المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يوسف عليه الصلاة والسلام وأبيه واخوته مشتملة على قصص، وأخبار - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٥

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: يوسف عليه الصلاة والسلام وأبيه واخوته مشتملة على قصص، وأخبار

يوسف عليه الصلاة والسلام وأبيه واخوته مشتملة على قصص، وأخبار مختلفة، وقد يطلق الجمع على الواحد كما مز في أضغاث أحلام، وهو كما قيل إلا أنه خلاف المتبادر المعتاد فإنه يقال في مثله قصة لا قصص. قوله: الذوي العقول المبرأة عن شوائب الألف والركون إلى الحس (فسره به لأن اللب وان كان بمعنى العقل لكن أصله للخالص من الشيء فلذا يقال لكل شيء خالص إنه لب كذا فاعتبر خلوص العقل عن الأوهام الناشئة عن الألف والحس، ولم يقف عليه قال إن المصنف رحمه الله تعالى حمله على العقل

بالفعل فلذا قيده به، ولا حاجة إليه. قوله:(ما كان القرآن حديثاً مفتري) يعني اسم كان ضمير راجع للقرآن المفهوم من القصص إذا قرئ بالكسر ولا يعود لها لأنه كان يلزم تأنيث ضميره وإذا قرئ بفتح القاف يجوز أن يعود إلى القصص والى القرآن لكنه فسره بما يجري على القراءتين، وعوده إلى القصص بالفتح في القراءة به، واليه في ضمن المكسور، وتذكيره باعتبار الخبر، وان جوز لا حاجة إليه. قوله تعالى:( {وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} ) العامة على نصب تصديق على عطفه على خبر كان، وقرأ غيرهم تصديق بالرفع وقد سمع من العرب فيه الرفع والنصب والمراد بما بين يديه ما تقدمه من الكتب الإلهية. قوله:(وتفصيل كل شيء يحتاج إليه في الدين الخ) قيل عبارة كل للتكثير، والتفخيم لا للإحاطة والتعميم كما في قوله:{وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} [سورة النمل، الآية: 23] ومن لم يتنبه لهذا احتاج إلى تخصيص الشيء بالذي يتعلق بالدين، ثم تكلف في بيانه فقال إذ ما من أمر ديني إلا وله سند من القرآن بوسط أو بغير وسط، ولم يدر أن عبارة التفصيل لا تتحمل هذا التأويل ورد بأنه متى أمكن حمل كلمة كل على الاستغراق الحقيقي لا تحمل على غيره، والعجب أن هذا القائل قال في تفسير قوله تعالى، وتفصيلا لكل شيء يحتاج إليه في الدين ففيه دلالة على أنه لا اجتهاد في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام لأنه فرع الإجمال في بعض الأمور الدينية فبين كلاميه مناقضة ظاهرة والمنصوص عليه في التوراة ستمائة حكم، وشيء والوقائع غير متناهية فكيف لا يكون في شرعه اجتهاد والتفصيل هنا بمعنى التبيين كما صرح به في اللغة فلا ينافي الإجمال، والفرع الذي ذكر. من كونه لا اجتهاد في الشرائع السابقة مما لم يتعرّضوا له في الأصول لأنه لا يترتب عليه حكم الآن، والظاهر أنه غير صحيح لما ذكره المجيب. قوله:(يصدّقونه) قيل حمل الإيمان على معناه اللغوي فقدر له مفعولاً، والأولى أن يحمل على المصطلح عليه كي لا يدخل فيه من يصدق بقلبه، ويجحد به عناداً، ولا يخفى أن من هذا حالاً لا يعتد بتصديقه، ولا يسمى مؤمناً فالمراد تصديقه تصديقا متعارفا، وهو ما طابق فيه اللسان الجنان. قوله: (وعن النبي صلى الله عليه وسلم " علموا أرقاءكم سورة يوسف " (الأرقاء بالمد جمع رقيق، ولعل تهوين سكرات الموت لدعائه صلى الله عليه وسلم بقوله توفني مسلما وألحقني بالصالحين، وأما عدم الحسد فلاعتباره بما وقع بسبب حسد يوسف عليه الصلاة والسلام لإخوته وان كان سبباً

لرفعته في الدنيا والآخرة كما قال:

عداي لهم فضل عليّ ومنة فلا قطع الرحمن عني إلاعاديا

وهذا الحديث رواه الثعلبي والواحدي وابن مردويه عن أبيّ رضي الله عنه، وهو موضوع، وقال ابن كثير أنه منكر من جميع طرقه وهو من الحديث المشهور الذي ذكر فيه فضائل جميع السور، وقد اتفقوا على أنه موضوع تمت السورة والحمد لله على جميع آلائه، والصلاة والسلام على أشرف مخلوقاته وخاتم أنبيائه، وعلى آله وأصحابه ما دعى الله بأسمائه اللهم يسر لنا خدمة كلامك ووفقنا لفهم معانيه بإلهامك إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

سورة‌

‌ الرعد

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله:) سورة الرعد (خبر مبتدأ محذوف ومدنية خبر آخر أو هو مبتدأ وخبر. قوله:

(مدنية وتيل مكية) قال الداني في كتاب العدد وكونها مكية قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وقال قتادة هي مدنية إلا قوله

ص: 213

ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة، وروي من أوّلها إلى آخر ولو أن قرأنا الآية نإنه مدنيّ وباقيها مكي، وهي ثلاث وأربعون في الكوفي، وأربع في المدني، والمكي وخمس في البصري، وسبع في الشامي. قوله:(قيل معناه أنا الله أعلم وأرى) هذا بناء على أنها حروف مقتطعة من كلمات، وهو أحد الأقوال السابقة، وتخصيصه هنا هذا الوجه لأنه مأثور روي عن مجاهد كما في الدرّ المنثور فما قيل من أنه لا وجه له لا وجه له. قوله:(يعني بالكتاب السورة الخ (ليس من باب إطلاق اسم الكل على البعض لأنّ الكتاب بمعنى المكتوب صادق على السورة فلا داعي إلى التجوّز من غير قرينة، والحامل على ذلك ما ستراه في تصحيح الحمل، وقوله وتلك إشارة إلى آياتها باعتبار أنها التلاوة بعضها والبعض الآخر في معرض! التلاوة صارت كالحاضرة أو لثبوتها في اللوج أو مع الملك، وهذا على جعل تلك مبتدأ، وآيات الكتاب خبره، وقيل إشارة إلى أنباء الرسل عليهم الصلاة والسلام المذكورة في آخر السورة المتقدمة، وأمّا إعراب المر فكما مز في البقرة. قوله:) اي تلك الآيات آيات السورة الكاملة (قيل في بيانه إن خبر المبتدأ إذا عرف بلام الجنس أفاد المبالغة وأنّ هذا المحكوم عليه اكتسب من الفضيلة ما يوجب جعله نفس الجنس، وإنه ليس نوعاً من أنواعه وهو في الظاهر كالممتنع، ولذا قال الزمخشري: الكاملة العجيبة في بابها فيحمل على الاستغراق لمقتضى المقام مبالغة في الكمال إذا أريد بكل كتاب السورة أو على الحقيقة فيدعي اتحاد مفهوم الكتاب بالسورة، ولذا قيل الكتاب دون السورة، وقيل الكمال مستفاد من إطلاق الكتاب الذي هو مجموع المنزل على بعضه فكأنه الكل في الكمال كأنه المستأهل لأن يسمى كتاباً دون غيره، وليس هذا من قبيل قوله تعالى ذلك الكتاب المفيد لحصر جن! الكتاب في المشار إليه فيفيد أنه الكامل دون ما عداه من الكتب إذ المسند هنا ليس معرّفا باللام حتى يفيد حصره في المسند إليه بل المضاف إلى المعرف، وقيل إنّ الكمال مستفاد من حمل اللام على الاستغراق أو الحقيقة للمبالغة في الكمال لا لأنّ مدخول اللام ليس بمسند فإن مدار الإفادة هو

كون اللام لأحد المعنيين المذكورين ليس إلا وليس بمخصوص بالمسند ومن ادعى ذلك فعليه البيان قيل لأنّ ذلك إنما ينتظم أن لو كانت السورة من أفراد الكتاب كما أنّ زيداً في قولك زيد هو الرجل من أفراد الرجال، وما قالوه في ذلك الكتاب لأمر غير ما نحن فيه، ثم إنه إنما اعتبر هذا المعنى هاهنا ليفيد الحكم ولم يعتبر في سورة يوسف لوصفه بالمبين، ولا يخفى عليك أنه إذا أريد بالكتاب السورة فالآيات إتا أن يراد بها جميع آياتها أولاً، والمراد الأوّل وجميع الايات هو السورة فتكون الإضافة بيانية، ويؤول المعنى إلى أنّ تلك آيات هي الكتاب، ومعناه معنى ذلك الكتاب، والمآل أنها سورة كاملة عجيبة ولا بد للقائل من الاعتراف بهذا أيضا، وما أورده من الشبهة قد عرفت دفعه، وقد علم من هذا فائدة، وهي أن الخبر إذا كان مضافا إضافة بيانية إلى المعرف باللام الجنسية يفيد الحصر، وما ذكره شراح الكشاف خال من التكلف والمجاز. قوله:(أو القرآن (بالنصب عطف على السورة فالمعنى آيات هذه السورة آيات القرآن، ولا يلزم منه كون آيات السورة جميع آيات القرآن لعدم الفائدة فيه، وإنما جوّزه في سورة يونس لوصفه بالحكيم. قوله: (هو القرآن كله) تفسير للذي أنزل، ولم يفسره أحد ببعض القرآن هنا، وإذا كان في محل جرّ عطفاً على الكتاب فالحق خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق أو ذلك الحق. قوله:(عطف العام على الخاص) قيل عليه أن الكتاب إمّا بمعنى السورة أو القرآن كما مر وليس أعمّ لأنه إمّا من عطف الكل على الجزء أو من عطف أحد المترادفين على الآخر، وكذا ما قيل إنّ هذا الوجه على إرادة السورة من الكتاب وليس هذا بوارد لأنّ التفسير المذكور للمراد منه في النظم والعموم، والخصوص باعتبار مفهوم الكتاب بمعنى المكتوب من القرآن المتلو الصادق على الكل، والجزء والمراد منه أحد ما صدقاته، والذي أنزل ما أنزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو أعم من ذلك بل من القرآن فتدبر. قوله:) أو إحدى الصفتين على الأخرى) قيل هذا إذا أريد بالكتاب القرآن قيل، وفيه رذ على أبي البقاء رحمه الله إذ جعله نعتا للكتاب بزيادة الواو في الصفة كقوله أتاني كتاب أبي حفص والفاروق، ويرد عليه أنّ الذي ذكره في زيادة الواو

ص: 214

للإلصاق خصه صاحب المغني بما إذا كان النعت جملة، ولم نر من ذكره في المفرد في غير هذا المحل، وعلى ما ذكره المصنف هو كقوله:

هو الملك القرم وابن الهمام

قوله: (والجملة كالحجة على الجملة الأولى (يعني على هذا الوجه، وهو ما إذا كان مبتدأ وخبراً، وعلى ما قبله الحق خبر مبتدأ محذوف، وفي الكشاف بعد ما فسر الكتاب بالسورة هو الحق الذي لا مزيد عليه لا هذه السورة وحدها وفي أسلوب هذا الكلام قول الإنمار؟ لآ هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها تريد الكملة، والإنمارية هي فاطمة بنت

الخرشب ولدت لزياد العبسي ربيعا الكامل، وعمارة الوهاب وقي! الحفاظ، وأن! الفوارس، وكاتت العرب تسميهم الكملة قال في الكشف، وهو تغليب كالعمرين إن جعل الكامل لقبا وإن جعل وصفا غالباً فأظهر، وفيه نظر لأنه لا يكون تغليبا إلا إذا كان لقباً، وجعل الجمع له أمّا إذا كان وصفا فلا تغليب فيه إلا باذعاء الاختصاص فكيف يكون أظهر مع أنه لقب بلا شبهة، وفيه كلام في حواشي المطوّل، وكانت قيل لها أفي بنيك أفضل فقالت ربيع بل عمارة بل قيس بل أنس ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل، والله أنهم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها، ووجه الشبه عقلي مركب في حكم الواحد، وهو امتناع تعين أحد المتقابلين فيهما أعني الفاضل والمفضول في المشبه والطرف، والوسط في المشبه به فكما أنها نفت التفاضل آخراً بإثبات الكمال لكل واحد وأتت بالإجمال بعد التفصيل للدلالة على أن كمال كل واحد منهم لا يحيط به الوصف كذلك هنا لما أثبت لهذه السورة بخصوصها الكمال استدرك عليه بأنّ كل المنز! كذلك فلا تختص سورة دون أخرى بالكمال للدلالة المذكورة، وهذا وجه بليغ ومعنى بديع، وما ذكره المصنف وحمه تعالى شيء آخر وهو أن هذه الجملة لتقرير ما قبلها والاستدلال عليه لأنه إذا كان كل منزل عليه حقا كان الكتاب النازل عليه كلاً وبعضاً حقا فهو كامل لأنه لا أكمل من الحق والصدق، وإنما قال كالحجة، ولم يقل إنه حجة لأنه لا يلزم من الحقية الكمال ولأنه فيه شائبة إثبات الشيء بنفسه فتأقله. قوله: (وتعريف الخبر وإن دل على اختصاص المنزل بكوئه حقاً (إشارة إلى رذ دليل النافين للقياس فإنهم قالوا الحكم المستنبط بالقياس غير منزل من عند الله وإلا لكان من لم يحكم به كافرآ لقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [سورة المائدة، الآية: 44] وكل ما ليس منزلاً من عند الله ليس بحق لهذه الآية لدلالتها على أن لا حق إلا ما أنزله فأشار إلى إبطال المقدمة الثانية بأن المراد بالمنزل من عند الله ما يشمل الصريح، وغيره فيدخل فيه القياس لاندراجه في حكم المقيس عليه المنزل من عنده وأمرنا بالقياس في قوله تعالى:{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} الدال على حسن اتباعه كما بين في الأصول وسكت عن إبطال المقدمة الأخرى لأنّ إبطال إحدى مقدمتي الدليل كاف في عدم صحته، واستقامة الاستدلال به مع أنه علم مما مرّ في المائدة أن المراد بعدم الحكم ليس هو الحكيم بغيره مما ذكر بل الاستهانة به وإنكاره، وقد قيل إنّ المراد من لم يحكم بشيء أصلا مما أنزله، ولا شك أنه من شأن الكفرة أو أن المراد بما أنزله الله هنا التوراة بقرينة ما قبله ونحن غير متعبدين بها فتختص باليهود، ويكون المراد الحكم بكفرهم، إذ لم يحكموا بكتابهم، ونحن نقول بموجبه كما بين في شرح المواقف، ولا قصور في كلام المصنف وحمه الله تعالى كما قيل ثم إنه قيل لمانع أن يمنع دلالة هذه الآية على القصر بل هي دالة على كمال

الحقية في المنزل لعدم الاعتداد بحقية غيره لقصوره عن مرتبة الكمال كما أشار إليه الزمخشري، وبه يندفع ما يتوهم من أنّ الحكم بكمال السورة يشعر بأنّ غيرها ليس كذلك، ولو سلم أنه حقيقيّ فهو بالإضافة إلى غيره من الكتب المنزلة لتحريفها ونسخا فقوله وغيره أي السنة والإجماع، وفيه إشارة إلى انتقاض دليلهم بهما والجواب الجواب وما نطق المنزل الخ إشارة إلى ما مر وقوله وما آتاكم الرسول فخذوه وكنتم خير أفة ونحوه مما يثبت حقية ذلك، ثم إنّ ما ذكروه من كونه إشارة إلى الدليل المذكور في شرح المواقف حتى يعتذر عن عدم تعرضه للمقدمة الأخرى بما مر غير لازم لجواز أن يريد أن حصر الحقية في المنزل من الله يقتضي عدم حقية القياس لأنه من تصزف المجتهدين فيدفع بما ذكر من غير حاجة إلى تكلف ما ذكر

ص: 215

الداعي إلى ما مرّ من القصور فتأمل. قوله: (مبتدأ وخبر الخ) رجح هذا في الكشف بأن قوله، وهو الذي مد الأرض عطف عليه على سبيل التقابل بين العلويات، والسفليات، وفي المقابل الخبرية متعينة فكذا هذا ليتوأفقا، ولدلالته على أن كونه كذلك مقصود بالحكم لا أنه ذريعة إلى تحقيق الخبر، وتعظيمه كما هو مقتضى الوجه الآتي، وهو على هذا جملة مقزرة لقوله، والذي أنزل إليك من ربك الحق، وعدل عن ضمير الرب إلى الجلالة الكريمة لترشيح التقرير كأنه قيل كيف لا يكون المنزل ممن هذه أفعاله هو الحق، وتعريف الطرفين لإفادة أنه لا مشارك له فيها لا سيما، وقد جعل صلة للموصول، وهذا أشدّ مناسبة للمقام من جعله وصفا مفيداً لتحقيق كونه مدبراً مفصلاً مع التعظيم لشأنهما كما في قول الفرزدق:

إنّ الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول

ولا تنافي بين الوجهين باعتبار أن الوصفية تقتضي معلوميتها، والخبرية تقتضي خلافها

لأنها معلومة عليهما، والمقصود بالإفادة قوله لعلكم بلقاء ربكم توقنون فالمعنى أنه فعلها كلها لذلك، وعلى الثاني فعل الأخيرين لذلك مع أن الكل لذلك، وهذا مما يرجح الوجه الأوّل أيضا كما يرجحه أن ذكر تدبير الآيات، وهي الرفع والاستواء، والتسخير فإنه ذكرها ليستدلّ بها على قدرته، وعلمه ولا يستدل بها إلا إذا كانت معلومة فيقتضي كونها صفة فإن قلت لا بد في الصلة أن تكون معلومة سواء كان الموصول صفة أو خبرا قلت إذا كان صفة دل على انتساب الآيات إلى الله تعالى وإذا كان خبراً دلّ على انتسابها إلى موجود مبهم وهو غير كاف في الاستدلال. قوله:(والخبر يدبر الآمر) ويفصل خبر بعد خبر وعلى الأوّل هما مستأنفان أو يدبر حال من فاعل سخر ويفصل حال من فاعل يدبر أو هما حالان من ضمير استوى وسخر من تتمته لأنه تقرير لمعنى الاستواء، وتبيين له أو جملة مفسرة. قوله:(أساطين) جمع أسطوانة، وهي السارية معربة أستون ووزنها أفعوالة أو فعلوانة كما في القاموس ووقع في بعض نسخة أفعوانة من غلط الكاتب والصحيح ما قاله في المصباح من أنه بضم الهمزة، والطاء السارية، والنون عند الخليل أصل فوزنها أفعوالة وعند بعضهم زائدة والواو أصل فوزنها أفعلانة، وجمعه

أساطين وأسطوانات اهـ. قوله: (جمع عماد كإهاب وأهب او عمود) بالجرّ عطف على عماد وقال ابن مالك في التسهيل إنه جمع لفاعل، وذكروا له أمثلة في كلامهم بلغت اثني عشر مثالاً كما في شرح التسهيل، والمزهر وما قيل إنه جمع العماد كأديم، وأدم واهاب وأهب وأفيق وأفق ولا خامس لها مردود، وكونه جمع عمود لأنّ فعيلاً وفعولاً يشتركان في كثير من الأحكام، وهو مخالف لما في التسهيل من وجهين لأنهم جعلوه جمعا، وهو اسم جمع ولأنه ذكر أنه اسم جمع لفاعل، وهم جعلوه لفعيل أو فعول أو فعال والأمر فيه سهل ورجح كونه اسم جمع برجوع ضمير ترونه في قراءة أبيئ إليه، وقيل إنه راجع لرفع السماوات بغير عمد. قوله: (صفة لعمد أو استئناف (على كونها صفة يصح توجه النفي للصفة فيكون لها عمد لكونها غير مرئية، والمراد بها قدرة الله فيكون العمد على هذا استعارة، ويصح أن يكون لنفي الصفة والموصوف على منوال قوله:

ولا ترى الضب بها ينحجر

لأنها لو كان لها عمد كانت مرئية، وهذا في المعنى كالاستئناف لأنها حينئذ تكون جملة مستأنفة لبيان موجب أنّ السماوات رفعت بغير عمد كأنه لما قيل رفعها بغير عمد قيل ما الدليل عليه فقيل رؤية الناس لها بغير عمد واليه أشار بقوله للاستشهاد فهو كقول القائل:

أنا بلا سيف ولا رمح تراني

ويحتمل أن يكون استئنافاً بدون تقدير سؤال وجواب، وما قيل إنّ المراد بالعمد الغير المرئية جبل قاف غير مناسب رواية ودراية. قوله: (وهو دليل على وجود الصانع الحكيم الخ (كونها متساوية في الجرمية أمر مقزر مثبت في الكلام فما قيل إنه لا دليل عليه عقلا ونقلاً ناشئ عن عدم الاطلاع، وكذا احتمال كونها مركبة من أجزاء مختلفة الحقائق بعضها يقتضي الارتفاع وبعضها يقتضي التسفل، وانّ هذا دليل ظني فتدبر، وقوله ليس بجسم، ولا جسماني أي فيه خواص الأجسام كالتحيز إذ لو لم يكن كذلك لزم التسلسل، وقوله ما ذكر من الآيات أي من تسخير الشمس واخواته، وقوله بالحفظ، والتدبير إشارة إلى أنه ليس المراد بالاستواء ظاهره بل هو استعارة تمثيلية

ص: 216

لما ذكر كما مرّ تقريره، وقوله كالحركة المستمرّة أي في هذه النشأة، وقوله ينفع أي يجري العادة على ما أراده الله فليس ذهابا إلى تأثير العلويات. قوله: المدّة معينة يتم

فيها) وفي نسخة بها أدواره أو لغاية الخ إشارة إلى أنّ الأجل كما يطلق على مدّة الشيء يطلق على غايتها كما مرّ، وأنّ التسخير لمنافع العباد في هذه الدار وعن ابن عباس رضي الله عنهما كل منهما يجري إلى وقت معين فإنّ الشمس تقطع الفلك في سنة، والقمر في شهر لا يختلف جري واحد منهما كما في قوله تعالى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [سورة ي! ، الآية: 38، قيل وهذا هو الحق في تفسير الآية، وأمّا قول المصنف رحمه الله تعالى أو لغاية مضروبة الخ فلا يناسب الفصل به بين التسخير والتدبير، ثم إنّ غايتهما المذكورة متحدة، والتعبير بكل يجري صريح في التعذد، وما للغاية إلى دون اللام وما رذ به من أنه إن أراد أنّ التعبير به صريح في تعذد ذوي الغاية فمسلم لكن لا يجديه نفعاً وان أراد صراحته في تعدد الغاية فغير مسلم واللام تجيء بمعنى إلى كما في المغني وغيره، وهو إنما يقتضي صحته لا مناسبته للظاهر ولما بعده وهو الذي ذكره المرجح لتفسير ابن عباس رضي الله عنهما على ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى فتأمّل، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [سورة التكوير، الآية؟ أ] عبارة عن فناء العالم، وقيام الساعة كما سيأتي، وقوله أمر ملكوته أي ما يجري في ملكه. قوله:(ينزلها ويبينها مفصلة الخ) فالمراد بالآيات آيات الكتاب المنزلة وهو المناسب لما قبله أو المراد بالآيات الدلائل لأنه المناسب لما بعده، والمراد بالدلائل رفع السماوات بغير عمد الخ، وتفصيلها بمعنى إحداثها وقال غيره بمعنى تبيينها، والمراد بالدلائل ما يدل على وجود الصانع وصفاته وألوهيته، وحكمته وقدرته، ويلزم من معرفة ذلك العلم بصحة القول بالحشر والنشر والجزاء كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بقوله أنّ من قدر الخ. قوله: (بسطها طولاً وعرضاً (استدل به بعضهم على تسطيح الأرض وأنها غير كرية بالفعل، وأن من أثبته أراد به أنه مقتضى طبعها كما بين في محله ورد بأنه ثبت كريتها بأدلة عقلية لكنه لعظم جرمها يشاهد كل قطعة، وقطر منها كأنه مسطح، وهكذا كل دائرة عظيمة، ولا يعلم كريتها إلا الله. قوله: (جمع راسية الخ (اعترض عليه بأنّ أئمة العربية كابن مالك وابن الحاجب، وأبي حيان صرّحوا بأن فواعل يجمع عليه فاعلة مطلقا، وفاعل إذا كان صفة مؤنث كحائض أو صفة ما لا يعقل مذكراً كجمل بازل وبوازل أو اسما جامداً أو ما جرى مجراه كحائط وحوائط، وأمّا صفة المذكر العاقل فلا تجمع عليه إلا شذوذاً كهالك وهوالك، ومن ظن أن فاعلاً المذكر لا يجمع عليه مطلقاً فقد غلط كما صرّج به ابن مالك في كافيته وشرحها، وهو مما لا شبهة فيه، وقد تبع المصنف

