الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تذكر أفعال ثم يكنى عنها بلفظ الفعل كما مز تحقيقه في قوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} [سورة البقرة، الآية: 24] وقوله وإن يصبك فسره بالإصابة لأنه لازم معناه، وسترى تحقيقه وفسر الكشف والرذ بالدفع إشارة إلى أن تغاير التعبير للتفنن. قوله:(جزاء للشرط وجوإب لسؤال مقدّر عن تبعة الدعاء (تبع بوزن صرد وتبعة مؤنثة أي ما يتبعه بعده وهذه عبارة النحاة وفسرت بأن المراد أنها تدلّ على أن ما بعدها مسبب عن شرط محقق أو مقدّر وجواب عن كلام محقق أو مقدر فاندفع ما قيل إن جزاء الشرط محصور في أشياء ليس هذا منها وما يتوهم من أن الجواب جملة فإنك لا ما بعد إذن لا وجه له فتأمّل، وقوله عن تبعة الدعاء أي تتبع دعوة ما دون الله. قوله:) ولعله ذكر الإرادة مع الخير والمس مع الضرّ الخ (عدل عما في الكشاف من أنه ذكر في كل من الفقرتين المتقابلتين ما يدذ على إرادة مثله في الأخرى لاقتضاء المقام تأكيد كل من الترغيب والترهيب لكنه قصد الإيجاز والاختصار للإشارة إلى أنهما متلازمان لا! ما يريده يصيبه، وما يصيبه لا يكون إلا بإرادته لكنه صرّج في كل منهما بأحد الأمرين إشارة إلى أن الخير مقصود بالذات لته تعالى والضرّ إنما وقع جزاء لهم على أعمالهم وليس مقصوداً بالذات فلذا لم يعبر فيه بالإرادة وهذا أحسن مما جنح إليه الزمخشري، وهو نوع من البديع يسمى احتباكاً، ويمكن ملاحظته فيه أيضا بأنه يجعل نكتة للطيّ، وعدم التصريح لكنه لا حاجة إلى التقدير وكونه بالذات ظاهر كما قال المصنف رحمه الله تعالى في تفسير قوله بيدك الخير ذكر الخير وحده لأنه المقضي بالذات والشرّ مقضي بالعرض إذ لا يوجد شز جزئيّ ما لم يتضمن خيراً كليا. قوله: (ووضع الفضل موضع الضمير الخ (أي لم يقل لا دافع له أو لا راذ له على أن ما يصدر من الخير محض كرم وتفضل إذ لا يجب على الله شيء عندنا فلا يستحق العباد بأفعالهم، وطاعتهم على الله شيئا، وهو رد لقول الزمخشري، والمراد بالمشيئة مشيئة المصلحة فإنه دسيسة اعتزالية. قوله:) ولم يستثن لأنّ مراد الله لا يمكن رذه (أي لم يقل
فلا راذ لفضله إلا هو كما قال فلا كاشف له إلا هو لأنه قد فرض فيه أن تعلق الخيرية واقع بإرادة الله تعالى فصحة الاستثناء تكون بإرادة ضده في ذلك الوقت وهو محال بخلاف مس الضرّ فإن إرادة كشفه لا تستلزم المحال وهو تعلق الإرادتين بالضدين في وقت واحد لأنه مبنيّ على أنه لا يجوز تخلف المراد عن الإرادة لا على أن إرادته قديمة لا تتغير بخلاف المس فإنه صفة فعل يوقعه ويرفعه بخلاف الإرادة فإنها صفة ذات كما توهم إذ المراد تعلقها. قوله: (يصيب به بالخير) أرجع الضمير للخير لقربه حينئذ ولو جعل لما ذكر صح، ولكن هذا أظهر وأنسب بما بعده، وقوله فتعرّضوا الخ إشارة إلى أن المقصود من ذكر المغفرة والرحمة هنا ما ذكر وقوله رسوله الخ فالحق مبالغة على الأول لأنّ المراد أن ما بلغه، ونفسه حق. قوله:(فمن اهتدى بالإيمان والمتابعة) المراد بالمتابعة متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن وفسر من ضل بالكفر ووقع في نسخة بهما وهو المراد والكفر بهما أن لا يتبعهما، ولا يمتثل أمرهما إذ الكفر مستلزم لذلك، وما قيل إن ذكر المتابعة يشعر بأن الاهتداء لا يحصل بمجرّد الإيمان وحده بل مع الامتثال فيما يتعلق بالأعمال وأنه يأباه اقتصاره في تفسير الضلال على الكفر إلا أن يحمل على الاكتفاء من قلة التدبر، وفسر الوكيل بالحفيظ لأنه أحد ما يرأد به، وقوله اطلاعه على الظواهر منصوب على المصدرية أي كاطلاعه. قوله:) عن النبئي! نرو الخ) هذا الحديث موضوع نص عليه ابن الجوزيّ في الموضوعات.
تم تعليقنا على سورة يونس والحمد دلّه على إحسانه وأفضل صلاة وسلام على أفضل مخلوقاته وعلى آله وصحبه.
سورة
هود
عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الداني رحمه الله تعالى في كتاب العدد هي مائة دراحدى وعشرون آية في المدنيئ الأخير واثنان في المدني الأوّل وثلاث في الكوفي، واعلم أنه لما ختم سورة يونس بنفي الشرك واتباع الوحي افتتح هذه ببيان الوحي والتحذير من الشرك وهي مكية عند الجمهور، وقيل ة لا قوله فلعلك تارك الآية. قوله:(مبتدأ الخ) فالر اسم السورة أو القرآن وكذا إن جعل خبر مبتدأ مقدر أي هو أو هذا
وقد تقدم تفصيله في أوّل سورة البقرة. قوله: (نظمت نظما محكماً الخ) فسره بقوله لا يعتريه اختلال أي لا يطرأ عليه ما يخل بلفظه ومعناه، وعبر بالمستقبل لأنّ الماضي والحال مفروغ عنه، وذكر فيه وجوهاً أربعة أوّلها أن يكون مستعاراً من أحكام البناء، واتقانه فلا يكون فيه تناقض أو تخالف للواقع والحكمة أو ما يخل بالفصاحة والبلاغة الثاني أن يكون من الأحكام، وهو المنع من الفساد، وفسره بالنسخ لبعضه من غيره أو لكله كالكتب السالفة فعطفه عليه تفسيرفي فلذا بينه بقوله فإن الخ. فهو من أحكمه بمعنى منعه ومنه حكمة الدابة لحديدة في فمها تمنعها الجماج، ومنه أحكصت السفيه إذا منعته من السفاهة كما قال جرير:
أبني حنيفة أحكمواسفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا
قيل فكان ما فيه من بيان المبدأ والمعاد بمنزلة دابة منعتها حكمتها من الجماج فهي تمثيلية أو مكنية، وهو ركيك فإنّ تشبيهه بالدابة مستهجن لا داعي له وبعد تفسيره بالنسخ لا يرد عليه ما قيل إنه يوهم قبوله للفساد وهو لا يليق بالقرآن ولم يجوّز في هذا أن يراد بالكتاب القرآن والمراد عدم نسخة كله أو بعضه بكتاب آخر لأنه خلاف الظاهر وإن صح، والثالث من المنع أيضا لمنعه من الشبه بالأدلة الظاهرة، والرابع من حكمته أي جعلته حكيمآ أو ذا حكمة والمراد حكيم قائلها كما في الذكر الحكيم فهو مجاز في الطرف أو الإسناد وقوله من حكم بالضم إشارة إلى أنّ الهمزة فيه للنقل من الثلاثيّ بخلاف ما قبله، وذلك لاشتماله على أصول
العقائد والأعمال الصالحة، والنصائح والحكم وأمّهات بمعنى أصول، وقواعد يتولد منها غيرها. قوله:(بالفرائد من العقائد) قال الراغب الفصل إبانة أحد الشيئين عن الآخر حتى يكون بينهما فرجة ومنه المفاصل وفصل عن المكان فارقه ومنه فصلت العير وفي الكشاف فصلت كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص أو جعلت فصولاً سورة سورة وآية آية أو فرّقت في التنزيل فلم تنزل جملة واحدة ليسهل حفظها أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد أي بين ولخص وعن عكرمة والضحاك ثم فصلت أي فرّقت بين الحق والباطل يعني أنه إمّا استعارة من العقد المفصل بفرائده أي كباره التي تجعل بين اللآلئ التي تغاير حجمه أو لونه فشبهت الآيات بعقد فيه لآلئ وغيرها لتغاير النفائس التي اشتملت عليها إلى قصص وأحكام، ومواعظ وغيرها، وقوله من دلائل الخ متعلق بقوله فصلت لا بيان للفرائد حتى يقال إنّ الصواب ما وقع في بعض النسخ فوائد بالواو والتقدير فصلت لأنواع من دلائل التوحيد الخ، وهي في حواشي المصنف رحمه الله تعالى بالراء أو أنها جعلت فصلا فصلاً من السور أو الآيات أو فرّقت في النزول أو هو من الإسناد المجازي والمراد فصل ما فيها، وبين فهذه أربعة وجوه في التفصيل أيضاً والتلخيص بمعنى التبيين لا بمعنى الاختصار كما بين في اللغة، وعلى هذا ينزل كلام المصنف رحمه الله تعالى إلا أنه على إرادة التفصيل بجعلها سور المراد بالكتاب القرآن وبالآيات آياته، وان قيل إنه يصح أن يراد السورة على أن المعنى جعلت معاني آيات هذه السورة في سور، ولا يخفى أنه تكلف ما لا حاجة إليه، وقوله وقرئ ثم فصلت أي بفتحتين خفيفتين وهي قراءة ابن كثير، ومعناه فرقت كما ذكره المصنف رحمه الله وقيل معناه انفصلت وصدرت كما في قوله ولما فصلت العير وسيأتي بيانه. قوله: (وثئم للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الأخبار (لما كان التفصيل والأحكام صفتين لشيء واحد لا تنفك إحداهما عن الأخرى لم يكن بينهما ترتب وتراخ فلذا جعلوه إمّا لتراخي الرتبة، وهو المراد بقوله في الحكم أو للتراخي بين الإخبارين وقد أورد عليه أنه إذا أريد بتفصيلها إنزالها نجما نجما تكون ثم على حقيقتها فمع تحقق الحقيقة لا وجه للحمل على المجاز وبأن الأخبار لا تراخي فيه إلا أن يراد بالتراخي الترتيب مجازا أو يقال بوجود التراخي باعتبار ابتداء الجزء الأول وانتهاء الثاني ولا يخفى عليك أنّ الآيات نزلت محكمة مفصلة فليست ثم للترتيب على كل حال كما صرّح به العلامة في شرحه، وليس النظر إلى فعل الأحكام والتفصيل، وأفا التراخي بين الإخبارين فلما مرّ في أوائل سورة البقرة في ذلك الكتاب من أنّ الكلام إذا انقضى فهو في حكم البعيد ففيه ترتيب اعتباري
وهو المراد كما أشار إليه الشارح المدقق إذا عرفت هذا فاعلم أنه قال في
الكشف إن أريد بالأحكام أحد الأولين وبالتفصيل أحد الطرفين فالتراخي رتبيّ لأنّ الأحكام بالمعنى الأوّل راجع إلى اللفظ والتفصيل إلى المعنى والمعنى الثاني وان كان معنويا لكن التفصيل إكمال لما فيه من الإجمال، وان أريد أحد الأوسطين فالتراخي على الحقيقة لأنّ الأحكام بالنظر إلى كل آية في نفسها، وجعلها فصولاً بالنظر إلى بعضها مع بعض أو لأنّ كل آية مشتملة على جمل من الألفاظ المرصعة، وهذا تراخ وجوديّ، ولما كان الكلام من السيالات كان زمانيا أيضاً، ولكن المصنف رحمه الله آثر التراخي في الحكم مطلقاً حملا على التراخي في الأخبار في هذين الوجهين ليطابق اللفظ الوضع وليظهر وجه العدول عن الفاء إلى ثم وان أريد الثالث وبالتفصيل أحد الطرفين فرتبي وألا فإخبارقي، والأحسن أن يراد بالإحكام الأوّل وبالتفصيل أحد الطرفين وعليه تنطبق المطابقة بين حكيم وخبير، وأحكصت وفصلت، وهي ثابتة على الوجوه الثلاثة في من لدن لكن جعلها صلة للفعلين أرجح، وذلك لتعلق أن لا تعبدوا بهما على الوجهين، وأفاد سلمه الله أن أصل الكلام أحكم آياته حكيم ثم أحكمها حكيم على نحو:
ليبك يزيد ضارع لخصومة
ثم من لدن حكيم كما يقال من جناب فلان لما في الكناية من المبالغة وافادة التعظيم البليغ، وهو إشارة إلى الوجوه الستة عشر الحاصلة من ضرب معاني الأحكام الأربعة في معاني التفصيل الأربعة وهذا وان احتاج إلى البسط والإيضاح لكن الجدوى فيه قليلة فعليك باستخراجه بنظرك الصائب. قوله:(صفة أخرى لكتاب أو خبر بعد خبر الخ) أي هو صفة للنكرة أو خبر ثان للمبتدأ الملفوظ أو المقدر على الوجهين أو هو معمول لأحد الفعلين على التنازع مع تعلقه بهما معنى ولذا قال تقرير لأحكامها وتفصيلها، وقوله على أكمل ما ينبغي أخذه من كون ذلك فعل الله الحكيم الخبير مع الجمع بين صيغتي المبالغة، ولا يحتاج إلى جعل الحكيم بمعنى المحكم كما قيل لأنه يكفي فيه أن يكون صائغها ذا حكمة بالغة، وقوله باعتبار ما ظهر أمر. وما خفي أخذه من أن الحكيم ما يفعل على وفق الحكمة والصواب، وهو أمر ظاهر، والخبير من له خبرة بما لا يطلع عليه غيره من الخفيات فهو لف ونشر، وجعله الزمخشري في النظم أيضاً من اللف والنشر على أن تقديره أحكم آياته حكيم، وفصلها خبير وله وجه وجيه لكن المصنف رحمه الله لم ينظر إليه، ومعنى كونه تقريراً أنه كالدليل المحقق له. قوله:(ألا تعبدوا الخ) ذكروا فيه أنه يجوز أن يكون متصلا بما قبله وحينئذ في أن وجهان أحدهما أن تكون مصدرية، وكذا أن استغفروا لأن أن المصدرية توصل بالأمر كما مرّ تحقيقه، وكذا توصل بالنهي فلا نافية، وهو منصوب أو ناهية وهو مجزوم، وهو على تقدير اللام ومحله
نصب أو جر على المذهبين وليس هذا مفعولاً له حتى يتكلم في شروطه وثانيهما أن تكون مفسرة لما في تفصيل الآيات من معنى القول دون حروفه، وقدره الزمخشري بأمرين أحدهما فصل، وقال لا تعبدوا والآخر أمر أن لا تعبدوا فحذف في الأوّل أن لأنه قدر صريح القول، ولم يحذفها في الثاني لأنه قدر ما في معناه قيل، وأن المفسرة في تقدير القول، ومعناه ولذا لا تأتي بعد صريحه، وإنما تأتي بعد ما هو في معناه ليكون قرينة على إرادته منها وبهذا سقط ما يتوهم من أنهم اشترطوا عدم صريح القول وتقديره في تقريرهم مناف له فتأمّل. قوله:(ويجورّ أن يكون كلاماً مبتدأ للإغراء الخ) هذا هو الوجه الثاني، ومعنى كونه مبتدأ أنه منقطع وغير متصل بما قبله اتصالاً لفظياً كما في الوجهين السابقين، وهذا على وجهين قصد الإغراء على التوحيد أو قصد التبرّي عن عبادة الغير لأنه في تأويل ترك عبادة غير الله فإن قدر ألزموا ترك عبادة غيره على أنه مفعول به فهو إغراء، وان قدر اتركوا ترك عبادة غيره فهو مفعول مطلق للتبرّي عن عبادة الغير، وفي الكشاف، ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ منقطعاً عما قبله على لسان النبيّ صلى الله عليه وسلم إغراء منه على اختصاص الله بالعبادة وبدل عليه قوله إنني لكم منه نذير وبشير كأنه قال ترك عبادة غير الله إنني لكم منه نذير كقوله تعالى:{فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [سورة محمد، الآية: 4] وقيل عليه أنّ في كلامه اضطرابا حيث دلّ أوّله على الوجه الأوّل، وآخره على الوجه الثاني، وقد وجه بأنّ مراده بقوله كقوله تعالى:{فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [سررة محمد، الآية: 4،
إفادة معنى الإغراء لا اشتراك الصورتين في النصب على المصدرية، ومنع جواز حمل الآية عليه بأنه ليس وزان ألا تعبدوا إلا الله وزان ترك عبادة غير الله في استقامة تقدير اتركوا عبادة غير الله تركا إذ لو قلت اتركوا عبادة غير الله أن لا تعبدوا أي عدم العبادة لم يكن شيئا لأن أن لا يحسن موقعه كما لا يحسن اضربوا أن لا تضربوا أي اضربوا الضرب، وسرّه أنّ أن علم للاستقبال فلو أريد استقبال غير زمان الأمر لم يكن مفعولاً مطلقا وان أريد ذلك الاستقبال ضاع للاكتفاء بالأوّل اهـ والأمر كما قال وهذا توجيه لما يقتضيه النحو من أنّ أن المصدرية والفعل لا يقع موقع المفعول المطلق، وكون ذلك لا يجوز أو لا يحسن مما لا شبهة فيه فمن قال الأمر فيه سهل بأن تجعل أن المصدرية للتأكيد لم يتدبر كلامه، ثم إن المصنف رحمه الله تعالى أطلق كونه للإغراء من غير تقييد. له بكونه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم كما في الكشاف لأنه غير متعين لاحتمال أن يكون ما قبله أيضاً مفعولاً له بتقدير قل في أوّل الكلام، وكونه خلاف الظاهر لا ينافي كونه وجها مرجوحاً. قوله: (1 نني لكم منه من الله (أي فالضمير لله، والتقدير إنني لكم من جهة الله نذير وبشير وهو في الأصل صفة فلما قدم صار حالاً، وقيل إنه يعود على الكتاب أي نذير من مخالفته، وبشير لمن آمن به وقدم الإنذار لأنه أهمّ، وعطف أن استغفروا على ألا
تعبدوا سواء كان نهيا أو نفيا. قوله: (توصلوا إلى مطلوبكم بالتوبة الما كان الاستغفار بمعنى التوبة في العرف كان توسط كلمة ثم بينهما محتاجاً إلى التوجيه فقيل لا نسلم أن الاستغفار هو التوبة بل الاستغفار ترك المعصية والتوبة الرجوع إلى الطاعة، ولئن سلم أنهما بمعنى فثم للتراخي في الرتبة، والمراد بالتوبة الإخلاص فيها والاستمرار عليها والمصنف رحمه الله تعالى حمل الاستغفار على التوبة وجعل التوبة عبارة عن التوصل إلى مطالبهم بالرجوع إلى الله فثم على ظاهرها ولا حاجة إلى جعلها بمعنى الواو والعطف تفسيرفي كما نقل عن الفرّاء وقيل الاستغفار طلب الغفر وستر الذنب من الله والعفو عنه ومعنى التوبة الندم عليه مع العزم على عدم العود فليسا بمتحدين ولا بمتلازمين نعم قد يستعمل الأوّل في العرف بمعنى الثاني، وفائدة عطف الثاني على الأوّل التوصل به إلى ذلك المطلوب والجزم بحصوله كما قال ثم توصلوا الخ بيانا لحاصل المعنى لا أنّ توبوا عبارة عن معنى توصلوا كما توهم، ولا يخفى ما في العبارة من النبوّ عما ذكره فتأمّل. قوله: (فإنّ المعرض عن طريق الحق (أي من أعرض! عن طريق الحق بالكفر والعصيان لا بد له من الرجوع إليها ليصل إلى مطلوبه، وهذا على طريق التمثيل في النظم بجعل التوبة بمعناها الأصلي وهو الرجوع فالرجوع إلى الله المراد به لازم معناه، وهو طلب الوصول إلى المطلوب والإعراض عن الحق إن كان بالشرك فتوقفه على ما ذكر ظاهر، وكذا إن أريد الأعمّ وأمّا إن أريد المعصية فالمراد الجزم بحصول مطلوبه فإنّ العفو يجوز من غير توبة فتأمّل. قوله: (وقيل استففروا من الشرك الخ) أي اطلبوا غفره وستره بالإيمان ثم توبوا إلى الله ارجعوا إلى الله بالطاعة فعلى هذا كلمة ثم على ظاهرها من التراخي، وقيل إنّ تراخيه رتبيّ لأنّ التحلية أفضل من التخلية وإنما مزضه لأنّ قوله ألا تعبدوا إلا الله يفيد ما أفاده، وقوله ويجوز أن يكون ثم لتفاوت ما بين الأمرين فإن بين التوبة وهي الانقطاع إلى الله بالكلية وبين طلب المغفرة بونا بعيداً، وقيل إن هذا بطريق الكناية فإنّ التفاوت والتباين من روادف التراخي وفيه نظر. قوله تعالى ( {يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا} ) انتصابه على أنه مفعول مطلق من غير لفظه كقوله:{أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [سورة نوح، الآية: 17] ويجوز أن يكون مفعولاً به لأنه اسم لما يتمتع به وقيل إنه منصوب بنزع الخافض أي يمتعكم بمتاع وأنّ في الكشاف إشارة إليه، وقوله يعشكم في أمن ودعة بفتح الدال بمعنى الراحة يعني أن من أخلص الله في القول والعمل عاش في أمن من العذاب وواحة مما يخشاه، وأمّا ما يلقاه من بلاء الدنيا فلا ينافي ذلك لما فيه من رفع الدرجات، وزيادة الحسنات فلا ينافي هذا كون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، ولا كون أشدّ الناس بلاء الأمثل فالأمثل لأنّ المراد أمنه من غير الله، ومن يتوكل على الله فهو حسبه وراحته طيب عيشه برجاء الله والتقرّب إليه حتى يعدّ المحنة منحة، والتمتع يجيء
بمعنى الانتفاع وبمعنى تطويل العمر ويناسبه ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى
الأوّل للأوّل والثاني للثاني.
قوله: (هو آخر أعماركيم المقدّرة الخ) التقدير التعيين ببيان المقدار، وهو المراد بالتسمية
كما مرّ في الأنعام، وقوله أولا يهلككم معطوف على يعشكم فيكون على هذا الخطاب لجميع الأمّة بقطع النظر عن كل فرد فرد والأجل المسمى آخر أيام الدنيا والاستئصال إهلاكهم جميعا من أصلهم كما وقع لبعض الأمم. قوله: (والآرزاق والآجال وإن كانت متعلقة بالأعمال الخ (إن أراد تعليقها بها في الأحاديث كما ورد صلة الرحم تزيد في العمر، وكذا ما ورد بزيادة الرزق مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة فالمراد الجمع بين تلك الأحاديث، وما في الآية من جعله مسمى معينا لا يقبل التغيير بالزيادة والنقص ومحصله إنّ الله لما علم صدور تلك الأعمال وعدمه كان الأجل مسمى في علم الله بالنسبة إلى كل أحد فلا منافاة بينهما وإن أراد في الآية فلأنّ قوله يمتعكم الخ بمعنى أنه يحييهم حياة هنيئة، ولا يكون ذلك إلا بالرزق، وهو جواب الأمر فقد علق فيه ذلك على تلك الأعمال مع أنه ذكر أنه مسمى فأجاب بأنه عالم بصدورها، وعدمه فلا ينافي ذلك تسميتها وتعيينها فلا وجه لما قيل إنه ليس في الآية تعليق الآجال بالأعمال بل تعليق حسن العيش وأنّ ذلك لم يعلم من الآية بل من الحديث. قوله: (ويعط كل ذي فضل في دينه جزاء فضله الخ (يعني الفضل الأوّل بمعنى الزيادة في أمور الدين، وقريب منه ما في الكشاف أنه الفضل في العمل فليس الثاني عينه فلذا قدر بجزاء فضله وثوابه يعني من له زيادة في الدين له زيادة في الجزاء والثواب لأنّ الأجر يزيد بزيادة العمل وقوله في الدنيا والآخرة وفي نسخة أو الآخرة وهي للتنويع بدليل قوله خير الدارين يعني أنه ينعم عليه في الدنيا والآخرة فلا يختص إحسانه بإحدى الدارين وضمير فضله على ما ذكره المصنف رحمه الله لكل، وقد جوّز أن يعود إلى الرب فالمراد الثواب، ولذا لم يفسره المصنف رحمه الله تعالى به كما في الكشاف، وقد قيل إن في الآية لفا، ونشراً وانّ التمتع الحسن مرتب على
الاستغفار، دمايتاء الفضل مرتب على التوبة والوعد ظاهر وكونه للموحد الثابت من قوله يمتعكم إلى أجل لأنه يقتضي ثباتهم على ذلك إلى الموت. قوله:) وإن تتولوا الخ (يعني أنه مضارع مبدوء بتاء الخطاب لأنّ ما بعده يقتضيه وحذفت منه إحدى التاءين والتولي الإعراض! أي إن استمرّوا على الإعراض، ولم يرجعوا إلى الله واليوم الكبير يوم القيامة لكبر ما فيه، ولذا وصف بالثقل أيضا أو المراد به زمان ابتلاهم الله فيه في الدنيا وقراءة تولوا قراءة عيسى بن عمرو اليماني من الشواذ وقيل إن تولوا ماض غائب والتقدير فقل لهم إني الخ لأنّ التولي صدر منهم واستمرّ وهو خلاف الظاهر فلذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله:) رجوعكم الخ (يعني أنه مصدر ميمي وكان قياسه فتح الجيم لأنه من باب ضرب فقياسه ذلك كما علم في علم الصرف وقوله فيقدر على تعذيبهم أشدّ الخ لأنه وصف بالقدرة العظيمة فيقدر على كل عظيم وكبر اليوم لكبر ما فيه وعظمه فلهذا كان هذا تقريراً، وتأكيداً له. قوله:) يثنونها عن الحق وينحرفون عنه الخ (في هذه اللفظة ثلاث عشرة قراءة المشهور منها، وهي قراءة الجمهور يثنون بالياء المفتوحة مضارع ثناه يثنيه، وأصله يثنيون فأعل الإعلال المعروف في نحو يرمون، وثناه معناه طواه وحرفه وفسر المصنف رحمه الله تعالى هذه القراءة بوجوه الأوّل أنه كناية أو مجاز عن الاعراض عن الحق فمتعلقه محذوف أي يثنونها عن الحق لأن من أقبل على شيء واجهه بصدره ومن أعرض حرفه عنه أو المراد أنهم يضمرون الكفر وعداوة النبيّ صلى الله عليه وسلم فثنى الصدر مجاز عن الإخفاء لأن ما يجعل داخل الصدر فهو خفيّ، ومتعلقه على الكفر ومغايرته لما قبله في المعنى والمتعلق ظاهرة لا مجزد التعذي بعن وعلى كما قيل وقوله أو يولون ظهورهم تفسير ثالث وهو حقيقة على هذا لا! من ولى أحداً ظهره ثنى عنه صدره، والمعنى أنهم إذا رأوا النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلوا ذلك فهو تفسير للمعنى الحقيقيّ بلازمه لأنه أوضح. قوله:) وقرئ يثنوني بالياء والتاء من اثنوني) كاخلولي فوزنه يفعوعل وهو من أبنية المزيد الموضوعة للمبالغة لأنه يقال حلا فإذا أريد المبالغة قيل احلولي وهو لازم فصدورهم فاعله ومعناه ينطوي أو ينحرف انطواء وانحرافا بليغاً، وهو على المعاني السالفة في قراءة الجمهور والقراءة بالتاء لتأنيث الجمع وبالياء التحتية لأنّ تأنيثه غير حقيقيّ، وهذه القراءة
قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وغيرهما، وقوله من اثنوني أي أنه مضارع ماضيه هذا فهو مأخوذ منه بزيادة حرف المضارعة. قوله: (وتثنون وأصله تثنونن من الثن وهو الكلأ الضعيف (أي قرئ تثنون بتاء مثناة ثم ثاء مثلثة ساكنة ثم نون مفتوحة تتلوها واو مكسورة بعدها نون مشذدة وهذه
القراءة نسبت لابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعروة وغيرهما، وأصله تثنونن على وزن تفعوعل من الثن بكسر الثاء وتشديد النون وهو ماهش، وضعف من الكلأ قال:
تكفي اللقوح أكلة من ثن
وصدور مرفوع على أنه فاعله ومعناه إمّا أنّ قلوبهم ضعيفة سخيفة كالنبت الضعيف فالصدور مجاز عما فيها من القلوب أو أنه مطاوع ثناه لأنه يقال ثناه فانثنى واثنونن كما صرّج به ابن مالك رحمه الله تعالى في التسهيل فقال وافعوعل للمبالمغة، وقد يوافق استفعل ومطاوع فعل ومثلوه بهذا الفعل فالمعنى أن صدورهم قبلت الثني فتكون بمعنى انحرفت ومعناه يرجع إلى قراءة الجمهور ومن الخطأ الغريب ما قيل الكلأ بوزن جبل العشب رطبه ويابسه، وفي القاموس الثن بالكسر يبيس الحشيش إذا كثر وركب بعضه بعضا، وعلى هذا فقول المصنف رحمه الله شالى أو مطاوعة صدورهم للثني لا يلائمه إذ الظاهر أنّ المطاوعة في الرطب أكثر واليبيس ينكسر في اكثر إذا قصد تثنيه لأنه ظن أنهما وجه واحد، ولم يتنبه لأنه وجه آطخر مصرّح به في كتب النحو ثم بعد إرخاء العنان فاعتماده على القاموس وترك ما ذكر. المصنف رحمه إلله تعالى، وهو أنه ضعيف النبات وهشه وإن لم يكن يابسا مع أنه هو الذي صرّح به إمام اللغة ابن جني في كتاب المحت! سب وأغرب منه ما قيل إنه أراد بركوب بعضه لبعض انعطاف بعضه على بعض بالانحناء كما هو شأن الكلأ إذا شرع في اليبس وذلك هو المطاوعة وهو مراد المصنف وحمه الله تعالى لا أنّ فيه ثنيا بعد اليبس، والملاءمة ظاهرة. قوله:(وتثئمق من اثنأن كابيأض بالهمزة) أي وقرئ بذلك كتطمئن، وفيه وجهان أحدهما أنّ أصله اثنأنّ كاحمأرّ وأبياض! ففرّ من التقاء الساكنين بقلب الألف همزة! مكسورة، وقيل أصله تثنونّ بواو مكسورة فاستثقلت الكسرة على الواو فقلبت همزة كما قيل في وشاح أشاح فعلى الأوّل لجكون من الافعيلال وعلى هذا هو من باب افعوعل، ورجح الأوّل باطراده، ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله:(وتثنوى) كارعوى قرأ بها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل إنها غلط في النقل لأنه لا معنى للواو في هذا الفعل إذ لا يقال تنوته فانثوى كرعوته فارعوى، ووزن ارعوى من غرلحب الأوزان، وفيه كلام في المطوّلات، وبقية القرا آت مفصلة في الدرّ المصون، ومن غريب القرا آت هنا أنه قرئ مثنون بالضم واستشكلها ابن جني رحمه الله تعالى بأنه لا يقال أثنيته بمعنى ثنيته، ولم يسمع في غير هذه القراءة. قوله:(من الثه سرّهم) وفي نسخة بسرّهم ذكروا في متعلق هدّه اللام وجهين الأوّل أنه متعلق بيثنون وعليه جماعة من المفسرين وهو الظاهر والثاني أنه متعلق بمحذوف أي ويريدون ليستخفوا لأنّ ثني الصدر والإعراض إظهار للنفاق فلا يصح تعليقه بذلك لأنه لا يصلح سبباً له فلذا قدر له، ويريدون على أنها معطوفة على ما قبلها لا أنها حالية وان كان أظهر بحسب المعنى، ولذا قيل لا وجه لتقدير الواو ويشهد له ما نقل عن الزمخشريّ إنّ المعنى يظهرون النفاق، ويريدون مع ذلك أن يستخفوا، ومن لم يدر وجهه
اعترض عليه والمصنف رحمه الله تعالى رأى أنه لا حاجة إلى التقدير إذ يصح تعلقه بما قبله لكنه قيل إنه على المعنيين الأوّلين ليثنون ظاهر فإنّ انحرافهم عن الحق بقلوبهم، وعطف صدورهم على الكفر وعداوة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعدم إظهارهم ذلك يجوز أن يكون للاستخفاء من الله لجهلهم بما لا يجوز على الله تعالى، وأمّا على المعنى الثالث فالظاهر أنه لا بدّ من التقدير إلا أن يعاد ضمير منه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي ذكره في الوجهين الأولين من كلام المصنف رحمه الله تعالى لتقديره متعلقاً له فليس خلاف الظاهر كما توهم، وقال أبو حيان الضمير في منه لله، وسبب النزول يقتضي عوده للرسول صلى الله عليه وسلم لأنها نزلت في بعض الكفار الذين كانوا إذا لقيهم النبيّ صلى الله عليه وسلم تطأمنوا وثنوا صدورهم كالمستتر وردّوا إليه ظهورهم، وغثوا وجوههم بثيابهم تباعدا منه، وكراهة للقائه، وهم يظنون أنه يخفى عليه صلى الله عليه وسلم (1)
فنزلت فعلى هذا ليستخفوا متعلق بيثنون قيل فغاية ما يوجه به كلام المصنف رحمه الله في عدم التقدير أنه لما جعل سبب النزول ما ذكر جاز تعلق اللام بيثنون وصح التعليل، وهو قريب مما قاله أبو حيان رحمه الله تعالى إلا أنه جعل الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى يجوز أن يكون له ولله، وإنما خصه بالله بناء على ظاهر قوله:{يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} لكنه ترك لما ذكره من المعاني الثلاثة ليثنون واختيار لمعنى آخر، وهذا ليس بشيء بل هو على المعاني المذكورة لكنه في الوجه الأخير يكون الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم، وليس في كلامه ما ينافيه فتدبر. قوله:(قيل إنها نزلت الخ) قال السيوطيّ الثابت في صحيح البخاريّ أنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يستحيون أن يتخلوا أو يجامعوا فيفضوا بفروجهم إلى السماء فعلى هذا ثنى الصدور على ظاهره لا مجاز ولا كناية فهو أصح نقلاً مؤيداً ببقائه على حقيقته وكون قيل لتمريضه لا فائدة فيه كالاعتذار بجواز تعدد سبب النزول كما ذهب إليه بعضهم. قوله: (وفيه نظر إذ الآية مكية والنفأق حدث بالمدينة) قد أجيب عنه بأنّ القائل به لم يرد بالنفاق ظاهره بل ما كان يصدر من بعض المشركين الذين كان لهم مداراة تشبه النفاق، وأيضاً أنه كان بمكة منافقون) كالأخنس " (3) فإنه كان يظهر الإيمان وبضمر الكفر ولا فرق بين فعله وفعل منافقي المدينة حتى لا يسمى منافقاً نعم النفاق كان بمكة لكن لم يكن في مكة طائفة ممتازون عن سائر المشركين، وأمّا حديث أنّ النفاق كان بالمدينة والإشكال بأنّ السورة مكية فغير مسلم بل ظهوره إنما كان فيها،
والامتياز إلى ثلاث طوائف وقع بها، وقد صرّح به في الكشاف في قوله ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ولو سلم فلا إشكال بل يكون على أسلوب قوله كما أنزلنا على المقتسمين إذا فسر باليهود فإنه إخبار عما سيقع، وجعله كالواقع لتحققه وهو من الإعجاز فكذا ما نحن فيه هكذا حقق في الكشف. قوله:(1 لا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم) أي يلتحفون بما يلتحف به النائم كما ذكره في الرواية السابقة، وقوله يستوي في علمه الخ إشارة إلى أن ذكر علم العلانية بعد علم السرّ لبيان أنهما في علم الله سواء، والا لم يكن في ذكره مؤخراً فائدة، وقوله ما عسى يظهرونه عسى مقحمة، وقد تقدم بيان هذا كله، وحين ناصبه تريدون مضمرا كما مرّ، وقدّره أبو البقاء يستخفون، وقيل ناصبه يعلم، ولا يلزم منه تقييد علم الله لأنّ من يعلم هذا يعلم غيره بالطريق الأولى، وما في ما يسرّون مصدرية أو موصولة عائدها محذوف. قوله:(بالآسراو ذات الصدور الخ) يعني المراد بذات الصدور إمّا الأسرار أو القلوب، وأحوالها بجعلها لاختصاصها بالصدور كأنها صاحبة للصدور مالكة لها، وليست الذات مقحمة كما في ذات غد ولا من إضافة المسمى إلى اسمه كما توهم. قوله:(غذاؤها ومعاشها الخ (المراد بالدابة معناها اللغوي، وهو كل ما دلت على الأرض باتفاق المفسرين هنا لا المعنى العرفيّ، واحتج بهذه الآية أهل السنة على أنّ الحرام رزق، وألا فمن لم يأكل طول عمره إلا من الحرام لا يصل إليه رزقه ثم إن الآية تحتمل أن يراد بها أنّ الله تعالى يسوق إلى كلى حيوان رزقه فيأكله فورد النقض بحيوان هلك قبل أن يرزق شيئا، ودفع بأنّ المراد كل حيوان يحتاج إلى الرزق يرزقه الله وما ذكر ليس كذلك لكن ينتقض بحيوان لم يرزق، ومات جوعا، ودفع بأنّ المراد كل حيوان جاءه رزق فمن الله كما نقل عن مجاهد لكن لا يبقى فيها استدلال لما استدلّ عليه أهل السنة بها، ولا يبقى المحذور المذكور فتدبر. قوله: (وإنما أتى بلفظ الوجوب الخ) يعني أنّ على تستعمل للوجوب، ولا وجوب على الله عند أهل الحق على ما بين في الكلام فأجاب المصنف بأنه لتحققه بمقتضى وعده كان كالواجب الذي لا يتخلف فينبغي لمن عرف ذلك التوكل على الله فكلمة على المستعملة للوجوب مستعارة استعارة تبعية لما يشبهه، ويكون من المجاز بمرتبتين، ولا يمنع من التوكل مباشرة الأسباب مع العلم بأنه المسبب لها، وفي الكشاف أنه لما ضمنه الله، وتكفل به صار واجبا في المرتبة الثانية فلا منافاة كما في نذور العباد فإنها تصير واجبة بالنذر بعدما كانت تبرّعا، وقال الإمام الرزق واجب بحسب الوعد، والفضل والإحسان، ومعناه أن الرزق باق على تفضله لكنه لما وعده، وهو لا يخل بما وعد صوّر بصورة الوجوب لفائدتين إحداهما
التحقيق لوصوله، والثانية حمل العباد
على التوكل فيه، وقوله كل في كتاب مبين كالتتميم لمعنى وجوب تكفل الرزق كمن أقرّ بشيء في ذمّته، ثم كتب عليه صكاً. قوله:(أماكنها في الحياة والممات الخ) جعل المستقرّ والمستوح اسم مكان لأنه الظاهر، وجوز فيهما أن يكونا ممدرين، وأن يكون المستوح اسم مفعول لتعدّي فعله، ولا يجوز في مستقرّها لأنّ فعله لازم، وقوله في الحياة، والممات لف ونشر مرتب، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما مستقرّها مأواها في الأرض، ومستودعها المحل الذي تدفن فيه وسمي مستودعاً لأنها توضع فيه بلا اختيار، وقوله والأصلاب، والأرحام يجوز جرّه ونصبه، وهو لف ونشر أيضاً، وجعل الأرحام مستودعاً للنطف ظاهر لأنها توضع فيه من قبل شخص آخر بخلاف الأصلاب وقيل إنه نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما عكسه فهو لف، ونشر مشوس، وكلام المصنف رحمه الله يحتمله، وقوله أو مساكنها من الأرض الخ هذا ما في الكشاف، واقتصر عليه لعمومه لجميع الحيوانات بخلاف الأوّلين لكنه لا يخلو من بعد، ولذا أخره المصنف رحمه الله. قوله:(كل واحد من الدواب وأحوالها) يعني أنّ المضاف إليه كل محذوف، وهو كل ما ذكر أي كل دابة ورزقها؟ ومستقرّها ومستودعها في كتاب مبين ومن للتبعيض أي كل فرد فرد منها لا للتبيين بمعنى كل هو هذا، وكأنه تعالى ذكر بعض أحوالها، ثم عممه لغيرها أي كل ما ذكر وغيره. قوله:(مذكور في اللوح المحفوظ) تفسير للكتاب وبيان للمتعلق، وقوله بيان كونه عالماً الخ يعني لما ذكر أنه يعلم ما يسرّون وما يعلنون أردفه بما يدل على عموم علمه وأراد بما بعدها قوله، وهو الذي خلق السماوات والأرض الخ وتقريره للتوحيد لأنّ من شمله علمه، وقدرته هو الذي يكون إلهاً لا غيره مما لا يعلم، ولا يقدر على ضرّ ونفع، وتقريره للوعيد لأنّ العالم القادر يخشى منه ومن جزائه، ويجوز أن تكون الآية تقريراً لقوله ما يسرون، وما يعلنون، وما بعدها تقرير لقوله، وهو على كل شيء قدير. قوله:(أي خلقهما وما فيهما كما مرّ الخ) الظاهر أنه إشارة إلى تقدير ذلك لأنّ الثابت أنه خلقهما، وما فيهما في تلك المدّة فإمّا أن يقدر أو يجعل السماوات مجازاً بمعنى العلويات فيشملها، وما فيها ويجعل الأرض بمعنى السفليات فيشملها، وما فيها من غير تقدير، وما قيل إنّ المراد بالعلويات نفس السماوات، والأرض سهو، وإنما احتاج إلى التجوّز أو التقدير وان كان خلقها في تلك المدة لا ينافي خلق غيرها لاقتضاء المقام
للتعرّض! لها. قوله: (وجمع السماوات دون الأرضى الخ) قد مرّ تفصيل هذا وأن المراد أنها سبع طباق متفاصلة بينها مسافة كما ورد في الأثر، وأنّ قوله، ومن الأرض مثلهن المراد به الأقاليم السبعة وأنّ حقيقة كل سماء غير الأخرى وأنه قيل إن الأرض مثل السماء في العدد، وفي أن بينها مسافة، وفيها مخلوقات فيكتفي حينئذ في التوجيه باختلاف الأصل. قوله:(قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما الخ) كونه قبل خلقهما مأخوذ من كان لأنّ المعنى المستفاد منها بالنسبة للحكم لا للتكلم، وهو خلق السماوات والأرض، وهذا ظاهر سواء كانت الجملة معطوفة أو حالية بتقدير قد إنما الكلام في قوله لا إنه كان موضوعاً على متن الماء فإن الاستعلاء صادق بالمماسة، وعدمها ولا دليل على ما ذكره في الآية، وقيل مبني هذا النفي على كون الظاهر ذلك فإن كون العرس منطبقاً على الماء أوّلاً ثم رفعه عنه محتاج إلى دليل، وهو منتف، ولا يخفى ما فيه فإن عدم الدليل لا يكون دليلاً للعدم كما بين في محله إلا أن يكون ذلك بعناية لما نقل عن السلف أنه كان على الماء، وهو الآن على ما كان عليه ولأنه الأنسب بمقام بيان القدرة الباهرة وعلى كل حال فلا يخلو عن القيل، والقال. قوله: (واستدلّ به على إمكان ا! لاء (قيل أراد الإمكان الوقوعي لأنّ المستفاد من الآية أنه خلق السماوات والأرض! ولم يكن إذ ذاك غير العرس، والماء وعليه منع ظاهر، والخلاء هو الفراغ الكائن بين الجسمين اللذين لا يتماسان، وليس بينهما ما يماسهما، وقوله وأن الماء أوّل حادث بعد العرس، وبيانه أن كونه على الماء يحتمل المماسة، وعدمها، ولذا قال إمكان الخلاء دون وجوده ولما كان معنى كونه عليه أنه موضوع فوقه لا مماسه، وخلق السماوات والأرض بعدهما اقتضى أن الماء مخلوق قبلهما، وأنه أوّل حادث بعده، وهو من
فجوى الخطاب، وقوله لا إنه كان موضوعاً الخ لأنّ سياقه لبيان قدرته يقتضيه فسقط ما قيل إنه ما المانع من إرادته فتأمل، وقوله وقيل كان الماء على متن الريح فلا يكون الماء أوّل بل هو الريح وحده أو مع الماء، ولو ترك المصنف رحمه الله هذا كله كان أولى. قوله:(متعلق بخلق الخ (أي اللام للتعليل متعلقة بالفعل المذكور، وأفعاله تعالى غير معللة بالأغراض! على المشهور لكنها يترتب عليها حكم، ومصالح تنزل منزلة العلل، ويستعمل فيها حرف التعليل على طريق التشبيه، والمجاز. قوله: (أي خلق ذلك كخلق من خلق الخ) يشير إلى أن إلابتلاء، والاختبار لا يصح وصفه تعالى به لأنه إنما يكون لمن لا يعرف عواقب الأمور فالمراد ليس حقيقته بل هو تمثيل، واستعارة شبه معاملة الله تعالى مع
عباده في خلق المنافع لهم وتكليفهم شكره واثابتهم إن شكروا وعقوبتهم إن كفروا بمعاملة المختبر مع المختبر ليعلم حاله، ويجازيه فاستعير له الابتلاء على سبيل التمثيل فوضع ليبلوكم موضع ليعاملكم، ويصح أن يكون مجازاً مرسلاً لتلازم العلم، والاختبار إلا أنه على جعل الابتلاء بمعنى العلم يصير التقدير خلق ذلك ليعلم الأحسن من غيره، وهذا أيضاً غير ظاهر لأن علمه قديم ذاني ليس متفرعاً على غيره فيؤوّل بأنه بمعنى ليظهر تعلق علمه الأزلي بذلك، وأمّا على أنه تمثيل، وأن المراد يعاملكم معاملة المختبر كما قرّرناه فلا تكلف فيه وهو مع بلاغته مصادف محزه فمن قال هنا إنّ ليبلوكم وضع موضعليعلم لم يصب والقرينة هنا عقلية وكون خلق الأرض وما فيها للابتلاء ظاهر وأمّا خلق السماوات فذكر تتميما، واستطراداً مع أنها مقرّ الملائكة الحفظة، وقبلة الدعاء ومهبط الوحي، إلى غير ذلك مما له دخل في الابتلاء في الجملة، وقيل إنّ ذكرها لأنها خلقت لتكون أمكنة للكواكب، والملائكة العاملين في السماوات والأرض لأجل الإنسان. قوله:(وإنما جاز تعليق فعل البلوى الخ) في الكشاف فإن قلت كيف جاز تعليق فعل البلوى قلت لما في فعل الاختبار من معنى العلم لأنه طريق إليه فهو ملاب! له كما تقول انظر أيهم أحسن وجهاً، واسمع أيهم أحسن صوتا لأنّ النظر والاستماع من طرق العلم، وقيل عليه إنه ينافي قوله في سورة الملك إنه سمي علم الواقع منهم باختبارهم بلوى، وهي الخبرة استعارة من فعل المختبر فإن قلت من أين تعلق قوله أيكم أحسن عملاً بفعل البلوى قلت من حيث إنه تضمن معنى العلم فكأنه قيل ليعلمكم أيكم أحسن عملاً، وإذا فلت علمته أزيد أحسن عملا أم هو كانت هذه الجملة واقعة موقع الثاني من مفعوليه كما تقول علمته هو أحسن عملا فإن قلت أتسمي هذا تعليقاً قلت لا إنما التعليق أن يوقع بعده ما يسد مسد المفعولين جميعاً كقولك علمت أيهما فعل كذا، وعلمت أزيد منطلق ألا ترى أنه لا فصل بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدراً بحرف الاستفهام، وغير مصدر به، ولو كان تعليقاً لافترقت الحالتان كما افترقتا في قولك علمت أزيد منطلق، وعلمت زيداً منطلقاً انتهى فقيل إنه مضطرب حيث جوزه هنا، ومنعه ثمة، وللشراح فيه كلام فمنهم من سلم، ومنهم من فرق بينهما فقيل إن التعليق لا يختص بالفعل القلبي بل يجري فيه، وفيما يلابسه ويقاربه بالفعل القلبي، وما جرى مجراه إمّا متعد إلى واحد أو اثنين فالأوّل يجوز تعليقه سواء تعدى بنفسه كعرف أو بحرف كتفكر لأنّ معموله لا يكون إلا مفرداً، وبالتعليق بطل عمله في المفرد الذي هو مقتضاه، وتعلق بالجملة ولا معنى للتعليق إلا إبطال العمل لفظا لا محلا وان تعذى لاثنين فإمّا أن يجوز وقوع الثاني جملة كباب علم أولاً فإن جاز علق عن المفعولين نحو علمت لزيد قائم لا عن الثاني لأنه يكون جملة بدون تعليق فلا وجه لعذه منه إذ لا فرق بين وجود أداة التعليق، وعدمها فالتعليق لا يبطل عمل الفعل أصلا كما في علمت زيداً أبوه قائم، وعلمت زيداً لأبوه قائم فإنّ عمله في محل الجملة لا فرق فيه بين وجود حرف التعليق، وعدمه وان لم
يجز وورد فيه كلمة تعليق كان منه نحو يسالونك ماذ! ينفقون فإن المسؤول عنه لا يكون إلا مفرداً وهنا احتمالان أن يكون فعل البلوى عاملاً في قوله أيكم أحسن عملا، وفعل البلوى كقتضي أن يكون مختبر ومختبر به، والمختبر به لا يكون إلا مفردا لأنه مفعول بواسطة الباء كقوله:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ} [سورة البقرة، الآية: 155] والتعليق أبطل مقتضاه، وأن تضمن الفعل معنى العلم فيكون العلم عاملا فيه، وهو مفعوله الثاني، ولا يقع التعليق فيه
فقد ظهر أن تعليق الفعل في الآية إنما هو على تقدير أعمال فعل البلوى، وعدم تعليقه على تقدير أعمال العلم فلا منافاة قطعا، وقيل التعليق هنا بمعنى تعليق فعل القلب على ما فيه استفهام، وهو بهذا المعنى خاص بفعل القلب من غير تخصيص بالسبعة المتعدية إلى مفعولين، وهو في الاستفهام خاصة دون ما فيه لام الابتداء ونحوها صرّح به ابن الحاجب فلا ينافي ما في سورة الملك من أنه ليس بتعليق لأنّ مفعوليه مذكوران فإنما نفى التعليق بالمعنى المشهور، وأمّا الحمل على الإضمار هنا، والتضمين ثمة للعلم، وأنه حمل في كل منهما على وجه للتفنن فلا وجه له بعد تصريح الزمخشري بأنه استعارة، وحاصله أنّ التعليق له معنيان مصطلح، ويعد! بعن، وهو المنفيّ ثمة ولغوقي، ويعدى بالباء، وعلى وتعليقه أن يرتبط به معنى واعرابا سواء كان لفظا أو محلا، وهو المثبت ورد حمل أحدهما على الإضمار، والآخر على التضمين لأنّ عبارته تأبا. وأت قوله تضمن معنى العلم فالمراد أنه يدل عليه فهو كأنه في ضمته بدليل أوّل كلامه فلا ينافيه كما توهم فقد علمت أنّ في التوفيق في الكلامين ثلاثة طرق لهم، ولكن الفضل للمتقدم.
