الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نوره، ثم أرشد رسوله ألا يغتر بأحوال أولئك المجادلين وتركهم سالمين في أبدانهم وأموالهم يتصرفون في البلاد للتجارة، لسعة الرزق والتمتع بزخرف الدنيا، فإنه سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر كما فعل بأمثالهم من الأمم الماضية ممن كذبوا رسلهم فحلّ بهم البوار فى الدنيا، وسينزل بهم النكال في الآخرة في جهنم وبئس القرار.
الإيضاح
(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) أي ما يخاصم في القرآن بالطعن فيه وتكذيبه كقولهم مرة إنه شعر، وأخرى إنه سحر وثالثة إنه أساطير الأولين إلى أشباه ذلك من سخيف المقال- إلا الذين جحدوا به وأعرضوا عن الحق مع ظهوره.
وهذا النوع من الجدل هو المذموم، وإليه الاشارة
بقوله صلى الله عليه وسلم «لا تماروا في القرآن، فإن المراء فيه كفر»
أما الجدل لتقرير الحق وإيضاح الملتبس، وكشف المعضل، واستنباط المعاني، ورد أهل الزيغ بها، ورفع اللبس، ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن، فهو وظيفة الأنبياء، ومنه قوله تعالى حكاية عن قوم نوح لنوح «يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا» .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج يعرف في وجهه الغضب، فقال إنما هلك من كان قبلهم باختلافهم في الكتاب» رواه مسلم.
وقال أبو العالية: آيتان ما أشدهما علىّ: «ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا» الآية، وقوله:«وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ» ولما حكم سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر نهى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يغتر بشىء من حظوظهم الدنيوية فقال:
(فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) أي فلا يغررك ما يفعلونه من التجارة النافعة
فى البلاد، وما يحصلون عليه من المكاسب في رحلة الشتاء في اليمين ورحلة الصيف فى الشام، ثم يرجعون سالمين غانمين، فإنهم معاقبون عما قليل، وهم وإن أمهلوا فإنهم لا يهملون. قال الزجاج: لا يغررك سلامتهم بعد كفرهم، فإن عاقبتهم الهلاك.
وفي هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم ووعيد لهم.
ثم قال مسليا رسوله على تكذيب من كذبه من قومه، بأن له أسوة في سلفه الأنبياء، فإن أقوامهم كذبوهم وما آمن منهم إلا قليل فقال:
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي كذبت قوم نوح والأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب، فحلّت بهم نقمتنا بعد بلوغ أمدهم كما هى سنتنا فى أمثالهم من المكذبين، كعاد وثمود ومن بعدهم، وكانوا في جدلهم على مثل الذي عليه قومك.
(وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) أي وحرصت كل أمة على تعذيب رسولهم بحبسه وإصابة ما أرادوا منه. وقال قتادة والسدى ليقتلوه، فقد جاء الأخذ بمعنى الإهلاك في قوله تعالى:«أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ» .
(وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) أي وخاصموا رسولهم بالباطل بإيراد الشبه التي لا حقيقة لها كقولهم: «ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا» ليبطلوا به الحق الذي جاء به من عند الله، وليطفئوا النور الذي أوتيه، قال يحيى بن سلام: جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا الإيمان.
(فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) أي فأهلكتهم واستأصلت شأفتهم فلم أبق منهم ديّارا ولا نافخ نار وصاروا كأمس الدابر، وإنكم لتمرون على ديارهم مصبحين وممسين كما قال:«وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ»
وهكذا سأفعل بقومك إن هم أصروا على الكفر والجدل في آيات الله، وإلى ذلك أشار بقوله:
(وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) أي وكما حق على الأمم التي كذبت رسلها، وقصصت عليك خبرها أن يحل بها عقابى- وجبت