رحمه الله تعالى المشهور بينهم فأورد عليه ما أورد عليهم ثم إنّ ما ذكره لا يخلو من شيء لأنّ تاء المبالغة في فاعله غير مطردة، ولأن رواسي إذا كان صفة فموصوفه إمّا جبال أو أجبل والثاني غير مراد، ولأنه جمع جبل فيلزم كون مفرد رواسي راسيا والأوّل مفرده أيضا جبل لا أجبل لأنه ليس بجمع الجمع كما صرح به أهل اللغة، وأمّا قول أبي حيان رحمه الله تعالى بأنه غلب على الجبال وصفها بالرواسي، ولما استغنوا بالصفة عن الموصوف جمع جمع الاسم كحائط، وحوائط فلا حاجة إليه، وما أورد من أن الغلبة تكون بكثرة الاستعمال، والكلام في صحته من أوّل الأمر ففيما ذكره دور فيه نظر لأنّ كثرة استعمال الرواسي غير جار على موصوف تكفي لمدّعاه فتأمّل، وكذا ما قيل إنه جمع راسية صفة جبل مؤنث باعتبار البقعة. قوله: (على أنها صفة جبل الخ (لما كانت صيغة جمع الكثرة للفظ تنتظم أضعاف عدد جمع القلة لذلك اللفظ، وان أريد بجمع القلة غاية ما يصح أن يطلق عليه فلذا قيل أجبل راسية، وجبال رواس ورد عليه ما قيل من أنه إما أن يرأد بالجبال إلا جبلات جمع الجمع فلا يخطر ببال أحد، ولا يتوقف تحقيق مراد المصنف عليه فمن أورد على المصنف أنه لا حاجة إلى جعل مفردها صفة لجمع القلة، وهو أجبل بأن يعتبر في جمع الكثرة انتظامه لطوائف من جموع القلة ينزل كل منها منزلة مفرده فقد ألزمه ما لم يلزمه وإذا صح إطلاق أجبل راسية على جبال قطر مثلأ صح إطلاق الجبال على جبال جميع الأقطار من غير إرادة جعل الجبال جمع أجبلات، وبما ذكرنا تبين أيضا فساد ما قيل إنه لا مجال

ص: 217

لما ذكر فإن جمعية كل من صيغتي الجمعين إنما هي لشمول الأفراد لا باعتبار شمول جمع القلة للأفراد وجمع الكثرة لجموع القلة فكل منهما جمع جبل لا أنّ جبالاً جمع أجبل فتدبر. قوله:) وعلق بهما فعلَا واحدأ (من حيث إن الجبال أسباب لتولدها هذا بناء على ما ذهب إليه بعض الحكماء من أن الجبال لتركبها من أحجار صلبة إذا تصاعدت إليها الأبخرة احتبست فيها، وتكاملت فتنقلب مياها، وربما خرقتها فخرجت منها والذي تدل عليه الآثار أنها تنزل من السماء، ولما كان نزولها عليها أكثر كانت كثيرا ما يخرج منها، ويكفي هذا لتشريكهما في عامل، وجعلهما جملة واحدة. قوله: (أي وجعل فيها من جميع أنواع الثمرات الخ) يعني أنّ معنى كون الثمرات زوجين زوجين أنّ كل ثمر مختلف بما ذكر وترك تفسيره بأن حين مدّ الأرض جعل كل صنف منها زوجين لأنه كما في الكشف دعوى بلا دليل، والزوج يطلق على الشيئين المزدوجين، وعلى كل واحد منهما فإن أريد الأول فاثنين مؤكد وإن أريد الثاني فمبين. قوله:(يلبسه مكانه فيصير الجوّ مظلماً بعدما كان مضيئا) غشيه بمعنى ستره، وغشاه بكذا جعله ساترأ له، ومنه غاشية السرج، والنهار

زمان ظهور الشمس، وانتشار الضوء، والليل زمان غيبوبتها فليس أحدهما مسئوراً بالآخر فلذا جعلوه بمعنى غشيان مكان النهار واظلاله له، وذلك بمنزلة غشيانه نفسه، فالتجوّز في الإسناد بإسناد ما لمكان الشيء إليه، ويجوز فيه أن يكون استعارة كقوله:{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [سورة الزمر، الآية: 5] يجعله مغشيا للنهار ملفوفا عليه كاللباس على الملبوس والأوّل أوجه وأبلغ ومكانه هو الجوّ وفي جعله مكاناً له تجوز لأنّ الزمان لا مكان له، والمكان للضوء الذي هو لازمه، واكتفى بذكر تغشية الليل النهار مع تحقق عكسه للعلم به منه مع أنّ اللفظ يحتملهما لأنّ التغشية بمعنى الستر، وهي أنسب بالليل من النهار. قوله:(فإنّ تكوّنها وتخصصها بوجه دون وجه الخ) قال الإمام الأكثر في الآيات إذا ذكر فيها الدلائل الموجودة في العالم السفلي أن يجعل مقطعها إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وما يقرب منه وسببه أنّ الفلاسفة يسندون حوادث العالم السفلي إلى الاختلافات الواقعة في الأشكال الكوكبية فردّه الله تعالى بقوله لقوم يتفكرون لأنّ من تفكر فيها علم أنه لا يجوز أن يكون حدوث الحوادث من الاتصالات الفلكية ولذا عقبه بقوله: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ} الخ ومن تأمّل هذه اللطائف علم اشتمال القرآن على علوم الأوّلين والآخرين ثم بين كيفية الاستدلال بما لخصه منه المصنف في قوله بعضها طيبة وبعضها سبخة الخ. قوله: (لاشتراك تلك القطع الخ) ، وأمّا اشتراكها في الطبيعة الأرضية فظاهر لأنها بسيطة متحدة المادّة، وما يعرض لها بالعين المهملة على الصحيح، وفي بعض النسخ يفرض بالفاء أي ما يقدر لها وبينه بالأسباب السماوية، وقوله من حيث إنها متضامّة تعليل للاشتراك، وقوله متشاركة في النسب أي في نسب العلويات، وأوضاعها في الاقترانات ونحوها. قوله:(وبساتين فيها أنواع الأشجار والزروع) بساتين جمع بستان وهو الحديقة معرب بوستان، وفي الكشاف وفي بعض المصاحف قطعا متجاورات على معنى وجعل، وقرئ وجنات بالنصب للعطف على زوجين أو بالجرّ على كل الثمرات، وقرئ وزرع ونخيل بالجز عطفاً على أعناب أو جنات اهـ وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى الظاهر أنه على رفع جنات عطفا على قطع، وقرئ بنصبه عطفا على زوجين مفعول جعل، ومن كل الثمرات حالاً مقدّما لا صلة جعل لفساد المعنى عليه أي جعلنا فيها زوجين حال كونهما من كل الثمرات، وجنات من أعناب، ولا يجب تقييد المعطوف بقيد المعطوف عليه فإن قلت إنهم قالوا في قوله:

{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ} [سورة التوبة، الآية: 25] إنه لازم قلت قال في الكشف مرادهم ثمة إنه الظاهر الذي لا يخالف إلا لقرينة وهاهنا القرينة قائمة وقرئ بجرّه عطفا على كل الثمرات على أن يكون هو مفعولاً بزيادة من في الإثبات وزوجين اثنين حالاً منه، والتقدير وجعل فيها من كل الثمرأت حالة كونها صنفين صنفين، وقوله وتوحيد الزرع يعني لم يقل زروعاً لأنه مصدر في أصله وفي نسخة في الأصل مصدر زرع يزرع زرعا فالمصدر شامل للقليل والكثير. قوله:(وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص وزرع ونخيل صنوان بالرفع عطفاً على وجنات) فيه تسمح بذكر صنوان كما في نسخة وفي نسخة إسقاطها، وهي ظاهرة لأنه ليس معطوفا بل تابع للمعطوف، وكذا في قوله وجنات بالواو كما

ص: 218

في النسخ، فإنّ المعطوف عليه جنات، ثم إنه إذا عطف على جنات فهو واضح، وأئا إذا عطف على أعناب والزروع لا تعد حدائق فجعله في الكشف نحو متقلداً سيفا ورمحا أو المراد إنّ في الجنات فرجا مزروعة بين الأشجار، وهو أحسن منظراً وأنزه.

قوله: (وقرأ حفص! بالضتم وهو لغة بني تميم كقنوان في جمع قنو) على قراءة الجمهور بالكسر هو مما اتحد فيه مثناه، وجمعه قال ابن خالويه في كتابه ليس، ولم يأت منه إلا ثلاثة أسماء صنو، وصنوان، وقنو وقنوان وزيد بمعنى مثل وزيدان، وحكى سيبويه شقد وشقدان وحش وحشان للبستان، وكون هذه مروية عن حفص نقله الجعيرقي رحمه الله تعالى في شرح الشاطبية فقال روى اللؤلؤي عن أبي عمرو القواس عن حفص ضمّ صاد صنوان فسقط ما قيل إنّ المصنف رحمه الله تعالى تبع فيه الإمام، ولكن لم تقع هذه القراءة منسوبة إلى حفص في كتب القرا آت المشهورة بل عزوها إلى ابن مصرف والسلمي، وزيد بن عليّ، وسبب اختلافهم أن القرا آت السبع لها طرق متواترة، وقد ينقل عنهم من طرق أخر قراءة فتكون شاذة، وقارئها أحد السبعة فأعرفه فإنه ينبني عليه أمور يعترض بها على الناقل كما هنا. قوله: (في الثمر (الأكل بضم الهمزة، والكاف وتسكن ما يؤكل، وهو هنا الثمر، والحب ففي كلام المصنف رحمه الله تعالى تغليب، والأصول هي العناصر، والأسباب ما ينمو به كالسقي، وحز الشمس، ونحوه مما جعله الله سببا لذلك، وقوله ليطابق قوله يدبر الأمر ليس المراد أنّ القراءة بالرأي لأجل هذا كما توهم بل كان وجه نزولها كذلك في تلك، وهذا هو الظاهر، وقوله يستعملون

عقولهم إشارة إلى أنه نزل منزلة اللازم. قوله: (وإن تعجب يا محمد من إنكارهم الخ) هكذا قرّره الزمخشريّ، واعترض عليه بأنّ هذا ليس مدلول اللفظ لأنه جعل متعلق عجبه ىسييه هو قولهم في إنكار البعث وجواب الشرط هو ذلك القول فيتحد الشرط، والجزاء إذ تقديره إن تعجب من إنكارهم البعث فأعجب من قولهم في إنكار البعث وهو غير صحيح، وإنما المعنى أن يقع منك عجب فليكن من قولهم أئذا متنا الخ. وما ذكره وجه حسن بجعل تعجب منزلاً منزلة اللازم، والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمّا اعتراضه فغير صحيح لأنّ مرادهم بعد جعل الخطاب للنبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ الشرط، والجزاء متحدان صورة ومتغايران حقيقة كقوله:" من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرقه إلى الله ورسوله " وقوله من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى وهو أبلغ في الكلام لأن معناه أنه أمر لا يكتنه كنهه ولا تدرك حقيقته وأنه أمر عظيم كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله حقيق بأن يتعجب منه، وقيل الخطاب عام أي وإن تعجب يا من نظر في هذه الايات، وعلم قدرة من هذه أفعاله فازدد تعجباً ممن ينكر مع هذا قدرته على البعث، وهو أهون شيء عليه، وقيل المعنى إن تجدد منك التعجب لإنكارهم البعث فاستمرّ عليه فإن إنكارهم ذلك من الأعاجيب كما تدل عليه الاسمية. قوله:) فإنّ من قدر على إنشاء ما قصى عليك الخ (يعني ما ذكر سابقاً من الأمور العجيبة التي تدلّ على قدرة يصغر عندها كل عظيم، ودلالة ما ذكر على المبدأ ظاهرة، وكذا قبول موادها التصرّفات بنموها، واخراجها الثمر، وغير ذلك. قوله: (بدل من قولهم (قال أبو حيان رحمه الله تعالى هذا إعراب متكلف، والوجه هو الثاني من أنه مقول القول، والقرا آت في أئذا وأئنا مسطورة في فنها، وقوله والعامل في إذا محذوف دل عليه أئنا لفي خلق جديد، وهو نبعث قال أبو البقاء رحمه الله تعالى، ولا يجوز أن يعمل فيه ما بعد أن، والاستفهام لأنّ معمول ما بعدهما لا يجوز تقدمه عليهما، ولا كنا لأنّ إذا مضافة إليه وردّ الثاني في المغني بأنّ إذا عند من يقول بأنّ العامل فيها شرطها، وهو المشهور غير مضافة كما يقوله الجميع إذا جزمت كقوله:

واذا تصبك خصاصة فتحمل

قيل فالوجه في ردّه أنّ عمله فيها موقوف على تعيين مدلولها، وتعيينه ليس إلا بشرطها فيدور، وفيه نظر لأنها عندهم بمنزلة متى، وايان غير معينة بل مبهمة كما في ذكره القائلون به،

وصرّج به في المغني. قوله: (لآنهم كفروا بقدوته على البعث) كما يدل عليه ما قبله من إنكارهم له، وهو كفر بالله لأنّ من أنكر قدرته فقد أنكره لأنّ الإله لا يكون عاجزاً، ولأنه تكذيب لله، ولرسله عليهم الصلاة والسلام المتفقون عليه. قوله: (مقيدون بالضلالة لا يرجى

ص: 219

خلاصهم الخ) يعني هذه الجملة إن نظر إلى ما قبلها، وجعلت وصفا لهم بامتناعهم من الإيمان، واصرارهم على الكفر فهي تشبيه، وتمثيل لحالهم في الدنيا في الإصرار، وعدم الالتفات إلى الحق بحال طائفة في أعناقهم أغلال لا يمكنهم الالتفات كقوله:

كيف الرشاد وقد خلفت في نفر لهم عن الرشد أغلال وأقياد

وان نظر إلى ما بعدها تكون لوصف حالهم في الآخرة إمّا حقيقة، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى وامّا تشبيهاً لحالهم بحال من يقدم للسياسة. قوله:(وتوسيط الفصل لتخصيص! الخلود بالكفار) يعني أنّ الخلود هنا على ظاهره لا بمعنى المكث الطويل فالمراد بأصحاب النار الكفار، والخلود مقصور عليهم ولذا وسط الضمير، وأورد عليه أنه ليس ضمير فصل لأنّ شرطه أن يقع بين مبتدأ، وخبر ويكون اسما معرفة أو مثل المعرفة في أنه لا يقبل حرف التعريف كأفعل التفضيل، وهذا ليس كذلك، وقيل في جوابه مراد. بضمير الفصل الضمير المنفصل، وأنه أتى به وجعل الخبر جملة مع أنّ الأصل فيه الإفراد لقصد التخصيص، والحصر كما في هو عارف، ولا يخفى أنه من عناية القاضي، ولو قيل إنّ الزمخشريّ لا يتبع النحاة في اشتراط ما ذكر كما أنّ الجرجاني والسهيلي جوّزاه إذا كان الخبر فعلاً مضارعا واسم الفاعل مثله وقد تبعه المصنف رحمه الله تعالى لكان أقرب. قوله:(بالعقوبة قبل العافية) يعني أنّ المراد بالسيئة العقوبة التي هدّدوا بها والمراد بالحسنة السلامة منها، والخلاص منها، والمراد بكونها قبل العافية أنّ سؤالها قبل سؤالها أو أنّ سؤالها قبل انقضاء الزمان المقدر لها. قوله تعالى:( {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} الخ) الجملة حالية، ويجوز أن تكون مستأنفة، والمثلات قراءة العامّة فيها فتح الميم وضمّ الثاء جمع مثلة كسمرة وسمرات، وهي العقوبة

الفاضحة، وفسرها ابن عباس رضي الله عنهما بالعقوبة المستأصلة للعضو كقطع الأذن، ونحوه سميت بها لما بين العقاب، والمعاقب عليه من المماثلة كقوله:{وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الثررى، الآية: 40] أو هي مأخوذة من المثال بمعنى القصاص يقال أمثلته وأقصصته بمعنى واحد أو هي من المثل المضروب لعظمها، وقرأ ابن مصرف بفتح الميم وسكون الثاء، وهي لغة أهل الحجاز، وقرأ ابن وثاب بضم الميم وسكون الثاء، وهي لغة تميم، وقرأ الأعمش ومجاهد بفتحهما، وعيسى بن عمر وأبو بكر بضمهما إفا الضم، والإسكان فهي لغة أصلية أو مخففة من مضموم العين، وأفا ضمهما فلغة أصلية، ويحتمل أنه اتبع فيه العين للفاء، وقوله عقوبات أمثالهم العقوبات تفسير للمثلات كما مرّ، وأمثالهم مأخوذ من قوله، وقد خلت من قبلهم، وقوله المثلة بفتح الثاء، وضمها يعني كلاهما لغة فيها، وقوله لأنها مثل المعاقب عليه أي الذنب، وقوله إذا قصصته أي اقتصصت منه، وقوله وقرئ المثلات بالتخفيف أي تسكين الثاء بعد فتح الميم، وهو في الأصل مضموم العين أو مفتوحها أو هي لغة كما مز، وقوله والمثلات أي بضمتين، والثانية أصلية أو حركة اتباع، وقوله اتباع الفاء العين مصدو مضاف لفاعله أو مفعوله، وقوله والمثلات بالتخفيف بعد الاتباع أي بضم الميم، وسكون الثاء تخفيف المثلات بضمتين، ولم يجعله أصليا لأنّ قياسه بالفتح كحجرة، وحجرات، وقوله والمثلات أي بضم الميم وفتح الثاء كركبة وركبات. قوله:(مع ظلمهم أنفسهم ومحله النصب الخ) أي الجارّ والمجرور حال من الناس والعامل فيها هو العامل في صاحبه وهو المغفرة وهذه الآية ظاهرة في مذهب أهل السنة وهو جواز مغقرة الكبائر، والصغائر بدون توبة لأنه ذكر المغفرة مع الظلم أي الذنب، ولا يكون معه إلا قبل التوبة لأنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وهم يؤولونها بأنّ المراد مغفرة الصغائر لمجتنب الكبائر أو مغفرتها لمن تاب أو المراد بالمغفرة معناها اللغوي، وهو الستر بالإمهال، وتأخير عقابها إلى الآخرة، ولا يرد عليه أنه تخصيص للعام من غير دليل لأنّ الكفر خص منها بالإجماع فيسري التخصيص إلى ذلك لأنه لو حمل على ظاهره لكان حثا على ارتكابها، وفيه نظر نعم التأويل الأخير في غاية البعد لأنه كما قال الإمام! لا يسمى مثله مغفرة، هالا لصح أن يقال إنّ الكفار مغفورون يعني أنه مخالف للظاهر، ولاستعمال القرآن فلا يتوجه عليه أنّ المغفرة حقيقتها في اللغة الستر، وكونهم مغفورين بمعنى مؤخر عذابهم إلى الآخرة لا محذور فيه

ص: 220

وهو المناسب لاستعجالهم العذاب. قوله: (لشديد العقاب للكفار (التخصيص لأنّ ما قبله في شأنهم، والتعميم هو المتاسب لقوأ، للناس قبله، والحديث المذكور أحض جه ابن أبي حاتم والثعلبي، والواحدي من حديث سعي! 3بئ

المسيب مرسلا، وقوله:" لما هنأ " بالهمزة أي ما التذ وتهنأ به، وقوله:" لا تكل كل أحد " أي اعتمد على عفو الله وكرمه فترك العمل. قوله: (لعدم اعتدادهم بالآيات المنزلة الخ (يعني قولهم هذا يقتضي عدم النزول، وهو مخالف للواقع فإمّا أن يكون لعدم الاعتداد بما أنزل علي! أو المراد آية مما كان للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قبله كالعصا واحياء الموتى وتنوين آية للتعظيم، ويجوز أن يكون للوحدة، والفرق بين الوجهين في كلام المصنف رحمه الله تعالى ظاهر. قوله: (مرسل للإنذار كغيرك من الرسل عليهم الصلاة والسلام الخ) يعني لما لم يعتدوا بالآيات المنزلة، ولم يجعلوها من دلائل النبوّة بل ما اقترحوه تعنت قيل إنما أنت منذر لا منصوب لإجابتهم في مقترحاتهم، ولك أسوة بسائر الرسل المنذرين الذين لم ينتصبوا لإجابة المقترحين، وجملة الله يعلم على هذا استئنافية جواب سؤال، وهو لماذا لم يجابوا لمقترحهم فتنقطع حجتهم فلعلهم يهتدن بأنه آمر مدبر عليم نافذ القدرة فعال لما تقتضيه حكمته البالغة دون آرائهم السخيفة فهاد عبارة عن الداعي إلى الحق المرشد بالآية التي تناسب كل نبيئ، والتنكير للإبهام، والحصر إضافيّ أي إنما عليك البلاغ لا إجابة المقترحات، والوجه الثاني أنهم لما أنكروا الآيات عناداً لكفرهم الناشئ عن التقليد، ولم يتدبروا الآيات قيل إنما أنت منذر لا هاد مثبت للإيمان في صدورهم صاذ لهم عن جحودهم فإنه إلى الله وحده فالهادي هو الله والتنكير للتعظيم، وقوله الله أعلم تفسير لقوله هاد أو جملة مقرّرة مؤكدة لذلك والحصر إضافيّ أي عليك الإنذار لا هدايتهم، وأيصالهم إلى الإيمان، وقوله نبيّ مخصوص بمعجزات تليق به وبرماته كما أن موسى عليه الصلاة والسلام لما كان في عصره السحر جعلت آياته قلب العصا، وخوها، وعيسى عليه الصلاة والسلام لما غلب على قومه الطب أبرأ ا! مه، وأتى بما أتى، ونبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، لما بعث بين أظهر قوم بلغاء جعل أشهر آياته، وأعظمها القرآن مع ما ضمّ إلى ذلك مما فإن معجزة كل نبيّ، وهذه جملة مستأنفة، ويجوز عطف هاد على منذور جعل المتعلق مقدّما عليه للفاصلة لكن الأولى خلافه لما فيه من الفصل بين العطف، والمعطوف بالجارّ، والمجرور المختلف فيه عند النحاة إلا أنّ هذا يدل على عموم رسالته وشمول دعوته وقد يجعل خبر مبتدأ مقدر أي وهو هاد أو وأنت هاد وعلى الأوّل فيه

التفات. قوله: (أو قادر على هدايتهم) عطف على قوله نبيّ وتنوينه للتعظيم والتفخيم كما مز، وفي الكشاف إنّ هذا ناظر إلى الوجه الآخر في تفسير قوله لولا أنزل عليه، وقوله تنبيها على أنه تعالى قادر الخ ناظر إلى قوله على كمال علمه وقدرته وجار على تفسير الهادي وقيل إنه مخصوص بتفسيره بالنبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط وفيه نظر. قوله:(وإنما لم ينزل لعلمه الخ) إشارة إلى أنّ قوله الله يعلم الخ جواب سؤال مقدّر كما بيناه وقوله لعلمه بأنّ اتتراحهم للعناد فلا يفيد أو يستوجب الاستئصال، وقوله وأنه قادر على هدايتهم عطف على أنه تعالى قادر وناظر إلى قوله، وشمول قضائه، وقدره، وإلى الثاني من معنى الهادي. قوله:(وإنما لم يهدهم لسبق قضائه عليهم بالكفر (قيل إنه لا يقطع السؤال فالأولى أن يقال لحكمة لا يعلمها إلا الله ورد بأنّ المراد أنه سبق قضاؤه به لعلمه بأنهم يختارون الكفر فلا يلزم الجبر وينقطع السؤال على هذا الوجه الآية جواب سؤال أي لم لم يهدهم وأقيم الظاهر فيها مقام المضمر. قوله: (أي حملها أو ما تحمله) يعني ما إمّا مصدرية أو موصولة، والعائد محذوف ويجوز أن تكون موصوفة وعلى الأوّل الحمل بمعنى المحمول، وعلم قيل إنها متعدية إلى واحط هنا فهي عرفانية ونظر فيه بأنّ المعرفة لا يصح استعمالها في علم الله، وقد مرّ الكلام فيه مفصلا، وقوله وأنه عطف تفسير وفي أكثر النسخ إنه بدون عاطف فهو بدل اشتمال لا مفعول ثان لعلم لأنه لا يجوز الاقتصار على أحد مفعولي باب علم، وفيه كلام في العربية، وجوّز في ما أن تكون استفهامية معلقة لعلم، والجملة سادة مسذ المفعولين، وما مبتدأ أو مفعول مقدم، وهو خلاف الظاهر المتبادر ففيها ثلاثة وجوه تجري فيما بعدها.