(والتحقيق) عندي أنه هنا جعل قوله ليبلوكم أيكم أحسن عملاً بجملته استعارة تمثيلية فتكون مفرداته مستعملة في معناها الحقيقي معطاة ما تستحقه، وفعل البلوى يعلق عن المفعول الثاني لأنه لا يكون جملة إذ هو يتعدى له بالباء، وحرف الجرّ لا يدخل على الجمل وإنما جرى فيه التعليق لأنه مناسب لفعل القلوب معنى كما صرّج به ابن مالك في التسهيل، وغيره، وفي سورة الملك جعله مستعارا لمعنى العلم والفعل إذا تجوّز به عن معنى فعل آخر عمل عمله، وجرى عليه حكمه، وعلم لا يعلق عن المفعول الثاني فكذا ما هو بمعناه فسلك في كل من الموضعين مسلكا تفننا، وهو كثيراً ما يفعل ذلك في كتابه فإن قلت هل لاختياره أحد المسلكين هنا والآخر ثمة وجه أم هو اتفاقي قلت له وجه وهو أنه لما ذكر قبله خلق السماوات والأرض وما فيهما من النعم والمنافع ناسب أن يذكر بعده حال العباد في الشكر وعدمه بمقالة اختبارهم للعلم بذلك، ولما ذكر ثمة قبله خلق الموت والحياة ناسب أن يعقب بإظهار ما هم عليه وعاقبة أمرهم، وحسن الظت به يقتضي أنه قصده، وما قيل إنه في غاية السقوط لأنّ القول بتعليق فعل البلوى من غير اعتبار معنى العلم فيه مجرّد اصطلاح ومخالفة لقول المصنف رحمه الله لما فيه من معنى العلم على أن صلوحه لأن يعمل في تلك الجملة مجرّدا عن معنى العلم ممنوع، ولو سلم فمضمونها ليس بمختبر به فكيف يكون معلقاً بهذا الاعتبار لأنّ المختبر به
خلق السماوات والأرض دونه كلام ناشىء من قلة التدبر والتتبع، وكيف يكون مجرّد اصطلاح وقد كال في التسهيل شارك أفعال القلوب ما وافقهن معنى أو قاربهن لا ما لم يقاربهن خلافاً ليونس، وأمّ قوله لما فيه من معنى العلم فالمراد أنه طريق للعلم كالنظر والسؤال كما صرّج به
لا أنه مستعمل في معناه، وأمّا منعه في التعليقات فغير مسموع، وأمّا أنه غير مختبر به فعلى طرف الثمام لأنهم اختبروا بما في السماوات والأرض من المنافع فظهر حسن العمل من غيره فما يترتب على المختبر به مختبر عنه، وجعله مختبرأ به باعتبار ترتبه عليه، ثم إن قال إن المفهوم من كلام الكشاف في سورة الملك اختصاص التعليق بأفعال القلوب المتعدية لاثنين، وقال فيما نقل عنه إنّ من شرط التعليق عند النحاة أن لا يذكر شيء من المفعولين كقولك علمت أيهم أخوك، وعلمت لزيد منطلق فلو قلت علمت القوم أيهم أفضل لا يكون تعليقاً، ولذا لم يكن ليبلوكم منه أيضاً فقد نصى على أنه يختص بالأفعال السبعة وبالمفعولين دون الثاني وحده فيشكل بأن الرضي صرّح بخلافه فيهما، ولذا قال في إيضاح المفصل أن تخصيصه بهذه الأفعال ظاهره غير مستقيم، وغاية ما يقال في توجيهه أن جواز تعليق المتعدي إلى واحد مختلف فيه، ومختاره المنع، وما يتعدى إلى اثنين بال! ضمين فيرجع إلى الأفعال السبعة، وأما التعليق عن المفعول الثاني فقد زيفه في الملك بما لا مزيد عليه، والحق حقيق بأن يتبع انتهى
(قلت) هذا كله ناشىء من قلة التتبع فإنه قال في شرح التسهيل زعم ابن عصفور أنه لا يعلق فعل غير علم وظن حتى يضمن معناهما ويعمل عملهما، واختلف في التعليق عن المفعول الثاني وحده فقال جماعة من المغاربة نعم
يعلق عنه نحو علمت زيدا أبو من هو، وكلام التسهيل صبريح فيه وخالفهم جماعة من النحاة لما مرّ فإن قلت ما الراجح من هذين الرأيين قلت رأي من ذهب إلى أنه من باب التعليق بدليل قوله تعالى:{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} انتهى، وهذا ليس بشيء لأنّ ما ذكره لا يصلح أن يكون دليلا لأن سأل لا يعمل في الجمل فلا يقاس عليه ما نحن فيه فحينئذ لا مخالفة بين كلام الزمخشري، وكلام الرضي نعم ما ذكره الزمخشري لا محيد عنه لمن تدبر. قوله:(كالنظر والاستماع) قال اً بو حيان: لا أعلم أن أحداً ذكر أن استمع تعلق، وإنما ذكروا من غير أفعال القلوب سل وانظر، ورأى البصرية على اختلاف فيها (قلت) كلام التسهيل صريح في خلافه لأنه قال، ومثل ذلك ما وافقهن أو قاربهن يعني من كل ما هو طريق للعلم، وكذا قول الرضي وكذا جميع أفعال الحوأس، وكفى بالزمخشري سندا قوياً. قوله:(وإنما ذكر صيغة التفضيل) الدالة على الاختصاص بالمختبرين الأحسنين أعمالاً مع أنّ اختبار الأعمال شامل لقرق المكلفين وللقبيح، والحسن والأحسن كما عممه في قوله ليبلوكم أي أيها الناس فلا يخص المتقين ومآله إلى
سرالين تخصيص الابتلاء بالمؤمنين، وتخصيص الأحسن بالذكر فأجاب بأنه قصد بذلك الحث والتحريض على محاسن الأعمال لدلالته على أن الأصل المقصود بالاختبار ذلك الفريق ليجازيهم أكمل الجزاء فكأنه قيل المقصود أن يظهر فضيلتكم لا فضلكم فإنه مفروغ عنه، وليس يخصيص للخطاب كما توهم لأنّ إظهار حال غيرهم مقصود أيضا لكن لا بالذات، وأحاسن عمع أحسن، ومحاسن جمع حسن على خلاف القياس. قوله:(فإن المراد بالعمل ما يعم عمل! ب الخ) عمم العمل لما يشمل العلم والاعتقاد، واستدل عليه بالحديث الوارد في تفسير:" أحم احسن عملَا بأحسن عقلَا وأورع "(1) الخ. وهو حديث مسند لابن عمر رضي الله عنه أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، والحاكم بسنده لكنه قيل إنه واه لأن التقوى، وأحسنية العمل تدل على كمال العقل، وصحة العقيدة، وفي الكشف أنه ذكر الزمخشري أن المراد بالأحسن عمل المتقي، وما في الحديث تأييد له، ويحتمل أن يكون وجها ثالثاً ويجوز ان يكون أحسن دالاً على الزيادة المطلقة، وأن يكون من باب أفي الفريقين أحسن مقاما كما قيل. قوله:(أي ما البعث أو القول به الخ) إشارة إلى وجه مطابقة جوابهم لقول الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انحم مبعوثون بوجهين " أحدهما أنه إشارة إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام، وذكره البعث والتركيب من التشبيه البليغ أي ما قلته كالسحر في بطلانه، والثاني أنه إشارة إلى القرآنء " نه قال لو تلوت عليهم من القرآن ما فيه إثبات البعث لقالوا هذا المتلوّ سحر، والمراد إنكار البعث بطريق الكناية الإيمائية لأنّ إنكار البعث إنكار للقرآن، وقيل الأولى طرح الوجه الأوّل إذ لا لطف في تشبيهه بالسحر ولعله زاد قوله، والبطلان لذلك، وفيه أنه لا خصوصية له ترجحه من بين الأباطيل، وهو كلام ساقط لأنه أيّ خصوصية أقوى من وقوعه في جواب ذكر البعث لهم، وقد أوضح وجه الشبه بقوله في الحديقة حيث كان ذكره يمنع الناس عن لذة الدنيا الدنية، ويصرفهم إلى الانقياد، ودخولهم تحت الطاعة، وقوله على أن الإشارة إلى القائل هذا يناء على الظاهر، والا فقد جوّز على القراءة الأولى أن تكون الإشارة إليه أيضا بجعله نفس السحر مبالغة، وجوز في هذا كون الإشارة إلى القرآن، وجعله ساحراً مبالغة أيضآ كقولهم شعو شاعر. قوله: (على تضمين قلت معنى ذكرت الخ (أراد بالتضمين المصطلح أي ولئن قلت ذكرا أنكم مبعوثون فهو مفعول للذكر لا للقول، ولذا فتحت ولم يجعله بمعنى الذكر مجازا،
وان قيل إنه أظهر لأنّ الذكر والقول مترادفان فلا معنى للتجوز حينئذ، ولما كان معنى القول باقياً في التضمين جاء الخطاب على مقتضاه فما قيل إنه لا وجه له لا وجه له. قوله:(له أو أن تكون انّ بمعنى عل) على لغة في لعل بمعناها وذكرها لأنها أخف ولاً نه ورد استعمالهما في محل واحد إذ قالوا أئت السوق محلك أن تشتري لحماً وأنك تشتري لحماً كما في الكشاف فلا يقال الأولى أن يقول لعل مع أنه أمر سهل من أن يذكر. قوله: (بمعنى توقعوا بعثكم الخ الما كان النبي صلى الله عليه وسلم قاطعاً بالبعث ورد أنه كيف يقول لعلكم
مبعوثون، وأيضاً القراءة المشهورة صريحة في القطع والبت وهذه صريحة في خلافه فيتنافيان فأجابوا عنه بأنّ لعل هنا لتوفع المخاطب لا على سبيل الأخبار فإنهم لا يتوقعون البعث فليس الأمر كذلك بل على سبيل الأمر، ولذا قال بمعنى توقعوا بعثكم، وقد جوّزوا أن يكون هذا من الكلام المنصف، والاستدراح فربما يتنبهون إذا تفكروا ويقطعون بالبعث ومن العجب ما قيل على المصنف رحمه الله تعالى إن ظاهر عبارته أن عل اسم فعل كعليكم، وهو يحتاج إلى نقل فكأنه لم ينظر شيئا من شروح الكشاف، والسكوت في بعض الأماكن أبلغ من النطق. قوله:(وتبتوا) أي تقطعوا من البت، وقوله لعدوه تفسيراً لقوله تعالى ليقولن فلذا أدخل عليه اللام الواقعة في النظم في جواب القسم المقدر، وباء بانكاره صلة البت أي لا تقطعوا بسلبه وانتفائه، وقوله ما لا حقيقة له تفسير للسحر فإنهم أرادوا به الشعوذة، وما لا حقيقة له منه لا مطلق السحر فإن منه ما له حقيقة كما قدمناه، وبهذا يندفع ما يرد على تفسيره بمثله. قوله:(الموعود) في العذاب هنا قولان فقيل هو عذاب الآخر، وقيل عذاب الدنيا، وهو إمّا عذاب بدر أو قتل المستهزئين وهم خمسة نفر ماتوا قبل بدر قال جبريل عليه الصلاة والسلام: أمرت أن أكفئهم أي أقتلهم كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقول المصنف رحمه الله تعالى الموعود شامل لهذه الأقوال، وقوله جماعة من الأوقات فالأمّة بمعنى الطائفة مطلقا وان غلب في العقلاء، وقوله قليلة مأخوذ من قوله معدودة لأنّ الشيء القليل يسهل عده وسيأتي تحقيقه في سورة الكهف. قوله:(استهزاء) يعني أنّ قولهم ما يمنعه من الوقوع للاستعجال، وهو كناية عن الاستهزاء والتكذيب لأنهم لو صدقوا به لم يستعجلوه، وقوله كيوم بدر إشارة إلى ما مرّ. قوله:(ويوم منصوب بخبر ليس مقدّم عليه وهو دليل الخ) أي متعلق بمصروفاً واستدل به البصريون على جراز تقديم خبرها لأنّ تقديم المعمول يؤذن بتقديم عامله بطريق الأولى، وإلا لزم مزية الفرع
على أصله، وقال الشاطبيئ رحمه الله تعالى في شرح الألفية: هذه القاعدة منازع فيها فإنها لا تطرد ألا ترى أنك تقول أما زبداً فاضرب وقال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [سورة الضحى، الآية: 9] فقد تقدّم هنا معمول الفعل، والفعل لا يلي أما والحجازيون يقولون ما اليوم زيد ذاهبا، ولا يجوز تقديم خبرها بالاتفاق، والكوفيون أجازوا هذا طعامك رجل يأكل، وزيداً ضربني فأكرمت فقدموا معمولط يأكل، وهو نعت لرجل لا يتقدم على المنعوت ومعمول! رمت، وهو معطوف على ضربني، والمعطوف لا يتقدم على المعطوف عليه، ولا النعت ملى المنعوت، وفي الكشاف ما يخالفه في قوله تعالى:{وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} انتهى. وقيل المعمول هنا ظرف يبنى الأمر فيه على التسامح فيه، مع أنه قيل إنه متعلق بفعل محذوف دل عليه ما بعده، وتقديره ألا يصرف عنهم العذاب يوم يأتيهم، وقيل تقديره يلازمهم! وم يأتيهم الخ. وقيل يوم مبتدأ لا متعلق بمصروفا، وبني على الفتح لاضافته للجملة، وفي نجاء الظرف إذا أضيف لجملة صدرها فعل مضارع معرب خلاف للنحاة سيأتي فهذا الجواب غير مسلم، وهذا الخلاف بينهم في تقديم الخبر على ليس لا على اسمها فإنه جائز بلا خلاف، والكلام فيه وفي أدلته مفصل في كتب النحو، وقوله وضع الماضي الخ لأنّ مقتضى الظاهر المناسب لما قبله ويحيق، وكان الظاهر أيضا أن يقال ما كانوا به يستعجلون لكنه وضع موضعه لما ذكر. قوله:(ولئن أعطيناه نعمة بحيث يجد لذتها (لما كاق الذوق اختبار طعم المطعوم ملائما كان أولاً وكانت الرحمة النعمة مطلقا مطعوما أو غيره كان الذوق عاما من هذا الوجه، ولما أريد ما يلائم، ويستلذ منه كان خاصا من وجه فلذا فسره ر! اذكر، وجعله مجازاً عنه، وفوله منا بيان لأنها بمحض الفضل، والأنعام لا الاستيجاب، وقوله منه إما بمعنى من أجل شؤمه فمن تعليلية أو صلة للنزع، وقوله لقلة صبره في الكشاف لعدم صبره لأنه لا يخلو من صبر ما أو المراد بالقلة العدم، وهو المناسب لما بعده، وقوله بعد عدم بالضم أي فقر. قوله: (وفي اختلاف الفعلين نكتة لا تخفى) المراد بالفعلين أذقنا ومسته أي لم يقل مسسناه بالإسناد إلى ضمير المتكلم كما في أذقنا للدلالة على أن مس الضر ليس مقصود بالذات إنما وقع بالعرض بخلاف إذاقة النعماء كما أشار إليه المصنف في غير هذا المحل، وعلى هذا ينبغي أن يفسر قوله، ثم نزعناها منه بمن أجل
شؤمه، وسوء صنيعه وقبيح فعله ليكون قوله منا، ومنه مشيرا إلى هذا المعنى، ومنطبقا عليه كما قال تعالى:{مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [سورة النساء، الآية: 79] وقيل المراد بالفعلين تحوّل النعمة إلى
الشدة وعكسه لا الفعل الاصطلاحيّ يعني أنّ اختلافهما في التعبير حيث بدأ في الأوّل باعطاء النعمة، واذاقة الرحمة، ولم يبدأ في الثاني بإذاقة الضرّ على نمطه تنبيها على سبق رحمة الله على غضبه، وقيل المراد أذقنا ومست، واختلافهما تخصيص! الأوّل بالنعماء، والثاني بالضراء، والنكتة تغليب جانب الرحمة، ولا يخفى أنّ ذكره بعيداً يأباه. قوله:(أي العصائب التي ساءتني (المصائب جميع مصيبة، وكان القياس فيه مصاوب لكنهم شبهوا الأصلي بالزائد، وقول الخليل إنه الخطا الواضح مراده هذا لكنه تسمح في تعبيره، وقوله ساءتني يشير إلى أن السيئة هنا من المساءة ضدّ المسرّة لا بمعنى الخطيئة، ومعنى ساءتني فعلت بي ما أكره. قوله:) بطر بالنعمة مغترّ بها) فرح كحذر بمعنى فاعل حول للمبالغة والفرج أكثر ما يرد في القرآن للذم فإذا قصد المدح قيد كقوله: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ} [سورة آل عمران، الآية: 70 ا] . قوله: (تنبيه على أنّ ما يجده الإنسان في الدنيا الخ) وجه التنبيه ظاهر لأنّ المس أوّل الوصول، والذوق ما يخبر به الطعوم فمحن الدنيا لسرعة تقضيها للمؤمن كلا شيء ولغيره أنموذج لما بعده، ولذا قد يقصد بذلك المبالغة لاشعاره بأنه مقدمة لغيره، والتنبيه الأوّل محصله الإشارة إلى أنها أنموذج ما بعدها، وقوله وأنه يقع معطوف على أنّ ما يجده، وهذا تنبيه على عدم صبر الإنسان، وأنه يتحوّل بأدنى شيء من الخير والشر وليس ابتناء الثاني على أن المراد أدنى ما يطلق عليه اسم الذوق، والمس والأوّل على خلافه، وأنه محمول على أصل وضعه كما توهم. قو! ":(كالأنموفي) قيل عليه أنه قال في القاموس: النموذج بفتح النون معرب، والأنموذج لحن قلت هذا لم تعرّبه العرب قديما، وما ذكره في القاموس تبع فيه الصاغاني، وليس كما قال ففي المصباح المنير الأنموذج بضم الهمزة، والنموذج بفتح النون معرب، وأنكر الصاغاني أنموذج لأنّ المعرّب لا يزاد فيه انتهى، وما ذكره الصاغاني ليس بصحيح ألا تراهم قالوا في تعريب هليله اهليلج كما أوضحناه في شفاء الغليل نعم هو أفصح كما في شعر البحتري:
أو أبلق يلقي العيون إذ أبدا من كل شيء معجب بنموذج
قوله: " يماناً بالله تعالى واستسلاماً لقضائه الما تضمن اليأص عدم الصبر، والكفران عدم الشكر كان المستثنى من ذلك ضدّه ممن اتصف بالصبر والشكر فلما قيل إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات كان بمنزلة إلا الذين صبروا وشكروا، وذلك من صفات المؤمن فكنى بهما
عته فلذا فسره في الكشاف بقوله إلا الذين آمنوا فإنّ عادتهم أن نالتهم رحمة أن يشكروا وان زالت عنهم نعمة أن يصبروا فلهذا حسنت الكناية به عن الإيمان وأمّا دلالة صبروا على أنّ العمل الصالح شكر لأنه ورد في الأثر الإيمان نصفان نصف صبر، ونصف شكر، ودلالة عملوا الخ على أنّ الصبر إيمان لأنهما أخوان في الاستعمال فغير مطابق لما نحن فيه إلا أن يراد وجه آخر كأنه قيل إلا المؤمن الصالح الصابر الشاكر، وهو وجه لكن القول ما قالت حذام لأنّ الكناية تفيد ذلك مع ما فيها من الحسن، والمبالغة كذا أفاد. المدقق في شرحه، وكلام المصنف رحمه الله تعالى لا يخالفه فما قيل إنّ المسلم يثق بالله أن يعيد نعمه إن زالت، ولا يغتر بالنعم بل يشكر لعلمه أنها من فضله بخلاف الكافر، وهذا باعتبار الأغلب، وأنه من شأنهم فلا يضر تخلفه في بعض الأفراد كما توهم، ثم قال إنّ قوله إيماناً، وشكراً إشارة إلى أن تعبير جار الله له بالإيمان ليس كما ينبغي غير مسلم، ووصفه الأجر بالكبير لأنه مخلد مع ما معه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولذا قال أقله الجنة ورضوان من الله كبر، واختاره على عظيم لرعاية الفاصلة. قوله:(والاستثناء من الإنسان الخ) إشارة إلى أنّ اللام للجنس، والاستغراق من شعبه فيحمل عله حيث لا عهد ومن حمله على الكافر جعله للعهد لسبق ذكره فيكون الاستثناء منقطعا. قوله: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك الما كان الترجي يقتضي التوقع، وتوقع ترك التبلغ لما أمر بتبليغه أو التواني للتقية، ونحوها مما لا يليق بمقام النبوّة قيل في الجواب عنه لا نسلم أن لعل هنا للترجي بل هي للتبعيد فإنها تستعمل لذلك كما تقول العرب لعلك تفعل كذا لمن لا يقدر عليه فالمعنى لا تترك، وقيل إنها للاستفهام
الانكاري كما في الحديث: " لعلنا أعجلناك) (1) وان سلم فهو لتوقع الكفار فإنه قد يكون لتوقع المتكلم، وهو الأصل لأنّ معاني الانشا آت قائمة به، وقد يكون لتوقع المخاطب أو غيره ممن له تعلق، وملابسة بمعناه كما هنا فالمعنى أنك بلغ بك الجهد في تبليغهم أنهم يتوقعون منك ترك التبليغ لبعضه، ولو سلم أن المتوقع منه هو النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا يلزم من توقع الشيء وقوعه، ولا ترجح وقوعه لوجود ما يمنع منه وعلى هذا اقتصر المصنف رحمه الله
تعالى، وتوقع ما لا يقع منه المقصود تحريضه على تركه، وتهييج داعيته كما أشار إليه في الكشاف وسيأتي جواب آخر عن هذا، وقوله تترك الخ إشارة إلى أنّ المراد باسم الفاعل المستقبل ولذلك عمل، وأنّ المراد ترك تبليغهم لا مطلق التبليغ، وما يخالف كالطعن في آلهتهم، والخيانة في الوحي كتمه والتقية الترك للخوف، والترك في بعض الأحيان لداع ليس بخيانة لأنه لا يوجب الفوت فيرتفع الوثوق به ويفوت مقصود البعثة، وقوله أن يكون ما يصرف الخ. كان تامّة وفي بعض النسخ أقوى فهي ناقصة. قوله تعالى: ( {وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} (قيل: هو معطوف على تارك سواء كان جملة أو مفردا ورد بأنّ هذا واقع لا متوقع قالوا وحالية، وفيه نظر لأنّ ضيق صدره من الموحى به أن حمل على ظاهره ليس بمتوقع أيضا وإنما يضيق صدره لما يعرض في تبليغه من الشدائد، وهذا بناء على ما فسروه فإن قلت إذا كان المعنى كأني بك ستترك بعض ما أوحي إليك وشق عليك أذني ووحيي أيضاً، وهو أن يرخص لك فيه كما أمر الواحد بمقاومة عشرة، ثم أمروا بمقاومة الواحد لاثنين، وغير ذلك من التخفيفات لم يكن فيه محذور أصلا قلت يأباه قوله أن يقولوا الخ نعم لو أريد ترك الجدال بالقرآن إلى الجلاد، والضرب والطعان لأنّ هذه السورة مكية نازلة قبل الأمر بالقتال صح فتأمّله، وعدل عن ضيق الصفة المشبهة إلى اسم الفاعل ليدلّ على أنه مما يعرضى له لأنّ الله تعالى شرح صدره، وكذا كل صفة مشبهة إذا قصد بها الحدوث تحوّل إلى فاعل فيقولون في سيد سائد وفي جواد جائد وفي سمين سامن قال:
بمنزلة أمّا اليتيم فسامن وأمّا كرام الناس باد شحومها
وظاهر كلام أبي حيان أنه مقيس وقيل إنه لمشابهة تارك ومنه يعلم أنّ المشاكلة قد تكون حقيقة وقول المصنف رحمه الله تعالى، وعارض! لك أحيانا إشارة إلى دلالته على الحدوث، ومنه تعلم أنّ المشاكلة غير مناسبة للمقام. قوله:(بأن تتلوه عليهم مخافة أن يقولوا الخ) بأن متعلق بعارض أي عارض بسبب تلاوته وهو تفسير لقوله به فالضمير للقرآن، وهو ما يوحى، وأن يقولوا في محل نصب أو جرّ على الخلاف في أن وأن وما معهما بعد حذف المضاف أو حرف الجز، وقيل تقديره لئلا يقولوا أو بأن يقولوا أو كراهة أن يقولوا وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى: لأن يقولوا أي لأن قالوا فهو بمعنى الماضي قيل ولا حاجة إليه، وكيف يذعي ذلك، ومعه ما هو نص في الاستقبال يعني أن (قلت (بل إليه حاجة، وهو أنه روي في سبب النزول
أنهم قالوا اجعل لنا جبال مكة ذهبا أو ائتنا بملائكة يشهدون بنبوّتك إن كنت رسولاً، وروي أن كلا قالته طائفة، وقيل القائل ابن أمية، ولذا قيل إن تقدير كراهة أولى من تقدير مخافة لوقوع القول إلا أن يراد مخافة تكريره، وعلى الجمع يحتاج الإنزال إلى التأويل (قلت) الظاهر أنّ التقدير أن يقولوا مثل قولهم لولا الخ، وحينئذ لا يرد شيء، ولا تخرج أن المصدرية عن مقتضاها، وقوله وقيل الخ معطوف على ما قبله بحسب المعنى لأنه في قوّة أن يقول الضمير للقرآن يعني لما يوحى الدال عليه، وقوله ولا عليك أي لا بأس عليك، واسم لاسمع حذفه في مثله، وقوله يضيق به صدرك جمل حالية، وهي المستفهم عنها في الحقيقة وقوله فتوكل الخ تفريع عليه لأنه بمعنى قائم بكل أمر وحافظ له. قوله:(أم مئقطعة والهاء لما يوحى) ذكروا فيها وجهين أحدهما أنها منقطعة فتقدر ببل، والهمزة الإنكارية أي بل أيقولون وقيل إنها متصلة، والتقدير أيكتفون بما أوحينا إليك أم يقولون إنه ليس من عند الله، والأوّل أظهر، ولذا اقتصر عليه المصنف. قوله:(في البيان وحسن النظاً تحدّاهم أوّلاً الخ) دفع لسؤال، وهو أنه قد سبق التحدي بسور من مثله في البقرة، ويونس فما وجه التحدي بعد ذلك بعشر سور مطلقاً أو ما تقدم إلى هنا كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأن نوزع فيه بأن بعضها مدنيّ وهذه مكية، ولا معنى للتحدي بعشر لمن
عجز عن التحذي بواحد بأنّ هذا التحدي وقع أوّلاً فلما عجزوا تحداهم بسورة مما مرّ وان كان سابقاً في التلاوة متأخر في النزول، واعترض بأنّ هذا يقتضي تقدم هذه السورة على سورة البقرة وبونس، وقد أنكره المبرّد، وقال الأمر بالعكس، ووجهه بأنّ ما وقع أولاً هو التحدي بسورة مثله في البلاغة والاشتمال على ما اشتمل عليه من الأخبار عن المغيبات والأحكام، وأخواتها فلما عجزوا عن ذلك أمرهم بأن يأتوا بعشر سور مثله في النظم، وان لم تشتمل على ما اشتمل عليه، وقيل عليه أنه لا يطرد في كل سورة من القرآن وأنّ تقدم السورة على السورة لا يقتضي تقدم جميع آياتها فيجوز تأخر تلك الآية عن هذه، وأمّا تكرّرها في البقرة ويونس فلا بأس فيه.
(قلت (أمّا قوله غير مطرد فلا وجه له لأن مراده اشتماله على شيء من الأنواع التسعة ولا
يخلو شيء من القرآن عنها، وأمّا اذعاء تأخر نزول تلك الآية فخلاف الظاهر، ومثله لا يقال بالرأي فالحق ما قاله المبرّد من أنه تحداهم أوّلاً بسورة مثله في البلاغة، والاشتمال على ما اشتمل عليه فلما عجزوا عن ذلك أمرهم بالإتيان بعشر سور مثله في النظم من غير حجر في المعنى، ويشهد له توصيفها بمفتريات وأمّا ما قيل إن التحدّي بسورة وقع بعد إقامة البرهان على التوحيد، وابطال الشرك فتعين أن يكون لإثبات النبوّة بإظهار معجزة، وهي السورة الفذة، ولذا قال المحققون القرآن هو الكلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بسورة منه والتحدي بعشر وقع بعد تعنتهم، واستهزائهم، واقتراحهم آيات غير القرآن لزعمهم أنه مفتري فمقامه يناسبه التكثير
لأنه أمر مفتري عندهم فلا يعسر لإتيان بكثير مثله فمع قلة جدواه لا وجه لما أسسه عليه كما في الكشف. قوله: (وثوحيد المثل باعتبار كل واحد) أي كان الظاهر مطابقته لموصوفه في الجمعية لكنه أفرد بتاويله بكل واحد منها مثله إذ هو المقصود لا مماثلة المجموع، وقيل مثل، وان كان مفرداً يجوز فيه المطابقة، وعدمها لأنه يوصهف به الواحد، وغيزه نظراً إلى أنه مصدر في الأصل كقوله تعالى:{أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} وقد يطابق كقوله: {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ} [سورة الواقعة، الآية: 22] وقيل إنه هنا صفة لمفرد مقدر أي قدر عشر سور مثله، وقيل إنه وصف لمجموع العشر لأنها كلام، وشيء واحد، وأيضا عشر ليس بصيغة جمع فيعطي حكم المفرد كنخل منقعر. قوله:(مفتريات مختلقات الخ) قال الإمام استدل بهذه الاية على أن إعجاز القرآن بفصاحته لا باشتماله على المغيبات، وكثرة العلوم إذ لو كان كذلك لم يكن لقوله مفتريات معنى أمّا إذا كان بالفصاحة فالفصيح يكون صدقا وكذبا، وقيل عليه إنّ الملازمة ممنوعة لأن معنى قوله مفتريات من عند أنفسكم كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى لا كذباً وردّ بأن معنى الافتراء الكذب، والاختلاق اختراع الكذب لا مطلق الاختراع كما ظنه لكن ما ذكر. إنما يدل على صحة كون وجه الإعجاز ذلك، ولا يمنع احتمال كونه الأسلوب الغريب، وعدم اشتماله على التناقض، وقوله من عند أنفسكم قيده به لأنّ المعنى عليه إذ هم عرب عرباء فصحاء فالمطلوب الإتيان به من عندهم لا من عند غيرهم، وكذا ما بعده. قوله:(لتعلمكم القصص والأشعار الخ) ذكره توطئة لما بعده ولا منافاة فيه لما قبله كما توهم، والنظم عطف تفسيري للقريض إن لم يرد به ترتب المعاني الأول في النفس كما وقع في كلام عبد القاهر بهذا المعنى، وقوله فصحاء مثلي المثلية أمّا في عدم القدرة على طبقة الإعجاز أو تنزل منه صلى الله عليه وسلم فلا يرد أنه أفصح العرب بالاتفاق كما قيل. قوله تعالى:( {وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم} ) قدم تفسيره باستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به، وقوله من دون الله متعلق بادعوا كما مرّ وفائدة ذكره الإشارة إلى أنه لا يقدر على مثله إلا الله، وقد مرّ تحقيقه. قوله:(وجمع الضمير الخ) يعني أن الأمر بقل للنبيّ صلى الله عليه وسلم فمقتضاه أن يقال لك لكنه جمع للتعظيم بناء على أنّ ذلك لا يختص بضمير المتكلم كما قاله الرضي أو الضمير للنبيّ صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين لأنهم كانوا يتحدّون أيضا، وأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم شامل لهم لأنهم مأمورون بما أمر به ما لم يعلم أنه من خصائصه، وفي هذه المسألة اختلاف عند الشافعية كما صرّح به في جمع الجوامع لكن الأصح عندهم إن أمره بشيء
لا يتناول أقته والمصنف رحمه الله تعالى ذهب هنا إلى القول المرجوح عندهم، ومحل الخلاف ما لم يكن المأمور به يقتضي المشاركة كالقتال فما قيل إنّ قوله وكان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الخ تعليل لقوله:
كانوا يتحدونهم، وهو مخالف لمذهبه غير وارد وهاهنا بحث، وهو أنه ذكر في الكشاف تأييداً لهذا الوجه قوله تعالى في موضع آخر فإن لم يستجيبوا لك فاعترض! عليه بعض علماء العصر بأنه لا يصلح لتأييده بل لتأييد كون المراد الرسول صلى الله عليه وسلم وجمع للتعظيم، وأجاب بأنه تأييد له بالنسبة للوجه الثالث إذ محصله أنّ الضمير للمتحدّي لا للمشركين، ولا يخفى بعده، ولو قيل إنه تأييد له لأنه خوطب النبيّ صلى الله عليه وسلم في محل آخر بالكاف، ولو كان الجمع للتعظيم جمع هناك أيضاً فتأثل. قوله:(وللتنبيه على أنّ التحدّي الخ (الظاهر أنه معطوف على قوله لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم والوجوه ثلاثة إمّا أن يكون ضمير الجمع للرسول صلى الله عليه وسلم وحده جمع للتعظيم أو له وجمع مجازا أيضا تنزيلاً لفعله منزلة فعلهم جميعا لأنهم معه على حدّ بنو فلان قتلوا قتيلا، وجعل فعله كفعلهم إشارة لما ذكره، وعطفه باً لواو لاشتراكه مع الأوّل في أنه مجاز، وأنه يكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم وحده فيهما بخلاف الثاني فإنه للنبيّ صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين فالجمع على حقيقته، وقيل إنه عطف على قوله لأن المؤمنين، والفرق بينهما أنّ مبني الأوّل على كونهم متحدين حقيقة معه صلى الله عليه وسلم، ومبني الثاني على كونهم حاضرين عند تحديه غير غافلين عنه فكأنهم متحدون أيضاً، وإنما عطف بالواو دون أو مع تباين مبناهما لاتحادهما في كون الخطاب للمؤمنين فهما مباينان للأوّل لكون الخطاب فيه للنبيّ صلى الله عليه وسلم وحده، وقيل إنه معطوف على لهم، والمعنى لأنّ المؤمنين الخ يعني في الخطاب تنبيه لهم على أنّ التحدي يوجب ما ذكر فوجب أن لا يغفلوا عنه، ويشتغلوا به، وقيل إنه معطوف على قوله من حيث الخ يعني أمر قل يتناولهيم لدليلين أحدهما ما تقرّر أنه يجب اتباعه عليهم، والثاني أنّ في تناول هذا الأمر تنبيها على أن التحذي الخ فهذا دليل مخصوص يتناول هذا الأمر بخصوصه بخلاف الأوّل لعمومه في كل أمر سوى ما خصه الدليل، وقيل عليه أن التنبيه المذكور يصلح أن يكون باعثا لا يراد الخطاب في لكم جميعا بعدما أورد مفرداً، ولا يصلح أن يكون دليلا يثبت به تناول الأمر الوارد بلفظ المفرد كما ثبت بما قبله، وهذا مبنيّ على انّ المراد بالتحدي تحدي النبيّ صلى الله عليه وسلم أو جنسه، وأنّ المراد بقوله فلا تغفلون عنه أنهم يفعلونه أو يراقبونه فعلى أن المراد الجنس وفعلهم له يكون مندرجا في العلية، ويصلح دليلاً، ولا ورود لاعتراضه ويظهر وجه عطفه بالواو أيضا فتدبر. قوله: (ولذلك رتب عليه قوله الخ) أي لكونه يزيدهم رسوخا في الإيمان بالله وكتبه، ورسله عليهم الصلاة والسلام رتب عليه ما يدلّ على ذلك. قوله:(إنما أنزل بعلم الله ملتبساً بما لا يعلمه الخ) جعل ما كافة، وفي أنزل ضمير ما أوحى، وبعلم الله حال أي ملتبسا بعلمه، وإنما هذه تفيد الحصر كالمكسورة على الصحيح فالمعنى ما أنزل إلا ملتبساً بعلمه لا يعلمه غيره، وهو
معنى قول المصنف رحمه الله لأنه إذا التبس بعلمه لا يعلمه إلا هو، والمراد بما لا يعلمه غيره، ولا يقدر عليه سواه الكيفيات، والمزايا التي بها الإعجاز والتحدّي، ومن ضم إليه المغيبات لأنها لا يعلمها سواه فلبيان الواقع لا لأنّ به التحدي لكنه لا ينافيه، وضمّ المصنف رحمه الله إليه قوله، ولا يقدر عليه سواه مع أنّ المذكور في النظم العلم دون القدرة قيل لأنّ نفي العلم بالشيء يستلزم نفي القدرة لأنه لا يقدر أحد على ما لا يعلم فتأمّل. قوله:(لا يعلمه إلا الله) قال صاحبنا الفاضل المحشي الذي يظهر من هذه العبارة أن يكون كلا جانبي الحصر بعد الباء فلا يكون محمولاً على استفادة الحصر من أنما المفتوحة كما ذكره العلامة في سورة الكهف بل هو مستفاد من الإضافة كما في قوله فلا يظهر على غيبه أحداً أي على غيبه المخصوص بعلمه كما أفصح عنه خاتمة المفسرين هنا اص. قوله: (لأنه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر الخ) دليل للحصر المفيد العلم لهم لأنه علم ما لا يعلمه غيره وقدر على ما لا يقدر عليه سواه فقوله بما لا يعلم ناظر إلى العلم، ولا يقدر إلى القادر وعطفه عليه على حد قولهم متقلداً سيفا، ورمحاً أي والقادر على ما لا يقدر الخ. فلا يرد أنّ قادراً لا يتعدى إلى قوله بما لم يعلم. قوله:(ولظهور عجز ا-لهتهم الخ) هذا مخصوص بالمشركين دون من آمن من أهل الكتاب فلهذا صرّح به، وإن دخل فيما قبله فلا يقال إنه لا حاجة لذكره فالمؤكد
لإيمانهم قوله فاعلموا إنما أنزل بعلم الله، وقوله، ولتنصيص الخ عليه متعلق بتنصيص، والمراد بهذا الكلام القرآن لا فوله لا إله إلا الله حتى يقال إعجاز بعض آية لم يقل به أحد، وهذا دليل آخر على الوحدانية مركب من السمعيّ، والعقلي لكنه قيل عليه لا يتوجه به تفريعه على عدم الاستجابة، وهو المقصود فتأمّل، والتهديد وما بعده مبنيّ على تفسيره بما مز. قوله:) ثابتون على الإسلام الخ) هذا بناء على أنّ الخطاب للمسلمين، وقوله مطلقا بالنسبة إليهم، والى من دعوهم لمعاونتهم، والى غيرهم من المسلمين لأنهم وإن لم يباشروا المعارضة علم من عجز من هو في مرتبتهم أو عرفوه بما فهموه من أمارات إعجازه. قوله:(ويجورّ أن يكون الكل خطاباً) أي في لكم للمشركين، والضمير الغائب في يستجيبوا لمن دعوهم فيعود على من في من استطعتم، ويكون ذلك من مقوله داخلا في حيز قل، وعلى الأوّل هو من قول الله للحكم يعجزهم كقوله:{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} [سورة البقرة، الآية: 24] وقوله، وقد عرفتم الخ جزم به، ولم يقل وعرفتم عطفا على لم يستجيبوا لدلالة استعانتهم المفروضة على ثبوت
عجزهم. قوله: (أنه نظم لا يعلمه إلا الله الخ) أي لا يحيط بما فيه من البطون والمزايا إلا هو، وما دعاهم إليه من التوحيد يعلم لثبوت نبوّته يك! يه! بالمعجزة، وقوله وفي مثل هذا الاستفهام أي إلاستفهام بهل فإنها لطلب التصديق، وترتبه بالفاء على ما قبله يقتضي وجوبه من غير مهلة بشهادة التعبير بمسلمون دون تسلمون، والتنبيه المذكور من الفاء في قوله فهل، وظاهر كلامه يثير إلى ترجيحه كما في الكشاف لأنّ الكلام بحسبه ملتثم موافق لما قبله لأن ضمير الجمع في الآية المتقدمة للكفار، والضمير في هذه الآية ضمير الجمع فليكن للكفار أيضاً ولأنّ الكفار أقرب المذكورين فرجوع الضمير إليهم أولى، ولأنّ الحمل على المؤمنين يحتاج إلى تأويل العلم، والإسلام بالدوام، والخلوص بخلافه على هذا، ويمكن جعله راجعاً إليهما بأن يكون المراد إبجاب الدوام، والخلوص، وزوال العذر عن تركه، وقوله بإحسانه الضمير راجع لمن أي من يريد بإحسانه الدنيا أو الرياء، ولم يخلصه لوجه الله، وإنما قدّر ذلك لاقتضاء السياق، ولأنه لو أريد ظاهره لم يكن بين الشرط، والجزاء ارتباط لأنه ليس كل من تلذذ بالدنيا كذلك. قوله:(نوصل إليهم جزاء أعمالهم) يعني أنّ في الكلام مضافا مقدّرا أو الأعمال عبارة عن الجزاء مجازا والأوّل أولى ووفى يتعدى بنفسه فتعديه بإلى إمّا لتضمنه معنى نوصل أو لكونه مجازاً عنه، والظاهر من كلامه الثاني لأنه لو أراد الأوّل قال نوصله إليهم، وافيا كما في الكشاف، وقوله من الصحة الخ إشارة إلى ما سيأتي من احتمال من للوجوه الآتية، وقوله والرياسة هو ناظر إلى كونه في المرائين كما فسره الزمخشريّ بقوله فعلت ليقال كذا وكذا، وقد قيل فليس مخالفاً له كما قيل، وقوله ونوفي بالتخفيف أي من باب الأفعال بإثبات الياء إتا على لغة من يجزم المنقوص بحذف الحركة المقدرة كما في قوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
أو على ما سمع في كلام العرب إذا كان الشرط ماضيا من عدم جزم الجزاء إمّا لأنها لما
لم تعمل في الشرط القريب ضعفت عن العمل في الجزاء فتعمل في محله دون لفظه، ونقل عن عبد القاهر أنها لا تعمل فيه أصلاً لضعفها، والذي نقله المعرب أنّ للنحاة فيه مذهبين منهم من قال إنه في نية التقديم، ومنهم من قال إنه على تقدير الفاء، ويمكن أن يردّ ذلك إلى هذا، وليس مخصوصاً بما إذا كان الشرط كان على الصحيح وأمّا قراءة الجزم فظاهرة وما نقل عن الفرّاء من أنّ كان زائدة فيها كأنه أراد أنها غير لازمة في المعنى فقدر إقحامها ليكون الشرط
مضارعا في المعنى فيقتضي جواباً مجزوماً فلا يرد عليه أنه غير صحيح للزوم أن يقال يرد بالجزم وفي الأحكام أنّ هذه الآية تدلّ على أنّ ما سبيله أن لا يفعل الأعلى وجه القرية لا يجوز أخذ الأجرة عليه لأنّ الأجرة من حظوظ الدنيا فمتى أخذ عليه الأجرة خرج من أن يكون قربة بمقتضى الكتاب، والسنة. قوله: (كقوله:
وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لاغائب مالي ولا حرم)
هذا البيت- من كقصيدة لزهير بن أبي سلمى في مدح ممدوحه هرم بن سنان، وهي من القصائد المشهورة فلذا لم أورد منها شيئا لشهرتها، والخليل هنا من الخلة، وهي الفقر أي فقير، والمسغبة المجاعة، والمراد زمان الشدّة
والقحط، وحرم بفتح الحاء، وكسر الراء من الحرمان بمعنى ممنوع أي لا يعتذر إليه بعذر كما لي غائب أو لا أعط بل يسارع إلى البذل لكرمه. قوله:(لا ينقصون شي! اً- مبن أجورهم) ينقصون مجهول، وشيئا تمييز وضمير فيها ظاهره أنه للدنيا لكن قيل الأظهر أن يكون للأعمال لئلا يكون تكراراً بلا فائدة ورذ بأنّ فيه فائدة لإفادته أنّ البخس ليس إلا في الدنيا فلو لم يذكر توهم أنه مطلق لأنّ المعنى هم غير مظلومين في إيفاء جزاء أعمالهم في الدنيا دون تأخيره إلى دار القرار، والمصنف رحمه الله تعالى لم يتعرّض فلا يرد عليه شيء كما قيل مع أنه يكون للتأكيد، ولا ضرر فيه. قوله:(والآية الخ) وإذا كانت في الكفرة وبرهم أي إحسانهم فهي على العموم لأنهم يعجل لهم ثواب أعمالهم في الدنيا على المشهور، وقيل إنه يخفف به عنهم عذاب الآخرة، ويشهد له قصة أبي طالب فلا وجه لما قيل إنّ الظاهر إنها في منكري البعث أو المرائين من مقريهم إذ لا يتمشى على القولين لكن حصرهم في الكينونة في النار يقتضي أنها في الكفار، ومنافقيهم لا في أهل الرياء إلا أن يقال المعنى ليس يحق لهم إلا النار، وجائز أن يعفى عما استحقوه، ويكون المراد من سوقها كذلك التغليظ في الوعيد، والحاصل أنه تعالى ذكر بطلان أعمال هؤلاء، والأعمال الباطلة إفا أعمال الكفار أو أعمال أهل الرياء إذ غيرهم لا يبطل عمله فلذا اختلف فيه المفسرون، ورجح العلامة الأوّل لأنّ السياق في الكفرة، ولأن قوله ليس لهم في الآخرة إلا لنار لا يليق على إطلاقه إلا بهم، وعلى تفسير. بأهل الرياء لا بد من تقييده فيقال ليس لهم في الآخرة بسبب أعمالهم الريائية إلا النار كما في شرح الكشاف، والأصل عدم التقييد، وهو معنى قول المصنف رحمه الله تعالى في مقابلة ما عملوا أو يؤوّل بما مرّ لكن لا حاجة إليه في كلام
المصنف رحمه الله تعالى إلا أن يقال إنه يؤول إليه فمراده بيانه تأمّل، وقوله الحسنة بالرفع صفة صور، وأوزار العزائم جمع عزيمة، وهي نيته بما فعل من الرياء، وغيره. قوله:(لأنه لم يبق لهم ثواب في الآخرة الم يقل لم يبق لهم ثواب في الآخرة على أنه تفسير لحبط العمل لأنه ليس معنى الحبط إذ معناه إبطالها بعد تحققها، وليس بمراد بل المراد أنهم لا يجازون في الآخرة إمّا لجزائهم عليها في الدنيا أو لأنها لا تستحق شيئاً من الجزاء، وهذا المعنى معنى مجازفي للحبط عليها فلا وجه لما قيل حق التعبير ترك التعليلى إلى التفسير، وقوله أو لم يكن الترديد مبنيّ على أنّ المرائين من المؤمنين لهم ثواب في الآخرة بأعمالهم إلا أنهم لما استوفوا ما يقتضيه صورها في الدنيا لم يبق لهم ثواب في الآخرة، ويجوز أن لا يعتبر في حق ثواب الآخرة لأن العمدة في اقتضائه الإخلاص فتأمّله. قوله: (ويجوز تعليق الظرف الخ) وإذا تعلق بحبط فالضمير للآخرة، وقوله في نفسه قيده به ليفيد ذكره بعد الحبط فالمراد بالبطلان الفساد لعدم شرط الصحبة، وإلا فإن أريد به عدم بقائه لعدم بقاء الأعراض فجميع الأعمال كذلك، وإن أريد عدم الانتفاع رجع إلى الحبط، وقوله لأنه لم يعمل على ما ينبغي فلذا كان في نفسه باطلا، وهو توطئة لما بعده. قوله:(وكأنّ كل واحدة من الجملتين علة لما قبلها) فيكون المعنى ليس لهم في الآخرة إلا النار لحبوط أعمالهم، وعدم ترتب الثواب عليها لبطلانها، وكونها ليس على ما ينبغي فإن قيل حبط ما صنعوا، وبطلان ما عملوا يقتضي أن لا ينتفعوا به لا أن يكون لهم النار فكيف تصح العلية قلنا إذا بطل عمل الجوارح لم يبق لهم إلا أوزار العزائم السيئة كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فلهم النار في مقابلته فإذا عرفت بهذا وجه تعليل الحبوط لما قبله، وعلمت أنّ علة الحبوط لكونه لم يكن كما ينبغي، وهو معنى بطلانه كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى ندفع ما قيل إنه لقائل أن يقول ما قبلها مركب من أمرين ثبوت النار لهم ونفي الثواب عنهم، وحبوط ما عملوا ليس بعلة للأوّل لأنّ علته أوزار العزائم كما أشار إليه، ولا للثاني لأنّ الحبوط نفس نفي الثواب فلا يكون علة لنفسه. قوله:(وقرئ باطلأ على أنه الخ) وهذه القراءة شاذة ونسبت لعاصم، وقد خرّجت على ثلاثة أوجه الأوّل أن ما زائدة، وباطلاً منصوب بيعملون، وفيه تقديم معمول خبر كان، وفيه كتقديم الخبر خلاف، والأصح الجواز، والثاني، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله تعالى أنّ ما إبهامية، وباطلا منصوب بيعملون أيضاً، وما صفة للنكرة، والمعنى باطلا أقي باطل،
وهي كما في قوله: وحديث ما على قصره ولامرماجدع قصيرأنفه
وقيل إنها زائدة للتوكيد وقد تقدم تفصيله في قوله تعالى: {مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً} [سورة
البقرة، الآية: 26] والثالث أن يكون باطلا مصدراً بوزن فاعل كما في البيت المذكور، وهو منصوب بفعل مقدر، وما اسم موصول فاعله، واليه أشار بقوله أو في معنى المصدر الخ. قوله:(ولا خارجاً الخ) وهذا من شعر للفرزدق، وقد حلف أن لا يقول الشعر، ولا يذمّ أحداً وتزهد وأقبل على قراءة القرآن، وقال:
ألم ترني عاهدت ربي وأنني لبين رتاج قائما ومقام
على حلفة لا أشتم الدهرمسلما ولا خارجاً من فيّ زوركلام
أضمر الفعل كأنه قال، ولا يخرج خارجا، وجعل خارجاً موضع خروجاً، وعطف الفعل المضمر، وهو ولا يخرج على لا أشتم، ولا أشتم جواب للقسم أي حلفت بعهد الله لا أشتم الدهر مسلما، ولا يخرج من فيّ زور كلام خروجا، والرتاج باب الكعبة، وكان حلف عنده. قوله:(وبطل على الفعل (أي، وقرئ بطل على صيغة الفعل الماضي المعطوف على حبط، وهي من الشواذ. قوله تعالى: ( {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} (فيه وجهان أحدهما أنه مبتدأ، والخبر محذوف تقديره أفمق كان على هذه الأشياء كغيره كذا قرّره أبو البقاء، وأحسن منه أفمن كان كذا كمن يريد الحياة الدنيا، وزينتها، وحذف معادل الهمزة، ومثله كثير والهمزة للتقرير، والثاني وهو الذي نحاه الزمخشري أنه معطوف على مقدّر تقديره أمن كان يريد الحياة الدنيا فمن كان على بينة سواء أو يعقبونهم في المنزلة، ويقاربونهم لما بينهما من التفاوت البعيد، وهو أحد المذهبين في مثله والاستفهام على هذا إنكاريّ، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله تعالى كما ستراه، وهو مبتدأ محذوف الخبر على كلا الوجهين، وليس خبراً عن مبتدأ محذوف كما توهم، وعلى ما في الكشاف قيل لا بد من تقدير فعل ليستقيم المعنى أي أتذكر أولئك فتذكر أو يقال فيقال، والهمزة لإنكار هذا التعقيب، واليه أشار بقوله أن يعقب ويقارب، وليس بشيء، والتحقيق قول الشارح المدقق إن التقدير أمن كان يريد الحياة الدنيا على أنها موصولة فمن كان على بينة من ربه، والخبر محذوف لدلالة الفاء أي يعقبونهم أو يقربونهم، والاستفهام للإنكار فيفيد أنه لا تقارب بينهم فضلا عن التماثل فلذلك صار أبلغ من نحو قوله: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ} [سورة السجدة، الآية: 8 ا] وأمّا كونها عطفاً على قوله من كان يريد الحياة الدنيا فلا وجه له لأنه يصير من عطف الجملة، ولا يدل على إنكار التماثل، ولا معنى لتقدير الاستفهام في الأوّل فإن الشرط، والجزاء لا إنكار عليه، ومن لم يقف على ما أرادوه قال على قول المصنف رحمه الله تعالى، والهمزة لإنكار أن يعقب الخ اعتبار كونهم عقيب المذكورين سابقا حتى يتوجه الإنكار إليه ليس له كبير حسن عند من له ذوق صحيح فتدبر. قوله:) برهان من الله يدله على الحق والصواب) يعني المراد بالبينة الدليل الشامل للعقليّ، والنقليّ، والهاء للمبالغة أو النقل، وهي، وإن قيل إنها من بان بمعنى تبين، واتضح
لكنه اعتبر فيها دلالة الغير، والبيان له، وأخذه بغضهم من صيغة المبالغة كما قيل في ظهرانة بمعنى المظهر، وقوله فيما يأتيه، ويذره هذا أحسن من تخصيصه بالإسلام كما في الكشاف لكنه هو المناسب لما بعده. قوله:(والهمزة لإنكار أن يعقب من هذا شأنه الخ) يعني أن يكون هؤلاء في مرتبة بعد مرتبتهم فكيف يماثلونهم كما عرفت، ومن فاعل يعقب وهؤلاء مفعوله، وقوله المقصرين هممهم، وأفكارهم على الدنيا قيل في هذه العبارة تقصير لأنّ قصر لا يتعدى بعلى، واعتذر بأنه ضمن معنى القاصرين أو برفع هممهم على الابتداء وجعل على الدنيا خبره أي قاصرة عليها، وأن يقارب معطوف على أن يعقب، وهو مبنيّ للمجهول، وبينهم قائم مقام فاعله يشير إلى تفسير المنكر بالمقاربة لتقاربهما. قوله:(وهو الذي أغنى عن ذكر الخبر) الضمير لإنكار التعقيب، والمقاربة لأنه بمعنى المداناة في المماثلة فيدل على الخبر المحذوف، وقوله وتقديره بالرفع على الابتداء، وخبره أفمن الخ، وهذا التقدير لازم لأنّ المبتدأ لا بد له من الخبر إلا في مواضع ذكرها النحاة
ليس هذا منها، ويكفي لما ذكره من الإغناء كونه غير مذكور فلا يرد أنه إذا أغنى عنه فلا حاجة إليه لا لفظاً ولا معنى حتى يجاب بأنه مجرور معطوف على قوله ذكر فيكون مستغنى عنه أيضا، وأنه بيان لمحصل المعنى ولا اختلال في عبارته كما توهم، وهو في غاية الظهور.
