المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ الدفن وتوابعه

14 -

‌ الدفن وتوابعه

.

88 -

ويجب دفن الميت ولو كان كافرا وفي ذلك حديثان:

الأول: عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو طلحة الأنصاري والسياق له:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فجروا بأرجلهم فقذفوا في طوى1 من أطواء بدر خبيث مخبث بعضهم على بعض إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأها فذهبوا يحركووه فتزايل2 فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة. . .

الحديث.

الثاني: عن علي رضي الله عنه قال:

لما توفي أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك الشيخ الضال قد مات فمن يواريه؟ قال: اذهب فواره ثم لا تحدث شيئا حتى تأتيني فقال: إنه مات مشركا فقال اذهب فواره قال: فواريته ثم أتيته قال: اذهب فاغتسل ثم لا تحدث شيئا حتى تأتيني قال: فاغتسلت ثم أتيته قال: فدعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بها حمر النعم وسودها. قال: وكان علي إذا غسل الميت اغتسل.

89 -

ولا يدفن مسلم مع كافر ولا كافر مع مسلم بل يدفن المسلم في مقابر المسلمين والكافر مقابر المشركين. كذلك كان الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم واستمر إلى عصرنا هذا ومن الأدلة على ذلك حديث بشير بن الخصاصية قال:

بينما أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بيده فقال: يا ابن الخصاصية ما

1 هي البئر التي طويت وثبتت بالحجارة لتثبت ولا تنهار.

2 أي تفسخ وتفرقت أجزاؤه.

ص: 58

أصبحت تنقم على الله1؟ أصبحت تماشي رسول الله قال: أحسبه قال: آخذا بيده فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما أصبحت أنقم على الله شيئا كل خير فعل بي الله فأتى على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء بخير كثير وفي رواية: خيرا كثيرا ثلاث مرات ثم أتى على قبور المسلمين فقال: لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا ثلاث مرات.

فبينما هو يمشي إذ حانت منه نظرة فإذا هو برجل يمشي بين القبور عليه نعلان فقال: يا صاحب السبتيتين ويحك ألقي سبتيتيك فنظر فلما عرف الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه فرما بهما.

وإن مما يؤكد ذلك تفريق الشارع الحكيم بين ما يقوله المؤمن إذا زار قبور المسلمين وما يقوله إذا مر بمقابر الكافرين كما يأتي بيانه قريبا في زيارة القبور.

90 -

والسنة الدفن في المقبرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن الموتى في مقبرة البقيع كما تواترت الأخبار بذلك وتقدم بعضها في مناسبات شتى أقربها حديث ابن الخصاصية الذي سقته في المسألة السابقة. ولم ينقل عن أحد من السلف أنه دفن في غير المقبرة إلا ما تواتر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرته وذلك من خصوصياته عليه الصلاة والسلام كما دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها: قالت:

لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته قال:

ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه فدفنوه في موضع فراشه.

1 إنما قال له عليه السلام هذا لأن بشيرا رضي الله عنه كان أظهر شيئا من التضجر بسبب بعده عن دار قومه فقد روى الطبراني في الكبير 1236 والأوسط عن بشير نفسه قال:

أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فلحقته بالبقيع فسمعته يقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين وانقطع شسعي فقال: أنعش قدمك فقلت يا رسول الله طالت عزوبتي ونأيت عن دار قومي فقال: يا بشير ألا تحمد الله الذي أخذ بناصيتك من بين ربيعة قوم يرون لولاهم انكفت الأرض بمن عليها قال الهيثمي في المجمع 3/60: ورجاله ثقات قلت: وفيه نظر.

ص: 59

91 -

ويستثنى مما سبق من مات من الشهداء في المعركة فإنهم يدفنون في مواطن استشهادهم ولا ينقلون إلى المقابر لحديث جابر رضي الله عنه قال:

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى المشركين ليقاتلهم وقال أبي عبد الله: يا جابر بن عبد الله لا عليك أن تكون في نظاري أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا فإني والله لولا أني أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تقتل بين يدي قال: فبينما أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا - إذ لحق رجل ينادي: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها حيث قتلت فرجعنا بهما فدفناهما حيث قتلا.

92 -

ولا يجوز الدفن في الأحوال الآتية إلا لضرورة:

أ - الدفن في الأوقات الثلاثة لحديث عقبة بن عامر المتقدم في المسألة 87 بلفظ:

ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا. . الحديث.

ب - في الليل لحديث جابر رضي الله عنه:

". . . فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه"1 إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك". وقد سبق بتمامه في المسألة 35.

93 -

فإن اضطروا لدفنه ليلا جاز ولو مع استعمال المصباح والنزول به في القبر لتسهيل عملية الدفن والدليل حديث ابن عباس:

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل رجلا قبره ليلا وأسرج في قبره".

1 أي نهارا لأنه مظنة كثرة الجماعة.

ص: 60

94 -

ويجب إعماق القبر وتوسيعه وتحسينه وفيه حديثان:

الأول: عن هشام بن عامر قال:

لما كان يوم أحد أصيب من أصيب من المسلمين وأصاب الناس جراحات فقلنا: يا رسول الله الحفر علينا لكل إنسان شديد فكيف تأمرنا فقال:

"احفروا وأوسعوا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر وقدموا أكثرهم قرآنا.

