الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
يوم يقوم الأشهاد: هو يوم القيامة، والأشهاد: واحدهم شهيد بمعنى شاهد، والهدى: ما يهتدى به من المعجزات والصحف والشرائع، والإبكار: أول النهار إلى نصفه، والعشى: من النصف إلى آخر النهار، والسلطان: الحجة.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه في أول السورة أنه لا يجادل في آيات الله إلا القوم الكافرون، ثم رد على أولئك المبطلين المجادلين تسلية لرسوله وتصبيرا له على تحمل أذى قومه- أردف ذلك وعده له بالنصرة على أعدائه في الدنيا والآخرة، وتلك سنة الله، فهو ينصر الأنبياء والرسل ويقيّض لهم من ينصرهم على أعدائهم ويملأ قلوبهم بنور اليقين، ويلهمهم أن النصرة لهم آخرا مهما تقلبت بهم الأمور.
الإيضاح
(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) أي إنا لنجعل رسلنا هم الغالبين لأعدائهم القاهرين لهم، وننصر معهم من آمن بهم في الحياة الدنيا إما بإعلائهم على من كذبوهم كما فعلنا بداود وسليمان، فأعطيناهما من الملك والسلطان ما قهرا به كل كافر، وكما فعلنا بمحمد صلى الله عليه وسلم بإظهاره على من كذبه من قومه، وإما بانتقامنا ممن حادّهم وشاقهم بإهلاكهم وإنجاء الرسل كما فعلنا بنوح وقومه من إغراقهم وإنجائه، وكما فعلنا بموسى وفرعون وقومه، إذ أهلكناهم غرقا ونجينا موسى
ومن آمن معه من بنى إسرائيل- وإما بانتقامنا منهم بعد وفاة رسلنا كما نصرنا شعيبا بعد مهلكه بتسليطنا على من قتله من سلّطنا حتى انتصرنا بهم ممن قتله.
وكذلك ننصرهم عليهم يوم القيامة يوم يقوم الأشهاد من الملائكة والأنبياء والمؤمنين على الأمم المكذبة لرسلها- بالشهادة بأن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم وأن الأمم قد كذبتهم.
(يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) أي يوم لا ينفع أهل الشرك اعتذارهم، لأنهم لا يعتذرون إلا بباطل كما حكى سبحانه عنهم من قولهم:«وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ» .
(وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) أي ولهم في هذا اليوم الطرد من رحمة الله، ولهم شر ما في الآخرة من العذاب الأليم، والقرار في سواء الجحيم.
ولما بين أنه ينصر الأنبياء والمرسلين في الدنيا والآخرة ذكر نوعا من تلك النصرة فى الدنيا فقال:
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ. هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي ولقد أعطينا موسى من المعجزات والشرائع ما يهتدى به الناس في الدنيا والآخرة، وأنزلنا عليه التوراة هدى لقومه، فتوارثوها خلفا عن سلف وصارت هداية لهم وتذكرة لأولى العقول السليمة التي بعدت من شوائب التقليد والوهم.
وبعد أن بين سبحانه أنه ينصر رسله والمؤمنين وضرب لذلك مثلا بحال موسى خاطب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله:
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) أي فاصبر أيها الرسول لأمر ربك، وبلّغ قومك ومن أمرت بإبلاغه ما أنزل إليك، وأيقن بأن الله منجز وعده، وناصرك وناصر من صدقك وآمن بك، على من كذبك
وأنكر ما جئت به من عند ربك، وسل ربك غفران ذنبك وعفوه عنك، وصلّ شكرا له طرفى النهار كما جاء في الآية الأخرى:«وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ» .
وقد يكون المراد من ذلك المواظبة على ذكر الله وألا يفتر اللسان عنه، ولا يغفل القلب حتى يدخل في زمرة الملائكة الذين قال سبحانه في وصفهم:«يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ» .
ولما ابتدأ عزّ اسمه بالرد على الذين يجادلون في آيات الله واتصل الكلام بعضه ببعض على النسق المتقدم، نبه هنا إلى السبب الذي يحملهم على تلك المجادلة فقال:
(إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) أي إن الذين يخاصمونك أيها الرسول فيما أتيتهم به من عند ربك من الآيات بغير حجة- ما يحملهم على هذا الجدل إلا كبر في صدورهم يمنعهم عن اتباعك وعن قبول الحق الذي جئتهم به، إذ لو سلموا بنبوتك لزمهم أن يكونوا تحت لوائك وطوع أمرك ونهيك، لأن النبوة ملك ورياسة، وهم في صدورهم كبر لا يرضون معه أن يكونوا فى خدمتك، وما هم ببالغي موجب الكبر وهو دفع الرياسة والنبوة عنك، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وليس ذلك بالذي يدرك بالأمانى.
والخلاصة- إنه ما يحملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر والحسد لك، وما هم ببالغي إرادتهم فيه، فإن الله قد أذلهم.
ثم أمر رسوله أن يستعيذ من هؤلاء المجادلين المستكبرين، فيقيه من أذاهم وشرهم ويكلؤه ويحفظه منهم فقال:
(فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي فالتجىء إلى الله تعالى في دفع كيد من يشنؤك ويبغى عليك، فهو السميع لأفوالهم، البصير بأفعالهم، لا يخفى عليه شىء منها.