قوله: (وهو (أي كونه على بينة حكم يعمّ كل مؤمن مخلص هذا بناء على الوجوه السابقة، ولا يختص بكونه للمرائين أو المنافقين، وقوله وقيل المراد به أي بمن كان على بينة، وهو معطوف على ما قبله بحسب المعنى، ومرضه لأنّ قوله أولئك لا يلائمه إلا أن يحمل على التعظيم ولأنّ السياق للفرق بين الفريقين لا بينهم، وبين النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله، وقيل الخ قيل إنه بناء على الوجه الثالث فيما تقدم، وقوله الذي هو دليل العقل خصه به لاقتضاء تفسير الشاهد بدليل السمع. قوله: (شاهد من الله) إشارة إلى أنّ الضمير السابق المجرور، وهذا لله لا للقرآن كما في الكشاف لأنه خلاف الظاهر، وقوله ومن قيل القرآن إشارة إلى أنّ الضمير عائد على الشاهد بمعنى القرآن لقربه، وقوله فإنها أيضا تتلوه في التصديق فلا ينافي تقدم نزولها زمانا فتأقل. قوله:(أو البينة هو القرآن) وفي نسخة وقيل البينة هو القرآن فيكون المراد بها البرهان السمعي،
وهو معطوف على قوله الذي هو دليل العقل بحسب المعنى، وهذا لم يذكره الزمخشري، والتقدير البينة برهان عقلي من الله أو القرآن، وقوله ويتلوه من التلاوة أي على هذا الوجه، وعلى ما قبله بمعنى يتبع كما مرّ والشاهد على هذا إفا جبريل عليه الصلاة والسلام أو لسان النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ أهل اللغة ذكروا من معاني الشاهد الملك واللسان، وقوله على أنّ الضمير له أي ضحمير منه للرسول صلى الله عليه وسلم على الوجه الأخير ومن للتبعيض، وعلى الأوّل الله، ومن ابتدائية، وقوله أو من التلوّ بضم التاء واللام، وتشديد الواو أو بفتح فسكون، ثم واو مخففة مصدر تلاه يتلوه بمعنى تبعه أي يتبع من كان على بينة أو البينة نفسها، وذكرت لأنّ تأنيثها غير حقيقيّ أو لكونها بمعنى البرهان، وضمير منه دلّه ومن ابتدائية، وقوله ملك يحفظه أي يصون صحفه لا أن حفظه بالتلاوة لأنّ ابن حجر قال لم يتل القرآن أحد من الملائكة غير جبريل عليه السلام. قوله:) وقرئ كتاب بالنصب الأنه معطوف على مفعول يتلوه، وقيل إنه منصوب بفعل مقدر أي يتلو كتاب موسى جمي! ولم يذكره لأن الأصل عدم التقدير، واماماً ورحمة حالان من كتاب موسى، وقوله أي يتلو الخ تفسير له على قراءة النصب وضمير منه لمن ومن تبعيضية، ومن كان على بينة من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، من أهل الكتاب، والشاهد علماؤهم، وقوله ويقرأ بيان لمعنى يتلو على هذا، وأنه من التلاوة، وشهادتهم على أنه حق لا مفتري، وفي الكشف والمراد به أهل الكتاب ممن كان يعلم أن نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق وأن كتابه هو الحق لما كانوا يجدونه في التوراة أي، ويتلو القرآن شاهد من هؤلاء، وهو عبد الفه بن سلام رضي الله عنه ولهذا جعله نظير قوله، وشهد شاهد الآية لأنه فسره به أيضاً، وهو يتلو من قبل القرآن كتاب موسىءسب! ، والحاصل أن من كان على بينة مؤمنو أهل الكتاب بدليل نفي المقاربة بينهم، وبين من تبعهم، وخص من بينهم تالي الكتابين، وشاهدهم بالذكر فمن تبعيضية لا تجريدية كما توهم دلالة على فضله وتنبيهاً على أنهم تابعوه في الحق، وأيد ذلك باعترافهم فبلغوا رتبة الشاهد وفي قوله يتلوه استحضار للحال ودلالة على استمرار التلاوة وهو في غاية المطابقة للمقام فتأقله وقوله كتابا مؤتما به في الدين أي مقتدي لأن الإمام يطلق على الكتاب، ولذا يسمى المصحف العثماني بالإمام، وقوله لأنه بيان لإطلاق الرحمة عليه. قوله:(بالقرآن) وفي نسخة أي بالقرآن بيان لمرجع الضمير وقيل إنه لكتاب موسى عليه الصلاة والسلام لأنه أقرب، ولا يناسب ما بعده من إيعاد من كفر من الأحزاب بالقرآن لا بالتوراة، ولكونه توطئة لما بعده لم يكن خاليا عن الفائدة، وقيل إنه للنبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله تحزب أي تجمع على حرب النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما في يوم أحد، وغيره. قوله:(يردها لا محالة) يعني أن موعد اسم مكان الوعد، وهم وعدوا بورود النار أي دخولها فهو مجاز المراد به ذلك كما قال حسان رضي الله عنه: أوردتموها حياض! الموت ضاحية فالنار موردها والموت ساقيها
وقوله لا محالة لأنه لا يخلف الميعاد، ولترتبه على الكفر المستلزم لدخولها، وهو توطئة
لقوله فلا تك في مرية مأخوذ منه، وكسر ميم المرية بمعنى الشك لغة أهل الحجاز الفصيحة المشهورة، والضم لغة أسد وتميم وبها قرأ السلمي، وأبو رجاء والسدوسيّ. قوله:) من الموعد) أي من كون النار موعدهم، وليس بأظهر كما قيل، والخطاب إن كان عامّا لمن يصلح له فالمراد تحريضهم على النظر الصحيح المزيل له، وان كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم فهو بيان لأنه ليس محلا للريب تعريضاً بمن ارتاب فيه، ولا يلزم من نهيه عنه وقوعه، ولا توقعه منه. قوله تعالى:( {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا} (المراد نفي أن يكون أحد أظلم منه أو مساوياً له في الظلم كما مرّ، وقوله كان أسند إليه ما لم ينزل كالمحرف الذي نسبوه إلى الله أو نفى عنه كاليهود المنكرين للقرآن ولما في كتابهم كنعت النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وآية الرجم، ويحتمل أن يريد أنه من الكلام المنصف أي لا أحد أظلم مني إن كنت أقول لما ليس بكلام الله أنه كلامه كما زعمتم أو منكم إن كنتم نفيتم أن يكون كلامه مع تحقق أنه كلام الله، وفيه وعيد، وتهويل للأمر قيل، ولا يبعد أن تكون الآية للدلالة على أن القرآن ليس بمفتري فإنّ من يعلم حال من يفتري على ألله كيف يرتكبه كما مز في سورة يون! في قوله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ} [سورة طه، الآية: 69] وقيل أراد به هذا، وما مرّ فيكون تفسيراً للآية بوجهين. قوله: (في الموقف) بيان لمحل العرض! ، وقوله بأن يحبسوا وتعرض أعمالهم تفسير له بأنّ المراد من عرضهم عرض! أعمالهم ففيه مضاف مقدر أو هو كناية عن ذلك، وقيل إنه مجاز والعرض على الله من قراءة صحف الأعمال، وبيان ما ارتكبوه ليطلع عليه أهل الموقف ويوبخوا بسوء صنيعهم، وان كان تعالى عالما بالسر والعلانية، وقيل إنها تعرض على الملائكة، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والمؤمنين فالعرض على الله إمّا مجاز أو حقيقة، وإسناده أي كونه على الله مجاز وفيه نظر والإشهاد جمع شاهد كصاحب، وأصحاب بناء على جواز جمع فاعل على أفعال أو جمع شهيد بمعناه كشريف وأشراف، ومعناه الحاضر، وفي الإشارة بقوله هؤلاء تحقير لهم وقوله
تهويل عظيم أي للعنة كل من يراهم، وقوله لظلمهم بالكذب على الله بيان لارتباطه بما قبله، وقوله عن دينه إشارة إلى أن السبيل كالطريق المستقيم الدين مجازاً. قوله:(ويصفونها بالانحراف (الانحراف تفسير للعوج، وهو ظاهر، ويقال بغيتك الشيء طلبته لك فتفسيره بوصفهم لها بالعوج بيان لأنه مجاز عن ذلك لأن من طلب شيئاً لآخر كأنه سبب لاتصافه به، ووصفه له فهو من إطلاق السبب على المسبب أو هو على حذف مضاف أي يبغون أهلها العوج أي الانحراف عن الدين بالردّة وحاصله أنهم يصفونها بالعوج وهي مستقيمة أو يبغون أهلها أن يعوجوا بارتدادهم للكفر وقيل يطلبونها على عوج، وعلى اختلاف معاني عوجا اختلف إعرابه على أنه حال أي معوجين أو مفعول به أي يبغون لها العوج. قوله: (والحال أنهم كافرون الخ) إشارة إلى أن الجملة حالية، وقوله وتكريرهم أي لفظ هم لتأكيد كفرهم، واختصاصهم به كذا قال الزمخشري فقيل إنّ التأكيد من تكريرهم والاختصاص من تقديم هم على كافرون، وقيل التخصحيص من تقديم بالآخرة، والمعنى أنّ غيرهم، وان كفروا بها لكنهم دون هؤلاء، وهؤلاء هم المخصوصون بالكفر الذي لا غاية بعده ورد بأنّ تقديم بالآخرة لا يدلّ على ما ذكره بل على حصر كفرهم في الآخرة، وأنّ كلا الأمرين مستفاد من هم لأنه بمنزلة الفصل وان لم يستوف شرائطه فيفيد الاختصاص، وضرباً من التأكيد كما قرّروه، وأمّا تقديم بالآخرة فلم يريدوه والاختصاص اذعائيّ ومبالغة في كفرهم كان كفر غيرهم ليس بكفر في جنبه، وقيل إنه بناء على أنّ مثل زيد هو عارف يفيد الحصر، والظاهر أنه يفيد تقوّي الحكم لا غير، واختصاصهم بالجر معطوف على تأكيد وجوّز عطفه على كفرهم بناء على أنه مستفاد من تقديم الضمير الأوّل فتأمل. قوله:(في الدنيا) جعل الأرض كناية عن الدنيا، ومن زائدة لاستغراق النفي، وقيل إنها تبعيضية، وجوّز في ما أن تكون موصولة. قوله:(ليكون أشدّ وأدوم (قيل عذاب الدنيا لا يمنع عذاب الآخرة فلكم من معذب في الدارين فالأولى أن يقول لحكمة لا يعلمها إلا الله) قلت) كونه أشد، وأدوم مما لا شبهة فيه، وكونه كذلك لا ينافي تعذيب
بعضهم في الدنيا كما وقع لبعضهم من الخسف ونحوه. قوله تعالى:) {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ} ) فإن قيل ما وجه مضاعفة العذاب، وقد نص الله على أن من جاء بالسيئة لا يجزي إلا مثلها، وهم لا يظلمون قيل معناه مضاعفة عذاب الكفر بالتعذيب على ما فعلوا من المعاصي، والتعامي عن الآيات، ونحو ذلك من تضاعف كفرهم، وبغيهم، وصدهم عن سبيل
الله، ويدلّ عليه نسبته إلى الموصوفين بما ذكر من الصفات وقوله استئناف أي جملة مستأنفة بين بها ذلك، وقيل إنها من كلام الإشهاد، وهي جملة دعائية. قوله:(لتصامّهم عن الحق وبغضهم الخ) قيل إنه تعالى نفى استطاعتهم لسماع الحق وأبصاره وهم يسمعون ويبصرون فبطل القول بإثبات استطاعة العبد لأفعاله، وقدرته عليها لأنه لما ثبت أنّ بعض أفعال العبد غير مقدور عليه لم يكن الجميع كذلك، وهذا كما يرد على المعتزلة يرد على أهل السنة لأنهم أثبتوا للعبد استطاعة غير مؤثرة فلذا قيل إن المراد أنهم يستثقلون استماع الحق إلى الغاية، ويستكرهونه كذلك فكأنهم لا يستطيعونه وهذا شائع في كل لسان كقولهم هذا كلام لا أستطيع أن أسمعه إذا استكرهوه ولا يراد نفي القدرة بل فرط الاستكراه فهذه استعارة تصريحية تبعية لأنها تشبيه حالهم بحال آخر لهم لا استعارة تمثيلية فإنها تشبيه حال شيء بحال آخر فحاصله أنه شبه استكراههم، ونفرتهم عن الشيء بعدم الاستطاعة عليه، ووجه الشبه الامتناع من كل منهما لكن فيه أنّ قوله أنّ الاستعارة التص شيلية لا تكون إلا في تشبيه حال شيء بحال آخر لا يظهر له وجه لأنّ اللازم فيها إنما هو التركيب، وملاحظة الهيئتين، وان كانتا لذات واحدة فلو قلت في أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى أنه شبه حال تردده بين إقدام، واحجام بحالته إذا قدم رجلاً، وأخر أخرى لم يكن منه مانع، وقيل في تقرير الاستعارة التبعية أنه شبه تصامّهم عن الحق وبغضهم له بعدم استطاعة السمم فأطلق على المشبه اسم المشبه به، وأورد عليه أنه لا يلائم قول المصنف لتصافهم ولتعاميهم، ولو تعين أن اللام للتعليل فلا ضير فيه أيضا لأن تحقيق المعنى الحقيقيّ المناسب للمجازي قد يعلل به إطلاقه عليه، والتجوّز به فالمعنى لوقوع التصامّ والتعامي، وفرط الأعراض! ، والبغض أطلق عليهم عدم الاستطاعة، وأمّا حمله على نفي استطاعة النافع من ذلك فيذهب به رونق الكلام والمبالغة التي فيه، وأمّا القول بأنه تشبيه، وأق كلام الكشاف مبنيّ عليه فليس بشيء يحتاج إلى الردّ. قوله:(وكأنه العلة لمضاعفة العذاب (فكأنه قيل ما بالهم استوجبوا مضاعفة العذاب فقيل لأنهم كرهوا الحق وأعرضوا عنه غاية الإعراض، وبهذا التقرير اندفع ما ذكره الطيبيّ رحمه الله معترضاً به على التعليل، وأنه لا ينتظم. قوله:) وقيل هو بيان لما نفاه من ولاية الآلهة الخ) فالمراد بقوله ما كان لهم الخ بيان عدم نصرة آلهتهم ونفعها لهم، وقوله ما كانوا يستطيعون السمع الخ. في حق آلهتهم وهو بيان وتقرير له وما بينهما اعتراض حينئذ فالضمائر للأصنام لا للكفار، وعلى الأوّل الأولياء مطلق الناصرين الشامل للآلهة، وغيرهم، وعلى هذا يخص الآلهة، ونفي استطاعة السمع، والأبصار حقيقة على هذا دون الأوّل، ومرض! هذا لمخالفته السياق، واستلزامه تفكيك الضمائر، وقيل
إنه لا ينتظم الكلام معه بدون تقدير ما كنا في غنية عنه. قوله: (باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى) كأنه أراد أن خسران أنفسهم بخسران مالها من عبادة الله إذا استبدلوها بذلك، وفي البحر أنه على حذف مضاف أي سعادة أنفسهم وراحتها فإن أنفسهم باقية معذبة، وقيل إبقاؤه على ظاهره أولى لأنّ بقاء العذاب كالإبقاء، وفي الكشاف إنّ خسرانهم في تجارتهم لا خسران أعظم منه لأنهم خسروا أنفسهم يعني أنّ المقصحود من خلقهم عبادة الله فقد تركوا أنفسهم لعبادة الأوثان فهذا في الحقيقة خسران في النفس، وهو أعظم خسارة ففي الكلام استعارة مرشحة كقوله:
إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير واجب
قوله: (من الآلهة وشفاعتها) قيل عطف شفاعتها من قبيل أعجبني زيد، وكرمه لأنّ المفتري الشفاعة لا الآلهة ورد بأنه ليس منه إذ دعوى الآلهة افتراء، ودعوى الشفاعة كذلك، ولا حاجة إلى تقدير
مضاف أي من آلهية الآلهة كما قيل، وأورد عليه أنه يقتضي أنّ الغائب عنهم آلهية الآلهة لا نفسها وليس بمقصود كما مرّ في سورة الأنعام نظيره فتأمّل. قوله:) أو خسروا بما بدّلوا وضاع عنهم ما حصلوا فلم يبق معهم سوى الحسرة والندامة (لفظ بدلوا بالدال المهملة من التبديل أو بالذال المعجمة من البذل، وهو العطاء، والثانية قيل إنها الصحيحة رواية، ودراية، والباء عليها بمعنى في أي خسروا فيما بذلوا، وهو عبادة الله، وما حصلوا، وهو عبادة الآلهة، وافتراؤهم قولهم أنها حق، ولا وجه للقول بأنّ ما حصلوا هو آلهتهم كذا قيل، ولا محصل له، والظاهر أنّ تفسيره هذا على وجه يغاير ما قبله، وعلى ما ذكره ليس بينهما كبير فرق فالصواب أن يقال إنه بالدال المهملة، وا! الباء سببية يعني أنهم خسروا بسبب تبديلهم الهداية بالضلالة، والآخرة بالدنيا، وضاع عنهم ما حصلوه بذلك التبديل من متاع الحياة الدنيا والرياسة فيكون هذا الوجه أعمّ من الأوّل، وفي النظم دلالة عليه إذ أضاف الخسران إلى أنفسهم دون تعيين لما خسروه لكن الافتراء بظاهره مناسب لتفسيره الأوّل فتأمّل. قوله تعالى: ( {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ} الخ الم يفسره المصنف رحمه الله تعالى تبعا للزمخشريّ، وسيأتي تفسيره في الحواميم، وقوله لا أحد أبين، وأكثر خسرانا منهم وضع أفعل التفضيل للزيادة على المفضل في الكمّ، والكيفية، والظاهر أنه لا يمتنع الجمع بينهما فإن أراد بقوله أبين أعظم لأنّ الظهور لازم للكبير، والعظيم فهو تفسير له بلازم معناه يكون معنى حقيقيا له، وان أراد به ظاهره يكون معنى مجازيا فتفسير المصنف رحمه الله تعالى له بهما إمّا بناء على مذهبه من جواز الجمع بين الحفيقة، والمجاز تتميما للفائدة السابقة، وقيل إنّ الواو بمعنى أو أو هو من عموم المجاز ولم يبق معنى يشملهما على القاعدة فيه، والزمخشري اقتصر على الأوّل، وترك لثاني
فقيل لثلا يكون تكراراً مع فوله خسروا أنفسهم بناء على تفسيره المتقدم قيل، والمصنف رحمه الله تعالى ردّد التفسير بينهما لأنه لم يفسره بما فسره به جار الله فيحتمل أن يكون معنى خسران أنفسهم أنّ ضرره عائد إليهم لا إلى الله ولا إلى غيره ثم إنّ الحصر مستفاد من تعريف المسند بلام الجنس سواء جعل هم ضمير فصل فيفيد تأكيد الاختصاص أو مبتدأ ما بعده خبره، والجملة خبران فيفيد تأكيد الحكم (قلت) وهنا وجه آخر، وهو أن حذف المفضل يفيد العموم فيكون المعنى أنهم أخسر من كل أحد، وهو بمنطوقه يفيد الأخسرية فيهم، وهذا أنسب بظاهر عبارة المصنف رحمه الله تعالى، وقوله اطمأنوا إليه، وخشعوا له الخ يعني أن الإخبات أصله نيزول الخبت، وهو المنخفض من الأرض فأطلق على الخشوع، واطمئنان النفس تشبيهاً للمعقول بالمحسوس، ثم صار حقيقة فيه، ومنه الخبيت بالتاء المثناة للدنيء، وقيل إنّ التاء يدل من الثاء المثلثة، وقوله في أصحاب الجنة هم فيها خالدون ليس لحصر الخلود في هؤلاء فإنّ العصاة يخلدون فيها إلا أن يراد بنفي الخلود عنهم نقصه من أوّله كما سيأتي نظيره. قوله ئعالى:( {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى} الخ) ذكر في هذا التشبيه احتمالين تبعا للكشاف لكن بينهما مخالفة ستراها مع ما فيها فقوله يجوز أن يراد تشبيه الكافر الخ. فيه تسامح لأنّ المشبه حال الكافر، وحال المؤمن لا الكافر، والمؤمن لكن لما وجد أحدهما مستلزما للآخر عبر به عنه، وقيل يحتمل أنه حمله على تشبيه الذوات، واقحام لفظ المثل تنبيها على ما فيه دليل تركه من المشبه به في النظم، وحاصل هذا الوجه أنه شبه كل من الفريقين باثنين باعتبار وصفين ففيه أربع تشبيهات، ولذلك قيل إنه نظير قول امرئ القيس:
كاًنّ قلوب الطير رطبا ويابساً لدي وكرها العناب والحشف البالي
كما في الكشاف لأن حاصله تاً ويل الفريقين بفريق من الناس كافر، وفريق مؤمن فمثل الفريقين بمنزلة قلوب الطير رطبها، ويابسها كالأعمى، والبصير بمنزلة العناب، والحشف، وكذا الأصمّ، والبصير، ولا يخفى ما فيه من التكلف مع أنّ في البيت تشبيه كل من الرطب، واليابس بشيء واحد، وفي الآية كل من الكافر والمؤمن باثنين، ولذا قيل البيت أشبه بالوجه الثاني من هذا، وليس هذا بوارد لأنّ مراد العلامة أنه تشبيه متعدد بمتعدّد مع قطع النظر عن التضام، والعدة فلا فرق بين البيت، والآية إلا من جهة أن في
البيت تشبيه شيء بشيئين، وفي الآية تشبيه كل واحد من شيئين بشيئين فلا مخالفة بين كلام المصنف رحمه الله تعالى، والزمخشري كما توهم، وقوله لتعاميه هذه اللام كاللام السابقة في كلامه، وتأبيه بمعنى امتناعه تفعل من الآباء. قوله:(أو تشبيه الكافر بالجامع الخ) فعلى هذا فيه تشبيهان لا أربعة لأنه شبه
حال هؤلاء الكفرة الموصوفين بالتصامّ، والتعامي بحال من خلق أصمّ أعمى لعدم انتفاعه بحاستيه فيما يتعلق بسعادة الدارين، وحال هؤلاء المؤمنين لانتفاعهم بهما وامتناعهم مما وقع فيه أولئك بحال قوى حاسة السمع، والبصر لانتفاعه بالنظر لأنوار الهداية، واستماعه لما يلذ وينتفع به السمع من البشارة، والإنذار فهو تشبيه مركب من جانب المشبه به لا المشبه كما ينبني عليه لفظ المثل، وهذا من بديع التشبيه، وظرائفه الرائقة، وهذا الوجه آثره الطيبي رحمه الله تعالى، والحق معه، ولا نظر لقول صاحب الكشاف أنّ فيه بعد الآن الأعمى قد يهتدي بما سمع من الدلالة، والأصمّ فد يهتدي بما يرى من الإشارة فمن كان أعمى أصمّ لا يقبل الهداية بوجه من الوجوه فهذا أبلغ، وأقوى في التشنيع كما أشار إليه في الكشاف. قوله:) والعاطف لعطف الصفة على الصفة) يعني على الاحتمال الثاني فالذات واحدة لكن نزل تغاير الصفات منزلة تغاير الذوات فعطف بالفاء كما في البيت المذكور وفي الوجه الأوّل هو من عطف الموصوف على الموصوف واللف في الفريقين لأنه في قوّة الكافرين، والمؤمنين فيكون تقديريا أو ما دل عليه قوله، ومن أظلم ممن افترى الخ. وقوله إنّ الذين آمنوا الخ فهو تحقيقيّ، وقدم ما للكافرين لتقدّمه هنا، ولأنّ السياق لبيان حالهم والنشر في قوله كالاً عمى الخ. والطباق هو الجمع بين الضدين، وهما الأعمى، والبصير والأصم، والسميع. قوله: (الصابح فالنانم الخ (أصل هذا أنه لما قال الحرث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان يتوعد ابن زيابة التيمي:
أنا ابن زيابة أن تلقني لاتلقني في النعم العازب
وتلقني يشذ بي أجرد مستقدم البركة كالراكب
فأجابه ابن زيابة بقوله:
يالهف زيابة للحرث الصا بح فالغانم فالآيب
والله لو لاقيته خاليا لآب سيفانا مع الغالب
أنا ابن زيابة أن تدعني آتك والظن على الكاذب
قوله: يا لهف الخ أي يا حسرة أبي لأجل هذا الرجل، والصابح المغرّ في وقت الصباح، والآيب الراجع وقد تقدم تفصيله في سورة البقرة، والشاهد فيه عطف صفات موصوف واحد بالفاء. قوله:(تمثيلَا أو صفة أو حالاً) مرّ في البقرة أنّ المثل كالمثل في الأصل بمعنى النظير ثم استعير لقول شبه مضربه بمورده، ولا يكون إلا لما فيه غرابة فلذا استعير في المرتبة الثانية
لأنّ الأولى صارت حقيقة عرفية للقصة أو الحال أو الصفة العجيبة كقوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} [سورة البقرة، الآية: 17] أي حالهم العجيبة الشأن، وقوله وله المثل الأعلى أي الصفة العجيبة فلذا فسره المصنف رحمه الله تعالى بهذه المعاني الثلاثة فتأمّل، ونصبه على كل فها على التمييز المحول عن الفاعل، وقوله على إرادة القول، وتقديره قائلا اني لكم الخ. أو فقال وقدر في قراءة الفتح الجارّ، والمعنى ملتبسا بالإنذار أي بتبليغه وقوله. قوله:(بدل من أني لكم أو مفعول الخ) البدلية على قراءة الفتح، وأمّا على الكسر فيجوز أن تكون مصدرية سولة لأرسلنا بتقدير بأن أي أرسلنا بنهيهم عن الإشراك قائلاً أني لكم نذير مبين أو مفسرة بحاليها من تعلقها بأرسلنا أو بنذير، وعلى الإبدال فإن مصدرية، ولا ناهية والقول مقدر بعد أن والتقدير أرسلناه يقول إني لكم نذير بقول لا تعبدوا، وهو بدل بعض أو كل على المبالغة، وادّعاء أنّ الإنذار كأنه هو فإن لم يقدر القول فهو بدل اشتمال كذا حققه الشارح المدقق، وقيل عليه أنه على تقدير القول بدل اشتمال أيضاً إذ لا علاقة بينهما بجزئية أو كلية حتى يجعل بدل بعض أو كل، وهو غفلة عن أنه على تقدير القول يكون قوله أني أخاف المعلل به النهي من جملة
المقول، وهو إنذار خاص فيكون بعضا له أو كلأ على الاذعاء فليس في كلامه شيء سوى غبار سوء الفهم فتدبر.
قوله: (ويجوز أن تكون الخ) أي أرسلناه بشيء أو نذير بشيء هو لا تعبدوا الخ لكن الانذار فيه غير ظاهر ويجوز أيضا أن يكون تفسيرا لمفعول مبين كما أنه يجوز أن يكون مفعولاً له أي مبينا النهي عن الشرك. قوله: (مؤلم وهو في الحقيقة صفة المعذب) بالكسر أي الله لأنه الموجد للألم، وان كان يوصف به العذاب أيضا، وهو حقيقة عرفية ومثله يعد فاعلا في اللغة فيقال ا-لمه العذاب من غير تجوّز، وذكر وصف العذاب هنا استطراديّ كما في الكشاف لوقوعه في غير هذه الآية، وقد جوّز أن يكون مراده أنه يصح هنا أن يكون صفة للعذاب لكنه جرّ على الجوار، وهو في الوجهين على الإسناد المجازي بجعل اليوم أو العذاب معذبا مبالغة لكنه في الأوّل نزل الظرف منزلة الشخص نفسه لكثرة وقوع الفعل فيه فجعل كأنه وقع منه، وفي الثاني جعل وصف الشيء لقوّة تلبسه به كأنه عينه فأسند إليه ما يسند إلى الفاعل على ما حقق في علم المعاني. قوله تعالى:( {فَقَالَ الْمَلأُ} الخ) الملأ القوم الأشراف من قولهم فلأن ملىء بكذا إذا كان قادرا عليه لأنهم ملؤوا بكفاية الأمور، وتدبيرها أو لأنهم متمالئون أي متظاهرون متعاونون او لأنهم يملؤون القلوب مهابة والعيون جمالاً، وا! ف نوالاً أو لأنهم مملؤون بالآراء الصائبة
والأحلام الراجحة على أنه من الملء لازما ومتعديا. قوله: (لا مزية لك علينا الخ) ذكر الزمخشري فيه وجهين أحدهما أنّ المثلية التي ذكروها في المزية، والفضيلة على التنزل، والفرض، ولذ ذكروا أنه بشر تعريضاً بأنه يماثلهم في البشرية والا فهم أحق منه بالمزية لجهلهم وظنهم أنها بالجاه والمال يعني هب أنك مثلنا في المزية فلم اختصصت بالنبوّة من بيننا، والثاني أنهم أرادوا أنه مثلهم في البشرية، ولو كان نبيا كان ملكأ لأنّ النبيّ أفضل من غيره من البشر، والملك كذلك، واقتصر المصنف رحمه الله تعالى على الأوّل وان كان لفظ البشر ظاهراً في الثاني لأنه تفوج منه رائحة الاعتزال كما في شروحه، د وإن نوزعوا فيه، وقوله تخصك بالنبوّة أدخل الباء على المقصور، وهو أحد استعماليه كما مرّ خقيقه. قوله:( {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ} ) إن كانت رأى علمية فجملة اتبعك مفعول ثان، دمان كانت بصرية فهي حال بتقدير قد. قوله:(جمع ارذل فإنه بالغلبة الخ) الأرذل، والرذل الدنيء المستحقر، ولما كان أفعل التفضيل إذا جمع جمع جمع سلامة في الأقيس الأغلب كالأخسرون ولا يكسر أفعل إلا إذا كان اسما أو صفة لغير تفضيل كأحمر وقد كسر هنا قالوا إنه كسر لأنه غلبت فيه الاسمية، ولذا جعل في القاموس الرذل، والأرذل بمعنى، وهو الخسيس كما فسره به المصنف رحمه الله تعالى أو هو جمع رذل، وفي الكشاف أنه جمع أرذل اسم تفضيل مفمافاً للتوضيح لأنهم يزعمون مشاركتهم في ذلك، وأنه كقوله في الحديث:" أحاسنكم أخلاقاً " ولم يذكره المصنف رحمه الله تعالى لأنه على خلاف القياس لكن كونه جمع رذل أيضا مخالف للقياس، ولذا قيل إنه جمع أرذل جمع رذل فهو جمع الجمع، وقد وقع في بعض النسخ أرذل بضم الذال، وفتح الهمزة جمع رذل فيكون جمع جمع، وهو الأصح رواية ودراية، وكأن الأخرى من تحريف النساخ. قوله:(ظاهر الرأي من غير تعمق من البدوّ الخ) قرأه أبو عمرو بالهمزة، والباقون بالياء فأمّا الأوّل
فمعناه أوّل الرأي بمعنى أنه صدر من غير روية، وتأمّل أوّل وهلة وأمّا الثاني فيحتمل أن أصله ما تقدم، ويحتمل أن يكون من بدا يبدو كعلا يعلو علوّاً، والمعنى ظاهر الرأي دون باطنه، ولو ئؤمل لعرف باطنه وهو في المعنى كالأوّل، وعلى كليهما هو منصوب على الظرفية، والعامل فيه قيل نراك أي ما نراك في أوّل رأينا أو فيما يظهر منه، وقيل اتبعك، ومعناه؟ في أوّل رأيهم أو ظاهر. وليسوا معك في الباطن أو اتبعوك من غير تأمّل وتثبت، وقيل العامل فيه أراذلنا، والمعنى أنهم أراذل في أوّل النظر، وظاهره لأنّ رذالتهم مكشوفة لا تحتاج إلى تأمل وفيه وجوه اخر مفصلة في الدر المصون. قوله:(وانتصابه بالظرف على حذف المضاف الخ) قد علمت أنه إذا كان ظرفا ما ناصبه لكنه قيل إنّ نصبه على الظرفية يحتاج إلى الاعتذار عنه فإنه فاعل ليس يظرف في الأصل فقال مكيّ إنما جاز في فاعل أن يكون ظرفا كما جاز في فعيل كقريب، وملىء لإضافته إلى الرأي، وهو كثيرأ ما يضاف إليه المصدر الذي
يجوز نصبه على الظرفية نحو أمّا جهد رأيك فإنك منطلق، وقال الزمخشريّ: أصله وقت حدوث أوّل رأيهم أو وقت حدوث ظاهر رأيهم فحذف ذلك، وأقيم المضاف إليه مقامه، وقيل إنّ بادي مصدر على فاعل منصوب على المفعولية المطلقة، والعامل فيه ما تقدم وفيه وجوه أخر ذكرها المعرب، وقيل على تقدير المصنف، والزمخشري أنّ تقدير الوقت ليكون نائباً عن الظرف فينتصب على الظرفية، وأمّا تقدير الحدوث فلا داعي له على تفسيري بادي أمّا إذا كان بمعنى أوّل فلأنّ وقت أوّله هو وقت حدوثه، وأئا إذا كان بمعنى ظاهر فوقت ظاهر الرأي، وان اتسع وقت لاتباعهم، وقد عرفت مما مرّ أنّ اسم الفاعل لا ينوب عن الظرف وينتصب، والمصدر ينوب عنه كثيرأ فأشاروا بذكره إلى أنه متضمن معنى الحدوث في معنييه فلذا جاز فيه ذلك، وليس مرادهم أنه محذوف، وما ذكرو. هنا من أنّ الصفات لا ينوب منها عن الظرف إلا فعيل من فوائدهم الغريبة، وعليهم الاعتماد فيه لكنه غير مسلم لأنّ فاعلاً وقع ظرفا كثيرا كفعيل فإن من أمثلته خارج الدار، وباطن الأمر وظاهره، وهو كثير في كلامهم فإن قلت ما ذكر. المصنف رحمه الله تعالى يشكل بأنّ ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها إلا إذا كان مستثنى منه نحو ما قام إلا زيدا القوم أو مستثنى أو تابعا لأحدهما كما فصله المعرب، وغيره فلذا تكلفوا لاعرابه وجوها قلت قالوا إنه يغتفر ذلك في الظرف لأنه يتسع فيه ما لا يتسع في غيره، والرأي جوّزوا فيه هنا أن يكون من رؤية العين أو من الفكرة والتامّل. قوله:(وإنما استرذلوهم لذلك) أي عدّوهم أراذل
لسرعة اتباعهم وزعمهم أنّ ذلك وقع منهم من غير تأمّل أو لفقرهم لأنهم لا يعرفون إلا الشرف الظاهر من أمور الدنيا، وهذا هو الوجه وألاحظ اكثر حظاً وقوله: لك ولمتبعيك أدخل نوحا عليه الصلاة والسلام معهم لأنّ الخطاب أوّلأ معه فيكون تأكيداً لنفي الأفضلية عنه لسبقه في قوله ما نراك وهو تغليب، وقيل الخطاب لاتباعه فقط فيكون التفاتا ويؤهلكم بمعنى يجعلكم أهلاً لذلك واياك واياهم بدل من مفعول نظنكم في النظم، وقوله فغلب أي في الموضعين وقوله أخبروني تقدم تحقيقه، وأنّ الرؤية فيه يجوز أن تكون بصرية، وقلبية وقد جوّزهما الزمخشري لأنّ كلَا منهما سبب للأخبار، وأرأيتم متعلق بأنلزمكموها، وقيل بطلب البينة يعني على أن يكون من التنازع هنا، وأعمل الثاني فلا وجه لما قيل إنّ هذا بحسب الأصل، وأمّا هنا فهو متعلق بأنلزمكموها لأنّ القائل بهذا يجعلها جملة مستأنفة أو مفعولاً ثانياً كما صرّحوا به، وجواب إن كنت محذوف أي فاخبروني، وفسر البينة بالحجة، والبرهان كما مرّ، وقوله بايتاء البينة أي السابقة، والمراد البينة: المؤتاة فهو من إضافة الصفة للموصوف كما ستراه في توجيه توحيد الضمير، والحجة المعجزة الدالة على نبوّته عتي!. قوله: (فخفيت عليكم فلم تهدكم الخ (يعني أنّ عماء الدليل بمعنى خفائه مجازاً فيقال حجة عمياء كما يقال مبصرة للواضحة وهو استعارة تبعية شبه خفاء الدليل بالعمى فان كلا منهما يمنع الوصول إلى المقاصد ويجوز أن يكون استعارة تمثيلية بأنّ شبه الذي لا يهتدي بالحجة لخفائها عليه بمن سلك مفازة لا يعرف طرقها، واتبع دليلاً أعمى فيها، والظاهر من عبارة المصنف الأوّل، وأمّا ادعاء القلب، وأن أصله عميتم عنها فيأباه ذكر على دون عن مع أنه ليس بحسن هنا. قوله: (وتوحيد الضمير لأنّ البينة الخ الما ذكر البينة والرحمة كان الظاهر فعميتا فوجهوه بأن الرحمة هنا هي البينة على تفسيره الأوّل بإيتاء البينة أي البينة المؤتاة كما مرّ أو هو تفسير لقوله: {وَآتَانِي رَحْمَةً} لكنه عبر بالمصدر أو الضمير للبينة أي المعجزة، والرحمة النبوّة وخفاؤها أي البينة يستلزم خفاء المذعي فلذا اكتفى به وجملة، وآتاني رحمة على هذا معترضة أو الضمير للرحمة، وفي الكلام مقدّر أي خفيت الرحمة بعد خفاء البينة، وما يدلّ عليها وحذف هذا للاختصار، وقيل: إنه معترض في المعنى دون تقدير، وكلام المصنف رحمه الله تعالى ظاهر في الأوّل أو الضمير لهما بتأويل كل واحدة منهما، وفي الكشاف وجه آخر وهو أن يقدر عميت بعد لفظ البينة وحذف للاختصار، وعدل عنه المصنف رحمه الله تعالى لأنه رآه مع أنه تقدير جملة، وهذا مفرد تقديراً
قبل الدليل، ولم يقدر في الوجه الأوّل لعدم الاحتياج إليه على أنّ كلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل له أيضاً، وحمله عليه بعض فضلاء العصر
وقوله على أنّ الفعل لله، أي في القرإءتين، وقد قرىء بالتصريح به فهو يدلّ على هذا. قوله:(أنلزمكم على الاهتداء (إشارة إلى ان نلزمكم بمعنى نقسركم ونكرهكم، لأنّ المراد إلزام الجبر بالقتل ونحوه لا إلزام الايجاب لأنه واقع، قيل. وذكر الاهتداء لأنه ليس في وسعه فلا يرد عليه، أن المكره يصح إيمانه ويقبل عندنا إيمانه، فيجاب بأنه لم يكن في دينهم، وقيل: المعنى لو أمكنني الإلزام مع الكراهة فعلته، وروي عن قتادة. قوله: (وحيث اجتمع ضميران وليس أحدهما مرفوعاً وقدّم الأعرف) وهو ضمير المخاطب، لأنه أعرف من الغائب كما بين في النحو، وهذا أحد مذهبين في هذه المسألة، وقيل: إنه يلزم الاتصال كما في هذه الآية، ونسب لسيبويه، ولو قدم الغائب وجب الانفصال، فيقال: أنلزمها إياكم على الصحيح، وأجاز بعضهم الاتصال، واستشهد بقول عثمان رضي الله عنه: أراهمني حيث قدم ضمير الغائب على ضمير المتكلم الأعرف واتصلا، وكان الواجب أراهم أياي. قوله:(على التبليغ (في الكشاف إنه راجع إلى قوله لهم {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَلَاّ تَعْبُدُواْ إِلَاّ اللهَ} وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أحسن مما ذكر، وما قيل: إن ما ذكره الزمخشري مراده به ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، بعينه لا خصوص ذلك القول، وأنّ قوله راجع إليه، بمعنى متعلق به معنى خلاف الظاهر، والجعل بضم فسكون، ما يعطى في مقابلة العمل كالأجر المذكور في محل آخر. قوله: (فإنه المأمول منه) الضمير أن الله فيفيد الحصر ويطابق النظم، أي ما أجر التبليغ، أو ما مطلق الأجر إلا منه، وليس الضمير الأوّل للأجر، والثاني لله لفساد المعنى عليه، إذ معناه أن الأجر هو المأمول من الله لا غير الأجر، وهو لا يطابق المفسر فتدبر. وقوله: حين سألوا طردهم، أي قالوا له اطردهم عنك لنؤمن بك استكافاً عن مجالستهم. قوله: (فيخاصمون طاردهم عنده (يعني فيعاقبه على ما فعل، فهذه الجملة علة لعدم طردهم، أو المعنى لا أطردهم فإنهم من أهل الزلفى عند الله، المقرّبين الفائزين عند الله وهذا هو الشرف لا ما عرفتم، وترك معنى آخر في الكشاف، وهو أني لا أطردهم لأنّ إيمانهم ليس عن يقين وتفكر كما زعمتم، لأني لا أعلم السرائر فليس عليئ إلا اتباع الظاهر، وسيلقون ربهم فينكشف حالهم عنده من كونهم على ما زعمتم أو على خلافه، وكان المصنف رحمه الله تعالى تركه لأنّ ما بعده لا يلائمه، أو لأنه مبنيّ على أن سؤال الطرد
لعدم إخلاصهم في الإيمان لا لفقرهم، وهو مرجوح عنده. وقوله: ويفوزون بقربه مستفاد من المقام، والا فملاقاة الله تكون للفائز وغيره. قوله:(بلقاء ربكم أو بأقدارهم) وقريب منه قوله في الكشاف: أنهم خير منكم، فالجهل بمعنى عدم العلم المذموم، وهذا مناسب للوجه الثاني في قوله أوانهم الخ. وقوله: أو في التماص طردهم، لم يذكر ما جهلوه في هذا الوجه لتنزيله منزلة اللازم وهو الظاهر، وقيل: إن مفعوله مقدر عليه أيضاً، أي تجهلون المحذور في التماس ذلك، وهو خلاف الظاهر لكنه مناسب للوجه الأوّل، وقوله: أو تتسفهون الخ فيكون الجهل بمعنى آخر، وهو الجناية على الغير، وفعل ما يشق عليه قولاً أو فعلاً، وهو معنى شائع كقوله:
ألالايجلهن أحدعلينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
قوله: (يدفع انتقامه) يعني النصرة هنا مجاز عن لازم، معناها وهو دفع الضررءذ معناها الحقيقي غير صحيح هنا والمثابة الخصال المجتمعة فيهم وتوقيف الإيمان، أي جعل إيمانهم موقوفاً على طردهم ومعلقاً به لأنهم قالوا له إن طردتهم آمنا بك كما مرّ. قوله: (خزائن ررّقه وأمواله حتى جحدتم فضلى (هذ شروع في دفع الشبه التي أوردوها تفصيلا، بعدما دفعها إجمالاً، بقوله: أرأيتم الخ. فكأنه يقول: عدم اتباعي لنفيكم الفضل عني، إن كان فضل المال والجاه فأنا لم أذعه، ولم أقل لكم إنّ خزائن رزق الله وماله عندي، حتى أنكم تنازعوني في ذلك وتنكروه، وإنما وجوب اتباعي لأني رسول الله، المبعوث بالمعجزات الشاهدة لما اذعيته. قوله: (عطف على عندي خزائن الله الخ الما كان نفي القول يقتضي نفي المقول فالعطف على مقول القول المنفي منفيّ أيضا ذكر معه النفي المزيد لتأكيد النفي السابق، والتذكير به، ودفعاً لاحتمال أنه لا يقول إلا هذا المجموع، فلا ينافي أن يقول أحدهما، فالمعنى لا أقول أنّ عندي خزائن الله، وأن عندي علم الغيب، حتى
تكذبوني لاستبعاد ذلك، وما ذكرت من دعوى النبوّة إنما هو بوحي وإعلام من الله مؤيد بالبينة فلا يرد ما قيل: إنّ كلمة لا تنافي عطفه على لا أقول بتقدير أقول بعدلاً. قوله:) أي ولا أقول أنا أعلم الغيب) كذا في الكشاف بإبراز ضمير أنا فقيل: إنّ أنا تأكيد للمستتر في أقول، لا من باب التقؤى أو التخصيص، وفي هذا التأكيد إظهار فائد تكرار، لا لأنك إذا أكدت لإزالة احتمال المعية، فقد أذنت أنك في الكلام محق على اليقين منه بعيد عن السهو والتجوّز ولو قلت إنه زاده ليظهر عطفه على الاسمية، ويدفع احتمال عطفه على الفعلية لأنه الظاهر كان أوضح. قوله: (حتى تكذبوني استبعاداً الما قلته من دعوى
النبوّة والإنذار بالعذاب، فإنه بإعلام الله ووحيه، والغيب ما لم يوج به، ولم يقم عليه دليل، وليس هذا كذلك، وقيل: إنه غير ملائم للمقام، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم حين اذعى النبوّة سألوه عن المغيبات وقالوا له: إن كنت صادقا فأخبرنا عنها فقال: أنا أذعي النبوّة بآية من ربي، ولا أعلم الغيب إلا بإعلامه، ولا يلزم أن يذكر ذلك في النظم، كما أنّ سؤال طردهم كذلك، ولا يخفى عليك أنه لا قرينة تدلّ على ما ذكره، وأمّا طردهم فإن استحقارهم لهم قرينة على ذلك، وقد صرّح به السلف رحمهم الله، ومثله لا يقال من قبل الرأي. قوله:(أو حتى أعلا أنّ هؤلاء أنبعوكي بادىء الرأي من غير بصيرة ولا عقد قلب) قيل: ظاهر. أنّ المراد أنهم آمنوا نفاقاً فعلى هذا يكون المراد من قولهم بادي الرأي بادي رأي من يراهم، وليم يذكر هذا الاحتمال، ويجوز أن يكون المراد عقداً جازما ثابتا كأنّ ما سواه ليس بعقد، وردّ بأن المراد بالبصيرة وعقد القلب اليقين، والاعتقاد الجازم، وهو شامل للوجهين في بادىء الرأي لا مغاير لهما، كما توهمه هذا القائل، ولا يخفى أنّ هذا صيد من المقلي، فإنه الوجه الثاني الذي ذكره بقوله ويجوز الخ وما ذكر. أوّلاً بناء على الظاهر من عقد القلب، فإنّ ربط القلب بالشيء اعتقاد له، وعدمه هو النفاق، ولا شك أنه لم يسبق له ذكر. قوله:(وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول) كما يجوز عطفه على المقول، وأمّا على التفسير الأوّل فيتعين الثاني، وفيه نظر. قوله:(حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا الا يخفى أنّ هذا مبنيّ على الوجه الثاني المذكور في الكشاف في تفسير قوله: {مَا نَرَاكَ إِلَاّ بَشَرًا مِّثْلَنَا} [سورة هود، الآية: 27] وقد مرّ أنّ المصنف رحمه الله تعالى لم يعرّج عليه، ولم يرتضه لابتنائه على الاعتزال، ومنه تعلم ما في الكشف من النزاع في الابتناء، فإنه إنما فسره به لاقتضاء النظم له وتوصيفه هنا بالبشرية صريح فيه، إلا أن يقال قوله سابقا لا مزية لك علينا، شامل للوجهين، فإنّ المزية المقتضية لوجوب طاعته، بأن يحوز كمالات جنسهم، أو بأن يكون من جنس آخر أفضل منهم، ولا مانع من ذلك في كلامه، فهذا يعين إرادته فيما مر، وأما جعل هذا كلاما آخر وليس ردّا لما قالو. سابقاً فلا وجه له. قوله: (في شأن من استرذلتموهأ) إشارة إلى أن اللام ليست للتبليغ بل للأجل، والا لقيل لن يؤتيكم، وأن الإسناد للأعين مجاز كما سيأتي، وأنّ العائد محذوف، وأنّ الازدراء وقع، والتعبير بالمضارع للاستمرار أو لحكاية الحال، وقوله: فإن ما أعد الله الخ ولا يبعد أن يراد به خير الدنيا والآخرة، إذ المال غاد ورائح، وقد أورثهم الله أرضهم وديارهم بعد غرة! م، وقوله: إن قلت تفسير لإذا لأنها جواب وجزاء كما مرّ، وقوله: لتجانس الراء في الجهر فإن التاء مهموسة.
قوله: (واسناده إلى الآعين للمبالنة والتنبيه على أنهم استرذلوهم) المبالغة من اسناده للحاسة التي لا يتصور منها تعييب أحد فكان من لا يدرك ذلك يدركه، وأمّا التنبيه على أنه بمجرّد الرؤية فظاهر من جعل الازدراء لمجرّد تعلق البصر من غير تفكر وتأمّل، وقوله: بادي الرؤية من غير روية مطابق لقوله: {مَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَاّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [سورة هود، الآية: 27] أحسن مطابقة مع ما بين الرؤية والروية من التجنيس، وفيه إشارة إلى أنّ الرأي يجوز أن يكون بمعنى الرؤية كما مرّ، وبما عاينوا الخ. كالتفسير لقوله بادىء الرأي من غير روية، وقوله: وقلة منالهم أي ما يصلح حالهم من المال من النوال، وهو الصلاح للحال، قال: عجزت وليس ذلك بالنوال لا من النوال بمعنى العطاء، وقوله: في معانيهم وكمالاتهم، أي في المعاني التي كملوا بها كالإيمان والتسليم للحق والمسارعة إليه، فإن كانت الرواية، معايب من العيب فالمعنى التأمّل في أحوالهم الناقصة والكاملة، فيفرقون بين ذلك لتمييزهم بين ما يعابون به من غيره. قوله:(فأطلتة أو أتيت بأنواعه)
فالمراد بقوله جادلتنا شرعت في جدالنا فأطلته، أو أتيت بنوع من أنواع الجدال فأعقبته بأنواع فالفاء على ظاهرها، وفيه إشارة إلى أنه لا حاجة إلى تأويل جادلتنا بأردت جدالنا كقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [سورة النحل، الآية: 98] كما في الكشاف. وقال المدقق: إنه عبارة عن تماديه في الجدال، يعني مجموع ما ذكر كناية عن التمادي والاستمرار، والحامل له عليه عطف فأكثرت بالفاء. قوله:(في الدعوى والوعيد) أي في دعوى النبوّة والوعيد بنزول العذاب، قيل لا حاجة إلى الأوّل، إذ المعنى إن صدقت في حكمك بلحوق العذاب إن لم نؤمن بك، وما في ما تعدنا مصدري أو موصولة، والعائد مقدر أي تعدناه. قوله:) بدفع العذاب أو الهرب (أعجزه بمعنى صيره عاجزاً، والعجز إمّا بالدفع أو بعدم وجود المعذب، وكلاهما محال هنا. قوله:) شرط ودليل جواب الخ) الشرط هو قوله إن أردت أن أنصح لكم، دليل الجواب هو قوله: ولا ينفعكم نصحي، ومجموع قوله:(ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم (دليل على جواب الشرط الآخر، وهو قوله: {إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} وفي الكشاف قوله: ( {إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} ) جزاؤه ما دلّ عليه قوله: لا ينفعكم نصحي، وهذا الداذ في حكم ما دلّ عليه، فوصل بشرط كما وصل الجزاء بالشرط في قولك: إن أحسنت إليّ أحسنت إليك، أن أمكنني، يعني أنّ ما تقدم جزاء حكما لا
لفظاً، فقيد بشرط آخر، كما قيد صريح الجزاء، لأنّ التقييد من مقتضيات معنى الجزاء لا لفظه، وحينئذ جاز أن يكون قيدا للجزاء المجرّد، فيتعلق الشرط الأوّل بالجزاء معلقا على الثاني، ويحتمل العكس، فليس ما ذكر بناء على قواعد الشافعية على ما توهم، ثم إن كان أحد الشرطين لا ينفك عنه الجزاء أو الشرط الأوّل، فهو لتحقيق المرام وتأكيده، كما فيما نحن فيه، وقول القائل: إن دخلت الدار، فأنت طالق إن كنت زوجتي، والا فهو لتقييد الجزاء على أحد الوجهين والذي حققه النحاة، كما في شرح التسهيل لابن عقيل رحمه الله: أنه إذا توالى شرطان فأكثر كقولك إن جثتني، إن وعدتك أحسنت إليك، فأحسنت إليك جواب إن جثتني، واستغنى به عن جواب إن وعدتك، وزعم ابن مالك أنّ الشرط الثاني مقيد للأوّل بمنزلة الحال، وكأنه قال: إن جئتني في حال وعدي لك، والصحيح في هذه المسألة أنّ الجواب للأوّل، وجواب الثاني محذوف لدلالة الشرط الأوّل وجوابه عليه، فإن قلت إن دخلت الدار إن كلمت زيداً إن جاء إليك فأنت حرّ، فأنت حرّ جواب إن دخلت، وان دخلت وجوابه دليل جواب إن كلصت، وان كلمت وجوابه دليل جواب إن جاء، والدليل على الجواب جواب في المعنى، والجواب متأخر فالشرط الثالث مقدم، وكذا الثاني، وكأنه قيل: إن جاء فإن كلمت، فإن دخلت فأنت حرّ فلا يعتق إلا إذا وقعت هكذا مجيء ثم كلام ثم دخول، وهو مذهب الشافعيّ رحمه الله، وذكر الجصاص أنّ فيها خلافا بين محمد وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، وليس مذهب الشافعيّ فقط والسماع يشهد له قال:
إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معا قد عزز إنها كرم
وعليه فصحاء المولدين، وقال بعض الفقهاء: الجواب للأخير، والشرط الأخير وجوابه جواب الثاني، والشرط الثاني وجوابه جواب الأوّل، وعلى هذا لا يعتق حتى يوجد هكذا دخول ثم كلام ثم مجيء، وقال بعضهم: إذا اجتمعت حصل العتق من غير ترتيب، وهذا إذا كان التوالي بلا عاطف، فإن عطف بأو فالجواب لأحدهما دون تعيين، نحو إن جئتني أو إن أكرمت زيدا أحسنت إليك، وان كان بالواو فالجواب لهما، وإن كان بالفاء فالجواب للثاني، وهو وجوابه جواب الأوّل، فتخرج الفاء عن العطف، وهذا مقرّر في كتب الفقه والنحو ولا كلام فيه، وإنما الكلام في كون هذه الآية من ذلك القبيل، فجعلها المصنف رحمه الله تعالى كغيره منه فعليه لا فرق بين تقدم الجواب وتأخره عته، واستشكله ابن هثام في المغني بأنه لم يتوال فيها شرطان بعدهما جواب، وكلام النحاة فيه، والبيت السابق فيما كان ذلك، وإنما تقدم على الشرطين ما هو جواب في المعنى للأوّل، فينبغي أن يقدر إلى جنبه، ويكون تقديره أن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم، وأمّا أن يقدّر الجواب بعدهما ثم يقدر بعد ذلك مقدّما إلى جانب الشرط الأوّل فلا وجه له فعليه يختلف حكم المسألة والتوسط والتأخر، وله رسالة في هذه
المسألة مستقلة. والسؤال الذي أورده يرد على
المصنف رحمه الله تعالى، لكنه مدفوع، أمّا إن قلنا بجواز تقدم الجواب كما هو مذهب الكوفيين فظاهر، وان لم نقل به أيضاً فالمقدر في قوّة المذكور، والكثير في توالي شرطين بدون عاطف تأخره سماعا فيقدر كذلك، ويجري عليه حكمه فتأمّل، فليكن ما نحن فيه مما اختلف فيه الفقهاء على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وحاصله كما قال العلامة: إن قوله: ( {إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} ) شرط جوابه محذوف يدل عليه لا ينفعكم نصحي، وهذا الدال في حكم المدلول عليه وهو الجزاء، أي هذا الدال هو الذي يقدر جزاء، حتى يكون التقدير إن كان الله يريد أن يغويكم لا ينفعكم نصحي، لكن هذا الجزاء ليس مطلقاً بل مقيدا بشرط، وهو إن أردت أن أنصح لكم، فحاصل التقدير إن كان الله يريد أن يغويكم لا ينفعكم نصحي، إن أردت الخ. والحاصل أنّ المصنف رحمه الله تعالى جعل قوله لا ينفعكم دليل الجواب على امتناع تقدّمه، وهو الأصح والجملة كلها جواب الثاني، فيكون الكلام متضمنا لشرطين مختلفين، أحدهما جواب للآخر، وجعل المتأخر في الذكر متقدما في المعنى، بناء على أنه إذا اعترض شرط على شرط، ولا عاطف كان الثاني في نية التقديم، وهي المسألة المختلف فيها بين الفقهاء، وجعل جار الله لا ينفعكم دليل جواب إن كان الله، وجعل إن أردت قيدأ للجواب على ما قيل إنه مراده، فهي عنده شرطية واحدة مقيدة، فليس نظير المسألة المذكورة، وفائدة التقييد عنده ظاهرة، فلا وجه ل! ما قيل إنه لا فائدة فيه على ما ذهب إليه.
قوله: (ولذلك نقول الخ) قال الإمام هذا الشرط المؤخر في اللفظ مقدّم في الوجود، فإذا
قال الرجل لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار، كان المفهوم منه أنّ ذلك الطلاق من لوازم الدخول، فإذا قال بعده إن أكلت الخبز كان المعنى على أنّ تعلق ذلك الجزاء بذلك الشرط الأوّل، مشروط بحصول هذا الشرط الثاني، والشرط مقدم على المشروط في الوجود، فعلى هذا إن حصل الشرط الثاني تعلق الجزاء بذلك الشرط الأوّل، وان لم يحصل الثاني لم يتعلق الجزاء بذلك الشرط الأوّل. قوله:(وهو جواب لما أوهموا الخ) الإيهام مأخوذ من قوله أكثرت جدالنا، فأجابهم بما حاصله إنّ كلامي نصح وارشاد، لا أنه كلام بلا فائدة، يكون المقصود منه مجرّد الجدال، وإنما لم يفد لأنّ الله سبحانه وتعالى أراد إضلالكم ليهلككم، وقوله: إن أردت أن أنصح لكم، أن أبقى على الاستقبال لا ينافي كونه نصحهم في الماضي، وقيل: إنه مجاراة لهم لاستظهار الحجة لأنهم زعموا أنه ليس بنصح إذ لو كان نصحا قبل منه. قوله: (وهو دليل على أن إرادة الله تعالى الخ) هو رذ لمذهب المعتزلة، ولقول الزمخشري إنّ الإغواء قبيح لا يصح أن يصدر عنه تعالى، ولا يريده وان وقع نحوه بدون الإرادة منه، لكنه قيل عليه
إنّ الشرطية لا تدلّ على وقوع الشرط، ولا جوازه فلا يتم الاستدلال به ولا يحتاج إلى التأويل الآتي، ودفع بأن المقام ينبو عنه لعدم الفائدة في مجرّد فرض! ذلك، فإن أرادوا إرجاعه إلى قياس استثنائيّ، فإمّا أن يستثني عين المقدم فهو المطلوب، أو نقيض التالي فخلاف الواقع لعدم حصعول النفع. قوله:(وأنّ خلاف مراده محال) أي بالغير لا بالذات، وإلا لم تصدق الشرطية الدالة على لزوم الجواب للشرط، قيل ولو قال: بدل هذا وأنّ مراده لا يتخلف عن إرادته، كان أظهر لقولهم إيمان الكافر مراده تعالى، وخلاف مراده نفع النصح لهم، وان كان صريح النظم أنّ الإغواء مراده، لأنّ عدم نفعه لازم للإغواء، وارادة الملزوم إرادة للازمه. قوله: (وقيل إن يغويكم أن يهلككم الخ (هذا من تفاسير المعتزلة للجواب عن مخالفة الآية لمذهبهم، فتارة قالوا المراد هذا، وتارة قالوا سمي ترك إلجاء الكافر وتخليته، وشأنه إغواء، وكلاهما مخالف للظاهر المعروف في الاستعمال، وغوى بكسر الغين وفتح الواو كرضي رضا كما في القاموس، والبشم كالتخمة من كثرة شرب اللبن، والفصيل ولد الناقة، ومنهم من جوّز أن يكون إن نافية، فتدل على مدعي المعتزلة، ولا ينبغي حمل كلام الله عليه لبعده. قوله: (خالقكم والمتصرّف فيكم وفق إرادته (أي على وفق إرادته فهو منصوب بنزع الخافض، ووفقها ما يوافقها، والرب بمعنى الخالق والمربي، والتصرّف المذكور لازم لمعناه، فلذا فسر بما ذكر، ولم يرد أنّ الإغواء من تصرّفاته الموافقة لإرادته، حتى يتوهم أنه جبريل إنه علم عدم استعدادهم، واختيارهم استواء الطريقين على وفق الإرادة التي لا يتخلف عنها شيء، كما زعمت المعتزلة، وقوله فيجازيكم
قد مز تحقيقه. قوله: ( {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} وباله (يعني أنه على تقدير مضاف، أو على التجوّز به عن مسببه، والافتراء المفروض هنا ماض، والشرط يخلص للاستقبال، فينبغي أن يقدر فيه ما يكون مستقبلا، فلذا قيل تقديره إن علمتم أني افتريته، لكن الجزاء لا يترتب على علمهم بل على الافتراء نفسه، ودفع با! العلم يستدعي تحققه لا محالة، فصح لترتب عليه بهذا الاعتبار وفيه نظر، وقوله: وقرئ إجرامي اًي بفتح الهمزة جمع جرم. قوله:) من إجرامكم في إسناد الافتراء إلئ) فيه إشارة إلى أن أصله إن افتريته فعليّ عقوبة افترائي، ولكنه فرض محال وأنا بريء من افترائكم، أي نسبتكم إياي إلى الافتراء، وعدل عنه إدماجا لكونهم مجى!!! ، وأن المسألة معكوسة، والظاهر أن هذا من تتمة قصش نوج عليه الصلاة والسلام وفي ش-! ا-، وعليلأ الجمهور، وعن مقاتلى إنه في شأن النبي، ولا يخفى
بعده، وان قيل إنه أنسب، وجعل ما مصدرية لما في الموصولة من تكلف حذف العائد المجروو، وهو المناسب لقوله: إجرامي قبله. قوله تعالى: ( {إِلَاّ مَن قَدْ آمَنَ} ) هذأ استثناء متصل والمراد إلا من استمرّ على الإيمان، لأن للدوام حكم الحدوث، ولذا لو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فلم ينزعه في الحال حنث عندنا، وقيل المراد إلا من قد استعذ للإيمان، وتوقع منه، ولا يراد ظاهر.، والا كان المعنى إلا من قد آمن، فإنه يؤمن، وأورد عليه أنه مع بعده يقتضي أنّ من القوم من آمن بعد ذلك، وهو ينافي تفنيطه من إيمانهم، ولو قيل: إن الاستثناء منقطع، وانّ المعنى لا يؤمن أحد بعد ذلك غير هؤلاء، لكان معنى بليغا فتدبره، وتبتشى افتعال من البؤس، وهو حزن في استكانة، ويقال: ابتأس إذا بلغه ما يكرهه، فلذا فسره بقوله ونهاه الخ. والإقناط من قوله لن يؤمن، لأنّ لن لتأكيد النفي. قوله: (ملتبساً بأعيننا الخ (يشير إلى أنّ الجارّ والمجرور حال من الفاعل، وأنّ الباء للملابسة، أي محفوظا، قيل: والملابسة للعين كناية عن الحفظ، والأعين للمبالغة فيه، كما أنّ يسط اليد كناية عن الجود، وبسط اليدين كناية عن المبالغة فيه، وقيل الأعين هنا بمعنى الرقباء، وإنه تجريد على حذ قوله:
وفي الرحمن للضعفاء كافي
لأنه تعالى هو الرقيب، وردّ بأن العين هنا بمعنى الجارحة، وهي جرت مجرى التمثيل، وليس من التجريد في شيء، وليس المعنى على الرقباء هنا، وكأنّ التوهم نثأ من قوله في تفسيره في سورة المؤمنين، كأنّ مع الله حفاظا يكلؤنه بعيونهم، وهذا عليه لا له، لأنه إنما نبه به على فائدة جمع الأعين، وليس فيه أنّ الحافظ هو الله بنفسه، أو بمن نصبه لذلك، وقد صرّج به في الطور، والاستعارة فيه من الجارحة، والجمع للمبالغة، وقال في الطور إنه لذكر ضمير الجمع معه هناك فهو وجه آخر، ولا منافاة بين الوجوه، وأمّا ما قيل إنّ كلامه يقتضي أنه مجاز مرسل لاستعمال الجارحة في لازمها، وهو الحفظ فلا وجه له، لأنه بيان لوجه الشبه والمناسبة بينهما، وقوله: بكثرة آلة الحس أي تعدّدها لأنه جمع قلة، أو لأنه لما أضيف أفاد الكثرة لانسلاخ معنى القلة بها عنه. قوله:(كيف تصنعها) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لم يدر كيف يصنعها، فأوحى الله إليه أن تصنعها مثل جؤجؤ الطائر، أي صدره، وقوله: ولا تراجعني إشارة إلى أنّ النهي عن المخاطبة مبالغة في النهي عن المراجعة في أمرهم بخطاب أو
غيره، وقوله محكوم الخ لأنه المحقق في الحال، لأنّ الإغراق لم يقع، فهو أبلغ لدفع الاستشفاع بعد النهي. قوله:(وكلما مرّ عليه م! كل منصوب على الظرفية، وما مصدرية وقتية، أي كل وقت مرور، والعامل فيه جوابه، وسخروا صفة ملأ أو بدل اشتمال، لأنّ مرورهم للسخرية. قوله: (استهزؤوا به لعمله السفينة) يقال سخر منه وبه وهزأ به، ومنه واسناد الاستهزاء إلى نوح عليه الصلاة والسلام حقيقة، وكذا إلى عمله، وقيل إنه مجاز لأنه سبب الاستهزاء، وقوله: فإنه كان يعملها، بيان لسبب الاستهزاء، قيل: إنهم قالوا له ما تصنع يا نوح لأل بيتا يمشي على الماء، فتضاحكوا وسخروا منه، والاستهزاء منهم حقيقة، وفي نسخر منكم مشاكلة، لأنه لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقيل: إنه لجزائهم من جنس صنيعهم فلا يقبح، ولذا فسر بعضهم السخرية بالاستجهال، كما ذكره المصنف وهو مجاز لأنه سبب للسخرية، فأطلقت السخرية وأريد سببها لكنه لا يناسب قوله كما تسخرون، أو هو على هذا ضاكلة، وقوله وقيل: معطوف على ما قبله بحسب المعنى، وسوف تعلمون أي تعرفون، ولذا
شدّى لواحد وهو من الموصولة، وقيل إنها على أصلها والمفعول الثاني محذوف، وقيل: من استفهامية والجملة معلق عنها، وهي ساذة مسذ المفعول، أو المقعولين على الوجهين. قوله:(وينزل أو يحل عليه حلول الدين (منصوب على أنه مصدر تشبي! يئ، وهو بيان لأنه على التفسير افاني فيه استعارة تبعية ومكنية، شبه حكم الله بغرقهم بالدين اللازم أداؤه، وهو على الأوّل سقيقة، والإسناد مجازيّ، أي ينزل عليهم من السماء ما بغرقهم ويعذبهم به، والعذاب على الأوّل دنيوفي، وعلى الآخر أخروفي، ويحتمل أنه في الأوّل أخروفي أيضا، فيكون مجازاً، وقوله دائم إشارة إلى أنّ الإقامة استعيرت للدوام. قوله:) غاية لقوله ويصنع الفلك الخ) أي هي! ارة متعلقة به، وإذا لمجرّد الظرفية، وإذا كانت حتى ابتدائية فهي غاية أيضاً كما مرّ في الأنعام، وقوله: وما بينهما حال، كأنه جعل قالوا جواب كلما، وسخروا متعلق بملا، والا فلو كان سخروا جوابا كانت جملة قال استثنافية، والحمل على التغليب بعيد، واعترض بأنه على الثاني لا مدخل لقوله:{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} فالمراد ما بينهما حال مع ما يتعلق به، لأنّ المجموع حال، وهو ناشئ من قلة التدبر لأنّ ما بعد قال بأسره من مقول القول، الذي وقع جوابا،! لكل جملة واحدة بمنزلة الكبرى، وقوله: أو حتى هي التي يبتدأ الخ، يعني أنّ إذا شرطية، وحتى ابتدائية داخلة على الشرط، وجوابه، والجملة لا محل لها من الإعراب. قوله تعالى:
( {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا} ) هو واحد الأوامر، أي الأمر بركوب السفينة، أو واحد الأمور وهو الشأن، وهو نزول العذاب بهم، وقلنا على الاحتمال الأوّل استئناف، وعلى الثاني جواب إذا. قوله:(نبع الماء منه وارتفع كالقدر الخ) إشارة إيى أنه استعارة، شبه خروج الماء بفوران القدر، مع ما في إخراج الماء من التنور الذي هو محل النار من الغرابة، والتنور كالفرن ما يوقد فيه النار للخبز، وهو معروف قيل إنه كان تنورا لآدم يخبز فيه، وهو من حجارة وكان عنده، وقيل: غير ذلك كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، واختلف فيه وفي ماذته، فقيل: إنه عربيئ ووزنه تفعول من النور، وأصله تنوور، فقلبت الواو الأولى همزة لانضمامها، ثم حذفت تخفيفا، ثم شددت النون عوضا عما حذف، وهذا القول نقل عن ثعلمب، وقال أبو علي الفارسيّ وزنه فعول، وقيل: على هذا إنه أعجمي ولا اشتقاق له، ومادّته تنر، وليس في كلام العرب نون قبل راء، ونرجس معرب أيضا، والمشهور أنه مما اتفق فيه لغة العرب والعجم كالصابون، وقوله: في موضع مسجدها على يمين الداخلي مما يلي باب كندة، ذكره في سورة المؤمنين، وقوله: بعين وردة بمنع الصرف لأنه علم لها، وقوله: من أرض الجزيرة، يعني الجزيرة العمرية، وسيأتي في المؤمنين إنه بالشأم، فحمل على اختلاف الرواية، وقوله: أشرف أي أعلى من الشرف، وهو مرتفع الأرض، وقوله: في السفينة يشير إلى أنه أنث ضمير الفلك لأنه بمعنى السفينة. قوله: (من كل نوع الخ) يشير إلى أنّ التنوين عوض عن المضاف، أو هو بيان للمعنى المراد، وفي الكشاف ما يقتضي أنه حمل الوحوس والهوام وغيرها، وقراءة العافة ب ضمافة كل لزوجين، وقرأها حفص بالتنوين، فعلى الأوّل اثنين مفعول احمل، ومن كل زوجين حال، وقيل من زائدة واثنين نعت مؤكد لزوجين بناء على جواز زيادتها في الموجب، وعلى قراءة حفص زوجين مفعول، واثنين نعت مؤكد له، ومن كل حال أو متعلق باحمل، وقوله ذكرا وأنثى تفسير لزوجين، والزوج هنا احمواحد المزدوج بآخر من جنسه، لا مجموع الذكر والأنثى، والا لزم أن يحمل من كل ص كف أربعة أصناف، وهو أحد معنييه كما بيناه في شرح الدرّة، وزوجين على الأوّل بمعنى ؤهـ ت بت، وعلى الثاني بمعنى صنفين، وقوله عطف على زوجين اي على القراءة الأولى: وعلى اثت 3يئ على الأخرى. قوله:) والمراد امرأته! أي المسلمة
لا الكافرة المغرقة، وبنوه أي منها ونساؤهم فأهله سبعة، وكنعان قيل كان اسمه يام وهذا لقبه عند أهل الكتاب، وواعلة بوزن فاعلة بالعين المهملة زوجته الكافرة، وضمير أمّه لكنعان، وهذا يدلّ على أن الأنبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم يحل لهم نكاح الكافرة، بخلاف نبينا! ير لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} [سورة الأحزاب، الآية: 50] الآية. قوله: (قيل كانوا تسعة وسبعين) فالكل مع نوح عليه الصلاة والسلام ثمانون وهي الرواية الصحيحة وقيل: سبعة ويرذه عطف من آمن إلا أن يكون الأهل، بمعنى
الزوجة فإنه ثبت بهذا المعنى، وهو خلاف الظاهر، وقوله: في سنتين، وقيل في أكثر من ذلك، والساج شجر عظيم يكثر بالهند، وقيل إنه ورد في التوواة إنها من الصنوبر، وقوله: وكان طولها الخ. وفيه أقوال، والأقوال متفقة على أنّ سمكها ئلاثون، والمراد بالذراع ذراع ابن آدم إلى المنكب كما ذكره القرطبيّ رحمه الله تعالى، وقوله وجعل لها ثلاثة بطون الخ، وقيل الطبقة السفلى للوحش، والوسطى للطعام، والعليا له ولمن أمن. قوله:( {وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا} ) أي تال نوح عليه الصلاة والسلام بدليل قوله: {إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقيل الضمير دلّه، وضمير الجمع لمن معه، وفيها متعلق باركبوا وتعديته بفي لأنه ضمن معنى ادخلوا وقيل تقديره اركبوا الماء فيها، وقيل: في زائدة للتوكيد، والمصنف رحمه الله تعالى اختار أن تعديته بها لأنه مجاز عن معنى الصيرورة، ولم يجعله تضمينا لأنّ الركوب ليس بحقيقيئ، فيلزم جمع التضمين والتجوّز وما ذكره أقرب، وقوله: جعل ذلك ركوباً يشير إلى أنّ فيه استعارة تبعية، لتشبيه الصيرورة فيها بالركوب، وقيل: الاستعارة مكنية. قوله: (متصل باركبوا حال من الواو (بيان لوجه اتصاله به، والباء للملابسة وملابسة اسم الله بذكره ولذا فسره بقوله ة مسمين الله، أو الحال محذوفة وهذا معمولها ساذ مسدّها فلذا سموه حالاً، أي قائلين باسم الله، ومجراها ومرساها معمول الاستقرار الذي تعلق به الجارّ والمجرور على الأوّل، ومعمول قائلين وهي حال مقدرة أو مقارنة، بناء على أن الركوب المأمور به ليس أحداثه بل الاستمرار عليه. قوله:) وقت إجرائها وإرسائها الخ (جوّزوا فيه أن يكون اسم زمان أو مكان، أو مصدرأ ميميأ، وعلى الأخير يقدر مضاف محذوف وهو وقت، ولما حذف سد
هذا مسده وانتصب وهو كثير في المصادر، وتمثيله بخفوق أي الطلوع أو الغروب أحسن من تمثيل الزمخشريّ بمقدم الحاج، لاحتماله غير المصدرية، وقوله بما قدرناه يعني متعلق الجارّ والمجرور، أو قائلين ولا يجوز نصبه باركبوا إذ ليس المعنى على اركبوا في وقت الإجراء والإرساء، أو في مكانهما، وإنما المعنى متبركين أو قائلين فيهما. قوله:(ويجورّ رفعهما الخ) أي رفع المصدرين بالظرف لاعتماده على ذي الحال، وهو ضمير اركبوا فهي حال مقدرة على ما مرّ، وأمّا كونها من ضمير فيها فلا قرينة في كلامه عليه، ومن زعم أنه مراده وأنه حمله على الصلاح فما أفسده أكثر مما أصلحه، وقوله: أو جملة عطف على ما قبله بحسب المعنى، والخبر المحذوف تقديره متحقق ونحوه، وقوله: جملة مقتضية على صيغة المفعول، أي مستأنفة منقطعة عما قبلها لاختلافها في الخبرية أو الإنشائية، فقوله: لا تعلق لها بما قبلها تفسير له، وأصل الاقتضاب في اللغة الاقتطاع، ويطلق في اصطلاح المعاني على الانتقال من الغزل إلى المدح من غير تخلص. قوله:(أو حال مقدّرة من الواو أو الهاء) المراد بالهاء ضمير فيها العائد على السفينة، وقد اعترض عليه بأمرين، الأوّل أنّ الحال إنما تكون مقدّرة إذا كانت مفردة كمجراة، أمّا إذا كانت جملة فلا، لأنّ الجملة معناه اركبوا وباسم الله إجراؤها، وهذا واقع، وردّ بأنا لا نسلم أنه واقع حال الركوب وإنما يكون كذلك لو لم تكن حالاً مقدرة، وهذا ناشئ من عدم الوقوف على مراده، لأنهم ذكروا أنّ الفرق بين الحال إذا كانت مفردة، وجملة أنّ الثانية تقتضي تحققه في نفسه وتلبسه بها، وربما أشعرت بوقوعها قبل العامل، واستمرارها معه كما إذا قلت جاءني وهو راكب فإنه يقتضي تلبسه بالركوب واستمراره عليه، وهذا يتمادى كونها منتظرة، ولا أقل من أنه لا يحسن الحمل عليه حيث تيسر الإفراد، وأمّا الجواب عنه بان الجملة في تأويل المفرد لعدم الواو ككلمته فوه إلى فيّ، والمعنى اركبوا فيها مجراة ولا شك أنّ إجراءها لم يكن جمند الركوب فهي مقدرة، فمع أنه لا يدفع ذلك على ما قرّرناه قد مرّ في سورة الأعراف ما يدل على عدم صحته، الثاني أنه لا عائد على ذي الحال هنا إذا كان حالاً من الواو، وتقديره فإجراؤها معكم أو بكم كائن باسم الله تكلف، وأمّا كون الاسمية لا بد فيها من الواو فغير مسلم كما مرّ، وما قاله الرضي من أنّ الجملة الاسمية قد تخلو من الرابطين، عند ظهور الملابسة نحو خرجت زيد على الباب، فضعيف في العربية لا ينبغي التخريج عليه.
