المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة الثالثة عشرة:شبهة التوسل: - جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية - جـ ٣

[شمس الدين الأفغاني]

الفصل: ‌الشبهة الثالثة عشرة:شبهة التوسل:

‌الشبهة الثالثة عشرة:

شبهة التوسل:

وتقرير هذه الشبهة عند القبورية: أن نداء الأموات عند الكربات * والاستغاثة بهم عند الملمات * نوع من أنواع التوسل بالصالحين * الأحياء منهم والمقبورين *

فإذا جاز التوسل بالصالحين أحياء وأمواتاً - جاز طلب المدد منهم والاستغاثة بهم.

هكذا يشركون بالله، ويستغيثون بالأموات عند البليات * تحت ستار التوسلات *.

والجواب:

سيأتي إن شاء الله تعالى في باب التوسل.

الشبهة الرابعة عشرة:

شبهة الكسب والسبب:

تزعم القبورية أنه يجوز الاستغاثة بالصالحين ونداؤهم عند الكربات، وطلب الغوث منهم، على أن الغوث منهم كسباً وتسبباً، ومن الله تعالى خلقاً وإيجاداً.

ص: 1310

والجواب عنها قد سبق بعون الله سبحانه وتعالى.

الشبهة الخامسة عشرة:

شبهة المجاز العقلي:

لقد تسترت القبورية المستغيثين بالأموات عند الكربات، تحت ستار لفظ ((المجاز)) ليخفوا شركهم البواح، فاعتذروا بعذر باطل كذب فاسد عاطل *.

فزعموا أن كل ما نطلبه من الأولياء فإنما نطلبه على سبيل المجاز، وإنما الطلب في الحقيقة من الله تعالى.

وقالوا: إن قول القائل في الاستغاثة بغير الله: أغثني يا رسول الله، فهو من الإسناد المجازي.

وقول القائل للولي: افعل كذا وكذا.

وقول القائل: يا محمد، يا علي، يا عبد القادر، يا أولياء الله، اقض حاجتي، أو اشف مريضي، أو انصرني على عدوي، ونحو ذلك، مجاز في الإسناد.

وقول القائل: نفعني النبي، أو الولي، أو أخذ بيدي، أو أغاثني. وقول القائل: رد علي بصري. ونحو ذلك، إسناد مجازي.

ص: 1311

أما الجواب عنها فقد تقدم بحول الله تعالى وتوفيقه.

الشبهة السادسة عشرة:

شبهة الاستقلال:

تزعم القبورية المستغيثون بالأموات عند الكربات لإخفاء شركهم: أننا لا نعتقد استقلال الأولياء بالنصر والإغاثة وكشف الكربات، وإنما المستقل بذلك هو الله تعالى وحده.

قلت:

الحقيقة أن شبهة الاستقلال وشبهة المجاز، وشبهة الكسب والسبب، وشبهة التوسل، وشبهة الشفاعة، وشبهة الواسطة، ونحوها من الشبهات - كلها شبهة واحدة:

وهي أن القبورية يقولون: إننا لا نعتقد في الأولياء الاستقلال بالتأثير، ولا الخلق والإيجاد، بل نعتقد أن الاستقلال بالتأثير وإيجاد النفع لله تعالى، وإنما نعتقد فيهم أنهم أسباب ووسائل ووسائط، وأنهم شفعاء لنا عند الله تعالى لما لهم من المنزلة الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى.

وقد سبق الجواب عن شبهة الاستقلال.

ص: 1312

وجميع الأجوبة عن هذه الشبهات جواب عن كل شبهة من هذه الشبهات.

الشبهة السابعة عشرة:

شبهة الأحجار والأشجار والأصنام:

تزعم القبورية - معتذرين بعذر باطل * ليخفوا شركهم - بستر عاطل *:

أن مشركي العرب كانوا يعبدون الأحجار، والأشجار، والأصنام، التي لا احترام لها عند الله تعالى، ولم يكونوا يستغيثون بالصالحين، ولم يتشفعوا بهم إلى الله، وأما نحن فنستغيث بالأنبياء، والأولياء، ونتوسل بهم، أحياء وأمواتاً، لما لهم من المكانة العظيمة، والمنزلة الرفيعة عند الله تعالى.

قلت: وهذه من أعظم شبهاتهم، وعامتهم يتشبثون بها.

وقد سبق الجواب عنها، فصارت كأمس الدابر بتوفيق الله تعالى.