ص: 221

قوله:) وما تنقصه وما تزداده (يقال غاض الشيء وغاضه غيره كنقص، ونقصه غيره فيكون متعديا ولازما كذا ازداد، وفسر الزيادة، والنقص بأن تكون في الجثة أو في مدة الحمل أو في عدده لإطلاقه واحتماله لما ذكر، والخلاف في أكثر مدة الحمل، وأقلها مفصل في كتب الفروع، وهرم بوزن كتف وحيان بالمثناة التحتية بالصرف وعدمه وما نقله عن الشافعي رضي الله تعالى عنه من وضع خمسة أولاد في بطن واحد من

النوادر وقد وقع مثله في هذا العصر لكن ما زاد على اثنين لضعفه لا يعيش إلا نادراً. قوله:) وقيل المراد نقصان دم الحيض الخ (فيجعل الدم في الرحم كالماء في الأرض يظهر تارة، ويغيض أخرى وتعدى هذين ولزومهما متفق عليه بين أهل اللغة، وقوله تعين ما أن تكون مصدرية، وفي نسخة تعين أن تكون ما مصدرية، وهي أحسن، وتعين المصدرية لعدم العائد، وعلى التعذي يحتمل الوجهين، وقوله واسنادهما إلى الأرحام يعني على وجهي التعدي، واللزوم، وقوله فإنهما لله يعني على التعذي أو لما فيها على اللزوم ففيه لف، ونشر تقديري. قوله:) بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه الخ) أي مما كان وما هو كائن موجوداً أو معدوما إن شملهما الشيء، والا فهو معلوم بالدلالة، وعنده صفة كل أو شيء، وقوله وهيأ له أسباباً أي لوجوده وبقائه حسبما جرت به العادة الإلهية، وقوله وقرأ ابن كثير هاد ووال الخ أي كل منقوص غير منصوب اختلف فيه القراء في إثبات الياء وحذفها وصلا ووقفاً كما فصل في علم القرا آت. قوله:) الغائب عن الحس (مرّ تحقيقه في البقرة، والشهادة الحاضر له أي للحس، وقوله الكبير العظيم الشأن يعني أن الكبر في حقه تعالى لتنزهه عن صفات الأجسام عبارة عن عظم الشأن، وقال الطيبي أن معنى الكبير المتعال بالنظر لما وقع بعده، وهو عالم الغيب والشهادة هو العظيم الشأن الذي يكبر عن صفات المخلوقين ليضمّ مع العلم العظمة، والقدرة بالنظر إلى ما سبق من قوله ما تحماى كل أنثى الخ مع إفادته التنزيه عما يزعم النصارى، وألمشركون وعالم الغيب خبر مبتف أمحدوف أو هو مبتدأ والكبير خبره أو خبر بعد خبر، وقوله الذي لا يرج أي لا يزول، وفي نسخة لا يخرج وصفه به بقرينة ما سبقه من قوله عالم الغيب، والشها إة. قوله: (أو الذي كبر عن نعت المخلوقين وتعالى عنه (معطوف على قوله العظيم الشآن لا على قوله الذي لاب-ء لأنه تفمص جر آخر للكبير المتعال فمعناه على الأوّل العظيم الشأن المستعلب على كل شيء في ث اته، ويهلما / وسائر صفاته، وعلى هذا معناه الكبير الذي يجل عما نعته به الخلق، ويتعالى عن! ذالأوّل-خزب؟ ء له في ذاته وصفاته عن مداناة شيء منه، وعلى هذا معناه-:! يهه عما وصفه الىءصفرد به فهـ، رذ لهم كقوله:{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [سورة

المؤمنون، الآية: 91] . قوله: (سواء منكم من اسرّ القولي ومن جهر به الخ) فيه وجهان أحدهما أنّ سواء خبر مقدم، ومن مبتدأه مؤخر، ولم يثن الخبر لأنه مصدر في الأصل، وهو الآن بمعنى مستو منكم حال من الضمير المستتر فيه لا في أسرّ، وجهر لأنّ ما في حيز الصلة، والصفة لا يتقدم على الموصول والموصوف، وقيل سواء مبتدأ لوصفه بمنكم، ونقل عن سيبويه، وفيه الأخبار عن النكرة بالمعرفة، ومعنى أسرّ القول أخفاه في نفسه، ولم يتلفظ به، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى، وهو أبلغ، وقيل تلفظ به بحيث يسمع نفسه دون غيره، والجهر ما يقابل السرّ بالمعنيين لكن على هذا ينبغي تفسير الجهر بما لم يضمر في النفس والمصنف رحمه الله تعالى فسره بمعناه المتبادر لأنه أبلغ لدلالته على استواء الكلام النفسي والكلام الذي يسمعه الغير عنده فتنبه. قوله:(طالب للخفاء في مختبا بالليل (أي محل الاختباء، وهو الاختفاء، وينبغي أن يكون قوله في مختبأ صفة طالب ليفيد الاختفاء إذ مجرّد الطلب له غير كاف هنا والسارب اسم فاعل من سرب إذا ذهب في سربه أي طريقه، ويكون بمعنى تصرّف كيف شاء، وأريد به هنا لازم معناه، وهو بارز وظاهر لوقوعه في مقابلة مستخف والمصنف رحمه الله تعالى ذهب إلى أنّ سرب حقيقة بمعنى برز، وهو ظاهر. قوله: (وهو عطف على من أو مستخف) أي سارب يعني إن سواء بمعنى الاستواء يقتضي ذكر شيئين، وهنا إذا كان سارب معطوفا على جزء الصلة أو الصفة يكون شيئا واحداً فدفع بوجهين أحدهما أن سارب معطوف على من هو الخ لا على ما في حيزه كأنه قيل سواء منكم إنسان هو مستخف وآخر هو سارب قال في الكشف، والنكتة في زيادة هو في الأوّل أنه الدال على كمال العلم فناسب زيادة

ص: 222

تحقيق، وهو النكتة في حذف الموصوف عن سارب أيضاً، وهو الوجه في تقديم أسرّ وأعماله في صريح القول، وأعمال جهر في ضميره، والثاني أنه متعدد المعنى كأنه قيل سواء منكم اثنان هما مستخف وسارب وعلى الوجهين من موصوفة لا موصولة فيحمل الأولان على ذلك ليتوافق الكل، وايثارها على الموصولة دلالة على أنّ المقصود الوصف فإنه متعلق العلم، ولو قيل الذي أسرّ الخ وأريد الجنس كما في قوله:

ولقد أمز على اللئيم يسبني

فهو والأوّل سواء لكن الأوّل نص وان أريد المعهود حقيقة أو تقديراً لزم إيهام خلاف المقصود كما مز، وأمّا الحمل على حذف الموصوف بتقدير ومن هو سارب كقوله:

فليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

وقول حسان رضي الله تعالى عنه:

ومن يهجورسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء

على ما نقل في الحواشي فضعيف جداً لما فيه من حذف الموصول، وصدر الصلة فإنه،

وإن ذكر النحاة جواز كل منهما لكن اجتماعهما منكر بخلاف ما في البيتين، وما قيل المقصود استواء الحالتين سواء كانا لواحد أو لاثنين، والمعنى سواء استخفاؤه وسروبه بالنسبة إلى علم الله فلا حاجة إلى التوجيه بما مرّ وكذا حال ما تقدمه فعبر بأسلوبين والمقصود واحد لا تساعده العربية لأنّ من لا تكون مصدرية، ولا سابك في الكلام فكيف يتأتى ما ذكره. قوله:(كقوله الخ) هو للفرزدق من شعر مشهور ذكر فيه ذئبا لقيه بفلاة فصحبه وأضافه ومنه:

فقلت له لماتكشرضاحكا وقائم سيفي من يدي بمكان

تعش فإن عاهدتني لاتخونني نكن مثل من ياذئب يصطحبان

والشاهد فيه إطلاق من على متعدد ومراعاة معناه بتثنية الضمير، وقوله وقائم سيفي أي

وأنا قابض على سيفي متمكن منه يظهر تجلده وشجاعته وكشر بمعنى أبدى أسنانه ضاحكا لي، وهذا عكس قول المتنبي:

إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أنّ الليث مبتسم

ولكل وجهة وقوله يا ذئب معترض! ببن أجزاء الصلة. قوله: (والآية متصلة بما قبلها

مقررة لكمال علمه وشموله) أي جملة سواء الخ متصلة بقوله عالم الغيب والشهادة الخ اتصالاً معنويا لأنها مؤكدة له، ولذا لم تعطف عليه وضمير شموله للعلم، وقوله سواء منكم اثنان اثنان معنى من واسقط هو للاستغناء عنه في بيان المعنى، واعتبره في الكشأف فقال اثنان هما مستخف وسارب فإفراد الضمير للفظ من وتقسيمه لاعتبار معناه وفي البيت اعتبر معناه فقط. قوله:(لمن أسرّ أو جهر الخ) يعني أنّ الضمير المفرد المذكر لما مرّ باعتبار تأويله بالمذكور واجرائه مجرى اسم الإشارة، وكذا المذكور بعده، وجعل ضمير له لله وما بعده لمن تفكيك للضمائر من غير داع، وقيل الضمير لمن الأخير، وقيل للنبي لأنه معلوم من السياق. قوله: (ملانكة تعتقب في حفظه (يعني أنه جمع معقبة من عقب مبالغة في عقب فالتفعيل للمبالغة والزيادة في التعقيب فهو تكثير للفعل أو الفاعل لا للتعدية لأنّ ثلاثيه متعد بنفسه، وقوله إذا جاء على عقبه أصل معنى العقب مؤخر الرجل، ثم تجؤز به عن كون الفعل بغير فاصل ومهلة كان

أحدهم يطأ عقب الآخر قال الراغب عقب إذا تلاه نحو دبره وقفاه. قوله: (كان بعضهم يعقب بعضاً (أي يطأ عقبه وهو مؤخر رجله، وإنما قال كأنّ لأنه لا وطء ولا عقب ثمة وان أتى أحدهما بعد الآخر ومن لم يتنبه لمراده قال الظاهر أن يقول فإنّ ولعل وجه ما في الكتاب هو ما روي عنه عليه الصلاة والسلام إنه قال: كما في البخاري " ثتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر " يعني أنّ اجتماعهم يقتضي عدم التعاقب فلذا قال كأنّ لأنه لا تعاقب في الحقيقة، وكذا ما قيل إنه عبر به لعدم جزمه به فإنه كيف يظن بالمصنف رحمه الله تعالى عدم الجزم بما صرّح به في الصحيحين، ولك أن تقول إنما لم يجزم بأنه مراد من الآية لأنّ له ملائكة كتبة وحفظة والظاهر تغايرهما. قوله:

ص: 223

(أو لأنهم يعقبون أقواله وأفعاله) أي يتبعونها ومنه تعقب فلان كلام فلان، والمراد من التتبع الحفظ بالكتابة، ولذا عطف عليه قوله فيكتبونه وكان الظاهر فيكتبونها ولكنه أراد ما يصدر منه وما ذكر وهذا معطوف على ما قبله بحسب المعنى.

قوله: (أو اعتقب) أي هو من باب الافتعال، وقوله فأدغمت التاء في القاف تبع فيه الكشاف، وقد اتفقوا على ردّه بأنّ التاء لا تدغم في القاف من كلمة، أو كلمتين وقد قال أهل التصريف أن القاف والكاف كل منهما يدغم في الآخر، ولا يدغمان في غيرهما. قوله:(والتاء للمبالغة) أي تاء معقبة لأنّ المراد به الملائكة، وهي غير مؤنثة فتاؤه للمبالغة كما في علامة أو هي صفة جماعة، ولذا أنثت فمعقبات جمع معقبة مراد به الطائفة منهم. فوله:) وقرئ معاقيب جمع معقب أو معقبة على تعويض الياء من إحدى القافين) وفي نسخة من حذف إحدى القافين في التكسير لأنه جمع معقب أو معقبة بتشديد القاف فيهما، وقال ابن جني إنه تكسير معقب كمطعم ومطاعيم فجمع على معاقبة، ثم حذفت الهاء من الجمع وعوضت الياء عنها وهذا أظهر وأنسب بالقواعد مما تكلفوه. قوله:) من جوانبه أو من الأعمال ما قدّم وأخر) قال المعرب من بين يديه متعلق بمحذوف على أنه صفة معقبات، ويجوز أن يتعلق بمعقبات ومن لابتداء الغاية ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في الظرف الواقع خبرا والكلام على هذه الأوجه تمّ عند قوله

ومن خلفه فإذا تعلق بمعقبات فالمعنى أنها تحفظ ما قدم وأخر من الأعمال، وهو عبارة عن حفظ جميع أعماله وهو الوجه، وان كان صفة أو حالاً فالمعنى أنّ المعقبات محيطة بجميع جوانبه. قوله:(من بأسه متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له الخ) فمن على هذا متعلقة بيحفظون صلة له، وكذا على توله يحفظونه من المضارّ، وكذا قوله بالاستمهال أو الاستغفار أي يحفظونه باستدعائهم من الله أن يمهله ويؤخر عقابه ليتوب فيغفر له أو يطلبون من الله أن يغفر له ولا يعذبه أصلا. قوله:(أو يراقبون أحواله من أجل أمر الله تعالى) إياهم، وقد قرئ به أي يحفظونه لأمر الله لهم بحفظه فمن ثعليلية والقراءة باللام لم يذكرها الزمخشري،، -انما ذكر القراءة بالباء السببية، ولا فرق بين العلة والسبب عند النحاة وان فرق بينهما أهل المعقول فقوله، وقيل من بمعنى الباء محل نظر. قوله:(وقيل من أمر الله صفة ثانية الا صلة كالوجه المتقدم، والصفة الأولى يحفظونه فإن كان من بين يديه صفة أيضا فهي ثالثة، ويجوز أن يريد بالثانية من بين يديه على أن جملة يحفظونه مستأنفة أو حالية. قوله: (وقيل المعقبات الحرس والجلاوزة) جمع جلواز وهو الشرطي من الجلوزة، وهي سرعة الذهاب والمجيء والحرس حرس السلطان والواحد حرسيّ، وهو وان كان جمع حارس لكنه صار اسم جنس لهؤلاء بالغلبة كالأنصار فلهذا نسب إليه وان كان القياس حارسيّ بردّ الجمع إلى واحدة في النسبة. قوله:(يحفظونه في توهمه من قضاء الله تعالى) يعني لا راذ لما قضى ولا حافظ منه إلا هو ومن جعله حافظا كالحفظة فجعل الحرس حفاظا إن كان على زعمه وتوهمه فهو حقيقة، وان لم يعتبر ذلك فهو استعارة تهكمية كبشرهم بعذاب أليم فهو مستعار لضده، ولذا قيل المعنى لا يحفظونه. قوله:(من الآحوال الجميلة بالآحوال القبيحة) فالمراد بما في أنفسهم ما أتصفت به ذواتهم من ذلك لا ما أضمرو. ونووه والمراد بالتغيير تبديله بخلافه لا مجرّد تركه، وليس المراد أنه لا يصيب أحد إلا بتقدم ذنب منه حتى يقال إنه قد يصاب بذنب غيره كقوله تعالى:{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [سورة الأنفال، الآية: 25] وإنه قد يستدرح المذنب بتركه إذ المراد إنه عادة الله في الأكثر، وأنها جارية بهذا إذا اتفقوا عليه وأصروا فلا ينافي غيره كما توهمه، ولك أن تقول إن قوله:{وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} [سورة الرعد، الآية: 11] تتميم لتدارك ما ذكر. قوله: (فلا رذ له) يثير إلى أن مردّ مصدر ميمي، وقوله فالعامل في إذا ما دل عليه الجواب لأنّ ما بعد الفاء ومعمول المصدر لا يتقدم عليه على الصحيح،

والتقدير لم يرذ أو وقع ونحوه، وقوله فيدفع عنهم السوء ليس هذا مكرراً مع ما قبله، ولا قوله يدفع مصحف يرفع بالراء ليكون الأوّل دفعا، وهذا رفعا كما توهم

ص: 224

لأنّ هذا عام بعد خاص أي لا يلي جميع أمورهم غير الله من خير ونفع فلا يضر اندراج الدفع فيه ودخوله دخولاً أولياً لأنه مقتضى السياق. قوله:) وفيه دليل على أنّ خلاف مراد الله تعالى محال (فإن قلت الآية إنما تدل على أنه إذا أراد الله بقوم سوءاً وجب وقوعه، ولا تدل على أن كل مراد له كذلك، ولا على استحالة خلافه بل على عدم وقوعه قلت لا فرق بين إرادة السوء به وإرادة غيره فإذا امتنع رد السوء فغيره كذلك، والمراد بالاستحالة عدم الإمكان الوقوعي لا الذاتي كذا قيل، وفيه تأمل. قوله: (خوفاً من أذا وطمعاً في النيث) المراد بالأذى الصواعق ونحوها والطمع في غيثه فالخائف والطامع واحد والقول الآتي بالعكس. قوله:) وانتصابهما على العلة بتقدير المضاف (إذا كان مفعولاً له وأشترط اتحاد فاعل العلة، والفعل المعلل احتاج هذا للتأويل لأن فاعل الإراءة هو الله، وفاعل الطمع والخوف غيره فأمّا أن يقدر فيه مضاف، وهو إرادة أي إراءتهم ذلك لإرادة أن يخافوا وأن يطمعوا فالمفعول له المضاف المقدر وفاعلهما واحد أو الخوف والطمع موضوع موضع الإخافة، والإطماع كما وضع النبات موضع الإنبات في قوله:{وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [سورة نوح، الآية: 17 م فإنّ المصادر ينوب بعضها عن بعض أو هو مصدر محذوف الزوائد كما في شرح التسهيل على أذ 4 قد ذهب جماعة من النحاة كابن خروف إلى أن اتحاد الفاعل ليس بشرط، وقيل إنه مفعول له باعتبار أن المخاطبين رائين لأن إراءتهم متضمنة لرؤيتهم والخوف والطمع من أفعالهم فهم فعلوا الفعل المعلل به، وهو الرؤية فيرجع إلى معنى قعدت عن الحرب جبنا ورد بأنه لا سبيل إليه لأنّ ما وقع في معرض! العلة الغائية لا سيما الخوف لا يصلح علة لرؤيتهم، وهو كلام واه لأن القائل صرح بأنه من قبيل قعدت عن الحرب جبنا يريد أن المفعول له حامل على الفعل وليس من قبيل ضربته تأديبا فلا وجه للرد المذكور، وقيل التعليل هنا مثله في لام العاقبة لا أن ذلك من قبيل قعدت عن الحرب جبناً كما ظن لأنّ الجبن باعث على القعود دونهما للرؤية، وهو غير وارد لأنه باعث بلا شبهة، وما قيل عليه من أنّ اللام المقدرة في المفعول له لم يقل أحد بأنها تكون لام العاقبة ولا يساعده الاستعمال ليس بشيء كيف، وقد قال النحاة: كما في الدرّ أنه كقول النابغة الذبيا ني:

وحلت بيوتي في يفاع ممنع تخال به راعي الحمولة طائرا حذارأعلى أن لا تنال مقادتي ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا

ثم إن قوله ليس ما نحن فيه مثل قعدت عن الحرب جبنا لا! الخوف والطمع ليسا

مقدمين على الرؤية كالجبن، وإنما يحصلان في حال الرؤية إلا أن يراد بهما الملكة النفسانية فيكون إراءة الله لهم لما جبلوا عليه عند رؤيتهم من الخوف، والطمع لا يخفى ما فيه من التعسف، وقد علمت أنه غير وارد وسيأتي لهذا تتمة في سورة الروم. قوله:(أو الحال من البرق أو المخاطبين (معطوف على العلة، وقوله على إضمار ذو في نسخة ذا وفي أخرى ذوي فالمراد تقدير مضاف من هذا النوع أو جعل المصدر حالاً مبالغة أو تأويله باسم فاعل أو مفعول، وقوله بمعنى المفعول أو الفاعل، لف ونشر مرتب، وقوله وقيل الخ تقدم الفرق بينه وبين الوجه السابق وهو ظاهر، وقوله من يضره كالمسافر ونحوه وقوله المنسحب في الهواء أي المنجر فيه إشارة إلى وجه تسميته سحابا. قوله: (وهو جمع ثقيلة وإنما وصف به السحاب الخ (أي لأنه اسم جنس في معنى الجمع فكأنه جمع سحابة ثقيلة لا أنه جمع أو اسم جنس جمعيّ لإطلاقه على الواحد وغيره. قوله: (ويسبح سامعوه (فهو على حذف مضاف، أو إسناد مجازفي للحامل والسبب، وقوله ملتبسين إشارة إلى أن الباء للملابسة وأن الجار والمجرور حال، وقوله فيضجون بالضاد المعجمة والجيم وفي نسخة يصيحون من الصياج، ومعناهما متقارب يشير إلى أنه على ظاهره بمعنى قول ذلك. قوله: (أو يدل الرعد بنفسه على وحدانية الله) فالإسناد على حقيقته، والتجوّز في التسبيح والتحميد إذ شبه دلالته بنفسه على تنزيهه عن الشرك والعجز بالتسبيح والتنزيه اللفظي، ودلالته على فضله ورحمته بحمد الحامد لما فيها من الدلالة على صفات الكمال، وقيل إنه مجاز مرسل استعمل في لازمه والأوّل أولى فهو على حد قوله وإن من شيء إلا

ص: 225

يسبح بحمده. قوله:) وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخ) أخرجه الترمذيّ وصححه النسائي والمخاريق جمع مخراق وهو ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضاً إذا لعبوا ويطلق على السيف مجازاً فالمراد أنه آلة تسوق بها الملائكة السحاب فالرعد اسم لملك، ولذلك الصوت أيضا ولا تجوّز فيه حينئذ وقوله من خوف الله إشارة إلى أنه مصدر، وليس المراد به النوع، وقوله فيصيب إما تفريع أو تفسير ومن مفعول يصيب، والباء