تنبيه: قال الفاضل المحشي الحال المقدرة لا تكون جملة، ومثله لا يقال بالرأي، وكان وجهه أن الحال المفردة صفة لصاحبها معنى، والجملة الحالية قد يكتفي فيها بالمقارنة، نحو سرت
والشمس طالعة، ويتصيد منها صفة، كالسببية، وفيه بحث، فإنّ الجملة الحالية منها المقارنة، ومنها ما هو بتأويل مفرد مأخوذ من مجموعها، نحو كلمته فوه إلى فيّ، أي مشافها،
وضها ما هو من جزئها كبعضكم لبعض عدوّ، أي متعادين، ومنه ما نحن فيه، فردّها مطلقا غير صلم. قوله:(ويجورّ أن يكون الاسم مقحماً) أي زائداً وفي الكشاف ويراد بالله إجراؤها! رساؤها أي بقدرته وأمره، أي على إرادة ذلك أو تقديره، وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز الإقحام طى تقدير مسمين أو قائلين، إذ لا يظهر معناه، وهذا على تقدير المصدر، وأمّا على تقدير ا! زمان والمكان فيكون من قبيل نهاره صائم، وطريقه سائر، وهذا التقدير يجوز تنزيله على كلام! احد، وعلى كلامين. قوله:(ثم اسم السلام عليكما) إشارة إلى زيادة لفظ اسم في شعر لبيد العامري، وهو قوله:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولاً كاملافقد اعتذر
وقد مز تفصيله في أوّل الفاتحة. قوله: (مجراها بالفتح من جرى الخ (أي من الثلاثيّ والثلا! لة الزمان والمكان والمصدرية، وقراءة مرساها بالفتح شاذة، وقوله: صفتين لله، قيل: مليه إنّ اسم الفاعل بمعنى المستقبل إضافته لفظية فهو نكرة، لا يصح توصيف المعرفة به فهو يدل، والقول بأنّ المراد الصفة المعنوية لا النعت النحويّ، فلا ينافي البدلية بعيد. قوله: (أي ك لا مغفرته لفرطاتكم الخ) بيان لارتباطه بما قبله، أي لولا مغفرته ورحمته ما نجاكم إيمانكم من الغرق، فهي جملة مستأنفة بيان للموجب له، وليس علة لأركبوا لعدم المناسبة له كما قيل، وفيه أنه قال العلامة إنه علل به، يعني بالنظر لما فيه من الإشارة إلى النجاة، فكأنه قيل اركبوا النجيكم الله. قوله:(متصل بمحذوف الخ) في هذه الجملة ثلاثة أوجه، أحدها أنها مستأنفة، والحاني أنها حالية من الضمير المستتر في باسبم الله، أي جريانها استقرّ باسم الله حال كونها ب رية، والثالث أنها حال من شيء محذوف دل عليه السياق، أي فركبوا فيها جارية، والفاء المحقدّرة للعطف، وبهم متعلق بتجري أو بمحذوف أي ملتبسة بهم، والرسوّ الاستقرار، يقال! سا يرسو وأرسيته، والمضارع لحكاية الحال الماضية، وقوله: وهم فيها مستفاد من قوله بهم، ولم يجعلوها من الضمير المستتر في الحال الأولى، على أنها حال متداخلة لأنه يلزم أن يكون المجريان في وقت الركوب، وهو وقت تقدير التسمية فتأمّل، والطوفان له معان منها الماء إذا فا حتى غرّق البلاد وهو المراد، واضطرابه شدّة حركته. قوله: (كل موجة منها كجبل الخ (ش ليس المراد تشبيه الموجة الواحدة بالجبال، والموج واحده موجة، والجبال متفاوتة، كما
أنّ الأمواج كذلك. قوله: (وما قيل من أن الماء الخ) جواب عما يقال إنه روي أنه طبق ما بين السماء والأرض، وأنّ السفينة كانت تجري في داخله كالسمك فلا يتحرّك، ولا يجري ولا يكون له موج، بأنه ليس بصحيح رواية، وهو مما يأباه العقل، ولو سلم فهذا كان في ابتداء ظهوره بدليل قول ابنه سآوي إلى جبل فإنه يدل على أنه كان تدريجياً. قوله:(علا شوامخ الجبال (من إضافة الصفة للموصوف وهذا مما تبع فيه المصنف الزمخشريّ وليس له وجه. قوله تعالى: ( {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} ) قال السفاقسيّ والسمين الجمهور على كسر تنوين نوج عليه الصلاة والسلام لالتقاء الساكنين، وقراءة وكيع بضمه اتباعاً لحركة الإعراب، وقال أبو حاتم إنها لغة ضعيفة، وهاء ابنه توصل بواو في الفصيح، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما بسكون الهاء فلا التفات إلى ما قيل إنه ضرورة وهي لغة عقيل، وقيل الإزد، وقرأ عليّ رضي الله تعالى عنه ابنها ولذا قيل إنه كان ربيبه والربيب ابن امرأة الرجل من غيره، لأنّ الإضافة إلى الأمّ مع ذكر الأب خلاف الظاهر، وان جوّزوه، ووجه بأنه نسب إليها لكونه كافراً مثلها، وقرأ محمد ابن علي وعروة والزبير ابنه بهاء مفتوحة دون ألف اكتفاء بالفتحة عنها، وهو ضعيف في العربية، حتى خصه بعضهم بالضرورة، وهذا النداء كان قبل ركوب السفينة، والواو لا تدذ على الترتيب، وقوله: على أنّ الضمير لامرأته أي على القراءتين، وقوله: رشدة بكسر الراء المهملة وسكون الشين المعجمة وفتح الدال وتاء تأنيث، يقال للولد
هو لرشدة إذا كان من نكاج لا من زنا وسفاح، وضده لزينة بالكسر وقوله: إذ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عصمت أضاف العصمة لهم، وان كانت في الحقيقة للزوجات، لأنه عار عليهم ونقيصة مبرّؤون عنها.
قوله: (على الندبة) عبر في الكشاف تبعا لابن جني في المحتسب بالترثي تفعل من رثيت، وهي بمعنى الندبة في عبارة المتقدمين، وقوله: ولكونها الخ دفع لاستشكالهم بأن النحاة صرّحوا بأنّ حرف النداء لا يحذف في الندبة، فأجاب بأنه حكاية والذي منعوه في الندبة نفسها إلا في حكايتها، وما وقع في تفسير ابن عطية من أبناء بفتح همزة القطع التي للنداء رذ بأنه لا ينادي المندوب بالهمزة، وأنّ الرواية بالوصل فيها، والنداء بالهمزة لم يقع في القرآن. قوله:(عزل فيه نفسه) يعني أنّ المعزل بالكسر هنا اسم مكان العزلة، وفد يكون زمانا، وأمّا المصدر فبالفتح ولم يقرأ به أحد، وإذا كان اعتزاله في الدين فهو بمعنى مخالفته مجازاً، يقال:
هو بمعزل عن الأمر إذا لم يفعله. قوله: (كسروا الياء ليدلّ على ياء الاضافة المحذوفة في جع القرآن) أي هنا وفي يوسف وثلاثة مواضع في لقمان، وفي الصافات، وقوله: وقف مليها أي سكنها، وعاصم عطف على ابن كثير، وقوله: اقتصارأ على الفتح من الألف المبدلة صن ياء الإضافة، وقيل: إنّ حذفها لالتقاء الساكنين ويؤيد الأوّل أنه قراً بها حيث لا ساكن كدها. قوله: (وحفصى الخ) وروي عنه الاظهار في النشر أيضاً، وكلاهما صحيح. قوله:(أن كرقئي) من الأفعال، ويجوز أن يكون من التفعيل، فالعصمة عبارة عن حفظه عن الغرق. قوله:(1 لا الراحم وهو الله الخ) ذكروا فيه وجوها الأوّل لا عاصم إلا الراحم، وفيه إقامة الظاهر مقام المضمر، لأن الأصل لا عاصم من أمر الله إلا الله، وفي العدول إلى الموصول زيادة فخيم وتحقيق لرحمته، وأن رحمته هي المعتصم لا الجبل، وهو أقوى الوجوه، الثاني لا ذا عصمة أي لا معصوم إلا المرحوم، قيل: وفيه أن فاعلا بمعنى النسبة قليل، فإن أريد في نفسه فم! نوع، وان أريد بالنسبة إلى الوصف فلا يضرّ، الثالث الانقطاع على أن لا عاصم على الحقيقة، أي ولكن من رحمه الله فهو المعصوم، وأورد عليه أن مثل هذا المنقطع قليل، لأنه في الحقيقة جملة منقطعة تخالف الأولى، لا في النفي والاثبات فقط، والأكثر فيه مثل ما جاءني القوم إلا حمارا، الرابع لا معصوم إلا الراحم على معنى لكن الراحم يعصم من أراد، وهذا غير مصرّج به في الكشاف، ولكنه يظهر من تجويزه أن يكون من رحم هو الراحم، ولا عاصم بمعنى لا معصوم، الخامس إضمار المكان أي لا عاصم إلا مكان من رحمه الله، وهو السفينة، وهو وجه حسن فيه مقابل لقوله: يعصمني، وهو المرجح بعد الأوّل، والعاصم على هذا حقيقة، لكن إسناده إلى المكان مجازي، وقيل إنه مجاز مرسل عن مكان الاعتصام بناء على إسناد الفعل إلى المكان إسناداً مجازيا والمعنى لا مكان اعتصام إلا مكان من رحمه الله، نإنه أرجح من الكل، لأنه ورد جواب! عن قوله ساوى إلى جبل، الخ السادس لا معصوم إلا مكان من رحمه الله، وأريد به عصمة من فيه على الكناية، فإنّ السفينة إذا عصمت عصم من فيها، وهذا وجه أبداه صاحب الكشف من عنده، السابع أنّ الاستثناء مفرّغ، والمعنى لا عاصم
اليوم أحداً أو لأحد إلا من رحمه الله، أو لمن رحمه الله وعده بعضهم أقربها، وعلى ما ذكرنا ينزل كلام المصنف رحمه الله تعالى في الاقتصار على بعضها، وقوله: وهم المؤمنون تفسيران لا للمكان لأنه السفينة، وقوله رذ بذلك الخ إشارة إلى الترجيح السابق، وقوله: اللائذ به جمع لائذ مضاف للضمير، أي اللائذين به، وقوله لاذا عصمة ذو العصمة يشمل العاصم والمعصوم، والمراد هنا المعصوم فهو مصدر عصم المبنى للمفعول، فإن قيل على أنّ التقدير لا عاصم إلا مكان من رحمه الله، يكون المعنى لا عاصم من أمر الله إلا المكان، فيقتضي أن المكان يعصم ويمنع من أمر الله وقضائه، وهو غير صحيح لأنه لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه، قلت أجيب بأن المراد بأمر الله بلاؤه وهو الطوفان، وبهذا الاعتبار صح الاستثناء فتأمّل. قوله:(بين نوح عليه الصلاة والسلام وابنه) فلم يصل إلى السفينة لينجو، أو بينه وبين الجبل فلم يتيسر له الصعود فلم ينج أيضا لزعمه أن الماء لا يصل إليه وتفريع فكان الخ على هذا لا ينافي قوله: لا عاصم لأن المراد فكان من غير مهلة أو هو بناء على ظنه. قوله: (ئوديا بما ينادى به أولو العلم الخ) هذه الآية
حوت من البلاغة أمراً عجيبا ترقص! الرؤوس له طربا، قال في الكشاف: نداء الأرض والسماء بما ينادى به الحيوان المميز على لفظ التخصيص، والإقبال عليهما بالخطاب من بين سائر المخلوقات، وهو قوله:(يا أرضى ويا سماء) ثم أمرهما بما يؤمر به أهل التمييز والعقل، من قوله:(أبلعي ماءك وأقلعي) من الدلالة على الاقتدار العظيم، فإنّ السماوات والأرض! وهذه الأجرام العظام منقادة لتكوينه فيها ما يشاء غير ممتنعة عليه، كأنها عقلاء مميزون، قد عرفوا عظمته وجلالته وثوابه وعقابه وقدرته على كل مقدور، وتبينوا تحتم طاعته عليهم وانقيادهم له وهم يهابونه ويفزعون من التوقف دون الامتثال له، والنزول على مشيئته على الفور من غير ريث الخ. قيل: عنى أنه شبه الأرض والسماء بالعقلاء المميزين على الاستعارة المكنية، والنداء استعارة تخييلية وهي قرينتها، ثم رشحت بالأمر والبلغ لاختصاصه بالحيوان، لأنه إدخال الطعام في الحلق بالقوّة الجاذبة، فهو ترشيح على ترشيح، وأمّا الاقلاع فلا تجريد فيه ولا ترشيح، لاشتراكه بين الحيوان وغيره، يقال: أقلعت السماء إذا لم تمطر، وخالفه غيره فقال: إنه تجريد لاشتهاره في السماء والمطر، قال: وإنما اختير الترشيح في جانب الأرضى، والتجريد في السماء، لأنّ إذهاب الماء كان مطلوباً أوّليا وليس للسماء فيه سوى الامساك، فقيل: أقلعي والأرض هي التي تقبل الاذهاب المطلوب، وقيل: إنه وهم لأنّ تفسيرهم له بالامساك ينافيه فتأمّل. قوله: (تمثيلأ لكمال قدرته الخ) قيل مراده ما مرّ من الاستعارة المكنية والتخييلية، مع ما يصحبه من لطائف البلاغة، وهو تمثيل
فويّ، أو اصطلاحيّ باعتبار أنه يلزمه استعارة أخرى تمثيلية، لكنها ليست من صريح الطم بل تابعة له، وقيل: إنه يعني أنّ في النظم استعارة تمثيلية شبهت الهيئة المنتزعة من كمال قدرته ملى رد ما انفجر من الأرض إلى بطنها، وقطع طوفان السماء، وتكوّن ما أراده فيها كما أراد، لهيئة المنتزعة من الآمر المطاع الذي يأمر المنقاد لحكمه الخ. فعلى هذا يكون استعارة واحدة يخلاف ما في المفتاح، وعلى الوجه الأوّل لا مخالفة بين كلام الشيخين وكلام السكاكيّ، كما ارتضاه الشارح إلا في أمر يسير سيأتي بيانه، وقيل: إنه يخالفه فإنّ السكاكيّ حمل النظم على استعارات حسنة، وترشيحاتها ومجازات بليغة، وعلاقاتها مع فخامة لفظها ووجازة نظمها، لمجعل القول مجازاً عن الإرادة بعلاقة تسببها له، والقرينة خطاب الجماد، كأنه قيل أريد أن روتدّ ما انفجر من الأرض وينقطع طوفان السماء، وجعل الخطاب بيا أرض ويا سماء وأرادا ملى نهج المكنية تشبيها لهما بالمأمور المنقاد، وأثبت لهما ما هو من خواص المشبه به أعني النداء، وجعل البلع استعارة لغور الماء فيها للذهاب إلى مقر خفيّ، والماء استعارة مكنيه تشبيها لى بالمطعوم المتغذي به، والقرينة ابلعي باعتبار أصله، وان كان عنده استعارة تصريحية على حد ينقضون عهد الله، ورجح استعارة البلع للنشف على ما اختاره كما سيأتي، وجعل أمر البلع ترشيحاً للمكنية التي في المنادى لزيادته على القرينة، كما تقرّر عندهم، وجعل إضافة الماء إلى الأرض! مجازا لغويا لاتصال الماء بها، كاتصال المال بالمالك، والخطاب ترشيح له، قيل: والظاهر أنه تجوّز عقلي في النسبة، والخطاب ترشيح للمكنية في المنادى، وقد مرّ تحقيقنا لهذا المبحث في مالك يوم الدين، والخلاف فيه بين الفاضلين، واستظهروا أنه من إضافة الغذاء إلى المغذي في النفع والتقوّى وصيرورته جزءاً منه، ولا نظر إلى المالكية، ومن أراد بسط الكلام في هذا فلينظر شروح المفتاح، وقوله: الذي يأمر المنقاد لحكمه يعني فيأتمر ويبادر للامتثال، وتركه لظهوره، وهذه المبادرة من السياق لا من دلالة الأمر على الفور كما قيل. قوله:(والبلع النشف والاقلاع الامساك) النشف من نشف الثوب، العرق كسمع وبصر إذا شربه، قال المدقق: هذا أولى من جعل السكاكي البلع مستعار الغور الماء في الأرض لدلالته على جذب الأرض ما عليها، كالبلع بالنسبة إلى الحيوان، ولأنّ النشف فعل الأرض، والغور فعل الماء، فلله دره ما أكثر اطلاعه على حقائق المعاني، وأمّا ما قيل: إن البلع ترشيح والاقلاع تجريد بناء على قول الزمخشريّ، أقلع المطر فوهم لأنّ تفسير الامساك يرشد لخلافه فتأمّل. قوله:(وغيض الماء نقص) من غاضه إذا نقصه وجميع معانيه راجعة إليه، وقوله الجوهري: غاض الماء إذا قل ونضب، وغيض الماء فعل به ذلك لا يخالفه وهو إخبار عن حصول المأمور به من السماء
والأوض معا، أي فامتثلا ما أمرا به ونقص الماء، ولا يخص غيض الماء بطوفان السماء كما ئوهم، وفيه كلام طويل في الكشف. قوله:(واستقرّت) يقال استوى على السرير إذا استقر
عليه، وآمل بالمذ وضمّ الميم بلدة. قوله:(هلاكاً لهم الخ) يعني أن البعد ضد القرب، وهو باعتبار المكان، وهو في المحسوس، وقد يقال: في المعقول نحو ضلوا ضلالاً بعيداً، وأن استعماله في الموت والهلاك استعارة لكن كلام أهل اللغة يخالفه لاختلاف فعليهما، فإنه يقال: في الأوّل بعد يبعد ككرم يكرم بعد بضم فسكون، وفي الثاني بعدا يبعد كفرح يفرج فرحا، كما قيل فالواقع في قول المصنف بكسر العين في الماضي وفتحها في المصدر، وقيل بالعكس، والظاهر أنه فيهما بالضم، لأنّ الواقع في النظم مصدر ل! لمضموم فهو يقتضي أن يكون من البعد المكاني، وأنهما من ماذة واحدة، وهو الذي حمل المصنف رحمه الله تعالى على التجوّز وقوله: إذا بعد بضم العين، وبعدا كقربا ووصف البعد بكونه بعيداً للمبالغة كجد جده، وقوله لا يرجى عوده بيان لشدّة بعده وبيان لاطلاق البعد على الموت، وقد أوضح هذا المعنى التهامي في قوله في مرثيته المشهورة:
أشكو بعادك لي وأنت بموضع لولا الردى لسمعت فيه سراري
والشرق نحو الغرب أقرب شقة من بعد تلك الخمسة الأشباري
وقوله: وخص بدعاء السوء يعتي بعدا مصدر يستعمل للدعاء، كسقيا ورعيا لكنه مخصوص بالسوء كجدعا وتعسا، والمراد بالظلم مطلقه أو تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنهم به ظلموا أنفسهم. قوله:(والآية في غاية الفصاحة الخ) ما اشتملت عليه من الفصاحة والنكات مفصل في شرح المفتاح، والمراد بالفصاحة البلاغة، وفخامة لفظها مجاز عن بلاغتها، وكنه الحال حقيقته من إرادة ما ذكر. قوله:) واللراد الآخبار على البناء للمفعول الخ) يعني أنّ الفاعل قد يترك ويبنى للمجهول لتعينه، لأن تلك الصفات لا تليق بغيره حقيقة، أو ادّعاء وقد صرّج الشعراء بهذا المعنى وتشبتوا به كما قال أبو نواس:
وان جرت الألفاظ يوما بمدحة لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني
قوله: (وأراد نداءه (أوّله به ليصح التفريع عليه كما بينه، وقيل: إنه تفصيل للمجمل لا! الإجمال يعقبه التفصيل، وقيل: إنّ المعقب ما بعد قوله: رلث، وهو إنما ذكر للتوطئة لما
بعده، وإنّ تأويل المصنف رحمه الله تعالى ليس بحسن لأنّ فعل كل فاعل مختار لا بد أن يعقب إرادته، فليس في ذكره حينئذ كبير فائدة وفيه نظر. قوله:(وإق كل وعد تعده حق الخ) يعني أنّ كل وعد لك حق وقد وعدت بانجاء أهلي وهو من جملتهم، وهو في قوّة قياس، ومراده استعلام الحكمة في عدم انجائه مع ما ذكر إن كان ذلك بعد غرقه، أو الاستكشاف عن حاله إن كان قبله، وإليهما أشار بقوله: فما حاله أو فما له لم ينج لكنه كان ينبغي أن يقدم قوله ويجوز الخ على ذلك. قوله: (ويجوز أن يكون هذا النداء قبل غرقه) فإن الواو لا تقتضي الترتيب، قال الزمخشري: وذكر المسألة دليل على أن النداء كان قبل غرقه حين تأبيه عن ركوب السفينة وخوفه عليه، وأمّا جواز أنه لم يعرف غرقه، وأنه تعالى يجوز أن ينجيه بسبب أخر لمقتضى وعده فخلات الظاهر. قوله:(لآنك أعلمهم وأعدلهم الخ) يشير إلى أنّ المعنى على التعليل، والى أنه إذا بنى أفعل من الشيء الممتنع من التفضيل والزيادة، يعتبر فيما يناسب معناه معنى الممتنع، وقال الإمام ابن عبد السلام في أماليه إنّ هذا ونحوه من أرحم الراحمين وأحسن الخالقين مشكل، لأن أفعل لا يضاف إلا إلى جنسه، وهنا ليس كذلك لأنّ الخلق من الله بمعنى الإيجاد، ومن غيره بمعنى الكسب، وهما متباينان، والرحمة من الله إن حملت على الإرادة صح المعنى لأنه يسير أعظم إرادة من سائر المريدين، وإن جعلت من مجاز التشبيه وهو أنّ معاملته تشبه معاملة الراحم صح المعنى أيضا لأن ذلك مشترك بينه وبين عباده، وإن أريد إيجاد فعل الرحمة كان مشكلاً إذ لا موجد سواه، وأجاب الآمدي رحمه الله تعالى بأنه بمعنى أعظم من يدعي بهذا الاسم، قال: وهذا مشكل لأنه جعل التفاضل في غير ما وضع اللفظ بإزائه، وهو يناسب مذهب المعتزلة فتأمل. قوله:(أو لآنك أكثر حكمة من ذوي الحكم الخ) يعني على أن يبني من الحكمة حاكم للنسبة، وقيل: عليه إنّ الباب ليس بقياسي
وإنه لم يسمع حاكم بمعنى حكيم، ولأنه لا يبني منه أفعل إذ ليس جاريا إلى الفعل، فلا يقال ألبن وأتمر، إذ لا فعل بهذا المعنى، والجواب بأنه كثر في كلامهم، أو يجوز أن يكون وجها مرجوحا، وبأنه من قبيل أحنك الشابين لا يخلو عن تعسف، وتعقب بأنّ للحكمة فعلا ثلاثيا، وهو حكم كما مرّ في أوّل السورة، وأفعل من الثلاثيئ مقيس، وأيضا سمع احتنك الجراد، وألبن وأتمر، فغايته أن يكون من غير الثلاثيّ، ولا يخفى ما فيه، ومنهم من فسره على هذا بأعلمهم بالحكمة، كقولهم: آبل من أبل، بمعنى أعلم وأحذق بأمر الإبل. قوله تعالى: ( {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} الخ (قيل إنه اشتبه عليه الأمر لظنه أنّ المستثنى امرأته وحدها، وقوله: ولا تكن مع الكافرين، لا يدلّ على تحقق كفره لاحتمال أن يراد لا تكن في خلالهم، ولبعد هذا اعتذر عنه المصنف
رحمه الله تعالى، بأنّ حب الولد شغله عن تأمّل حاله فعوتب على ترك التأمّل فيه، ومثله ليس بمعصية، والمراد ليس من أهلك الذين وعدهم الله بالنجاة، وقوله: لقطع الولاية يعني أنه لا يكون بين مسلم وكافر ولاية، ولذا لم يتوارثا، وقرابة الدين أقرب من قرابة النسب، كما قال أبو نواس:
كانت مودّة سلمان له نسبا ولم يكن بين نوح وابنه رحم
قوله: (فإنه تعليل الخ) أي هذه الجملة تفيد أنّ مضمونها تعليل لما قبلها، لأنها مستأنفة
في جواب لم لم يكن من أهلي، وأصله إنه ذو عمل فاسد لأنه العلة في الحقيقة، فعدل عنه مع أنه أخصر وحذف ذو للمبالغه بجعله عين عمله لمداومته عليه، ولا يقدّر المضاف لأنه يفوّت المبالغة المقصودة منه. قوله:(كقول الخنساء) هي امرأة من فصحاء الجاهلية، والخنس انخفاض الأنف، وتوصف به الظباء، فلذا سميت به، ولها ديوان معروف، وهذا من قصيدة لها رثت بها صخرأ أخاها وهي مشهورة (ومنها) :
وما عجول على بوّ تحن له لها حنينان إعلان وإسرار
ترتع ما غفلت ححى إذا ذكرت فإنما هي إقبال وادبار
يوما بأوجع مني حين فارقني صخر وللعيش أحلاء وإمرار
) ومنها (:
لمان صخرالتأتق! الهداة به كأنه علم في رأسه نار
فقوله تصف ناقة لأنها مثلت حالها بناقة ذبح ولدها فهي تحن له، فإذا ذهلت عنه رعت،
وإذا ذكرته اضطربت، فهي بيت إقبال وادبار، أي بين إقبال على الحنين، وادبار عنه، والشاهد في قوله: هي إقبال وادبار، والعجول التي فقدت عجلها، والبوّ جلد يحشى تبنا لترأمه وتدر وترتع من رتع في المرعى إذا مشى فيه للرعي. قوله:(ثم بدّل الخ) معطوف على مضمون ما قبله، أي علل ثم بدل، ولمن متعلق بالنجاه أو أوجب، ومن في من أهله بيانية أو تبعيضية، والمراد بالمناقضة مجرّد المناقاة لأن بينهما واسطة وهي البطالة، وقوله: وقرىء إنه عمل أي بالفعل الماضي، وغير صالح مفعوله، وأصله عملاً غير صالح فحذف، وأقيمت صفته مقامه. قوله:(ما لا تعلم أصواب هو أم ليس كذلك الخ) أي أصواب فتسأل عنه أم لا فتتركه، وهو شامل لوجهي السؤال، والنهي إنما هو عن سؤال ما لا حاجة له إليه إمّا لأنه لا يهم، أو لأنه
قامت القرائن على حاله، كما هنا لا عن السؤال للاسترشاد والاشتنجاز أي طلب الإنجاز للوعد، وهو إذا كان النداء قبل الغرق، والاستفسار عن المانع عن نجاته إذ كان بعده، قيل: والاً وّل هو الظاهر من اللفظ، وعلى الثاني يكون من الحذف والإيصال وأصله عما ليس الخ، لأنّ السؤال الاستفساري يتعدى بعن، والطلبيّ بنفسه، كما هو مشهور عندهم، وأمّا القول بأنّ ما عبارة عن السؤال فلا حاجة إلى الحذف والايصال، فليس بشيء لأنه يحتاج إلى التقدير في قوله: إذ لا معنى لنفي العلم عن سؤاله، وإنما هو عن المسؤول، فلا وهم فيه كما توهم. قوله:(وإنما سماه جهلأ الخ) يشير إلى أنه ليس بجهل، وإنما هو غفلة عما مرّ من الاستثناء، أو ظنه شمول الوعد لجميع أهله، ولا يخفى بعده، وقوله: أشغل بالألف في النسخ، وقد أنكره بعض أهل اللغة، لكها لغة قليلة أو رديئة، وكتب بعض العمال في رقعة للصاحب أن رأي مولانا أن يأمر بإشغالي ببعض أشغاله، فوقع له من كتب إشغالي لا يصلح لاشغالي، ومتعلق العلم والجهل حال ابنه، واستحقاقه لما حل به، وما ليس له به علم كون المسؤول خطأ أو صواباً وأن تكون بمعنى كراهة
أن تكون أو لئلا تكون كما مز نظيره، وقال: الماتريدي إنّ نوحاً عليه الصلاة والسلام ظن ابنه على دينه لأنه كان يخفي كفره منه، والا لم يسأل نجاته وقد نهى عن مثله، قيل: وهو الأظهر. قوله: (بفتح اللام والنون) أي ويفتح النون بدليل ما بعده، وقوله: للياء أي لأجل أن تدل الكسرة على الياء المحذوفة، أو لمناسبتها والإثبات أمره ظاهر، وقوله: فيما يستقبل لأنّ السؤال وقع منه، وقيل: إنه لدفع أن يكون ردّاً لقوله ابني وانكاره السؤال، وأفا في الحال فغير متصوّر وقوعه منه فتأمل، وقوله: بصحته إشارة إلى تقدير مضاف، ودخل فيه ما علم فساده وما شك في صحته وفساده. قوله: (انزل من السفينة (وقال الإمام من الجبل إلى الأرض، وقوله مسلماً بصيغة المفعول إشارة إلى أنّ الباء للملابسة، وأنّ الجارّ والمجرور حال، والسلام إمّا بمعنى السلامة مما يكره، أو بمعنى التسليم والتحية من الله، أو من الملائكة عليهم الصلاة والسلام، الذين من قبله، وقوله: من جهتنا، بيان لقوله:
منا وأن من فيه ابتدائية، ولو أخره كان أحسن، وهو متعلق بمسلماً لا بالمكاره كما جوّزه بعضهم. قوله:(ومباركاً عليك) أي مدعوا لك بالبركة، بأن يقال بارك الله فيك، وهو مناسب لكون السلام بمعنى التسليم فيكون كقوله: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وهذه الآية من الاحتباك لأنه حذف من الثاني ما ذكر في الأوّل، وذكر فيه ما حذف من الأؤل، والتقدير بسلام منا عليك وبركات منا عليك، وقوله آدما صرفه لأنه نكره، ونوج عليه الصلاة والسلام يسمى آدم الثاني والأصغر، لأن الناس كلهم من نسله عليه الصلاة والسلام، لأنه لم يبق بعد الطوفان غير بنيه وأزواجهم على ما اختاره في الصافات، وا! جميع الناس من نسله، كما قال:{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ} [سورة الصافات، الآية: 77] وهو لا ينافي الوجه الثاني في من هنا والحاصل أن العلماء قد اختلفوا في الناس بعد الطوفان هل هم جميعا من نسل نوح عليه الصلاة والسلام، ولذا سموه آدم الثاني وآدم الأصغر، كما اختلفوا فيمن كان معه في السفينة وعددهم، فقيل: إنه مات من كان معه في السفينة من غير أولاده ولم يبق لهم نسل، فحينئذ لا يصح أن يكون الأمم نشؤوا ممن معه إلا أن يخصوا بأولاده، لكن الأكثر على أن لهم نسلا فلا يكون نوح عليه الصلاة والسلام أبا البشر بعد آدم عليه الصلاة والسلام، وكلام المصنف رحمه الله تعالى ينظر إلى القولين. قوله: (وهو الخير النامي (الضمير للبركة وذكره باعتبار الخير، قال الراغبه: البرك صدر البعير، وبرك البعير ألقى بركه، واعتبر فيه اللزوم، ولذا سمي محتبس الماء بركة، ولما فيه من الاشعار باللزوم وكونه غير محسوس اختص تبارك بالاستعمال في الله كما سيأتي، ثم إن في قوله تعالى:{وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ} لطيفة، وهو أنه قد تكرّر فيه حرف واحد من غير فاصل ثماني مرّات، مع غاية الخفة فيه ولم تتكرر الراء مثله في قوله:
وقبر حرب بمكان قفر وليس قرب قبرحرب قبر
مع ما ترى فيه من غاية الثقل وعسر النطق، وهذا آية من جملة إعجازه فاعرفه. قوله:
(هم الذين معك) فمن على هذا للبيان قيل عليه إنه لا حاجة إلى لفظ الأمم بل إلى هذا بأسره فلو ترك أو قيل على من معك كان أظهر وأخصر، وقوله لتحزبهم أي لكونهم مجتمعين، وقوله لتشعب الأمم، فإطلاق الأمم عليهم مجاز، وعلى الوجه الآخر، من ابتدائية، وقوله: والمراد بهم أي بالأمم الناشئة على الوجه الثاني، ورجح الزمخشري هذا الوجه، بحسن التقابل بين وعلى أمم وأمم سنمتعهم وبسلامته عن التجوّز، واطلاق الأمم على جماعة قليلة لكنه يقتضي أن لا يسلم ويبارك على من معه، فقيل استغنى بالتسليم عليه عن التسليم على من معه، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم زعيم أمّته، أو أنه يعلم بالطريق الأولى. قوله:(أي وممن معك أمم الخ) جوّز في
هذه الواو الحالية والعطف، وظاهره أنّ أمم مبتدأ، وجملة سنمتعهم صفته المسوّغة للابتداء بالنكرة، والخبر مقدر وهو ممن معك بدلالة ما قبله، وكذا في الكشاف، لكنه قيل عليه إنه إنما يناسب الوجه الثاني في من دون الأوّل، وجعله في المقدر، بمعنى آخر لا يخلو من تكلف، ويحتمل أن يكون التقدير وأمم ممن معك سنمتعهم بحذف الصفة، وجعل الجملة المذكورة خبراً، وجوّز أبو حيان كون أمم مبتدأ من غير تقدير صفة على أنّ الجملة خبره لأن العطف والتفصيل مسوّغ عنده، وفسر الأمم الثانية بالكفار لقرينة ذكر العذاب، وقوله: والعذاب ما نزل بهم، أي في الدنيا لا عذاب الآخرة. قوله: (إشارة إلى قصة نوح عليه الصلاة
والسلام (بيان لأنّ التأنيث للنبأ باعتبار القصة، وأن الإشارة بالبعيد لتقضيها، وقوله: أي بعضها إشارة إلى أنّ من تبعيضية لأنها بعض المغيبات، وكونها من علم الغيب مع اشتهارها، باعتبار التفصيل لأنه غير معلوم، وقيل: إنه بالنسبة إلى غير أهل الكتاب لا عامّ، لأنها نسيت لقدم العهد كما قي! ، وقوله: والضمير لها وهو الرابط لجملة الخبر.
قوله: (موحاة إليك) أوّله باسم المفعول لأنّ الجملة الخبرية تؤوّل بالمفرد، ولبيان أنه لحكاية الحال الماضية، والمقصود من ذكر كونها موحاة سواء كان خبراً أو حالاً، إلجاء قومه للتصديق بنبوّته صلى الله عليه وسلم، وتحذيرهم مما نزل بهم فلا يتوهم أنه لا فائدة فيه، وفائدة تقديم من أنباء الغيب إذا تعلق بنوحيها نفى أن يكون علم ذلك بكهانة، أو تعلم من الغير، فلا وجه لما قيل إنه لا فائدة فيه كما سيشير إليه. قوله:(أي مجهولة عندك الخ) إشارة إلى أن هذا إشارة إلى الإيحاء المعلوم مما مرّ، وقوله: جاهلاً تفسير له على وجهي الحالية وأنه بيان لهيئة الموحي أو الموحى إليه. قوله: (تنبيه على أنه لم يتعلمها الخ) يعني أنه إذا لم يعلمها وهو نبيّ يوحى إليه، فغيره بالطريق الأولى، فلا حاجة لذكرهم معه، فأجاب بأنه من باب الترقي، كما تقول هذا الأمر لا يعلمه زيد، ولا أهل بلده لأنهم مع كثرتهم لا يعلمونه، فكيف يعلمه واحد منهم، وقد علم أنه لم يخالط غيرهم، وقوله: على مشاق الرسالة الخ إشارة إلى أنه فذلكة لما قبله، وبيان
للحكمة في إيجابها من إرشادهم وتهديدهم. قوله: (عطف على قوله نوحاً إلى قومه) أي أنه من العطف على معمولي عامل واحد، وليس من المسألة المختلف فيها فعطف المنصوب على المنصوب، والجارّ والمجرور على الجار والمجرور، وقدم لعود الضمير إليه وقيل إنه على إضمار أرسلنا لطول الفصل، فهو من عطف جملة على أخرى، وهوداً عطف بيان لأخاهم، وقيل إنه بدل منه، وأخاهم بمعنى واحداً منهم، كما يقولون يا أخا العرب. قوله:(وقرئ بالجرّ حملَا على المجرور وحده) أي بجعله صفة له، جار على لفظه، والرفع باعتبار محل الجارّ والمجرور لا فاعل للظرف لاعتماده على النفي، ووقع في النسخ المصححة بعد قوله: اعبدوا الله وحده، وفي نسخة وحدوه بالأمر تفسير له بقرينة ما بعده، ومن قوله:{مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [سررة الأعراف، الآية: 85] وقيل إنه يريد أنّ معنى اعبدوا الله أفردوه بالعبادة، ووحدوه بالألوهية بمعونة المقام لأنهم كانوا مشركين يعبدون الأصنام، فالمقصود إفراده بالعبادة لا أصلها، مع أنه لا اعتداد بالعبادة مع الإشراك، فالأمر بالعبادة يستلزم إفراده بها. قوله:(باتخاذ الأوثان شركاء وجعلها شفعاء) يعني قولهم إنها شركاء لأنّ اتخاذها نفسه ليس افتراء، فجعله افتراء مبالغة، وأشار بعطف قوله وجعلها شفعاء أنهم في الواقع إنما تقرّبوا بها إلى الله كما نطق به التنزيل في غير هذا الموضع، لكن الشرع عده شركا، فلا يرد عليه ما قيل ليت شعري من أين علم اتخاذهم إياها شفعاء، فالأولى الاقتصار على اتخاذها شركاء. قوله: (وتمحيضاً (بالضاد المعجمة أو الصاد المهملة، فإنّ كلاً منهما بمعنى الإخلاص، وقوله: لا تنجع كتنفع لفظاً، ومعنى ومشوبة بالباء الموحدة، أي مخلوطة ممتزجة، وقوله: أفلا تستعملون عقولكم إشارة إلى أنه نزل منزلة اللازم، واستعمال العقل التفكر والتدبر ليعرف ماله وما عليه، وقوله خاطب كل رسول الخ إشارة إلى ما ورد من أمثاله في القرآن، وليس تفسيراً لما نحن فيه. قوله: (1 طلبوا مغفرة الله بالإيمان الخ (يعني أنّ طلب المغفرة عبارة عن الإيمان بالله وحده، لأنه من لوازمه لتوقف المغفرة عليه، إذ لا معنى لطلب المغفرة مع الكفر، والتوبة لا تكون بدونه أيضا وعطف التوبة حيمئذ بثم إن أريد بها التوبة عن الشرك، بدليل المقام لا يظهر لأنها نفسه، فلذا أوّلت بأنها مجاز عن التوسل بها إلى المغفرة، والتوسل بالإيمان إلى مغفرة الله متأخر عنه، ولا يصح أن يكون المراد التوبة عما صدر منهم غير الشرك، لأنّ الإيمان يجب ما قبله، وأورد
عليه أنّ التوسل بالتوبة عن الشرك لا ينفك عن طلب المغفرة بالإيمان والتوحيد، لأنه من لوازمه فلا يكون بعده، فإن قيل: المراد بطلب المغفرة بالإيمان طلبها قبل الإيمان لا معه، قيل: فيرتفع الإشكال حينئذ من غير احتياج إلى التأويل بالتوسل لأنّ معناه حينئذ اطلبوا الإيمان ثم آمنوا، وهو غير محتاج إلى التأويل ويدفع بأنّ المراد الأوّل فالاسنغفار الإيمان والتوبة عن الشرك الرجوع إلى صراط الله المستقيم ودينه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وهو متراخ عن الإيمان باعتبار الانتهاء، وجوّز في قوله: توسلوا أن يكون بيانا لحاصل المعنى لأنّ الرجوع إلى شيء الوصول
إليه، وأن يكون إشارة إلى أنه مستعمل فيه مجازاً، كما مرّ في أوّل السورة والأوّل أولى. قوله:(وأيضاً التبري من الغير إنما يكون بعد الإيمان الخ (في الكشاف قيل: استغفروأ ربكم آمنوا به، ثم توبوا إليه من عبادة غيره، لأن التوبة لا تصح إلا بعد الإيمان، فعلى هذا الاستغفار كناية عن الإيمان لأنه من روادفه، والتصديق بالله لا يستدعي الكفر بغيره لغة، فلذا قيل: ثم توبوا، وإنما قال قيل: إشارة إلى أنّ الوجه ما مرّ في أوّل السورة، لأنّ قوله: {اعْبُدُواْ اللهَ} دل على اختصاصه تعالى بالعبادة كما مرّ، فلو حمل استغفروا على هذا لم يفد فائدة زائدة سوى ما علق عليه من قوله تعالى: {يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} الخ وقد كان يمكن تعليقه بالأوّل، والحمل على غير الظاهر، مع قلة الفائدة مما يجب الاحتراز عنه في كلام الله المعجز، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو بعينه ما في الكشاف، لأنّ التبرؤ عن الغير لا يصح حمله على ظاهره إذ لم يتبرؤوا من نبيهم ولا من المؤمنين فمن ظنه كذلك، وقال: إنما يرد على الزمخشريّ لا يرد عليه، وجوّز أن يكون هذا وقع في مجلس آخر غير متصل بالأوّل فقد ارتكب شططا، ثم إنه قيل: إنّ التبرؤ عن الغير هو التبرؤ التفصيلي ليظهر التراخي، وعبر عن التوبة بالتبرؤ لأن الرجوع إلى الله يلزمه ترك التوجه إلى غيره، والا لم يكن رجوعا إليه فتأئله، وقوله كثير الدر أي الأمطار، وقوله: {قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} أي مضمومة إليها، وقيل: إلى بمعنى مع وإذا انضمت القوّة إلى أخرى فقد ضوعفت، ولذا فسره به. قوله: (رغبهم بكثرة المطر الخ) المراد بزيادة القوّة قوّة الجسم وأصحاب زروع وعمارات، أي أبنية وهو لف ونشر مرتب، فالزروع ناظر للأمطار، والعمارات للقوّة، وقوله: وتضاعف القوّة بالتناسل لأنهم يحصل لهم قوّة بأولادهم، أو لأنه ناشئ عن قوّة البدن، وقوله: مصرين،
وقيل: المعنى مجرمين بالتولي وهو تكلف. قوله: (صادرين عن قولك الخ) في الكشاف كأنه قيل: وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك، فقيل عليه إنّ هذه كالتي في قوله:{أَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [سورة البقرة، الآية: 36] للسببية أي وما نحن بتاركي آلهتنا بسبب قولك، وحقيقته ما يصدر ترك لآلهتنا عن قولك، فهو ظرف لغو متعلق بتاركي، والمصنف رحمه الله تعالى جعله مستقرّا حالاً، وقدره صادرين عن قولك، وهو إما من صدر صدورا بمعنى وقع ووجد، أو من صدر صدراً بمعنى رجع، والأوّل باطل لأنهم ليسوا موجودين عن قوله، وكذا الثاني لأنّ الرجوع عن القول لا يتصوّر إلا إذا كانوا قائلين له ولم يكونوا كذلك أصلاً، فالصواب مصدرين الترك عن قولك (قلت) هذا كما ورد في الحديث، وكلام العرب لا يصدر إلا عن رأيه وهو من الصدر بمعنى الرجوع عن الماء القابل للورد، فإنّ الورد والصدر يجعل كناية عن العمل والتصرّف، لأنهم أرباب سفر وبادية، وذلك جل أمرهم، ولذا قال معاوية رضي الله تعالى عنه طرقتني أخبار ليس فيها إصدار وايراد وقال:
ما أمس الزمان حاجاً إلى من يتولى الإيراد والإصدارا
أي يتصرف في الأمور بصائب رأيه، وكما تال بعض البلغاء: إنّ أمير المؤمنين نطق بلسانك وأعطى وأخذ بيدك، وأورد وأصدر عن رأيك، ولما كان الصدر مستلزما للورد اكتفوا به، فقالوا لا يصدر عن رأيه، فالمعنى ما نحن بتاركي آلهتنا عاملين بقولك، وهو تقدير للمتعلق بقرينة عن، والمقدّر كناية لا تضمين، ولذا قال: في الكشف لم يحمله على التضمين كما في قوله: فأزلهما الشيطان عنها لأنّ المضمن هو المقصود، والترك هاهنا هو مصب الفائدة، ومن لم يدر هذا قال: صادرين بمعنى معرضين وهو صريح في التضمين لكنه جعل المضمن حالاً، والمضمن فيه أصلا مع رجحان العكس لأنّ المضمن هو المقصود غالبا لكون الترك هاهنا مصب الإفادة فنبه بذلك على أنه قد يختار خلافه لعارض، وقصد به الرد على ما في الكشف تبعاً لغيره. قوله: (حال من الضمير في تاركي (وإذا وقع في الكلام المنفيّ قيد فالنفي منصب عليهما أو على القيد فقط، وهو الأكثر أو على المقيد فلا يكون النفيّ للقيد وهو قليل، وهنا قد انتفى القيد والمقيد معا لأنهم لا يتركون آلهتهم ولا يعلمون بقوله، وقيل إنه قيد للنفي والمعنى انتفى تركنا عبادة آلهتنا معرضين عن قولك فلا يلزم محذور، وبتفسير صادرين بمعرضين اندفع ما أورده العلامة ولو أبدل صادرين بمعرضين لئلا يرد عليه
شيء ويظهر كونه جوابا لقوله لا تتولوا أي معرضين عن قولك المجرّد عن حجة لكان أظهر وأولى، وقد علمت أنه غفلة عن المراد. قوله تعالى:) {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} ) في الكشاف، وما يصح من أمثالنا أن يصدقوا
مثلك فيما يدعوهم إليه إقناطا له من الإجابة لأنهم أنكروا الدليل على نبوّته رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا مؤكدين لذلك إنا بمجرّد قولك لا نترك آلهتنا، ثم كرروا ما دل عليه الكلام السابق من عدم إيمانهم بالجملة الاسمية مع زيادة الباء، وتقديم المسند إليه المفيد للتقوّى دلالة على أنهم لا يرجى منهم ذلك بوجه من الوجوه فدلّ على اليأس والإقناط. قوله:(ما نقول إلا قولنا اعتراك الخ) يعني أنه استثناء مفرّغ وأصله أن نقول لحولاً إلا قولنا هذا فحذف المستثنى منه وحذف القول المستثنى، وأقيم مقوله مقامه أو اعتراك هو المستثنى لأنه أريد به لفظه وذكر لفظ قولنا لبيان أنّ المراد به لفظه، وليس مما استثنى فيه الجملة وهو بيان لسبب ما صدر عن هود عليه الصلاة والسلام بعد ما ذكروا عدم التفاتهم لقوله، واعتراك بمعنى أصابك من عراه يعروه، وأصله من اعتراه بمعنى قصد عراه وهو محله وناحيته، ومعناه خبله وأفسد عقله وباء بسوء للتعدية. قوله:(بجنون الخ (يعني أنه المراد بالسوء، وقوله من ذلك أي ولأجل ذلك، والهذيان معروف، والخر) فات جمع خرافة بتخفيف الراء وقد موّ تفسيرها وأنّ الزمخشري نقل فيها التشديد، وهي الغريب من القول الذي لا حقيقة له وهي منقولة من علم رجل إلى هذا المعنى، وقوله والجملة مقول القول أي القول المقدر قبل إلا أو بعدها على ما مرّ من الوجهين فيه يريد أن انتصابه بالقول لا بإلا وفي نسخة بدل مقول القول مفعول القول، وهما بمعنى. قوله:(وإلا لغو لأنّ الاستثناء مفرّغ) المراد بلغويتها عدم عملها لا زيادتها لأنّ المفزغ بحسب ما قبله من العوامل، وهذا مبنيّ على أن العامل في غير المفرّغ إلا على اختلاف فيه مفصل في النحو، ومقالتهم الحمقاء من الإسناد المجازي أي الأحمق قائلها، وأني بريء تنازع فيه الفعلان وقوله فكيدون ظاهر تقرير المصنف رحمه الله تعالى أن الخطاب لقومه، ويفهم منه حال آلهتهم بالطريق الأولى، وقال الزمخشري: أنتم وآلهتكم، وهو أولى وجميعا حال من ضمير كيدوني وقوله من آلهتهم إشارة إلى أن ما موصولة والعائد محذوف وهو المناسب لكونه جوابأ لقولهم اعتراك لعدم مبالاته بها وبإضرارها كما أشار إليه بقوله وفراغه الخ. والمراد فراغ ذهنه وخلوّه عن تصوّره لأنّ عدم ذلك مفروغ عنه ضرورقي، ومن دونه متعلق بتشركون يعني تشركون به ما لم يجعله شريكا كقوله:{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} وقوله: {مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى،
الآية: 21] لا حال إذ لا فائدة في التقييد به وقوله تأكيدأ لذلك أي للبراءة وتذكيره لتأويله بأن والفعل أو بالمذكور ونحوه وافادته التأكيد لأنّ شهد الله ونحوه كالقسم في إفادة التأكيد والتحقيق وقوله وأمرهم معطوف على أشهد أي بأن أشهد وأمر وفيه إشارة إلى التنازع، وقوله وأن يجتمعوا في نسخة وأن يجمعوا وهو معطوف على بأن أشهد وهو ظاهر في أن الخطاب للقوم كما مز، قيل: وهو أظهر مما سلكه الزمخشري لأنه سلك في نفي قدرة الآلهة على ضره طريقا برهانياً فلا يناسبه الطلب منها وحتى إذا الخ غاية للاجتماع، وأن يضروه متعلق بعجزوا ولا يضر صفة جماد ولا تتمكن خبر أن، وفي نسخة بالواو فالخبر لا تضر وهو معطوف عليه. قوله:(وهذا من جملة معجزاته الخ) كون تثبيطهم بمعنى تأخيرهم وتعويقهم معجزة إنما هو بملاحظة كونه بعصمة الله إذ كان واحداً أغضب كثيرين حرّاصا على قتله فأمسك الله عنه أيديهم وكفهم والا فمجزد التأخير ليس كذلك (فإن قلت (كيف عطف اشهدوا وهو إنشاء على الخبر) قلت (أمّا من جوزه فلا يشكل عليه، وأمّا من منعه فيقدر له قولاً أي وأقول اشهدوا واشهاد الله يحتمل الإنشاء أيضا وان كان في صورة الخبر وإنما غاير بين الشهادتين لاختلافهما فإنّ الأوّل إشهاد حقيقة مقصود بذكره التأكيد، والثاني المقصود به الاستهزاء والإهانة كما يقول الزجل لخصمه إذا لم يبال به أشهد عليّ أني قائل لك كذا، وقول المصنف رحمه الله تعالى أمرهم بناء على ظاهر الحال أي أتى بصيغة الأمر لهم فلما لم يكن حقيقة عبر عنه بالأمر لأنه يرد كثيراً للاستهانة والتهديد وإن احتمل أن يكون إشهاده لهم حقيقة لإقامة الحجة عليهم، وعدل عن الخبر فيها تمييزاً بين الخطابين فهو
خبر في المعنى، وقوله العطاش إلى إراقة دمه استعارة بمعنى الحزاص كما يحرص العطشان على الماء، والإراقة ترشيح وقوله ولذلك أي لما مرّ وكونه معصوما من الله قرّره بإظهار التوكل على من كفاه ضرّهم، وقوله عقبه أي عقب هذا الكلام، وقوله تقريراً له أي لثقته وذكره لما مز وكونه تقريراً له لا ينافي كونه يفيد التعليل لنفي ضرهم بطريق برهانيئ كما يشير إليه قوله لن يضروني فإني متوكل على الله لأن بيان علة الشيء تقوّيه، وتقرّره وفي قوله:{رَبِّي وَرَبَّكُمْ} تدزج إلى تعكيس أمر التخويف وقوله لم يقدره من التقدير. قوله: (ثم برهن عليه (أي على المعنى، وهو عدم قدرتهم على ضره مع توكله ولقوله ربي وربكم دخل في البرهان والناصية مقدم الرأس، وتطلق على الشعر النابت فيها وناصيته بيده أي هو منقاد له والأخذ بالناصية عبارة عن القدرة، والتسليط مجازاً وقد يكون كناية والمصنف
رحمه الله تعالى ذهب إلى الأوّل لأنه أنسب هنا. قوله: (أنه على الحق والعدل الخ) يعني أنّ قوله على صراط مستقيم تمثيل واستعارة لأنه مطلع على أمور العباد مجاز لهم بالثواب والعقاب كاف لمن اعتصم كمن وقف على الجادّة فحفظها، ودفع ضرر السابلة بها وهو كقوله:{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [سررة الفجر، الآية: 14] وقيل معناه إنّ مصيركم إليه للجزاء وفصل القضاء والحق والعدل مأخوذ من الاستقامة وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إلى اندراجه في البرهان، وفي قوله إنّ ربي دون أن يقول وربكم نكتة غير الاختصار، وهي الإشارة إلى أنّ اللطف والإعانة مخصوصة به دونهم. توله:(فإن قتولوا) جعله مضارعا لاقتضاء أبلغتكم له ولا يحسن فيه اذعاء الالتفات، ولذا من جعله ماضيا قدر فقل أبلغتكم لكنه لا حاجة إليه، والمراد إن استمرّوا على التولي لوقوعه منهم ويجوز أن يبقى على ظاهره بحمله على التولي الواقع بعد ما حجهم. قوله: (فقد أذيت ما علئ من الإبلاغ وإلزام الحجة الخ الما كان إبلاغه واقعا قبل توليهم والجزاء يكون مستقبلا بالنظر إلى زمان الشرط أشار إلى تأويله بقوله فلا تفريط أو أنه مراد به لازم معناه المستقبل باعتبار ظهوره أو أنه جواب باعتبار الإخبار لأنه كما يقصد ترتب المعنى يقصد ترتب الإخبار كما في وما بكم من نعمة فمن الله، ومنهم من جعل الجواب محذوفا وهذا دليله والتقدير لم أعاتبكم لأنكم محجوجون، وقوله ولا عذر لكم بعض الجواب، وجعله بعضهم جوابا آخر والواو بمعنى أو، وقوله فقد أبلغتكم إشارة إلى أنه أقيم فيه السبب مقام المسبب، ويصح جعله تعليلاً لما قبله. قوله: (استئناف بالوعيد (يحتمل أنه يريد الاستئناف النحوي بناء على جواز تصديره بالواو لا البياني بأن يكون جواب سؤال، وهو ما يفعل بهم كما قيل لأنه لا يقترن بالواو ومنهم من فسر الاستئناف بالعطف على مجموع الشرط، والجزاء وهو خلاف الظاهر من العبارة يكون مترتبا على قوله إنّ ربي على صراط مستقيم، والمعنى أنه على العدل فلذا انتقم منكم وأهلككم فلا يرد أنّ المعنى لا يساعد عليه كما توهم، وقوله يهلكهم لأنّ استخلاف غيرهم على ديارهم يستلزم ذلك، وقوله ويؤيده القراءة بالجزم على الموضحع أي موضع الجملة الجزائية مع الفاء، وعلى القراءة بالرفع يصح عطفه أيضا على الجواب لكن على ما بعد الفاء لأنه الجواب في الحقيقة والفاء رابطة له فما قيل إنه يشعر بجواز عطفه على الجواب على عدم القراءة بالجزم، وليس بذاك سهو وقوله يعذرني بالجزم بيان لمعنى الجزاء على ما مرّ ومعناه يقبل عذري، ودخول الفاء على المضارع هنا لأنه تابع يتسمح
فيه وقيل تقديره فقد يستخلف الخ. قوله: (شيئاً من الضرر) إشارة إلى أنه مفعول مطلق لأنه لا يتعدى لاثنين، ولا حاجة لتأويله بما يتعدى لهما كتنقصون، وقوله أسقط النون منه أي من تضرون لأنه معطوف على المجزوم، وقوله بتوليكم وقيل بذهابكم وهلاككم لا ينقص من ملكه شيء، وقوله فلا تخفى الخ إشارة إلى أن مراقبته كناية عن مجازاته كما مز أو حفيظ بمعنى حافظ والحافظ بمعنى الحاكم المستولي، ومن شأنه أنه لا يقدر على ضرّه سواه وقوله عذابنا على أنّ الأمر بمعنى الشأن واحد الأمور أو المأمور به، والتفسير الآخر على أنه واحد الأوامر والإسناد على الثاني مجازقي، والأمر بالعذاب إما أمر الملائكة فهو حقيقيّ، أو هو مجاز عن الوقوع على طريق التمثيل. قوله: ( {نَجَّيْنَا هُودًا} (صرح بالنجاة للمؤمنين مع التعريض بعذاب الكافرين بيانا لأنه الأهم، وأن ذلك لا يبالي به أو مفروغ منه وقوله برحمة يعني أنه بمحض الفضل إذ له
تعالى تعذيب المطيع، وترك قول الزمخشريّ بسبب الإيمان لما فيه من رائحة الاعتزال، ولما إن كانت لمجرّد الحين فظاهر والا فوجه الترتب على النزول قيل إنه لأن الإنجاء يعتمد نزوله، وفيه نظر، والظاهر أن يقال ترتبه عليه باعتبار ما تضمنه من تعذيب الكفار فيكون صرح بالإنجاء اهتماما، ورتب باعتبار الآخر إشارة إلى أنه مقصود منه. قوله:) وكانوا أربعة آلاف) هذأ فيه مخالفة لما تقدم من أنه كان وحده، ولذا عذ مواجهته وحده للجم الغفير معجزة له صلى الله عليه وسلم كما مز فحينئذ يجوز أن يكون هؤلاء معه حين المحاجة ودعوى انفراده عنهم إذ ذاك لا بد لها من دليل، ولا مانع من جعل هذا باعتبار حالين وزمانين فتأمّل. قوله:(تكرير لبيان ما نجاهم منه) حاصله أنه لا تكرير فيه لأن الأوّل إخبار بأن نجاتهم برحمة الله، وفضله والثاني بيان لما نجوا منه وأنه أمر شديد عظيم لا سهل فهو للامتنان عليهم وتحريض لهم على الإيمان، وليس من قبيل أعجبني زيد وكرمه كما قيل أو هما متغايران فالأوّل إنجاء من عذاب الدنيا، والثاني من عذاب الآخرة فرجح الأوّل بملاءمته لمقتضى المقام، وقوله لبيان اللام للتعليل لأصله تكرير وقد أورد على الثاني أن إنجاءهم منه ليس في وقت نزول العذاب في الدنيا، ولا مسبباً عنه إلا أن يجاب بأنه عطف على المقيد والقيد كما قيل في قوله:{لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ} [سورة سبأ، الآية: 30] وقد مرّ تحقيقه، ولا يخفى ما فيه من التكلف من غير داع لأن الموافق للتعبير بالماضي المفيد لتحققه حتى كأنه وقع أن يجعل باعتبار ذلك واقعاً في وقت النزول تجوزاً، والمعنى حكمنا بذلك لهم وتبين لهم ما يكون لهم
لأن الدنيا أنموذج الآخرة مع أن في كلام المصنف إشارة إلى أن المعنى نجيناهم في الدنيا كما سننجيهم في الآخرة فتامل، والمراد بالغلظ تضاعفه. قوله:(أنت اسم الإشارة باعتبار القبيلة) فالإشارة إلى ما في الذهن وصيغة البعيد لتحقيرهم أو لتنزيلهم منزلة البعيد لعدمهم، وإذا كانت لمصارعهم وقبورهم فالإشارة للبعيد المحسوس والإسناد مجازي أو هو من مجاز الحذت أي تلك قبور عاد أو أصحاب تلك عاد. قوله:(كفروا بها) هذه الجملة كالتفسير لما قبلها وأشار بتفسيره إلى أن جحد متعد بنفسه، وقد عدى بالباء حملا له على الكفر لأنه المراد أو بتضمينه معناه كما أن كفر جرى مجرى جحد فتعدى بنفسه في قوله كفروا ربهم وقيل كفر كشكر يتعدى بنفسه، وبالحرف وظاهر كلام القاموس إن جحد كذلك أي كفروا بالله، وأنكروا آياته التي في الأنفس والآفاق الدالة على وجوده فكأنهم كانوا منكرين للصانع لا مشركين. قوله:(ومن عصى رسولاً فكأنما عصى الكل الخ (هذا بالنسبة إلى التوحيد لأن الكل متفقون عليه فعصيان واحد عصيان للجميع فيه، أو لأنّ القوم أمرهم كل رسول بطاعة الرسل إن أدركوهم والإيمان بهم لا نفرق بين أحد من رسله فالضمير في لأنهم للقوم، وأمروا مبني للمجهول ويجوز أن يكون الضمير للكل وأمروا على صيغة المعلوم أي كل نبي أمر قومه بذلك، وقوله من عند بتثليث النون، وعنوداً مصدر بضم العين وأصل معنى عند اعتزل في جانب لأن العند الجانب ومنه عند الظرفية. قوله: (أي جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين الخ (يعني أن الكلام على التمثيل بجعل اللعنة كشخص تبع آخر ليدفعه في هوّة قدامه فالمتبعون قدامهم الجبارون أهل النار، وخلفهم اللعنة والثبور وضمير اتبعوا إما لعاد مطلقا أو للمتبعين للجبارين منهم فتعلم لعنة غيرهم بالطريق الأولى، وتكبهم تلقيهم على وجوههم. قوله: (جحدوه الخ) كأنه إشارة إلى ما مرّ من أن تعديته بنفسه لإجرائه مجرى جحداً، وهو من كفران النعمة وهو متعد بنفسه ففي الكلام مضاف مقدر أو هو على الحذف والإيصال. قوله:(دعاء عليهم بالهلاك الخ) قد مرّ تحقيق البعد ودلالته على الهلاك، وأنه حقيقة أو مجاز- قيل ويجوز أن يكون دعاء باللعن كما في القاموس البعد والبعاد اللعن، ولا وجه لما قيل إنه من المزيد، وقوله والمراد الخ يعني أنهم
كانوأ قبل أن يهلكوا مستأهلين لهذا ومثله كثير في كلام العرب كقوله:
لايبعدن قومي الذين هم سمّ العداة وآفة الجزر
واللام للبيان كما في قولهم سقياً له لا للاستحقاق كما قيل: والذي حمله عليه قوله كانوا مستوجبين وقد علمت أن
معناه أنه تأويل للذعاء فإنه لا معنى له بعد الوقوع فلذا أولوه بأن المراد منه أنهم مستوجبون لذلك، وقوله تفظيعاً لأمرهم ناظر إلى إعادة ذكرهم وقوله، وحثا نظار لتكرير ألا. قوله:(وفائدثه تمييزهم عن عاد الثانية الخ) يعني أنه إشارة إلى أن عادا كانوا فريقين عادا الأولى وعادا الثانية فيكون إفادة لذلك لا لدفع اللبس هنا حتى يرد عليه ما قيل إنه ضعيف لأنه لا لبس في أن عادا هدّه ليست إلا قوم هود عليه الصلاة والسلام للتصريح باسمه وتكريره في القصة، وقيل المراد تأكيد تمييزهم، وقيل: ذكر للفواصل أو ليفيد مزيد تأكيد بالتنصيص عليهم، وارم سيأتي تفسيرها. قوله:(هو كوّنكم منها لا غيره الخ) قالوا إنه أخذ الحصر من تقديم الفاعل المعنوي مثل أنا قضيت حاجتك واعتبره الزمخشري في هذا وفي قوله استعمركم فيها أيضا والمصنف رحمه الله سكت عنه اكتفاء ببيان هذا عنه لا أنه عطف بعد اعتبار التقديم فلا ينسحب على ما بعده لأن الأول أنسب بالمقام، وقد يقال الحصر مستفاد من السياق لأنه لما حصر الإلهية فيه اقتضى حصر الخالقية أيضا فبيان ما خلقوا منه بعد بيان أنه الخالق ا! بر لا غيره يقتضي هذا وبيان إنشائهم من الأرض والتراب بأن المراد خلقهم منها بالذات أو بالواسطة أو أنهم خلقوا من النطف والنطف من الغذاء الحاصل من الأرض، وقد مرّ في الأنعام أنّ المعنى ابتدأ خلقكم منها فإنها المادّة الأولى، وآدم الذي هو أصل البشر صلى الله عليه وسلم خلق منها أو خلق أباكم فحذف المضاف. قوله:(عمركم فيها واستبقاكم الخ) العمازة قال الراغب: نقيض الخراب يقال عمر أرضه يعمرها عمارة فهي معمورة وأعمرته الأرض واستعمرته فوضت إليه العمارة، وقال: استعمركم فيها والعمر مدة عمارة البدن بالحياة والروح، وهو دون البقاء ولذا وصف به الله دون هذا، والعمر والعمر واحد وخص بالقسم المفتوح ويقال عمرت المكان وعمرت به بمعنى أقمت والعمرى في العطية أن تجعل له شيئا مدة عمرك أو عمره كالرقبى، وتخصيص لفظه تنبيه على أن ذلك شيء معار انتهى فقوله عمركم بالتشديد من العمر، وأما العمارة ففعلها مخفف يشير إلى أنه يجوز أخذه من العمر وهو مدة الحياة. قوله:(أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها) هذا هو الوجه الثاني على أنه من العمارة، ومعناه أنه جعلكم قادرين على ذلك وأمركم بها فالسين للطلب على حقيقتها ولذا عطفه عليه، وذكر القدرة توطئة له وعلى الأوّل لا طلب فيه كما أنه على تفسيره بجعلكم عمارها الاستفعال فيه بمعنى الأفعال.
