عما يجب من شكر المنعم كما هو حال الجاهلين.
ونحو الآية قوله: «إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ» وقوله: «إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» .
ثم بين كمال قدرته المقتضية لوجوب توحيده فقال:
(ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ؟) أي ذلكم الذي فعل كل هذا، وأنعم عليكم بهذه النعم هو الله الواحد الأحد خالق جميع الأشياء لا إله غيره ولا رب سواه، فكيف تنقلبون عن عبادته، والإيمان به وحده، مع قيام البرهان الساطع، والدليل الواضح، وتعبدون غيره من الأصنام التي لا تخلق شيئا وهى مخلوقة منحوتة بأيديكم.
ثم ذكر أن هؤلاء ليسوا ببدع في الأمم قبلهم، بل قد سبقهم إلى هذا خلق كثير فقال:
(كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) أي كما ضل هؤلاء بعباده غير الله ضل وأفك الذين من قبلهم فعبدوا غيره بلا دليل ولا برهان، بل للجهل والهوى.
وبعد أن ذكر من الدلائل تعاقب الليل والنهار ذكر منها خلق الأرض والسماء فقال:
(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً) أي الله الذي جعل لكم الأرض مستقرا تعيشون عليها، وتتصرفون فيها، وتمشون في مناكبها، وجعل لكم السماء سقفا محفوظا مزينا بنجوم ينشأ عنها الليل والنهار والظلام والضياء.