للتعدية ومفعول يشاء محذوف مع العائد أي من يشاء إصابته، وعن ابن عباس رضي الله عنهما من سمع صوت الرعد فقال سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير إن أصابته صاعقة فعليّ ديته، وعنه أيضا إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله فإنه لا يضرّ ذاكرا. قوله:(حيث يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يصفه به الخ) فالمراد بالمجادلة في الله المجادلة في شأنه، وما أخبر به عنه مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، والجدال أشد الخصومة من الجدل بالسكون، وهو فتل الحبل ونحوه لأنه يقوي به ويشتد طاقاته. قوله:(والواو إمّ لعطف الجملة على الجملة) أي هم يجادلون معطوف على قوله، ويقول الذين كفروا لولا أنزل المعطوف على يستعجلونك، والعدول إلى الاسمية للدلالة على أنهم ما ازدادوا بعد الآيات إلا عنادا، وأمّا الذين كفروا فزادتهم رجساً إلى رجسهم وجاز عطفها على قوله هو الذي يريكم، على معنى هو الذي يريكم الآيات الباهرة الدالة على القدرة والرحمة وأنتم تجادلون فيه، وهذا أقرب مأخذاً والأوّل أكثر فائدة كذا في الكشف ولا يعطف على يرسل الصواعق لعدم اتساقه، والحالية من مفعول يصيب أي يصيب بها من يشاء في حال جداله أو من مفعول يشاء، وقوله فإنه روي راجع إلى قوله فإنهم يكذبون، وبيان له بسبب النزول روى محيي السنة عن عبد الرحمن بن زيد أنه قال نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل، واربد بن ربيعة وهما عامريان أقبلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في نفر من أصحابه في المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور إلا أنه من أجمل الناس فقال رجل: يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك، فقال:" دعه إن يرد الله به خيراً يهده (فأقبل حتى قام عنده فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت فقال: " لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم! قال: تجعل لي الأمر من بعدك قال: " ليس ذلك إليّ هو دلّه عز وجل يجعله حيث شاء! قال: تجعلني على الوبر وأنت على المدر قال: " لا "، قال: فما تجعل لي قال: " أجعلك على أعنة الخيل تغزو عليها، قال: أوليس ذلك لي اليوم، ثم قال قم معي أكلمك فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أوصى اربد بأنه إذا خاصمه أن يضر به بالسيف فجعل يخاصم النبيّ صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار اربد خلفه ليضربه فاخترط سيفه فحبسه الله ولم يقدر على سله فجعل عامر يومع إليه فالتفت رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى صنيع اربد " فقال اللهم اكفنيهما بما شئت لا فأرسل الله على اربد صاعقة في يوم صحو ياقظ فأحرقته وولى عامر هاربا، وقال: يا محمد دعوت على اربد فقتله ربك فوالله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يمنعك الله من ذلك وابنا قيلة " يعني الأنصار فنزل عامر ببيت امرأة سلولية فلما أصبح وقد تغير لونه وأصابه الطاعون جعل يركض في الصحراء بعدما ضم سلاحه عليه، ويقول واللات لئن أضحى إليّ محمد وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذتهما برمحي فأرسل الله له ملكاً فلطمه فخرّ ميتاً " أا (والطفيل مصغر، واربد بوزن افعل بالباء الموحدة أخو لبيد العامري لأمّه، واختلف في اسم أبيه فقيل ربيعة وقيل قيس، وظاهر قوله فأرسل الله على اربد أنه كان في حين ملاقاته النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بعض الكتب أنه كان بعد انصرافه عنه، وهو الصحيح فالفاء إشارة إلى عدم تطاول الزمان، وقوله فمات في بيت سلولية يشير إلى ما تقدم في الرواية، وفي رواية أنه ركب فرسه وبرز في الصحراء فمات بها وهذه تنافيها إلا أن يراد أنه حصل له سبب الموت، وهو الطاعون. قوله: (وكان يقول غدة كغدّة البعير وموت في بيت سلولية) فأرسلها مثلاً، وهو كما قال الميداني: يضرب في خصلتين كل منهما شرّ من الأخرى، والغدة طاعون يكون في الإبل وقلما تسلم منه يقال أغد البعير فهو مغداً إذا صار ذا غدّة، وهو مرفوع ويروى أغدّة وموتا

ص: 226

بالنصب أي أغذ غذة وأموت موتا وسلولية امرأة من سلول، وهي التي نزل عندها وسلول من أخس قبائل العرب كباهلة، وقوله فنزلت وهي إحدى الروايات في سبب النزول، وفيه روايات أخر، والذي في البخاري عن أنس بن مالك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالدا رضي الله عنه في سبعين راكباً إلى قومه " وهو مخالف لما هنا. قوله:(المماحلة والمكايدة) المماحلة بالجز عطف بيان للمحال بكسر الميم إشارة إلى أنهما مصدران كالقتال، والمقاتلة والمكايدة عطف تفسير للممالحة، ومحل بالتخقيف، وقوله تكلف لأنّ التفعيل يكون للتكلف وكونه من المحل بمعنى القحط، والميم أصلية ذكره الراغب فعذه معنى آخر في القاموس لا ينافيه كما توهم، وقوله فعال من المحل بمعنى القؤة أي اسم لا مصدر، وا) صحل بمعنى القوّة فمعناه شديد. قوله:) وقيل مفعل من الحول (بمعنى القوّة أو من الحيلة المعروفة والميم زائدة على هذا، وقوله أعل على غير قياس إذ كان القياس فيه صحة الواو كمحور ومرود ومقود، وقوله ويعضده أي يعضد زيادة الميم لكنه على هذا من الحيلة، وإنما عضده أي قوّاه لأنّ الأصل توافق القراءتين. قوله: (ويجوز أن يكون بمعنى الفقار) وهو عمود الظهر وسلسلة العظم التي فيه مركباً بعضها ببعض، وبها قوام البدن فيكون مثلا في القوّة أي

استعارة ومجازا فيها، قال في الأساس يقال فرس قوفي المحال، وهو الفقار الواحدة محالة والميم أصلية والفقار بفتح الفاء واحده فقارة ويجمع على فقارات. قوله:(فساعد الله أشدّ وموساه أحد) هو حديث صحيح، وفي نهاية ابن الأثير رحمه الله تعالى في حديث البحيرة فساعد الله أشدّ، وموساه أحد أي لو أراد الله تحريمها بشق أذنها لخلقها كذلك فإنه تعالى يقول لما أراد كن فيكون فلذا قيل كان ينبغي للمصنف رحمه الله أن يقول كقول النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وموسى بضم الميم وسكون الواو والسين المهملة وألف مقصورة آلة الحلق المعروفة، ووزنها فعلى من أوساه بمعنى حلقه وقطعه، وأما موسى علم النبي صلى الله عليه وسلم فمعرّب. قوله:(الدعاء الحق فإنه الذي يحق أن يعبد الخ) يعني أنّ الدعوة بمعنى الدعاء أي لطلب الإقبال، والمراد به العبادة لأنه يطلق عليها لاشتمالها عليه، وكلامه بيان لحاصل المعنى وتصوير له با! إضافته إلى الحق لاختصاص عبادته به دون عبادة غيره، وقيل إنه ذهب إلى المذهب المرجوج في جواز إضافة الموصوف للصفة لعدم تكلفه هنا لكن يأباه جعل إضافته للملابسة، فإنّ المتبادر منها خلاف ما ذكر وعلى هذا تجعل الملابسة شاملة للملابسة الجارية بين الموصوف وصفته، وهو الذي صرحوا به كما ستراه. قوله:(الذي يحق أن يعبد ويدعي الخ) وفي نسخة أو بأو الفاصلة فقيل إنه يثير إلى أن المراد بالدعاء العبادة كما مر وأنّ تقديم له لإفادة الاختصاص، وقيل إنه على نسخة الواو بيان لأنّ الدعوة المتعدية بإلى بمعنى الدعاء على ظاهرها وأنّ المدعوّ إليه هو العبادة لله لا أنها بمعناها، وقوله دون غيره ناظر إلى يدعي لا إلى يحق لأنه المناسب للحصر، وعلى نسخة أو بيان لأنّ الدعوة إمّا بمعنى العبادة أو بمعنى الدعوة إليها وعليه دون غيره تنازع فيه الفعلان، وقوله الذي يحق تفسير للاستحقاق المستفاد من اللام، وبيان لأنّ الحصر ناظر إلى المعنى الأوّل لا تفسير للحق، وفي هذه النسخة بحث فإنّ الوجوه حينئذ تكون ثلاثة لأنّ الدعاء إما بمعنى العبادة أو دعوة الخلق إلى العبادة أو بمعنى التضرّع فالذي يناسب كلامه أن تجعل النسختان بمعنى، وأنّ دعوة الحق بمعنى الدعوة إلى عبادته، وإذا كانت الدعوة إلى عبادته حقاً لزم كون عبادته حقا فإذا أريد أحدهما لزم الآخر فالعطف بأو ترديد في المراد أوّلاً من اللفظ فتأمّل. قوله:) أو له الدعوة المجابة الخ (هذا وجه آخر معطوف على ما قبله فيه الدعوة بمعنى التضرع، والطلب المشهور وقوله فإن من دعاه أجابه بيان لأنّ الدعوة دعاء الخلق دته، ومعنى أن دعاء الخلق له أن له إجابته دون غيره ولم يقل فإنه المجيب لمن دعاه دون غيره بيانا للحصر المستفاد من الكلام كما في الوجه الأوّل إمّا لظهوره بالقياس إليه، أو لأنه لا حاجة إلى استفادته

من التقديم لدلالة قوله بعده لا يستجيبون على حصر الإجابة فيه لكنه بالنسبة إلى آلهتهم فقط، والذي يفيده التقديم الحصر فيه مطلقاً فلو ذكره كان أظهر، وقوله ويؤيده ما بعده فإنّ ذكر الاستجابة دليل على أنّ الدعاء بهذا المعنى، وان صح كونه بمعنى يعبدون، أو يدعون إلى

ص: 227

العبادة. قوله: (والحق على الوجهين ما يناقض الباطل) أي على وجهي تفسير الدعاء السابقين، وقوله واضافة الدعوة أي إلى الحق المقابل للباطل عليهما لما بين الدعوة بالمعنيين، وبين الحق بهذا المعنى من الملابسة لأنّ عبادة الله، والدعوة إليها ودعاء الله يتصف بالحقية، واضافة الصفة إلى الموصوف عند من لا يؤوّلها بتقدير موصوف هو المضاف إليه لأدنى ملابسة كما في شرح التسهيل، والى الوجه الثاني أشار بقوله تأويل دعوة المدعوّ الحق أي دعوة المدعوّ إليه غير الباطل، والمدعوّ إليه العبادة لا الله فحذف الموصوف وأقيصت صفته مقامه، وليس فيه ردّ على الزمخشري حيث قدر المدعوّ إذا أريد بالحق الله لأنه كلام آخر فلا منافاة بينهما كما توهم، وبهدّا التقرير اندفع ما قيل عليه إنه لو كان الحق مصدراً كالصدق ظهر صحة ما قاله لكنه صفة يصح حمله مواطأة على الدعوة لما فسره به. قوله:(وقيل الحق هو الله وكل دعاء إليه دعوة الحق الما كان لكلام مسوقا لاختصاصه تعالى بأن يدعي، ويعبد ردّاً لمن يجادل في الله ويشرك به الأنداد فلا بدّ أن يكون في الإضافة إشعار بهذا الاختصاص، فإن جعل الحق مقابل الباطل فهو ظاهر، وان جعل اسما له تعالى فالأصل دعوة الله تأكيداً للاختصاص باللام والإضافة، ثم زيد ذلك بإتامة الظاهر مقام الضمير معاداً بوصف ينبئ عن اختصاصها به أشذ اختصاص، فقيل له دعوة المدعوّ الحق، والحق من أسمائه تعالى يدل على أنه الثابت بالحقيقة، وما سواه باطل من حيث هو وحق بتحقيق الله له، وبهذا سقط ما قيل إن مآل الكلام على هذا لله دعوة الله فهو كما تقول لزيد دعوة زيد، وهو غير صحيح ولا حاجة إلى تأويله بأنّ المراد دلّه الدعوة التي تليق أن تنسب، وتضاف إلى ذاته فإنه قليل الجدوى. قوله: (والمراد بالجملتين) يعني وهو شديد المحال وله دعوة الحق، وهذا بيان لمناسبتهما لما قبلهما واتصالهما به فإن كان سبب نزول الأوّل قصة اربد وعامر فظاهر لأنّ إصابته بالصاعقة من حيث لا يشعر من مكر الله به ودعوة الحق دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم عليه وعلى صاحبه بقوله:" احبسهما عني بما شئت " فأجيب فيهما فكانت الدعوة دعوة حق فإن لم يكن الأوّل في قصتهما فهو وعيد

للكفرة على مجادلتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بحلول محاله بهم، واجابة دعائه إن دعا عليهم واتصاله ظاهر أيضا، وقوله محال من الله أي كيد على طريق التمثيل، واجابة لدعوة رسوله، وهي قوله صلى الله عليه وسلم فيهما احبسهما عني بما شئت وفيه لف ونشر للجملتين المذكورتين، وقوله: أو دلالة على أنه الحق لأنه ناظر إلى تفسير الدعوة بالعبادة، أو الدعاء إليها أي الرسول صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك، وقوله وعيد الخ بيان لمعنى الجملة الأولى على معنى الدعوة الثانية، وتهديدهم معطوف عليه بيان للثانية عليه أيضاً ناظر إلى تفسير الدعوة الثاني، وقوله أو بيان ضلالهم الخ ناظر إلى تفسير الدعوة الأوّل، وضلالهم وفسادهم كونهم على الباطل في عبادة غيره تعالى. قوله:(والذين يدعون الخ) أي الذين إمّا عبارة عن المشركين ومفعول يدعون محذوف لدلالة من دونه عليه لأنّ معناه متجاوزين له، وتجاوزه بعبادتها ولاستدعاء الدعوة ومدعوّآ له أو الأصنام فعائد الموصول محذوف أي يدعونهم، وقدر ضمير العقلاء لمناسبة صيغة الذين ففيه تنزيله منزلة أولي العلم بناء على زعمهم، وقوله عليه متعلق بدلالة، وقوله من الطلبات بيان لشيء وهو جمع طلبة بمعنى مطلوب. قوله: (1 لا استجابة كاستجبابة من بسط كفيه الخ (يعني الغرض! نفي الاستجابة على القطع بتصوير أنهم أحوج ما يكونون إليها لتحصيل مباغيهم أخيب ما يكون أحد في سعيه لما هو مضطرّ إليه فضلا عن مجرّد الحاجة، والحاصل أنه شبه آلهتهم حين استكفائهم إياهم ما أهمه بلسان الاضطرار في عدم الشعور فضلا عن الاستطاعة للاستجابة، وبقائهم لذلك في الخسران بحال ماء بمر أي من عطشان باسط كفيه إليه يناديه عبارة، واشارة فهو لذلك في زيادة ظمأ وشدة خسران، والتشبيه على هذا من المركب التمثيلي في الأصل أبرز في معرض! التهكم حيث أثبت للماء استجابة زيادة في التخسير والتحسير فالاستثناء مفرغ من أعمّ عام المصدر أي لا يستجيبون شيئا من الاستجابة، وأمّا إذا شبه الداعون بمن أراد أن يغرف الماء بيديه فبسطهما ناشراً أصابعه في أنهما لا يحصلان على طائل، وقوله في قلة جدوى

ص: 228

دعائ! أراد عدم الجدوى لكه بالغ بذكر القلة، وارادة العدم دلالة على تحقيق الحق، وايثار الصدق لإشمام طرف من التهكم فهو من تشبيه المفرد المقيد كقولك لمن لا يحصل من سعيه على شيء كالراقم على الماء فإنّ المشبه هو الساعي مقيداً بكون سعيه كذلك، والمشبه به هو الراقم مقيداً بكونه على الماء، وكذلك فيما نحن فيه، وليس من المركب العقلي في شيء على ما توهم نعم وجه الشبه عقلي اعتباري، والاستثناء مفرغ من أعم عام الأحوال أي لا تستجيب الآلهة لهؤلاء الكفرة الداعين إلا مشبهين، أعني الداعين بمن بسط كفيه ولم يقبضهما،

وأخرجهما كذلك فلم يحصل على شيء لأنّ الماء يحصل بالقبض لا بالبسط، وقوله يطلب منه أن يبلغه فاعل يطلب الباسط، وضمير منه ويبلغه للماء أو فاعل يبلغ للماء ومفعوله للفم، وقوله وما هو يبالغه ضمير هو للماء وبالغه للفم، وقيل الأوّل للباسط، والثاني للماء وهو لا يناسب نفي الاستجابة وفيه نظر. قوله:) فيبسط كفيه) بسط الكف نشر الأصابع ممدودة كما في قوله: تعؤد بسط الكف حتى لوأنه أراد انقباضا لم تطعه أنامله

وقوله ليشربه هو في هذا الوجه وفي الأوّل بسط يديه للدعاء والإشارة إليه كما مز وما نقل عن

عليّ رضي الله عنه من أنه في عطشان على شفير بئر بلا رشاء فلا يبلغ قعر البئر، ولا الماء يرتفع إليه راجع إلى الوجه الأوّل، وليس مغايراً له كما قيل والاستثناء في قوله إلا كباسط على حد قوله:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

قوله:) في ضياع وخسار وباطل) قيل إمّا ضياع دعائهم لآلهتهم فظاهر لكنه فهم مما

سبق، رأمّا ضياع دعائهم لله لكفرهم وبعدهم عن حيز الإجابة فيرد عليه أنّ المصرح به في كتب الفتاوى أنّ دعاء الكافر قد يستجاب إلا أن يحمل على الأوّل ويجعل مكرّراً للتأكيد، أو على الثاني ويقيد بما يتعلق بالآخرة، ولك أن تجعله مطلقاً شاملا لهما ولا يعتذ بما أجيب منه. قوله:) يحتمل أن يكون السجود على حقيقته الخ (ويؤيده من المخصوصة بالعقلاء لكن قيل إنه يأباه تشريك الظلال معهم والمعنى الثاني على عكس هذا كما لا يخفى، وقيل إنه يقدو له فعل أو خبر أو يكون هو مجازاً ولا يضرّ الحقيقة لكونه بالتبعية والعرض! فتأمل هذا كله من عدم تأقل كلام المصنف رحمه الله تعالى فإنّ مراده بالحقيقة ليس ما يقابل المجاز بل ما يقابل ألانقياد فيئ ألمعنى وان كان مجازياً والحقيقة المذكورة إن كانت في مقابلته فقط فهي شاملة لما كان بال!. ض أما على مذهب المصنف رحمه الله في جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز فظاهر أو يراد به الوقوع على الأرض! بطريق عموم المجاز فيشمل سجود الظلال أيضأ وضمير ظلالهم ينبغي أن يرجع لمن في الأرض! لأنّ من في السماء لا ظل له إلا أن يحمل على التغليب أو التجوّز. قوله: (طوعا حالتي الشدّة والرخاء) فالطوع بالنسبة إلى الملائكة والمؤمنين، وهو على حقيقته، والكره بالنسبة إلى الكفار في حالة الشدّة والمراد به الاضطرار والإلجاء فيشمل المنافقين المصلين خيفة السيف، والظاهر أنه بمنزلة الكره لا كره حقيقي، وقيل إنّ قوله في حالتي الشدة والرخاء إشارة إلى أنهما مجازان عن الحالتين، والمقصود استواء حالتيهم في أمر السجود، والانقياد بخلاف الكفرة وفيه نظر، وقال أبو حيان رحمه الله الساجدون كرهاهم الذين

ضمهم السيف إلى الإسلام قال قتادة فيسجد كرهاً فإثا نفاقاً أو يكون الكره، أوّل حاله فتستمز عليه الصفة وان صح إيمانه بعد، وقوله بالعرض! أي بالتبع، وهو مقابل للحقيقة أو مندرج فيه كما مز. قوله:) وأن يراد به انقيادهم لإحداث ما أراده الخ (يعني سجود من ذكر إفا استعارة للانقياد المذكور أو مجاز مرسل لاستعماله في لازم معناه لأنّ الانقياد مطلقاً لأزم للسجود، وشاؤوا بمعنى رضوا ولم يكرهوا، وتقلص الظل ارتفاعه ونقصه. قوله. (وانتصاب طوعاً وكرهاً بالحال أو العلة (أفا الأوّل فإن قلنا بوقوع المصدر حالاً من غير تأويل فهو ظاهر هالا فهو بتأويل طائعين، وكارهين وإذا كان علة أي مفعولاً لأجله فالكره بمعنى الإكراه، وهو مصدر من المبني للمفعول ليتحد فأعلاهما كما مرّ تحقيقه، وعلى قول ابن خروف فهو على ظاهره، وما قيل عليه من أنّ اعتبار العلية في الكره غير ظاهر فإنّ الكره الذي يقابل الطوع، وهو الإباء لا يعقل كونه علة

ص: 229

للسجود قد مز دفعه في قوله خوفاً وطمعا فإنّ العلة ما يحمل على الفعل، أو ما يترتب عليه لا ما يكون غرضا له فتذكره. قوله:) ظرف ليسجد (فالباء بمعنى في وهو كثير والمراد بهما الدوام لأنه يذكر مثله للتأبيد فلا يقال لم خصا به، وإذا كان حالاً من الظلال فيصح فيه ذلك أيضا، أو يقال التخصيص لأنّ امتدادها وتقلصها فيهما أظهر، وقيل المراد إنّ الامتداد في الآصال أظهر، والتقلص في الغدوّ أظهر أمّا الأوّل فلأن في الأصيل يزيد الظل في زمان قصير كثيراً، وأمّا الثاني فلأن نقصانه في زمان قليل كثير. قوله: (والغدوّ جمع غداة كقنى جمع قناة) بقاف، ونون وهي الرمح ومجرى الماء، والآصال جمع أصيل وأصله أأصال بهمزتين فقلبت الثانية ألفا، وقراءة الإيصال بكسر الهمزة على أنه مصدر آصلنا بالمد أي دخلنا في وقت الأصيل كما قاله ابن جني، وهي قراءة لابن مجلز شاذة، وقد اقتصر على الوجه الثاني في سورة النور وسيأتي الكلام عليه هناك، وقوله خالقهما ومتولي أمرهما لأن الرب يكون بمعنى الخالق، أو بمعنى المربي الذي يتولى أمر من رباه واليهما أشار المصنف رحمه الله. قوله:(أجب عنهم بذلك إذ لا جواب لهم سواه الخ) قد مرّ الكلام في هذا ونكتة مبادرة السائل إلى الجواب، والجواب عن الخصم، وقد وجهه المصنف رحمه الله هنا بأنه لتعينه للجواب، ولأنه لا نزاع فيه للمسؤول منه، والفرق بينهما أنه على الأوّل متعين عقلا سواء كان بينا أو لا، وعلى الثاني أنه أمر مسلم ظاهر لكل أحد بقطع النظر عن تعينه، ولهذه المغايرة عطفه فلا وجه

لما قيل الأولى ترك العطف ليكون علة للأوّل، وعلى الأخير لقنهم الجواب ليتبين لهم ما هم عليه من مخالفتهم لما علموه وقيل إنه حكاية لاعترافهم، والسياق يأباه. قوله:(ثم ألزمهم بذلك الخ) مترتب على الجواب أي أنه لقنهم الجواب ليلزمهم ويقول لهم إذا علمتم أنه الخالق المتولي للأمور فكيف اتخذتم أولياء غيره وفيه إشارة إلى أنّ الاستفهام للإنكار، وأنّ إنكار ذلك مترتب على ما قبله مسبب عنه، وإنما أتى المصنف رحمه الله بثم في التفسير إشارة إلى أنه تعكيس، وإلى أنه لا ينبغي أن يترتب على ذلك الاعتراف هذا بل عكسه، وليس إشارة إلى أنه لو عطف لكان حقه أن يعطف بثم، كما قيل وكذا كونه إشارة إلى أن الفاء للبعد فإنه لم يقله غيره، وإنما هو إشارة إلى استبعاد التعقيب كما يدل عليه إنكاره فتأمّل. قوله:(لأنّ اتخاذهم منكر بعيد عن مقتضى العقل) يعني أنه لإنكار التعقيب فالتعقيب واقع منهم وإليه الإشارة وإنكاره استبعاد لصدوره من العقلاء كما أشار إليه بقوله، ثم فتعقيبهم ذلك الاعتراف بالاتخاذ عكس قضية العقل، والسببية مقتضى أفعالهم، ولذا كان إلزاما لهم فلا وجه لما قيل إنها للتعقيب لا للسببية، ولو جعلت لسببية الجواب لإنكار الاتخاذ لم يبعد. قوله:(لا يقدرون أن يجلبوا إليها نفعاً الخ) الملك التصرّف، ويطلق على التمكن منه والقدرة كما ذكره الراغب وأشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله يجلبوا إليها أي إلى أنفسهم. قوله:(فكيف يستطيعون إيقاع الخير ودفع الضرّ عنهم) كذا في أصح النسخ هنا، والإيقاع أفعال من الوقوع وضمير عنهم للذين يدعون، ولا إشكال على هذه النسخة، وفي نسخة أخرى إنفاع الغير ودفع الضر عنه، واعترض عليه بأن لفظ الإنفاع من النفع لم يذكر في كتب اللغة، ولم يسمع من العرب، وقد استعمله المصنف رحمه الله في غير هذا المحل كسورة الجن وهو خطأ وفي أخرى إنفاع الغير، ودفع الضرّ عنهم بضمير الجمع باعتبار معنى الغير ولا بعد فيه كما قيل وقيل إن هاتين النسختين من تصحيف الكتاب. قوله:(وهو دليل ثان على ضلالهم) قيل الدليل الأوّل هو ما يفهم من قوله: {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء} [سورة الرعد، الآية: 16] وقيل إنه ما يفهم من قوله والذين يدعون من دونه الخ وهذا أظهر، وان كان الأوّل أقرب من كلام المصنف رحمه الله، ولا خطأ فيه كما توهم. قوله:) المشرك الجاهل بحقيقة العبادة الخ) هذا المراد منه فهو استعارة تصريحية كما في القول بأنّ المراد الجاهل بمثل هذه الحجة، والعالم بها وقيل إنه تشبيه، والمعنى لا يستوي المؤمن والكافر كما لا يستوي الأعمى والبصير فهو حقيقة، وليس المراد على الأوّل بالعمى والبصر القلبيين فتأنل. قوله:(المعبود النافل عنكم الخ) هذا من إرخاء