قوله: (وقيل هو من العمرى) بضم فسكون مقصور وقد تقدم تفسيرها وهل هي هبة أو عارية تفصيله في الفروع واستدل الكسائيّ رحمه الله تعالى بهذه الآية على أن عمارة الأرض! واجبة لطلبها منهم وقسمها في الكشاف إلى واجب كالقناطر اللازمة والمسجد الجامع ومندوب كالمساجد ومباح كالمنازل وحرام كما يبنى من مال حرام وقد كان هؤلاء أعمارهم طويلة إلى الألف مع ظلمهم فسأل الله نبيّ لهم عن سبب تعميرهم فقال الله إنهم عمروا بلادي فعاس فيها عبادي يعني لأنهم عمروا البلاد بحفر الأنهار وغرس الأشجار فطولت لهم الأعمار كما قال الشاعر:
ليس الفتى بفتى لايستضاءبه ولا يكون له في الأرض آثار
وقال آخر:
إن آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار
وفوله ويرثها منكم أي يرثها من بعدكم الله لأنه خير الوارثين. قوله: (أو جعلكم معمرين دياركم الخ) هذا على كونه من العمري أيضاً وهو ما في الكشاف حيث قال الثاني أن يكون بمعنى جعلكم معمرين دياركم فيها لأنّ الرجل إذا ورث داره من بعده فكأنما أعمره إياها ليسكنها عمره، ثم يتركها لغيره، وقد قيل عليه إن ما في الكشاف أن معنى استعمركم جعلكم معمرين بوزن اسم الفاعل من أعمره، وقوله المصنف تسكنونها مدة عمركم يقتضي أن معمرين على صيغة المفعول فإن أردت حمل كلامه على ما في الكشاف جعلت الأعمار مفهوما من قوله، ثم تتركونها لغيركم لأن تركها للغير وتوريثها إياه بمنزلة الأعمار لذلك الغير حيث يسكنها هو أيضا مدة عمره، ثم يتركها لغيره، ولك أن تقول مراد المصنف رحمه الله
أنها لهم عمرى إما للموروث عنه فلأن الله جعلها له مدّة عمره، وإما للوارث فلأنّ الله أو موزثه جعلها له كذلك، فلا حاجة إلى جعل العمرى مخصوصة بقوله ثم تتركونها حتى يكون ما قبله توطئة، أو زائداً على المراد، ولا يرد عليه ما قيل: إنّ الأولى أن يقول أو جعلكم معمرين دياركم تتركونها بعد انقضاء أعماركم لغيركم يسكنها مذة عمره في تحقيق كونه معمر إبل الاعتبار فيه للمعمر له مدة عمره، ولا يرد على هذا القائل أنه توهم أن معمرين في كلام المصنف رحمه الله بزنة اسم الفاعل، وهو بزنة المفعول كما قيل، مع أنه لا مانع منه، وحاصله أن الوجوه ثلاثة: إما أن يكون استعمركم من العمر أو التدمير أو العمرى. قوله: (قريب الرحمة الخ (لقوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 56] والقرآن يفسر بعضه بعضا وقد جعل قوله قريب ناظراً لقوله توبوا، ومجيب لاستغفروا، أي ارجعوا إلى الله فإنه قريب منكم أقرب
من حبل الوريد، واسألوه المغفرة فإنه مجيب للسائلين، وهو وجه حسن، وكلام المصنف رحمه الله غير بعيد منه، ومخايل جمع مخيل وهي الإمارة والسداد بالفتح الصلاج. قوله:(أن تكون لنا سيدا أو مستشارا) أن تكون بدل من الضمير المستتر في مرجوّا بدل اشتمال أو مفعول فعل مقدر أي نرجو أن تكون والمقصود تفسيره، وقوله: انقطع رجاؤنا مستفاد من قوله قبل هذا، وقوله على حكاية الحال أي في بعيد لانتهائنا لأنه على حاله. قوله:(موقع في الريبة) يعني أنه اسم فاعل من أرابه المتعدي، بمعنى أوقعه في الريبة، أو من أراب اللازم بمعنى صار ذا ريب وشك، وذو الريب وصاحبه من قام به لا نفس الشك، فالإسناد مجازي للمبالغة كجد جدّه، وأما على الاحتمال الأوّل، فالظاهر أنه مجازي أيضا، لأن الموقع في الريب بمعنى القلق والاضطراب هو الله لا الشك فعده حقيقة، أما بناء على أنه فاعل في اللغة، واما لما قيل إنهم غير موحدين معتقدين أن الموقع في القلق هو الله لا الشك نفسه، وهو ظاهر كلام الكشاف، وقد صرح في آخر سبا بأنّ كليهما مجاز لأن المريب إنما يكون من الأعيان لا من المعاني، واما أنّ القوم جهلة لا يفرقون بين عين ومعنى، فمما لا يلتفت إليه لأنّ ما ذكر في الحكاية لا المحكى وكذا ما قيل: إنّ معنى كون الشك موقعاً في الريبة أن شك بعض جماعة يوقع الريبة لآخرين، فإن الطباع مجبولة على التقليد أو باعتبار أن أصل الشك قد يوجب استمراره وهو من ضيق العطن، وقلة الفطن وهذا كله مبني على أن بين كلامي الشيخين في المحلين فرقاً وليس بمسلم قال في الكشف قوله على الاسناد المجازي متعلق بالوجهين لأنه قال في آخر سبا بعد ما ذكر الوجهين وكلاهما مجاز إلا أن بينهما فرقاً وهو أن المريب من الأوّل منقول ممن يصح أن يكون مريبا من الأعيان إلى المعنى والمريب من الثاني منقول من صاحب الشك إلى الشك كما تقول شعر شاعر فعلى الأوّل هو من باب الإسناد إلى السبب لأن وجود الشك سبب لتشكيك المشكك، ولولاه لما صدر عنه التشكيك انتهى، وهذا هو الحق عندي. قوله:(بيان وبصيرة (تقدم تفسير البينة بالحجة والبرهان، وفسرها هنا بما ذكر لمناسب المقام لأن اً صل معنى البينة كما قال الراغب: الدلالة الواضحة حسية أو عقلية والبيان الكشف عن الشيء بنطق أو غيره فالمناسب لقوله فمن ينصرني تفسيره بما ذكروا والمعنى إن كان عندي بصيرة ودلالة على الحق وخالقت من يدفع عني! أستحقه من الله. قوله:) وحرف الشك
باعتبار المخاطبين) حرف الشك هو أن واصل وضعها أنها لشك المتكلم، وهو غير شاك في كونه على بينة لكنه من الكلام المنصف والاستدراج ولذا أتى به على زعمهم وما عندهم من الشك في أمره، وقوله يمنعني من عذابه يعني أن النصرة هنا مستعملة في لازم معناها وهو المنع والدفع، وفي الكلام مضاف مقدر أو النصر مضمن معنى المنع ولذا تعدى بمن، وقوله: في تبليغ رسالته أي تركه والمنع عن الاشراك به. قوله: (فما تزيدونني إذن باستتابعكم إياي) كذا في الكشاف فقال العلامة، وتبعه غيره إن أذن ظرف حذف منه المضات إليه، وعوض منه التنوين وأشار لرده الشارح المدقق فقال قوله إذن حينئذ دل بإذن على أن الكلام جواب وجزاء وبحينئذ على التعقيب المستفاد من الفاء لا أنه تأكيد يدل على أن إذن تختص بالظرفية، وقد خبط فيه
أرباب الحواشي هنا خبط عشواء لعدم النظر إلى معزاه فإنه أراد أن حذف المضاف، وتعويض التنوين عنه إنما هو في إذ لا في إذا، وقد جوزه في إذا بعض النحاة في بعض الآيات فرده أبو حيان بأنه لم يقله أحد من النحاة ونسبه إلى الوهم لكن في الدر المصون أنه ذهب إليه بعض أجلة المفسرين وفي كلام العرب ما يشهد له فعلى المشهور في العربية لا يصح ما ذكر مع أنّ المعنى ليس عليه إذ هو إشارة إلى أنّ قوله فما تزيدونني غير تخسير جواب للشرط المذكور لا إن جوابه محذوف يدل عليه قوله فمن ينصرني، وقوله: حينئذ بيان لتعقيبه له المصحح للجوابية فإذن بمعناها المشهور حرف جواب، وجواز وقد وجد رسمه بالنون في النسخ ولو كان كذلك تعين كتابته بالألف. قوله:) غير أن تخسروني بابطال الخ (يعني أن التخسير معناه جعله خاسرا وفاعل التخسير قومه ومفعوله هو والمعنى تجعلوني خاسرا لأني باتباعكم أكون مضيعا لما منحني الله من الحق، وهو خسران مبين أو فاعل الخسران صالح والمفعول هم، ومعنى تخسيره لهم نسبتهم إلى الخسران فإن التفعيل يكون للنسبة كفسقته إذا نسبته للفسق، والمعنى ما يزيدني استتباعي غير أني أقول لكم إنكم في ضلال وخسران لا إن أتبعكم فيكون إقناطاً لهم من اتباعه، وما قيل: إن الأولى أن يقال غير أن أنسب إلى الخسران لأن المفروض متابعته باختياره لا باختيارهم حتى يلاموا فلا إصابة فيه في اللفظ، ولا في المعنى، وقيل: إن المعنى غير تخسيري إياكم كما ازددتم تكذيبأ إياي ازدادت خسارتكم فكان سببها، وقوله: منحني الله به أي باستتباعكم أو ضمن منح معنى خص فتعلقت به. قوله: (1 نتصبت آية على الحال وعاملها الخ (جعل عاملها الاشارة لأن المبتدأ لا يعمل فيها، ولذا منعها بعض النحاة فيما ليس من هذا القبيل لأن اسم الإشارة فيه معنى الفعل، ولذا يسمى عاملاً
معنويا، وأما ما يلزمه من اختلاف عامل الحال، وعامل صاحبها، فقد فصل في غير هذا المحل، وهذه حال مؤسسة وهو ظاهر، وجوز فيها أن تكون مؤكدة، كهذا أبوك، عطوفا لدلالة ناقة الله على كونها آية، وأن يكون العامل معنى التنبيه أيضاً. قوله:(ولكم حال منها تقدّمت عليها لتنكيرها) قيل: عليه أنّ مجيء الحال من الحال لم يقل به أحد من النحاة لأن الحال تبين هيئة الفاعل أو المفعول، وليست الحال شيئا منهما، وأجيب عنه بأنها مفعول للإشارة في المعنى لأنها مشار إليها ولا يرد عليه أن المشار إليه الناقة لا الآية لأن المراد من الآية الناقة وقول الزمخشري: بعدما جعلها حالاً من آية أنها متعلقة بها أراد التعلق المعنوي لا النحوي، فلا يرد عليه ما قيل عليه إنه تناقض لأنها إذا تعلقت بها تكون ظرفا لغواً لا حالاً، وقيل: لكم حال من ناقة الله، وآية حال من الضمير فيه، فهي متداخلة وهي نافعة لهم ومختصة بهم هي ومنافعها فلا يرد عليه أنه لا اختصاص لدّات الناقة بالمخاطبين، وإنما المختص بهم كونها آية لهم، وقيل لكم حال من الضمير في آية لأنها بمعنى معلمة، والأظهر كون لكم بيان من هي آية له كما ذكر في الأعراف، وقد مر فيها أيضا تجويز كون ناقة الله بدلاً أو عطف بيان من اسم الإشارة، ولكم خبره، وآية حال من الضمير المستتر فيه. قوله:(ترع نباتها وتشرب ماءها (بالجزم بدل من تأكل مفسر له، وذكر الشرب لدلالة المقام ففيه اكتفاء أو جعل الأكل مجازاً عن التغذي مطلقاً، والقول بأن المجاز يحتاج إلى قرينة مشترك الإلزام لأن التقدير كذلك. قوله: (ولا تمسوها بسوء) مر تحقيقه في الأعراف، وأن النهي عن المس الذي هو مقدمة الاصابة بالسوء مبالغة كما في قوله:{وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ} [سورة الأنعام، الآية: 152] وقد مر الكلام عليه ثمة، وقوله: عاجل إشارة إلى أنه بمعنى السرعة لأنّ القرب كثر استعماله في المكان، وقوله: عيشوا تفسير له لأنّ التمتع والاستمتاع انتفاع ممتد الوقت، والمراد بالدار المنزل أو الدنيا لأنها تطلق عليهما، وقوله: ثم تهلكون لأنّ بيان مذة الحياة يستلزم بيان الهلاك بعدها والعقر قطع عضو يؤثر في النفس، والعاقر لها برضاهم شخص اسمه قدار كهمام بالدال
المهملة. قوله: (أي غير مكذوب فيه الخ) يعني أنّ المكذوب وصف الإنسان لا الوعد، لأنه يقال: كذب زيد عمراً في مقالته، فزيد كاذب وعمرو مكذب، والمقال مكذوب فيه فدفعه بثلاثة أوجه إنه على الحذف والايصال كمشترك
لما حذف الحرف صار المجرور مفعولاً على التوسع، لأن الضمير لا يجوز نصبه على الظرفية، والجار لا يعمل بعد حذفه كما تقرّر في النحو، أو جعل الوعد مكذوبا على طريق الاستعارة المكنية والتخييلية، وهو معنى قول المصنف رحمه الله على المجاز، وقيل: معناه أن مكذوب بمعنى باطل ومتخلف مجازاً، أو مكذوب مصدر على وزن مفعول كمفتول ومجلود بمعنى قتل وجلد، فإنه سمع منهم ذلك وإن كان نادراً، وقوله: ويوم شهدناه سليماً وعامرا
تمامه:
قليل سوى الطعن النهال نوافله
فشهد بمعنى حضر متعدّ لواحد، وهو سليما وعامرا وهما اسما قبيلتين صرفا باعتبار الحيّ، وسليم مصغر فشهدناه أصله فشهدنا فيه، وقليل صفة يوم المجرور بعد واو رب، ونوافله فاعله جمع نافلة وهي العطية لغير عوض، ونهال جمع ناهل بمعنى عطشان، ويكون بمعنى مرتو فهو من الأضداد، أو هو جمع نهل اسم جمع لناهل كطلب وطالب، ويروى الدراك أي المتابعة، أي ليس في ذلك اليوم عطايا سوى الطعان فهو كقوله:
تحية بينهم ضرب وجيع
قوله (أي ونجيناهم من خزي الخ) يعني المعمول لا يعطف على عامله، فهو متعلق بمحذوف هو المعطوف، ولا يكون تكراراً للوجهين السابقين، وقيل: الواو زائدة، وفسر الخزي بالهلاك لأنه ورد بمعناه، وان كان المعنى الآخر هو المشهور.
قوله: (أو ذلهم وفضيحتهم الخ) اعترض عليه أبو حيان رحمه الله بأنه لم يتقدم للقيامة
ذكر، والمذكور جاء أمرنا الخ فالتقدير يوم إذ جاء أمرنا وهو الوجه الأوّل، فيتعين والدفع بأن القرينة قد تكون غير لفظية كما هنا فيه نظر، وقيل: القرينة قوله: {عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} السابق فإن المراد به القيامة. قوله: (على اكتساب المضاف) وهو يوم البناء من إذ فإنه أحد ما يكتسب بالإضافة كما بين في النحو، وقوله: القادر على كل شيء العموم من صيغة المبالغة، وحذف المتعلق والتخصيص لعدم الاعتداد بقدرة غيره وغلبته، أو المراد في ذلك اليوم فيقدر على
انجاء بعض واهلاك آخرين، وسبق تفسير ذلك في قصة صالح ثمة. قوله:(نوت أبو بكر ههنا الخ) وقع في نسخة قبل هذا قرأ حمزة وحفص ثمود هنا وفي الفرقان والعنكبوت بفتح الدال من غير تنوين، ونونه الكسائي بخفض الدال في قوله قعالى:{أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ} ذهاباً إلى الحيّ، قالوا وهو الموافق لما في كتب القرا آت لا ما في الأخرى، وهي قوله: نونه أبو بكر أي شعبة في ألا أن ثمود، ألا بعدا لثمود، لا في والى ثمود أخاهم، ونونه في النجم أيضاً، أي لا في العنكبوت والفرقان، وقوله: والكسائي في جميع القرآن أي في المواضع الثلاثة في هذه السورة، وفي السور الثلاث أيضا، وقوله: وابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو، في قوله: ألا بعدا لثمود لا في الموضعين الآخرين منها، ولا في باقي السور. قوله:(ذهاباً إلى الحني (لأنّ أسماء القبائل يجوز فيها الصرف وعدمه نظراً إلى الحيّ والقبيلة، كما هو معروف في النحو، وقوله أو الأب ا! بر يعني أن يكون المراد به الأب الأوّل، وهو مصروف فيقدر مضاف كنسل وأولاد ونحوه، أو المراد به صسرف نظر الأوّل وضعه فتأمّل، وقوله: كانوا تسعة، وقيل: أحد عشر، وقيل: اثني عشر. قوله: (ببشارة الولد وقيل الخ) في الكشاف الظاهر الأوّل، قال في الكشف لأنه الظاهر من ألاطلاق، ولقوله:{وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [سورة الذاريات، الآية: 28] وان كان يحتمل أن ثمة بشارتين، وأن يحمل في كل موضمع على واحدة منهما، والتبشير يهلاك الكافرين، لأنه أجل نعمة على المؤمنين، ومرضمه المصنف رحمه الله تعالى لما سمعته. قوله:(سلمنا عليك سلاماً الخ) أي إنه منصوب بفعل محذوف، والجملة مقول القول، أو هو منصوب بنفس القول لما فيه من معنى الذكر، ووجه كون الجواب أحسن أنه جملة اسمية دالة على الدوام والثبات، فهي أبلغ، والسلام معناه السلامة مما يضر، وهو أمان لهم، واليه يشير قوله أمركم. قوله:(وقرأ حمزة الكسائي سلم) بدون ألف مع كسر السين وسكون اللام وهو بمعنى التسليم، وفسعر بالصلح ولا يناسب المقام إلا أن يكون عبارة عن التحية أيضا لأنها كانت كلمة أمان، كما في الكشف، وقيل: إنهم لما امتنعوا من تناول طعامه وخاف منهم قاله: أي أنا مسالم لا محارب لأنهم كانوا لا يأكلون طعام من بينهم وبينه حرب، وهذا يدل على أن قوله هذا بعد تقديم الطعام، وقوله تعالى:{فَمَا لَبِثَ} الخ صريح في خلافه، وهذه القراءة في
سلام الثاني، كما يدل عليه كلام
المصنف رحمه الله، ووقع في الكشاف فيهما، فلا تكون قراءة حمزة الكسائيّ بل غيرهما لأنهما لم يقرآ بها، فيهما لمخالفته للمنقول في علم القرا آت، وعلى قراءة الرفع إما مبتدأ محذوف الخبر أي عليكم سلام، أو خبر محذوف المبتدأ أي أمركم سلام، قيل: والأول أوجه لأنه يكون داخلاً في جملة إكرامهم، وأما تقدير أمركم فمحمول على أن معناه سلمني منكم وسلمكم مني لأنه كلمة أمان. قوله:) فما أبطأ مجيئه) يعني لبث هنا بمعنى أبطأ وتأخر، وأن جاء فامحله أو فاعله ضمير إبراهيم، وأن جاء مقدر بحرف جز متعلق به، أي ما أبطأ في أن جاء أو عن أن جاء، وحذف الجار قبل ا! ، وأن مطرد على القولين المشهورين في محله، والباء في بعجل للتعدية أو الملابسة، لكن في قوله مقدر أو محذوف، نظر، لأنه إذا كان محذوفاً كان مقدراً فلا فرق بينهما، وقيل في توجيهه إنه إشارة إلى القولين في محله بعد الحذف، هل هو الجرّ فيكون مقدراً لأن المقدر في قوة المذكور فيبقى عمله، والمحذوف يكون متروكاً فلا يبقى أثره فيكون في محل نصب، وقيل: إنه راجع إلى في فقط، وأته على ملاحظ معناها إمّا أن يكون في محل جرّ بحذفها، أو منصوبا على الظرفية بعد تقديرها، ولا يخفى ما فيه من التكلف، مع أن نصب المصدر المؤوّل من أن، والفعل على الظرفية، كالصريح في نحو آتيك خفوق النجم غير مسلم عند النحاة، والرضف براء مهملة مفتوحة وضاد ساكنة معجمة، وفاء حجارة تحمى ويلقى عليها اللحم ليشوى بها، والودك بفتح حروفه المهملة الدسم، والجلال بكسر الجيم جمع جل بضمها وتفتح، وهو ما يدثر به الخيل وتصان، وعلى الأخير بمعنى سمين تشبيها لودكه بالجلال عليه، أو ما يسيل منها بعرق الدابة المجللة للعرق، وعرّقته هيأته للعرق بالدثار. قوله: الا يمذّون إليه أيديهم) رأى أن كانت بصرية فجملة لا تصل حال، وأن كانت علمية فمفعول ثان، وتفسير عدم الوصول بعدم المدّ على جعله كناية عنه، لأنه لازم له فلما كان الوصول ممكنا فسره بما ذكر، ويلزمه عدم اكل، فما قيل إنه لو جعله كناية عن لا يأكلون كان أولى لا وجه له، وقيل: روي أنهم كانوا ينكتون اللحم بقداح في أيديهم، فلذا قيل لا تصل الخ، فليس كناية عن عدم الوصول كما ذكره المصنف رحمه الله، وفيه نظر. قوله:(أنكر ذلك منهم وخاف الخ) يعني لظنه أنهم بشر وكان بمعزل عن الناس، والضيف إذا هم بفتك لا يأكل من الطعام في عادتهم، ونكر كالمؤيد في المعنى، وقيل: بينهما فرق لكن الكثير في الاستعمال هو المزيد، ولما فسر الإيجاس بالادراك أو الإضمار ورد أنه لا يطلع عليه، فكيف قالوا له لا تخف دفعه بأنهم رأوا عليه أش
الخوف كما يظهر ذلك في الوجه ونحوه، ويجوز أن يعلمهم الله به، وأمّا قوله في آية أخرى:{إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} [سورة الحجر، الآية: 52، فلا ينافي هذا لأنّ هذا كان في أوّل الأمر، وذاك بعده لاختلاف الأحوال والأطوار فقوله في الحجر: {إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} [سورة الحجر، الآية: 52] لا ينافي قول المصنف رحمه الله هنا أحسوا منه أثر الخوف، حتى يقال: إنه غفلة منه لجواز أن يشاهدوا منه أثر الخوف 4 فبقولون: لا تخف فلا يطمئن لقولهم، ويقول بل أنا خائف لأنّ أحوالكم ليست كسائر الضيفان. قوله:(إنا ملائكة مرسلة إليهم العذاب الخ) يعني أن علمه بملكيتهم من خبرهم هذا لما خافهم لظن أنهم بشر طرقوه بشر قالوا له إنا ملائكة، ولذا لم نأكل من طعامك، ولما لم يكف هذا لدفع الخوف لاحتمال أنهم ملائكة أرسلوا بما يخشا. فيه أو قومه ذكروا له ما أرسلوا له، وهو الموافق لما ذكره في غير هذه السورة، والزمخشري رجح أنه عرفهم قبل ذلك، وإنما خشي نزولهم لما يكره، لأن ظاهر النظم يدل عليه، لكن قيل: عليه تقديمه الطعام وتهيئته ينافيه، وأجيب بأنه عرفهم لكن بعد ذلك، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر وأن السياق هنا وفي الحجر يدل على ما ذكره فتأمّلة، فانه يمكن التوفيق بين ذلك، وقوله:) وامرأته قائمة) جملة حالية أو مستأنفة للإخبار، وهي بنت عمه سارة بنت هاران. قوله:(وراء الستر تسمع محاورتهم (بالحاء المهملة أي تكالمهم، قيل: ومدار الوجهين على أن تستر النساء كان لازما أو لا، والظاهر الثاني لتأخر نزول آية الحجاب. قوله: (فضحكت سرورا الخ) الضحك إما حقيقة، أو المراد التبسم وطلاقة الوجه، وطلبها لوطا عليه السلام لأنه كان أخاها، وقيل ابن أخيه، قيل وأو ليست لمنع الجمع، وإنما هي للإشارة إلى صلاحية كل منها للعلية. قوله:(فضحكت فحاضت) قيل: يبعده قوله: (لألد وأنا عجوز) ولو
كان الحيض قبلى البشارة لم تنكر الحمل والولاد، لأنّ الحيض معيارها، ودفع بأن الحيض في غير أوانه مؤكد للتعجب أيضا، ولأنه يجوز أن تظن أن دمها ليس بحيض بل استحاضة، فلذا تعجبت، وقوله:
وعهدي بسلمى ضاحكافي لبابة ولم تعدحقاثديها أن تحلما
معناه إنه قريب العهد بها طفلة يصف صغر سنها، فعهدي مبتدأ وخبره محذوف أي قريب، وقوله: ضماحكا لم يؤنثه لاختصاصه بالنساء كحائض وطامث، ولبابة بباءين موحدتين في النسمخ، ولم يضبطوه لكن منهم من فسره بثوب يغطي به، ومنهم من فسره بجماعة النساء، وقيا! : إنه اسم موضع، ولم يعد أي يجاوز، وحقا تثنية حق وبه يشبه الثدي في الصغر،
وتحلما أصله تتحلما أي يظهر حلمته وتكبر، وهي رأس الثدي، وفي نسخة تحلبا بالباء كأنّ معناه خروج لبنهما. قوله:(وقرئ بفتح الحاء) قرأها محمد بن زياد الأعرابي، وقيل: إنه معروف في اللغة، وقيل: إنه مخصوص بضحك بمعنى حاض. قوله: (نصبه ابن عامر وحمزة وحفص! بفعل يفسره ما دل عليه الكلام) هذه القراءة بفتح الباء فتحتمل النصب والجرّ بالفتحة لعدم صرفه، فاختلف القائلون بالنصمب فقيل: إنه معطوف على بإسحق، على توهم نصبه لأنه في معنى ووهبنا له إسحق فيكون كقوله:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولاناعب إلا ببين غرابها
فهو من عطف التوهم كما توهم الشاعر وجود الباء، فهذا عكسه لكن هذا غير مقيس، وقيل: إنه منصوب بفعل مقدر، أي وهبنا يعقوب، ورجحه الفارسي رحمه الله، إلا أنه قيل عليه إنه على هذا غير داخل تحت البشارة، ودفع بأن ذكر هبة الولد قبل وجوده بشارة معنى، وقيل هو منصوب عطفا على محل بإسحق لأنه في محل نصب، والفرق بينه وبين عطف التوهم ظاهر، وذكر المصنف رحمه الله وجهين، وترك الأول المذكور في الكشاف إشارة إلى أنه شاذ لا ينبغي التخريج عليه مع وجود غيره. قوله: (أو على لفظ إسحق وفتحته للجرّ فإنه غير مصروف اللعلمية والعجمة وعلى هذا هو داخل في البشارة، وقوله: ورذ الخ، في الدر المصون إن هذا رذ للوجهين المحكيين بقيل، وسياق المصنف هـ حمه الله ظاهر فيه، ولذا فسره به المحشي رحمه الله، لكنه قيل عليه إنه رذ للثاني فقط، يعني يرذه الفصل بين المعطوف وهو يعقوب والمعطوف عليه وهو إسحق بالظرف، وهو من وراء إلص! حق لوجود الفصل بينهما، لكن لا من حيث إنه فصل بين المتعاطفين، بل للفصل بين العاطف النائب مناب العامل، وهو حرف الجرّ هنا فكما لا يجوز الفصل بينه وبين مجروره لا يجوز الفصل بين المجرور وما قام مقام الجار، فلا بد من تقديم المجرور أو إعادة الجار، وهذا المحذور في الجرّ لا في العطف على المحل وفيه نظر، وأورد على العطف على المحل إنه إنما يتأتى إذا جاز ظهور المحل في فصيح الكلام كقوله:
ولسنا بالجبال ولا الحديدا
وبشر لا يسقط باؤه من المبشر به في فصيح الكلام، وقوله: ما عطف عليه بالبناء للفاعل، يعني الواو فلا يرد أن الفصل بينه وبين المعطوف عليه غير ممتنع. قوله:(وقرأ الباقون بالرفع الخ) وخرّجت قراءة الرفع على وجوه، على أنه مبتدأ خبره الظرف ومتعلقه مولود، أو
موجود كما قدّره، وقدره غيره كائن والجملة حالية أو مستأنفة، وقيل إنه فاعل للظرف وهذا على مذهب الأخفش كما قاله المعرب، وقيل: إنه على مذهب الجمهور لاعتماده على ذي الحال، وهو وهم لأنّ الجار والمجرور إذا كان حالاً لا يجوز اقترانه بالواو فتأمّل، وقيل: إنه مرفوع بيحدث مقدرا. قوله: (وقيل الوراء ولد الولد الخ) قال الراغب رحمه الله: يقال وراء زيد كذا لمن خلفه، نحو قوله:{وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} فمن فسره بهذا أراد أنه يخلفه ويكون من جهته والا لم يكن وراءه فهو مجارّ ظاهر فلا يرد عليه قول الإمام إنه تعسف لا دلالة للفظ عليه، وهو معنى قول المصنف رحمه الله وفيه نظر، وان أراد أن الوراء مطلقاً بمعنى ولد الولد فاللغة تأباه، فحصل معناه أنه ولد ولد إبراهيم من جهة إسحق لا من جهة إسماعيل عليهم الصلاة والسلام وتبشيرها به إشارة إلى أنها تعيش حتى ترى ولد ولدها. قوله:(ليس من حيث أنّ يعقوب عليه الصلاة والسلام وراءه) يعني على هذا التفسير لأنه ليس ولد ولد إسحق، بل ولد ولد إبراهيم عليهم
الصلاة والسلام، وقوله: وفيه نظر عندي أنه راجع إلى هذا، يعني أنه وراء إسحق لأنه خلفه وولده، وكونه ولد الولد إنما يؤخذ من إضافته إليه فتأثل. قوله:(والاسمان يحتمل وقوعهما في البثارة) كما في قوله: {نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [سورة مريم، الآية: 7] وهو الأظهر، ويحتمل أنها بشرت بولد وولد ولد من غير تسمية، ثم سميا بعد الولادة، وقوله: وتوجيه البشارة إليها دون أن يبشر بذلك إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما وقع في آية أخرى، وكونه منها يعني بالواسطة، وحينئذ يحتاج عدم إضافته إليها لنكتة، وقوله: ولأنها كانت عقيمة حريصة الخ، وكان لإبراهيم ولده إسماعيل عليهما الصلاة والسلام. قوله:(يا عجبي الخ) يعني المراد بها هنا التعجب، لا معنى الويل لأنه لا يناسب المقام، ويدل عليه الاسنفهام، وقوله:{إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} وهذه الكلمة جارية على الألسنة في مثله، وقوله فأطلق على كل أمر فظيع الفظيع بمعنى الثنغ، يعني أنه إذا استعمل مطلقا من غير تقييد وقرينة دل على الثناعة والفظاعة بخلاف ما نحن فيه، أو إذا أطلق في الاستعمال الأصلي فلا يرد عليه، أن الأولى أن يقال أصله للدعاء بالويل، ونحوه في جزع التفجع لشدة مكروه يدهم النفس، ثم استعمل في التعجب، ولا حاجة إلى ما قيل إن فيه تشنيعا للمواقعة في سن الهرم، وقوله: وقرئ بالياء على الأصل في نسخة إيذانا على الأصل بتضمينه معنى الدلالة، فالألف بدل من الياء، ولذا أمالوها، وبهذا يلغز فيقال: ما ألف هي ضمير مفرد متكلم، وقيل: إنها
للندبة، ولذا لحقتها الهاء، وكونها ابنة تسعين رواية ابن إسحق رحمه الله، والأخرى رواية مجاهد رحمه الله. قوله:(وأصله القائم بالأمر) فأطلق على الزوج لأنه يقوم بأمر الزوجة، وهذا مخالف لكلام الراغب فإنه قال: البعل هو الذكر من الزوجين، وجمعه بعولة كفحل وفحولة، ولما تصوّروا من الرجل استعلاءه على المرأة وقيامه عليها، شبه كل مستعل وقائم به فتأمّل. قوله:(ونصبه على الحال الخ) قيل: مثل هذه الحال من غوامض العربية إذ لا تجوز إلا حيث يعرف الخبر، ففي قولك: هذا زيد قائما لا يقال إلا لمن يعرفه فيفيده قيامه، ولو لم يكن كذلك لزم أن لا يكون زيد عند عدم القيام، وليس بصحيح، فهنا بعليته معروفة والمقصود بيان شيخوخته، والا لزم أن لا يكون بعلها قبل الشيخوخة، ولذا ذهب الكوفيون إلى أن هذا يعمل عمل كان وشيخا خبره، وسموه تقريبا، وفيه نظر لأنه إنما يتوجه إذا لم تكن الحال لازمة غير منفكة، إما في نحو هذا أبوك عطوفا فلا يلزم المحذور، والحال هاهنا مبينة هيئة الفاعل أو المفعول، لأنّ العامل فيها ما في معنى هذا من معنى الإشارة أو التنبيه، وبذلك التأويل يتحد عامل الحال وذيها، وقوله: وبعلى بدل، وجوّز كونه عطف بيان، وكون شيخ تابعاً لبعلي أيضاً، وقوله: خبر محذوف بالإضافة. قوله: (يعني الولد من الهرمين) بكسر الراء وهو الضعيف لكبر سنه جدّاً، فالإشارة إلى ما ذكر وهو ولادة الولد والبشارة به، وقوله: من حيث للتعليل، وفي قوله: ولذلك قالوا فيه صنعة من البديع سماها في شرح المفتاح التجاذب، لأنه جعل قالوا الواقع في النظم كأنه من كلامه بطريق الاقتباس والتقدير، ولذلك ورد قولهم قالوا: لكته طواه. قوله: (منكرين عليها) يريد أنه إنكار لتعجبها من حيث العادة لا من حيث القدرة، لأنّ بيت النبوّة ومهبط الوحي محل الخوارق، فلا ينبغي تعجب من نشأ فيه مما خالف العادة، ولو صدر من غيرهم لم ينكر، وقوله فإن خوارق الخ، بيان لوجه إنكارهم، وقوله: ليس ببدع بكسر الباء وسكون الدال والعين المهملتين، أي ليس بمستغرب مستبدع، وقوله: ولا حقيق الخ عطف تفسير له، وتذكير خبر الخوارق لإرادة الجنس، وقوله: بأن يستغربه عاقل مستفاد من المقام، وتخصيصهم بمزيد النعم من قوله رحمة الله وجملة رحمة الله الخ، دعائية أو خبرية، وملاحظة الآيات مشاهدتها. قوله:(وأهل البيت نصب على الماخ الخ) قال المعرب: في نصبه وجهان أحدهما أنه منادى، والثاني أنه منصوب على المدح، وقيل على الاختصاص
وبين النصبين فرق، وهو أنّ المنصوب على المدح لفظ يتضمن لوصفه المدح، كما أنّ ما للذم، كذلك وفي الاختصاص يقصد المدح أو الذم، لكته ليس بحسب اللفظ كقوله:
بنا تميما يكشف الضباب
كذا نقل عن سيبويه وفيه نظر، ومعنى نصبه على المدح أنّ نصبه بتقدير امدح ونحوه،
فهو مفعول به، أو هو
منصوب على الاختصاص فيفيد المدح أيضاً وباب الاختصاص منقول من النداء فجعله منه باعتبار الأصل، ولم يجعله نداء أصليا كما في الكشاف لفوات معنى المدح المناسب للمقام، ولأن مثل هذا التركيب شاع استعماله لقصد الاختصاص وباب الاختصاص وأحكامه مفصلة في كتب النحو فانظره. قوله:(فاعل ما يستوجب به الحمد) فحميد فعيل بمعنى مفعول أي مستوجب للحمد مستحق له لما وهبه من جلائل النعم فلا يبعد أن يعطي الولد بعد الكبر، وهو تذييل حسن لبيان أنّ مقتضى حالها أن تحمد مستوجب الحمد المحسن إليها بما أحسن وتمجده إذ شرفها بما شرّف. قوله:(كثير الخير والإحسان (هذا أحد معانيه من مجدت الإبل رعت حتى شبعت ويكون بمعنى الشرف وهو قريب منه، وقوله أي ما أوجس من الخيفة لأنّ الروع هو الخوف الواقع في القلب، وأما الروع بالضم فهو النفس لأنها محل الروع ففرق بين الحال والمحل، وفي الحديث: " إن روح القدس نفث في روعي " واطمأن قلبه بيان لذهاب الروع، وقوله بعرفانهم أي اطمئنانه بسبب عرفان أنهم ملائكة أتوا لما ذكر، وقوله بدل الروع أي إنه تبدل خوفه بالسرور والبشارة. قوله: (يجادل رسلنا الخ) يعني أنّ مجادلة الرسل نزلت منزلة مجادلة الله فهو مجاز في الإسناد، وحمله عليه للتصريح به في سورة العنكبوت، وأنّ المجادلة وان كان المراد بها السؤال لا يناسب نسبتها إلى الله، ومجادلته فسروها بقوله أن فيها لوطا عليه الصلاة والسلام، وهو من المؤمنين فكيف يحل بهم ذلك وللقصة تفصيل في الكشاف اقتصر منها المصنف رحمه الله على المتيقن الواقع في النظم، وعذ هذا مجادلة لأنّ ماكه كيف يهلك قرية فيها من هو مؤمن غير مستحق للعذاب، ولذا أجابوه بقولهم لننجينه الخ. قوله:) وهو إما جواب لما (دفع لأن لما لما مضى فذكر المضارع بعدها ما وجهه فوجهه بأنه
ماض عبر عنه بالمضارع لحكاية الحال، وأصله جادلنا أو أنّ لما كلو تقلب المضارع ماضيا كما أن إن تقلب الماضي مستقبلاً، وقوله أو لأنه ضميره ليجادلنا، أو الجواب محذوف كما تذره وهذه جملة مستأنفة استئنافا نحويا أو بيانياً تدل عليه، وقوله أو دليل عطف على قوله جواب لما. قوله:(أو متعلق به أقيم مقامه) وفي نسخة مقام مقامه الخ وهذا الوجه آثره الزجاج ولكنه جعله مع حكاية الحال وجها واحداً لاً نه قال إنّ الكلام إذا أريد به حكاية حال ماضية قدر فيه أخذ أو أقبل لأنك إذا قلت قام زيد دل على فعل ماض، وإذا قلت أخذ زيد دل على حالة ممتدة بذكر أخذ أو أقبل وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله تبعا للكشاف هما وجهان وتحقيقه كما في الكشف أنه إذا أريد بما ذكر استمرار الماضي فهو كما ذكره الزجاج، وان أريد التصوير المجرّد فلا يكون وجهاً آخر ويجادلنا على هذا حال من فاعل الجواب المحذوف. قوله:(غير عجول على الانتقام من المسيء إليه) وصفه بما ذكر من الصفات بيانا لأنه كان رقيق القلب شفوقا فلذا أحب ترك نزول العذاب عليهم رجاء لرجوعهم، ولما كان الحلم لا يتصور في إساءة الغير قيده بقوله إليه ولا يضره كون السياق في إساءة قوم لوط عليه الصلاة والسلام كما توهم حتى قيل الأولى تركه لأنّ هذه الصفات عبارة عن الشفقة ورقة القلب كما ذكره المصنف رحمه الله، ورجاء توبتهم لا ينافيه إخبار الملائكة عليهم الصلاة والسلام بتحتم تعذيبهم لأنه كان قبل بيان ذلك لكن كون ذلك لكون لوط فيهم أولى، وقوله من الذنوب ذكره لبيان حقيقة الحال، وقوله راجع إلى الله أي في كل ما يحبه ويرضاه ولذا سأله دفع العذاب ودلالة الكلام على ما ذكر أما حليم وأوّاه فظاهر، وأما منيب فإن كان بمعنى رجوعه إلى الله في دفع العذاب فكذلك، وإلا فلأنّ شأن التائب ذلك. قوله:(على إرادة القول) وتقديره ليرتبط، وقيل إن المراد اعتبار معناه دون تقديره في النظم لا وجه له. قوله تعالى:( {إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ} ) أي قدره المقضي، ومجيء القدر المقدر عليهم لا يقتضي وقوعه، وقيل أراد به المشارفة أي شارف المجيء والا لم يجىء بعد وفسر الأمر بما ذكر، ولم يفسره بالعذاب أو بالأمر به كما فسره في قوله ولما جاء أمرنا نجينا هوداً لئلا يتكرر مع قوله آتيهم عذاب غير مردود كذا قيل، وأورد عليه أنه مشترك الإلزام لأنّ مجيء القدر بالعذاب يغني عنه أيضا والتكرار مدفوع بأنه توطئة لذكر كونه غير مردود، وعلى
ما ذكرناه، وكذا على جعله للمشارفة لا يتأتى هذا لأنه إذا قيل شارفهم العذاب، ثم وقع بهم لم يكن مكرراً وقوله وهو أعلم بحالهم من استحقاقهم محقة العذاب وعدم توبتهم. قوله:(قدره بمقتضى قضائه الخ) قال المصنف رحمه الله في شرح
المصابيح القضاء الإرادة الأزلية والعناية الإلهية المقتضية لنظام الموجودات على- ترتيب خاص، والقدر تعلق تلك الإرادة بالأشياء في أوقاتها يعني أنّ لصفة الإرادة الإلهية تعلقا قديماً بوجود الأشياء في وقتها المخصوص فيما لا يزال، وتعلقا حادثا بها في وقت وجودها بالفعل، والقضاء هو التعلق القديم، ولذا وصف المصنف رحمه الله بالأزلي، والقدر التعلق الحادث لا إنّ القضاء هو نفس الإرادة كما يوهمه ظاهر كلامه والكلام على تحقيقه في الكلام. قوله تعالى:( {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} ) يقال ساءه سوءاً ومساءة فعل به ما يكره فاستاء والسوء بالضم الاسم منه، والضمير فيه للوط عليه الصلاة والسلام أي أحدث له مجيئهم المساءة ومجيئهم هو الفاعل في الأصل، قيل: الباء للمفعول كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وهو فاعل حقيقة لغوية كما بين في كتب المعاني فإن حمل على أن مراده أن باء بهم للسببية والسبب لا يلزم أن يكون فاعلا فليس مما ذكر في شيء، ووقع في بعض النسخ وقرأ نافع وابن عامر والكسائي سيىء وسيئت بإشمام السين الضم، وفي العنكبوت والملك والباقون باختلاس حركة السين، اهـ وقيل: عليه إنّ فيه نقصا وتصحيفاً أما النقص! فلأنه لا بدّ أن يكون الأصل هنا وفي العنكبوت، والملك إذ ليس في هذه السورة سيئت، وأما التصحيف فلأن الصحيح المطابق لكتب القراآت بإخلاص كسر السين فقوله باختلاس تصحيف أي تحريف (قلت) أما الثاني فوار وأما الأوّل فليس بشيء لأنّ المراد أنه قرئ في هذه المواضع مع قطع النظر عن خصوص لفظه فوكله إلى القارئ لظهوره 4 واعلم أنه وقع في البحر لأبي حيان وفي المغني لابن هشام رحمه الله، وتبعه بعض المفسرين كلام مختل أفردناه بتعليقة حاصلة اًن أن زيدت في قصة لوط عليه الصلاة والسلام دون قصة إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأنّ الإساءة وقعت في الأولى بلا مهلة دون الثانية، ونقل مثله عن الشلوبين فرده أبو حيان رحمه الله تعالى بأنّ الزائد لا يفيد غير التوكيد، وما ذكروه لا يعرفه النحاة وفي قوله الإساءة لحن لأنّ الواقع في التنزيل ثلاثي، ورده ابن هثام بأنه ليس في الكشاف ما ذكر من الفرق لا في العنكبوت، ولا هنا وهذا كله لا وجه له وسيأتي تفصيله. قوله:(وضاق بمكانهم صدره الخ) ذرعا تمييز وهو في الأصل مصدر ذرع البعير بيديه يذرع في سير. إذا سار ما خطوه من الذرع، ثم توسع فيه فوضع موضع الطاقة والجهد فقيل ضاق ذرعه أي طاقته، وقد وقع الذراع موقعه في قوله:
إليك إليك ضاق به ذراعا
وذلك أن اليد كما تجعل مجازاً عن القوة فالذراع الذي هو من المرفق كذلك. فقيل: إنه
كناية عن ضيق الصدر، وإليه ذهب المصنف رحمه الله وقوله بمكانهم إشارة إلى أن ضيق صدره ليس بصنع منهم، وإنما هو لمكانهم أي لأمرهم وحالهم لخوفه عليهم كما قال في العنكبوت صار شأنهم وتدبير أمرهم ذرعه أي طاقته فأشار هنا إلى أنه المراد هنا، وأن الذرع كما يجعل كناية عن الصدر والقلب يجعل كناية عن الطاقة. قوله:(وهو كناية عن شدّة الانقباض! (أي الذرع عبارة عن الصدر وضيقه عبارة عما ذكر فهو كناية متفرعة على كناية أخرى مشهورة، وقيل إنه مجاز لأن الحقيقة غير مرادة هنا، والاحتيال فيه أي في المدافعة وذكره لتأويله بالدفع أو هو للمكروه وهو مجرور معطوف على المدافعة. قوله:) شديد (لأنه لكثرة شده كاً نه عصب بعضه ببعض والتف به، ويهرعون جملة حالية والعامة على قراءته مبنيا للمفعول، والإهراع الإسراع، وقال الهروي: هرع وأهرع استحث وقرأه جماعة يهرعون بفتح الياء مبنيا للفاعل من هرع وأصله من الهرع، وهو الدم الشديد السيلان كأن بعضه يدفع بعضا فالمعنى على القراءتين يسوقون أي يسوق بعضهم بعضا أو يساقون بمعنى يسوقهم كبيرهم فتفسيره بيسرعون بيان للمراد منه عليهما، وقوله: كأنهم يدفعون على المجهول إشارة إلى أنه استعارة، وقوله لطلب الفاحشة أي لأجل إرادتها تعليل للمجيء لا للإسراع أو الدفع ولا مانع من عوده لهما. قوله: (فتمرّنوا بها
لم الخ (يعني أن المراد من ذكر عملهم السيئات قبل ذلك أنهم اعتادوا ذلك فلم يستحيوا فلذلك أسرعوا لطلب الفاحشة من ضيوفه مظهرين لذلك فالجملة معترضة لتأكيد ما قبلها، وقيل: إنه بيان لوجه ضيق صدره لما عرف من عادتهم. قوله: (فدى بهق أضيانه الخ) هذا على الوجوه الثلاثة الأول وبقوله فتزوجوهن اندفع ما قيل كيف يعرضهن عليهم، وهو تحريض على الزنا وكيف ذلك مع نزاهة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبناتهم، وبقوله وكانوا يطلبونهن أنه لا طائل في العرض على من لا يقبل، وأما قولهم ما لنا في بناتك من حق فمرادهم دفعهم به عما أراد فلا ينافي الطلب السابق. قوله: (لا لحرمة المسلمات على الكفار الخ (فلا حاجة إلى أن يقال بشرط الإسلام أو أنه كان جائزاً في شريعتهم ونسخ في شريعتنا، وقد اختلف في جوازه في شريعتنا هل كان في بدء الإسلام، ثم نسخ أم لا وذهب الزمخشري إلى أنه كان جائزا، ثم نسخ وأدلته مفصلة في المفصلات وقال الزمخشري: بالأوّل لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم زوّج ابنتيه من عتبة بن أبي لهب وأبي العاص بن وائل قبل الوحي وهما كافران، وقال الطيبي: الصواب أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، وفي جامع الأصول
هو أبو العاص بن الربيع فقوله ابن وائل خطأ رواية وزوجته زينب رضي الله عنها، وهي أكبر بناته صلى الله عليه وسلم فلما أسر زوجها يوم بدر وفدى نفسه أخدّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً أن يعيدها إليه إذا عاد لمكة ففعل فهاجرت إلى المدينة فلما أسلم أبو العاص وهاجر ردّها صلى الله عليه وسلم إليه بغير تجديد نكاح لأنه لم يفرّق بينهما إلى أن ماتت بالمدينة سنة ثمان وفيه خلاف، وكلام كثير في شرح التقربب للعراقي. قوله:(أو مبالغة في تناهي خبث ما يرومونه الخ) عطف على قوله كرما وهذا هو الوجه الذي أشار إليه الزمخشري بقوله ويجوز أن يكون عرض البنات عليهم مبالغة في تواضعه لهم، واظهار الشدّة امتعاضه مما أوردوا عليه طمعا في أن يستحيوا منه ويرقوا له إذا سمعوا ذلك فيتركوا له ضيوفه مع ظهور الأمر، واستقرار العلم عنده وعندهم أن لا مناكحة بينه وبينهم، ومن ثمّ قالوا لقد علمت مستشهدين بعلمه مالنا في بناتك من حق لأنك لا ترى مناكحتنا، وما هو إلا عرض سابري، قال صاحب الفرائد، وهو بعيد عن الصواب لوجهين أحدهما أن منكوحته كانت كافرة فكيف يقول لا ترى مناكحتنا، وثانيهما أنه تحريض على الزنا إذا لم تجز المناكحة فالوجه هو الأوّل، وردّ با! قوله لا ترى مناكحتنا عام أريد به خاص أي لا ترى جواز نكاحنا للمسلمات لا عكسه كما هو عندنا، ومراده الدفع لعلمه بعد القبول فلا تحريض فيه على الزنا وهو معنى عرض السابري، وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يكن له إلا بنتان، ولذا قال: في الكشف أنه كان له ربيبتان فعرضهما عليهم إذ البنتان لا تكفي جمعا كثيراً فأمر سهل لأنّ إطلاق الجمع على الاثنين كثير جداً، واعلم أنّ عرض السابري وهو الثوب الرقيق نسبة إلى سابور، وهو معرّب مغير صيغته وهو الدرع الأنيق صنعتها مثل للعرض الذي لا يبالغ فيه لأن الشيء النفيس يرغب فيه بأدنى عرض! أو يقصد به العرض! له من غير إرادة البذل، وإنما يكون لتطييب نفس أو نحوه، وما قيل إنه بكسر العين وسكون الراء أي عرضك عرض رقيق والمقصود تحقيره، والاستهانة به فخلاف الرواية والدراية وقوله لشدة امتعاضه من المعض، وهو الغضب لما يشق عليه ويكرهه منه. قوله:) المراد بالبنات نساؤهم) فالإشارة لتنزيلهم منزلة الحاض! ر عنده، والإضافة لما ذكره من الملابسة لأن كل نبيّ أب لأمته كما يشهد له قراءة ابن مسعود رضي الله عنه في تلك الآية بزيادة وهو أب لهم. قوله:(أنظف قعلَا) ناظر إلى الوجوه كلها، واشارة إلى ما في اللواطة من الأذى والخبث الذي هو سبب الحرمة، وقوله وأقل فحشا أي قبحاً ناظر إلى الوجه الثاني، وهو ما إذا لم يكن بطريق التزوج فإنه فيه فحش أيضا إشارة إلى أن المراد بالطهارة الطهارة المعنوية وهو التنزه عن الفحش، والإثم كما أن الطيب بمعنى الحل وليس ذلك موجوداً في كل من الجانبين لكنه جعل الأقل فحشا بالنسبة إلى الأكثر كأنه سالم منه وفضل على الآخر على فرض اتصافه بذلك كما أنّ الميتة والمغصوب لا حل فيهما،
ولكنه جعل الميتة لعدم تعلق حق الغير أحل منه فالصيغة مجار
فيه فتأمله فإنه دقيق جدّأ وهذا استعمال لأفعل قريب من نمط الخل أحلى من العسل.