الشبهة الثامنة عشرة:

شبهة كفرية، زندقية، إلحادية * حلولية، اتحادية وجودية *.

تعتقد غلاة القبورية جهاراً دون إسرار، ولا حياء من العباد ولا من رب العباد * أن الولي قد يصل إلى درجة، يصل إلى الله، تعالى [عن الأنداد] * بحيث أن الله تعالى إنما يحل فيه فيكون الولي مظهراً من مظاهر الله

ص: 1313

تعالى، أو يكون الولي عين الله تعالى؛ فيكون يد الولي وسمعه وبصره - يد الله وسمعه وبصره؛ فحينئذ طلب المدد من الولي والاستغاثة به - في الحقيقة طلب من الله تعالى واستغاثة به.

وتشبثوا لإثبات هذا الإلحاد والزندقة وجواز الاستغاثة بالأموات، وطلب الغوث والمدد منهم بناء على أن الولي عين الله، أو أن الله حل في الولي - بحديث قدسي:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إن الله قال: (( «من عادى لي ولياًَ فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته - كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش»

ص: 1314

«بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه» ))

) .

ويجدر بي أن أسوق بعض أقوال القبورية في تقرير هذه الشبهة الكفرية الإلحادية، وتشبثهم بهذا الحديث الصحيح بعد تحريفهم له تحريفاً معنوياً، باطنياً، قرمطياً، زندقياً، ليثبتوا الحلول والاتحاد أولاً، ثم يبنوا عليه دعاء الأموات عند الكربات:

1 -

قال ابن جرجيس، أحد أئمة القبورية العراقية (1299هـ) :

(إن الحديث القدسي الوارد في أولياء الله تعالى كما في البخاري:

(( «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها»

)) - مما يدل على أن الطلب من أولياء الله طلب من الله تعالى.) .

2 -

وقال أيضاً: ((والاستعانة بأنبياء الله وأوليائه استعانة بالله في الحقيقة) .

3 -

وقد نقل العلامة شكري الآلوسي عن صوفية عصره كلاماً أصرح من هذا في التشبث بهذا الحديث لجواز الاستعانة بغير الله.

4 -

والصوفية القبورية الملاحدة يستدلون بهذا الحديث ويقولون:

(إن العبد في القرب الأول [أي القرب بالفرائض] يصير جارحة لله

ص: 1315

جل مجده، والله سبحانه نفسه يكون جارحة لعبده في القرب الثاني [أي القرب بالنوافل] ....) .

5 -

ويقول ابن الفارض (632هـ) أحد كبار أئمة الملاحدة الزنادقة الوثنية الاتحادية:

فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن

منادى أجابت من دعاني ولبت)

يعني هذا الغاوي الغوي: إن دعوت الله فقد دعوت الولي، وإن دعوت الولي فقد دعوت الله، لأن الله والولي شيء واحد، ومن خبثه أنه عبر عن الله بالأنثى! .

6 -

وقال ابن عربي (638هـ) تشبثاً بهذا الحديث بعد تحريفه

ص: 1316

تحريفاً قرمطياً * كفرياً اتحادياً وثنياً *:

أخبر محمد صلى الله عليه وسلم عن الحق تعالى:

(بأنه عين السمع، والبصر، واليد، والرجل، واللسان، أي هو عين الحواس) .

ص: 1317

7 -

وقال عبد الكريم الجيلي (832هـ) أحد ملاحدة الصوفية الاتحادية

ص: 1318

مستدلاًَ بهذا الحديث على كفره الاتحادي، محرفاً له تحريفاً قرمطياً إلحادياً:

(وها هو سمع بل لسان أجل بدا

لنا هكذا بالنقل أخبر شارع

فعم قوانا والجوارح كونه

لساناً وسمعاً ثم رجلاً تسارع)

8 -

وهكذا نرى الحلاج إمام هؤلاء الملاحدة الإلحادية * والزنادقة الاتحادية * (309هـ) ينفخ في بوق إلحاده وكير اتحاده قائلاًَ:

(يا عين عين وجودي يا مدى هممي

يا منطقي وعباراتي وإيمائي

يا كل كلي ويا سمعي ويا بصري

يا جملتي وتباعيضي وأجزائي)

9 -

ونقل العلامتان: محمود الآلوسي (1270هـ)، وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ) عن الصوفية قولهم:

(إن الاستغاثة بالأولياء محظورة إلا من عارف يميز بين الحدوث والقدم، فيستغيث بالولي لا من حيث نفسه؛ بل من حيث ظهور الحق فيه، فإن ذلك غير محظور؛ لأنه استغاث بالحق حينئذ) .

