الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: في موضع نزولها
وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّها نزلت بمكَّة، نُقل عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ وأبي هريرة والأكثرين، حتى قال أبو ميسرة: هي أوَّل سورة نزلت من القرآن بمكَّة، وأنَّها ابتدئت بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» . خرجه البيهقي في «الدلائل» (1).
وقيل: أول ما نزل: «بسم الله الرحمن الرحيم» منفردة، قال الفخر الخطيب (2): وهو قول الأكثرين من الذين قالوا: لم تنزل «المدثر» و «اقرأ» أولا (3). ونقله في موضع آخر عن ابن
(1) لم أقف عليه بهذا السياق عند البيهقي، وهو عند غيره، وانظر:«دلائل النبوة» له (2/ 158).
(2)
هو الرازي، والمعروف أنه يلقب:(بابن الخطيب) أو (ابن خطيب الري).
(3)
انظر: "مفاتيح الغيب"(1/ 147).
عبَّاسٍ (1).
وقيل: أول ما نزل: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] ، كما جاء في حديث جابر الصحيح (2).
وقيل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ، وهذا هو الصحيح، فإنه لما أنزل عليه:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} رجع فتدثر، فنزل:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} .
والقول الثاني في موضع نزول الفاتحة: أنها أُنزلت بالمدينة. قاله جماعة، منهم مجاهد، روى منصور عن مجاهد قال: إن إبليس رنَّ أربعَ رنَّاتٍ: حين لُعِنَ، وحين أُهبط من الجنَّة، وحين بُعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وحين أُنزلت فاتحة الكتابِ، وأُنزلت بالمدينة.
وروى الطَّبرانيُّ في «الأوسط» : حدثنا عُبيد بن غنَّام ثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ ثنا أبو الأَحْوَصِ عن منصورٍ عن مجاهدٍ عن أبي هريرة أنَّ إبليسَ رنَّ حين أُنزلت فاتحةُ الكتابِ، وأُنزلت بالمدينة.
وقال: لم يروه عن منصور إلا أبو الأحوص، تفرّد به أبو بكر بن أبي شيبة (3).
(1) انظر: "مفاتيح الغيب"(1/ 147).
(2)
«صحيح البخاري» (8/ 676 - 677 - رقم: 4922).
(3)
«المعجم الأوسط» (5/ 100 - رقم: 4788).
ورواه سفيان وغيره عن منصور ووقفُوه على مجاهدٍ.
والقول الثالث: أنَّها أُنزلت مرَّةً بمكَّة، ومرَّةً بالمدينة، فهي مكِّيَّةٌ مدنيَّةٌ.
وحَكَى أبو الليث أنَّ نصفَهَا نزل بالمدينة، ونصفَهَا بمكَّة (1).
وقيل: نزلت بين مكَّة والمدينة.
والصحيح أنَّها أُنزلت بمكَّة، فإنَّ «سورة الحِجْر» مكِّيَّةٌ بالاتفاق، وقد أنزل الله فيها:{وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87] ، وقد فسَّرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالفاتحة، فعُلم أنَّ نزولهَا متقدمٌ على نزول «الحِجْر» ، وأيضًا فإنَّ الصَّلاةَ فُرضت بمكَّة، ولم يُنقل أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه صلَّوا صلاةً بغير فاتحة الكتاب أصلاً، فدلَّ على أنَّ نزولهَا كان بمكَّةَ.
وأمَّا الرِّواية بأنَّها أوَّلُ سورةٍ أُنزلت من القرآن فالأحاديث الصَّحيحة تردُّه.
* * *
(1)"بحر العلوم"(1/ 39).