الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة
الحجر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (تسع الخ) قال الدانيّ رحمه الله تعالى لا خلاف فيها. قوله:) الإشارة إلى آيات السورة والكتاب هو السورة الخ) جعل الإشارة إلى آيات السورة وجوّز كون الإشارة إلى ما في اللوج المحفوظ منها أو إلى جميع آيات القرآن، وأمر الحروف ما مرّ، وذكر أنّ المراد بالكتاب السورة، وقيل هو اللوح، وتركه هنا لأنّ قوله المبين يقتضي خلافه، وقوله وكذا القرآن أي المراد به السورة لأنه بمعنى المقروء مطلقا الشامل للكل والجزء فلا حاجة لجعله مجازاً بإطلاق اسم الكل على الجزء، وقوله وتنكيره للتفخيم كما أن تعريف الكتاب لذلك كما أشار إليه بقوله كتابا كاملا، وبيانا غريباً، وفيه إشارة إلى التغاير بين المتعاطفين، وأنهما مقصودان بالذات فلذا عطف أحدهما على الآخر فالمقصود الوصفان، وقدم الكتاب هنا باعتبار الوجود وأخره في النمل باعتبار تعلق علمنا به لأنا إنما نعلم ثبوته في اللوح من القرآن، ووجود القراءة بعد الكتابة كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى هناك، وقوله يبين الرشد من الغي يناسب إرادة السورة لأنها كذلك، والمبين من أبان المتعدّي، ويجوز أخذه من اللازم أي الظاهر معانيه أو أمر إعجازه. قوله:(حين عاينوا حال المسلمين عند نزول النصر الخ (أمّا ودادتهم عند حلول النصر فظاهرة، وحلول الموت معطوف على نزول النصر وجوّز عطفه على عاينوا، والأوّل أقرب، ومعاينتهم عند حلول الموت أن تكشف لهم، وخامة الكفر فيعلموا منه حال أهل الإسلام حتى كأنها مشاهدة لهم، وترك كونه عند خروج العصاة من النار، وكأنه تبع الزمخشريّ فيه إذ لم يرضه بناء على مذهبه لكنه قول أكثر مفسري السلف كابن عباس، ومجاهد رضي الله تعالى عنهم، وهو مأثور عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية روى الترمذفي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في تفسير هذه الآية قال: (إذا خرج أهل التوحيد من النار، وأدخلوا الجنة وذ الذين كفروا لو كانوا مسلمين) وورد من طرق أخر. قوله: (وقرأ نافع وعاصم ربما بالتخفيف (أي بضم
الراء، وفتح الباء المخففة، وغيره من الباقين بالتشديد، وما عدا القراءتين شاذ، وأشار إلى أنه اختار في النظم الضم، والتشديد لكونها قراءة اكثر، وقرئ بالتاء أيضاً في الشواذ، وقوله وفيه ثمان لغات قال في المغني إنها ست عشرة لغة ضم الراء، وفتحها مع ضم الباء وفتحها، وسكونها مع التخفيف، والتشديد في المحرك، ومع تاء التأنيث ساكنة ومتحرّكة، والتجرّد منها، وإذا ضممت إليه الاتصال بما، والتجرّد منها بلغت نيفأ وثلاثين، وقوله فيجوز دخوله على الفعل أي بعد الكف، وقبله مختصة بالأسماء كسائر حروف الجرّ. قوله:(وحقه أن يدخل الماضي الو قال على الماضي كان أحسن قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى لأنها موضوعة لتقليل محقق أو لتقليل ما تحقق كما نقل عن المبرّد فهي بالماضي أحق وأجدر، وخالف في هذا أبو حيان رحمه الله تعالى فقال تدخل عليهما لكنه في الماضي أكثر، واختاره صاحب اللب. قوله: (لكن لما كان المترقب في أخبار الله تعالى الخ) هو جواب عن تمسك القائلين بدخولها على المضارع بهذه الآية، ولذا قيل إنّ فيه كان مقدرة أي ربما كان يودّ وهو تكلف، وحاصله أنّ المضارع في أخبار الله المستقبلة محقق كتحقق الماضي فلذا وقع في موقعه، وقيل هو مؤوّل بالماضي كقوله:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [سورة الكهف، الآية: 99] فقال ابن هشام في المغني، وفيه تكلف لاقتضائه أنّ الفعل المستقبل عبر به عن ماضي متجوّز به عن المستقبل، وهو وارد على المفتاح، والتلخيص في نحو ولو ترى فقوله أجرى مجراه أي وقع في موقعه لا أنه متأوّل به كما يتوهم. قوله:(وقيل ما نكرة موصوفة) والجملة صفتها والعائد محذوف أي يودّه كما أنّ عود ضمير له على ما في البيت يدل على اسميتها وان احتمل كونها كافة ومن الأمر متعلق بتكره، ومن تبعيضية، والضمير لبعض أو للأمر فإنه مع أنه مناقشة في المثال خلاف الظاهر، وعلى هذا لا تكون ما خارجة عما هو حقها. قوله:(ربما الخ) وروي بدل تكره تجزه، وهو من شعر لأمية بن أبي الصلت، وقيل لحنيف بن عمير اليشكري، وقيل للبهر ابن أخت مسيلمة
الكذاب وهو:
يا قليل العزاء في الأهوال وكثير الهموم والأوجال صبرالنفس عندكل مسلم إنّ في الصبرحيلة المحتال
لا تضيقن بالأمور فقد ت! صثمف لأواؤها بغير احتيال ربماتجزع النفوس من الأهـ ص له فرجة كحل العقال
قديصاب الجبان في آخرالصف وينجو مقارع الأبطال
وأخرج ابن عساكر رحمه الله تعالى عن الأصمعي قال لما قرأ أبو عمرو رحمه الله تعالى
إلا من اغترف غرفة قال له الحجاح ائتني بنظير لها من كلام العرب والا ضربت عنقك فهرب منه فبينما هو مهموم إذ سمع أعرابياً ينشد هذه الأبيات فقال له ما وراءك يا أعرابيّ قال مات الحجاج قال فلا أدري بأيهما أفرح بموت الحجاج أو بقوله فرجة لأني كنت أطلب شاهد الاختيار هذه القراءة ومنه تعلم أنّ الرواية فيه ضم الفاء. قوله: (ومعنى التقليل فيه الإيذان بأنهم لو كانوا يودّون الإسلام الخ) جواب عن سؤال مقدّر وهو أنّ الظاهر أنّ الودادة وقعت منهم كثيراً والسؤال إنما يرد بناء على أنها موضوعة للتقليل وقيل إنها موضوعة للتكثير وقيل إنها مشتركة بينهما والمصنف رحمه الله تعالى ذهب إلى أنها موضوعة للتقليل وأنّ مقتضى المقام التكثير ولكن عدل عنه لما ذكر وهو بعينه ما في الكشاف وذهب المدقق في الكشف إلى أنه من استعارة أحد الضدين للآخر للمبالغة وهي لا تختص بالتهكم والتمليح على ما يوهمه ظاهر