قوله: (وقرئ أطهر بالنصب على الحال على أن من خبر بناتي الخ) هؤلاء بناتي جملة برأسها، وهن أطهر لكم جملة أخرى ويجوز أن يكون هؤلاء مبتدأ وبناتي بدل أو عطف بيان أو مبتدأ ثان وأطهر إما خبر لهؤلاء، واما لبناتي والجملة خبر الأوّل وقرأ الحسن وزيد بن عليّ وسعيد بن جبير وعيسى بن عمرو السدوسي أطهر بالنصب وخرّجت على الحال فقيل هؤلاء مبتدأ وبناتي هن جملة في محل خبره، وأطهر حال عاملها إما التنبيه أو الإشارة أو هن ضمير فصل بين الحال وصاحبها بناء على أنه وقع بين الحال وصاحبها شذوذا، كقولهم: أكثر أكلي التفاحة هي نضيجة ومنعه سيبويه رحمه الله ونقل عن أبي عمرو أنه خطأ من قرأها وقال إنه احتبى في لحنه وروي تربع في لحنه يعني أنه أخطأ خطأ فاحشا يجعله كأنه تمكن في الخطأ كالمحتبي أي العاقد للحبوة أو المتربع فهو استعارة تصريحية، أو تمثيلية أو مكنية وتخييلية بجعل اللحن كالمكان له الذي استقرّ فيه، ومن أباه خروجه على أن لكم خبرهن فلزمه تقديم الحال على عاملها المعنوي، وخرج المثال المذكور على إضمار كان وخرجه غيره على الوجه الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى. قوله:(على أن من خبر بناتي) أي وهؤلاء إما مبتدأ خبره هذه الجملة أو منصوب بفعل محذوف أي خذ هؤلاء، ومثاله ظاهر في الأوّل، وقيل: هؤلاء مبتدأ وبناتي بدل منه أو عطف بيان وهن خبره وقس عليه المثال، وما قيل إنه لا طائل فيه معنى يدفع بأن المقصود بالإفادة الحال كقولك هذا أبوك عطوفا. قوله: الا فصل الما عرفت أنه لا يتوسط بين الحال وصاحبها، وإنما يكون بين المسند والمسند إليه كما بينه النحاة، وفي المغني أنّ الأخفش رحمه الله تعالى أجازه كجاء زيد هو ضاحكا وجعل منه هذه الآية ولحن أبو عمرو من قرأها، وقد خرجت على أن هؤلاء بناتي جملة وهن إما تأكيد لضمير مستتر في الخبر أو مبتدأ، ولكم الخبر وعليهما فأطهر حال قال: وفيهما نظر أما الأوّل فلأن بناتي جامد لا يتحمل ضميرا عند البصريين، وأما الثاني فلأنّ الحال لا تتقدم على عاملها الظرفي عند أكثرهم وأجيب عنهما بأنها مؤوّلة بمولود أتى أو على مذهب الكوفيين فتأمل. قوله:) بترك الفواحش أو بإيثارهن عليهم (الثاني ناظر إلى الوجه الأوّل في هؤلاء بناتي والأوّل للوجوه كلها، ولا تخزون نهي مجزوم بحذف النون والياء محذوفة اكتفاء بالكسرة وقرئ بإثباتها على الأصل، وخزي لحقه انكسار إما من نفسه، وهو الحياء المفرط ومصدره الخزاية ورجل خزيان وامرأة خزيي وجمعه خزايا، وأما من غيره وهو الاستخفاف والتفضيح ومصدره الخزي كذا قال الراغب وإليه
أشار المصنف رحمه الله. قوله: (يهدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح) يرعوي بمعنى ينكف يعني ليس فيكم من يكف الغير ولا يكف نفسه إن كانت النسخة يهدي فإن كانت- يهتدي فالمعنى ليس منكم من يفعل الحسن، ويترك القبيح وهي المصححة في النسخ وهذا الاستفهام للتعجب وحمله على الحقيقة لا يناسب المقام. قوله:(من حاجة) الحق يطلق على خلاف الباطل وعلى أخذ الحقوق لفهو إن كان بالمعنى الأوّل فالمراد به النكاح أي مالنا في بناتك نكاح حق لأنك لا ترى مناكحتنا أو النكاج الحق عندنا نكاح الذكران، وان كان الثاني فالمراد به قضاء الشهوة وهو الذي عناه المصنف رحمه الله تعالى بقوله حاجة ويجوز أن يكونوا قالوه على وجه الطنز والخلاعة، ولم يرتض المصنف رحمه الله بالوجه الأوّل لبعده لا لأنه لا يناسب المعنى كما توهم لأنّ مناسبته للمعاني إلا خروجه لذكره، ولذا تعرّض له الزمخشريّ، وقوله وهو إتجان الذكران ومنهم الضيفان. قوله:(لو أنّ لي بكم قوّة) إي لو ثبت أنّ لي قوة ملتبسة بكم بالفقاومة على دفعكم وفسره بقوّته في نفسه، وان كان مطلقا لدلالة مقابله لأنّ استناده واعتماده على الركن ليدفع به، وقوله: " رحم الله أخي لوطاً صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه والمرادة بالأخوّة إخوّة النبوّة وهو استغراب له لأنه لا أشد من ركنه:
إذا كان غير الله للمرء عدة أتته الرزايا من وجوه الفوائد
وقوله شبهه الخ إشارة إلى أنه استعارة شبه المعين بركن الجبل يعني جانبه. قوله: (وقرئ
أو آوى
بالنصب الخ الو هنا شرطية جوابها محذوف أي لدفعتكم، وليست للتمني ولا مانع منه، وقراءة النصب في آوى على أنه معطوف على قوّة كقوله:
للبس عباءة وتقرّ عيني
وأويا بضم الهمزة وكسر الواو وتشديد الياء مصدر أوى وأصله على ورن فعول فأعل،
ونقل فيه كسر الهمزة وقد يعطف في قراءة الرفع على قوّة أيضاً بأن يكون أن آوى فلما حذفت
أخرجه البخاري 3272- 4537- 4694 ومسلم 1 5 1- 238 وابن ماجه 06 42 واحمد 2 / 326 والطبري في جامع البيان 5974- 0 1940 والبغوي 63 في شرح السنة كلهم من حديث أبي هريرة.
أي ارتفع، وقيل: أو بمعنى بل ولم يجعل بمعنى إلى لأنه غير مناسب معنى لأنه على التنزل من قوّة نفسه إلى نصرة الغير. قوله: (فتسوّروا الجدار) أي علوه ونزلوا منه، والكرب الحزن والخوف وجعل قوله قالوا في النظم مقدراً في كلامه للاقتباس كما مرّ وقوله لن يصلوا إلى إضرارك الخ فسر. به لأنه مقتضى المقام، وقوله: فضرب جبريل عليه السلام بجناحه أي فعاد إلى صورته الملكية فضرب الخأ ا (فالفاء فصيحة، وقيل إنه مسح بيده وجوههم فعموا من غير عود إلى صورته الأصلية، وقوله: وأعماهم عطف تفسيري، وقوله: النجاء النجاء أي انجوا بأنفسكم وهو مصدر منصوب بفعل مضمر وتكراره للتأكيد، وهو ممدود ومقصور. قوله: (بالقطع من الإسراء) وقراءة نافع وابن كثير بهمزة الوصل والباقين بالقطع فإنه يقال سرى وأسرى وهما بمعنى واحد وهو قول أبي عبيد، وقيل أسرى لأوّل الليل وسرى لآخره، وهو قول الليث وسار قيل إنه مخصوص بالنهار، وليس مقلوب سرى والسرى بضم السين مصدر سري، وباء بأهلك للملابسة أو التعدية، وفسر القطع بطائفة من الليل، وقيل من ظلمته وقيل في آخر.. قوله:(ولا يتخلف أو لا ينظر إلى ورائه (بالمعنى الثاني هو المشهور الحقيقي، وأما الأوّل فلأنه يقال لفته عن الأمر إذا صرفته عنه فالتفت أي انصرف، والتخلف انصراف عن المسير قال تعالى: {أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا} أي تصرفنا كذا قاله الراغب: وفي الأساس إنه معنى مجازي. قوله: (والنهي في اللفظ لآحد الخ) هذا منقول عن المبرد يعني أن معناه لا تدع أحداً منهم يلتفت كقولك لخادمك لا يقم أحد النهي لأحد، وهو في الحقيقة للخادم أن لا يدع أحدا يقوم فالمعنى لا تدع أحدا يلتفت إلا امرأتك فدعها تلتفت، وبهذا تمت المناسبة بينه وبين المعطوف عليه لأنه لأمره، وهذا لنهيه، وهو دفع لما أورده أبو عبيد من أنه يلزم أنهم نهوا عن الالتفات إلا أمر أنه فإنها لم تنه عنه وهو لا يستقيم، ولو كانت نافية والفعل مرفوعا استقام قيل وفيه إنّ المحذور وارد على هذا هو أو ما يقرب مته، وفيه نظر فإنه لا محذور هنا حتى يحتاج إلى دفعه فتأمّل، ومن لم يقف على هذا قال لو قال والنهي للوط صلى الله عليه وسلم ومن معه كان أولى (وهاهنا لطيفة) وهو أنّ المتأخرين من أهل البديع اخترعوا نوعا من البديع سموه تسمية النوع، وهو أن يؤتى بشيء من البديع ويذكر اسمه على سبيل التورية كقوله في البديعية في الاستخدام:
واستخدموا العين مني فهي جارية وكم سمحت بها في يوم بينهم
وتبجحوا باختراعه (وأنا بمن الله أقول) أنه وقع في القرآن في هذه الآية لأنّ قوله فأسر بأهلك بقطع من الليل، ولا يلتفت منكم أحد وقع فيه ضمير منكم للأهل فهو التفات فقوله لا يلتفت من تسمية النوع، وهذا من بديع النكات ثم إني وجدت منه قوله تعالى:{مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [سررة يوسف، الآية: 75] وفي سورة يوسف فإنّ فهو جزاؤ. جزاء من الشرطية، وقد ذكر أنه جزاء ومنه قوله تعالى:{أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [سورة الرعد، الآية: 17] إلى قوله: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ} [سورة الرعد، الآية:117. قوله: (استثناء من قوله فأسر بأهلك ويدل عليه الخ) هذا ردّ لقول الزمخشري في توجيه قراءتي الرفع والنصب بأنه استثناها من قوله فأسر بأهلك، والدليل عليه قراءة عبد الذ فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك، ويجوز أن ينتصب عن لا يلتفت على أصل الاستثناء، وإن كان الفصيح هو البدل أعني قراءة من قرأ بالرفع فأبدلها من أحد، وفي إخراجها مع أهله روايتان روي أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلا هي فلما سمعت عذة العذاب التفتت، وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها، وروي أنه أمر بأن يخلفها مع قومها فإنّ هواها إليهم فلم يسر بها واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين، اهـ ورده ابن الحاجب بأنه باطل لأنّ القراءتين ثابتتان قطعاً فيمتنع حملهما على وجهين أحدهما باطل قطعا، والقصة واحدة فهو إمّا أن يسري بها أو لا فان كان قد سرى بها فليس مستثنى إلا من قوله ولا يلتفت، وان كان ما سرى بها فهو مستثنى من قوله فأسر بأهلك فقد ثبت
إن أحد التأويلين باطل قطعاً فلا يصار إليه في إحدى القراءتين الثابتتين فالأولى أن يكون إلا امرأتك في الرفع، والنصب مثل ما فعلوه إلا قليل منهم، ولا يبعد أن يكون بعض القرّاء على الوجه الأقوى، وأكثرهم على وجه مرجوح بل جوّز بعضم أن يتفق القرّاء على القراءة بغير الأقوى، وأجاب عنه بعض فضلاء المغرب بأنه يمكن حمله على أنه لا تخالف بين الروايتين بأن يكون ما سرى بها، وخلفها لكنها سرت بنفسها وتبعتهم فعلى تقدير صحة هذا لا تدخل في المخاطبين بقوله، ولا يلتفت منكم لكن ابن مالك نقل هذا في توضيحه، وقال: إنه تكلف ولا شبهة فيه، وإن استحسنه المعربون وغيرهم وارتضاه أبو شامة وقال إن فيه اختصارا وأصله فإن خرجت معكم، وتبعتكم من غير أن تكون
أنت سريت بها فإنه أهلك عن الالتفات غيرها فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصاب قومها ضكانت قراءة النصب دالة على مجموع المعنى المراد، وارتضاه الشارح المدقق في الكشف، وتممه بدفع ما يرد على الكشاف من أنه يلزم من قوله واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين الشك في كلام لا ريب فيه من رب العالمين بأنّ معناه أنّ اختلاف القراءتين جالب، وسبب لاختلاف الروايتين كما تقول السلاج للغزو أي أداة وصالح، ونحوهما ولم يرد أنّ اختلاف القراءتين قد حصل، ولا شك أنّ كل رواية تناسب قراءة وهذا ما أمكنني في تصحيحه، وأورد عليه أنه مع بعده فيه أنه تنقلب حينئذ الرواية دراية لاتحادهما من ظاهر القراءة وأيضاً فيه التزام استلزام اختلاف الروايتين أمراً محذوراً هو الجمع بين متنافيين، وكلاهما غير وارد فتأمّل، وقال في المغني الذي أجزم به أنّ قراءة الأكثرين ليست مرجوحة، وأنّ الاستثناء على القراءتين من أسر بدليل قراءة ابن مسعود رضي الله عنه، وأن الاستثناء منقطع بدليل سقوط، ولا يلتفت في سورة الحجر والمراد بالأهل المؤمنون وان لم يكونوا من أهل بيته كما في قوله لنوج صلى الله عليه وسلم إنه ليس من أهلك ووجه الرفع أنه مبتدأ أو الجملة بعده خبره كقوله:{لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ} [سورة الغاشية، الآية: 23] إلا أنه جعل النصب على اللغة الحجازية والرفع على التميمية، ولم يجعل المستثنى جملة، وهو أولى ليكون الرفع على اللغتين لضعف اللغة التميمية والمعنى أسر بالمؤمنين لكن امرأتك مصيبها ما أصابهم، وهو وجه حسن وذهب الرضي إلى أنّ الاستثناء متصل ولا تناقض قال: لما تقرّر أن الاتباع هو الوجه مع الشرائط المذكورة ولما كان أكثر القرّار على النصب هنا تكلف الزمخشري له ما مرّ فاعترض عليه ابن الحاجب بما قرّرناه، والجواب أن الإسراء وان كان مطلقاً في الظاهر إلا أنه مقيد في المعنى بعدم الالتفات فمآله أسر بأهلك إسراء لا التفات فيه إلا امرأتك فإنك تسري بها إسراء مع الالتفات فاستثن على هذا إن شئت من أسر أو لا يلتفت، ولا تناقض، وهذا كما تقول امش ولا تتبختر أي امش مشيا لا تتبختر فيه فكأنه قيل ولا يلتفت منكم أحد في الإسراء وكذا امش ولا تتبختر في المشي فحذف الجاز والمجرور للعلم به، وقد ذكر مثله بعينه الفاضل اليمني، وفي شرح المغني أنه كثير إما يأخذ كلام الرضي بعبارته كما يعرفه من تتبع كلامه وقد أورد عليه السيد قدس سرّه في حواشيه أنّ الاستثناء إذا رجع إلى القيد كان المعنى فأسر بجميع أهلك إسراء لا التفات فيه إلا من امرأتك فيكون الإسراء بها داخلا في المأمور به وإذا رجع إلى المقيد لم يكن الإسراء داخلاً في المأمور به فيكون المحذور باقيا بحاله ولا دفع له إلا بأن تناول العامّ إياها ليس قطعياً لجواز أن يكون مخصوصا فلا يلزم من رجوع الاستثناء إلى قوله فلا يلتفت كونه مأمورأ بالإسراء بها، وحينئذ يوجه الاستثناء بما ذكر من أنها تبعتهم أو أسري بها مع كونه غير مأمور بذلك إذ لا يلزم من عدم الأمر به النهي عنه فتأمّل اهـ (وفيه بحث) لأنّ قوله وإذا رجع إلى المقيد الخ إن أراد به
أنه ر* يكون داخلآ في المأمور به مطلقا فليس بصحيح لتقيده بالقيد المذكور وان أراد لا يدخل في الصأمور به المقيد فلا ضرر فيه لأنه إذا أمر بالإسراء مع التفاتهم، وأخرجت المرأة من مجموع الإسراء فالالتفات لا ينافي ذلك الأمر بالإسراء بها من غير التفات فتأمّله فإنه غير وارد مع أن احتمال التخصيص من غير دليل لا وجه له ومراده بالتقييد إنه ذكر شيآن متعاطفان فالظاهر أن المراد الجمع بينهما لا إن الجملة حالية فلا يرد عليه
أنّ الحمل على التقييد مع أنّ الواو للنسق ممنوع وكذا جعلها للحال مع لا الناهية وأيضا القراءة بإسقاطها تدل على عدم اعتب ر ذلك التقييد فتأمل فقول المصنف رحمه الله تعالى استثناء من قوله فأسر أي على سبيل الجواز لا القطع لما سيأتي، وقوله ويدل عليه الخ فإنه متعين في هذه وهو تأسيس للاستثناء من الأبعد مع وجود الأقرب، وقوله ناقض ذلك قراءة ابن كثير وأبي عمرو هذا هو الصحيح، وما وقع في نسخة ونافع سهو فإنه لم يقرأ إلا بالنصب والمناقضة للزوم كون المرأة مسرى بها وغير مسري، وهو إشارة إلى اعتراض ابن الحاجب، وقد مز الكلام فيه وقوله لا يجوز حمل القوأءتين الخ ردّ للزمخشري كما مرّ وقوله ولا يبعد جواب عن سؤال مرّ دفعه، وغير الأفصح هو النصب في كلام غير موجب، وقوله ولا يلزم الخ أي لا يلزم من استثنائها من لا يلتفت أمرها بالالتفات، وهو رذ لقول جار الله وأمر أن لا يلتفت أحد منهم إلا هي وقد أجاب عنه في الكشف بأنه نقل للرواية لا تفسير للفظ القرآن، وإنما الكائن منه استثناؤها عن النهي وقوله استصلاحاً تعليل للنهي أي نهيها وغيرها ممن ينهي لطلب صلاحه بعدم الهلاك، وقوله: ولذلك علله إفادت للتعليل مر بيانها مرارا وذلك إشارة إلى عدم النهي لا لأمرها بالالتفات فإنه لا يصلح له وقوله علله أي علل استثناء امرأته. قوله: (ولا يحسن جعل الاستثناء منقطعاً على قراءة الرفع) قيل إنه إشارة إلى الرذ على من دفع المنافاة بجعل الاستثناء منقطعاً بتقدير لكن امرأتك يجري لها كيت وكيت إذ لا يبقى حينئذ ارتباط لقوله إنه مصيبها ما أصابهم، وأمّا على تقدير الاتصال فيكون تعليلا له على طريقة الاستئناف، وهو سهو لما قرّرناه ولما ستراه، واعترض على المصنف رحمه الله تعالى بأنه لا مانع من جعله منقطعا على لغة تميم كما مرّ عن أبي شامة أو على غيرها كما في المغني، وأمّا قول أبي حيان في رده بأنه إذا لم يقصد إخراجها عن المنهيين عن الالتفات، وكان المعنى لكن امرأتك يجري عليها كذا وكذا كان من الاستثناء الذي لا يتوجه إليه العامل، ويجب نصبه بالإجماع، وإنما الخلاف في المنقطع الذي يمكن توجه العامل إليه فقد ردّ بأنّ ابن مالك قال في التوضيح حق المستثنى بالأمن كلام تامّ موجب مفرداً كان أو مكملا معنى بما بعده كقوله تعالى:{إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} [سورة الحجر، الآية: 60] النصب ولا يعرف أكثر المتأخريت من البصحريين في هذا إلا النصب، وقد غفلوا عن ورود مرفوعاً بالابتداء ثابت الخبر محذوفه فالأوّل كقول أبي قتادة رضي الله عنه أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم قالا بمعنى لكن وما بعده مبتدأ وخبر، ومن
الثاني لا تدري نفس بأقي أرض تموت إلا الله أي لكن الله يعلم اهـ، وما نحن فيه من هذا القبيل، وقد رذ كلام أبي حيان رحمه الله تعالى أيضا بأن ما ذكره النحاة في نحو قولهم ما زاد المال إلا ما نقص، وهو مسألة أخرى. قوله:(كأنه علة الأمر بالإسراء (هذا يناسب تفسيره بالسرى في أوّل الليل روي أنه سألهم عن وقت هلاكهم فقالوا موعده الصبح فقال أريد أسرع من ذلك فقالوا له أليس الصبح بقريب، وإليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله جواب لاستعجال لوط عليه الصلاة والسلام، ويحتمل أنه ذكر ليتعجل في السير. قوله: (عذابنا أو أمرنا به) على الأوّل الأمر واحد الأمور وعلى الثاني واحد الأوامر، ونسبة المجيء إلى الأمر بالمعنيين مجازية والمراد لما حان وقوعه، ولا حاجة إلى تقدير الوقت مع دلالة لما عليه وقيل إنه يقدر على الثاني أي جاء وقت أمرنا لأن الأمر نفسه ورد قبله والمأمور به قوله:{جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} وأمّا اذعاء تكرار الأمر بأن يقال افعلوا الآن فنحن في غنى عنه. قوله:) ويؤيده الأصل (يعني يؤيد أنّ المراد بالأمر ضد النهي أنه الأصل فيه لأنه مصدر أمره، وأفا كونه بمعنى العذاب فيخرجه عن المصدرية الأصلية، وعن معناه المشهور والأصل يستعمل في كلامهم بمعنى الكثير الأغلب فلا يرد عليه أنه يقتضي أنه في المعنى الآخر ليس بحقيقة وجعل التعذيب معطوف على الأصل فإنه نفس إيقاع العذاب فلا يحسن جعله مسببآ عنه بل العكس أولى إلا أن يؤوّل المجيء بإرادته، وقوله فإنه جواب لما تعليل للسببية وقوله وكان حقه الخ كلام آخر. قوله: (فأسند إلى نفسه من حيث إنه المسبب) بكسر الباء اسم فاعل أي موجد الأسباب وخالقها فالإسناد إليه
مجاز باعتبار اللغة وإن كان هو الفاعل الحقيقي وكونه مسبباً شامل لكونه أمرآ أيضا، وبين نكتة الإسناد إليه بأنّ تعظيم ذلك الأمر، وتهويله لا! ما يتولاه العظيم من الأمور فهو عظيم، ويقوي هذا ضمير العظمة أيضا. قوله:) فإنه روي الخ) 11 (تعليل لقوله، وكان حقه الخ والديكة بكسر الدال المهملة وفتح الياء جمع ديك، وفسر الضمير المؤنث بالمدن لأنها معلومة من السياق، وقوله أو على شذاذها بضم الشين المعجمة والذالين المعجمتين المشددة أولاهما جمع شاذ وهو المنفرد، والمراد من كان خارج المدن منهم لأنه روي أنّ رجلاً منهم كان في الحرم فبقي حجره معلقا بالهواء حتى خرج منه فوقع عليه، وأهلكه
وتأنيث الضمير لأنه بمعنى الطائفة الشاذة يريد أن الأمطار إمّا على المدن أو على من خرج منها منهم. قوله: (من طين متحجر) أي ياب! مكتنز كالحجارة لقوله في الآية حجارة من طين، والقرآن يفسر بعضه بعضاً ويتعين إرجاع بعضه لبعض في قصة واحدة، وهو معزب فارسيته سنككل أي حجارة ووقع في بعض النسخ سنكيل فإن لم يكن غير قبل التعريب فهو تحريف. قوله:(وقيل إنه من اسجله إذا أرسله الخ (إن كان المراد بالإرسال مطلق الإنزال والإطلاق فلا يحتاج إلى من في النظم ولا في مثل في عبارة المصنف رحمه الله تعالى وان كان المراد به صب الماء، والمطر كما فسر به الراغب كقوله: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء} [سورة الأنعام، الآية: 60] أو إدلاء الدلو في البئر كما في بعض التفاسير فهو ظاهر، والمعنى حجارة كائنة من مثل ذلك، وهو مراد المصنف رحمه الله تعالى وعلى كونه بمعنى العطية فهو تهكم كبشرناهم بعذاب، وقوله السجل بتشديد اللام، وهو الصك ومعنى كونه من السجل أنه كتب عليهم العذاب، وقيل إنه كتب عليه أسماؤهم. قوله: (وقيل أصله من سجين أي من جهنم فأبدلت لامه نوناً (كذا وقع في النسخ، وكان الظاهر أبدلت نونه لاما وادّعاء القلب فيه ركيك فلذا قيل إن نونا منصوب بنزع الخافض، وأصله أبدلت لامه من النون، وهو من عناية القاضي، ووقع في نسخة على الأصل وسجين جهنم، وقيل إنه واد فيها. قوله: (نضد معدّاً لعذابهم) أي وضع بعضه على بعض معداً ومهيأ لعذابهم، والمراد الكثرة أو تتابع كالخرز المنظوم أو الصق حتى صار كالحجارة، وقوله معلمة بزنة المفعول من الإعلام وهو وضع العلامة قال السدي: كان عليها مثال ختم كالطين المختوم، وقوله: وقيل معلمة ببياض وحمرة منقول عن الحسن رحمه الله تعالى والسيما مقصور العلامة وذكر ضميره وكان الظاهر تأنيثه لتأويله بشيء يتميز به، ومنضود نعت سجيل وجوّز كونه وصف حجارة وهو تكلف، وقوله: في خزائنه أي فيما غيبه عنا. قوله: (حقيق بأن تمطر عليهم) أفرد حقيقا لكونه على وزن فعيل أو لأن أن تمطر فاعله والباء زائدة فيه، وقوله: وفيه وعيد لكل ظالم لاشتراكهم في سبب نزول العذاب فهي عامّة، وعلى ما ذكر في الحديث خاص بهذه الأمة وعلى الوجه الأخير خاص بقوم لوط عليه الصلاة والسلام
فالوجوه ثلاثة، وقوله يعني الضمير دئه، وقوله وهو بعرض! حجر بضم العين المهملة وسكون الراء المهملة والضاد المعجمة أي مستعد ومعرّض له من قولهم هو عرضة للوائم، وقوله وقيل الضمير للقرى أي هي وعلى ما قبله هو للحجارة يعني أنّ القرى بمنظر منهم فليعتبروا بها والحديث المذكور قال العراقي رحمه الله تعالى: ذكره الثعلبي ولم أقف له على إسناد. قوله: (وتذكير البعيد على تأويل الحجر أو المكان) هذا ناظر إلى الوجهين في مرجع الضمير فإن كان للحجارة فتذكيره لأنها بمعنى الحجر، المراد به الجنس، وان كان للقرى فبتأويل مكان بعيد. قوله:(أراد أولاد مدين) يعني أنّ مدين إمّا اسم القوم المرسل إليهم شعيب عليه الصلاة والسلام سموا باسم أبيهم كمضر وتميم أو اسم مدينة فيقدر مضاف أي أهل مدين على الوجه الثاني دون الأوّل، وان احتمل تقديره وهو أولاده. قوله:(أمرهم بالتوحيد أوّلاً الخ) وهكذا جرت القصص بالأمر بالتوحيد أوّلاً ثم النهي عما عرف فيهم والتوحيد من قوله اعبدوا الله كما مرّ فإن عبادته تستلزم توحيده، إذ لا يعتد بها مع الشرك، أو من قوله حالكم من إله غيره وكان قومه مشركين، وقوله ما لكم من إله غيره تعليل للأمر بالعبادة، وقوله عما اعتادوه يعني ليس تهيأ قبل الوقوع، فإنّ النهي عن الشيء لا يقتضي وجوده، والتعاوض! تفاعل من العوض، وحكمة التعارض إيصال الحقوق لأصحابها.
قوله: (بسعة تغنيكم عن البخس!) السعة بكسر السين وفتحها اتساع الرزق والغنى، والبخس النقص والهضم فالمراد بالخير الغنى الذي لا يحتاج معه إلى تنقيص الحقوق أو النعمة التي ينبغي شكرها، ومن جملة الشكر التفضل على الغير وأجل شكر النعم الإحسان فبخس الحقوق تعكيس لمقتضى النعم، وقوله وهو في الجملة أي على الوجوه الثلاثة والخير له معنيان والثالث كالأول لكن المقصود منه يختلف. قوله:(لا يشذ منه أحد) أي لا يخرج منه ويسلم لأنّ إحاطة اليوم تكون بإحاطة ما فيه، وشموله أو هو استعارة للإهلاك كما مرّ وسيأتي. قوله:
(وتوصيف اليوم بالإحاطة وهي صفة العذاب الخ) يعني أنّ المراد في الحقيقة إحاطة العذاب، وشموله فهو صفة له ولذا جعله بعضهم صفة عذاب لكنه جرّ للمجاورة فوصف به اليوم لاشتماله عليه بوقوعه فيه فهو مجاز في الإسناد كنهاره صائم، وفي الكشاف إنّ وصف اليوم بالإحاطة أبلغ من وصف العذاب بها لأنّ اليوم زمان يشتمل على الحوادث فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه، قال العلامة: يعني أنّ اليوم زمان جميع الحوادث فيوم العذاب زمان جميع أنواع العذاب الواقعة فيه فإذا كان محيطاً بالمعذب فقد اجتمع أنواع العذاب له كما جمع الشاعر الأوصأف:
في قبة ضربت على ابن الحشرج
فوقوع العذاب في اليوم كوجود الأوصاف في القبة وجعله اليوم محيطاً بالمعذب كضرب
القبة على الممدوج فكما أنّ هذا كناية عن ثبوت الأوصاف له كذلك ذاك كناية عن ثبوت أنواع العذاب للمعذب، وأمّا وصف العذاب بالإحاطة فهو استعارة الإحاطة لاشتماله على المعذب فكما أن المحيط لا يفوته شيء من أجزاء المحاط لا يفوت العذاب شيء من أجزاء المعذب فهذه استعارة تفيد أن العذاب لكل المعذب، وتلك كناية تفيد أن كل العذاب له فهي أبلغ والمصنف رحمه الله تعالى كلامه مخالف له، ولك أن تتكلف تنزيله عليه. قوله: (صرّح بالأمر بالإيفاء الخ (يعني أنّ النهي عن النقصان أمر بالإيفاء فما الداعي لذكره ووجهه أنه لا يتحقق الانتهاء المطلوب دون الإيفاء فيكون مطلوبا تبعا، وهذا مسلم على المذاهب جعل النهي عن الشيء عين الأمر بالضد أو مستلزماً له ضمنا، أو التزاماً وذلك لأن خلافهم في مقتضى اللفظ لا أنّ التحريم أو الوجوب ينفك عن مقابلة الضدّ وذكر في الكشاف لذكره فوائد كالنعي بما كانوا عليه من القبيح مبالغة في الكف، ثم الأمر بالضد مبالغة في الترغيب واشعاراً بأنه مطلوب أصالة، وتبعاً مع الإشعار بتبعية الكف عكسأ وتقييده بالقسط قصراً على ما هو الواجب، ثيم إدماج إنّ المطلوب من الإيفاء القسط، ولهذا قد يكون الفضل محزما في الربويات، وما قيل إن النهي عن نقص حجم المكيال وصفحات الميزان والأمر بإيفاء المكيال، والميزان حقهما بأن لا ينقص في الكيل أو الوزن وهذا الأمر بعد مساواة المكيال، والميزان للمعهود فلا تكرار كيف، ولو كان تكريراً للتأكيد والمبالغة لم يكن موضع الواو لكمال الاتصال بين الجملتين فليس بوارد، أمّا الأوّل فلأنّ المكيال والميزان شاع فيما يكال ويوزن به حتى صار كالحقيقة مع أنّ اللفظ واحد فيهما فحمله في أحد الموضعين على أحد معنيين متغايرين خلاف الظاهر، وأمّا التكرار الذي هرب منه ففي ضمنه من الفوائد ما جعله أقوى من التأسيس، وأمّا العطف فيه فلأنه لاختلاف المقاصد فيهما جعلا كالمتغايرين فحسن العطف وقد صرّج به أهل المعاني في
قوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 50] . قوله: (مبالغة) أي في الترغيب، والزيادة التي لا يتأتى الإيفاء بدونها لازمة لأنّ ما لا يتم الواجب إلا به واجب فلا ينافي قوله من غير زيادة ولا نقصان، وقوله فإنّ الازدياد إيفاء أي زيادة على الوفاء المأمور به، وكان عليه أن يعبر بما هو أظهر منه، وقوله وقد يكون محظوراً أي ممنوعا كما في الربويات. قوله:(تعميم بعد تخصيص) أي بعد ما ذكر المكيل والموزون أتى بهذا تذييلا، وتتميما له لشموله الجودة والرداءة وغير المكيل والموزون، وقوله فإنّ العثو يعمّ تنقيص الحقوق وغيره بالنصب على تنقيص لأنه مطلق الفساد، وفعله من باب رمي وسعي ورضي. قوله: (وقيل المراد الخ (عطف على قوله تعميم بعد تخصيص فإنه حينئذ لا يكون كذلك، وقوله: كأخذ العشور عاي المخالف للشرع، وكذا أخذ السمسار ما لا يرضى به، وقوله والعثو بالرفع
عطف على قوله المراد داخل تحت القيل أو مجرور معطوف على البخس، قيل: وجعله واويا وجار الله جعله يائيا، وكتب اللغة تساعده (قلت أليس كما قال: فإنه واوي، ويائيّ قال الراغب: في مفرداته العثي والعيث يتقاربان كالجذب والجبذ إلا أن العيث أكثر في الفساد الذي يحس، ويقال عثى يعثي عثياً وعثا يعثو عثواً انتهى، والغارة النهب. قوله:(وفائدة الحال) يعني فائدة قوله مفسدين على الوجهين فهي حال مؤسسة، وما فعله الخضر عليه الصلاة والسلام قتل الغلام وخرق السفينة. قوله:(وقيل معناه) عطف بحسب المعنى على قوله، وفائدة لأنه مبنيّ على اتحاد العثو والإفساد، وتأويله بما مرّ وهذا مبنيئ على تغايرهما فإن العثو في الأرض، والأموال والإفساد للدين والآخرة، ومآله إلى تعليل النهي أي لا تفسدوا في الأرض! فإنه مفسد لدينكم، وآخرتكم وتفسير البقية والخيرية بما ذكره لمقتضى المقام. قوله:(فإنّ خيريتها باستتباع الثواب مع النجاة) عن النار والخلود فيها يعني أنه لا بقية باجتنابهم ما نهوا عنه إن لم يؤمنوا لعدم سلامتهم من العذاب فلا يرد أنّ الكفرة يسلمون بانتهائهم عن تبعة ما نهوا عنه،
ولذا حمل الإيمان على التصديق بما قاله لكنه يقتضي انتفاء الثواب على ما فعله من اعتقد أنه لا ثواب له فيه، وجزاء الشرط مقدر يدل عليه ما قبله على الصحيح، وإذا فسرت البقية بالأعمال فاشتراط الإيمان فيها ظاهر وقراءة تقية بالتاء المثناة الفوقية قراءة الحسن رحمه الله تعالى. قوله:) أحفظكم عن القبائح الخ) المقصود بيان أنه بالغ في نصحهم، وقوله لست بحافظ يناسب المعنى الثالث في أراكم بخير. قوله:(أجابوا به أمرهم) هو مصدر مضاف للمفعول، وهذا هو الصحيح المناسب لقوله، وهو جواب النهي، وفي نسخة أجابوا به بعد أمرهم، وهي بمعناها لأنّ الجواب بعد كلام يكون له أيضا. قوله: (على الاستهزاء والتهكم الخ (الصلاة، وان جاز أن يكون أمرها على طريق المجاز لكنهم قصدوا الحقيقة تهكماً، وأنه لا يأمر بمثله العقلاء وأمّا في مثله في غير هذا فيجوز أن يكون إسناداً مجازيا لأنها سبب لترك المنهيات فكأنها محصلة لها أو على الاستعارة المكنية كأنها شخص آمرناه. قوله: (والإشعار بأنّ مثله لا يدعو إليه داع عقلئ (عطف على التهكم لبيان وجه التهكم، وقوله: من جنس قيل إنه بتقدير مضاف أي جنس داعي ما يواظب عليه لأنّ الوساوس ليست من جنسها، وقيل إنه أطلق الوسوسة على أثرها لخفائها، وظهوره وهو كثير شائع والمواظبة مأخوذة من جمع الصلاة، والإضافة إليه، ثم الإخبار بالمضارع ليدل على العموم بحسب الأزمان كذا في شرح الكشاف، وجعل المصنف المواظبة وكثرة الصلاة مستفادة من الخارج، وجعله نكتة للجمع والتخصيص! بالذكر. قوله: (بتكليف أن نترك قحذف المضاف الخ (أي حذف المضاف، وهو تكليف وأصله تكليفك أن نترك فلما حذف دخل الجارّ على أن وحذفه قبلها مطرد فلذا لم يذكره، والمعنى أن صلاته كأنها تقول له كلفهم تركها، والتكليف فعله فقد أمرته بفعله لا بفعل غيره لأنه لا يقدر عليه حتى يؤمر به والترك فعل الكفار، وقوله بفعل غيره إشارة إلى أنّ المراد بالترك كف النفس، وهو فعل لا عدم فإنه لا يدخل تحت التكليف، فما قيل إنه من حذف الجارّ مع مجروره، وهو تكلف لا وجه له، وكذا قوله في الانتصاف إنه رمز خفيّ إلى الاعتزال لأنّ التكاليف كلها بما خلقه الله، وفعله فهو مكلف بفعل غيره لأن التقدير ليس بناء على القاعدة المذكورة بل لأنّ عرف التخاطب في مثله يقتضي ذلك كما اعترف هو به، وقيل: إنه قد لا يقدر المضاف لنكتة،
وهو المبالغة بادعاء أنه مأمور بأفعالهم فتأمّل. قوله: (عطف على ما) سواء كانت موصولة أو مصدرية ولم يجعله على قراءة النون معطوفا على أن نترك لاستحالة المعنى إذ يصير معناه تأمرك بفعلنا في أموالنا ما نشاء، وهم منهيون عنه لا مأمورون بخلافه على قراءة التاء، وقوله وأن نترك إشارة إلى أنّ أو بمعنى الواو لأنها للتنويع واختيرت على الواو لتقابل الفعل، والترك في الجملة وقوله وقرئ بالتاء فيهما أي في نفعل ونشاء، وإذا عطف على أن نترك لا يحتاج إلى تقدير مضاف لأنه فعله والعطف في الحقيقة على المضاف المحذوف لكن لما كان غير مذكور، وهذا قائم مقامه جعل العطف عليه كما سيأتي نظيره، وقوله وهو جواب النهي أي قوله أن نفعل على القراءتين جواب معنويّ عن النهي السابق: في قوله
ولا تنقصوا الخ، وقوله وقيل الخ أي هو قص أطرافها والقطع منها كما وقع في زماننا هذا ولم يرضه لعدم مناسبة السياق، وما يدل عليه والحاصل أنّ فيها ثلاث قرا آت بالنون في الجميع، وبتاء في الأخيرين وبنون وتاء فيهما وما عدا الأولى شاذ ففي الأوّل هو معطوف على مفعول نترك، وهو ما موصولة أو مصدرية والتقدير أصل! اتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو نترك أن نفعل في أموالنا تطفيفا ونحوه ولا يصح أن يعطف على غيره وعلى قراءة التاء معطوف على مفعول نترك أو تأمر، ومن قرأ بنون وتاء فهو معطوف على مفعول تأمر. قوله:(تهكموا به) فيكون المراد ضد معناه على طريقة الاستعارة التهكمية أو المراد به ظاهره، وهو علة للإنكار السابق المأخوذ من الاستفهام بأنه كان موصوفاً عندهم بالحلم، والرشد المانع من صدور مثل ذلك كما مرّ في قصة صالح عليه الصلاة والسلام من قولهم له:{قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا} [سورة هود، الآية: 62] بدليل أنه عقيب بمثل ما عقب به ذلك من قوله: {أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً} الخ ولذا رجح هذا الوجه على الأوّل وان كان الأوّل أنسب بما قبله لأنه تهكم أيضا. قوله:) إشارة إلى ما آتاه الله من العلم الخ) قد مرّ تفسير البينة بالحجة والبرهان والنبوّة أيضا، وحملها هنا على العلم والنبوّة والمراد بالعلم علمه بالله وتوحيده وفسرت بالحجة الواضحة واليقين، وفسر الرزق الحسن بالمالط الحلال، وجوّرّ الزمخشري أن يراد به النبوّة والحكمة لتفسيره البينة بما مرّ والفرق بينهما أمر يسير، وقوله المال الحلال المكتسب بلا بخس، وتطفيف كما في الكشاف وهو مناسب للمقام. قوله: (وجواب الشرط محذوف الخ (قال أبو حيان: الذي قاله النحاة في
أمثاله أنه يقدر الجملة الاستفهامية على أنها مفعول ثان لأرأيتم المضمنة معنى أخبروني المتعذية لمفعولين، والغالب في الثاني أن يكون جملة استفهامية نحو أرأيتك ما صنعت، وجواب الئرط ما يدل عليه الجملة السابقة مع متعلقها، والتقدير إن كنت على بينة من ربي فأخبروني هل يسع الخ ولزوم هذا التقدير محل كلام. قوله:(مع هذا الآنعام الجامع للسعادات الروحانية (وهي العلم والجسمانية الرزق الحلال، والخيانة في الوحي عدم تبليغه، وقوله وأخالفه في بعض النسخ فأخالفه بدخول الفاء على السبب، وقوله وبإعانته تفسير لكونه من عنده إذ كل رزق منه. قوله:) وما أريد أن آني ما أنهاكم عنه الخ) أي لا يقع مني إرادة لما نهيتكم عنه ولا استقلال به كما هو شأن بعض الناس في المنع من بعض الأمور فالمراد نفي المعلل والعلة، ولذا ظهر تفريع ما بعده عليه، وما ذكره من الفرق بين خالفته إليه وعنه معنى بديع أفاده الزمخشري، وضمير قصدته وعنه راجع لكذا وضمير هو لزيد. قوله:) ما أريد إلا أن أصلحكم الخ (يشير إلى أنّ أن هنا نافية وما مصدرية ظرفية في محل نصب متعلقة با الإصلاح، وهو أحد الوجوه في إعرابها وأظهرها، وقوله ولهذه الأجوبة الثلاثة أي أجوبة شعيب عليه السلام يعني من قوله أرأيتم إلى هنا لأنها جواب عما أنكروه وكونها أجوبة يقتضي أن يعطف قوله إن أريد الخ، لكنه ترك عطفه لكونه مؤكدا لما قبله، ومقرّراً له لأنه لو أراد الاستئثار بما نهى عنه لم يكن مريدا للإصلاح، وكونه مؤكداً لا ينافي تضمنه لجواب آخر، والأوّل هو قوله إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسناً، فإنه بيان لحق الله عليه من شكر نعمته والاجتهاد في خدمته والثاني قوله ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه فإنه بيان لحق نفسه من كفها عما ينبغي أن ينتهي عنه غيره، والثالث قوله إن أريد إلا الإصلاج الخ فإنّ حق الغير عليه إصلاحه وارشاده، ووجه ترتيبها ظاهر وقوله، وكل ذلك يقتضي الخ قيل لا بد فيه من تقدير القول أي فقال شعيب عليه الصلاة والسلام الخ لأن مقتضى الظاهر أن يقال يأمرهم، وقيل لا حاجة إليه لأنّ الأجوبة، وما تضمنته صادرة من شعيب عليه الصلاة والسلام فلذا جرى على مقتضاه، ولك أن تقول إنه
التفات لعوده إلى أمر شعيب عليه الصلاة والسلام، واقتضاء الأوّل والأخير ظاهر، وأمّا اقتضاء حق النفس له فلأنّ إصلاح الغير وارشاده فيه نفع نفسه أيضا لما فيه من الثواب فتأمّل. قوله:(وما مصدرية واقعة موقع الظرف الخ) إما بجعل المصدر ظرفا أو تقدير حين قبله وسده مسده، وعبارة المصنف رحمه الله تعالى تحتملهما، وهذا هو الوجه، وأمّا إذا كان بدلأ سواء قدر المضاف أو لا فهو بدل بعض، أو كل لأنّ المتبادر من الإصلاح ما يقدر عليه، وقيل إنه بدل
اشتمال، وعلى هذا والأوّل يقدر ضمير أي منه لأنه لا بد منه، وأراد بالخبرية الموصولة، وهم يطلقون ذلك عليها وحذف المضاف على الثاني لأنه على الأوّل بمعنى مقدار من الإصلاج وترك كونها مفعولاً به للمصدر المذكور في الكشاف لضعف أعمال المصدر المعرّف عند النحاة، والمراد بالمقدار مقدار من الإصلاح فهو بدل بعض. قوله:(وما توفيقي لإصابة الحق والصواب إلا بهدايته الخ) المصدر هنا من المبنيّ للمفعول أي، وما كوني موفقا أي وما جنس توفيقي أو وما كل فرد منه لأنّ المصدر المضاف من صيغ العموم والمآل و! د لأنّ انحصار الجنس يقتضي انحصار أفراده لكنه على الأوّل بطريق المفهوم وعلى الثاني بطريق المنطوق فلا وجه لرذ الأوّل، وتقدير بهدايته ومعونته قيل إنه لدفع ما يرد عليه من أن فاعل التوفيق هو الله تعالى، وأهل العربية يستقبحون نسبة الفعل إلى الفاعل بالباء لأنها تدخل على الآلة فلا يحسن ضربي بزيد، وإنما يقال من زيد فالاستعمال الفصيح، وما توفيقي إلا من الله، وبتقدير المضاف الذي ذكره يتوجه دخول الباء، ويندفع الإشكال، وأيضاً التوفيق وهو كون فعل العبد موافقأ لما يحبه الله ويرضاه لا يكون إلا بدلالة الله عليه، ومجرّد الدلالة لا يجدي بدون المعونة منه. قوله:(فإنه القادر المتمكن الخ) تعليل للقصر المستفاد من تقديم المتعلق، وقوله في حد ذاته إشارة إلى أن قدرة العبد لسكونها بإيجاد الله كلا قدرة لأنه لو شاء لم يوجدها، ثم ترقى عن ذلك إلى أنه معدوم سد الاحتمال أن عجزه عن الاستقلال لا عن أصل الفعل لأنّ الوجود الإمكاني مع وجود الواجب عدم كما قال تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص، الآية: 88] ولذا قال بعض العارفين لما سمع كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما كان عليه فافهم وقوله أقصى مراتب العلم بالمبدأ إشارة إلى أنّ من عرف نفسعه بالعجز والفناء عرف خالقه بالقدرة والبقاء ولولا ذكر المعاد بعده صح حمل المبدأ على الله لأنّ الحكماء يطلقون عليه المبدأ الفياض فتدبر كلامه هنا فإنه دقيق، ولا حاجة إلى ما! قيل المراد بالتوحيد في كلامه توحيد الأفعال بأن يعلم أنه لا فاعل لشيء سواه لأنّ التوحيد الحقيقي علم الذات، وجميع
الصفات الثبوتية، والسلبية، وتوحيد الأفعال يكون بعده. قوله:(وهو أيضاً يفيد الحصر) أي الحصر بتقديم متعلقه كما أفاده ما قبله أو معنى قوله أيضا كما يفيد معرفة المعاد يفيد الحصر وقوله على الله وقع هنا نسخ مختلفة ففي أخرى على ضمير الله، وفي أخرى على أنيب وفي أخرى على الفعل فقيل إنها على الأوليين يعلق الجارّ فيها بالحصر، وعلى الآخريين بتقديم، وفي الأوّل خفاء والباس. قوله:) وفي هذه الكلمات طلب التوفيق الخ) أي في قوله، وما توفيقي إلا بالثه إلى هذه المعاني أمّا طلب التوفيق فمن قوله إلا بالله لأنها إنشائية للطلب كالحمد لله أو لأنها إخبار عن نعمة التوفيق، وشكر لها والاعتراف والشكر استجلاب للمزيد، وقوله فيما يأتيه ويذره مأخوذ من عموم التوفيق أو إطلاقه المقتضى له، والاستعانة عطف على طلب، ويصح أخذه من تفويض التوفيق إليه، ومن التوكل ومجامع أمره ما يجمعها، والمراد جميعها، وقوله والإقبال معطوف عليه أيضا مأخوذ من التوكل عليه، وشراشره بمعنى كليته، وأصله الجسد والنفس أو الأثقال، وقال كراع رحمه الله تعالى: ألقى عليه شراشره أي نفسه وقيل بل هي محبة نفسه الواحد شرشر قال:
وكائن ترى من رشده في كريهة ومن غيه تلقى عليه الشراشر
انتهى وقال الجوهرفي واحده شرشرة وقوله وحسم أطماع الكفار وما بعده معطوف عليه
أيضاً وهذا من قوله عليه توكلت كقول نوح عليه الصلاة والسلام: {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} [سورة يونس، الآية: 71] وهذا على الوجهين في {إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} أمّا على الثاني فظاهر، وأمّا على الأوّل فلأنهم تهكموا به ليرتدع فقال حسماً لما عنوه إن اعتمادي على الله لا أطلب تحقيق رجاء غيره، ولا ارتدع بتقريعه، واظهار الفراغ، وعدم المبالاة من التوكل أيضاً لأنه الكافي المعين، وقد جعل هذا وجهاً للتهديد أيضاً، ووجه المصنف رحمه الله تعالى لتهديد بأنه من الرجوع إلى الله فإنه يكنى به عن الجزاء، وهو وان كان هنا مخصوصاً به لكنه لا فرق فيه بينه، وبين غيره وإنما خص! لاقتضاء المقام له، وقوله شقاقي مصدر مضاف للمفعول أي معاداتكم إياي. قوله:
(وأن بصلتها ثاني مفعولي جرم الخ) وشقاقي فاعله، وعلى قراءة الضم من الأفعال، وهمزته لنقله من التعدية إلى واحد إلى اثنين، ونهى الشقاق مجازاً وكناية عن نهيهم عنه، وفيه مبالغة لأنه إذا نهى، وهو لا يعقل علم نهي المتشاقين بالطريق الأولى. قوله:
(والآوّل أفصح) أي جرم أفصح من أجرم، وقوله فإن أجرم أقل دورانا الخ. إشارة إلى أنّ الفصاحة هنا ليست بمصطلح أهل البيان بل بمعنى كثرة الاستعمال وأهل اللغة حيث ذكروه إنما يريدون هذا المعنى قال في الكشاف والمراد بالفصاحة أنه على ألسنة الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم أدور، وهم له أكثر استعمالاً فلا يتوهم اشتمال القرآن على لفظ غير فصحيح. قوله:) وقرئ مثل بالفتح لإضافتة إلى المبنئ الأن مثل، وغير مع ما وأن المخففة، والمشدّدة جوّزوا بناءهما على الفتح كالظروف المضافة للمبنيئ كما بين في النحو، وقيل إنه منصوب صفة مصدر محذوف أي إصابة مثل إصابة قوم نوح عليه الصلاة والسلام، وفاعل يصيب ضمير مستتر يعود على العذاب المفهوم من السياق، وهو تكلف وعلى الأوّل مثل هو الفاعل. قوله:(لم يمنع الخ) هذا من قصيدة لبعض العرب اختلف فيه فقيل هو أبو قيس بن رفاعة الأنصارفي، وقيل إنه رجل من كنانة وقيل إنه للشماخ ومنها:
ثم ارعويت وقد طال الوقوف بنا فيها فصرت إلى وجناء شملال
تعطيك مشيا وارقالاً ودأدأة إذا تسربلت الآكام بالآل
لم يمنع الشرب منها غيرأن نطقت حمامة في غصون ذات أوقال
وضمير منها راجع لوجناء، وهي الناقة، والا وقال جمع وقل وهي الحجارة أو شجرة المقل أو ثمره، والمراد أن سماعها صوت الحمامة على بعد لشدة حسها يفزعها فيمنعها من الشرب أو يطربها فيلهيها عنه لأنّ الإبل شديدة الحنين إلى الأصوات المغرّدة، وقيل إنّ فيه قلبا أي لم يمنعها من الشرب، وكذا في غصون ذات أو قال في بعض معانيه، والشاهد في غير فإنه مبنيّ على الفتح. قوله:) زماناً أو مكاناً الخ (أي المراد بالبعد المنفيّ الزماني أو المكاني أي لا يمنعكم من الاعتبار قدم عهد، ولا بعد مكان فإنهم بمرأى، ومسمع منكم أو البعد معنوقي أي ليس ما اتصفوا به بعيداً من صفاتكم فاحذروا أي يحل بكم ما حل بهم من العذاب كما قال بعض المتأخرين:
فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم! ط قوم لوط منكم ببعيد
وجعل زمانا، ومكانا تمييزاً، ولم يجعله كما في الكشاف في تقدير بزمان أو مكان بعيد
فقيل هربا من الأخبار بالزمان عن الجثة الذي أورد عليه أنه إذا أفاد جاز الإخبار كما صرّحوا به، وهو مقيس هنا فليس ببعيد قال في الألفية:
ولا يكون اسم زمان خبرا عن جثة وإن يفد فأخبرا
قوله: (د إفراد البعيد الخ) يعني أنّ الأخبار ببعيد غير مطابق له لا لفظاً ولا معنى أمّا لفظا
فلأنه اسم جمع وهو جميعه مؤنث على ما اختاره الزمخشريّ لأنّ قوم إذا صغر يقال فيه قويمة ومعناه الجمع فالقياس ببعيدة أو ببعداء وقال الجوهرفي والقوم يذكر ويؤنث لأنّ أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميين تذكر وتؤنث مثل رهط ونفر، وقوم قال تعالى:{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} [سورة الأنعام، الآية: 66] فذكر، وقال تعالى:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} [سورة الشعراء، الآية: 05 ا] فأنث وان صغرت لم تدخل فيها الهاء، وقلت نفير وقويم ورهيط وإنما يلحق التأنيث فعله وتدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل إبل وغنم لأنّ التأنيث لازم له وبين الكلامين بون بعيد وعليه فلا حاجة له إلى التأويل هنا من تقدير في الأوّل كإهلاك أو في الثاني كشيء أو مكان أو زمان أو أنّ فعيل المصدر يستوي فيه المذكر، والمؤنث فأجرى هذا مجراه. قوله:(عظيم الرحمة للتائبين الخ) العظيم مأخوذ من صيغة المبالغة، ولم يفسره بكثير الرحمة باعتبار المرحومين أو أنواع الرحمة لأنّ هذا أبلغ إذ عظم الرحمة لكل أحد منهم مستلزم للكثرة، وقوله فاعل بهم الخ إشارة إلى أنه مجاز باعتبار غايته لأنّ الموذة بمعنى الميل القلبيّ لا يصح وصفه تعالى بها، ويجوز أن يكون كناية عند من لم يشترط إمكان المعنى الأصلي، ولا يناسب تفسيره بمودود، وان كان حقيقة لعدم المبالغة فيه، وقيل رحيم ناظر إلى الاستغفار لأنه لكرمه يرحم من
يطلب منه المغفرة، وودود ناظر إلى التوبة ترغيبا بأنه يودّ من يرجع إليه، وهو وجه حسن، والوعيد على الإصرار يعلم من تعذيب قوم لوط.