العنان والا فلا إدراك لها أصلا حتى تتصف بالغفلة، ويصح أن يطلقه لمقابلة

ص: 230

قوله المطلع على أنه من المشاكلة على حذ قوله من طالت لحيته تكوسج عقله، وقوله الشرك والتوحيد إنما وحد التوحيد لأنه واحد كاسمه وجمع الشرك لتعدّد أنواعه كشرك النصارى، وشرك المجوس وغيرهم، وقوله بل أجعلوا والهمزة الخ يعني أم هنا منقطعة مقدرة ببلى، والهمزة المقدّرة للاستفهام الإنكاري، ومعنى الإنكار لم يكن لأحد الخلق. قوله:(صفة لشركاء داخلة في حكم الإنكار) يعني أنّ تعكيسهم ذلك لما لم يكن عن حجة كان حكايته أدخل في ذمّهم، وفيه تهكم لأنّ من لا يملك لنفسه شيئا من النفع، والضرّ أبعد من أن يفيدهم ذلك، وكيف يتوهم فيه أنه خالق، وأن يشتبه على ذي عقل فالآية ناعية عليهم متهكمة بهم، وليس المقصود بالإنكار والنفي القيد، وهو قوله كخلقه بل المقيد، وقيده كما أشار إليه المصنف بقوله اتخذوا شركاء عاجزين الخ، وقوله حتى يتشابه إشارة إلى معنى فتثابه، وأنه منفي لترتبه على المنفي. قوله: الا خالق غيره فشاركه في العبادة الخ) إشارة إلى أن خلقه لكل شيء يستلزم أن لا خالق سواء لاستحالة التوراد، وأنه المقصود إذ نفي الخلق عن غيره يدل على نفي استحقاقه للعبادة، والألوهية وهو المقصود ولذا قال ثم نفاه عمن سواه، وكونه موجبا للعبادة ولازما لاستحقاقها لأنه ذكره بعد إنكار التشريك فيها فيدل على ذلك. قوله:(ليدل على قوله وهو الواحد الخ) وجه الدلالة ظاهر فهو كالنتيجة لما قبله، وقوله وهو الواحد الخ يحتمل أن يكون من مقول الفول، وأن يكون جملة مستأنفة، وقوله الغالب على كل شيء فما سواه مما هو مغلوب له كيف يكون شريكا، وقوله من السحاب الخ إمّ لأنّ السحاب سماه حقيقة لأنها ما علا وارتفع أو مجاز بتشبيهها بها في الارتفاع، وقوله أو من جانب ففيه مجاز أو تقدير أو المراد بالسماء معناها الظاهر، والتجوّز في لفظ من لأن مبادي الماء لما كانت من السماء جعل نفسه من السماء ففيه استعارة تبعية حرفية، وضمير منه للسماء بتأويله بالفلك، ونحوه وإلا فهي مؤنثة وكون مباديه منها لكونه بتأثير الإجرام الفلكية في البخار كما في كتب الحكمة، وسيأتي

تحقيقه. قوله: (جمع واد وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه) وبه سميت الفرجة بين الجبلين، وجمعه أودية كناد وأندية وناج وأنجية قيل، ولا رابع لها وفي شرح التسهيل ما يخالفه، والوادي يطلق على الطريقة يقال فلان في واد غير واديك ذكره الراغب فإطلاقه على الماء الجاري إمّا مجاز لغوقي بإطلاق اسم المحل على الحال، أو عقلي والتجوّز في الإسناد، والمصنف رحمه الله ذهب إلى الأوّل ويحتمل تقدير مضاف أي مياهها. قوله:) وتنكيرها لأنّ المطرياتي على مناوب بين البقاع) قيل إنه دفع لما يتوهم من أنّ الأودية كلها تسيل وان كان ذلك في أزمنة مختلفة فالظاهر تعريفها بلام الاستغراق، والتعريف هو الأصل والجواب أنه أريد التنبيه على تناوب الأودية في ذلك أي وقوعها نوبة في أودية، ونوبة أخرى في أخرى ووقع في نسخة تفاوت بالفاء، وهما بمعنى فلو عرّف فات ذلك التنبيه، وتفسيره للوادي بالموضعالذي يسيل فيه المال لا ينافي ما مرّ في آخر سورة التوبة من أنه منفرج ينفذ فيه السيل، وإنه اسم فاعل من ودى إذا سال ثم شاع في الأرض لما مرّ من أنه حقيقته المهجورة، وهذا حقيقته في عرف اللغة فلا حاجة إلى دفعه بأنّ هذا قول الجمهور وذاك قول شمر من أهل اللغة. قوله:(بمقدارها الذي علم الله الخ) فالقدر بمعنى المقدار، والضمير راجع إلى الأودية بالمعنى السابق فلا استخدام فيه كما في الوجه الثاني فإنه يعود عليها باعتبار معنى المواضع، وقوله نافع غير ضار إشارة إلى ما في الكشاف أنه فيما سيأتي لما ضرب المطر مثلاً للحق وجب أن يكون مطرا خالصاً للنفع خاليا من المضرّة ولا يكون كبعض الأمطار، والسيول الجواحف وقوله في الصغر والكبر أي يسيل بقدر صغر الأودية، وكبرها لأنّ النافع ذلك، وبقدرها إمّا صفة أودية أو متعلق بسالت أو أنزل. قوله: (رفعه والزبد وضر الغليان (الوضر بفتحتين، وبالضاد المعجمة والراء المهملة وسخ الدسم ونحوه وهو مجاز عما يعلو الماء من الغثاء، وإنما خصه بالغليان وهو اضمطراب الماء وشدة حركته لأن الغشاء يحصل مع ذلك في الغالب بل لا يكون منشؤه إلا من ذلك، ولذا قال في الدر المصون إنه ما يطرحه الوادي إذا جاس ماؤه فما قيل إنه تفسير بالأخص! إذ ليس من لازم الزبد الغليان

ص: 231

ولا وجود غالبا معه لا وجه له، واحتمل بمعنى حمل، وقال أبو حيان عرّف السيل لأنه عنى به ما فهم من الفعل، والذي يتضمنه الفعل من المصدر! ان كان نكرة إلا أنه إذا عاد في الظاهر كان معرفة كما كان لو صرّج به نكرة، وكذا يضمر إذا عاد على ما دل عليه الفعل من المصدر نحو من كذب كان شرّاً له أي الكذب، ولو جاء هنا مضمراً لكان جائزا عائدأ على المصدر المفهوم من فسالت، وأورد عليه إنه كيف يجوز أن يعنى به ما فهم من الفعل، وهو حدث والمذكور المعرّف عين فإنّ المراد به الماء السائل، وأجيب بأنه بطريق الاستخدام وهو غير صحيح لا تكلف كما قيل لأن الاستخدام أن يذكر لفظ بمعنى،

ويعاد عليه ضمير بمعنى آخر سواء كان حقيقياً أو مجازيا، وهذا ليس كذلك لأنّ الأوّل مصدر أي حدث في ضمن الفعل، وهذا اسم عين ظاهر يتصف بذلك الحدث فكيف يتصوّر فيه الاستخدام نعم ما ذكروه أغلبيّ لا مختص بما ذكر فإن مثل الضمير اسم الإشارة، وكذا الاسم الظاهر كما في قول بعض أهل العصر.

أخت الغزالة إشراقا وملتفتا

وقد فصلناه في محل آخر فالحق أنه إنما عرّف لكونه معهوداً مذكوراً بقوله أودية، وانما

لم يجمع لأنه مصدر بحسب الأصل. قوله: (ومما توقدون عليه في النار) هذه جملة أخرى معطوفة على الجملة الأولى لضرب مثلى آخر كما سيذكره المصنف رحمه الله، والفلز بكسر الفاء، واللام وفي آخره زاء معجمة مشددة ما يخرج من الأرض من الجواهر المعدنية التي تنطبع بالمطرقة كالذهب والفضة والنحاس والرصاص، وبقية الأجساد السبعة وتطلق على ما يتطاير منها وينفصل عند التطريق، وهذا هو المشهور وهو المراد وفيه لغات، وله معان قال في القاموس الفلز بكسر الفاء واللام، وتشديد الزاي وكهجف وعتل نحاس أبيض يجعل منه القدور المفرغة أو خبث الحديد أو الحجارة أو جواهر الأرض كلها أو ما ينفيه الكير من كل ما يذاب منها، وقوله يعم أي لفظه شامل لها. قوله:(على وجه التهاون) هو تفاعل من الهوان وهو التذلل والجار والمجرور حال من فاعل يعم، واستفادة التهاون من عدم ذكرها بأسمائها والعدول إلى وصفها بالإيقاد والضرب بالمطارق الذي الإيقاد لأجله ونحوه، وقوله إظهاراً لكبريائه أي لعظمته علة للتهاون بها بما مرّ لأن أشرف الجواهر خسيس عنده تعالى إذ عبر عن سبكه بإيقاد النار به المشعر بأنه كالحطب الخسيس، وصوره بحالة هي أحط حالاته وهذا لا ينافي كونه ضرب مثلا للحق لأن مقام الكبرياء يقتضي التهاون به مع الإشارة إلى كونه مرغوباً فيه منتفعاً به بقوله ابتغاء حلية أو متاع فوفى كلاً من المقامين حقه فما قيل إن الحمل على التهاون لا يناسب المقام لأن المقصود تمثيلى الحق بها وتحقيرها لا يناسبه ساقط، وابتغاء

مفعول له أو حال، وقوله طلب حلي يشير إلى أنه مفعول له وحلي بوزن رمى أو بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء ما يتحلى ويتزين به، والأواني جمع آنية وهي معروفة، وقوله ومما توقدون الخ إشارة إلى أن الجار والمجرور خبر مقدم وزبد مبتدأ والمراد بالزبد الثاني خبث الجواهر المذكورة ومن في مما للابتداء أي نشأ منه أو هو بعضه، وقوله مثل الحق والباطل إشارة إلى أنّ في الكلام مضافاً مقدرا وفي نسخة بمثل والقرينة على المقدر قوله كذلك يضرب الله الأمثال، وقوله في النار صفة مؤسسة لأنّ الموقد عليه يكون في النار وملاصقا لها وقيل إنها مؤكدة. قوله:) فإنه) أي الله تعالى مثل الحق بتشديد الثاء أي أتى به على طريق التمثيل المركب، إذ شبه الحق وثباته للنفع والباطل وعدم ثباته، وقوله في منافعه بالنون والقاف والعين جمع منقع، وهو مجتمع الماء كالغدران وفي نسخة منابعه بالباء الموحدة بدل القاف جمع منغ والأولى أظهر لأنه الذي يناسب السلوك بعده وقوله وبالفلز عطف على قوله بالماء إشارة إلى أنه تمثيل آخر، وبين ذلك أي وجه الشبه في المذكور بقوله فأمّا الزبد الخ تبدأ بالزبد في البيان، وهو متأخر في الكلام السابق وفي التقسيم يبدأ بالمؤخر كما في قوله يوم تبيض وجوه وتسودّ وجوه فأمّا الذين اسودّت الخ وقد راعى الترتيب فيه، ولك أن تقول النكتة فيه أنّ الزبد هو الظاهر المنظور أوّلاً وغيره باق متأخر في الوجود لاستمراره، والاية من الجمع والتقسيم على ما فصله الطيبيّ. قوله:(يجفأ به أي يرمي به السيل الخ) يقال جفأ الوادي بالسيل، والماء بالزبد إذا قذفه ورمى به فالباء

ص: 232

للتعدية، وقيل إنه كرماه ورمى به وجفاء حال لأنه بمعنى مرمياً والجفال باللام بمعنى الجفاء بالهمز، وهو الزبد المرمى به، وهذه القراءة لرؤبة وكان أبو حاتم رحمه الله لا يقبل قراءته، وقوله للمؤمنين الذين استجابوا ليس تقديراً للموصوف بل بيان لحاصل المعنى، وقوله الاستجابة الحسنى تقدير للموصوف. فوله:) على أنه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين الخ (شأن الفريقين هو صفتهما وحالهما، وهو الحق والباطل ولهما أي لأهل الحق والباطل، وهم المستجيبون وغيرهم فاللام داخلة على الممثل له لا على المضروب له المثل ولو كان كذلك لقيل للناس أو لقوم يعقلون ولم يفصل هذا التفصيل، قيل: ولك أن تعكس فتجعل المعنى ضرب مثل أهل الحق والباطل ضرب المثل للمؤمنين والكفار على أن يكون المراد بالفريقين أهل الحق والباطل بحذف المضاف، والمضاف إليه كقوله:{أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة البقرة، الآبة: 19، أي كمثل ذوي صيب فلفظ الشان ليس إلا لأن ضرب

المثل يكون للشؤون دون الذوات، ويجوز أن يكون قوله ضرب المثل لهما على معنى كضرب المثل لهما ونصبه بنزع الخافض، وفيه تأمّل. فوله:(وقيل للذين استجابوا خبر الحسنى الخ) في البحر هذا التفسير أولى لأنّ فيه ضرب الأمثال غير مقيد بمثل هذين كما وقع في غير هذه الآية، والله قد ضرب الأمثال في غيرهما، ولأن فيه ذكر ثواب المستجيبين بخلاف الأوّل ولأنّ تقدير الاستجابة الحسنى مشعر بتقييد الاستجابة، ومقابلها بنفي الاستجابة الحسنى لا نفي الاستجابة مطلقا، ولأنه على الأوّل يكون قوله لو أنّ لهم ما في الأرض! كلاماً مفلتا، أو كالفلت إذ يصير المعنى كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين والكافرين لو أنّ لهم إلى آخره، وأيضاً إنه يوهم الاشتراك في الضمير، وان كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوما ورذ هذا مع الاعتراف بأنّ هذا الوجه أرجح كما اتفق عليه شراج الكشاف بأنه لا مقتضى للتفسير الأوّل لتقييد الأمثال عموما بمثل هذين ألا ترى قوله تعالى كذلك، ثم إنه يفهم من الأوّل ثواب المستجيبين أيضا ألا ترى القصر المستفاد من تقديم الظرف في قوله لهيم، والإشارة بأولئك إلى علية أوصافهم الخبيثة، وأيضا قوله الحسنى صفة كاشفة لا مفهوم لها فإن الاستجابة لله لا تكون إلا حسنى وكيف يكون قوله لو أن لهم الخ كلاما مفلتا، وقد قالوا إنه استئناف بياني لحال غير المستجيبين، وكيف يتوهم الاشتراك في الضمير مع أنّ اختصاصه بالكافرين معلوم (قلت (ما ذكروه متوجه بحسب بادئ الرأي، والنظرة الأولى أمّا إذا نظر بعين الإنصاف بعد تسليم أنه أحسن، وأقوى علم أنّ ما ذكره وارد فإنّ قوله كذلك يقتضي أنّ هذا شأنه، وعادته في ضرب الأمثال فيقتضي إن ما جرت به العادة القرآنية مقيد بهؤلاء، وليس كذلك وما ذكره ولو سلم فهو خلاف الظاهر، وأمّا قوله إنّ ثواب المستجيبين معلوم مما ذكره ففرق بين العلم ضمنا، والعلم صراحة، وأمّا أنّ الصفة مؤكدة أولاً مفهوم لها فخلاف الأصل أيضا، وكون الجملة غير مرتبطة بما قبلها ظاهر، والسؤال عن حال أحد الفريقين مع ذكرهما ملبس وعود الضمير على ما قبله مطلقاً هو المتبادر وما ذكر يدفع الإيهام، وفي شرح الطيبي ما يؤيده فتأمّل، وقوله بأن يحاسب تفسير لمناقشة الحساب المذكور في حديث من نوقش الحساب عذب، وقوله والمخصوص بالذمّ محذوف أي مهادهم أو جهنم. قوله:) قيستجيب) بالرفع ويستجيب الثاني منصوب في جواب النفي وقوله لا يستبصر أي لا يدرك ما ذكر وفيه إشارة إلى تشبيه الجاهل بالأعمى الذي لا يأمن العثار والوقوع في المهاوي، وتشبيه ضدّه بضده. قوله:(والهمزة لإنكار أن تقع شبهة في تشابههما الخ) أشار بقوله بعدما ضرب الخ إلى أنّ الفاء للتعقيب في الذكر فالهمزة لإنكار

التعقيب أو لتفريعه عليه ويصح أن تكون لتعقيب الإنكار لأنها مقدمة من تأخير، والتشابه لأن تشبيه شيء بشيء يقتضي شبه الآخر به لا المصطلح. قوله: (المبرأة عن مثايعة (وفي نسخة متابعة، وهي بمعناها وفيه إشارة إلى الفرق بين اللب والعقل كما ذكره الراغب وغيره فإن لب كل شيء خالصه وخلوص العقل أن لا يتبع ما ألفه ولا وهمه من غير تأقل قال الطيبيّ رحمه الله ولذا علق الله الأحكام التي لا تدركها إلا العقول الزكية بأولي الألباب، وقيل إنهما مترادفان والقصد بما ذكر دفع ما يتوهم من أنّ الكفار عقلاء مع

ص: 233

أنهم غير متذكرين ولو نزلوا منزلة المجانين حسن.

قوله:) الذي عقدوه (وفي نسخة ما عقدوه فالعهد عهد ألست، والمصدر مضاف لفاعله

ولو جعل العهد على هذا ما عقده الله لهم إذ ذاك صح، وكان مضافا لفاعله أيضا كما في الوجه الثاني، وفي قوله في كتبه إشارة إلى أنّ المراد من الذين ما يشمل جميع الأمم وما في كتبه الأحكام والأوامر والنواهي. قوله: (ما وثقوه من المواثيق الخ (ما بينهم وبين الله النذور ونحوها مما بين في كتب الأحكام وما بينهم وبين العباد هو العقود وما ضاهاها، وكونه تعميما بعد تخصيص على كلا تفسيري العهد، وقيل إنه على التفسير الأوّل لعهد الله وإلا فعلى الثاني تخصيص بعد تعميم، وليس كذلك لأن نقض الميثاق على تفسيره، وهو إبطال ما تقدم من العهود الإلهية وما يجري بينهم وبين غيرهم من الخلق شاماى لما عهد في عالم الأزل من التوحيد وغيره، كما أنه شامل لما عهد الله على خلقه في كتبه وغيره مما لم يذكر فيها. قوله. (من الرحم وموالاة المؤمنين والإيمان (مفعول أمر محذوف تقديره أمرهم به وان يوصل بدل من الضمير المجرور، وقول المصنف رحمه الله من الرحم بيان لما الموصولة قيل والموالاة والإيمان لا يستقيم جعله بياناً لما لأنه وصل لا موصول، ودفعه بأنّ المراد به الحاصل بالمصدر لا يجدي والأمر فيه سهل لأنّ مراده والمؤمنين بموالاتهم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالإيمان بهم، والناس بمراعاة حقوقهم بل سائر الحيوانات بما يطلب في حقها، وجوبا أو ندبا كما في الكشاف ما أمر الله به أن يوصل من الأرحام والقرابات، ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان، إنما المؤمنون إخوة بالإحسان إليهم على حسب الطاقة، ونصرتهم والذب عنهم والشفقة عليهم والنصيحة لهم وطرح التفرقة بين أنفسهم

وبينهم، وافشاء السلام عليهم وعيادة مرضاهم وشهود جنائزهيم، ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر وكل ما تعلق منهم بسبب حتى الهرّة والدجاجة انتهى، ومن توهم إنه خارج عما أمر الله بوصله فقد وهم وهو ظاهر. قوله:(وعيده عموماً) في فروق العسكري الخوف متعلق بالمكرو.، ومنزل المكروه تقول خفت زيدا وخفت المرضى. والخشية تتعلق بمنزل المكروه دون المكروه نفسه، ولذا قال غعالى:{يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} [سورة الوعد، الآية: 21] قيل وبه يظهر ما في كلام المصنف رحمه الله تبعاً للزمخشري وليس هذا بمسلم لقوله خشية إملاق، وقوله لمن خشي العنت منكم وقد فرق الراغب رحمه الله كي عفرداته بينهما بفرق آخر فقال الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم ولذلك خص العلماء بها في قوله ئعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28] ومثله من الفروق أغلبي لا كليّ وضعي فلذا لم يفرق بينهما المصنف رحمه الله باعتبارهما، وإنما فرق بينهما باعتبار المتعلق، وقوله وعيده بيان لمتعلق الخشية لأنّ الذات من حيث هي لا تخشى أو إشارة إلى تقدير مضاف فيه وذكر الخاص بعد العام للاهتمام به وكونه خاصا فيه تسمح لأنّ الوعيد من قبل ما يذكر والسوء فعل مغاير له لكنه لكونه حموعودا مندرج فيه في الجملة، وقوله-قجحاسبون أنفسهم إشارة إلى ما ورد في! لحديهث:" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا "(1) . قوله: (علي ما! قكرهه / النفس) وفي عسخة لمنفوس بالجمع وما تكرهه هو المصاضب البدنية والمالية وما يخالصه الهوى أي هوى " النفس كالانتقام، ونحوه، ويدخل فيما ذكر التكاليف. وقوله طلبا لزضاه إضارة إلئ أنه مفجول له وكجوز أن- يكون حالاً. قوله: (لا تحوزا وسنعة) أي لا يكون صبره لأجل ا! الئحرّز والصيائة! ق! هـ " أو ماله بل بنية حسشة فهو بالحاء والراء المهملتين والزاء المعجمة كما في نسخة، ووخع 1 في. نسخة أخزى تحوّزاً بالواو بدل الراء الم! هملة، وفسرت بالحماية عن الخوزة وهي بيضة الملك، واعترض عليه بأنه لهم يسمع لكن ابن تيمية قال إنه يقال تحوّز وتحيز وهو ثقة، والسمعة الرياء، وقوله المفروضنة-لمو أبقاه على إطلاقه كان أولى ومثله سهل، وقوله بعضه بيان لمعنى من التبعيضية والواجب التفقة على المماليك والعيال، واخراج الزكاة ونخوها، وقوله كمن- لا يعرف الخ بالكاف وفي ذمدشة باللام وكونه لا يعرف بالمال بيان للأولى لأنّ من لا يعرف لو أظهر الإنفاق لأنهم ومن عرف به