كلام المفتاح كالمفازة للتفاؤل ثم إنه قد يختص موقعها بفائدة زائدة كما ذكر وليس استفادة ما ذكر بطريق الكناية الإيمائية كما توهم بل هو من فوائد الاستعارة على ما سيفصل في سورة التكوير وتبعه بعضهم في شرح كلام المصنف رحمه الله تعالى ورد بأنّ مراده أنّ التقليل ليس مقصودا حقيقة بل مجرّد الإخبار بوقوع الودادة وفائدة صيغة التقليل ما ذكره من النكتة وليس استعارة ولك أن تقول التقليل إنما هو بالنسبة إلى إظهار الودادة لا إلى نفس الودادة وليس بشيء لأنه لم يبين كيفية دلالته على المعاني المذكورة ولعله من قبيل الكناية الإيمائية وايضاحها ما أشار إليه في الانتصاف بقوله إنّ العرب تعبر عن المعنى بما يؤدّي عكس مقصوده كثيراً كقوله تعالى {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} وقد اختلف توجيه علماء البيان لذلك فمنهم من وجهه بما ذكره الزمخشري من التنبيه بالأدنى على الأعلى ومنهم من وجهه بأنّ المقصود في ذلك الإيذان بأنّ المعنى قد بلغ الغاية حتى كاد أن يرجع إلى الضدّ وذلك شأن كل ما بلغ نهايته أن يعود إلى عكسه وقد أفصح عنه أبو الطيب بقوله:
ولجدت حتى كدت تبخل حائلَا للمنتهى ومن السروربكاء
وكلا الوجهين يحمل الكلام على المبالغة بنوع من الإيقاظ إليها والعمدة في ذلك على
سياق الكلام لأنه إن اقتضى تكثيراً قد خلت عنه العبارة وفيه عبارة يشعر ظاهرها بالتقليل استيقظ السامع لأنّ المراد المبالغة على إحدى الطريقتين المذكورتين وللكلام في تحقيقه محال ولعل النوبة تفضي إليه فقد تلخص منه أنه إمّ استعارة ضدية أو كناية إيمائية والوجه الآتي يبقيه على حقيقته كما ستراه ففي مثله ثلاثة أوجه وفي المطول فيه كلام لولا خوف الإطالة أوردناه وقوله فبالحريّ بالحاء المهملة وتشديد الياء كحقيق وزنا ومعنى وأن يسارعوا مبتدأ وبالحريّ خبره وهو مصدر والباء غير زائدة بل للملابسة أي المسارعة ثابتة بالوجه الحق فإن كان صفة
مشبهة فالباء زائدة في المبتدأ وأن يسارعوا خبره كقولك بحسب زيد درهم كذا أعربه الطيبي رحمه الله تعالى والجملة جواب لو الشرطية لكونها بمعنى إن فلذا اقترنت بالفاء. قوله: (وقيل تدهشهم أهوال القيامة نإن كانت الخ (وفي نسخة حانت بالحاء المهملة والنون أي جاء حينها وأوانها فعلى هذا التقليل على ظاهره غير محتاج إلى التأويل. قوله: (والغيبة في حكاية ودادتهم كالغيبة في قولك حلف بالله ليفعلن) اختار المصنف رحمه الله تعالى أن لو للتمني والكلام
فيها مبسوط في المغني، وقيل إنها مصدرية فهي في تأويل مفرد هو مفعول يوذ، وعلى الأوّل محذوت تقديره النجاة، ولا ينبغي تقدير الإسلام لأنه يصير تقديره يوذون الإسلام لو كانوا مسلمين، وهو حشو، وقيل إنها امتناعية شرطية، والجواب محذوف تقديره لفازوا، ومفعول يوذ مقدر كما مرّ وقوله، والغيبة الخ إشارة إلى ما قاله النحاة كما في البديع إنك إذا أخبرت عن يمين حلف بها فلك فيه ثلاثة أوجه أحدها أن تكون بلفظ الغائب كأنك تخبر عن شيء كأن تقول استحلفته ليقومن الثاني أن تأتي بلفظ الحاضر تريد اللفظ الذي قيل له فتقول استحلفته لتقومن كأنك قلت له لتقومن الثالث أن تأتي بلفظ المتكلم فتقول استحلفته لأقومن، ومنه قوله تعالى {تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ} ، وأهله بالنون والتاء والياء، ولو كان تقاسموا أمراً لم يجز فيه الياء لأنه ليس بغائب انتهى. وقد سيق الكلام فيه في هذه الآية، وإذا لم يكن لو كانوا الخ. مفعولاً يقدر قبله قول أي يودّون قائلين لو كنا الخ لكته أتى بالغيبة لما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقول صاحب الفرائد أنه منزل منزلة المفعول غير ظاهر إذ ليس مما يعمل في الجمل إلا أن يكون بمعنى ذكروا التمني ويجري مجرى القول على مذهب بعض النحاة، وتعليل إيثار الغيبة بقلة الحذف ليس بشيء كما في الكشف. قوله: (دعهم (تفسير لذر بمعنى ح، واترك لكنهما أميت ماضيهما في المشهور، والمراد من الأمر التخلية بينهم وبين شهواتهم إذ لم تنفعهم النصيحة، والإنذار ويفهم من كلامهم هنا أنه اً مر لهم بالأكل، والتمتع واللهو لا لتقدير لام الأ! ر قيل يأكلوأ كما ظن بل لما أفاده في الكشف من أنه جعل أكلهم، وتمتعهم الغاية المطلوبة من الأمر بالتخلية، والغايات المطلوبة إن صح تعلق الأمر بها كانت مأمورا بها بنفس الأمر وأبلغ من صريحه فإذا فلت لازم سدة العالم لتتعلم منه ما ينجيك في الآخرة كان أبلغ من قولك لازم، وتعلم لأنك جعلت الأمر وسيلة للثاني فهو أشدّ مطلوبية، وان لم يصح جعلت مأمورا بها مجازاً كأسلم تدخل الجنة، وما نحن فيه لما جعل غاية للأمر على التجوّز صار مأمورا به على ما أرشدت إليه، وهذا من نفائسه وكم مثله فيه جزاه الله خيراً وقوله ويشغلهم بالجزم عطف على جوإب الأمر وقوله سوء صنيعهم إشارة إلى تقدير مفعوله، وقوله والغرض أي الحكمة فيه المشابهة للغرض لأنّ أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض كما مرّ غير مرّة. وارعواؤهم
