المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الصلاة على الجنازة - تلخيص أحكام الجنائز

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌ الصلاة على الجنازة

13-

‌ الصلاة على الجنازة

.

58 -

والصلاة على الميت المسلم فرض كفاية لأمره صلى الله عليه وسلم بها في أحاديث أذكر منها حديث زيد بن خالد الجهني:

صحيح أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله فقال:

"صلوا على صاحبكم" فتغيرت وجوه الناس لذلك قال:

"إن صاحبكم غل في سبيل الله".

ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين

59 -

ويستثنى من ذلك شخصان فلا تجب الصلاة عليهما:

الأول: الطفل الذي لم يبلغ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ابنه إبراهيم عليه السلام قالت عائشة رضي الله عنها:

مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثاني: الشهيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد وغيرهم كما سبق.

ولكن ذلك لا ينفي مشروعية الصلاة عليهما بدون وجوب كما يأتي في المسألة التالية:

60 -

وتشرع الصلاة على من يأتي ذكرهم:

الأول: الطفل: ولو كان سقطا وهو الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم المسألة 51:

0000والطفل وفي رواية: السقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة. والظاهر أن السقط إنما يصلى عليه إذا كان قد نفخت فيه الروح. وذلك إذا استكمل أربعة أشهر ثم مات فأما إذا سقط قبل ذلك فلا.

ص: 44

لأنه ليس بميت كما لا يخفى. وأصل ذلك حديث عبد اله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا. . . ينفخ فيه الروح".

الثاني: الشهيد وفيه أحاديث كثيرة أكتفي بذكر بعضها:

1 -

حسن عن عبد الله بن الزبير:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد بحمزة فسجي ببردة ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات ثم أتي بالقتلى يصفون ويصلي عليهم وعليه معهم

2 -

عن عقبة بن عامر الجهني:

أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم انصرف إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال:

"إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإن موعدكم الحوض وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم".

قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثالث: من قتل في حد من حدود الله لحديث عامر بن حصين:

أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت: يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال:

"أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها. ففعل فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر: تصلي

ص: 45

عليها يا نبي الله وقد زنت؟ فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟ "

الرابع: الفاجر المنبعث في المعاصي والمحارم مثل تارك الصلاة والزكاة مع اعترافه بوجوبهما والزاني ومدمن الخمر ونحوهم من الفساق فإنه يصلى عليهم إلا أنه ينبغي لأهل العلم والدين أن يدعوا الصلاة عليهم عقوبة وتأديبا لأمثالهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك أحاديث أذكر أحدها:

عن أبي قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي لجنازة سأل عنها فإن أثني عليها خير قام فصلى عليها وإن أثني عليها غير ذلك قال لأهلها: "شأنكم بها ولم يصلي عليها".

الخامس: المدين الذي لم يترك من المال ما يقضي به دينه فإنه يصلى عليه وإنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه في أول الأمر وفيه أحاديث:

1 -

عن سلمة بن الأكوع قال:

كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا: صل عليها فقال: هل عليه دين؟ قالوا: لا. قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: لا فصلى عليه.

ثم أتي بجنازة أخرى فقالوا: يا رسول الله صل عليها قال: هل عليه دين؟ قيل: نعم قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: ثلاثة دنانير قال: فقال بأصابعه: ثلاث كيات فصلى عليها.

ثم أتي بالثالثة فقالوا: صل عليه قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا قال: هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير قال: صلوا على صاحبكم. قال رجل من الأنصار يقال له أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلي دينه.

2 -

عن أبي هريرة:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين فيسأل: هل ترك من قضاء؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه وإلا فلا: قال: "صلوا على

ص: 46

صاحبكم". فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم في الدنيا والآخرة اقرؤوا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فمن توفي وعليه دين ولم يترك وفاء فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فهو لورثته.

السادس: من دفن قبل أن يصلى عليه أو صلى عليه بعضهم دون بعض فيصلون عليه وهو في قبره على أن يكون الإمام في الصورة الثانية ممن لم يكن صلى عليه. وفي ذلك أحاديث أجتزئ هنا بواحد منها:

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:

صحيح مات رجل - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده - فدفنوه بالليل فلما أصبح أعلموه فقال: ما منعكم أن تعلموني؟ قالوا: كان الليل وكانت الظلمة فكرهنا أن نشق عليك. فأتى قبره فصلى عليه قال: فأمنا وصفنا خلفه وأنا فيهم وكبر أربعا.

السابع: من مات في بلد ليس فيها من يصلي عليه صلاة الحاضر فهذا يصلي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي.

وقد رواها جماعة من أصحابه صلى الله عليه وسلم يزيد بعضهم على بعض وقد جمعت أحاديثهم فيها ثم سقتها في سياق واحد تقريبا للفائدة والسياق لحديث أبي هريرة:

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس وهو بالمدينة النجاشي أصحمة صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه قال: إن أخا لكم قد مات وفي رواية: مات اليوم عبد لله صالح بغير أرضكم فقوموا فصلوا عليه. قالوا: من هو؟ قال: النجاشي وقال: استغفروا لأخيكم.