لو أظهره ربما دخله الرياء والخيلاء، ولو حمل السز

ص: 234

على صدقة السز والعلانية على ما ينبغي إظهاره كالزكاة أو أبقى على إرادة العموم منه لكان له وجه. قوله:) فيجارّون الإساءة بالإحسان الخ (أي يقابلونها بها مع القدرة على غيرها، وهذا كما فسر بدفع الشرّ بالخير وفي الوجه الثاني يكون كقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [سورة هود، الآية: 114] وهو مخصوص بالصغائر أو بدفع الذنب بالتوبة. قوله: (عاقبة الدنيا (يعني تعريف الدار للعهد والمراد بها دار الدنيا وعاقبتها الجنة لأن العاقبة المطلقة هي الجنة قال تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 28 ا] وترك قوله في الكشاف لأنها هي التي أراد الله لأنه مبنيّ على الاعتزال للتفادي عن نسبة دار الشرّ إليه كما لا ينسب الشرّ إليه عندهم وتبعية الإمام له في ذلك غفلة عما أراد أو أنه لم ينظر إلى مفهومه، وإنما قال مآل أهلها ليشمل الفاسق المعذب فإنه يؤول أمره إليها لأنه موصوف بهذه الصفات في الجملة فإن كان خارجا منها فالمراد مالهم من غير تخلل لدخول النار. قوله: (إن رفعت بالابتداء) وهو الأوجه لما في الكشف من رعاية التقابل بين الطائفتين، وحسن العطف في قوله ولا ينقضون وجريهما على استئناف الوصف للعالم، ومن هو كالأعمى والاستئناف نحويّ أو بيانيّ في جواب ما بال الموصوفين بهذه الصفات، وقوله بدل أي بدل كل من كل. قوله:(أو مبتدأ خبره يدخلونها (قيل إنه بعيد عن المقام والأولى أن يقال خبر مبتدأ محذوف، ولا وجه له لأنّ الجملة بيان لقوله: {عُقْبَى الدَّارِ} فهو مناسب للمقام، وبطنان الجنة وسطها فيكون بدل بعض وقوله للفصل بالضمير أي المنصوب الذي هو مفعول، وقوله أو مفعول معه اعترض عليه بأنها لا تدخل إلا على المتبوع، ورد بأنه إنما ذكر في مع لا في واو المعية وفيه نظر. قوله: (وهو دليل على انّ الدرجة تعلو بالشفاعة الخ) قيل إنه لا دلالة على ما ذكر خصوصاً إذا كان ومن صلح مفعولاً معه وأجيب عنه بأنه إذا جاز أن تعلو بمجرّد التبعية للكاملين في الإيمان تعظيما لشأنهم فالعلوّ بشفاعتهم معلوم بالطريق الأولى (أقول الما كانوا بصلاحهم مستحقين لدخول الجنة كان جعلهم في درجتهم يقتضي طلبهم لذلك، وشفاعتهم لهم بمقتضى الإضافة فتأمّل. قوله:) أو أنّ الموصوفين بتلك الصفات الخ) على هذا الوجه لا دلالة فيه على أنّ دخولهما بالتبعية بل إنهم بعد الدخول يجمع بينهم،

وبين أهلهم تأنيساً لهم وجمعا لشملهم ودلالته على عدم نفع النسب في الآخرة من توصيفهم بالصلاح دون أن يقال وآباؤهم الخ وظاهر كلامه أنّ من قرن بهم يكون موصوفا بتلك الصفات أيضا، فما قيل في قوله يقرن بعضهم ببعض إنه إذا قرن بهم من هو أدنى منهم فلأن يقرن من هو مثلهم في تلك الصفات أولى فيه بحث. قوله:(أو من أبواب الفتوح والتحف) الفتوح جمع فتح، وهر الرزق الذي يفتح الله به عليهم مما لم يكن على بال من الأرزاق وليس التحف عطف تفسير له، وقيل المراد بالباب النوع ومن للتعليل والمعنى يدخلون لاتحافهم بأنواع من التحف، وفي كون الباب بمعنى النوع كالبابة نظر فإن ظاهر كلام الأساس وغيره أنه معنى الثاني فالظاهر أنه مجاز أو كتابة عما ذكر لأنّ الدار التي لها أبواب إذا أتاها الجم الغفير يدخلونها من كل باب فأريد به دخول الأرزاق الكثيرة عليهم وأنها تأتيهم من كل جهة وتعدد الجهات يشعر بتعدّد المأتيات فإنّ لكل جهة تحفة. قوله:(قائلين سلام عليكم (أي هو حال بتقدير القول قيل، ولم يقل أو مسلمين كما في الكشاف لابتنائه على أنه إنشاء للتسليم وقد جعله المصنف رحمه الله للإخبار لأنه المناسب للمقام بدلالة قوله بشارة بدوام السلامة والدوام مستفاد من الجملة الاسمية، وفيه نظر لأنّ الجملة الإنشائية لا تقع حالاً فالظاهر أنّ مراده أنها مفعول قائلين المقدر الواقع حالاً من فاعل يدخلون أو هو حال من غير تقدير لأنها فعلية في الأصل أي يسلمون سلاما. قوله: (متعلق بعليكا) أي بما تعلق به عليكم أو به نفسه لأنه نائب عن متعلقه، وقد مغ هذا السفاقسي لا بسلام لأنه لا يفصل بين المصدر ومعموله بالخبر لأنه أجنبيّ قاله أبو البقاء، وجوّزه غير أبي البقاء قال في الدر المصون وجهه أنّ المنع إنما هو في المصدر المؤوّل بحرف مصدرقي وفعل وهذا ليس منه والمصنف رحمه الله تبع فيه أبا البقاء، وقد علمت جوابه مع أنّ الرضي جؤزه مع التأويل أيضاً، وقال لا أراه مانعاً لأنّ كل مؤول بشيء لا يثبت له جميع أحكامه، وقال صاحب الكشف

ص: 235

إنّ عليكم بحسب أصله ليس بأجنبي فلذا جاز الفصل به، أو هو خبر مبتدأ محذوف متعلق بكائن أو مستقرّ المحذوف، وتقديره هذا أي الثواب الجزيل بما صبرتم، وما مصدرية أي بصبركم أي بسببه أو بدل منه فإنّ الباء تكون للبدلية كما ذكره النحاة، وقوله وقرئ الخ أي قراءة الجمهور بالكسر والسكون وغيرها شاذة وهي لغات فيها، وقوله وبغيره أي بغير النقل وابقائها مفتوحة على الأصل، والمخصوص بالمدح محذوف أي الجنة. قوله:) من بعدما أوثقوه به من الإقرار والقبول (جعل الميثاق اسم آلة وهو ما يوثق به

الشيء فعهد الله قوله: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ} [سورة الأعراف، الآية: 172] وميثاقه الاعتراف بقوله بلى، وقد يسمى العهد من الطرفين ميثاقا لتوثيقه ما بين المتعاهدين، وهو الذي ذكره المصنف رحمه الله أوّلاً في قوله ما وثقوه بينهم وبين الله فلا تنافي بين كلاميه لأنّ التوثيق حصل بالمجموع، وهو في الحقيقة بالجواب، وقوله بالظلم أي لأنفسهم وغيرهم وتهييج الفتن بمخالفة دعوة الحق واثارة الحرب على المسلمين. قوله:(عذاب جهنم) يعني المراد بالدار جهنم وسوءها عذابها، أو سوء عاقبة الدنيا فالدار هي الدنيا وسوءها عاقبتها السيئة، وهي عذاب جهنم أو جهنم نفسها، ولم يقل سوء عاقبة الدار لأنّ العاقبة إذا أطلقت يراد بها الجنة كما مرّ وهذا الوجه أحسن كما أشار إليه المصنف رحمه الله لرعاية تقابل عقبى الدار إذ المراد بها ثمة الدنيا أيضاً، ولأنه المتبادر من الدار بقرينة ما قابله وهو الحاضر في أذهانهم. قوله:(يوسعه ويضيقه) ترك قول الزمخشري الله وحده هو يبسط الرزق لأن مثله لا يفيد الحصر عند صاحب المفتاح، والزمخشريّ يرى أنه قد يرد له لأنه لا مانع من الجمع بين التقوى، والتخصيص عنده وبسط الرزق توسعته، وأئا قول المصنف رحمه الله تعالى ويضيقه فليس من مدلوله بل لازم له لأنه إذا وسعه إذا شاء لزم منه تضييقه إذا لم يشأ، وهذا وان كان عاما نزل في حق أهل مكة كأنه دفع لما يتوهم من أنه كيف يكونون مع ما هم عليه من الضلال موسعا رزقهم فبين أنّ توسعة رزقهم ليس تكريماً لهم كما أنّ تضييق رزق بعض المؤمنين ليس إهانة لهم بل ذلك لحكم الهبة، ثم إنه تعالى استأنف النعي على قبح أفعالهم مع ما وسعه عليهم فقال، وفرحوا الخ والمراد بالرزق الدنيوي لا ما يعمّ الأخروي كما قيل لأنه غير مناسب للسياق، وقوله بما بسط لهم في الدنيا لأن فرحهم ليس بنفس الدنيا فنسبة الفرح إليها مجازية أو بتقدير أي ببسطه الحياة وكذا إسناد المتاع إليها أو الحياة الدنيا مجاز عما فيها، وفسر ضمير فرحوا بأهل مكة مع عدم سبق ذكرهم وهم المراد بالذين كفروا بعده ولم يعكس للعلم به في الأوّل، وتسجيل الكفر عليهم في الثاني، وليس فيها تقديم وتأخير كما قيل ومحله بعد يفسدون لاختلافهما عموما وخصوصا واستقبالاً ومضيا. قوله:) في جنب الآخرة (يعني أنّ الجاز والمجرور حال أي، وما الحياة القريبة كائنة في جنب الآخرة وليس متعلقا بالحياة ولا بالدنيا لأنهما ليسا فيها، وفي هذه معناها المقايسة، وهي كثيرة في الكلام كما يقال الذنب في رحمة الله كقطرة في بحر، وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق وهي الظرفية المجازية لأنّ ما يقاس بشيء يوضع بجنبه، وقيل معنى الآية كالخبر الدنيا مزرعة الآخرة يعني كان ينبغي أن يكون ما بسط لهم في الدنيا وسيلة إلى الآخرة كمتاع تاجر يبيعه بما يهمه، وينفقه في مقاصده

لا أن يفرحوا بها ويعدونها مقاصد بالذات، والأوّل أولى وأنسب. قوله:) الآمتعة لا تدوم كعجالة الراكب الخ) المتعة ضم الميم وكسرها الزاد القليل كما يعطي لمن هو على جناج سفر وهو راكب على دابته من غير إعداد له فإنه يكون أمراً قليلا كتمرات أو شربة سويق وقوله أشروا الأشر الفرج بطراً وكفراً بالنعمة، وهو المذموم لا مطلق الفرح وقوله ولم يصرفوه الخ إشارة إلى أن وضع النعمة في موضعها، وصرفها في محلها مما يستوجب به الثراب شكراً لها واداء لحقها. قوله:(باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات) إنما فسره وقيده بما ذكر لأنه المناسب للجواب عن اقتراحها فلا وجه لحذفه حتى يشمل ما قبله من الضلال كما قيل وقوله أقبل إلى الحق إشارة إلى أنّ الإنابة بمعنى التوبة ولما كان حقيقته كما في الكشاف دخل في نوبة الخير، وهو الإقبال على الحق فسره به لأنّ أصل معناه الرجوع، ومن لوازم الرجوع عن شيء الإقبال على خلافه كما قيل. قوله:(وهو جواب يجري مجرى التعجب من تولهم الخ) يعني أن قولهم لولا أنزل عليه آية من ربه من باب العناد، والاقتراج ورد الآيات الباهرة

ص: 236

المتكاثرة، وإنما يستحق هذا الكلام بحسب مقتضى الظاهر أن يقابل بأن يقال ما أعظم كفركم وأشد عنادكم ونحوه، فوضع هذا موضعه إشارة إلى أنّ المتعجب منه يقول إن الله يضل من يشاء الخ، وقوله ممن بيان لمن يشاء، وقوله كل آية أي مما اقترحوه وغيره، وقوله بما جئت به متعلق بيهدي، وقوله بدل من من أقي بدل كل من كل أو عطف بيان عليه أو منصوب بأعني ونحوه مقدراً وقيل إنه مبتدأ والموصول الثاني بدل منه، وطوبى لهم خبره فيتم التقابل، وهو أولى من جعل الموصول الثاني خبراً وألا بذكر الله اعتراضا وطوبى لهم دعاء. قوله تعالى:( {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم} (عبر بالمضارع لأنّ الطمأنينة تتجدد بعد الإيمان حينا بعد حين، وقوله أنسابه واعتمادا عليه أي لا تضطرب للمكاره لأنسها بالله، واعتمادها عليه في الإزالة اً والثبوت عليها والضمائر كلها لله، وهذه الآية لا تنافي قوله تعالى: {إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [سورة الأنفال، الآية: 2، إذ المراد هناك وجلت من هيبته واستعظامه، وهو لا ينافي اطمئنان الاعتداد والرجاء. قوله:) او بذكر رحمته (ففي الكلام مضاف مقدر وهذا مناسب للإنابة إليه تعالى وقوله أو بذكر دلائله فيه

أيضا إشارة إلى التقدير، وهذا يناسب ذكر الكفر ووقوعه في مقابلته فالمصدر مضاف للمفعول، والضمائر كلها لله والاطمئنان على الأوّل من مكروه العذاب، وعلى الثاني عن قلق الشك والتردّد، وقوله أو بكلامه الخ لا حاجة في هذا إلى تقدير ألمضاف لأنّ القرآن يسمى ذكراً وهذا يناسب قوله:{لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} [سورة يونس، الآية: 20، أي هؤلاء ينكرون كونه آية والمؤمنون يعلمون أنه أعظم آية تطمئن لها قلوبهم ببرد اليقين، وهو أنسب الوجوه والمصدر فيه بمعنى المفعول، وقوله تسكن إليه أي إلى الله تستأنس بسبب ذكره أو إلى ذكره فهو معنى غير ما تقدم، وليس تكريراً معه وتطمئن بمعنى اطمأنت معطوفة على الصلة، أو هي جملة معترضة فتدبر. قوله:(فعلى من الطيب قلبت ياؤه واوا) كموسر وموقن، وقيل إنها جمع طيبة كضوقي في ضيقة ورد بأنّ فعلى ليست من أبنية الجموع فلعله أراد أنه اسم جمع، وقيل إنها اسم شجرة في الجنة، وهي مرفوعة بالابتداء، وان كانت نكرة لأنها للدعاء أو للتعجب كسلام لك وولل له، وقال ابن مالك إنها لا تكون إلا مبتدأ ولا تنصرف، وخالفه غيره فجوّز نصبها ويدل عليه عطف المنصوب عليها في قراءة، وأجاب عنه السفاقسيّ بأنه يجوز نصبه بمقدر أي رزقهم حسن مآب، وهو بعيد، وقرئ طيبي بالياء في الشواذ وعلى الرفع الجملة الدعائية خبر للمبتدأ بتأويل يقول لهم أو هي خبرية، والمعنى لهم خير كثير وإذا نصبت فناصبها فعل مقدّر أي طاب، وهو الخبر واللام للبيان كما فني سقيا له، ومنهم من قدر جعل طوبى لهم، وقوله ولذلك قرئ وحسن ماب بالنصب، وأمّا الرفع فلا حاجة إلى دليل لأنه متفق عليه، وهو قراءة الجمهور. قوله:(مثل ذلك) يعني إرسال الرسل قبلك فشبه إرساله صلى الله عليه وسلم بإرسال من قبله وان لم يجر لهم ذكر لدلالة قوله قد خلت عليهم، والزمخشري على عادته في مثله يجعل الإشارة إلى إرساله والإشارة بالبعيد للتفخيم كما مز تحقيقه في سورة البقرة أي أرسلناك إرسالاً له شأن، وفي في قوله في أمم بمعنى إلى كما في قوله فردّوا أيدهم في أفواههم، وقوله يعني إرسال الخ تفسير لذلك فلا يرد ما قيل الأحسن أن يقول مثل إرسال الخ، وقيل في إشارة إلى أنه من جملتهم وناشئ بينهم فلا ينكر لا بمعنى إلى إذ لا حاجة لبيان من أرسل إليهم وفيه نظر. قوله:(أرسلوا إليهم فليس ببدع إرسالك إليها) هذا بناء على تفسيره للتشبيه وأفا على تفسير الزمخشريّ فقيل إنه لا يكون لقوله قد خلت كثير مساس هنا، وتأويله بقوله فهي آخر الأمم الخ منظور فيه إذ لا يلزم من تقدم أمم كثيرة قبله أن لا يكون أمّة يرسل إليها بعده حتى يلزم أن يكون خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفيه بحث لأنّ المراد بكون إرساله عجيبا أنّ رسالته

أعظم من كل رسالة فهي جامعة لكل ما يحتاج إليه فيلزم أن لا نسخ إذ النسخ إنما يكون للتكميل، والكامل أتتم كمال غير محتاج لتكميل كما قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 3] . قوله: (لتقرأ عليهم الكتاب الذي أوحيناه إليك) بيان لمحصل المعنى لا لتقدير موصوف للذي، وان جاز وفي إبهامه وذكر نون العظمة تفخيم له لا يخفى، وضمير عليهم للأمّة باعتبار معناها كما روعي في الذي قبلها لفظها. قوله:(وحالهم أنهم يكفرون بالبليغ الرحمة الخ)

ص: 237

إشارة إلى أنّ هذه حال من فاعل أرسلنا لا من ضمير عليهم إذ الإرسال ليس للتلاوة عليهم حال كفرهم ومنهم من جوّزه وأنّ التلاوة عليهم في حال الكفر ليتفقوا على إعجازه فيصدّقوا به لعلمهم بأفانين الفصاحة، ولا ينافي تلاوته عليهم بعد إسلامهم، ويجوز في الجملة أن تكون مستأنفة لكنه مخالف لظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى، وقوله بالبليغ الرحمة إشارة إلى فائدة الالتفات عن بنا إلى الظاهر، دمايثار هذا الاسم الدال على ما ذكر والمبالغة في الرحمة من صيغة الرحمن، وفسرها لشمولها للكل بقوله وسعت كل شيء رحمته، وقوله فلم يشكروا نعمه الخ يعني أنهم فابلوا رحمته العامّة، ونعمه بالكفر ومقتضى العقل عكسه بأن يشكروها ويعرفوا المنعم بها فيوحدوه، وفسر الرحمة بالنعمة تنبيها على أنهما بمعنى هنا، وقوله الدنياوية بالألف على ما بين في الصرف من أنه يقال دنيوية ودنياوية، وما في ما أنعم مصدرية، وقوله بإرسالك فإنه رحمة للعالمين. قوله:(وقيل نزلت الخ (وقيل نزلت في الحديبية حين كتب بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا الرحمن لا نعرفه، وقيل نزلت حين سمعوه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا الله يا رحمن فقالوا: إنه يدعو الهين، وهذه كلها غير مناسبة، ولهذا مرضه المصنف رحمه الله تعالى لأنه يقتضي أنهم يكفرون بهذا الاسم، واطلاقه عليه تعالى، والظاهر أنّ كفرهم بمسماه، وقوله حين قيل لهم الخ لا حين كفروا به ولم يوحدوه كما في الوجه الأوّل وهذه الآية في سورة الفرقان قيل، وهو يقتضي تقدم نزول تلك الآية فالمناسب الجواب بهو ربي فيها أيضا أو هو ربكم وفيه نظر. قوله: (قل هو ريي الخ) فسره بما ذكر لما أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالأخبار بتخصيص توكله عليه أو لإنشاء ذلك وأمر أولاً بأن يقول هو ربي توطئة لقوله عليه توكلت ولما لم يلزم من قوله هو ربي توحده بالألوهية ضم إليه قوله لا إله إلا هو وهو داخل في حيز قل سواء كان صفة أو خبرا بعد خبر، وفيه تنبيه على أنّ التوكل عليه لا

على غيره، وما قيل إنّ المقصود الإخبار بأنّ التوحيد بهو ربي لا الإخبار بأنه هو متوحد ابالألوهية فيه فتأمّل. قوله:(مرجعي ومرجعكم) فيرحمني ويتتقم منكم، والانتقام من الرحمن أشدّ كما قيل أعوذ بالله من غضب الحليم قيل، وعلى كلام المصنف رحمه الله تعالى متاب مبتدأ نكرة مخصص بتقد! م خبره عليه، وهو مخالف لما في الكشأف ورد بانّ التقديم للتخصيص أي إليه لا إلى غيره، والمبتدأ معرفة بالإضافة والمضاف إليه محذوف تقديره متابنا، وقوله مرجعي ومرجعكم تفصيل له والظاهر ما في الكشاف إذ تقدير ضمير المتكلم مع الغير لا يناسب ما قبله، وكلام المصنف رحمه الله تعالى قد يحمل عليه بأن يكون اكتفاء والتقدير متابي ومتابكم وان الكلام داذ عليه التزاما فتاقل. قوله:(شرط حذف جوابه) أي إن قلنا إنه يحتاج إلى جواب، وان جعلت وصلية لا ج! واب لها والجملة حالية أو معطوفة على مكدر لم يقدر شيء والجواب على هذا ذكره المصنف رحمه الله تعالى فيما سيأتي بقولمه لكان هذا القرآن الخ، وقوله والمراد منه تعظيم شأن 11 لقرآن مبنيّ على التقدير الأوّل، وقوله أو المبالغة الخ مبنيّ على الثافي، وقوله لو أن كتابا بيان لأنّ قراناً بمعنى الكتاب المقروء مطلقاً فهو بمعناه اللغوي لا العرفي لأنه المراد وبه يتم الارقباط، وزعزعت بزاءين معجمتين وعيين مهملتين بمعنى حركت وقلعت من مكانها إلى آخر، ومقارّها بتشديد الراء جمع مقرّ أي محك- قوله:(تصدّع من خشية الله الخ) أي المراد بتقطعها تقطع وجهها وتفرقه وذلك إمّا لخشية الله أو لتجري منها " الأنهار وتنفجر العيون والظاهر أنه حقيقة على سبيل الفرض كقوله:

ولو طار ذو حافر قبلها

على كلا الديرية في الجواب، وجعله تمثيلاً كقوله تعالى:{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [سورة الحشر، الآية: 21] لا وجه له وأمّا تمثيل الزمخشري بتلك الآية فليس يريد به أنها تمثيل مثلها بل بيان لأنّ القرآن يقتضي غاية الخشية، وقوله وعيوناً في نسخة أو يخونا وهما بمعنى. قوله:(فتقرأه أو فتسمع وتجيب عند قراءته) الباء على الأوّل صلة كلم وعلى الثاني للسببية أي لو كلم أحد بقرآن الموتى لكان هذا أو لو كلم الموتى بأن أسمعهم فأجابوا بسبب سماعه بما يدل عبى حقيته، وقوله النهاية في التذكير والإنذار ناظر إلى قوله تصدّعت من خشية الله، وقوله كقوله:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا} يعني هذه الآية

تشهد لتقدير الجواب الثاني. قوله: (وقيل إن قريثاً قالوا يا محمد إن سرّك الخ

ص: 238

(بيان لسبب النزول، وهو تأييد لتقدير الجواب الثاني، وليس فيه مغايرد لما سبق إلا في جعل التقطيع من قطع الأرض بمعنى سيرها، وقطائع جمع قطيعة وهي الأرض التي تزرع ومنه إقطاع الجند، وقوله تشع أي مكة مجزوم في جواب الأمر وتسخير الريح ليركبوها فيذهبوا ويأتوا في زمان يسير فيستغنون عن رحلة الثتاء والصيف، وابعث لنا أي أحيه لنا لنكلمه فيخبرنا بصحة نبوّتك.