بمعنى انزجارهم، وانكفافهم عن القبيح. قوله:) وإيذانه بأنهم من أهل الخذلان الخ (إشارة إلى أنّ الأمر ليس على حقيقته بل للتخلية بينهم، وبين ما هم عليه لأنهم مخذولون مأيوس منهم والزام الحجة لأنّ من أنذر فقد أعذر، وقوله أجل مقدّر إشارة إلى أنّ الكتاب بمعنى لأجل المكتوب، ولذا قال بعده ما تسبق من أمّة أجلها دون كتابها. قوله: (والمستثنى جملة واقعة صفة لقرية الخ) اختلف في إعراب هذا، ونحوه فمنهم من أعربه حالاً، ولا يلزم تقدمها لكون صاحبها نكرة لأنها واقعة بعد النفي وهو مسوغ لمجيء الحال منها لأنه في معنى الوصف، ولأن التفريغ يقع في الحال عند أهل العربية، وأمّا في الصفة فذهب أكثرهم إلى منعه، وإلى هذا ذهب أكثر النحويين، وأهل المعاني، وذهب الزمخشري، وأبو البقاء، وتبعهم المصنف رحمه الله تعالى إلى أنّ هذه الجملة صفة، وأنها يجوز أن تقترن بالواو كالحال لأنها في معناها فتوسطت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، وقال أبو حيان رحمه الله تعالى أنه لم يسبقه إليه أحد من النحويين حتى جعله السكاكيئ سهوا منه، وليس كما قال: فإنه كما في الدرّ المصون سبقه إليه ابن جنيّ، وناهيك به من مقتدى بل جعله في الكشف مذهب الكوفيين فإنهم يجوّزون زيادة الواو مطلقاً ويؤيده أنّ ابن أبي عبلة قرأ بإسقاطها، وقوله إلا لها منذرون الخ منذرون إمّا فاعل الظرف أو مبتدأ مؤخر، وعلى الأوّل لا يقترن بالواو، ومثل بعضهم له بهذه الآية، وهو سهو منه. قوله:(من امّة أجلها) من مزيدة في سياق النفي، وقد روعي في ضمير أقة لفظها أوّلاً في قوله أجلها ثم روعي معناها لأنها في معنى الجمع، وضمير أمّة في لفظ يستأخرون. قوله:) نادوا به النبتيءلجي! ر على التهكم الخ الأنهم لا يعتقدون إنزال الذكر عليه فإذا كان النداء منهم فلا بد من حمله على التهكم، وأمّا إذا كان من كلام الله تعالى تبرئة له عما نسبوه إليه من أوّل الأمر لم يكن تهكما لكنه قيل إنه لا يناسب قوله
إنا نحن نزلنا الذكر فإنه رذ لإنكارهم، واستهزائهم ىلمجب! ، ولعل من يراه يجعل الاستهزاء من قوله تعالى:{إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [سورة الحجر، الآية: 6] لا من هذا فتأمل. قوله: (والمعنى أنك لتقول قول المجانين (إشارة إلى
أن تشبيهه بما ذكر لأجل قوله المذكور لا لما يظهر عليه من شبه الغشي حين ينزل عليه الوحي لأنّ هذا هو المناسب للمقام وقوله لمعنيين أي على طريق البدل لا معا، والمعنى لأحد معنيين، وقد بينا في النحو. قوله:(بالياء ونصب الملائكة على أن الضمير لله) وفي نسخة بالياء مسنداً إلى ضمير اسم الله فاسم مقحم كما في قوله: {إِلَى الْحَوْلِ} [سورة البقرة، الآية: 240] ثم اسم السلام عليكما وأورد عليه أنّ قراءة الياء لم يقرأ بها أحد من العشرة، ولم توجد في الشواذ أيضا والمصنف رحمه الله تعالى بنى تفسيره عليها، وحكى قراءة السبعة بصيغة التمريض، وفوله تنزل الخ أي أصله تتنزل بتاءين، ورفع الملائكة فحذفت إحداهما تخفيفاً، وفي نسخة بمعنى نزل أي بمعنى الثلاثيّ ولو حمل على ظاهره كان أولى. قوله:(1 لا تنزيلَا ملتبساً بالحق الخ) يعني أنّ الباء للملابسة، والجار والمجرور صفة مصدر محذوف مستثنى استثناء مفرغا، وجوّز فيه الحالية من الفاعل، والمفعول وفسير الحق بمقتضى الحكمة، وهو أن لا يشاهدوا ليكون إيمانا بالغيب، وقوله فإنه لا يزيدكم إلا لبساً أي كونهم يشاهدونه بصورة البشر لأنّ البشر لا يقوى على رؤية الملك بصورته فإن تمثل بشراً التبس عليهم أيضا كما قال تعالى:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 9] وعدل عن قوله في الكشاف ولا حكمة في أن تأتيكم عيانا تشاهدونهم، ويشهدون لكم بصدق النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنكم حينئذ مصدقون عن اضطرار لأنّ ما ذكره أوفق بالآية الأخرى وما ذكره الزمخشريّ مبنيّ على النزول بصورهم الحقيقية، وهذا على التمثيل بالصورة البشرية، ولا منافاة بينهما، وفي وجه الحكمة إشارة إليه على ما قرّرناه فليس في كلامه ردّ عليه كما توهم. قوله:(ولا في معاجلتكم) معطوف على قوله في أن تأتيكم، وهذا ناظر لقوله للعقاب كما أنّ الذي قبله ناظر لقوله فيكون معه نذيراً وهذا مما زاده على الكشاف كما أنّ الوجهين المذكورين بقيل ناظران لهما على اللف، والنشر أيضاً. قوله: (جواب لهم وجزاءا لأنّ وضعها لذلك، وبين
كونها جزاء بتقدير الشرط لأنها ظاهرة في جواب طلب نزول الملائكة التسليمي ومعنى الأنظار إمهالهم، وتأخير عذابهم. قوله:(ولذلك كده من وجوه) هي أنّ، والجملة الاسمية، وتقديم الضمير ويزيده قوّة ضممير العظمة، وقوله والنقص أي نقص الكلمات لا السور فإنه لا يخل بالإعجاز كما لا يخفى وقوله أو نفي تطرّق الخلل الخ عطف على ما قبله بحسب المعنى أي حفظ بنفي التحريف الخ أو نفي تطرق الخلل الخ والفرق بين الوجهين أنّ الأوّل بالنظر إلى أوائل نزوله، وهذا إلى أواخره، والأوّل ناشئ من الإعجاز وهذا ناشئ من كونه ليس من كلام البشر كما أشار إليه بقوله بأنه المنزل له، وقوله أن يطعن فيه أي طعنا معتدّا به مسلما، ويحتمل حفظه مما يشينه من تناقض، واختلاف لا يخلو منه الكلام المفتري كقوله:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [سورة النساء، الآية: 82] وفي قوله بأنه المنزل له إشارة إلى أنّ الجملة الثانية مقرّرة للأولى لأنها كالدليل عليها لكن لتضمنها معنى زائداً عطفت عليها فتدبر، وكون الضمير للنبيّ صلى الله عليه وسلم خلاف الظاهر فلذا مرضه. قوله:(في شيع الأوّلين (أي شيع الأمم الأوّلين، وقيل إنه من إضافة الصفة للموصوف، وقوله من شاعه أي هو مأخوذ من المتعدّي لأنه الذي يدلّ على التبعية وأمّا شاع الحديث اللازم فهو بمعنى انتشر واشتهر، والشياع بكسر الشين، وفتحها صغار الحطب فالشيعة بمعنى الاتباع أو الأعوان مأخوذ منه هنا لأنهم في الأصل أصغر ممن يتبعونه أو يعينونه فمن قال الاشتقاق من الشياع لا يناسب أحد المعنيين لم يأت بشيء، واطلاقه على الفرقة المتفقة لأن بعضهم يشايع بعضا، ويتابعه. قوله: (والمعنى نبأنا رجالاً فيهم وجعلناهم رسلَا فيما بينهم) أشار بقوله نبأنا إلى أن المراد بالرسل عليهم الصلاة والسلام المعنى العامّ الشامل للأنبياء غير الرسل فإنه يطلق على ذلك، وفيه أيضا بيان لمفعوله المقدّر، وقيل إنه توجيه لتعدي الإرسال بفي والأصل تعديه بإلى بتوجيهين الأوّل تضمينه معنى التنبئة، والثاني تضمينه معنى الجعل قالوا وبمعنى