قال: فكان أبي ثالث ثلاثة وكان أكثرهم قرآنا فقدم".

الثاني: عن رجل من الأنصار قال:

خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار وأنا غلام مع أبي فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفيرة القبر فجعل يوصي وفي رواية يومئ إلى الحافر ويقول:

أوسع من قبل الرأس وأوسع من قبل الرجلين لرب عذق له في الجنة1.

95 -

ويجوز في القبر اللحد2 والشق لجريان العمل عليهما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الأول أفضل وفي ذلك أحاديث أذكر اثنين منها:

الأول: عن أنس بن مالك قال:

لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجل يلحد وآخر يضرح فقالوا: نستخير ربنا ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم.

1 قلت: وظاهر الأمر في الحديثين يفيد وجوب ما ذكر فيهما من الإعماق والتوسعة والإحسان والمعروف عن الشافعية وغيرهم استحباب الإعماق وأما ابن حزم فقد صرح في المحلى 5/116. بفرضيته واختلفوا في حد الإعماق على أقوال تراها في المجموع أو غيره.

2 بفتح اللام وبالضم وسكون الحاء هو الشق في عرض القبر من جهة القبلة والشق هو الضريح وهو أن يحفر على أسفل كالنهر.

ص: 61

الثاني: عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"اللحد لنا والشق لغيرنا".

96 -

ولا بأس من أن يدفن فيه اثنان أو أكثر عند الضرورة ويقدم أفضلهم وفيه أحاديث تقدم منها حديث أنس في المسألة 37 وحديث هشام بن عامر في المسألة 100.

97 -

ويتولى إنزال الميت ولو كان أنثى الرجال دون النساء لأمور:

الأول: أنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم ويأتي فيه حديث أنس في المسألة 99.

الثاني: أن الرجال أقوى على ذلك.

الثالث: لو تولته النساء أفضى ذلك إلى انكشاف شيء من أبدانهن أمام الأجانب وهو غير جائز.

98 -

وأولياء الميت أحق بإنزاله لعموم قوله تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ1 بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} . ولحديث علي رضي الله عنه قال:

صحيح غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا وكان طيبا حيا وميتا وولي دفنه وإجنانه دون الناس أربعة: علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحد لرسول الله لحدا ونصب عليه اللبن نصبا.

وعن عبد الرحمن بن أبزى قال:

صليت مع عمر بن الخطاب على زينب بنت جحش في المدينة فكبر أربعا ثم أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: من يأمرن أن يدخلها القبر؟ قال: وكان يعجبه أن يكون هو الذي يلي ذلك فأرسلن إليه: انظر من كان يراها في حال حياتها فليكن هو الذي يدخلها القبر. فقال عمر: صدقتن.

1 وهم الأب وآباؤه والابن وأبناؤه ثم الإخوة الأشقاء ثم الذين للأب ثم بنوهم ثم الأعمام للأب والأم ثم للأب ثم بنوهم ثم كل ذي رحم محرمة كذا في المحلى 5/143. ونحوه في المجموع 5/290.

ص: 62

99 -

ويجوز للزوج أن يتولى بنفسه دفن زوجته لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:

دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي الذي بدئ فيه فقلت: وارأساه فقال: وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنتك. قالت: فقلت: غيرى: كأني بك في ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك قال: وأنا وارأساه ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن: أنا أولى ويأبى الله عز وجل والمؤمنون إلا أبا بكر.

100 -

لكن ذلك مشروط بما إذا كان لم يطأ تلك الليلة وإلا م يشرع له دفنها وكان غيره هو الأولى بدفنها ولو أجنبيا بالشرط المذكور لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان. ثم قال: هل منكم من رجل لم يقارف الليلة أهله؟ فقال أبو طلحة: نعم: أنا يا رسول الله قال: فانزل. قال: فنزل في قبرها فقبرها1.

101 -

والسنة إدخال الميت مؤخر القبر لحديث أبي إسحاق قال:

أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر وقال: هذا من السنة.

وعن ابن سيرين قال:

كنت مع أنس في جنازة فأمر بالميت فسل من قبل رجل القبر.

1 قلت: والحديث ظاهر الدلالة على ما ترجمنا له وبه قال ابن حزم رحمه الله 5/144- 145، ومن الغرائب أن عامة كتب الفقه التي كنت وقفت عليها أو راجعتها بهذه المناسبة لم تتعرض لهذه المسألة لا نفيا ولا إثباتا وهذا دليل من أدلة كثيرة على أنه لا غنى للفقيه عن كتب السنة خلافا لما يظنه المتعصبة للمذاهب أن كتب الفقه تغني عن كتب الحديث بل وعن كتاب الله تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

أنظر سلسلة الأحاديث الصحيحة ج 1. ص 128- 129، طبع المكتب الإسلامي.

ص: 63

102 -

ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين ووجه قبالة القبلة ورأسه ورجلاه إلى يمين القبلة ويسارها على هذا جرى عمل أهل الإسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وهكذا كل مقبرة على ظهر الأرض.