قال: فخرج بهم إلى المصلى وفي رواية: البقيع ثم تقدم فصفوا خلفه صفين قال: فصففنا خلفه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت وما نحسب الجنازة إلا موضوعة بين يديه قال: فأمنا وصلى عليه وكبر عليه أربع تكبيرات فقيل: يا رسول الله تصلي على

ص: 47

عبد حبشي؟ فأنزل الله عز وجل:؟ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله. . .؟ الآية

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد 1 / 205 / 206:

ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم وسنته الصلاة على كل ميت غائب فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غيب فلم يصل عليهم وصح أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت.

ومما يؤيد عدم مشروعية الصلاة على كل غائب أنه لما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم لم يصل أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب ولو فعلوا لتواتر النقل بذلك عنهم.

فقابل هذا بما عليه كثير من المسلمين اليوم من الصلاة على كل غائب لا سيما إذا كان له ذكر أو صيت ولو من الناحية السياسية فقط ولا يعرف بصلاح أو خدمة للإسلام ولو كان مات في الحرم المكي وصلى عليه الآلاف المؤلفة في موسم الحج صلاة الحاضر قابل ما ذكرنا بمثل هذه الصلاة تعلم يقينا أن ذلك من البدع التي لا يمتري فيها عالم بسنته صلى الله عليه وسلم ومذهب السلف رضي الله عنهم.

61 -

وتحرم الصلاة والاستغفار والترحم على الكفار والمنافقين1 لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} .

ولحديث علي رضي الله عنه قال:

سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهم مشركان فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: أليس قد استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك؟ قال: فذكرت ذلك

1 هم الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام وإنما يتبين كفرهم بما يترشح من كلماتهم من الغمز في بعض أحكام الشريعة واستهجانها وزعمهم أنها مخالفة للعقل والذوق وقد أشار إلى هذه الحقيقة ربنا تبارك وتعالى في قوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} وأمثال هؤلاء المنافقين كثير في عصرنا والله المستعان.

ص: 48

للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} .

قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع 5 / 144، 258:

الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة حرام بنص القرآن والإجماع.

قلت: ومن ذلك تعلم خطأ بعض المسلمين اليوم في الترحم والترضي على بعض الكفار ويكثر ذلك من بعض أصحاب الجرائد والمجلات ولقد سمعت أحد رؤساء العرب المعروفين بالتدين يترحم على ستالين الشيوعي الذي هو ومذهبه من أشد وألد الأعداء على الدين وذلك في كلمة ألقاها لرئيس المشار إليه بمناسبة وفاة المذكور أذيعت بالراديو ولا عجب من هذا فقد يخفى عليه مثل هذا الحكم ولكن العجب من بعض الدعاة المسلمين أن يقع في مثل ذلك حيث قال في رسالة له: رحم الله برناردشو. . وأخبرني بعض الثقات عن أحد المشايخ أنه كان يصلي على من مات من الإسماعيلية مع اعتقاده أنهم غير مسلمين. لأنهم لا يرون الصلاة ولا الحج ويعبدون البشر ومع ذلك كان يصلي عليهم نفاقا ومداهنة لهم. فإلى الله المشتكى وهو المستعان.

62 -

وتجب الجماعة في صلاة الجنازة كما تجب في الصلوات المكتوبة بدليلين:

الأول: مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليها:

الآخر: قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي".

ولا يعكر على ما ذكرنا صلاة الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم فرادى لم يؤمهم أحد لأنها قضية خاصة لا يدرى وجهها فلا يجوز من أجلها أن نترك ما واظب عليه.

ص: 49

صلى الله عليه وسلم طيلة حياته المباركة لا سيما والقضية المذكورة لم ترد بإسناد صحيح تقوم به الحجة وإن كانت رويت من طرق يقوي بعضها بعضا فإن أمكن الجمع بينها وبين ما ذكرنا من هديه صلى الله عليه وسلم في التجميع في الجنازة فبها وإلا فهديه هو المقدم لأنه أثبت وأهدى. فإن صلوا عليها فرادى سقط الفرض وأثموا بترك الجماعة والله أعلم.

قال النووي في المجموع 5 / 314:

تجوز صلاة الجنازة فرادى بلا خلاف والسنة أن تصلى جماعة للأحاديث المشهورة في الصحيح في ذلك مع إجماع المسلمين.

63 -

وأقل ما ورد في انعقاد الجماعة فيها ثلاثة ففي حديث عبد الله بن أبي طلحة:

أن طلحة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمير بن أبي طلحة حين توفي فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه في منزلهم فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو طلحة وراءه وأم سليم وراء أبي طلحة ولم يكن معهم غيرهم.

64 -

وكلما كثر الجمع كان أفضل للميت وأنفع لقوله صلى الله عليه وسلم:

"ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه". وفي حديث آخر: "غفر له".