أو ويجوز أن يكون الثاني تفسيراً للأوّل، ولا يخفى ما فيه فإنّ من في الظرفية تتعلق بكل فعل من غير حاجة إلى التضمين فإن أراد التعدية بها فلا وجه له لأنّ أنبأ يتعدى بالباء، وإنما هذا صفة للمفعول المقدّر أو حال
ولا وجه لجعل الواو بمعنى أو فإنه تكلف لا داعي له، وقيل إنه بيان لأنه عدل عن إلى إلى في للأعلام بمزيد التمكن فيهم فدل قوله نبأناه فيهم على معنى أعطيناه المعجزة، وقوله وجعلنا. رسولاً فيما بينهم على معنى صيرناه صاحب كتاب وشريعة، ولا يخفى ما فيه أيضا فتدبر. قوله:(وما للحال الخ) هذا بناء على ما ذهب إليه الزمخشريّ من أنها مع المضارع لنفي الحال، ومع الماضي لنفي الماضي القريب من الحال، وهو أكثريّ لا كليّ فإنها جاءت لنفي المضارع في المستقبل كقوله:{قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي} [سورة يونس، الآية: 5 ا] فما نحن فيه من القسم الأوّل بالتأويل المذكور، وقوله والسلك بفتح السين مصدر بمعنى الإدخال، والمخيط بكسر الميم آلة الخياطة، ويقال سلك السنان في المطعون وعدّه في الأساس من الحقيقة، وقوله والضمير للاستهزاء أي ضمير نسلكه المفعول وأرجعه إليه لقربه، وقوله كالخيط مثال للشيء، وقيل تقديره كإدخال الخيط، ولا حاجة إليه. قوله:(وفيه دليل على أنه تعالى الخ) هذا ردّ على المعتزلة في قولهم أنه قبيح فلا يصدر عنه تعالى، ولكن مع الاحتمال لا يخفى حال الاستدلال كما مرّ، ولذلك أيد ما ارتضاه الزمخشريّ من الوجه الثاني بما سيأتي الكلام عليه. قوله:) فإنّ الضمير الآخر في قوله لا يؤمنون به له (أي الضمير المجرور للذكر، وهدّه الجملة حال من الضمير الذي هو مفعول نسلكه فيتعين كونه للذكر، ولا يصح كونه للاستهزاء وقوله مثل ذلك السلك إشارة إلى أنّ المشار إليه مصدر الفعل المذكور كما مرّ تحقيقه في البقرة، وكذلك صفة مصدر محذوف في محل نصب أو خبر مبتدأ في محل رفع ونسلكه جملة مستأنفة، وقوله مكذباً بيان لمعنى الحالية، وتوضيح لها، والمراد أنّ الإلقاء وقع بعده التكذيب من غير توقف فهما في زمان واحد عرفا فلا حاجة إلى القول بأنها حال مقدرة كما ذكره صاحب الكشف، وما ذكره من الحالية غير متعين لاحتمال الاستئناف، واعترض على هذا بوجهين الأوّل أنّ نون العظمة لا تناسب إرجاع الضمير للذكر فإنها إنما تحسن إذا كان فعل المعظم نفسه فعلاً ظهر له أثر قويّ، وليس كذلك هنا فإنه تدافع وتنازع فيه، وأجيب بأنّ المقام إذا كان للتوبيخ يحسن ذلك لأنّ العظمة قد تكون باعتبار اللطف، والإحسان، ولا يجب كونها باعتبار القهر والغلبة،. ولا يخفى أنه باعتبار القهر، والغلبة يقتضي أنه يؤثر ذلك في قلوبهم، وليس كذلك لعدم إيمانهم به وكذا باعتبار اللطف، والإحسان يقتضي
أن يكون سلكه في قلوبهم إنعاماً عليهم، وإذا لم يؤمنوا به فأيّ إنعام عليهم بما يقتضي الغضب فلا وجه لما ذكر الثاني أنّ ضمير به لا يتعين عوده على الذكر حتى يلتزم إرجاع الأوّل إليه أيضا لأنّ الأصل توافق الضمائر فيما ترجع إليه لجواز أن يكون للاستهزاء أيضاً والباء للسببية، وإنما يتعين لو كانت الباء صلة يؤمنون، ولا يخفى ركاكته وبعده يغني عن رذه، وقوله إذ لا يلزم الخ القائل لا يدعي لزومه بل أنه أولى، وهو لا يمكن إنكاره فلا يعدل عنه لغير مقتض، وقوله أو بيان للجملة المتضمنة له أي للذكر أو لهذا المعنى فكأنه قيل أي لا يؤمنون به. قوله:(لجواز أن تكون حالاً من المجرمين) أي لا يلزم كونها حالاً من الضمير حتى يتعين عوده على الذكر قيل، وهذا لا يضرّ القائل إذ المعنى نسلك الذكر في قلوب المجرمين في تلك الحال، وبه يحصل توافق الضميرين أيضاً، ولا يخفى أنه ادّعى تعين عوده على الذكر لكونها حالاً منه فإذا لم تتعين الحالية لا يتعين ما ادّعاه وهذا في غاية الظهور، وكونه من المضاف إليه لأنّ المضاف بعضه، ولم يجعله من القلوب لعدم العائد إليها فمن قال الأولى جعله حالاً من القلوب لم يصب. قوله:(ولا ينافي كونها مفسرة) أي عود الضمير على الاستهزاء لا ينافي كون هذه الجملة مبينة، ومفسرة لها إذ عدم الإيمان بالذكر أنسب بتمكن الاستهزاء في قلوبهم، وكون القائل مراده بيان الإعراب لا دعوى المنافاة غير ظاهر من سياقه في صدد الاستدلال. قوله:(أي سنة الله فيهم) إشارة إلى أنّ الإضافة لأدنى ملابسة لأنّ السنة بمعنى العادة ليست لهم لا أنّ الإضافة على معنى في، وقوله بأن خذلهم، وسلك الكفر في قلوبهم الخ هذا ناظر إلى عود ضمير نسلكه إلى الاستهزاء لأنّ الاستهزاء كفر، وقدمه لأنه تفسير أهل السنة، وقوله
أو بإهلاك الخ جار على التفسيرين يعني المراد بسنة الله في الأوّلين إهلاك المكذبين منهم، وهو وان لم يسبق له ذكر لكن السياق منبئ عته، ولذا قدم الأوّل لأنّ ما قبله دال عليه، وعلى التفسير الأوّل هو تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى الثاني وعيد لأهل مكة لأنه إذا أهلك هؤلاء لكفرهم دل على أنّ هؤلاء على شرف الهلاك. قوله:(يصعدون إليها ويرون عجائبها الخ) فالضمير للكفرة، وقوله طول نهارهم من قوله ظلوا لأنه يقال ظل يعمل كذا إذا فعله في النهار حيث يكون للشخص ظل، وأمّا وروده بمعنى صار فعلى خلاف الأصل ومعنى مستوضحين يرونه واضحا ظاهراً لكونه نهاراً، وقوله أو تصعد الملائكة فضمير ظلوا، ويعرجون للملائكة، وقوله وهم يشاهدونهم أي يشاهدون صعود الملائكة من عند الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى السماء، ومشاهدتهم لهم لفرض وقوعها نهارا كما مرّ، وتشكيكهم إيقاع غيرهم في الشك. قوله:
(سدّت عن الأبصار بالسحر الخ (قال الراغب السكر حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل في الشراب المسكر، وقد يكون من الغضب، والعشق قال الشاعر:
سكران سكر هوى وسكرمدامة أنى يفيق فتى به سكران
والسكر بفتحتين ما يسكر، والسكر بالسكون حب! الماء بالسد، والسكر بالكسر الموضع المسدود، ولذا يطلق على الجسر فسكرت هنا قيل إنه من السكر بالضم، وقيل من السكر بالكسر والفتح، وقال ابن السيد السكر بالفتح سد الباب، والنهر وبالكسر السد نفسه، ويجمع على سكور قال الرفاء رحمه الله تعالى:
غناؤنا فيه ألحان السكور إذا قل الغناء ورنات النواعير
فقوله ب! دت الخ إشارة إلى القول بأنه من السكر بالفتح، والكسر بمعنى السد بالمعنيين
بيان للاشتقاق أي سدت أبصارنا بسحر النبيّ صلى الله عليه وسلم على زعمهم، وقوله عن الأبصار بكسر الهمزة متعلق بسدت أي منعت من الأبصار حقيقة، وما نراه تخيل لا حقيقة له، وقوله ويدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف أي والباقون بالتشديد، ووجه الدلالة عليه أنّ سكر المخفف المتعدي اشتهر في معنى السد، وقوله أو حيرت بالبناء للمجهول إشارة إلى القول الثاني بأنه من السكر ضد الصحو، والتشديد فيه للتعدية لأنّ سكر لازم في الأشهر وقد حكي تعديه فيكون للتكثير، والمبالغة، ووجه دلالة قراءة سكرت كفرحت عليه أنّ الثلاثيّ اللازم مشهور فيه، ولأنّ سكر بمعنى سدّ المعروف فيه فتح الكاف، وعلى هذا فسكرت أبصارنا استعارة، وأمّا على الأوّل فالظاهر أنه حقيقة، وقيل إنه استعارة أيضاً. قوله:(قد سحرنا محمد صلى الله عليه وسلم بذلك) أي بسكر أبصارنا أو بما نراه فالباء للسببية أو للملابسة. قوله: (وفي كلمتي الحصر والإضراب الخ) بين الزمخشريّ الحصر بقوله يبتون القول بأنّ ذلك ليس إلا تسكيرا وتبعه بعض المتأخرين، وأورد عليه العلامة أنّ إنما تفيد الحصر في المذكور آخراً فيكون الحصر في الأبصار لا في التسكير فكأنهم قالوا سكرت أبصارنا لا عقولنا فنحن، وان تخيلنا هذه الأشياء بأبصارنا لكن نعلم بعقولنا إنّ الحال بخلافه، ثم أضربوا عن الحصر في الأبصار وقالوا بل تجاوز ذلك إلى عقولنا، وكذا قال الإمام أيضاً: وهذا مبنيّ على أن تقديم المقصور على المقصور عليه لازم، وخلافه ممتنع، وقد قال المحقق في شرح التلخيص إنه يجوز إذا كان نفس التقديم مفيداً للقصر كما في قولنا إنما زيدا ضربت فإنه لقصر الضرب على زيد قال أبو الطيب:
أساميالم تزده معرفة وإنما لذة ذكرناها
أي ما ذكرناها إلا للذة، وأجاب بأنّ الكلام فيما إذا كان القصر مستفاداً من إنما، وهذا
ليس كذلك وجوابه غير مسلم فإنه قال في عروس الأفراح إنّ هذا الحكم غير مسلم فإنّ قولك إنما قصت معناه لم يقع إلا القيام فهو لحصر الفعل، وليس بأخير، ولو قصد حصر الفاعل لانفصل، ثم أورد أمثلة متعدّدة من كلام المفسرين تدل على خلاف ما قاله أهل المعاني في هذه المسألة فالظاهر أنّ الزمخشري لا يرى ما قالوه مطرداً، وهم قد غفلوا عن مراده هنا، وقيل إنه يجوز أن يعتبر الحصر بعد اعتبار إسناد التسكير إلى الأبصار فيكون من قبيل قصر الموصوف على الصفة قصراً إضافيا أي الواقع تسكير أبصارنا لا أنه كذلك حقيقة، وهذا لا محصل له، ومعنى الإضراب جعل الأوّل في حكم المسكوت عنه دون النفي، ويحتمل
الثاني فالإضراب لأنّ هذا ليس بواقع في نفس الأمر بل بطريق السحر، أو هو باعتبار ما تفيده الجملة من الاستمرار الذي دلت عليه الاسمية أي مسحوريتنا لا تختص بهذه الحالة بل نحن مستمرّون عليها في كل ما يرينا من الآيات، وقوله على البت بالتاء المثناة الفوقية أي القطع، وغير ما في الكشاف لما سمعته. قوله:) اثني عشر مختلفة الهيئات الخ) يعني الحمل وما بعده، واختلاف الخواص لاختصاص بعضها بالربيع، وبعضها بالصيف، وبعضها بالخريف، وبعضها بالشتاء، وتفاوت الهواء حرارة، وبرودة، ونحوه وقوله مع بساطة السماء أي كونها متماثلة في الصورة، والحقيقة، واختلاف الخواص مع التماثل يدل على خالق قدير حكيم، وتفسير البروج بما ذكر قول ابن عباس رضي الله عنهما، وهو المشهور وسيأتي في سورة البروج تفسيرها بالكواكب العظام، وما دل عليه الرصد راجع إلى الهيئات، والتجربة راجع إلى الخواص والرصد بمعناه المعروف عند أهل الهيئة، وبساطتها مما اتفق عليه الحكماء، وأصحاب الرياضات. قوله:(بالأشكال والهيئات البهية) جعل الضمير راجعا إلى السماء لئلا تنتشر الضمائر، وقيل إنه للبروج، وقوله المعتبرين جعل النظر بمعنى الأبصار لأنه المناسب للتزيين، ثم أشار إلى أنه كناية عن الاعتبار، والاستدلال بالأثر على المؤثر ومنهم من فسره بالمستدلين، ويناسبه ما وقع في بعض النسخ للمعتبرين باللام الجارة، ولو أسقط قوله يوسوس أهلها، ويتصرّف في أمرها كان أولى. قوله:(بدل من كل شيطان) أي بدل بعض من كل فإن قلت لا بد مع بدل البعض من ضمير يربطه، والبدل يشارك المبدل منه في معنى العامل، وهما هنا مختلفان نفيا، واثباتاً قلت أجاب عن هذا أهل العربية بأن إلا رابطة، وإذا ظهر الربط استغني عن الضمير، وبأن اختلاف التابع، والمتبوع بما ذكر لا ينافي التبعية كما في مررت برجل لا ظريف، ثم إنه