كذا في المحلى 5 / 173 وغيره.

103 -

ويقول الذي يضعه في لحده:

بسم الله وعلى سنة رسول الله أو: ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أو يقول:

بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أمر بذلك كله صلى الله عليه وسلم.

104 -

ويستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعا بعد الفراغ من سد اللحد لحديث أبي هريرة:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتي بالميت فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثا.

105 -

ويسن بعد الفراغ من دفنه أمور:

الأول: أن يرفع القبر عن الأرض قليلا نحو شبر ولا يسوى بالأرض ليتميز فيصان ولا يهان لحديث جابر رضي الله عنه:

أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له لحد ونصب عليه اللبن نصبا ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر

الثاني: أن يجعل مسنما لحديث سفيان التمار قال:

رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وعمر مسنما

الثالث: أن يعلمه بحجر أو نحوه ليدفن إليه من يموت من أهله لحديث المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه قال:

لما مات عثمان بن مظعن أخرج بجنازته فدفن أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن

ص: 64

يأتيه بحجر فلم يستطع حمله فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعيه قال المطلب: قال الذي يخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال: أتعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي.

الرابع: أن لا يلقن الميت التلقين المعروف اليوم لأن الحديث الوارد فيه لا يصح بل يقف على القبر يدعو له بالتثبيت ويستغفر له ويأمر الحاضرين بذلك لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم وسلو له التثبيت فإنه الآن يسأل".

106 -

ويجوز الجلوس عنده أثناء الدفن بقصد تذكير الحاضرين بالموت وما بعده لحديث البراء بن عازب لا بأس من ذكره على طوله لما فيه من الرغبة والرهبة والموعظة قال:

خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض فجعل ينظر إلى الأرض وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثا فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا ثم قال اللهم إني أعوذ من عذاب القبر ثلاثا ثم قال:

إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة وفي رواية المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها وفي رواية حتى إذا خرج روحه صلى عليه

ص: 65

كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء وفتحت له أبواب السماء ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط فذلك قوله تعالى: توفته رسلنا وهم لا يفرطون ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها فلا يمرون يعني بها على ملإ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون فيكتب كتابه في علييين ثم قال: أعيدوه إلى الأرض فإني وعتهم إني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فيرد إلى الأرض وتعاد روحه في جسده قال فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولا عنه مدبرين فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه.

فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله.

فيقولان له: ما دينك فيقول: ديني الإسلام.

فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم

فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينتهره فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ ما نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن فذلك حين يقول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم فينادي مناد في السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من

ص: 66

الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره.

قال: وفي رواية يمثل له رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك أبشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له: وأنت فبشرك الله بخير من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في طاعة الله بطيئا في معصية الله فجزاك الله خيرا ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال هذا منزلك لو عصيت الله أبدلك الله به هذا فإذا رأى ما في الجنة فيقول: رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي فيقال له: اسكن قال:

وإن العبد الكافر وفي رواية: الفاجر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة غلاظ شداد سود الوجوه معهم المسوح1 من النار فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب قال فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول فتقطع معها العروق والعصب فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء وتغلق أبواب السماء ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملإ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان - بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله

1 جمع المسح بكسر الميم وهو ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للبدن.

ص: 67

صلى الله عليه وسلم: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} 1 فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض فغني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتطرح روحه من السماء طرحا حتى تقع في جسده ثم قرأ {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} فتعاد روحه في جسده قال: فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولو عنه.

ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه2 لا أدري فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري فيقولان له: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه فيقال: محمد فيقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون ذاك قال: فيقال: لا دريت ولا تلوت فينادي مناد من السماء أن كذب فافرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه وفي رواية: ويمثل له رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: وأنت فبشرك لله بالشر من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث فوالله ما علمت إلا كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا إلى معصية الله فجزآك الله شرا ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا فيضربه ضربة حتى يصير ترابا ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء

1 أي ثقب الإبرة والجمل هو الحيوان المعروف وهو ما أتى عليه تسع سنوات.

2 هي كلمة تقال في الضحك وفي الإيعاد وقد تقال للتوجع وهو أليق بمعنى الحديث والله أعلم كذا في الترغيب.

ص: 68

إلا الثقلين ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار فيقول: رب لا تقم الساعة.

107 -

ويجوز إخراج الميت من القبر لغرض صحيح كما لو دفن قبل غسله وتكفينه ونحو ذلك لحديث جابر بن عبد الله قال: صحيح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه. قال جابر: وصلى عليه فالله أعلم1 وكان كسا عباسا قميصا.

108 -

ولا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك وهو ولا أصحابه والعبد لا يدري أين يموت وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت فهذا يكون من العمل الصالح.

كذا في الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى

1يعني بالحكمة التي من أجلها فعل ذلك صلى الله عليه وسلم بابن أبي مع كونه كان منافقا والظاهر أن هذا كان قبل نزول قوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} الآية.

ص: 69