قوله: (ما ئفهم) لأنّ الفقه هو العلم في الأصل، وقولهم كثيراً فراراً من المكابرة، ولا
يصح أن يراد به الكل، وان ورد في اللغة لأنّ قوله مما تقول يأباه، وقوله وما ذكرت دليلا كقوله:{مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [سورة الأعراف، الآية: 85] وقوله إني أخاف الخ. أي لم يفهموا دعواه، ولا دليلها وقوله لقصور عقولهم أي نفيهم لذلك لغباوتهم أو لاستهانتهم كما يقول الرجل لمن لا يعبأ به لا أدري ما تقول، وترك ما في الكشاف من أنه كناية عن عدم القبول لأنّ
قوله كثيراً يأباه، وجعلهم كلامه هذيانا لأنه يرجع للاستهانة أو أنه كان ألثغ لأنه لم يصح عنده لأنّ جعله خطيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلايم ينافيه ظاهراً، وقوله فتمتنع منصوب في جواب النفي وفي نسخة فتمنع فمفعوله محذوف يدل عليه قوله بعده إن أردنا بك سواء ومهينا بفتح المييم بمعنى ذليلا فقوله لأعز لك صفة كاشفة، والمراد بالقوّة المنفية قوّة الجسم، وما بعدها الذل. قوله:(وقيل أعمى بلغة حمير) يعني أن الضعيف في لغة أهل اليمن كالضرير بمعنى أعمى، وهو كناية كما يقال له بصبر على الاستعارة تمليحاً ووجه عدم مناسبته أنّ التقييد بقوله فينا يصير لغواً لأنّ من كان أعمى يكون أعمى فيهم، وفي غيرهم، وأمّا إرادة لازمه، وهو الضعف بين من يبصره، ويعادبه فلا يخفى تكلفه. توله:(ومنع بعض المعتزلة استنباء الأعمى) قال الإمام رحمه الله تعالى: جوّز بعض أصحابنا العمى على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكنه هنا لا يحسن الحمل عليه لما مرّ، وأمّا المعتزلة فاختلفوا فيه فمنهم من قال: إنه لا يجوز لكونه منفر العدم احترازه عن النجاسات، ولأنه يخل بالقضاء، والشهادة فهذا أولى، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى، ولأنه يأباه مقام الدعوة، والاستنابة فيه غير ظاهرة، وقوله والفرق بين لأنّ القاضي يحتاج إلى تمييز الخصمين، والنبيّ صلى الله عليه وسلم لا يحتاج لتمييز من يدعوه، وفيه نظر مع أنه معصوم فلا يخطىء كالقاضي الأعمى، والذي صححوه أنه ليس فيهم أعمى، ولم يذكروا تفصيلاً بين الأصلي، والعارض! ، وقد ورد في روايات عمى شعيب عليه الصلاة والسلام، وسيأتي في القصص. قوله:(قومك وعزتهم) بيان للمعنى، ويحتمل أنه إشارة إلى تقدير مضاف وقوله لكونهم على ملتنا تأويل للعزة، والشوكة القوّة، وقوله فإن الرهط الخ تعليل لعدم الخوف إذ القليل غير غالب في الأكثر، وقوله أو بأصعب وجه فيكون الرجم كناية عن نكاية القتل، وقوله:{وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} صيغة المبالغة، وأفعل التفضيل على التفسير الآني يقتضي أن له عزة عندهم فقوله فتمنعنا عزتك يعني به عزتك المؤثرة عندنا بجعل الاضافة للعهد أو لفهمه من السياق فلا ينافي ما مرّ فلا يرد عليه أنه لا يناسب السياق تفسيره بما ذكر أو يقال إنّ ذاك يشعر بثبوت عزة له بقومه، وهذا ينفيها عنه في ذاته على زعمهم وهو الظاهر لمن تأمّل ما سيأتي أو أنها عندهم غير معتد بها فتأمّل. قوله: (وفي إيلاء ضميره حرف النفي الخ (إشارة إلى أنّ التقديم يفيد التخصيص، وأنه قصر قلب أو قصر إفراد، والظاهر الأوّل، وقد تبع فيه صاحب الكشاف، وقال صاحب الإيضاح: فيه نظر لأنا لا نسلم إفادة التقديم الحصر إذا لم
######
######
صريحاً، ولوّح إلى الآخر، وعلى طريقة المصنف رحمه الله تعالى هما مذكوران، والكلام شامل لهما، وهو أحسن لما قيل عليه إنه فرق بين ما هنا لاقتضاء سباقه، وسياقه لذكرهما، وما نظر به ليس كذلك، والمسلك الثالث أنهما مذكوران تفصيلاً، وهو مختار الزمخشري كما ستراه ففي الآية ثلاث طرق، وكل ما ذكر في القرآن بالفاء إلا هذه. قوله:(وقيل كان قياسه ومن هو صادق الخ)
هذا ما في االكشاف من أن اعملوا على مكانتكم إني عامل ذكر فيه الكاذب والصادق، وكذا في هذا لأن المراد من قوله من هو كاذب الصادق لكن جرى في ذكره على ما اعتادو. في تسميته كاذباً تجهيلاً لهم، وليس المراد ستعلمون أنه كاذب في زعمكم حتى يرد عليه ما توهم من أنّ كذبه في زعمهم واقع معلوم لهم الآن فلا معنى لتعليق علمه على المستقبل بل المعنى ستعلمون حالكم، وحال الصادق الذي سميتموه كاذبا، وقوله من يأتيه، ومن هو كاذب جوّز فيه أن تكون من موصولة، وأن تكون استفهامية، وكلام المصنف أنسب بالأؤل، وكذا كلام الكشاف فإنّ قوله ومن هو كاذب على زعمهم في جريه على الاستفهام تأمّل. قوله:(وانتظروا ما أقول لكم الخ (وهو حلول ما أوعد صم به، وظهور صدقه فالمنتظر من الطرفين أمر واحد وقيل المعنى انتظروأ العذاب إني منتظر للنصرة والرحمة، وذكر لفعيل ثلاثة معان كما في الكشاف لكن كونه بمعنى مرتقب أنسب بقوله ارتقبوا، وان كان مجيء فعيل بمعنى اسم الفاعل المزيد غير كثير كالصريم بمعنى صارح من الصرم بمعنى القطع، والعشير بمعنى معاشر، والرفيع بمعنى المرتفع. قوله: ( {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا} الخ) أخبر بتنجية المؤمنين دون هلاك الكافرين لأنه مفروغ منه، وإنما المقصود تنجية هؤلاء لجواز أن يلحقهم ما لحق أولئك بشؤمهم، وقوله إنما ذكره بالواو جواب عن السؤال أنّ في قصة عاد ومدين، ولما جاء أمرنا، وفي قصة ثمود ولوط فلما جاء فما الحكمة فيه بأنه ذكر في هاتين القصتين الوعد وقوله فلما جاء أمرنا مرتب عليه فجيء بالفاء وأمّا في الآخريين فذكر مجيء العذاب على أنه قصة بنفسه وما قبله قصة أخرى لكنهما متعلقان بقوم فهما مشتركان من وجه مفترقان من آخر، وهو مقام الواو كذا قرّر في الكشاف وشروحه، وقيل في كلام شعيب صلى الله عليه وسلم ذكر الوعد أيضا، وهو قوله يا قوم اعملوا على مكانتكم إلى قوله رقيب غاية الأمر أنه لم يذكر بلفظ الوعد ومثله لا يكفي للدفع كما توهم، وما قيل في جوابه إن ما ذكر محمول على العذاب الدنيوفي أو أنه ذكر الفاء في الموضعين لقرب عذاب قوم صالح ولوط للوعد المذكور من غير فصل بعيد فلا يخفى ما فيه، وقوله يجري مجرى السبب لأنّ الوعيد لاقتضائه وقوع الموعود به كالسبب لا سبب لأنّ السبب كفرهم ونحوه وقوله وأخذت الذين ظلموا الصيحة قد سبق في الأعراف
فأخذتهم الرجفة أي الزلزلة، وأنها كانت من مباديها فلا منافاة بينهما {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} أي صاروا جاثمين أو دخلوا في الصباح حالة كومحهم جاصمين وكأن لم الخ خبر بعد خبر أو حال بعد حال وألا بعد ادعاء عليهم بعد هلاكهم بيانا لاستحقاقهم له كما مز، ولمدين مرّ تفسيره فتذكره. قوله:(ميتين الخ (أصل معنى الجثوم من جثم ال! طائر إذا لصق بالأرض بطنه، ولذا خص الجثمان بشخص الإنسان قاعدآ ثم توسعوا فيه فاستعملوه بمعنى الاقامة واستعير من هذا للميت لأنه لا يبرج مكانه فلذ فسره به المصنف رحمه الله تعالى، وأشار إلى حقيقته، ويغنوا بمعنى يقيموا، ومنه المغني لمنزل الإقامة. قوله: (شبههم بهم (فيه تسمح أي شبه هلاكهم بهلاكهم لاتحاد نوعه، وقوله غير انّ صيحتهم الخ. هذا هو المروقي عن ابن عباس رضي الله عنهما كما نقله القرطبيّ رحمه الله، وما مرّ في الأعراف من أنه أتتهم صيحة من السماء فرواية أخرى ذكرها هناك فلا تعارض بين كلاميه كما قيل. قوله: (وقرىء بعدت بالضم الخ) العامّة على كسر العين من بعد يبعد بكسر العين في الماضي، وفتحها في المضارع بمعنى هلك قال:
يقولون لا تبعدوهم يدفنونه ولا بعد إلا ما توارى الصفائح
أرادت العرب الفرق بين المعنيين بتغيير البناء فقالوا بعد بالضم في ضد القرب، وبعد بالكسر في ضدّ السلامة، والمصدر البعد بفتح العين، وقرأ السلمي وأبو حيوة بعدت بالضم أخذاه من ضد القرب لأنهم إذا هلكوا فقد بعدوا كما قال الشاعرة
من كان بينك في التراب وبينه شبرفذا في غاية البعد
وقال النحاس المعروف: الفرق بينهما وقل ابن الأنباري: من العرب من يسؤقي بين الهلاك، والبعد الذي هو ضد القرب، وبهذا علمت اختلاف أهل اللغة فيه وبه يوفق لين ذلإم المصنف هنا، وقوله في قصة
نوج عليه الصلاة والسلام أنه استعير للهلاك، وما سيأتي في سورة المؤمنين. قوله:(بالتوراة او المعجزات) فالمراد بالآيات آيات الكتاب أو المعجزات، وقد اعترض على الوجه الأوّل بأن التوراة أنزلت بعد هلاك فرعون، وملئه كما سيصرح به في
سورة المؤمنين فكيف يستقيم أنه أرسل موسى عليه الصلاة والسلام بالتوراة إلى فرعون، وملئه بل أراد بها الآيات التسع العصا، وا أسيد البيضاء، والطوفان والجراد، والقمل والضفاح، والدم ونقص من الثمرات، والأنفس، ومنهم من أبدل النقص من الثمرات، والأنفس بأظلال الغمام، وفلق البحر، وتبعه بعض المتأخرين، والكل مأخوذ من كلام أبي حيان في تفسيره، وقيل في دفعه أنه يمكن تصحيحه أما أوّلاً فبما صرّحوا به من جواز ارجاع الضمير، وتعلق الجارّ والمجرور، ونحوه بالمطلق الذي في ضمن المقيد فقوله إلى فرعون يجوز أن يتعلق بالارسال المطلق لا المقيد بكونه بالتوراة، وأمّا ثانيا فلأن موسى عليه الصلاة والسلام كما أرسل إلى الفرعنة أرسل إلى بني إسرائيل فيجب أن يحمل ملأ فرعون على ما يشملهم فيجيء الكلام على التوزيع على معنى أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين، والى ملته بالتوراة فيكون لفا ونشراً غير مرتب (قلت) هذا عذر أقبح من الذنب، ومثل هذه التعسفات مما ينزه عنه ساحة التنزيل، وشمول الملا لبني إسرائيل مما لا يمكن هنا مع الإضافة إليه، وجعلهم من أهل النار، ولو جعل قوله إلى فرعون متعلقاً بسلطان مبين لفظا أو معنى على تقدير، وسلطان مرسل به إلى فرعون لم يبعد مع المناسبة بيته وبين السلطان فتأمّل. قوله:(وهو المعجزات الظاهرة) أمّا على التفسير الأوّل فهو ظاهر، وأمّا على الثاني فالعطف لأنها صفات متغايرة، وقيل إنه تجريد نحو مررت بالرجل الكريم، والنسمة المباركة كأنه جرد من الآيات الحجة، وجعلها غيرها، وعطفها عليها أو هي هي، وكلام المصنف رحمه الله تعالى على الأوّل لقوله ويجوز أن يراد بهما واحد الخ، وقوله وافرادها أي العصا لأنها مؤنث سمافي، وأبهرها بمعنى أعجبها، وقوله ويجوز الخ. جار على الوجهين، وقوله وسلطانا له أي دليلا، وأبان اللازم بمعنى تبين، والمتعدي بمعنى بين وأظهر وقوله: والفرق بينهما أي بين الآيات والسلطان وفي نسخة بينها أي بين الآيات والسلطان، والمبين كما يدلّ عليه ما بعده، وعلى الأوّل ذكره للتتميم استطراداً ويخص بالبناء للفاعل لا مجهول كما قيل. قوله:(فاتبعوا أمره بالكفر الخ) بالكفر متعلق بالأمر بمعناه المشهور، وقوله أو فما اتبعوا الخ يؤخذ من السياق لأنه بعد ما ذكر ارسال موسى إليهم، ولم يتعرّض له بل خص اتباع فرعون علم أنهم لم يتبعوه، ولا ينبغي تخصيص هذا بالوجه الثاني،
وهو ما إذا كان الأمر واحد الأمور، وهو الشأن والطريقة، والمسكة بالضم ما يتمسك به ويقال ماله مسكة من كذا أي قليل، وهو المراد هنا، وما ذكره بيان للواقع لا من حاق النظم. قوله:(مرشد أو ذي رشد) يعني وصف الأمر بمعنييه بكونه رشيدا لأنه فعيل بمعنى مفعل أو للنسب، والمراد ذو رشد للملابسة بينه وبينه أو بيان لأنه مجاز لأنّ الرشيد صاحبه لا هو، وليس هذا الغاء لمعنى الأمر فإنه لا قرينة معينة له وسيأتي له تفسير آخر. قوله:(يقال قدم بمعنى ؤقدّم) يعني كنصر ينصر يقال قدمه يقدمه إذا تقدمه، وقوله ونزل لهم النار منزل الماء الخ. يعني أنّ النار استعارة مكنية تهكمية للضد وهو الماء، واثبات الورود لها تخييل، ومورد في كلام المصنف رحمه الله تعالى مصدر ميمي بمعنى الورود لكن قوله فسمي اتيانها موردا يقتضي أن الايراد مستعاراً استعارة تبعية لسوقهم إلى النار فيكون التخييل مستعملا في معنى مجازي على حد قوله ينقضون عهد الله، والمذكور في الكشاف أنه شبه فرعون بالفارط، وهو الذي يتقدم القوم للماء ففيه استعارة مكنية، وجعل أتباعه واردة، واثبات الورود لهم تخييل، ويجوز جعل المجموع تمثيلا. قوله:(أي بئس المورد الذي وردوه الخ) الورد يكون مصدراً بمعنى الورود، ويكون صفة بمعنى المورود أي النصيب من الماء كالذبح، ويطلق على الوارد، وعلى هذا لا بد من مضاف محذوف تقديره بئس مكان الورد المورود للزوم تصادق فاعل بئسى، ومخصوصها فالمورود هو المخصوص بالذمّ، وقيل المورود صفة الورد والمخصوص بالذمّ محذوف تقديره بئس الورد المورود النار، وقيل التقدير بئس انلحوم المورود بهم هم، والورود اسم جمع بمعنى الواردين، والمورود صفة لهم، والمخصوص
بالذمّ الضمير المحذوف فهو ذم للواردين لا لمحلهم، وهذا بناء على جواز تذكيره كما مرّ فلا يرد عليه شيء وظاهر قول المصنف رحمه الله تعالى بئس المورد الذي وردوه أن جعلى الورد نصيب الماء، والذي نعت للمورد، وأن اختلف فيه النحاة فالمخصوص بالذتم محذوف، وهو النار ويجوز أن يكون هو المورود، وان كان ظاهره أنه نعته، والا لقال مورود أو المورود الذي وردوه، وكلامه يحتمل الوجوه السابقة، وقوله والنار بالضد إشارة إلى أنه استعارة تهكمية. قوله:(والآية كالدليل على قوله وما أمر فرعون) المراد بالاية قوله يقدم قومه الخ، وجعله دليلاً على التفسير السابق لرشيد أي ليس برشيد لأنه أهلك نفسه، ومن اتبعه فالجملة مستأنفة جوابا بالسؤال تقديره لم لم يكن رشيدا، ويجوز أن يكون المعنى ما أمره بصالح محمود العاقبة فالرشد على الأوّل حقيقة لأنه
مقابل الغيئ، ولذا قال إنما هو عيّ محض، وضلال صريح، وعلى هذا مجاز عن العاقبة الحميدة لأنّ الرشد يستعمل لكل ما يحمد، ويرتضي كما في الكشاف فالمعنى أنّ أمر فرعون مذموم سيىء الخاتمة فجاء قوله يقدم قومه الخ. مفسراً له، وقوله ما يكون أي الأمر الذي يكون كذلك، وما موصولة، ويجوز كونها مصدرية، وقوله على أن المراد الرشد، وفي نسخة بالرشد، وكلاهما بمعنى. قوله:) أي يلعنون في الدنيا والآخرة (إشارة إلى أن يوم القيامة معطوف على محل في هذه لا ابتداء كلام أي، ويوم القيامة بئس رفدهم فاللعنة واحدة كما قيل لأن معمول بئس لا يتقدمها. قوله: (بض العون المعان الخ (الرفد يكون بمعنى العون، وبمعنى العطية، وإليهما أشار المصنف رحمه الله تعالى، وأصله ما يضاف إلى غيره أي يستند إليه ليعمده أي يقيمه من قولهم عمده، وأعمده إذا أقامه بعماد، وهو والعمود بمعنى، وسميت اللعنة عونا إما لأن الثانية منضمة إلى الأولى كالعون لها فهي استعارة أو على طريق التهكم لأنها خذلان عظيم، وكذا جعلها عطاء وجعل العون معانا والرفد مرفوداً على الإسناد المجازفي كجذ جده، وقيل إنّ لعنة الدنيا مدد للعنة الآخرة حقيقة، وفيه نظر. قوله تعالى:{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى} الاية يجوز أن يكون نقصه خبراً ومن أنباء حال، والعكس أو خبر بعد خبر، وضمير ظلمناهم لأهل القرى لأن معه مضافا مقدراً أي أهل القرى وقيل القرى على ظاهرها، وإسناد الأنباء إليها مجاز، وضمير منها لها، وضمير ظلمناهم للأهل المفهوم منها، وعلى الأوّل الضمائر منها ما يعود للمضاف، ومنها ما يعود للمضاف إليه، وقيل القرى مجاز عن أهلها، وضمير منها لها باعتبار الحقيقة وظلمناهم باعتبار المجاز فهو استخدام ورجح هذا على جعلها حقيقة وضمير ظلمناهم لأهلها استخداما لأن القرى لم يسبق ذكر هلاكها في غير قوم لوط على الصلاة والسلام مع أن الغرض ذكر هلاكهم لاهلاكها، وقوله مقصوص إشارة إلى أنه خبر، وأنه غير منظور فيه إلى الحال أو الاستقبال إذ لا فائدة فيه، ويحتمل من أنباء أن يكون حالاً من مفعول نقصه كما مز. قوله: (كالزرع القائم (إشارة إلى أنه استعارة بقرينة مقابلته بحصيد والمراد باق، وقوله عافى الأثر من عفا أثره إذا اندرس وفنى، وأعاد منها إشارة إلى أنه مبتدأ خبره محذوف مقدر قبله لكونه نكرة لا معطوف على الأوّل لفساد المعنى، وليس منها مبتدأ وقائم وحصيد خبر لأنّ المعنى على الاخبار عن بعض منها بأنه كذا، وبعض كذا لا الاخبار عن القائم والحصيد بأنه بعض منها لعدم الفائدة ونظيره تقدم في قوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ} [سورة البقرة، الآية: 80، في البقرة وقد تقدم رذه هناك فتذكره. قوله: (والجملة مستأنفة الا
محل لها وهو استئناف نحويّ للتحريض على النظر فيها، والاعتبار بها أو بياني كأنه سأل لما ذكرت ما حالها، وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى: إنها حال من مفعول نقصه وردّه المصنف رحمه الله تعالى بخلوها من الواو، والضمير، ووجه بأنّ المقصود من الضمير الربط، وهو حاصل لارتباطه بمتعلق ذي الحال، وهو القرى فالمعنى نقص عليك بعض أنباء القرى وهي على هذه الحال تشاهدون فعل الله بها قال أبو حيان رحمه الله تعالى: والحل أبلغ في التخويف، وضرب المثل للحاضرين، وقال الطيبيّ رحمه الله تعالى: يجوز أن يكون حالاً من القرى قال في الكشف جعل الجملة حالاً من ضمير نقصه فاسد لفظاً، ومعنى ومن القرى كذلك قيل وقد نبه على اندفاع الفساد اللفظي وأمّا الفساد المعنوي فلم يبينه حتى يتكلم عليه، وقد علمت أنه أبلغ في التخويف (أقول) أراد بالفساد اللفظي
في الأوّل ما مرّ، وفي الثاني مجيء الحال من المضاف إليه في غير الصور المعهودة، وأراد بالفساد المعنوي أنه يقتضي أنه ليس من المقصوص بل هو حال حالة عليها، وليس بمراد ولا يسوغ جعل ما بعده ابتداء المقصوص، وفيه فساد لفظيّ أيضا، وأمّا الاكتفاء في الربط بما ذكر فمع خفائه فهو مذهب تفرّد به الأخفش ولم يذكره في الحال، وإنما ذكره في خبر المبتدأ كما مرّ تحقيقه في البقرة في قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [سررة البقرة، الآية: 228] وما ذكره عن أبي حيان رحمه الله تعالى لا يجدي مع ما قررناه نفعا، ومن لم يتفطن لهذا قال أراد بالفساد اللفظي في الأوّل ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وفي الثاني ضعف وقوع الجملة الاسمية حالأ بالضمير وحده وأراد بالمعنوي تخصيص كونها مقصودة بتلك الحالة فإنّ المقصوصية ثابتة لها، وللنبا وقت عدم قيام بعضها أيضا ويوجه كلام أبي البقاء بأن يقال مراده أنّ الجارّ والمجرور حال، والمرفوع فاعل لاعتماده، وقوله بأن عزضوها له أي للهلاك.
قوله:) فما نفعتهم، ولا قدرت أن تدفع عنهم (يشير إلى أن ما نافية لا استفهامية وأنّ تعلق عن به لما فيه من معنى الدفع فمن في من شيء زائدة، ومجرورها مفعول مطلق أو مفعول به للدفع، وفسر أمر الله بعذابه كما مز، والنقمة بالكسر، والفتح المكافأة بالعقوبة، وقوله هلاك أو تخسير كان الظاهر إهلاك، وتخسير أو هلاك، وخسارة، والأوّلى أولى لا! تب بمعنى هلك، وتبب غيره بمعنى أهلكه، وكأنه أشار بهما إلى جواز جعله مصدر المبنيّ للفاعل أو المفعول. قوله: (ومثل ذلك الأخذ الخ (كلامه محتمل لأن يكون المشار إليه الأخذ المذكور بعده كما مرّ تحقيقه في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سررة البقرة، الآية: 143، في
البقرة وأن يكون لأخذ القرى السابقة وكذلك خبر سواء كانت الكاف اسمية أو حرفية وكلامه صريح في الثاني وعلى قراءة الفعل فهي سادة مسد المصدر النوعي، ولا مانع من تقدّمه على فعله، وقوله أي أهلها شامل للمجاز في القرى، والإسناد وتقدير المضاف كما مز وقوله لأن المعنى على المضيّ بالنسبة إلى القرى المأخوذة والاستقبال بالنظر للموعود بأخذه. قوله:(حال من القرى) والظلم صفة أهلها فوصفت به مجازاً ولذا أنث الضمير، وظالمة وأفا جعله حالاً من المضاف المقدّر، وتأنيثه مكتسب من المضاف إليه فتكلف وقوله، وفائدتها أي فائدة هذه الإشارة إلى سبب أخذهم لإفادة المشتق عليه الاشتقاق، والإنذار لجعل الظلم مستوجبا للهلاك فينبغي أن يحذره من له عقل، ومن وخامة العاقبة متعلق بالإنذار، وقوله ظلم نفسه أو غيره لإطلاق الظلم، ووجيع تفسير لأليم، وغير مرجوّ الخلاص لشديد، وقوله لعبرة لأن الاية العلامة الدالة، ويلزمها هنا العبرة. قوله:(يعتبر به عظة الخ (يعني أنّ من يقز بالآخرة، وما فيها إذا رأى ما وقع في الدنيا من العذاب الأليم اعتبر به لأنه عصا من عصبة، وقليل من كثير، وقوله أو ينزجر معطوف على يعتبر أن ينكف، ويترك ما يوجبه كالكفر، والظلم، وقوله لعلمه الخ لأن الكلام في العالم بالآخرة، ويلزمه العلم بربها، وقوله فإنّ الخ. بيان لوجه ذكر قوله لمن خاف عذاب الآخرة لأنّ نحو الدهريّ لا يعتبر، ولا ينزجر لظنه الفاسد بأنها لأسباب فلكية، واقترانات نجومية لا لما اتصفوا به، وأقام من خاف عذاب الآخرة مقام من صذق بها للزومه له، ولأن الاعتبار إنما ينشأ من الخوف، وترتب تلك الحوادث على مجيء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ودعائهم، ونحو مشاهد صدق على بطلان ما ذكر مع أنه مفروغ عنه. قوله: (1 شارة إلى يوم القيامة وعذاب الآخرة (أي إلى المجموع لأنه المراد من اليوم لا إلى كل واحد لأن عذاب الآخرة مذكور فلا يناسبه قوله دذ الخ. وقوله يجمع إشارة إلى أن لفظ مجموع أريد به المستقبل لعلمه. قوله:) والتغيير للدلالة الخ (أي العدول عن يجمع إلى
مجموع، ومخالفة الظاهر للدلالة على بيان معنى الجمع له إمّا باعتبار أنّ أصل الاسم الدلالة على الثبوت، ودلالة اسم الفاعل، والمفعول على الحدوث عارضة بخلاف الفعل أو لأنه يتبادر منه الحال حتى قيل إنه حقيقة فيه، والحال يقتضي الوقوع فأريد به الثبوت والتحقق، والتعبير بأنهم مجموعون له كما تقيده اللام يقتضي عدم الانفكاك عنه لإثبات المجموعية له على وجه الثبات فهو أبلغ من التعبير بالفعل، والجمع لما فيه من الجزاء فجعل الجمع له يقتضي عدم انفكاكه عنه، ويؤيد النكتة المذكورة. قوله: (مشهود فيه أهل السماوات والأرضين فاثسع فيه الخ (أي أصله
مشهود فيه فحذف الجار، وجعل الضمير مفعولاً توسعا فأقيم مقام الفاعل واستتر، وليس المراد أنّ اليوم نفسه مشهود لأنّ سائر الأيام كذلك بل مشهود فيه جميع الخلائق، والاعتراض على الفرق بين المشهود والمشهود فيه بأن سائر الأيام مشهود فيها كما أنها مشهودة فاسد لأنه لا يقال يوم مشهود فيه إلا ليوم شهد فيه الخلائق من كل فج لأمر له شأن، وخطب يهمهم كيوم عرفة، ويومي العيد، والجمعة، ولا يلزم أن يكون كل يوم كذلك، وبه يندفع أيضا ما قيل الشهود الحضور، واجتماع الناس حضورهم فمشهود بعد مجموع مكرر، واليه يشير قول المصنف رحمه الله تعالى أهل السماوات والأرضين، وقوله في معنى البيت كثير شاهدوه. قوله: (كقوله الخ (هذا من شعر لام قيس الضبية، وذكر الضمير باعتباو الشخص ومن يقول الشعر، ومثله كثير والشعر هو هذا:
من للخصوم إذا جد الضجاج بهم بعد ابن سعد ومن للضمر القود
ومشهد قدكفيت الغائبين به في محفل من نواصي الناس مشهود
فرجته بلسان غيرملتبس عند الحفاظ وقلب غيرمردود
إذا تناة امرئ أرّري بها خور هز ابن سعد قناة صلبة العود
ومشهد مجرور معطوف على الخصوم أي، ومن لمشهد وناد كنت تكفي في مهماته عمن غاب، ونواصي الناس ورواه في الحماسة نواصي الخيل فسرت برؤوس الفرسان كما يعبر عنهم بالذؤابة، والرأس لعلوّهم، وقوله ولو جعل اليوم مشهوداً مز تفسيره، وقوله أي اليوم لم يفسره بالجزاء كما سيأتي لأن ما بعده من نفي المتكلم هناك قرينة عليه، وليس هنا قرينة، وفيه نظر لأنّ تلك قرينة قريبة أيضا، ولذا فسر به هنا أيضاً، وهو المناسب. قوله: 11 لا الانتهاء مدّة معدودة متناهية (يعني العد هنا كناية عن التناهي كما يجعل كناية عن القلة، والأجل يطلق على
المدة المعينة لشيء كلها، وعلى نهايتها ومنع المصنف رحمه الله تعالى من إرادة الثاني هنا لأنه لا يوصف بالعد، وأفا أنه تجوّز إن قلنا با! الكناية لا يشترط فيها إمكان المعنى الأصلي فعدول عن الظاهر من غير داع إليه وتقدير المضاف أسهل منه، وإرادة بالجرّ على العطف على حذف، وفي نسخة وأراد بصيغة الفعل، ولام لأجل للتوقيت. قوله:(أي الجزاء أو اليوم الخ (يعني الضمير للجزاء لدلالة الكلام أو لليوم لنسبة الإتيان إلى الزمان في القرآن، وليس المراد باليوم المذكور هنا لأنّ الجملة المضاف إليها الظرف لا يعود منها ضمير إليه كما قرّره النحاة بل السابق، وفي ناصب هذا الظرف وجوه أظهرها أنه تكلم، والمعنى لا تكلم نفس يوم يأتي ذلك اليوم، وقوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن يَأْتِيَهُمُ} [سررة البقرة، الآية: 210] بيان له بورود نظيره وان كان مؤولاً بإتيان حكم ونحوه ويشهد له أيضاً قراءة يؤخره، بالياء. قوله: (على أن يوم بمعنى حين) أي هنا لئلا يلزم عند تغاير اليومين أن يكون للزمان زمان لأن إتيان الزمان وجوده وأن يتعين الشيء بنفسه لأنّ تعين المضاف بالمضاف إليه وتعين الفعل بفاعله، وهو اليوم فإذا فسر بالحين سواء كان مطلق الوقت الشامل له، ولغيره أو جزأه الأوّل أو غيره، والكل يجعل ظرفا للجزء حقيقة عرفية كالساعة في اليوم فلا يرد ما ذكر، ولا محذور في تخصيص نفي التكلم بجزئه لاختلاف الأحوال في الموقف أو لأن جزء ذلك اليوم هو زمان الموقف كله. قوله:(وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة يأت بحذف الياء الخ (كان الأصل إثباتها لأنها لام الكلمة، ولا جازم والمعهود حذفها في الفواصل، والقوافي لأنها محل الوقف لكنه سمع من العرب لا أدر ولا أبال، وهي لغة لهذيل، وقوله اجتزاء أي اكتفاء بالكسرة الدالة عليها من قوله يجزيه كذا أي يكفيه، والقول بأنه اتباع لرسم المصحف لا ينبغي لأنه يوهم أنّ القراءة تكون بدون نقل متواتر، لكنها رسمت في المصاحف العثمانية بالوجهين على القراءتين، واللغتين وللقراء هنا ثلاثة وجوه حذفها مطلقاً، وإثباتها مطلقا، وحذفها في الوقف دون الوصل، وقراءة ابن عامر وحمزة بالحذف مطلقاً. قوله:) وهو الناصب للظرف (يعني يوم، وهذا أظهر الوجوه، ولذا قدمه، والانتهاء المحذوف هو الذي قدره في قوله لأجل، وقول الزمخشري ينتهي لأجل تصوير للمعنى لا تقدير فعل لا حاجة إليه، وعلى تقدير اذكر يكون مفعولاً به لتصرّفه، وجملة تكلم حال
من ضمير اليوم، وأما جعله نعتا له فيقتضي أن إضافته لا تفيد تعريفا، وهو ممنوع. قوله: (1 لا بإذن الله كقوله الخ (استشط بها لأنّ القرآن يفسر نجعضه بعضاً، وقوله وهذا في موقف الغ.
دفع لما يتوهم من تعارض الآيات كقوله: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ} [سورة المرسلات، الآية: 35] وكذا قوله: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا} [سورة النحل، الآية: 111، وقوله والممنوع عنه الخ قيل عليه كيف يتاً تى هذا مع قوله تعالى حكاية عنهم يوم القيامة {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 123 فلا بد من اعتبار تعذد الوقت ورذ بأن هذا ليس من قبيل الإعذار إنما هو إسناد الذنب إلى كبرائهم، وأنهم أضلوهم، وليس بشيء لأن المراد به ما يقابل الكلام الحق، وليس هذا منه، وقد مرّ الاختلاف في جواز الكذب يوم القيامة وقد أجيب أيضاً بأنّ مراده دفع التعارض بين الآيتين اللتين تلاهما المصنف لا مطلق ما يعارض ذلك ودفع التعارض أيضاً بأنّ النفس عامّة لكونها نكهرة في سياق النفي، وهذه في شاًن المؤمن، وقوله لا ينطقون في شأن الكافر. قوله تعالى:) {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} الآية (اعلم أن في الآية صيغة الجمع مع التفريق، والتقسيم أفا الجمع ففي قوله يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فإن النفس عامّة لكونها نكرة في سياق النفي كما يقرّر، والتفريق في قوله تعالى:{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} ، وأفا التقسيم ففي قوله فأقا الذين شقوا الخ كما في قول الشريف القيرواني:
لمختلفي الحاجات جمع ببابه فهذا له فن وهذا له فن
فللخامل العليا وللمعدم الغنى وللمذنب العتبي وللخائب الأمن
قوله: (الزفير إخراج النفس الخ (ليس المراد أنه إخراج النفس مطلقا بل إخراجه مع صوت ممدود، وأصله من الزفر وهو الحمل الثقيل، ولما كان صاحبه يعلو نفسه غالبا أطلق عليه، وقوله واستعمالهما الخ ظاهره أنه لا يستعمل إلا في هذين مع أنّ المعنيين مذكوران في كتب اللغة فلعل هذا غلب في الاستعمال ثم إنّ أوّل النهيق يحصل بإخراج النفس، وآخره بإدخاله، وكني به عن الغمّ، والكرب لأنه يعلو معه النفس غالبا. قوله:) وتشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه الخ) يجوز فيه الرفع عطفا على الدلالة والجز عطفاً على شدة، والفرق بين الوجهين أنه على الأوّل استعارة تمثيلية، وعلى الثاني استعارة تصريحية وقوله، وقرئ شقوا بالضم الجمهور على فتح الشين لأنه من شقي، وهو فعل قاصر، وقرأ الحسن رحمه الله تعالى بضمهما فاستعمله متعديا لأنه يقال شقاه الله كما يقال أشقاه الله، وقرأ الإخوان
أيضا سعدوا بضم السين والباقودت بفتحها فالأولى من قولهم سعده الله أي أسعده، وحكى الفرّاء عن هذيل أنهم يقولون سعده الله بمعنى أسعده، وقال الجوهريّ: سعد الرجل بالكسر فهو سعيد كسلم فهو سليم، وسعد بالضم فهو مسعود قال القشيريّ: ورد سعده الله فهو مسعود، وأسعده فهو مسعد، وقيل يقال سعده فأسعده فهو مسعود واستغنوا باسم مفعول الثلاثيّ، وقال الكسائيئ أنهما لغتان بمعنى، وكذا قال أبو عمرو رحمه الله تعالى وقيل من قرأ سعدوا حمله على مسعود وهو شاذ قليل، وقيل أصله مسعود فيه، وقيل مسعود مأخوذ من أسعده بحذف الزوائد ولا يقال سعده وسيأتي هذا، وإنما ذكرناه هنا لاتحاد الكلام فيهما فلذا آثرت تلقي الركبان فيه. قوله: اليس لارياط دوامهم الخ) يعني أنّ الخلود لا يتناهى، ودوام السماوات متناه، وكلاهما بالنص الثابت قلو علق الأوّل بالثاني لزم بطلان أحد الأمرين فدفع بأمور منها أنه تمثيل للدوام كما بقال مارساً ثبير فيشبه طول مكثه بالدوام في مطلق الامتداد، وقيل إنه كناية، وقوله على سبيل التمثيل أراد ضرب المثل، والمثل قد يكون حقيقة، وقد يكون مجازاً فإن ما ذكره، وأشباهه كناية عى الدوام، وبه صرّج النحرير في المختصر، وفيه نظر لأنه لا سموات، ولا أرضين في ذلك اليوم فضلاً عن دوامهما فكيف يكون كناية على القول المشهور فالظاهر أن كلام المصنف رحمه الله تعالى على ظاهره. قوله:) ولو كان للارتباط الخ الا يخفى أنه لا مجال للارتباط لأنّ طيّ السماء كطيّ السجل قبل دخولهم النار إلا أن يراد ما يشمل عذاب القبر لكن هذا أمر فرضيّ لا يضره ما ذكر، وحاصله أنّ المربوط مدة دوام العذاب بدوامهما فلا يلزم من العدم العدم إلا بطريق المفهوم، وهذا لا يعارض النص الدالّ على خلودهم، وأيضا لا يلزم من عدم الملزوم عدم اللازم لجواز كونه لازماً أعنم فكيف ما هو كاللازم. توله:(وقيل المراد سموات الخ) يعني المراد بالأرض
المقل، وبالسماء المظل، ولا بد في الجنة منهما فالمراد بالسعماء والأرض سماء الآخرة، وأرضها لا هذه المعهودة عندنا، وقوله ويدل! عليهما أي على السماوات، والأرض الأخروية، وفي نسخة عليه أي تحقق السماوات والأرض! الأخروية أو هو راجع للمراد أو لما ذكر، والدليل الأوّل نقليّ، والثاني عقليّ، والمظل أي ما يعلو عليهم كالظلة، وهو العرس. قوله:(وفيه نظر لأنه تشبيه بما لا يعرف الخ) قيل إنه يعني أنّ في الكلام تشبيهاً ضمنيا لدوامهم بدوامهما، وإن كان بحسب
الإعراب ظرفا لخالدين، ولا بد أن يكون المشبه به أعرف ليفيد التشبيه، ويحصل الغرض منه، وهذا ليس كذلك، وقوله فإنما يعرفه الخ أي بالوحي، وكلام الرسل عليهم الصلاة والسلام لا بخصوص الدليل الدال على دوام الثواب والعقاب، وما قيل في الجواب عنه بأنه إذا أريد ما يظلهم، وما يقلهم سقط هذا لأنه معلوم لكل عاقل، وأما الدوام فليس مستفادا من دليل دوام الثواب، والعقاب بل مما يدل على دوام الجنة، والنار سواء عرف أنهما دار الثواب، والعقاب وأنّ أهلهما السعداء والأشقياء أولاً على أنه ليس من تشبيه ما يعرف بما لا يعرف بل الأمر بالعكس قيل عليه أنّ قوله لأنه معلوم لكل عاقل غير صحيح فإنه لا يعترف به إلا المؤمنون بالآخرة، وقوله الدوام مستفاد مما يدل على دوام الجنة، والنار لا يدفع ما ذكره كمصن! رحمه الله تعالى من أنّ المشبه به ليس أعرف من المشبه لا عند المتدين لأنه يعرفهما من قبل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وليس فيه ما يوجب أجمرفية دوام سموات الآخرة، وأرضها وليس مراده أنّ دوامهما مستفاد من خصوص الدليل الدال على دوام الثواب والعقاب بعينه فإنه لا يهم ليمنع، ولا عند غير المتدين فإنه لا يعرف ذلك، ولا يعترف به وقوله إنه ليس من تشبيه ما يعرف الخ يدفع بأنّ مراده التشبيه الضمني لا ما ذكره من تشبيه تلك الدار بهذه الدار، وقيل عليه مراده أنّ كل عاقل من المعترفين بالآخرة يعرف وجود هذا القدر لا منهم ولا من غيرهم وأنّ فساد ما ذكره من تعريف الشيء بما لا يعرف لا مما ذكره المجيب، ولزوم الأعرفية في التشبيه الصريح دون الضمني ولو سلم فهو فساد آخر غير ما ذكره المجيب (أقول) كل هذا تعسف، وخروج عن السنن والحق ما ذكره المجيب إذا نظرت بعين الإنصاف لأنّ هذا التشبيه لا بد من أن يؤخذ من المعترف بالخلود في الآخرة، ويلزمه الاعتراف بها، والمعترف بدوامه فيها لا بد من أن يعترف أنّ له مقلاً، ومظلاً ودوامه يستلزم دوام جنس ذلك، ولا شك أنّ ثبوت الحيز أعرف من ثبوت ما تحيز فيه بديهة فليس المشبه فيه سواء كان ضمنيا أو صريحا أعرف من المشبه به قطعا أمّا الأوّل فلأنه شبه قراره في تلك الدار بقرار حيزه هو من حيث هو حيز دوامه، وقراره أقرب إلى الذهن من دوام ما فيه، وأئا الصريح فظاهر لأنه شبه مظل الآخرة، ومقلها بسماء الدنيا، وأرضحها فأطلق عليهما اسمهما فلا وجه للاعتراض، ولا للجواب مع التأمل الصادق، ثم إنّ كون المشبه به أعرف في كل تشبيه غير مسلم عند الناظر في المعاني بقي هنا وجه آخر لو حمل عليه هذا لكان أحسن، وأظهر كما في تفسير ابن كثير، وهو أن يراد الجنس الشامل لما في الدنيا، والآخرة وهو بمعنى مقل ومظل في كل دار الدنيا، ودار الآخرة، ثم إنّ قول ابن جرير أن هذا جار على ما تعارفه العرب إذا أرادوا التأبيد أن ي! قولوا ما اختلف الليل والنهار ومثله كثير يعرفه الخاص، والعامّ بدفع ما أوردوه، واحتاجوا للجواب عنه، وفيه وجوه أخر في الدرر والغرر للرضي. قوله: (استثناء من الخلود في النار الخ (ذكر في هذا
الاستثناء أربعة عشر وجها ومم هو، وهل ما على ظاهرها أو بمعنى من أحدها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من أنه استثناء متصل من قوله خالدين، وما بمعنى من لكونها للوصف كقوله:{فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى} [سورة النساء، الاية: 3] الخ وأن عصاة المسلمين داخلون في المستثنى منه والاستثناء لإخراجهم، وزوال الحكم، وهو الخلود يكفي فيه زواله عن البعض، وأنهم المرادون بالاستثناء الثاني أنّ مدّة مكثهم في النار نقصت من مدة خلودهم في الجنة فلا وجه لمن تمسك بها لخروج الكفار من النار، ولا وجه لذكره هنا. قوله:(ظ نّ التأبيد من مبدأ معين الخ) دفع لأنّ الاستثناء باعتبار الآخر لا الأوّل بأنه يصح أن يكون من أوّله، ومن آخره فإنك إذا قلت إذا مكثت يوم الخميس في البستان
إلا ثلاث ساعات جاز أن يكون ذللى الزمان الواقع فيه عدم المكث من أوّله ومن آخره، وأورد عليه أنّ الخلود إنما هو بعد الدخول فكيف ينتقض بما سبق على الدخول كيف، وقد تقدم قوله في الجنة فلذا استصوب حمل الأؤل على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والثاني على ما لأهل الجنة من غير نعيمها مما هو أكبر منه، ولذا عقب بقوله عطاء غير مجذوذ، وهو كالقرينة على أنه أريد به خلاف ظاهره فلا يختل النظم باختلاف الاستثناءين، والمبدأ المعين هنا دخول أهل النار في النار، ودخول أهل الجنة في الجنة وهو معلوم من السياق، والمقام فلا يرد على المصنف رحمه الله تعالى أنه ليس هنا مبدأ معين أو هو من قوله يوم يأتي. قوله:) وهؤلاء وإن شقوا الخ (إشارة إلى أنهم داخلون في الفريقين باعتبار الصفتين فصح إرادتهما بالاستثناءين فلا يقال الثاني في السعداء، وهم ليسوا منهم، ولا يخفى ما فيه من مخالفة الظاهر. قوله:) ولا يقال فعلى هذا لم يكن الخ) جواب عما ورد من أنّ العصاة دخلوا في القسمين، والاستثناء فيهما راجع إليهم باعتبار الابتداء، والانتهاء على ما ذكرت فكيف يصح هذا التقسيم مع عدم التمانع فدفعه بأنّ التقسيم لمنع الخلوّ فقط، وأن أهل الموقف لا يخلون من القسمين، وليس لمنع الجمع، والانفصال الحقيقي حتى يرد ما ذكر، وتقابل الحكمين لا يدل على تقابل القسمين نعم هو الظاهر منه. قوله:(أو لأنّ أهل النار) معطوف على قوله لأنّ بعضهم، وهذا ما اختاره
الزمخشري من أن الاستثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم الجنة بناء على مذهبه من تخليد العصاة، وهو في أهل النار ظاهر لأنهم ينقلون من حرّ النار إلى برد الزمهرير وردّ بأنّ النار عبارة عن دار العقاب كما غلبت الجنة على دإر الثواب، وقال بعض المفسرين: ليس في هذا نقل عن أحد من المفسرين، ومثله لا يقال من قبل الرأي، وأجيب عنه بأنا لا ننكر استعمال النار فيها تغليبا أمّا دعوى الغلبة حتى يهجر الأصل فلا ألا ترى إلى قوله تعالى:{نَارًا تَلَظَّى} [سورة الليل، الآية: 114 نارا {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة البفرة، الآية: 24، وكم وكم وأفا رضوان الله تعالى عن أهل الجنة، وهم فيها فيأبى الاستثناء كيف، وقوله خالدين فيها لا يدل بظاهره على أنهم ينعمون فيها فضلا عن انفرادهم بتنعمهم بها إلا أن تخص الجنة بجنة الثواب وهو تخصيص من غير دليل، وأورد عليه أن عدم هجر الأصل علم من الوصف بالتلظي، والوقود في الآيتين والتقابل في النار هنا يعضد أنه هجر فلا يرد ما ذكر نقضاً. قوله:(أو من أصل الحكم الخ) عطف على قول في الخلود في أوّل كلامه المراد بأصل الحكم قوله في النار، والأصلية مقابلة للفرعية التي للمستثنى منه في الأوّل، وهو الحال أعني خالدين أوّ لأنّ الخلود فرع الدخول، والاستثناء في هذا الوجه مفرّغ من أعمّ الأوقات المحذوف، وما على أصلها لما لا يعقل، وهو الزمان، والمعنى فأمّا الذين شقوا ففي النار في كل زمان بعد إتيان ذلك اليوم إلا زمانا شاء الله فيه عدم كونهم فيها، وهو زمان موقف الحساب، وأورد عليه أنّ عصاة المؤمنين الداخلين النار إمّا سعداء فيلزم أن يخلدوا في الجنة فيما سوى الزمان المستثنى، وليس كذلك أو أشقياء فيلزم أن يخلدوا في النار، وهو خلاف مذهب أهلى السنة، وأيضا تأخيره عن الحال على هذا لا يتضح إذ لا تعلق للاستثناء به، وقد يدفع بأن القائل بهذا يخص الأشقياء بالكفار، وبالسعداء بالأتقياء، وبكون العصاة مسكوتا عنهم هنا فلا يرد عليه شيء إن كان من أهل السنة فإن كان من المعتزلة فقد وافق سنن طبعه، وسيأتي جواب آخر للمعترض، وأمر التقديم سهل. قوله:) أو مدّة لبثهم في الدنيا والبرزخ الخ (معطوف على قوله زمان توقفهم أي المستثنى المفرّغ من أعمّ الأوقات هذه المدة إن لم يقيد الحكم بقوله يوم يأتي، وهو يوم الجزاء فإنه متعلق بتكلم، والحكم المذكور متفرّع عليه فيتقيد به معنى، وعلى هذا يقطع النظر عنه فالمعنى هم في النار جميع أزمان وجودهم إلا زمانا شاء الله لبثهم في الدنيا، والبرزخ، والمراد مع زمان الموقف لأنهم ليسوا في زمانه في النار إلا أن يراد بالنار العذاب فظاهر مطلقا لكنهم معذبون في البرزخ أيضا إلا أن يقال لا يعتد به لأنه عذاب غير تاتم لعدم تمام حياتهم فيه وما على هذا أيضا عبارة عن الزمان فهي لغير العقلاء، وأورد عليه ما أورد على ما قبله، وأجيب بأنه إنما يرد لو كان المستثنى في الاستثناء الثاني هو ذلك الزمان المستثنى في الاستثناء الأوّل، وهو غير مسلم فليكن
المستثنى منه زمان لبثهم في النار مع ذلك
الاستثناء أربعة عشر وجها ومم هو، وهل ما على ظاهرها أو بمعنى من أحدها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من أنه استثناء متصل من قوله خالدين، وما بمعنى من لكونها للوصف كقوله:{فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى} [سورة النساء، الآية: 3] الخ وأن عصاة المسلمين داخلون في المستثنى منه والاستثناء لإخراجهم، وزوال الحكم، وهو الخلود يكفي فيه زواله عن البعض، وأنهم المرادون بالاستثناء الثاني أنّ مدة مكثهم في النار نقصت من مدة خلودهم في الجنة فلا وجه لمن تمسك بها لخروج الكفار من النار، ولا وجه لذكره هنا. قوله:(فإنّ التأبيد من مبدأ معين الخ) دفع لأنّ الاستثناء باعتبار الآخر لا الأوّل بأنه يصح أن يكون من أوّله، ومن آخره فإنك إذا قلت إذا مكثت يوم الخميس في البستان إلا ثلاث ساعات جاز أن يكون ذللى الزمان الواقع فيه عدم المكث من أوّله ومن آخره، وأورد عليه أنّ الخلود إنما هو بعد الدخول فكيف ينتقض بما سبق على الدخول كيف، وقد تقدم قوله في الجنة فلذا استصوب حمل الأوّل على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والثاني على ما لأهل الجنة من غير نعيمها مما هو أكبر منه، ولذا عقب بقوله عطاء غير مجذوذ، وهو كالقرينة على أنه أريد به خلاف ظاهره فلا يختل النظم باختلاف الاستثناءين، والمبدأ المعين هنا دخول أهل النار في النار، ودخول أهل الجنة في الجنة وهو معلوم من السياق، والمقام فلا يرد على المصنف رحمه الله تعالى أنه ليس هنا مبدأ معين أو هو من قوله يوم يأتي. قوله:(وهؤلاء وإن شقوا الخ (إشارة إلى أنهم داخلون في الفريقين باعتبار الصفتين فصح إرادتهما بالاستثناءين فلا يقال الثاني في السعداء، وهم ليسوا منهم، ولا يخفى ما فيه من مخالفة الظاهر. قوله:) ولا يقال فعلى هذا لم يكن الخ) جواب عما ورد من أن العصاة دخلوا في القسمين، والاستثناء فيهما راجع إليهم باعتبار الابتداء، والانتهاء على ما ذكرت فكيف يصح هذا التقسيم مع عدم التمانع فدفعه بأن التقسيم لمنع الخلوّ فقط، وأن أهل الموقف لا يخلون من القسمين، وليس لمنع الجمع، والانفصال الحقيقي حتى يرد ما ذكر، وتقابل الحكمين لا يدل على تقابل القسمين نعم هو الظاهر منه. قوله:) أو لأنّ أهل النار (معطوف على قوله لأنّ بعضهم، وهذا ما اختاره
الزمخشريّ من أن الاستثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم الجنة بناء على مذهبه من تخليد العصاة، وهو في أهل النار ظاهر لأنهم ينقلون من حرّ النار إلى برد الزمهرير ورذ بأنّ النار عبارة عن دار العقاب كما غلبت الجنة على دار الثواب، وقال بعض المفسرين: ليس في هذا نقل عن أحد من المفسرين، ومثله لا يقال من قبل الرأي، وأجيب عنه بأنا لا ننكر استعمال النار فيها تغليبا أفا دعوى الغلبة حتى يهجر الأصل فلا ألا ترى إلى قوله تعالى:{نَارًا تَلَظَّى} [سورة الليل، الآية: 14] ناراً {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة البقرة، الآية: 24] وكم وكم وأما رضوان الله تعالى عن أهل الجنة، وهم فيها فيأبى الاستثناء كيف، وقوله خالدين فيها لا يدل بظاهره على أنهم ينعمون فيها فضلا عن انفرادهم بتنعمهم بها إلا أن تخص الجنة بجنة الثواب وهو تخصيص من غير دليل، وأورد عليه أن عدم هجر الأصل علم من الوصف بالتلظي، والوقود في الآيتين والتقابل في النار هنا يعضد أنه هجر فلا يرد ما ذكر نقضا. قوله:(أو من أصل الحكم الخ) عطف على قول في الخلود في أوّل كلامه المراد بأصل الحكم قوله في النار، والأصلية مقابلة للفرعية التي للمستثنى منه في الأوّل، وهو الحال أعني خالدين أوّ لأنّ الخلود فرع الدخول، والاستثناء في هذا الوجه مفرّغ من أعمّ الأوقات المحذوف، وما على أصلها لما لا يعقل، وهو الزمان، والمعنى فأمّا الذين شقوا ففي النار في كل زمان بعد إتيان ذلك أليوم إلا زمانا شاء الله فيه عدم كونهم فيها، وهو زمان موقف الحساب، وأورد عليه أن عصاة المؤمنين الداخلين النار إما سعداء فيلزم أن يخلدوا في الجنة فيما سوى الزمان المستثنى، وليس كذلك أو أشقياء فيلزم أن يخلدوا في النار، وهو خلاف مذهب أهل السنة، وأيضاً تأخيره عن الحال على هذا لا يتضح إذ لا تعلق للاستثناء به، وقد يدفع بأن القائل بهذا يخص الأشقياء بالكفار، وبالسعداء بالأتقياء، ويكون العصاة مسكوتاً عنهم هنا فلا يرد عليه شيء إن كان من أهل السنة فإن كان من المعتزلة فقد وافق سنن طبعه، وسيأتي جواب آخر للمعترض، وأمر التقديم سهل. قوله: (أو مدّة لبثهم في الدنيا والبرزخ الخ (معطوف على قوله زمان توقفهم أي المستثنى المفرّغ من أعمّ الأوقات هذه المذة إن لم يقيد الحكم بقوله يوم يأتي، وهو يوم الجزاء فإنه متعلق بتكلم، والحكم المذكور متفزع عليه فيتقيد به معنى، وعلى هذا يقطع النظر عنه فالمعنى هم في النار جميع أزمان وجودهم إلا زماناً شاء الله لبثهم في الدنيا، والبرزخ، والمراد مع زمان الموقف لأنهم ليسوا في زمانه في النار إلا أن يراد بالنار العذاب فظاهر مطلقاً لكنهم معذبون في البرزخ أيضاً إلا أن يقال لا يعتذ به لأنه عذاب غير تاثم لعدم تمام حياتهم فيه وما على هذا أيضا عبارة عن الزمان فهي لغير العقلاء، وأورد عليه ما أورد على ما قبله، وأجيب بأنه إنما يرد لو كان المستثنى في الاستثناء الثاني هو ذلك الزمان المستثنى في الاستثناء الأوّل، وهو غير مسلم فليكن المستثنى منه زمان لبثهم في النار مع ذلك
الزمان المستثنى في الآية الأولى فإن المستثنى ليس فيه ما يدل على زمان معين حتى لا يمكن الزيادة عليه، وفيه بحث.