اعترض على البدلية بأنها يشترط فيها أن تكون في كلام غير موجب، وهذا مثبت، ودفع بأنه في تأويل المنفي كما أشار إليه المصنف رحمه الله بتفسير حفظنا بلا يقدرون، وأورد عليه أمران الأوّل أنّ تأويل المثبت بالمنفي في غير أبي ومتصرفاته غيره مقيس، ولا حسن فلا يقال مات القوم إلا زيد بمعنى لم يعيشوا، وقد يدفع بأنّ المصنف رحمه الله تعالى لا يسلم ذلك، ويدل عليه قول النحاة بعد نفي صريح أو مؤوّل مع أنّ المصنف رحمه الله مسبوق به فالعهدة فيه على قائله الثاني أنه على هذا يكون الاستثناء متصلاً فيقتضي أنهم أي المسترقين يوسوسون لأهلها ويتصرفون فيها، وتقدير حفظناها من قرب كل شيطان كما قيل لا يطابق كلام المصنف رحمه الله فالوجه جعله استثناء منقطعا، وقد يدفع بأنه يكفي للاتصال دخوله في كل شيطان، وكونه غير محفوظ عنه في الجملة كما يشهد له تفسير الاستراق، والتصريح بالخطفة في آية أخرى على أنّ الواو في قوله ويوسوس وما بعده بمعنى أو فتأمل. قوله:) واستراق السمع اختلاسه سرا الخ) وهو المراد بالخطفة في الآية الأخرى وقوله شبه إشارة إلى أنه استعارة، وقطان جمع قاطن، وهو الساكن والمراد باً لسمع المسموع، وقوله لما بينهم من المناسبة في الجوهر أي في جشسه لا نوعه لأنّ الملائكة عليهم الصلاة والسلام من نور، والشياطين من نار على ما حققه المصنف رحمه الله في سورة البقرة ولاختلاف النوع لا يقدرون على الاستماع، وتلقي الوحي، وإنما يخطفون خطفات يخلطون فيها فلا ينافي هذا قوله تعالى {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} في الشعراء، وقول المصنف رحمه الله هناك أنّ السمع مشروط بمشاركتهم في صفات الذات، وقبول فيضان الحق، والانتقاس بالصور الملكوتية، ونفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات لا تقبل ذلك، وأمّا كون المراد بالسمع ثمة سمع القرآن، وهو مشروط بما ذكر فلا حاجة إليه لا! الشرط المذكور ينافيه، وقوله هنا الجوهر، وثمة صفات الذات صريح فيما قرّرناه لكن الكلام في أنّ الاستراق يقتضي مناسبة الجواهر، والسمع التامّ يقتضي المشاركة المذكورة فإنه لا يتمشى على أصول الشرع، وكأنها من همزات الفلاسفة، وأما كون تلقيهم ما ذكر من الأوضاع الفلكية فمخالف لصريح النظم والأحاديث مع أنه يقتضي أن يكون قطان السماء بمعنى الكواكب، وشموله لشياطين الأنس من المنجمين. قوله: (ولا يقإج فيه تكونها قبل المولد (أي لا يقدح في كلام ابن عباس رضي الله عنهما بكون الشهب قبل مولد عيسى عليه الصلاة والسلام، ومشاهدة
انقضاضها لأنه يجوز أن يكون لأسباب أخر، وهو دفع لما قاله بعض الطاعنين في التنزيل. قوله:(وقيل الاستثناء منقطع الخ) فمن في محل رفع بالابتداء، وخبره
جملة فأتبعه الخ، ودخول الفاء لأن من إمّا شرطية أو موصولة مشبهة بها كما قاله أبو البقاء رحمه الله وعلى إلاتصال فهي عاطفة، وقيل عليه إنّ الإبدال يقتضي التجانس، والانقطاع يقتضي خلافه فبينهما تناف وردّ بأن إثبات حكم آخر لبعض المستثنى منه من غير إخراجه عن الحكم السابق انقطاع في الاستثناء فقوله، والانقطاع يقتضي خلافه غير مسلم. قوله:(فأتبعه فتبعه) فليست الهمزة فيه للتعدية، والشهاب من الشهبة، وهي بياض مختلط بسواد وليست البياض الصافي كما يغلط فيه العامة فيقولون فرس أشهب كالقرطاس، وقوله ولحقه يشير إلى أن أتبعه أخص من تبعه قال الجوهريّ رحمه الله تبعت القوم تبعا، وتباعة بالفتح إذا مشيت خلفهم أو مروا بك فمضيت معهم وأتبعت القوم على أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم، وقال الأخفش رحمه الله أنّ تبعه، وأتبعه بمعنى كردفته، وأردفته، والمصنف رحمف الله تعالى مشى على الفرق بينهما، وهو أحسن. قوله:(ظاهر للمبصرين) إشارة إلى أنه من أبان بمعنى ظهر اللازم، وقوله وقد يطلق للكوكب أي يستعمل له، ولذا عداه باللام دون على، وقوله في الأرض، وهي إمّا شاملة للجبال لأنها تعد من الأرض أو خاصة بغيرها لأنّ أكثر النبات وأحسنه فيها، وقوله أو فيها، وفي الجبال أي فالضمير إما لما قبله مطلقاً بالتأويل، وامّا عائد على الأرض! بمعنى ما يقابل السماء على طريق الاستخدام، وأمّا عوده على الرواسي لقربها، والمراد بالإنبات إخراج المعادن فبعيد. قوله:(مقدّر بمقدار معين) فهو مجاز مستعمل في لازم معناه أو كناية أو من استعمال المقيد في المطلق، وأمّا إذا كان بمعنى مستحسن فهو مجاز عما يوزن من الجواهر، وقد ذكر الشريف الرضي في الدرر إنّ العرب استعملته بهذا المعنى كقول عمرو بن أبي ربيعة:
وحديث ألذه وهو مما تشتهيه النفوس يوزن وزنا
وهو شائع في كلام العجم، وتبعهم المولدون كثيرا فيقولون قوام موزون أي معتدل، وقد علمت أنه سمع من العرب، وقوله أوله وزن أي قدر ووقع فتجوّز بالوزن كما تجوز بالقدر، وقوله أو ما يوزن، ويقدر هو إمّا مجاز كما مر فعطف قوله، ويقدر تفسيري، والفرق بينه، وبين الأوّل أنّ تقدير الأوّل جعله على مقدار تقتضيه الحكمة، وفي هذا جعله على مقدار يقدره الناس، وقيل إنه حقيقة، وإنه مناسب لكون الضمير للجبال، وإنّ قوله له وزن معناه أنّ له قدرا واعتبارا. قوله:(على التشبيه بشمائل) هي رواية للأعرج وخارجة عن نافع يعني أنّ الياء فيه
عين الكلمة، والقياس في مثله أن لا تبدل منه همزة لأنها إنما تبدل من الياء الزائدة كياء شمائل، وخبائث لكنها لمشابهتها لها في وقوعها بعد مدة زائدة في الجمع عوملت معاملتها على خلاف القياس. قوله:(عطف على معايش أو على محل لكم الخ الا على المجرور لأنه بدون إعادة الجار شاذ، وقوله ويريد الخ أي المراد بمن الخدم، والعيال، وذكر بهذا العنوان لظن بعض الجهلة أنهم يرتزقون منهم أو الامتنان بأنه استخدامهم من تكفل بنفقته، وقوله وفذلكة الآية أي محصلها واجمالها، والاستدلال خبره، وعلى كمال قدرته متعلق به، والامتنان معطوف عليه، وقوله ممدودة لا ينافي كريتها كما مر واختلاف الشكل، والأجزاء مستفاده من جعل الرواسي فيها، وأنواع النبات من قوله، وأنبتنا فيها والحيوان مأخوذ من قوله معايش، ومن مدلول الكلام، وتناهي حكمته بلوغها النهاية، والغاية فيها. قوله: (أي وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه) يشير إلى أنّ أن نافية، والخزائن جمع خزانة، ولا تفتح، وهي اسم المكان الذي يخزن فيه الشيء، ويحفظ شبه اقتداره على كل شيء، وايجاده بالخزائن المودعة فيها الأشياء المعدّة لإخراج ما يشاء منها وما يخرجه إلا بقدر معلوم فهو استعارة تمثيلية قيل، والأنسب أنه مثل لعلمه بكل معلوم، وأنه لم يوجد شيء منها إلا بقدر معلوم، ووجهه أنه يبقى شيء على عمومه لشموله الممكن، والواجب بخلاف القدرة، ولأنّ عند أنسب بالعلم لأنّ المقدور ليس عنده إلا بعد الوجود، وقيل عليه إنّ كون المقدورات في خزائن القدرة ليس باعتبار الوجود الخارجي بل الوجود العلمي، والفاء في قوله فضرب تفسيرية كما