قوله: (وقيل الجواب مقدم الخ) معطوف على قوله حذف جوابه، وهذا منقول عن الفراء وغيره ممن يجوز تقديم جواب الشرط عليه ولا يخفى أنّ في اللفظ نبوة عنه لكونها اسمية مقترنة بالواو، ولذا أشار السمين رحمه الله تعالى إلى أن مراده أنها دليل الجواب لكنه يكون لا فرق يينه وبين تقدير لما آمنوا في المعنى وقوله خاصة أي دون ب! ميرت وقطعت لأنه جمع ميت، والميت منه مذكر فنظر إليه تغليبا. قوله: (بل دلّه القدرة على كل شيء الخ (قال في الكشاف إنه على معنيين أحدهما بل لله القدرة على كل شيء، وهو قادر على الآيات التي اقترحوها ألا إنّ علمه بأن إظهارها مفسدة يصرفه، والثاني بل لله أن يلجئهم إلى الإيمان وهو قادر على الإلجاء لولا أنه بنى أمر التكليف على الاختيار، ويعضده قوله أفلم ييأس الذين الخ ولما كان الثاني مبنياً على مذهبه كما بينه شرّاح الكشاف تركه المصنف رحمه الله تعالى واقتصره على الأوّل وهذا جار على وجوه تقدير الجواب إمّا على الأخير فظاهر، وأمّا على الأوّل فلأن إرادة تعظيم شأن القرآن لا تنافي الردّ على المقترحين وقوله عن إيمانهم فمتعلق اليأس محذوف تقديره ما ذكر لا أن لو يشاء واليأس على هذا بمعنى القنوط وقدمه لأنه المعروف من معناه، وقو! هـ إضراب عما تضمنته لو الخ أي لا يكون تسيير الب ل وما ذكر بقرآن بل يكون بقيره مما أهـ اده

الله فإنّ الأمر له جميعاً فلا يرد عليه شيء حتى يتوهم أنّ الأحسن عطفه على مقدر أي ليس لك من الأمر شيء بل الأمر لله جميعاً. قوله: (وذهب كثوهم) أي المفسرين إلى أنّ معناه أفلم يعلم فاليأس بمعنى العلم، والتبين ويشهد له القراءة المذكورة، وقوله وهو تفسير. أي تفسيره بمعنى يدل على أنّ المراد منه ذلك لا أنهم قرؤوا بها للتفسير من غير أن يسمعوها من النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنه غير صحيح. قوله:(وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم لأنه) أي اليأس مسبب عن العلم فإنّ الميؤوس عنه لا يكون إلا معلوما، وقد اختلفوا في أن استعمال اليأس بمعنى العلم هل هو حقيقة لأنه لغة قوم من اليمن يسمون النخع أو مجاز لأنّ اليأس متضمن للعلم فإنّ اليائ! عن الشيء عالم بأنه لا يكون فإن قلت اليأس حينئذ يقتضي حصول العلم بالعدم، وهو مستعمل في العلم بالوجود قلت أجيب بأنه لما تضمن العلم بالعدم تضمن مطلق العلم فاستعمل فيه فقول المصنف رحمه الله تعالى لا يكون إلا معلوما إمّا على ظاهره لأنّ ما يتطلبه الشخص، ثم ييأس منه لا بد له من علمه لأنه لا يطلب ما لا يعلم، ولا حاجة إلى حمله على العلم بوجوده أو عدمه حتى يتكلف له ما مرّ وقيل المراد به أنه معلوم الانتفاء، وقوله فإن بالفاء، وفي نسخة بأنّ بالباء الموحدة والأولى أولى وفي نسخة لا يكون بدون قوله إلا معلوما فهي كان التامّة، وهذه تؤيد ما قيل إنّ المعنى معلوماً انتفاؤه. قوله:(ولذلك علقه بقوله أن لو يشاء الله الخ) أي لكون اليأس بمعنى العلم، والمراد بتعلقه به جعله معلولاً له بحسب المعنى سادّاً مسذ مفعوليه كما ذكره المعرب رحمه الله تعالى، وأن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشان محذوف، والجملة الامتناعية خبرها، وقوله فإنّ معناه نفي هدى بعض الناس لتصحيح المعنى فإنّ نفي تعلق المشيئة بهداية الجميع صادق بأن لا يهدي أحداً، وبأن لا يهدي بعضهم، ويهدي بعضاً آخرين، والأوّل غير واقع، وغير معلوم فكونه معلوما باعتبار ما صدقه الثاني، وليس هذا من التعليق المصطلح في شيء فإنه يتعدّى بعن وأمّا التعليق بمعنى جعله متعلقا به، ومعمولاً له فهو يتعدى بالباء، وأمّا ما قيل إنه من التعليق الاصطلاحي ولذا جعله بمعنى النفي ليكون فيه ما يقتضي التعليق، وانّ هذا معنى كلامه، وما عداه من خرافات الأوهام فليس بشيء، وإلى ما ذكرناه أوّلاً أشار بعض الفضلاء، والآية فيل إنها لإنكار سؤال المؤمنين على ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم سألوا نزول الآيات المقترحة طمعا في إيمان قريش مع علمهم بانتفاء هدى بعض الناس لعدم تعلق مشيئة الله بذلك كما فيمن مات على إصراره فإنه يعلم منه أنّ اقتراحهم

ص: 239

بالآيات بعد صدور معجزات قاهرة دالة على صحة النبوّة قطعا ليس إلا لعدم تعلق مشيئة الله بإيمانهم فتأمّل. قوله: (وهو على الأوّل متعلق بمحذوف تقديره الخ) ضمير عن

إيمانهم للكفار، والضمير في علماً منهم للمؤمنين، وعلماً منصوب على أنه مفعول له، وأن لو يشاء الله مفعول به لعلما المحذوف، ولم يقصر المسافة بتقدير لأن لو يشاء الله لأنه لا يصلح للعلية وإنما العلة علمهم بذلك ولم يجعله تضمينا لبعده. قوله:(أو بآمنوا) معطوف على قوله بمحذوف فإن لو يشاء معمول لآمنوا بتقدير الباء أي لم ييأس الذين آمنوا بمضمون هذه القضية عن إيمان هؤلاء الكفرة فإن قلت تعلقه به، وتخصيص إيمانهم بذلك بالذكر يقتضي أنّ لهذه دخلا في اليأس عن إيمانهم، والأمر بالعكس لأن قدرة الله على هداية جميع الناس تقتضي رجاء إيمانهم لا اليأس منه قلت وجه تخصيص الإيمان بذلك أنّ إيمان هؤلاء الكفرة المصممين كأنه محال متعلق بما لا يكون لتوقفه على مشيئة الله تعالى هداية جميع الناس، ذلك مما لا يكون بالاتفاق وذكر أبو حيان هنا وجهاً آخر، وهو أنّ الكلام قد تم عند قوله أفلم ييأس الذين آمنوا تقرير اليأس المؤمنين من إيمان هؤلاء المعاندين، وأن لو يشاء الله جواب قسم مقدّر أي أقسم لو يشاء الله لهدى الناس جميعا، وأن رابطة لجواب القسم كاللام الجوابية، وقد ذكر سيبويه رحمه الله، وابن عصفور أنها تكون كذلك في كلام العرب كقوله:

أما والله إن لو كنت حرّاً ومابالحرأنت ولا العتيق

وأمثا له.

تنبيه: قوله أفلم ييأس كما تقدم في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام استيأسوا، وهي خمس قرأها البزي عن ابن كثير رحمه الله بخلاف عنه بألف بعدها ياء، والباقون على الأصل يئس فاؤها ياء وعينها همزة، وهي لغة والأولى على القلب بتقديم الهمزة على الياء بقلب حروفها ويدل عليه أمران الأوّل المصدر، وهو اليأس، والثاني أنه لولا أنه مقلوب لقلبت ياؤه ألفاً لتحرّكها، وانفتاج ما قبلها لأنها كانت في محل لا يقبل المل ب، وهو الفاء فكذلك ما وقع موقعه، وقال أبو شامة رحمه الله: بعدما ذكر قراءة البزي في الخمس كلمات، ولذا رسمت في المصحف كما قرأها البزي بألف مكان الياء، وياء مكان الهمزة، وقال أبو عبد الله: اختلف في هذه الكلمات في الرسم فرسم ييأس، ولا تيأسوا بألف ورسم الباقي بغير ألف (قلت) هذا هو الصواب، وكأنها غفلة من أبي شامة انتهى من الدر المصون (أقول) ما ذكره من اتفاقهم على رسمه كما ذكر مقرّر، وتخطئة أبي شامة خطأ منه لعدم فهم كلامه فإنه ذكر أنها رسصت بألف، ولم يقل في الخمسة ولا في الجميع، ثم نقل تخصيص رسم الألف بموضعين فيكون كلامه المطلق أوّلاً محمولاً على المقيد ومفسراً لما أبهم أوّلاً فالمخطئ له هو المخطئ فاعرفه. قوله: (داهية تقرعهم وتقلعهم (القارعة من القرع، وأصله ضرب شيء بشيء كما قاله الراغب،

واستعملت مجازا في الداهية المهلكة نحو قوله: {الْقَارِعَةُ *مَا الْقَارِعَةُ} [سورة القارعة، الآية: أ] وقوله تقلعهم أي تهلكهم وتستأصلهم وقوله تحل بمعنى تنزل، وقوله يتطاير إليهم شررها الشرر واحده شرارة وهي ما يتطاير من النار يشير إلى أن المراد بحلولها بقربهم إشرافهم على الهلاك، وظهور أماراته بتطاير شرره وتواتر شروره. قوله:(وقيل الآية في كفار مكة فإنهم لا يزالون مصابين الخ (هو على الأوّل للجنس من الكفرة، ولا يلزم منه حلول القارعة بجميعهم، وعلى هذا للكفرة المعهودين، والسرايا جمع سرية وهي قطعة من الجيش، ويغير من أغار على العدوّ، وحوأليهم بفتح اللام، والياء ظرف بمعنى حوله وفي جوانبه، ومواشيهم أي دواب أهل مكة، وأنعامهم، وقوله وعلى هذا أي اختصاصه بأهل مكة، والوجه هو الأوّل، وقصة الحديبية معروفة، وقوله الموت أو القيامة هو على التفسير الأوّل، وما بعده على ما بعده وقوله لامتناع الكذب في كلامه هذا بناء على أنّ الوعد خبر يتصف بالصدق، والكذب. قوله: (وعيد للمستهزئين والمقترحين عليه الخ) أدخل الاقتراح في الاستهزاء لأنّ عدم الاعتداد بآياته، واقتراح غيرها في المعنى استهزاء وباندراجه فيه ارتبط بما قبله أشد ارتباط ولذا صرّج به فما قيل إنّ اقتراحهم تسيير الجبال، وأخويه على سبيل الاستهزاء فهما شيء واحد لا وجه له، وملاوة وملوة بتثليث الميم فيهما

ص: 240

بمعنى حين وبرهة من الزمن ومنه الملوان، والحكمة في الإملاء ليؤمن من قدر ألله إيمانه، وششدرج غيره والدعة بفتح الدال الراحة، وقوله فكيف كان عقاب أصله عقابي، والياء تحذف في الفواصل في أمثاله وهو المطرد، ومثله متاب فيما مضى فلا وجه لما مرّ من أن يقدر متابنا، والمعنى كيف رأيت ما صنعت بهم فكذا أصنع بمشركي مكة إن شئت، وفي كيف كان تفخيم للعقاب، وتهويل له. قوله: (رقيب عليه (أي مراقب لأحوالها، ومشاهد لها فهو مجاز لأنّ القائم عند الشيء عالم به، ولذا يقال وقف عليه إذا علمه فلم يخف عليه شيء من أحواله، وتذكير ضمير عليه بتأويله بالشخص، والإنسان وكان الظاهر تأنيثه، وقوله ولا يفوت عنده شيء من جزائهم عطف كالتفسير لأن اطلاع الله على أعمال العباد إذا ذكر فالمراد مجازاتهم عليها. قوله: (والخبر محذوف تقديره كمن ليس كذلك (أو تقدير

الخبر لم يوحدوه أي من مبتدأ خبره محذوف، وتقديره ما ذكر، وجملة وجعلوا على هذا مستأنفة أو معطوفة على جملة أفمن هو قائم كمن ليس كذلك لأنّ الاستفهام إنكاريّ بمعنى النفي فهي خبرية معنى، وعلى الثاني جملة، وجعلوا معطوفة على الخبر المقدر، ولما قرّره في المغني قال الشارح رحمه الله لم يظهر لي وجه اختصاص العطف على الخبر بهذا الوجه الثاني فقيل إنه لاح لي بفضل الله وجهه، وهو حصول المناسبة بين المعطوف، والمعطوف عليه التي هي شرط قبول العطف بالواو في التقدير الثاني، وعدمها في الأوّل، ولذا قال أهل المعاني زيد يكتب ويشعر مقبول دون يعطي ويشعر انتهى. وهذا من قلة التدبر فإن مرادهم إنه على التقدير الأوّل يكون الاستفهام إنكاريا بمعنى لم يكن نفياً للتشابه على طريق الإنكار فإنّ عطف جعلهم شركاء عليه يقتضي أنه لم يكن وليس بصحيح، وعلى التقدير الثاني الاستفهام توبيخيّ، والإنكار فيه بمعنى لم كان وعدم التوحيد وجعل الشركاء واقع موبخ عليه منكر فيظهر عطفه على الخبر، وأمّا ما ذكره من حديث التناسب فغفلة لأنّ المناسبة بين تشبيه الله بغيره، والتشريك تامّة، وعلى الوجه الثاني عدم التوحيد عين الإشراك فليس محلا للعطف عند أهل المعاني على ما ذكره فهو محتاج إلى توجيه آخر، والمعنى أفالله الذي هو قائم كمن ليس كذلك من الأصنام، والهمزة لإنكار مضمون الجملة، والفاء قيل إنها للتعقيب الذكري أي بعدما ذكر أقول هذا الأمر المنكر، والذي في الكشف أنه تعقيب حقيقي للترقي في الإنكار يعني لا عجب من إنكارهم لآياتك الباهرة مع ظهورها، وإنما العجب كل العجب من جعلهم القادر على إنزالها المجازي لهم على إعراضهم عن تدبر معانيها كغيره ممن لا يقدر على شيء، ولا يملك لنفسه نفعاً، ولا ضرّاً، وله تفصيل طويل فيه وقوله من خير أو شرّ بيان لما الموصولة. قوله:(استئناف أو عطف على كسبت الاخ) يعني أنه استخبار عن سوء صنيعهم، وما تحتمل الموصولية، والمصدرية وعلى الأوّل فالعائد مقدر وعلى المصدرية يجوز عطفه عليه، وليس هذا مخصوصا بكون المقدر كمن ليس كذلك، ولا يلزم اجتماعهما حتى تختص كل نفس بالمشركين، وقوله أو لم يوحدوه عطف على من ليس كذلك، وأخره لأنّ الخبر فيه ليس مقابلا للمبتدأ، واكثر في التقدير ذلك لأنه ورد مصرحا به كقوله:{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَاّ يَخْلُقُ} [سورة النحل، الآية: 7 ا] وقوله: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [سورة الرعد، الآية: 9 أ] لكن لا بأس به لدلالة قوله وجعلوا عليه، وأقيم فيه الظاهر مقام الضمير للدلالة على أن الألوهية موجبة لاستحقاق التوحيد والعبادة وللنداء على سخافة عقولهم إذ جعلوا الجمادات مشاركة للذات المستجمعة لسائر الكمالات، وقيل إنه معطوف على قوله استهزئ، وقيل إنها حالية. قوله:(ويكون لظاهر فيه موضع الضمير) موضع منصوب على الظرفية وهو خبر يكون أو التقدير وضع موضع الضمير، وهذا إذا عطفت على الخبر لاحتياجه

إلى العائد، وان كان عطفه على كسبت ظاهراً بخلاف الاستئناف، وقيل إنه جار على التقادير الثلاثة وقوله للتنبيه الخ لأنّ الجلالة أصلها الإله وهو المعبود بالحق المستجمع لجميع الصفات الكمالية. قوله:(تنبيه على أنّ هؤلاء الخ) وفي بعضها تنبيهاً بالنصب فلفظ قوله، وتنبيها معطوف على اسم كان، وخبرها أي إنه كالدليل على عدم استحقاقهم العبادة، وأنما عبر بالتنبيه لكون ذلك معلوماً لكل من له أدنى مسكة، وأشار إلى وجه التنبيه

ص: 241

بقوله، والمعنى الخ فإنه ليس فيهم ما يستحقون به ذلك. قوله:(والمعنى صفوهم وانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة (فسر التسمية بالوصف فالمعنى اذكروا صفاتهم هل فيها ما يقتضي الاستحقاق، وفي الكشاف أي جعلتم له شركاء فسموهم له من هم ونبؤه بأسمائهم فذهب إلى أن المراد به ذكر أسمائهم، وليس فيه خلط كما توهم، ويعرف ذلك من نظر في شروحه، وقوله بل أتنبؤنه إشارة إلى أنّ أم منقطعة بتقدير بل، والهمزة، وقوله بالتخفيف أي من باب الأفعال، والضمير لله. قوله: (بشركاء يستحقون العبادة) يعني ما عبارة عن نفس الشركاء، وقوله أو بصفات معطوف على قوله بشركاء فعلى هذا ما عبارة عن صفات الشركاء، وضمير يستحقونها للعبادة، وضممير لأجلها للصفات، وقوله لا يعلمها أي الشركاء أو الصفات، وإذا كان لا يعلمها، وهو عالم بكل شيء مما كان، وما يكون فهي لا حقيقة لها فهو نفي لها بنفي لازمها على طريق الكناية قيل، وتفسيرها بالشركاء يناسب تفسير سموهم بذكر أسمائهم على ما في الكشاف، والمناسب لتفسيره هو الثاني، وفيه بحث. قوله:(أم تسمونهم شركاء (إن كان المعنى أم تصفونهم بأنهم شركاء فهو عين ما تقدم، وإلا فهو غيره، وقوله من غير حقيقة أي معنى متحقق في نفس الأمر لفرط الجهل، وسخافة العقل، وقوله كتسمية الزنجي كافورأ كممدوح المتنبي المعروف، وكأنه إشارة إلى ذلك. قوله: (وهذا احتجاج بليغ على أسلوب عجيب ينادي على نفسه بالإعجارّ) أي لما كان قوله أفمن هو قائم على كل نفس كافيا في هدم قاعدة الإشراك مع السابق، واللاحق، وما ضمن من زيادات النكت، وكان إبطالاً من طريق حق مذيلاً بإبطال من طرف النقيض على معنى ليتهم إذا شركوا بمن لا يجوز أن يشرك به أشركوا من يتوهم فيه ذلك أدنى توهم، وروعي فيه أنه لا أسماء للشركاء، لا حقيقة لها فضلا عن المسمى على الكناية الإيمائية، ثم بولغ بأنها لا تستأهل أن يسئل عنها على الكناية التلويحية استدلالاً بنفي العلم عن نفي المعلوم، ثم منه إلى عدم الاستئهال مع التوبيخ، وتقدير أنهم

يريدون أن بنبؤوا عالم السرّ، والخفيات بما لا يعلمه، وهو محال على محال، وفي جعل اتخاذهم شركاء، ومجادلة الرسول عليه الصلاة والسلام إنباء له تعالى نكتة بل نكت سرية، ثم أضرب عن ذلك، وقيل:

قد بين الشمس! لذي عينين

وما تلك التسمية إلا بظاهر القول لا طائل تحته بل هو صوت فارغ فمن تأمّل حق التأمّل اعترف بأنه كلام خالق القوى، والقدر الذي تقف دون أستار أسراره أفهام البشر، وقوله أم بظاهر أم منقطعة وقيل متصلة وقيل الظاهر بمعنى الباطل كقوله:

وذلك عاريا ابن ريطة ظاهر

قوله: (تمويههم فتخيلوا أباطيل ثم خالوها) قوله بل زين إضراب عن الاحتجاج عليهم

فكأنه قيل ح ذا فإنه لا فائدة فيه لأنهم زين لهم ما هم عليه من المكر، والتمويه من قولهم موّه الآنية إذا طلا النحاس منها بفضة أو ذهب ليظن أنها ذهب أو فضة، وليست به فأطلق على التلبيس بالمكر، والخديعة ولذا عطف أحدهما على الآخر، وقوله فتخيلوا أباطيل أي تكلفوا الإيقاع ذلك في الخيال من غير حقيقة، ثم بعد ذلك ظنوها شيئاً لتماديهم في الضلال ويحتمل أنّ المتخيل أوّل من أسسها، ومن خالها من قلدهم من بعدهم فأسند فيهما ما للكل إلى البعض لوقوعه بينهم، ورضاهم به، وحذف أحد مفعولي خال لأنه يجوز إذا قامت عليه قرينة، وان كان اكثر خلافه، وتمويههم ومكرهم مضاف إلى الفاعل ويجوز أن يكون مضافاً إلى المفعول، وقوله أو كيدهم للإسلام بشركهم فعلى الأوّل المراد به مكرهم بأنفسهم، وعلى هذا بغيرهم من الإسلام، وأهله. قوله:(سبيل الحق) فتعريفه للعهد أو ما عداه كأنه غير سبيل، وفاعل الصد إما مكرهم، ونحوه أو الله بختمه على قلوبهم، وعلى قراءة الفتح للمعلوم مفعوله محذوف، وأمّا قراءة الكسر فشاذة، وهو مجهول نقلت فيه حركة العين إلى الفاء إجراء له مجرى الأجوف، وهو قوله وصد بالتنوين أي وقركأ صد، وهو معطوف على مكرهم في النظم، وعلى كونه معلوماً مفعوله محذوف كما ذكره يناسب التقسير الثاني لمكرهم ولذلك قدّم القراءة المناسبة للتفسير الأوّل، ولم يجعل صذوا منزلاً منزلة اللازم لعدم ملايمته للتفسيرين وفيه نظر لأنه يلائم التفسير الأوّل. قوله:) بخذلانه) وفي نسخة يخذله، وهما بمعنى، وليس هذا مبنياً لحى

ص: 242

مذهب المعتزلة كما يتوهم في بادئ الرأي، ولو فسرا بخلق الضلال، والاهتداء كان أظهر، وأوفق بمذهبنا وقوله يوفقه للهدي إشارة إلى أنّ الهداية بمعنى الدلالة موجودة،

لرانما المنفي الإيصال، وتوفيقه بجعل أفعاله على وفق ما يرضاه الله، وقوله بالقتل، والأسر عقوبة من الله بكفرهم، وأمّا وقوع مثله للمؤمن فعلى طريق الثواب، ورفع الدرجات فلا غبار في كلامه، وكذا سائر المصائب. قوله:(من عذابه أو من رحمته (من الثانية زائدة للتأكيد، والأولى على تقدير من عذابه سواء كان معناه أو قدر فيه مضاف فلا يلزم تقديم معمول المجرور عليه لأنّ الزائد لا حكم له، وعلى الثاني من الله ظرف مستقر حال من واق وصلته محذوفة، والمعنى ما لهم واق، وحافظ من عذاب الله حال كون ذلك الواقي من جهة الله، ورحمته ومن في من الله للابتداء على الأوّل وللتبيين على الثاني، ومن رحمته على الأوّل يكون من كلام المصنف رحمه الله لبيان ذلك الواقي فتأئل. قوله: (صفتها التي هي مثل في الغرابة الخ) قال العلامة قد مرّ في البقرة أن المثل له معنى لغوي، وهو الشبيه، ومعنى في عرف اللغة، وهو القول السائر المعروف، ومعنى مجازي، وهو الصفة الغريبة مأخوذا من المعنى العرفي بعلاقة الغرابة لأنّ المثل إنما يسير بين الناس لغرابته، وقال أبو علي في الإغفال تفسير المثل بالصفة غير مستقيم لغة، ولم يوجد فيها، وأكثر المفسرين على خلافه لكنه يحتاج إلى إثبات من كلام العرب ولم يذكروه فمثل الجنة هنا إمّا أن يراد به المعنى أو غيره، وعلى هذا التفسير المراد به معناه المجازي، وحينئذ هو عند سيبويه مبتدأ، وخبره محذوف أي فيما يقص، ويتلى عليكم صفة الجنة، وقوله تجري من تحتها الأنهار جملة مفسرة كخلقه من تراب في قوله تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [سورة آل عمران، الآية: 59] أو مستأنفة استئنافا بيانيا أو حال كما سيأتي، وهذا هو الوجه السالم من التكلف مع ما فيه من الإيجاز والإجمال والتفصيل واليه ذهب أيضاً في قوله:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} كما سيأتي تفصيله في سورة النور، وقدر الخبر فيه مقدما لطول ذيل المبتدأ أو لئلا يفصل به بينه، وبين ما يفسره أو ما هو كالمفسر له. قوله:(وقيل خبره تجري من تحتها الأنهار) على طريقة قولك صفة زيد أسمر الخ فالمثل بالمعنى المجازي، وهذا قول الزجاج واعترض عليه بأنّ المثل بمعنى الصفة لم يثبت وهو وارد على القول الأوّل أيضاً وبأنه غير مستقيم معنى لأنه يقتضي أنّ الأنهار في صفة الجنة، وهي فيها لا في صفتها مع تأنيث الضمير العائد على المثل حملاً على المعنى وأمر التذكير والتأنيث سهل، وأمّا دفع الأوّل بأنه على تأويل أنها تجري فالمعنى مثل الجنة جرياًن الأنهار، وكدّا صفة زيد أسمر المراد السمرة، وأنّ الجملة في تأويل المفرد فلا يعود منها ضمير للمبتدأ أو المراد بالصفة ما يقال فيه هذا إذا وصف فلا حاجة إلى الضمير كما في خبر ضمير الشان وكذا ما قيل إنّ تأنيث الضمير لكونه راجعا إلى الجنة لا إلى المثل، وإنما جاز ذلك لأنّ

المقصود من المضاف عين المضاف إليه وذكره توطئة له وليس نحو غلام زيد فكله كلام ساقط متعسف لأنّ تأويل الجملة بالمصدر من غير حرف سابك شاذ كما في المثل تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وكذا التأويل بأنه أريد بالصفة لفظها الموصوف به، وليس في الكلام ما يدل عليه، وهو تجوّز على تجوّز ولا يخفى تكلفه، وقياسه على ضمير الشأن قياس مع الفارق، وأنا عود الضمير على المضاف إليه دون المبتدأ فأضعف من بيت العنكبوت ولا أدري ما الداعي إلى ارتكاب مثله. قوله: (أو على حذف موصوف أي مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار (اعترض على هذا أبو علي الفارسي بأق المثل الشبه، وهو حدث فلا يجوز الإخبار عنه بالجثة، وهي الجنة ورد بأنّ المثل بمعنى المثيل، والشبيه فهو جثة أخبر عنها بمثلها، وقيل إنه غير وارد رأسا، ولا حاجة إلى جعله بمعنى الشبيه لأنّ التشبيه هنا تمثيلي، ووجهه منتزع من عدة أمور من أحوال الجنان المشاهدة من جريان أنهارها، ونضارة أغصانها، والتفاف أفنانها، ونحوه، وهو مراد الزجاج بقوله إنه تعالى عرفنا أمر الجنة التي لم نرها بما شاهدناه في أمور الدنيا، وعايناه، ولذا أتى الزمخشريّ فيه بلفظ التمثيل، ويكون قوله:{كُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا} بياناً لفضل تلك الجنان، وتميزها عن هذه الجنان المشاهدة وقيل إنّ هذه بيان لحال جنان الدنيا على سبيل الفرض، وانّ فيما ذكره انتشارا واكتفاء في النظير

ص: 243

بمجرّد جريان الأنهار، وهو لا يناسب البلاغة القرآنية، والغرض المذكور لا قرينة عليه، والفصل بينهما أحسن منه، ولا تكلف فيها من جهة العربية.

