المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ غسل الميت

10-

‌ غسل الميت

28 -

فإذا مات الميت وجب على طائفة من الناس أن يبادروا إلى غسله أما المبادرة فقد سبق دليلها في الفصل الثالث المسألة 17 الفقرة هـ وأما وجوب الغسل فلأمره صلى الله عليه وسلم به في غير ما حديث:

الأول: قوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته ناقته:

اغسلوه بماء وسدر. . . الحديث. وقد مضى بتمامه في المسألة المشار إليها فقرة د

الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم في ابنته زينب رضي الله عنها:

اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا. . . أو أكثر من ذلك. . . الحديث

ويأتي بتمامه في المسألة التالية

29 -

ويراعى في غسله الأمور الآتية:

أولا: غسله ثلاثا فأكثر على ما يرى القائمون على غسله.

ثانيا: أن تكون الغسلات وترا.

ثالثا: أن يقرن مع بعضها سدر أو ما يقوم مقامه في التنظيف كالأشنان والصابون.

رابعا: أن يخلط مع آخر غسلة منها شيء من الطيب والكافور أولى.

خامسا: نقض الضفائر وغسلها جيدا.

سادسا: تسريح شعره.

سابعا: جعله ثلاث ضفائر للمرأة وإلقاؤها خلفها.

ثامنا: البدء بميامنه ومواضع الوضوء منه.

تاسعا: أن يتولى غسل الذكر الرجال والأنثى النساء إلا ما استثنى كما يأتي بيانه.

ص: 28

والدليل على هذه الأمور حديث أم عطية رضي الله عنها قالت:

صحيح دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته زينب فقال:

اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك. قالت: قلت: وترا؟ قال:

نعم واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني. فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه1 فقال: أشعرنها2 إياه تعني إزاره قالت: ومشطناها ثلاثة قرون وفي رواية نقضنه ثم غسلنه فضفرنا شعرها ثلاثة أثلاث: قرنيها وناصيتها وألقيناها خلفها قالت: وقال لنا: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها.

عاشرا: أن يغسل بخرقة أو نحوها تحت ساتر لجسمه بعد تجريده من ثيابه كلها فإنه كذلك كان العمل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما يفيد حديث عائشة رضي الله عنها:

لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم.

وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه.

1 أي إزاره قال ابن الأثير والأصل في الحقو معقد الإزار وجمعه أحق وأحقاء ثم سمي بها الإزار للمجاورة.

2 أي اجعلنه شعارها والشعار الثوب الذي يلي الجسد لأنه يلي شعره.

ص: 29

حادي عشر: حسن والغرض من ستر جسمه واستعمال الخرقة أن لا يطلع على عورته ولا تمس وعورة الرجل من السرة إلى الركبة على الصحيح: لقوله صلى الله عليه وسلم:

"ما بين السرة والركبة عورة"1.

صحيح وقوله صلى الله عليه وسلم:

"القخد عورة"2.

وأما المرأة مع المرأة المسلمة - طبعا - فهي عورة إلا مواطن الزينة منها هي الرأس والأذن والنحر وأعلى الصدر: موضع القلادة والذراع مع شيء من العضد: موضع الدملج والقدم وأسفل الساق: موضع الخلخال وما سوى ذلك فعورة لا يجوز للمرأة - كالمحارم - أن تنظر إلى شيء منها ولا أن تبديه لصريح قوله تعالى:

{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ} . . الآية3.

ثاني عشر: ويستثنى مما ذكر في رابعا المحرم فإنه لا يجوز تطييبه لقوله في الحديث الذي سبقت الإشارة إليه قريبا:

لا تحنطوه وفي رواية: ولا تطيبوه. . فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا.

ثالث عشر: ويستثنى أيضا مما ورد في تاسعا الزوجان فغنه يجوزك لكل منهما أن يتولى غسل الآخر إذ لا دليل يمنع منه والأصل الجواز ولا سيما انه مؤيد بحديثين:

الأول: صحيح قول عائشة رضي الله عنها في حديثها المتقدم:

لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي صلى الله عليه وسلم غير نسائه.

1 أنظر تخريجه في إرواء الغليل 269، 271.

2 أنظر تخريجه في إرواء الغليل 269، 271.

3 والقول بأن عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل مما لا أعرف له أصلا بل هو خلاف الآية المذكورة.

ص: 30

الثاني: عنها أيضا قالت:

رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا في رأسي وأقول: وارأساه فقال:

بل أنا وارأساه ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك.

رابع عشر: أن يتولى غسله من كان أعرف بسنة الغسل لا سيما إذا كان من أهله وأقاربه لأن الذين تولوا غسله صلى الله عليه وسلم كانوا كما ذكرنا فقد قال علي رضي الله عنه:

غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا وكان طيبا حيا وميتا صلى الله عليه وسلم.

30 -

ولمن تولى غسله أجر عظيم بشرطين اثنين:

الأول: أن يستر عليه ولا يحدث بما قد يرى من المكروه لقوله صلى الله عليه وسلم:

من غسل مسلما فكتم عليه غفر له الله أربعين مرة ومن حفر له فأجنه أجري عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس واستبرق الجنة.

الثاني: أن يبتغي بذلك وجه الله لا يريد به جزاء ولا شكورا ولا شيئا من أمور الدنيا لما تقرر في الشرع أن الله تبارك وتعالى لا يقبل من العبادات إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة جدا اجتزئ هنا بذكر اثنين منها:

الأول: قوله تبارك وتعالى:

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} . أي: لا يقصد بها غير وجه الله تعالى.

ص: 31

الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم:

"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

31 -

ويستحب لمن غسله أن يغتسل لقوله صلى الله عليه وسلم:

"من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ".

وظاهر الأمر يفيد الوجوب وإنما لم نقل به لحديثين:

الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه فإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم".

الثاني: قول ابن عمر رضي الله عنه:

كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل.

32 -

ولا يشرع غسل الشهيد قتيل المعركة ولو اتفق أنه كان جنبا وفي ذلك أحاديث:

الأول: عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

ادفنوهم في دمائهم يعني يوم أحد ولم يغسلهم. وفي رواية فقال: أنا شهيد على هؤلاء لفوهم في دمائهم فإنه ليس جريح يجرح في الله إلا جاء وجرحه يوم القيامة يدمى لونه لون الدم وريحه ريح المسك وفي رواية: لا تغسلوهم فإن كل جرح يفوح مسكا يوم القيامة ولم يصل عليهم.

الثاني: عن أبي برزه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزى له فأفاء الله عليه فقال لأصحابه:

هل تفقدون من أحد؟ . قالوا: نعم فلانا وفلانا وفلانا. ثم قال:

هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا. قال: لكني أفقد جليبيبا

ص: 32

فاطلبوه. فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قتلهم ثم قتلوه فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عليه فقال:

قتل سبعة ثم قتلوه هذه مني وأنا منه هذا مني وأنا منه قالها مرتين أو ثلاثا ثم قال بذراعيه هكذا فبسطهما قال: فوضعه على ساعديه ليس له سرير إلا ساعدي النبي صلى الله عليه وسلم قال: فحفر له ووضع في قبره. ولم يذكر غسلا.

الثالث: صحيح عن عبد الله بن الزبير في قصة أحد واستشهاد حنظلة بن أبي عامر قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن صاحبكم تغسله الملائكة فاسألوا صاحبته فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهائعة " 1 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لذلك غسلته الملائكة".

1 هي الصوت الذي تفزع عنه وتخاف منه نهاية.

ص: 33