وقد يغفر للميت ولو كان العدد أقل من مائة إذا كانوا مسلمين لم يخالط توحيدهم شيء من الشرك لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه".

65 -

ويستحب أن يصفوا وراء الإمام ثلاثة صفوف فصاعدا لحديثين رويا في ذلك تتقوى المسألة بمجموعهما فراجعهما في الأصل.

ص: 50

66 -

وإذا لم يوجد مع الإمام غير رجل واحد فإنه لا يقف حذاءه كما هو السنة في سائر الصلوات بل يقف خلف الإمام للحديث المتقدم في المسألة 63.

67 -

والوالي أو نائبه أحق بالإمامة فيها من الولي لحديث أبي حازم قال:

إني لشاهد يوم مات الحسن بن علي فرأيت الحسين بن علي يقول لسعيد ابن العاص ويطعن في عنقه ويقول: تقدم فلولا أنها سنة ما قدمتك وسعيد أمير على المدينة يومئذ وكان بينهم شيء.

68 -

فإن لم يحضر الوالي أو نائبه فالأحق بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله ثم على الترتيب الذي ورد ذكره في قوله صلى الله عليه وسلم:

"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدهم سلما ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلى إلا بإذنه".

ويؤمهم الأقرأ ولو كان غلاما لم يبلغ الحلم لحديث عمرو بن سلمة:

أنهم يعني قومه وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فلما أرادوا أن ينصرفوا قالوا: يا رسول الله من يؤمنا؟ قال: أكثركم جمعا للقرآن أو أخذا للقرآن فلم يكن أحد من القوم جمع ما جمعت فقدموني وأنا غلام وعلي شملة لي. قال: فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومنا هذا.

69 -

وإذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء صلي عليها صلاة واحدة وجعلت الذكور - ولو كانوا صغارا - مما يلي الإمام وجنائز الإناث مما يلي القبلة فإنه السنة كما قال نافع عن ابن عمر:

أنه صلى1 على تسع جنائز جميعا فجعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة فصفهن صفا واحدا ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن

1 قلت: يعني إماما كما يدل عليه السياق وصرح بذلك البيهقي في رواية له ولا يعارض هذا قوله فيما بعد والإمام يومئذ سعيد بن العاص لأن المراد أنه كان هو الأمير.

ص: 51

الخطاب وابن لها يقال له: زيد وضعا جميعا والإمام يومئذ سعيد بن العاص وفي الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة فوضع الغلام مما يلي الإمام فقال رجل: فأنكرت ذلك فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة فقلت: ما هذا؟ قالوا: هي السنة.

70 -

ويجوز أن يصلي على كل واحدة من الجنائز صلاة لأنه الأصل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في شهداء أحد كما تقدم في المسألة 60 / 1.

71 -

وتجوز الصلاة على الجنازة في المسجد لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:

صحيح لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقف به على حجرهن يصلين عليه أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد. فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا هذه بدعة ما كانت الجنائز يدخل بها إلى المسجد فبلغ ذلك عائشة فقالت: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد والله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء وأخيه إلا في جوف المسجد.

72 -

لكن الأفضل الصلاة عليها خارج المسجد في مكان معد للصلاة على الجنائز كما كان الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الغالب على هديه فيها وفي ذلك أحاديث مذكورة في الأصل منها صلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي في المصلى قرب البقيع كما تقدم في المسألة 60 / 7.

ومنها حديث: أن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة زنيا فأمر بهما فرجما قريبا من موضع الجنائز عند المسجد.

ص: 52

قال الحافظ في الفتح:

إن مصلى الجنائز كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية جهة المشرق.

وقال في موضع آخر 12 - 108:

والمصلى الذي كان يصلى عنده العيد والجنائز هو من ناحية بقيع الغرقد.

73 -

ولا تجوز الصلاة عليها بين القبور لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه:

أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور.

وعنه أيضا:

"كان يكره أن يبنى مسجد بين القبور".

ويشهد للحديث ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن اتخاذ القبور مساجد وقد ذكرت ما ورد ي ذلك في أول كتابي تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد وسأذكر بعضها في المسألة 126 فقرة 9.

74 -

ويقف الإمام وراء رأس الرجل ووسط المرأة وفيه حديثان أجمعهما حديث أبي غالب الخياط قال:

صحيح شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه وفي رواية رأس السرير فلما رفع أتي بجنازة امرأة من قريش أو من الأنصار فقيل له: يا أبا حمزة هذه جنازة فلانة ابنة فلان فصل عليها فصلى عليها فقام وسطها وفي رواية عند عجيزتها وعليها نعش أخضر وفينا العلاء بن زياد العدوي1 فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة قال: يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حيث قمت ومن المرأة حيث قمت؟ قال: نعم قال: فالتفت إلينا العلاء فقال: احفظوا.

1 كتبه أبو نصر وهو من ثقات التابعين وكان من عباد أهل البصرة وقرائهم مات سنة أربع وتسعين.

ص: 53