قوله: (أو على زيادة المثل) بمعناه اللغوي، وهو الشبه لأنه ورد زيادته في نحو ليس

كمثله شيء فقد عهد زيادته بهذا المعنى بخلافه بمعنى الصفة فلا يرد عليه ما قيل إنّ الأسماء لا يجوز إقحامها فإنه في كلامهم كثير كاسم السلام، ولا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومقام الذئب في بيت الشماخ. قوله:(حال من العائد الخ (لأن تقديره التي وعدها ويحتمل التفسير والاسنئناف البياني كما مرّ وقوله: لا ينقطع ثمرها قيل خصه بالثمر لأنه ليس في جنة الدنيا غيره، وان كان في الموعودة غير ذلك من الأطعمة والظاهر أنه إنما فسره به لإضافته إلى ضميرها، وأمّا الأطعمة فلا يقال فيها أكل الجنة وقوله: {وِظِلُّهَا} كذلك أي هو مبتدأ محذوف الخبر، والجملة معطوفة على الجملة، وقوله كما ينسخ في الدنيا لعدم الشمس أو لكونها في طرف منها فتأمّل. قوله: (وعقبى الكافرين النار لا غير) الحصر من تعريف الخبر والمراد بالذين اتقوا من اتقى الكفر بدليل المقابلة بالكافر فيدخل فيه العصاة لأنّ عاقبتهم الجنة دمان عذبوا،

ولو أريد المتقين عن المعاصي لأنّ المقام مقام ترغيب صح، ويكون العصاة مسكوتا عنهم وقوله ترتيب النظمين أي ذكر الجملتين المذكورتين بعدما سبق، وهما تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار لأنّ النظم يطلق على اللفظ القرآني المركب، ووجه الأطماع، والإقناط ظاهر، والمراد إن ذكرها فيما بعدهما لما ذكر فلا تكرار فيه. قوله:(يعني المسلمين من أهل الكتاب كابن سلام رضي الله تعالى عنه الخ) فالمراد بالكتاب التوراة والإنجيل، وجوّز أن يراد به القرآن، وبالذين مطلق المسلمين، ومعنى يفرحون استمرار فرحهم وزيادته، وقوله كابن سلام بتخفيف اللام هو من اليهود، وقوله وثمانية باليمن زاده على الكشاف لأنهم بهم يتم العدد، وهذا بحسب المشهور فلا ينافيه إسلام بحيرا، وتميم الداري ونحوهما والحبشة بفتحتين الجماعة من الحبش، وهم طائفة من السودان معروفون. قوله:(أو عامتهم فإنهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم) فالمراد بما أنزل بعضه، وهو ما وافق كتبهم، وقيل عليه إنه يأباه مقابلة قوله ومن الأحزاب من ينكر بعضه لأن إنكار البعض مشترك بينهم، وأجيب بأنّ المراد من الأحزاب من حظه إنكار بعضه فحسب، ولا نصيب له من الفرح ببعض منه لشذة بغضه، وعداوته، وأولئك يفرحون ببعضه الموافق لكتبهم، وهو تكلف فالظاهر أنّ المعنى أن منهم من يفرج ببعضه إذا وافق كتبهم، وبعضهم لا يفرج بذلك البعض بل يغتم به، وإن وافقها، وينكر الموافقة لئلا يتبع أحد منهم شريعته كما في قصة الرجم، وأشار بقوله أو ما يخالف ما حزفوه منها، ومع ذلك فهو مخالف للظاهر، ولذا أخره المصنف رحمه الله وتركه الزمخشريّ. قوله:(يعني كفرتهم الذين تخربوا على رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) فالأحزاب جمع حزب بكسر فسكون، وهو الطائفة المتحزبة أي المجتمعة لأمر ما كعداوة، وحرب، وغيره على ما أفاده الراغب، وغيره من أهل اللغة، وأمّا الأحزاب المذكور في قوله تعالى، ولما رأى المؤمنون الأحزاب فطوائف من الكفرة مخصوصة بواسطة تعريف العهد فما ذكره المصنف رحمه الله تفسير لبعض الأحزاب ولا ينافي كون بعض الأحزاب أحزاباً لاندراجهم في معناه اللغوي كما توهمه من تعسف هنا بما لا طائل تحته والسيد والعاقب علمان لا سقفي نجران وأشياعهما اتباعهما. قوله: (وهو ما يخالف شرائعهم (هو على تفسير الذين يفرحون بمسلميهم، والمنكرين بكفرتهم، وقوله أو ما يخالف ما حرّفوه، وفي نسخة أو ما يوافق ما حرفوه على تفسير الفرحين بعامتهم من الكفرة فإن منهم من يفرج بما وافقها، ومنهم من ينكره لعناده وتشييد فساده، وانكارهم لمخالفة المحرف بالقول دون القلب لعلمهم به أو هو بالنسبة لمن لم يحرفه فمن قال

الأولى ترك هذا اكتفاء بالأوّل لاختصاص الجواب بإنما أمرت بذلك لم يأت بشيء يعتد به كما ستراه. قوله: (جواب للمنكرين اي قل لهم إنما أمرت الخ) يعني أنه تعالى لما حكى عن بعض أهل الكتاب إنكار بعض ما عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من إثبات الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا وب بماذا أجيبهم إذن) فقيل له قل لهم إن ما أتيت به من إثبات الإسلام، والنبوّة يوجب عبادة الله تعالى واثبات التوحيد ونفي

ص: 244

الشرك وأنّ المرجع إليه. قوله: (وإنما تنكرون ما يخالف شرائعكا) وفي نسخة، وأمّا ما تنكرونه لما يخالف شرائعكم، وهما بمعنى، وما في لما يخالف مصدرية، وقوله فليس ببدع جواب أما، وهذا على التوجيه الأوّل، وسكت عن بيانه على الثاني لمرجوحيته مع أنه يعلم بالمقايسة، ويمكن إدراجه فيما ذكر لأنه مخالف لشرائعهم على زعمهم، وقوله ولا سبيل لكم إلى إنكاره أورد عليه أنّ النصارى المثلثة من أهل الكتاب وهم ينكرونه، وعدم الاعتداد بإنكارهم لا يناسب المقام، وقوله على الاستئناف أي، وأنا لا أشرك، وقيل على الحال قيل، وهو أولى لخلو الأوّل عن دلالة الكلام على أنّ الماً مور به تخصيص العبادة به تعالى. قوله:(واليه مرجعي للجزاء لا إلى غيره الخ) قيل عليه أن يقول ومرجعكم كما ذكره في تفسير قوله لماليه متاب مع أنّ هذا المقام أنسب بالتعميم ليدل على ثبوت الحشر عموماً (قلت) قول الزمخشري إليه لا إلى غيره مرجعي، وأنتم تقولون مثل ذلك فلا معنى لإنكارهم اهـ فيه بيان لنكتة التخصيص إنهم ينكرون حقيقة أو حكما فلا حاجة إلى ما يقال لا حاجة لذكره هنا لدلالة قوله تلك:{عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} [سورة الرعد، الآية: 35] عليه وقوله، وهذا القدر أي إثبات التوحيد، والمبدأ والمعاد، وفيه إشارة إلى حكمة النسخ، وأنه ليس ببداء كما تزعمه اليهود بل من انتهاء الشيء بانتهاء زمانه. قوله:(ومثل هذا الإنزال المشتمل على أصول الديانات المجمع عليها) يحتمل أن يكون المراد بالإنزال المشبه به في كلامه إنزال المأمور به مما هو في الكتب السالفة ويحتمل أن يكون إنزال القرآن على الأسلوب المشهور في أمثاله وكذلك صفة مصدر محذوف أي إنزالاً كذلك، وليس التشبيه على الأوّل في جميع الأحوال حتى يتوهم أنه ينافيه قوله حكمأ عربيأ. قوله: (يحكم في القضايا والوقائع بما تقتضيه الحكمة (إسناد يحكم إلى القرآن إسناد مجازيّ لأنه يحكم به، وإنما فسره به لأنه بمعنى حاكمأ

كما سيأتي، وهو بيان لما اشتمل عليه الإنزال من الأحكام الفرعية، والأصلية، وقوله بما تقتضيه الحكمة إشارة إلى وجه اختلاف أحكام الشرائع، ووقوع النسخ فيها كما مرّ، وقوله ليسهل لهم فهمه وحفظه بالنسبة للعرب، وبالنسبة لغيرهم يكون داعيا لتعلم العلوم التي يتوقف عليها ذلك، وقوله مترجما أي معبرا عنه به، وهو مجاز وأصل الترجمة تفسير لسان بلسان آخر وقد تطلق على تبليغ الكلام مطلقاً كما مرّ في قوله:

قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

قوله: (وانتصابه على الحال الخ) أي انتصاب عربيا على أنه حال من ضمير أنزلناه فهو

حال مترادفة لأنّ حكما حال بمعنى حاكما أو من المستتر فيه لتأويله بالمشتق فهي متداخلة، ويصح أن يكون صفة لحكما الحال أو هي موطئة، وهي الاسم الجامد الواقع حالاً لوصفه بمشتق هو الحال في الحقيقة، والأوّل أولى لأنّ حكما مقصود بالحالية والحال الموطئة لا تقصد بالذات. قوله:(التي يدعونك إليها كتقرير دينهم الخ) أي بترك دعوتهم إلى الإسلام، وعدم بيان أنه منسوخ، وقوله بنسخ ذلك كقوله:{عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [سورة البقرة، الآية: 68] إشارة إلى الدين، والقبلة وقوله ينصرك ويمنع العقاب عنك لف ونشر مرتب، وفيه حسن أدب إذ لم يقل غير ذلك، وقوله حسم أي قطع بالحاء المهملة، وتهييج للمؤمنين لا للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه بمكان لا يحتاج فيه إلى باعث أو مهيج. قوله:(بشراً مثلك) أي رسلا مثلك في البشرية قيده به لما ذكر بعده مما يقتضي ذلك، وهو الازدواج والاستيلاد وقوله وما صح له إشارة بتفسيره بما ذكر إلى انه يستعمل بهذا المعنى لعدم الفائدة في نفيه، ثم بينه بقوله ولم يكن في وسعه إشارة إلى أنه ليس المراد الصحة الشرعية. قوله:(بآية تقترح عليه وحكم يلتمس منه) قوله تقترج إذا أريد بالآية المعجزة، وحكم يلتمس منه إذا أريد بها الآية القرآنية النازلة بالحكم على وفق مرادهم فهو من استعمال اللفظ في معنييه، وهو جائز. عند المصنف رحمه الله، ومن لا يجوؤه يجعله من عموم المجاز بمعنى دال مطلقا، وعبر بالالتماس في الثاني تفنناً، ولأنه ليس مقترحا كالأوّل. قوله:(1 لا بإذن الله فإنه الملني بذلك) إذن الله عبارة عن تسهيله وتيسيره أو إرادته استعارة أو مجازاً مرسلا والمليّ هنا بمعنى القوي القادر عليه، وفي نسخة المالك لذلك، والإشارة إلى ما اقترحوه والتمسوه. قوله:(ينسخ ما يستصوب نسخه) وفي نسخة ما يستصوب

نسخه بدون ينسخ فما فيها، وكذا في ما تقتضيه حكمته تفسير، وبيان

ص: 245

لما يشاء أو بدل منه ويصح في ما الثانية أن تكون مفعول يثبت، وما تقتضيه مما جعل مكان المنسوخ أو إثبات ما لم يرد نسخه، وقوله يمحو سيئات التائب الخ لقوله تعالى:{أُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [سورة الفرقان، الآية: 70] . قوله: (ما لا يتعلق به جزاء) يعني المباح وطعن فيه الأصم بأنه تعالى وصف الكتاب بأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأجيب بأنّ المراد بالصغيرة، والكبيرة الذنوب وهذا ليس بوارد رأسا لأنّ المراد هنا الكتابة في صحائف الحفظة، والمحو منها، وما في تلك الآية ما في اللوح المحفوظ أزلاً، ولو سلم اتحادهما فلا تعارض أيضاً فتأمل. قوله:(أو يثبت ما رآه وحده الخ) معطوف على يترك أي يثبت ما رآه الله وحده من غير اطلاع الملك عليه مما صمم عليه العبد في قلبه، واثباته في صحائفه، وقيل إنّ الله تعالى جعل للملائكة علامة يعرفون بها ما في قلبه كذكر القلب كما صححه النووي، وقيل إنه لا يكتب لأنه لا يطلع عليه غيره تعالى، ويجوز أن يراد بما ذكر العقائد، وقوله الفاسدات المراد ما أراد عدمه. قوله:(أصل الكتب الخ) يعني أنه سمي أتا لأنه أصل، والكتاب للجنس شامل للكثير، ولذا فسره بالجمع، وقوله إذ ما من كائن تعليل لكونه أصلاً، والمراد بالكتب صحائف الأعمال. قوله:(وكيفما دارت الحال أريناك الخ) دوران الحال تقلب الزمان به حياة وموتاً، وقوله أريناك بعض ما أوعدناهم أو توفيناك بيان للأحوال الدائرة أي على كل حال إنا فاعلون بهم العقاب فلا تحتفل، وقوله:{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ} الخ ساد مسد الجواب لاما وهو فلا تحتفل الخ كما أشار إليه المصنف رحمه الله أو الجواب مقدر، وهذا دليله. توله:(، نما عليك البلاغ لا غير) فالمقصور عليه البلاغ، ولذا قدم الخبر، وهذا الحصر مستفاد من إنما لا من التقديم، هالا انعكس المعنى. قوله: (وعلينا الحساب للمجازاة لا عليك (قيل هذه الجملة معطوفة على جملة إنما عليك البلاغ لا على مدخول إنما كي لا يفيد الحصر غير المقصود، وفي دلائل الإعجاز ما نصه، وإن أردت أن تزداد وضوحا فانظر إلى قوله تعالى:{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} فإنك ترى الأمر ظاهرا في أنّ الاختصاص في المبتدأ، وهو البلاغ، والحساب دون الخبر الذي هو عليك وعلينا اهـ وقوله في الكشاف فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب، وعلينا لا عليك حسابهم، وجزاؤهم على أعمالهم اهـ، وتبعه المصنف هو مخالف لما في

الدلائل لكنا نقول إن عطف علينا الحساب على ما بعد إنما كان الوجه ما قاله الشيخ، وان عطف على إنما عليك البلاغ كان الوجه ما قاله الزمخشري، وهو الظاهر ترجيحاً للمنطوق على المفهوم إذا اجتمع دليلاً حصر وهذا مما يجب التنبيه عليه فاعرفه. قوله:(فلا تحتفل بإعراضهم الخ) أي لا تبال وفيه لف ونشر والواقع من الشرطين هو الأوّل كما في بدر قيل، ولم يوضح جواب الشرطين، وقال أبو حيان جواب الأوّل فذلك شافيك، والثاني فلا لوم عليك، وقوله فإنما عليك الخ دليل عليهما، وقوله وهذا طلائعه جمع طليعة، وهي المقدمة من الجيش أي ما تراه الآن من الفتوح مقدمة لما وعدت به، وقوله أو لم يروا أنا نأني الأرض الخ مرتبط بما قبله يعني لم يؤخر عذابهم لإهمالهم بل لوقته المقدر أو ما ترى نقص ما في أيديهم من البلاد، وزبادة ما لأهل الإسلام، ولم يخاطب النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم به تعظيماً له، وخاطبهم تهويلاً وتنبيهاً عن سنة الغفلة، ومعنى نأتي الأرض! يأتيها أمرنا، وعذابنا. قوله:(لا راد له الخ) العقب مؤخر الرجل ومنه التعقيب، وهو أن تأتي بشيء بعد آخر، ولذا قيل للبحث عن الشيء تعقب، ولما كان الباحث عن الشيء يقصد رده أطلق على الراد للحكم أي لا يقدر أحد على ردّ ما حكم به، وجوز الراغب فيه أن يكون بمعنى البحث بأن يكون نهياً للناس أن يخوضوا في البحث عن حكمه، وحكمته إذا خفيا، وقوله وحقيقته الخ يشير إلى ما قررناه لك. قوله:(ومنه قيل لصاحب الحق) أي الذي يطلب حقاً من آخر يسمى معقباً لأنه يعقب غريمه، ويتبعه كما قال

طلب المعقب حقه المظلوم

والاقتضاء الطلب كالتقاضي. قوله: (والمعنى أنه حكم للأسلام بالإقبال الخ) جعل متعلق

قوله يحكم إعزاز الإسلام، واذلال الكفر بقرينة السياق، والسباق ولو أبقى على عمومه صح، ودخل فيه ما ذكر، وذلك إشارة لحكمه بما ذكره، وقوله لا يمكن تغييره هو معنى قوله لا معقب الخ. وقوله نافذاً حكمه إشارة إلى تأويل الجملة الاسمية بالمفرد لأنّ تجرّدها

ص: 246

من الواو غير فصيح عنده، وقد مر تفصيله في الأعراف، ولو جعلت معترضة لسلمت من هذا، وكانت عامة لجميع الأوقات لا مخصوصة بزمان الحكم. قوله:(فيحاسبهم عما قليل في الآخرة الخ) عن بمعنى بعد كما في قوله {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [سورة المؤمنون، الآية: 40، وما عبارة

عن الزمان أي بعد زمان قليل، وفسره به لمناسبته للمقام أي لا تستبطئ عقابهم فإنه آت لا محالة، وكل آت قريب، ولذا لم يحمله على سرعة الحساب في الآخرة، ولا تكلف فيه كما قيل. قوله:(لا يؤبه) أي لا يعتد به، وما هو المقصود منه إصابة المكروه، وهو قادر عليه بالذات، وغيره إن قدر عليه فهو بتمكين الله منه فالكل راجع إليه، وقيل المعنى فلله جزاء المكر، وقوله فيعدّ جزاءها أي يهيئه ويقدره في الدنيا، والآخرة، وقوله من الحزبين أي حزب المؤمنين، وحزب الكافرين تفسير قوله لمن وقوله حيثما المراد به الزمان كما جوّزه الأخفش، وكونه كالتفسير لما في قوله يعلم الخ من الوعيد بإتيان العذاب من حيث لا يشعرون كما أن الماكر يخفي ما يريده حتى يقع به من حيث لا يحتسب. قوله:(واللام تدل الخ الكونها للنفع كما أنّ على للمضرة وقال الراغب العقب والعقبى، والعاقبة تختص بالثواب، وضدّها العقوبة والمعاقبة، وقد يستعمل مضافا لغيره كقوله: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى السوأى} [سورة الروم، الآية ة 0 ا] ونحوه، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله المراد الخ، وقوله مع ما في الإضافة إلى الدار يعني أنها أيضاً تدل على أنها محمودة كما عرفته سابقا في قوله أولئك لهم عقبى الدار، وقد قيل إنّ المراد سيعلم الكفار من يملك الدنيا آخراً فاللام للملك، وقوله وسيعلم أي قرئ سيعلم من مجهول الإعلام لكنهم قالوا من قرأ بهذه قرأ بإفراد الكافر فكان عليه أن يبينه ففي كلامه إجمال محل. قوله: (فإنه أظهر من الآدلة على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها (جعل إظهار المعجزات الدالة على رسالته شهادة، وهو فعل، والشهادة قول فأشار إلى أنه استعارة لأنه يغني غنى الشهادة بل هو أقوى منها. قوله: (علم القرآن وما ألف عليه من النظم المعجز الخ) ويؤيده الفراءة الثانية فإنّ المراد بالكتاب فيها القرآن، وفيه دلالة على أنّ الإعجاز بالنظم، والاشتمال على المزايا، والخواص المعجزة للبشر، والشهادة إن أريد بها تحمل الشهادة فالأمر ظاهر وان أريد أداؤها فالمراد بهم من ترك العناد، وآمن، وفي الكشف أي كفى هذا العالم شهيداً بيني، وبينكم ولا يلزم من كفايته في الشهادة أن يؤذيها فمن أداها فهو شاهد أمين، ومن لم يؤدّ فهو خائن، وفيه تعريض بليغ بأنهم لو أنصفوا شهدوا، وقوله التوراة، وكذا الإنجيل فإن قلت المنكرون من البلغاء عندهم علم ما ألف عليه القرآن من

النظم البليغ، ولا يشهدون قلت لا نسلم أن عندهم علما فإن عين البغض تمنع من التأمل في جمال القرآن حتى يدركوا ذلك، ومن أدركه، وجحده فعلمه كلا علم لعدم ثمرته. قوله:(وهو ابن سلام رضي الله تعالى عنه وأضرا به) اعترض عليه أبو حيان رحمه الله بأنه لا يستقيم إلا أن تكون الاية مدنية، والجمهور على أنها مكية، وقيل إنه لا ينافي كون الآية مكية، وهي إخبار عما سيشهدوا به أو أنهم قيل لهم لستم بأهل كتاب فاسألوا اهله فإنهم في جواركم فتأمل. قوله:(أو علم اللوج المحفوظ وهو الله تعالى الخ) يعني المراد بالكتاب اللوح المحفوظ، ومن عبارة عنه تعالى لكنه يلزم عليه عطف الشيء على نفسه بدون تفسير، ولا توضيح لأن الأوّل أظهر في الدلالة على الذات فلذا أوّل اسم الذات بما يدل عليه من الصفات، وهو المستحق للعبادة، وأوّل من بالذي ليكون من تعاطف الصفات لأنّ من لا تقع صفة فصار بالتأويل الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله كفى بالذي الخ كقوله:

إلى الملك القرم وابن الهمام

وأشار بإعادة الجار إلى أن من في محل جر معطوفة على الله، ويؤيده أنه قرئ بإعادة

الباء في الشوأذ وقيل إنه في محل رفع بالعطف على محل الجلالة لأنّ الباء زائدة، وقيل هو ميتدأ خير. محذوف كأعلم وأمضى قولاً. قوله:(وبالذي لا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا هو) الحصر إمّا من الخارج لأنّ علمه مخصوص بالله أو لاختياره أنّ الظرف خبر مقدم فيفيد الحصر، وقوله فيخزي من الخزي بالخاء والزاي المعجمتين أو بالجيم من الجزاء قيل إنه حمل الشهادة على غايتها، وهي خزيهم، وتفضيحهم لا على حقيقتها لعدم كون الكلام حينئذ حجة عليهم، وليس بشيء لأنه ينافيه ما مر في تفسير الشهادة، وقوله

ص: 247