ص: 1320

10 -

وقال هؤلاء الملاحدة الحلولية الاتحادية الوثنية - في تحريف قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات:5]، تحريفاً قرمطياً كفرياً حلولياً وثنياً:

(إن المراد بها قلوب الكاملين، فإنهم إذا وصلوا إلى الحق - يتصفوا بصفات الله تعالى، فيرجعوا من تدبير دعوة الحق إلى الخلق) .

11 -

وبعض غلاة القبورية الصوفية الملاحدة الحلولية الاتحادية يزعمون، مستدلين بهذا الحديث بعد تحريفهم له تحريفاً قرمطياً إلحادياً قبورياً وثنياً: أن الولي إذا وصل إلى هذا الحد الذي ذكر في هذا الحديث - يكون مسلوب الاختيار عن نفسه، ويكون في قبضته تعالى، وأن الله تعالى يتصرف بجميع أموره، فحينئذ تضمحل ذاته في ذاته، وصفاته في صفاته، ويغيب عنه كل ما سواه، فلا يرى في الوجود إلا هو، وهذا ما يسمونه الفناء في الله، أي الانسلاخ عن دواعي نفسه.

قلت:

قصدهم بهذه القرمطة الإلحادية أن الولي إذا صار سمع الله وبصره

ص: 1321

ويده -تسلب عنه قواه البشرية، ويعطى القوة الربوبية والألوهية، فيستحق العبادة، ولا سيما الاستغاثة به، فإنه هو الله * أو حل فيه الله *! .

12 -

وإلى هذه يهدف حجة إسلام الجهمية والقبورية والصوفية في آن واحد: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (505هـ) بقوله:

وهل أنا إلا أنت ذاتاً ووحدة

وهل أنت إلا نفس عين هويتي

فصرت إذا وجهت وجهي مصلياً

فرائض أوقاتي فنفسي كعبتي

فصار صيامي لي ونسكي وطاعتي

ونحري وتعريفي وحجي وعمرتي

وحولي طوافي واجب وخلاله است

تلامي لركني من مناسك حجتي

وذكري وتسبيحي وحمدي وقربتي

لنفسي وتقديسي وصفو سريرتي

ولو لم أؤد الفرض مني إلي لم

يصح بوجه لي ولم تبر ذمتي

الجواب:

لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة الإلحادية الزندقية بعدة أجوبة، أذكر منها:

ص: 1322

الجواب الأول:

أن القبورية قد برهنوا بهذه الشبهة كتابة ببنانهم * وشهدوا على أنفسهم إقراراً بلسانهم * بأنهم أهل الحلول والاتحاد * اللذين هما من أقبح أنواع الزندقة، وأشنع أصناف الإلحاد * لأن هذه الشبهة مبنية على الحلول والاتحاد * وهما من أعظم أنواع الكفر، وأقبح الإلحاد * ولكن زندقة الاتحاد أعظم من إلحاد الحلول.

ص: 1323

فالقبورية في التشبث بهذه الشبهة بناء على تحريفهم هذا الحديث الصحيح تحريفاً باطنياً * قرمطياً حلولياً اتحادياً إلحادياً كفرياً وثنياً * لجواز الاستغاثة بالأموات عند الكربات * وعبادتهم أنواعاً من العبادات * - مسايرون للملاحدة الزنادقة الإلحادية * الاتحادية الصوفية الوثنية *:

أمثال: الحلاج (309هـ) .

وابن الفارض (632هـ) .

وابن عربي (638هـ) .

ص: 1324

وابن سبعين (669هـ) .

والقونوي (673هـ) .

والتلمساني (690هـ) .

ص: 1325

وأمثالهم من الذين نعقوا بالزندقة، ونهقوا بالإلحاد * ونقوا بالاتحاد * محرفين لنصوص الكتاب والسنة تحريفاً باطنياً، قرمطياً، لإثبات إلحادهم الاتحادي، ومن تلك النصوص التي حرفوها تحريفاً باطنياً * قرمطياً، إلحادياً، اتحادياً * - هو هذا الحديث الصحيح، ليتذرعوا بذلك إلى عبادة الأموات * والاستغاثة بهم عند الكربات *.

وبعد هذا التمهيد أذكر نصوص علماء الحنفية في عدة مطالب لتحقيق هذا الجواب * وبيان أن القبورية على طريقة الحلولية والاتحادية في هذا الباب *.

****

ص: 1326