قوله: (وعلى هذا يحتمل التأويل أن يكون الاستثناء من الخلود الخ) الإشارة إلى كونه مستثنى من أصل الحكم يعني إذا كان مستثنى من أصل الحكم صح استثناؤه أيضا من الخلود لأنّ من لم يكن في النار لم يكن في حال خلودها، وحاصله أنّ الاستثناء على هذا يرجع لجميع ما تبله فإنّ الاستثناء يجوز كونه من أمور متعددة كما صرّح به النحاة، ولا يرد عليه أنّ الخلود يقتضي سبق الدخول كما مز. قوله:(وقيل هو من قوله لهم فيها زفير وشهيق (وأورد على هذا في الكشف أن المقابل لا يجري فيه هذا، ولا يرد لأنّ المراد ذكر ما تحتمله الآية والاطراد ليس بلازم. قوله: (وقيل إلا هنا بمعنى سوى الخ) يعني أنه استثناء منقطع كما في المثال، وهذا القول اختاره الفرّاء، ويحتمل أن يريد أن إلا هنا بمعنى غير صفة لما قبلها والمعنى يخلدون فيها مقدار مذة السماوات، والأرض سوى ما شاء الله مما لا يتناهى قال في الكشف بعد نقله وهو ضعيف، ويلزم عليه حمل السماوات والأرض على هذين الجسمين المعروفين من غير نظر إلى معنى التأبيد، وهو فاسد ثم إنه اختار أنّ الوجه أن يكون من باب {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [سورة الأعراف، الآية: 40] و {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [سورة الدخان، الآية: 56] وهو منقول عن الزجاج رحمه الله تعالى وارتضاه الطيبي رحمه الله تعالى فيكون المراد بالأشقياء الكفار وبالسعداء أهل التوحيد، والمعنى أنهم خالدون فيها إلا وقت مشيئة الله عدم خلودهم، وقد ثبت بالنصوص القاطعة أن لا وجود لذلك فيقدر الخلود ولا يتوهم جواز التعارض بين هذه، وبين النصوص الدالة على عدم الخلود لأن المحتمل لا يعارض القطعي وقيل إلا بمعنى الواو العاطفة، وهو قول مردود عند النحاة. قوله: (وهو تصريح بأنّ الثواب لا ينقطع (أي قوله عطاء غير مجذوذ لبيان أنّ ثواب أهل الجنة، وهو إمّا نفس الدخول أو ما هو كاللازم البين له لا ينقطع فيعلم منه أن ألاستثناء ليس للدلالة على الانقطاع كما في العقاب بل للدلالة على ترادف نعم ورضوان من الله أو لبيان النقص من جانب المبدأ، ولهذا فرق في النظم بين التأبيد بما تممه إذ قال في الأوّل {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} للدلالة على أنه ينعم من يعذبه، ويبقى غيره كما يشار ويختار، وفي الثاني عطاء غير مجذوذ
بيانا لأنّ إحسانه لا ينقطع. قوله: (ولأجله فرق) أي لأجل القيد الدالّ على عدم انقطاع ثواب أهل الجنة فرق أهل السنة بين ثوابهم، وعقابهم بالتأبيد في الأوّل دون الثاني لدلالته على أنّ العقاب على ما مرّ قبل دخولهم الجنة فلا يتأبد، وقوله من سعده قد مرّ تفصيله، وقوله نصب على المصدر فيكون بمعنى الإعطاء أو على حد {أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [سورة نوح، الاية: 17] وقوله أو الحال بالجز عطف على المصدر، وما نقله ابن عطية رحمه الله تعالى من أنه على طريق الاستثناء الذي ندبه الشارع في نحو:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ} [سورة الفتح، الآية: 27] فهو في محل الشرط وليس متصلا ولا منقطعاً تكلف لا حاجة إليه.
تنبيه: وقع لبعضهم هنا أنّ النار ينقطع عذابها بالكلية بخلاف نعيم أهل الجنة وأورد فيه حديثاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: " يأتي على جهنم يوم ما فيها من ابن آدم أحد تصفق أبوابها كأنها أبواب الموحدين " وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى إنه موضوع، وأشار لنحو منه الزمخشريّ إلا أنه تكلم في عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما كلاماً لا ينبغي ذكره (وأقول) إن قوله كأنها أبواب الموحدين بيان لأنّ المراد بأبوابها ما يخص عصاة الموحدين فلا ينافي ما عليه الإجماع ولا عبرة بمن خالفه. قوله:(شك بعدما أنزل عليك ما مآل أمره الناس) الشك تفسير للمرثة كما مرّ، وقوله بعدما أنزل مأخوذ من تعقيب الفاه، ومآل الأمر إمّا حال الأشقياء العذاب الأليم، والسعداء النعيم المقيم، ومن لبيان ما أنزل. قوله تعالى:( {مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء} ) من فيه إمّا بمعنى في أو ابتدائية، وما مصدرية أو موصولة، واليهما أشار المصنف رحمه الله تعالى، وعلى الثاني يقدر مضاف أي حال هؤلاء لأنه لا معنى للمرية في أنفسهم، وقوله يضرّ، ولا ينفع في نسخة لا يضرّ، ولا ينفع. قوله:(استئناف) أي بيانيّ جواب لم نهى عن الشك فقيل لأنهم كانوا كآبائهم في الشرك فسيحل بهم
ما حل بهم، وأشار إلى أنّ ما إن كانت مصدرلة فالاستثناء من مصدر
مقدر، وإن كانت موصولة فمن مفعول محذوف، وما عبارة عن الأوثان، ومن ذلك بمعنى من أجل ذلك متعلق بلحق، والمراد بالأسباب الأسباب العادية، وتقدير كان لا! مقتضى الظاهر كما عبد لقوله من قبل وعدل عنه مع أنه أخصر، وأظهر للدلالة على أنه كان عادة مستمرة لهم. قوله:) حظهم من العذاب (وفيه تهكم لأن الحظ، والنصيب ما يطلب فإذا كان الرزق قعلى ظاهره، وقوله فيكون عذراً أي إنما أخر ما استوجبوه لأن لهم رزقاً مقدراً ما لم يتم لا يهلكون، ومع ما فيه من بيان سببه فيه كرم، وفضل منه حيث لم يقطع رزقهم مع ما هم عليه من عبادة غيره، وعليه فالحال مؤسسة كما قيل، وفيه نظر، وقوله ولو مجاز اتبع فيه الزمخشري، ولو أسقط ولو لكان أولى لئلا يرد عليه ما أورد من أن التوفية الإتمام لما وقع مفعولاً كلا أو بعضأ فهي على كل حال حال مؤكدة كوليتم مدبرين، وفائدتها دفع توهم التجوز، ولا يرد عليه أنه إذا لم تكن القرينة قائمة لم يبق احتمال للمجاز مع أنه اشتهر في معنى الإعطاء مطلقا، وكفى بالشهرة قرينة فتأمل. قوله تعالى:){وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} (يحتمل عود الضمير إلى موسى، والى الكتاب، والظاهر الثاني من كلام المصنف رحمه الله لقوله كما اختلف هؤلاء في القرآن، وقوله لقضى بينهم أي بين قوم موسى عليه الصلاة والسلام أو قومك كما في الكشاف ويحتمل التعميم لهما لكن قوله، وان كلا ظاهر في التعميم بعد التخصيص، وقوله بإنزال ما يستحقه المبطل أي عذاب الاستئصال فلا ينافيه ما نزل باليهود، ولا بالمشركين في بدر ونحوه، وقوله ليتميز به إشارة إلى ما في معنى القضاء من الفصل، والتمييز، واعلم أنهم اختلفوا في الكلمة التي سبقت فقال ابن جرير رحمه الله هي تأخيره العذاب إلى الأجل المعلوم أي القيامة، وعليه اعتمد المصنف فقول الفاضل المحشي الأظهر أن لا يقيده بيوم القيامة ليشمل ما في الدنيا غفلة عما ذكر، ولو فسرها بقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [سورة الإسراء، الآية: 5 أ] كما قاله ابن كثير اتجه ما قاله. قوله:) وإنّ كفار قومك (أي أكثرهم، وإلا فمنهم من تيقنه، وقوله موقع في الريبة، ويجوز أن يكون من أراب صار ذا ريبة كما مرّ تحقيقه، وسيأتي في سورة سبأ. قوله:) وإن كل المختلفين الخ (قدر المضاف إليه المحذوف جمعاً لعود ضمير
الجمع إليه فليس التقدير كل واحد، وكل إذا نوّنت تنوينها عوض! عن المضاف إليه المعلوم من الكلام عند قوم من النحاة، وقيل إنه تنوين تمكين لكنه لا يمنع تقدير المضاف إليه أيضا، وقوله بالتخفيف مع الأعمال هو أحد المذهبين، والآخر أنّ المكسورة إذا خففت بطل عملها، والآية حجة عليه، واعتبار الأصل في العمل لشبه الفعل فلا يبطل مقتضاه بزوال صورة الشبه اللفظي، وكون اللام الأولى موطئة للقسم أحد ما قيل هنا، وهو منقول عن الفارسيّ رحمه الله تعالى، وتبعه الزمخشريّ، والمصنف رحمهما الله تعالى، وهو مخالف لما اشتهر عن النحاة من أنها الداخلة على شرط مقدم على جواب قسم تقدم لفظا أو تقديرا لتؤذن بأن الجوأب له نحو والله لئن أكرمتني لألزمنك، وليس ما دخلت عليه جواب القسم بل ما يأتي بعدها، وليس هذا بمتفق عليه فإن أبا علي في الحجة جعلها هنا موطئة فاللام الموطئة لا يجب دخولها على الشرط، وإنما هي ما دلت على أنّ ما بعدها صالح لأن يكون جوابا للقسم وقال الأزهري أنه مذهب الأخفش كما في الكشف، ومن لم يرتض بالمخالفة فيه قال إنها لام التأكيد الداخلة على خبر أن لا الفارقة لأنها الداخلة في خبر أن المخففة إذا أهملت لتفرق بينها، وبين النافية، وهي عاملة هنا، واحتمال إهمالها، ونصب كلا بفعل مقدر أي، وأن أرى كلا خلاف الظاهر وإن ذكره ابن الحاجب ولام ليوفينهم لام جواب القسم وما زائدة للفصل بين اللامين أو موصولة أو موصوفة واقعة على من يعقل، والقسم وجوابه صلة أو صفة والمعنى، وإن كلا للذي أو لخلق موفى جزاء عمله، ورجح هذا كثير من المفسرين. قوله:) والثانية للتأكيد أو بالعكس الخ (أراد بقوله للتأكيد أنها جواب القسم وعبر به لأنها تفيد التأكيد، وليتأتى قوله بالعكس فإنه إذا كانت الثانية موطئة كانت الأولى مؤكدة لا جوابية، وهي لام الابتداء، واعترض عليه بأنّ لام ليوفينهم لا يمكن أن تكون إلا لام
جواب القسم لا موطئة على ما لا يخفى على من عرف معناها، والجواب عنه بأنّ الموطئة إذا لم يشترط دخولها عى شرط قبله قسم كما مز كان معنى التوطئة دلالتها على أن في الكلام قسماً مقدراً مدخولها جوابه ليس بشيء لأنه اصطلاج جديد فيه إطلاق الموطئة على لام الجواب، ولم يقل به أحد فلا يندفع بمثله الاعتراض. قوله: (بالتشديد على أنّ أصله لمن ما الخ (في مغني اللبيب أنه ضمعيف لأنّ حذف هذه الميم استثقالاً لم يثبت، وقال ابن الحاجب: إنها لما الجازمة التي بمعنى لم، والفعل المجزوم بها محذوف تقديره لما يهملوا، والأحسن لما يوفوا أعمالهم إلى الان، وسيوفونها لقوّة دليله وقربه، ومن هنا جوّز فيها فتح الميم على أنها موصولة، وما زائدة وكسرها على أنها الجارة، وما موصولة أو موصوفة أي لمن الذين والله ليوفينهم قاله الفراء، وجماعة وعلى الوجهين الإعلال ما ذكر، وكلام المصنف رحمه الله محمول على الثاني رواية ودراية، وحمله على الأوّل تكلف إذ حمل قوله لمن الذين على فتح الميم، وجعل الذين بدل من قبل الصلة، وهو سخيف إن سلم
صحته، وقوله في التقدير لمن الذين يوفينهم بإسقاط اللام القسمية إشارة إلى أنّ الصلة في الحقيقة جواب القسم لأن القسم إنشاء لا يصلح للوصل به، ولو أبرزها كان أظهر. قوله:) وقرئ لما بالتنوين أي جميعا الخ) قال ابن جني على أنه مصدر كما في قوله تعالى: {كَلَّا لَمَّا} [سورة الفجر، الآية: 19] أي أكلا جامعاً لإجزاء المأكول، وكذا تقدير هذا {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} أي توفية جامعة لأعمالهم جميعاً، ومحصلة لأعمالهم تحصيلا كقولك قياماً لأقومن، والمصنف رحمه الله كالزمخشري ذهب إلى أنها للتوكيد بمعنى جميعا، وقول أبي البقاء رحمة الله إنها حال من مفعول ليوفينهم ضعفه المعرب. قوله:(وإن كل لما) أي بالكسر وتشديد الميم على أنّ إن نافية، ولما بمعنى إلا وأخر هذا القول لما فيه لأنّ أبا عبيد أنكر مجيء لما بمعنى إلا وقالوا إنها لغة لهذيل لكنها لم تسمع إلا بعد القسم، وفيه كلام في الدرّ المصون، وقوله وان كل الخ معطوف على نائب فاعل قرئ قبله. قوله:(فاستقم كما أمرت) المراد منه دم على الاستقامة أنت، ومن معك وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إليه، وقوله كما أمرت يقتضي سبق أمره عليه الصلاة والسلام بوحي آخر، ولو غير متلوّ وقد وقع في سوة الشورى فاستقم كما أمرت، ولا تتبع أهواءهم. قوله: (لما بين أمر المختلفين في التوحيد الخ (بيان لترتب هذه الآية وارتباطها بما قبلها، وما ذكره معلوم مما مرّ بالتأمّل فيه، وقوله مثل ما أمر بها أي بوحي آخر، وفي نسخة أمروا بها، والأولى أولى، وقوله وهي أي الاستقامة، والتوسط بين التشبيه، والتعطيل أي للصفات هو مذهب أهل الحق، والأعمال بالجرّ عطف على العقائد، والقيام معطوف على تبليغ، وكذا ونحوها والتفريط التقصير، والإفراد الزيادة، ومفوت صفة لهما، والمراد بالحقوق حقوق نفسه، وحقوق غيره وتفويت التفريط ظاهر، وتفويت الإفراط لأنه يؤذي إلى الملل والترك، وقوله وهي في غاية العسر أي الاستقامة يعسر على كل أحد التزامها في جميع الأمور كما قال الإمام: إنها كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعلم والعمل، ولا شك أنّ البقاء على الاستقامة الحقيقية مشكل جذاً، والاستقامة في جميع أبواب العبودية أوّلها معرفة الله كما يليق بجلاله، وكذا سائر المقامات، وسائر الأخلاق على هذا فالقوّة الغضبية، والشهوانية لكل منهما طرفا إفراط، وتفريط مذمومان، والفاضل هو المتوسط بينهما بحيث لا يميل إلى أحد الجانبين، والوقوف عليه صعب، والعمل به أصعب،
وقس على هذا سائرها كالشجاعة والسخاء والعفة، وهو لا يحصل إلا بالافتقار إلى الله، ونفي الحول، والقوّة بالكلية، ولذا قيل لا يطيق هذا إلا من أيد بالمشاهدات القوية، والأنوار السنية، والآثار الصادقة، ثم عصم بالتشبث بالحق، ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا. قوله:(ولذلك قال عليه الصلاة واللام شيبتني سورة هود) هذا الحديث أخرجه الترمذيّ رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما وحسنه قال قال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله قد شبت فقال عليه الصلاة والسلام: " شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعتم يتساءلون وإذا الشسى كوّرت " اهـ قال الطيبي: صح هود في الحديث غير منصرف لأنه اسم السورة لا النبيّ صلى
الله عليه وسلم ففيه العلمية، والعجمة والتأنيث فهو كماه وجور اسمي بلدتين، واضافة سورة إلى هود ليس كإضافة إنسان إلى زيد بل السورة لها اسمان هود، وسورة هود وفي هذا الاسم الثاني هود اسم النبيّ صلى الله عليه وسلم أضيفت إليه لذكر تفصيل قصته فيها فليس من القبيل المذكور على أنّ استقباح ذلك إذا لم يكن له فائدة كما في المثال المذكور فإن أفاد حسن، وهنا هو لدفع الاشتراك فاعرفه، وقد مرّ تحقيقه، وفي الكشاف عن ابن عباس رضي الله عنهما ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشق عليه من هذه الآية وعن بعض الصلحاء أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له روي عنك يا رسول الله أنك قلت شيبتني هود فقال: نعم فقال ما الذي شيبك منها أقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهلاك الأمم قال: لا، ولكن قوله فاستقم كما أمرت، وقد روي هذا الحديث من طرق اختلف فيها ما ضم إليها كما في الجامع الصغير، وفي الكشف التخصيص لهود بهذه الآية غير لائح إذ ليس في الأخوات ذكر الاستقامة، وفي قوت القلوب أنه لما كان القريب الحبيب شيبه ذكر البعد، وأهله ولعل الأظهر أنه شيبه ذكر أهوال القيامة لذكرها في كلها فكأنه شاهد منها يوما يجعل الولدان شيباً، وأورد عليه أنّ ما وقع لبعض الصلحاء في الرؤية يكون وجها للتخصيص " فإنّ الشيطان لا يتمثل به صلى الله عليه وسلم " ومعنى شيبتني ليس إلا أن يكون لها دخل في الشيب لا أن تكون مستقلة فيه فلا ممانعة (قلت الم يقع في طرقه المروية في حديث الاقتصار على هود بل ذكر أخواتها معها على اختلاف فيها، وحيحئذ يشكل أنه ليس في تلك السور الأمر المذكور مع أنه وقع في غيرها من الحواميم كما مرّ فلا يصح نسبة ذلك إليها كما لا يتضح اقتصار المصنف رحمه الله كغيره على ذكرها (وقد لاج لي (بحمد الله دفع هذا الإشكال ببركته صلى الله عليه وسلم فاعلم أنك إذا أجدت التأمّل استبان كما بينه المدقق
في الكشف أن مبني هذه السورة الكريمة على إرشاده تعالى كبرياؤه نبيه صلى الله عليه وسلم إلى كيفية الدعوة من مفتتحها إلى مختتمها، والى ما يعتري من تصدي لهذه المرتبة السنية من الشدائد، واحتماله لما يترتب عليها في الدارين من الفوائد لا على تسليته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يطابق المقام فانظر إلى الخاتمة الجامعة أعني قوله واليه يرجع الأمر كله فاعبده، وتوكل عليه تقض من ذلك العجب فلما كانت هذه السورة جامعة لإرشاده من أوّل أمره إلى آخره، وهذه الآية فذلكة لها فحين إذ نزلت هذه السورة هاله ما فيها من الشدائد، وخاف من عدم القيام بأعبائها حتى إذا ألقى الله في يوم الجزاء ربما مسه نصب من السؤال عنها فذكر القيامة في تلك السور يخوّفه هولها لاحتمال تفريطه فيما أرشده الله له في هذه، وهذا لا ينافي عصمته، وقربه لكونه إلا علم بالله، والا خوف منه فالخوف منها يذكره بما تضمنتة هذه السورة فكأنها هي المشيبة له مجشحر من بينها، ولذا بدئ بها في جميع الروايات ولما كانت تلك الآية فذلكة لها كانت هي المشيبة في الحقيقة فلا منافاة بين نسبة التشييب لتلك السورة، ولا لهذه السورة وحدها كما فعله المصنف رحمه الله، ولا لتلك الآية كما وقع في رؤية ذلك العبد الصالح فالحمد لله على التوفيق لما ألهم من هذا التحقيق، وقوله كما أمرت الكاف فيه إئا للتشبيه أو بمعنى على كما في قولهم كن كما أنت عليه أي على ما أنت عليه، وقال أبو حيان في تذكرته إن قلت كيف جاء هذا التشبيه للاستقامة بالأمر قلت هو على حذف مضاف تقديره مثل مطلوب الأمر أي مدلوله فإن قلت الاستقامة المأمور بها هي مطلوب الأمر فكيف يكون مثلاً لها قلت مطلوب الأمر كليّ والمأمور جزئي فحصلت المغايرة، وصح التشبيه كقولك صل ركعتين كما أمرت اهـ، وفيه تأمل فتدبر. قوله تعالى: ( {وَمَن تَابَ مَعَكَ} (قال أبو البقاء رحمه الله أنه منصوب على أنه مفعول معه، والمعنى استقم مصاحبا لمن تاب قيل، وفيه نبوّ عن ظاهر اللفظ يعني التصريح بالمعية لكنه في المعنى أتتم، ولذا اختاره وقال غيره أنه مرفوع معطوف على الضمير المستتر في الأمر، وأغنى الفصل بالجاز، والمجرور عن تأكيده بضمير منفصل لحصول الغرض! به فهو من عطف المفردات، وقد تقدم في البقرة في قوله:{اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [سورة البقرة، الآية: 35،
أن كثيرا من النحاة اختاروا في مثله أنه مرفوع بفعل محذوف أي، وليسكن زوجك فالتقدير هنا، وليستقم من الخ لأنّ الأمر لا يرفع الظاهر فهو من عطف الجمل، والمصنف رحمه الله ذهب إلى الأوّل لعدم احتياجه إلى التقدير، وما ذكروا من المحذور مدفوع بأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وهو تغليب لحكم الخطاب على الغيبة في لفظ الأمر لكن التغليب فيه محتاج إلى دقة نظر وقيل من مبتدأ محذوف الخبر أي فليستقم، ولو قيل معك خبر لم يبعد. قوله:) أي تاب من الشرك والكفر وآمن معك (لما فسر التوبة بالتوبة عن الكفر ذكر لازمها ورديفها، وهو الإيمان ليتعلق به المصاحبة إذ المعنى حينئذ على ذكر مصاحبتهم له في الإيمان مطلقا من غير نظر إلى ما تقدمه، وغيره، وقد قيل في توجيه المعية أيضا يكفي الاشتراك،
والمعية في التوبة مع قطع النظر عن المتوب عنه، " وقد كان! ك! يستغفر الله في كل يوم أكثر من سبعين مرّة ". قوله:(ولا تخرجوا عما حدّ لكم) أي ما بين وشرع من حدود الله فإنّ الطغيان الخروج عن الحد. قوله: (وهو في معنى التعليل للأمر والنهي) فكأنه قيل استقيموا، ولا تطغوا لأن الله ناظر لأعمالكم مجازيكم عليها، والله ينظر إلى قلوبكم لا إلى صوركم، وقيل إنه تتميم لقوله فاستقم أي حق الاستقامة فإنه بصير لا يخفى عليه سرّكم، وعلانيتكم وما سلكه المصنف رحمه الله أحسن، وأتنم فائدة. قوله:(وفي الآية دليل على وجوب اتباع النصوص الخ (ليس فيه إنكار للقياس، والاستحسان كما توهم فإن المصنف رحمه الله ليس من مذهبه إنكاره، وإنما أراد أنه لا يجوز ذلك مع وجود النصوص الصريحة التي لا احتمال فيها لغير ظاهرها لأنه أمره باتباع أوامره، وعدم تجاوزها إلى غيرها على طريق التشهي، وأعمال العقل الصرف كما نراه من بعض المؤوّلين للنصوص زاعمين أنّ لها معاني غير ما دلت عليه. قوله: (ولا تميلوا إليهم) لأنّ الركون إذا تعذى بإلى كان بمعنى الميل، ومنه الركن المستند إليه غيره لكنه ليس مطلق الميل بل الميل اليسير وأدنى الميل مفسر بما ذكره، وقوله بركونكم الباء فيه للسببية، وهو مأخوذ من الفاء الواقعة في جواب النهي لأنها تفيد تسببه عن المنهي عنه، وقوله ما يسمى ظلما إشارة إلى أنّ العدول عن الظالمين إلى هذا لدلالة الفعل على الحدوث دون الثبوت الدال عليه الوصف باعتبار أصل وضحعه، وقوله الموسومين بالظلم أي المعروفين به، وإنما يكون ذلك بكثرته ودوامه منهم، وما ذكره من المراتب إشارة إلى ما في الاية من المبالغة، ولذا قال الحسن رضي الله عنه جمع الدين بين لاءين يشير إلى هذا كما نقل عنه جمع الزهد بين لاءين في قوله تعالى:{لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [سورة الحديد، الآية: 23، ولذا قال إنها أبلغ آية في معناها. قوله:) وخطاب الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بها للتثبيت الخ) يعني أنه أمرهم أوّلاً بالاستقامة الجامعة، ثم نهاهم عن الطغيان، وتجاوز
الحدود المأمور بها، والميل إلى من تجاوزها للتثبيت عليه، والا فقد تضمن معنى هذا النهي ما سبق من الأمر فلا يكون تكراراً فإن كان المراد بالأمر الأوّل الثبات، والدوام كما مز يكون هذا تأكيداً له، وقوله فإنه أي الزوال تكرير لأنّ السابقة للتأكيد على حد قوله فلا تحسبنهم فقوله ظلم خبر أن الأولى، ويحتمل أنه خبر الثانية، وقوله بالميل خبر الأولى، وهو أظهر، وقوله في نفسه أي بقطع النظر عن كونه على نفسه أو غيره لأنه وضع الشيء في غير محله مطلقا. قوله:(وقرئ تركنوا فتمسكم الخ) أي بكسر حرف المضارعة على لغة تركنوا، وعلى البناء للمفعول من أركنه جعله مائلا أي لا يملكم إليهم أغراضكم الفاسدة. قوله:(من أنصار يمنعون العذاب عنكم) فسره به لأنّ الوليّ له معان منها الناصر، وفسره الزمخشريّ بنفي القدرة على المنع، وهو أبلغ ولا يرد على المصنف رحمه الله تعالى أنه يفهم من نفي المنع عن غير الله إثباته له بخلاف نفي القدرة الذي في الكشاف لأن قوله ثم لا تنصرون يدفعه فعلى ما ذكره يكون الكلام أفيد وأحسن مقابلة، وقد أشار إليه المصنف بقوله، ثم لا ينصركم الله فخص النصرة المنفية فيه بالله لأنّ انتفاء نصرة غيره علمت مما قبله وقوله، ولا يبقى عليكم أي لا يرحمكم من أبقى عليه إذا رحمه وعذى بعلى لما فيه من معنى الشفقة. قوله:)
وثم لاستبعاد نصره إياهم الخ) قال الزمخشري: معناها الاستبعاد لأنّ النصرة من الله مستبعدة مع استيجابهم العذاب، واقتضاء حكمته له، واعترض عليه بأنّ أثر الحرف إنما هو في مدخوله، ومدخول ثم عدم النصرة، وليس بمستبعد وإنما المستبعد نصرة الله لهم فالظاهر أنها للتراخي في الرتبة لأنّ عدم نصرة الله أشد وأفظع من عدم نصرة غيره، وأجيب عنه بأنه لا يبعد أن يقال فيه مضاف مقدر، والمعنى لاستبعاد ترك نصره إياهم مع الإيعاد بالعذاب، والإيجاب، وظاهر أنّ للحرف مدخلاً في بعد ترك النصر عما قبله ولا يخفى بعده، وتكلفه فالظاهر ما قيل إن ثم كما تكون لاستبعاد ما دخلت عليه تكون لاستبعاد ما تضمنه، د! ان لم يتصل به، والمعنى على أنه فكيف ينصرهم، وما ذكره المعترض! أقرب من هذا.
قوله: (ويجوز أن يكون منزلاً منزلة الفاء) أي أنه على الأوّل المقام مقام الواو، وعدل
عنها لما ذكر وعلى هذا كان الظاهر أن يؤتى بالفاء التفريعية المقارنة للنتائج إذ المعنى أنّ الله أوجب عليكم عذابه ولا مانع لكم منه فاذن أنتم لا تنصرون فعدل عنه إلى العطف بثم
الاستبعادية على الوجه السابق واستبعاد الوقوع يقتضي النفي والعدم الحاصل الآن فهو مناسب لمعنى تسبب النفي فاندفع ما قيل عليه إن الداخل على النتائج هي الفاء السببية لا الاستبعادية فتأمّل، والفرق بين الوجهين أنّ المنفيّ على الوجه الأوّل نصرة الله لهم، وعلى هذا مطلق النصرة كما أشار إليه بقوله لا ينصرون أصلاً. قوله:(غدوة وعشي الخ) النهار من طلوع الشمس إلى غروبها أو من طلوع الفجر إلى الغروب، وسيأتي وجه ذلك وقوله لأنه مضاف إليه أي إلى الظرف فيكتمسب الظرفية منه، وينتصب انتصابه كما يقال أتيت أوّل النهار وآخره، وهو ظرف لأقم، ويضعف كونه للصلاة. قوله:) وساعات منه قريبة من النهار الخ) اعلم أن العامّة قرؤوا زلفاً بضم الزاي وفتح اللام جمع زلفة كظلمة، وظلم، وقرىء بضمهما إما على أنه جمع زلفة أيضا، ولكن ضمت عينه اتباعاً لفائه أو على أنه اسم مفرد كعنق أو جمع زليف بمعنى زلفة كرغيف ورغف، وقرأ مجاهد وابن محيصن باسكان اللام إمّا بالتخفيف فيكون فيها ما تقدم أو على أنّ السكون على أصله فهو كبسرة وبسر من غير اتباع، وقرىء زلفى كحبلى بمعنى قريبة أو على إبدال الألف من التنوين اجراء للوصل مجرى الوقف، ونصبه إما على الظرفية بعطفه على طرفي النهار لأنّ المراد به الساعات أو على عطفه على الصلاة فهو مفعول به، والزلفة عند ثعلب أوّل ساعات الليل، وقال الأخفش: مطلق ساعات الليل، وأصل معناه القرب يقال ازدلف أي اقترب، ومن الليل صفة زلفا، وقوله وهو جمع زلفة أي على قراءة الجمهور بضم الزاي، وفتح اللام، وقوله قريبة من النهار إشارة إلى حذف صلته، ومن في من الليل تبعيضية، وقوله فإنه تعليل لتفسيره بما ذكره. قوله:(وصلاة الغداة صلاة الصبح لأنها الخ) شروع في تفسير الصلاة في الطرفين، والزلف بعدما بين أن طرفيه أوّله، وآخره الداخلان فيه فإن كانا غير داخلين فيه ملاصقين لأوّله وآخره فاطلاق الطرف مجاز لمجاورته له فالمراد بما وقع في طرفه الثاني صلاة العصر ولما لم يقع في طرفه الأوّل صلاة حملت على الصبح لقربها منه فيكون ما وقع في الطرفين ليس على وتيرة واحدة، وهو قول قتاد والضحاك، وعليه كلام المصنف رحمه الله وقال ابن عباس رضي الله عنهما صلاة الطرفين الصبح والمغرب فهما على وتيرة واحدة، وقال أبو حيان رحمه الله: طرف الشيء لا بد أن يكون منه فالذي يظهر أنها الصبح والعصر فجعل أوّاط النهار الفجر. قوله: (وقيل الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشئ الخ (هذا قول مجاهد رحمه الله فالمراد بما في طرفه الثاني صلاة الظهر، والعصر لأنّ ما بعد الزوال عشيّ، وطرفا النهار الغدوّ والعشيّ قيل، ومرضه المصنف رحمه الله لأنه لا يلزم من اطلاق العشيّ
على ما بعد الزوال أن يكون الظهر في طرف النهار فإنّ الأمر بالإقامة في ظرفيه لا في الغداة، والعشي ورذ بأنه لما فسر طرفي النهار بالغدوّ والعشيّ دخل الظهر في العشيّ بلا شبهة إذ معنى طرفي النهار حينئذ قسماه فالسؤال إنما هو على تفسيره لا على دخول الظهر في الثاني، وارتضى بعضهم تفسير طرفي النهار بالصبح والمغرب كما رجحه الطبرقي، وزلف الليل بالعشاء، والتهجد فإنه كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم فهو
كقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} [سورة الإسراء، الآية: 79، أو الوتر على ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله أو مجموع العشاء، والوتر والتهجد كما يقتضيه جمع زلفا، وفسرها المصنف رحمه الله بالمغرب والعشاء فإن قلت زلف جمع فكيف يطلق على صلاتين قلت كل ركعة منهما قربة، وصلاة فيصدق عليهما أنها قرب وصلوات، وقوله كبسر وبسر يعني أنه جمع زلفة، وقياسه الفتح، ولكن ضم للاتباع وتسكينه للتخفيف، وقد مرّ تفصيله، وقوله وزلفى أي قرىء زلفى بألف، وقد قدمناه. قوله وفي الحديث:" إنّ الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما الخ " هذا الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهق ما اجتنبت الكبائر " واستشكله القرطبي رحمه الله، وقال إن حديث مسلم يقتضيه تخصيصه بالصغائر فيحمل المطلق عليه لكن في شرح الأحكام أنه يرد عليه اشكال قويّ، وهو أنّ الصغائر مكفرة باجتناب الكبائر بالنص يعني قوله تعالى:{إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} ، وإذا كان كذلك فما الذي تكفره الصلوات الخمس، وأجاب عنه البلقيني رحمه الله بأنه غير وارد لأنّ المراد أن تجتنبوا في جميع العمر، ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت التكليف أو الإيمان إلى الموت، والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها أي في يومها إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم فلا تعارض بين الآية، والحديث قال ابن حجر رحمه الله تعالى، وعلى تقدير ورود السؤال فالتخلص منه سهل، وذلك أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس فمن لم يفعلها لم يعذ مجتنبا للكبائر لأن تركها من الكبائر فيتوقف التكفير على فعلها فتأمل فيه، وقوله يكفرنها فسره به لأنها تذهب المؤاخذة عليها لأنفسها لأنها أعراض! وجدت، وانعدمت وحمل الحسنات على الصلوات المفروضة بقرينة سبب النزول فالتعريف للعهد، وقيل المراد مطلق الفرائض لرواية الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن، والأحاديث في المكفرات كثيرة، وقد صنف فيها بعض المتأخرين تصنيفاً جمع فيه
بين الروايات، ووفق بينها ولولا خوف الاطالة أوردت لك زبدة ما قاله فعليك بالنظر في الكتب المفصلة في علم الحديث. قوله:(وفي سبب النزول أنّ رجلَا أتى النبتي صلى الله عليه وسلم الخ (رواه الشيخان وهو أنّ: " رجلَا أتى النبئ صلى الله عليه وسلم فقال إني أصبت من امرأة غير أتي لم آتها " أا (يريد أنه قبلها وهو مروقي عن ابن مسعود رضي الله عنه، والحاكم والبيهقيّ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، والرجل هو أبو اليسر بفتح الياء والسين المهملة، ثم راء مهملة واسمه عمرو بن غزية بفتح الغين المعجمة، وكسر الزاي الضعجمة وتشديد الياء، وهو أنصارفي صحابيئ رضي الله عنه، وقيل اسمه كعب بن مالك، وقيل كعب بن عمرو. قوله: (إشارة إلى قوله فاستقم وما بعده (بتأويل المذكور، وقيل إلى الصلاة لقربها أي إقامتها في هذه الأوقات سبب عظة وتذكرة، وقيل إلى ما في هذه السورة من الأوامر، والنواهي، وقوله للذاكرين خصهم لأنهم المنتفعون بها. قوله: (عدول عن المضمر الخ) أي لم يقل أجرهم ونحوه، والأوامر بأفعال الخير أفردت للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وإن ك! انت عامّة في المعنى، وفي المنهيات جمعت للأمة، وهو من البلاغة القرآنية، وقوله كالبرهان أي اللميّ أي سبب عدم إضاعة أجرهم الإحسان، وقوله كالبرهان لأنه لم يورد بصورة الدليل أو لأنه لا علية، ولا سببية لشيء عندنا في الحقيقية، وما عدّ منه فهو من الأسباب العادية ووجه الإيماء بأنه لا يعتد بهما دون الإخلاص أنّ إحسان ذلك إخلاص. لقوله صلى الله عليه وسلم:" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ". قوله: (فهلا كان الخ (يشير إلى أنّ لولا هنا للتحضيض، ودخلها معنى التندّم، والتفجع عليهم مجازا، وحكي عن الخليل رحمه الله تعالى أن كل لولا في القرآن فمعناها هلا إلا التي في الصافات قال الزمخشري: وهذه الرواية تصح عنه لوقوعها في غيرها في موأضع. قوله: (من الرأي والعقل (فالبقية بمعنى الباقية، والتأنيث لمعنى الخصلة أو القطعة، وقوله أو أولو فضل فالبقية
بمعنى الفضيلة أو التاء للنقل إلى الاسمية كالذبيحة وأولو بمعنى ذوو جمع ذو من غير لفظه، ولا واحد له ويرسم بواو زائدة بعد الهمزة للفرق بينه، وبين إلى الجارّة، وقوله وإنما سمي أي الفضل أطلق عليه بقية استعارة من البقية التي
يصطفيها المرء لنفسه، ويدخرها مما ينفقه فإنه يفعل ذلك بأنفسها، ولذا قيل في الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا، وقوله أفضل ما يخرجه بخاء معجمة، وجيم كما في بعض النسخ، والحواشي والمراد ما ينفقه، ويصرفه لأنّ الخرج يستعمل بهذا المعنى، وفي بعضها يجرحه بجيم وحاء مهملة أي يكتسبه، وارتضى هذه بعضهم والأولى أظهر. قوله:(ويجورّ أن يكون مصدرا كالتقية الخ الأنه فعيل وفعيل يكون مصدراً، وقيل إنه اسم مصدو وهو بمعنى الابقاء أي ذوو إبقاء لأنفسهم بمعنى صيانتها عن سخط الله، ويؤيد المصدرية أنه قرىء بقية بزنة المرّة، وهو مصدر بقاء يبقيه كرماه يرميه بمعنى انتظره، وراقبه كما قاله الراغب رحمه الله تعالى وفي الحديث: " بقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي انتظرناه وأما الذي من البقاء ضد الفناء ففعله بقي يبقى كرضي يرضى، والمعنى على هذه القراءة أصحاب مراقبة لخشية الله، وانتقامه. قوله: (ينهون عن الفساد في الأرض) الظاهر أن كان تامة، وأولو بقية فاعلها، وجملة ينهون صفته ومن القرون حال مقدمة عليه ومن تبعيضية، ومن قبلكم حال من القرون، والمعنى هلا وجد أولو بقية ناهون حال كونهم من قبلكم لا ناقصة، وخبرها ينهون لأنه يقتضي انفكاك النهي عن أولي البقية، وهو فاسد لأنهم لا يكونون إلا ناهين إلا أن يجعل من قبيل:
ولا ترى الفسب بها ينجحر
كذا قيل وقوله لأنهم كانوا كذلك أي ناهين عن الفساد يقتضي أنه جعلها ناقصة لا تامة
كما ذكره، وسيأتي ما فيه. قوله:(لكن قليلأ منهم أنجيناهم الخ) جعله سيبويه رحمه الله كقوله في سورة يونس: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ} [سورة يون! ، الآية: 98] وقال السيرافي في شرحه لا يجوز فيه البدل وفي لو فعلت ذلك لكان أصلح لك وهذه الأشياء تجري مجرى الأمر وفعل الشرط، ولا يجوز في شيء من ذلك البدل لو قلت ليقم القوم إلا زيد لم يجز كان قام إلا زيد، وليس فيه الاستثناء الذي هو إخراج جزء من جملة هو منها. لأنّ القصد إلى قوم أطبقوا على الكفر، ولم يكن فيهم مؤمنون فقبح فعلهم، ثم ذكر قوما مؤمنين باينوا طريقتهم فمدحهم، ويجوز الرفع في قوم يونس على أن إلا بمعنى غير صفة، وكان الزجاج يجيز رفعه على البدل على لغة أهل الحجاز بتقدير فهلا كان قوم نبيّ آمنوا
إلا قوم يونس عليه الصلاة والسلام وعلى لغة تميم، وان لم يكن من جنسه، ولعله جوّزه لأنّ المعنى ما آمنت قرية إلا قوم يونس عليه الصلاة والسلام، ولما كان التحضيض إذا دخل على ماض مشتملاً على التنديم، والنفي كان له اعتباران التحضيض والنفي فإن اعتبر التحضيض لا يكون الاستثناء متصلاً بل منقطعا لأنّ المتصل يسلب ما للمستثنى منه عن المستثنى أو يثبت له ما ليس له ففي جاءني القوم إلا زيدا المعنى أنه ما جاءني، وفي ما جاءني أحد إلا زيدا المعنى أنه جاءني، والتحضيض معناه لم ما نهوا ولا يجوز أن يقال إلا قليلاً فإنهم لا يقال لهم لم ما نهوا لفساد المعنى لأنّ القليل ناهون لأنّ معنى هذه كما في الآية الأخرى أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب هذا محصل كلامهم في منع الاتصال، وأورد عليه أنّ صحة السلب أو الاثبات بحسب اللفظ لازم في الخبر، وأما الطلب فيكون بحسب المعنى فإنك إذا قلت اضرب القوم إلا زيدا ليس المعنى على أنه ليس اضرب بل على أن القوم مأمور بضربهم إلا زيدا فإنه غير مأمور به فكذا هنا يجوز أن يقال أولو بقية محضوضون على النهي إلا قليلا فإنهم ليسوا محضوضين عليه لأنهم نهوا فالاستثناء متصل قطعا كما ذهب إليه بعض السلف فإن اعتبر معنى النفي كان متصلا وهو ظاهر لأنه يفيد أنّ القليل الناجين ناهون، وحينئذ يجورّ فيه الرفع على البدل، وهو الأفصح، والنصب على الاستثناء، وقد يدفع ما أورده با! مقتضى الاستثناء أنهم غير محضوضين، وذلك إما لكونهم نهوا أو لكونهم لا يحضون عليه لعدم توقعه منهم فأما أن يكونوا جعلوا احتمال الفساد فساداً أو ادعوا أنه هو المفهوم من السياق، ثم إن المدقق قال إن تقدير الزمخشري يشعر بأنّ ينهون خبر كان، ومن القرون خبر آخر أو حال قدمت لأنّ تحضيض أولي البقية على النهي على ذلك التقدير حتى لو جعل صفة ومن القرون خبراً كان المعنى على تنديم أولي القرون على أن لم يكن فيهم أولو بقية ناهون وإذا جعل خبراً لا يكون معنى الاستثناء ما كان من القرون أولو بقية إلا قليلا بل المعنى ما كان منهم أولو
بقية ناهين إلا قليلا فإنهم نهوا، وهو فاسد والانقطاع على ما آثره أيضاً يفسد لما يلزمه من أن يكون أولو البقية غير ناهين لأن في التحضيض، والتنديم دلالة على نفيه عنهم فالوجه أن يؤوّل بأنّ المقصود من ذكر الاسم التمهيد للخبر فكأنه قيل لولا كان من القرون من قبلكم ناهون إلا قليلاً وفي كلامه إشارة إلى أنه لا يختلف نفي الناهين، وأولو البقية، وإنما عدل عن هذا مبالغة لأنّ أصحاب فضلهم، وبقاياهم إذا حضضوا على النهي، وندموا على تركه فهم أولى بالتحضيض، والتنديم، وفيه دلالة على أنّ أولي البقية لا يكونون إلا ناهين فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم فهو كقولك:
ولا ترى الضبّ بها ينجحر
وقولك: ما كان شجعانهم يحمون الحقائق في الذمّ تريد أنه لا شجاع ولا حماية وهذا
هو الوجه الكريم الذي توجه إليه نظر الحكيم وهو المطابق لبلاغة القرآن العظيم اهـ ومن هذا
عرفت وجه جعل كان ناقصة لا تامّة لأنه ليس التحضيض على وجودهم فيهم، وليس المنفيّ ذلك أيضا بل هو على النهي فإن قلت هو صفة، والتحضيض والنفي متوجه إليها فيكون مطابقا للمرام فقد زدت في الطنبور نغمة من غير طرب، ومثله نصب. قوله:(لكن قليلاً منهم أنجيناهم الخ (قدر الانجاء بعده لمقتضى قوله ممن أنجينا، وقدره الزمخشري نهوا لتلازمهما، ولا فرق بينهما وهو نظر إلى ما قبله، والمصنف لما بعده لظهوره في الانقطاع. قوله: (ولا يصح اتصاله الخ الفساد المعنى كما سمعته مع ماله وما عليه، وقوله إلا إذا جعل استثناء من النفي قيل المعنى ما وجد منهم أولو بقية ينهون إلا قليلا ممن أنجيناهم، وهم أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو ما كانوا ينهون إلا قليلاً منهم والثاني فاسد، وقد أوّله في الشكف بما مرّ، وحمل كان على التامة مغن عن هذه التكلفات، ومصحح للمراد اهـ، وقد عرفت أنه لا يسمن ولا يغني من جوع، وأنه ناشىء من قلة التدبر ومن بيانية أو تبعيضية. قوله: (ما أنعموا فيه من الشهوات الخ (أي ما صاروا منعمين فيه لأنّ حقيقة الترف التنعم، وتفسيره بطغوا فيه من أترفته النعم إذا أطغته ففي إما سببية أو ظرفية مجازية خلاف المشهور وان صح هنا لكن الأوّل أولى، وأشمل وجعل اتباعه كناية عن الاهتمام به، وترك غيره لأنه دأب التابع للأمر. قوله: (وكانوا مجرمين كافرين) فسره به لأن الكفر أعظم الإجرام، ولأنه الذي يحصل به الفائدة مع ما قبله، وفشو الظلم شيوعه مأخوذ من إسناد الظلم إلى الجميع، واتباع الهوى هو اتباع ما أترفوا فيه، وترك النهي عن المنكرات مأخوذ من مقابلتهم للناهين، والكفر من الأجرام لتفسيره به. قوله:(واتبع معطوف على مضمر دل عليه الكلام إذ المعنى فلم ينهوا عن الفساد واتبع الخ (المضمر بمعنى المقدر، وهو ما أشار إليه بقوله لم ينهوا فعليه يكون بيانا لحال من ترك النهي بعد ذكر الناهين، وعدل عن تقديره نهوا كما في الكشاف، وان لم يرد عليه ما ورد عليه كما توهم لأنه نثأ من جعله خبرا على الانقطاع، والمنصف رحمه الله لم يقدره بل قدر أنجيناهم كما سمعته، ولا وجه لما قيل إنه على تقديره لا يرتبط الكلام بما قبله، ولذا عدل عنه لأنه على تقديره المعنى لكن قليلا نهوا عنه فهم نهوا، وغيرهم انهمك في هواه، وترك ما سواه فلذا عذبوا وأفي ارتباط أحسن من هذا، أو إنما اختاره لأنه أكثر فائدة وأحسن مقابلة، والذي ورد على الكشاف أنه قدر نهوا خبر لكن فلا يصح عطفه عليه لخلوّه من الربط ودفع بما فصل في شروحه، وليس لنا به حاجة لترك المصنف رحمه الله له. قوله:) وكانوا مجرمين عطف على
على اتبع الخ) مع المغايرة بينهما، وليس العطف تفسيريا والمعنى، وكانوا مجرمين بذلك الاتباع كما في الكشاف لتكلفه، ولذا ترك عطفه على أترفوا المذكور فيه، وجعله اعتراضاً بناء على أنه يكون في آخر الكلام عند أهل المعاني. قوله:) وقرىء وأتبع الخ) هي قراءة أبي عمرو رحمه الله في رواية وأبي جعفر أي بضم الهمزة المقطوعة وسكون التاء وكسر الباء على البناء للمفعول من الأتباع، ولا بد حينئذ من تقدير مضاف أي أتبعوا جزاء ما أترفوا فيه وما موصولة بمعنى الذي وهو الظاهر لعود الضمير في فيه إليه، ويجوز أن تكون مصدربة أي جزاء أترافهم فالضمير للظلم المعلوم منه، وقوله فتكون الواو للحال إذا جعل حالاً يكون المعنى إلا قليلاً أنجيناهم، وقد هلك سائرهم، وقد كانوا مجرمين، ولا يحسن جعله
قيداً للإنجاء إلا من حيث إنه يجري مجرى العلة لا هلاك السائر فيكون اعتراضا أو حالاً من الذين ظلموا والأوّل حال من مفعول أنجينا المقدر أما لو جعل عطفاً على مقدر فحسن، ولا يخفى أنه يجوز كون الواو عاطفة على لم ينهوا المقدر، وإذا فسرت به المشهورة فقيل فاعل اتبع ما أترفوا، والكلام على القلب ثم الواو وللعطف أو للحال أيضا. قوله:(ويعضده تقدّم الانجاء (لأنّ تقدم الانجاء للناهين يناسب أن يبين هلاك الذين لم ينهوا كأنه قيل، وأنجينا القليل، واتبع الذين ظلموا جزاءهم فهلكوا فيحسن التقابل حينئذ لكون وصول الجزاء إلى الكثير في مقابلة انجاء القليل، ولا يفتقر إلى تقدير معطوف عليه حينئذ لأنّ الواو حالية. قوله: (بشرك (فسر الظلم به لوروده بهذا المعنى في القرآن، ولاقتضاء المقام، ولذا ترك ابقاءه على ظاهره المذكور في الكشاف، والباء للسببية. قوله: الا يضمون إلى شركهم التفسير الظلم به والتباغي تفاعل من البغي، وقوله وذلك إشارة إلى ما ذكر من عدم اهلاكهم بكفرهم، وقوله ومن ذلك أي من أجل مسامحة الله في حقوقه قال الفقهاء إنه إذا اجتمع حق الله وحق العبد في شيء قدم حق العبد على حق الله، وهو مبين في الفقه، وقوله وقبل معطوف على قدم، وهو ظاهر. قوله: (قدم الفقهاء) أي لأجل أن الله مسامح في حقه كالشرك هنا إذ لم يعجل عقوبته، ولم يسامح في حقوق العباد كظلم بعضهم لبعض قدم الفقهاء الخ. والمراد أنهم قدموها في الجملة عليه ما لم يمنع منه مانع فلا يرد عليه أنهم قالوا إذا اجتمع حق الله كالزكاة ودين الناس على حيّ غير محجور عليه يقدم حق الله لقوله صلى الله عليه وسلم:" دين الله أحق أن يقضى " وهو متفق عليه، وإن كان
محجوراً قدم دين إلا دميّ على حقه تعالى ما دام حياً، وكذا إذا اجتمعا في تركة ميت كما بين في أوّل الفرائض. قوله تعالى:( {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} (قيل إنّ الآية ترجع إلى قياس استثنائي استثنى فيه نقيض التالي لينتج نقيض المقدم، وهو مركب من مقدمتين طويت الثانية منهما، وقوله: وأنّ ما أراده يجب وقوعه هو مفهوم المقدّمة المذكورة، وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد نتيجة القياس، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إليه، وقوله على أن الأمر غير الإرادة لازم النتيجة بعد ضم مقدمة أخرى هي أنّ الكل مأمور بالإيمان، وكل منهما ناع على المعتزلة المخالفين في ذلك، ولما رأوها ظاهرة في رذ ما قالوه جعلوا الارادة قسمين الجائي قسرية، وغيرها فحملوا المنفية على الأولى فتدبره. قوله:) مسلمين كلهم (يعني أنّ الوحدة المراد بها وحدة في الدين بمقتضى المقام وقوله، ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، وقوله مسلمين كلهم تفسير للأمّة الواحدة بدل أو عطف بيان وكلهم تأكيد للضمير المستتر فيه، وليس المراد بالإسلام ما يخص هذه الأمّة. قوله:) وهو دليل ظاهر على أن الأمر غير الارادة (أما الأوّل فلأنه أمر الكل بالإسلام، وقال هنا أنه لم يرده، ولو أراده لوقع، والمعتزلة يقولون إنّ الأمر هو الإرادة بعينها عند بعضهم، وانّ الارادة تتخلف عن المراد فأوّلوا هذه الارادة بإرادة القسر كما في الكشاف، وأما الآخران فظاهران، وهذه الآية لا تخالف قوله، وما كان الناس إلا أمّة واحدة لما مرّ في تفسيرهما، ولأنه ليس المراد هنا لجعل كل فرق منهم فتأمّل. قوله: (بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل) حمل الاختلاف على ما يشمل اختلاف العقائد، والفروع وغيرهما من أمور الدين لعدم ما يدل على الخصوص في النظم فالاستثناء منقطع حيث لم يخرج من رحمه الله من المختلفين لاختلافهم في غير العقائد فلو قال لكن ناسأ هداهم الله من فضله اتفقوا كان أظهر في مراده، ولو حمل الاختلاف على ما يخص الأصول كان الاستثناء متصلا، وقوله مطلقا يأبى حمله عليه فمن قال لا وجه للانقطاع لم يقف على الداعي له، وقوله: على ما هو أصول دين الحق حمله عليه لأنّ اختلاف الفروع للمجتهدين لا يمنع الرحمة بل هو رحمة. قوله: (إن كان الضمير للناس فالإشارة إلى الاختلاف) في المشار إليه أقوال كثيرة أظهرها أنه للاختلاف الداذ عليه مختلفين فالضمير حينئذ للناس أي لثمرة الاختلاف من كون فريق في الجنة، وفريق في السعير خلقهم، واللام لام العاقبة، والصيرورة لأنّ حكمة خلقهم ليس هذا لقوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، الآية:
56] ولأنه لو خلقهم له لم يعذبهم عليه أو الاشارة له وللرحمة المفهومة
من رحم لتأويلها بأن، والفعل أو كونها بمعنى الخير، وتكون الاشارة لاثنين كما في قوله:{عَوَانٌ بَيْنَ} [سورة البقرة، الآية: 68] ذلك والمراد لاختلاف الجميع، ورحمة بعضهم خلقهم، وهذا معزوّ إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وان كان الضمير لمن فالإشارة للرحمة بالتأويل السابق.
قوله: (وعيد) وفي نسخة وعيده فيكون بيانا لأنها مجاز عن الوعيد وإن قيل إنه يجوز أنه حقيقة بإرادة الكلمة الملقاة للملائكة عليهم الصلاة والسلام، والكلمة بمعناها اللغويّ، وهو الكلام. قوله:(من عصاتهما أجمعين أو منهما أجمعين لا من أحدهما) إشارة إلى دفع ما يسأل عنه في هذه الآية، وآية السجدة:{وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [سورة السجدة، الآية: 13] كما قال بعض المتأخرين إنّ ظاهرها يقتضي دخول جميع الفريقين جهنم، وخلافه متفق عليه قال وأجاب عنه بعض المفسرين بأن ذلك لا يقتضي دخول الكل بل بقدر ما تملأ به جهنم كما إذا قلت ملأت الكيس من الدراهم لا يقتضي دخول جميع الدراهم في الكيس، ولا يخفى ما فيه فإنه نظير أن تقول ملأت الكيس من جميع الدراهم، وهو يقتضي دخول جميع الدراهم فيه، والسؤال عليه كما في الآية باق بحاله، والحق في الجواب أن يقال المراد بلفظ أجمعين تعميم الأصناف، وذلك لا يقتضي دخول جميع الأفراد كما إذا قلت ملأت الجراب من جميع أصناف الطعام فإنه لا يقتضي ذلك إلا أن يكون فيه شيء من كل صنف من الأصناف لا أن يكون فيه جميع أفراد الطعام كقولك امتلأ المجلس من جميع أصناف الناس لا يقتضي أن يكون في المجلس جميع أفراد الناس بل يكون فيه من كل صنف فرد، وهو ظاهر، وعلى هذا تظهر فائدة لفظ أجمعين إذ فيه ردّ على اليهود، وغيرهم ممن زعم أنه لا يدخل النار اهـ، وإنما أوردت هذا مع طول ذيله لتعلم، وجازة كلام المصنف رحمه الله تعالى، ودقته إذ جمع سؤاله، وجوابه في كلمتين، وقد اعتنى بهذا البحث فضلاء العجم حتى إنّ بعضهم كتب عليه ما لو أوردته لقضيت منه العجب، وحاصل كلام المصنف رحمه الله تعالى أنّ المراد بالجنة، والناس أمّا عصاتهما على أنّ التعريف للعهد، والقرينة عقلية لما علم من الشرع أنّ العذاب مخصوص بهم، وأنّ الوعيد ليس إلا لهم، ولا حاجة إلى تقدير مضاف كما قيل فأجمعين حينئذ ظاهر فإن لم يحمل على العهد، وأبقى على إطلاقه ففائدة التأكيد بيان أنّ ملء جهنم من الصنفين لا من أحدهما فقط، ويكون الداخلوها منهما مسكوتا عنه موكولاً إلى علمه تعالى، وما ذكره المجيب وجه آخر لكن دخول كل صنف غير معلوم، وكذا المراد بالصنف، وهو إما مجاز في اللفظ أو بالنقص وعلى كل حال فأجمعين لا يلائمه وأمّا قول النحاة أنّ أجمعين لا يجوز أن يكون تأكيداً للمثنى فهو إذا كان مثنى حقيقة لا إذا كان كل فرد منه جمعا فانه حينئذ تأكيد للجمع في الحقيقة فلا يرد عليه ما ذكر كما قيل، ولذا قيل إنه لتأكيد
النوعين لئلا يختص الحكم بأحدهما، ولا يلزم دخول جميع العصاة فيها إذ ما من عام إلا وقد خص فهو مقيد بقيد مقدر، وهو مما قدر الله أن يدخلها فتأمّل. قوله:(وكل نبا) إشارة إلى أنّ التنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف وقوله تخبرك به تفسير له، وأشارة إلى أنّ كلا مفعول به، ومن أنباء الرسل صفة للمضاف إليه المحذوف لا لكلا لأنها لا توصف في الفصيح كما في إيضاح المفصل، ومن تبعيضية، وقيل بيانية. قوله:(بيان لكلا) أي عطف بيان فالمعنى هو ما نثبت الخ. أو بدل كل أو بعض، وقوله أو مفعول أي ما مفعول به لنقص وكلا منصوب حينئذ على المصدرية أي كل نوع من أنواع الاقتصاص أي اقتصاصا متنوّعا، وجعله عطف بيان تبعا للزمخشري في عدم اشتراط توافقهما تعريفا وتنكيراً فلا يرد عليه الاعتراض به حتى يتكلف له ويقال مراده أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو ما نثبت والجملة مفسرة فالبيان البيان المعنوي لا النحوي. قوله:(ما هو حق) أوله بما ذكر ليتناسب المعطوف، والمعطوف عليه، وقيل جعلها اسماً موصولأ لا حرف تعريف ليحصل الانتظام بينه وبين معطوفيه، وفيه نظر، ولا بدّ من بيان وجه يفسره بما ذكره ونكتة للاختلاف تعريفا وتنكيراً فالظاهر أن يقال إنما عرفه لأنّ المراد منه ما يختص بالنبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ارشاده وتسليته بما هو معروف معهود عنده فلذا عرف بحرف التعريف، وأمّا الموعظة والتذكر فأمر عامّ لم ينظر فيه لخصوصية ففرق بين الوصفين للفرق بين موصوفاتهما، وفي كلام المصنف رحمه