في قوله: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ} [سورة هود، الآية: 45] فقال الخ وهو تفسير لقوله بالغ لما في التمثيل من المبالغة كما بينه، وقوله ما من شيء أي من الأنواع أو الإفراد التي لم تخلق، وعممه ليكون كالدليل على ما قبله، وخصصه الزمخشريّ بما ينتفع به بقرينة السياق، وهو من الاستعارة التمثيلية على الأوّل، ومن المكنية، والتخييلية على الثاني. قوله:(من يفاع القدرة (بفتح الياء بمعنى المرتفع ضد الحضيض، وهو استعاوة لعظمة قدرته أو هو كلجين الماء فالمراد بالتنزيل الإيجاد، والإنشاء. قوله: (حدّه الحكمة) بلفظ الماضي أي جعلت له حذاً، وقوله لا بد له من
مخصص حكيم إشارة إلى كون الآية دليلاً على الألوهية. قوله: (حوامل شبه الريح الخ) يعني أنه جمع لاقح بمعنى حامل يقال ناقة لاقح بمعنى حامل فهو من التشبيه البليغ شبهت الريح التي تأتي بالسحب الماطرة بالناقة الحامل لأنها حاملة للسحاب الماطر أو للماء الذي فيه، وقال الفراء: إنها جمع لاقح على النسب كلابن، وتامر أي ذات لقاح، وحمل وهي التي تجيء بالسحب الممطرة، ويقال لضدّها ريح عقيم. قوله:(أو ملقحات للشجر أو السحاب) عطف على قوله حوامل، وهو من ألقح الفحل الناقة إذا ألقى ماءه قيها لتحمل فاستعير لصب المطر في السحاب أو الشجر، وإسناده إليها على الأوّل حقيقة، وعلى الثاني مجاز إذ الملقي في الشجر السحاب لا الريح، وهو حينئذ جمع ملقح بحذف الزوائد كالطوائح أو هو جمع لاقح على النسب أو هو مجاز وكلام المصنف رحمه الله تعالى صريح في الأوّل، ولقح الشجر تنميته ليثمر، ويزهو أو أن يجري الماء فيه. قوله:(ومختبط مما تطيح الطوائح) صدره:
ليبك يزيد ضارع لخصومة
وهو من شعر في رثاء يزيد النهشلي واختلف في قائله فقيل لبيد وقيل نهشل بن حرب،
وقيل الحرث بن نهيك النهشلي، وقيل الحرث بن ضرار النهشلي، وقيل مزرد كما في شرح أبيات الكتاب، والمختبط طالب العرف المحتاج، وأصله من تخبط ورق الأشجار لتأكلها الدواب، وإنما يفعل ذلك في الجدب، وشدّة الاحتياج، وتطيح بمعنى ترمي، والطوائح جمع المطيحة بمعنى السنين أو الجوائح الرامية له أو جمع طائحة على التجوّز، وقوله على تأويل الجنس الخ أي أنها وإن كانت مفردة على هذه القراءة لكن دخول الألف، واللام الجنسية عليها صيرها في معنى الجمع فلذا صح جعل لواقح حالاً منها فالمعنى جنس الريح نحو أهلك الناس الدينار الصغر فإن قلت هذه القراءة تخالف ما قالوه في حديث اللهمّ اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحا من أنّ الرياج تستعمل للخير، والريح للشرّ قلت هذا ليس من الوضع، وإنما هو من الاستعمال، وهو أمر أغلبيّ لا كليّ فقد استعملت الريح في الخير أيضا نحو قوله تعالى:{وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [سورة يونس، الآية: 22] أو هو محمول على الإطلاق بأن لا يكون معه قرينة كالصفة والحال، وأمّا كون المراد به الدعاء بطول العمر ليرى رياحا كثيرة فلا وجه
له، وقوله سقيا كبشرى بمعنى تسقي به الأراضي، والمواشي فليس أسقاه بمعنى سقاه، وان ورد بهذا المعنى أيضاً. قوله:(قادرين متمكنين من إخراجه) أي من العدم لأن الخزن اتخاذ الخزائن، وهو يستعار للقدرة كما مرّ وأشار إليه بقوله نفي عنهم ما أثبته لنفسه أي في قوله:{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} أو في قوله وأنزلنا الخ ووجه دلالته على إثباته لنفسه هنا كما صرّح به أوّلاً أنه من باب، وما أنت علينا بعزيز فيفيد تقديمه القصر ولا حاجة إليه مع دلالة ما مرّ، وهذا على الحصر فيه. قوله:(أو حافظين في الندران) فالخزن مجاز عن مطلق الحفظ في مجاريه مع أنه لو خلي وطبعه لفار، وقوله وذلك أي الحفظ فيما ذكر، وقوله أيضا أي كإنزاله من السماء أو إيجاده، وقوله كما تدلّ حركة الهواء يشير إليه قوله:{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ} الخ، وقوله فإنّ طبيعة الماء الخ. بيان لدلالة حفظ الماء على ما ذكر، وقوله دون حده أي حد الغور أو حد الماء وطبعه، والغور ذهاب الماء في الأرض!. قوله:(وقد أوّل الحياة بما يعم الخ) فهو من عموم المجاز بمعنى يعطي لكل شيء قوّة النماء ونحوه، وقوله وتكرير الضمير أي في قوله نحن نحي، ونحن الوارثون قيل إنه جعل الضمير للفصل، وهو يفيد القصر، وقد رذه أبو البقاء رحمه الله تعالى بوجهين أحدهما أنه لا يدخل على الخبر الفعلي، وأنّ اللام لا تدخل عليه قال في الدرّ المصون والثاني غلط فإنه ورد دخولها عليه كقوله:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [سورة آل عمران، الآية: 62] وهذا مبنيّ على مذهب الجرجاني، وبعض النحاة إذ جوزوا دخوله على المضارع كقوله:{إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [سورة البروج، الآية: 13]
والعجب من أبي البقاء فإنه ردّه هنا وجوّزه في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [سورة فاطر، الآية: 0 ا] كما نقله في المغني.
قوله: (الباقون إذا مات الخلائق كلها) فهو استعارة كما وقع في الحديث: " اجعله الوارث منا " أ1) وقوله من استقدم ولادة وموتا استقدم، واستأخر بمعنى تقدم وتأخر، ولا حاجة إلى جعل الواو بمعنى أو لأنهما معلومان له تعالى وقوله بعد أي إلى الآن. قوله: إ وهو بيان لكمال
علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته) بما مرّ كما صرّح به في تفسير قوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} وقوله فإنّ ما يدل على قدرته دليل على علمه بيان لوجه تعقيبه لأنّ القادر على كل شيء لا بدّ له من علمه بما يصنعه، وكونه بياناً لكمال علمه على هذا الوجه، وأمّا على الوجهين الأخيرين فالمعنى يجزيهم على قدر نياتهم كما أشار إليه بقوله يحشرهم لا محالة للجزاء. قوله:(وقيل رغب رسولي الله صلى الله عليه وسلم في الصف الخ) قال السيوطيئ: لم أقف عليه، وقوله: أنّ امرأة حسناء (1) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (وتوسيط الضمير للدّلالة الخ) جعل الضمير للحصر، وقد مرّ الكلام عليه، وقيل عليه إنه في مثله يكون الفعل مسلم الثبوت، والنزاع في الفاعل، وهاهنا ليس كذلك فالوجه جعله لإفادة التقوى، وهذا في القصر الحقيقي غير مسلم كما صرّح به المطوّل. قوله:(وتصدير الجملة بأنّ لتحقيق الوعد والتنبيه الخ) كما نبه عليه بقوله لا محالة، وفائدة الإعادة بناء قوله، والتنبيه الخ. عليه والمراد بالوعد وعدهم بالحشر، والجزاء، وقوله يدل على صحة الحكم أي بالحشر، وقوله كما صرّح به أي بالدلالة على كمال قدرته، وعلمه، وذكره لأنّ تأنيث المصدر غير معتبر، وقوله أنه حكيم الخ. جملة مستأنفة لتعليل ما قبله، وباهر الحكمة أي عالم بالأشياء على ما هي عليه وفاعل لها كما ينبغي، وقوله متقن في أفعاله تأكيد له باعتبار جزء معناه. قوله:(طين يابر يصلصل) أي يصوّت إذا نقر كذا نقله في الدرّ المصون عن أبي عبيدة رحمه الله تعالى، وهو محصل ما في الكشاف وناهيك بهما إمامان في اللغة، وكذا فسره الراغب فمن قال إني لم أجده في اللغة لم
يصب، واشتقاق الصلصلة كالصريح فيه. قوله:(وقيل هو من صلصل إذا أننن تضعيف صل) وصلصال بفتح أوّله، وكسره، وفي هذا ونحوه مما تكررت عينه، وفاؤه خلاف فقيل وزنه فعفع كررت الفاء، والعين ولا لام نقل عن الفرّاء رحمه الله تعالى قال في الدر المصون وهو غلط لأنّ أقل الأصول ثلاثة فاء، وعين ولام، وقيل وزنه فعفل، وهو المشهور عن الفرّاء، وقيل فعل بتشديد العين، وأصله صلل فلما اجتمع ثلاثة أمثال أبدل الثاني من جنس الفاء، وهو مذهب الكوفيين، وخص بعضهم هذا الخلاف بما إذا لم يختل المعنى بسقوط الثالث نحو لملم، وكبكب فإنك تقول لمّ وكبّ فلو لم يصح المعنى بسقوطه نحو سمسم فلا خلاف في أصالة الجميع، وقال اليمني ليس معنى أنه أصله أنه زيد فيه صاد بل هو رباعي كزلزل، والاشتراك في أصل المعنى لا يقتضي أن يكون منه إذ الدليل دالّ على أنّ الفاء لا تزاد لكن زيادة الحرف تدل على زيادة المعنى. قوله: (طين تغير واسوذا لما خمرت طينته بالماء، وكون الجارّ، والمجرور صفة لوقوعه بعد النكرة، ويجوز أن يكون بدلاً من الجارّ والمجرور قبله، ومسنون صفته، ولا ضير في تقديم الصفة الغير الصريحة على الصريحة فإنه جائز، والنكتة فيه مناسبته لما قبله في أنّ كلا منهما من جنس المادّة قال الرضي إذا وصفت النكرة بمفرد، وظرف أو جملة قدم المفرد في الأغلب، وليس بواجب خلافا لبعضهم، والدليل عليه قوله، وهذا كتاب أنزلناه مبارك لكنه يحتاج إلى نكتة في كلام الله لأنه لا يعدل عن الأصل لغير مقتض، وقد بيناها. قوله: (من سنة الوجه (أي صورته، وقوله أو مصبوب أي معنى مسنون مصبوب من سنه بمعنى صبه، وقريب منه شن الماء بالمعجمة إذا وشه، وقوله لييبس بياءين مفتوحة، وساكنة وبعدهما باء موحدة، وسين من اليبس ضد الرطوبة، وقوله ويتصور بالعطف عليه، والواو لا تقتضي ترتيباً أي صبه، وهو رطب لأجل التصوير، واليبس لتثبت الصورة فيه، وفي نسخة بدل الواو أي التفسيرية، ومعناه لتبقى صورته لأنّ ما لم ييبس لا يبقى، وقيل إنه من تحريف الناسخ، والصواب ليسن، وفي أخرى أو مصبوب مصوّر، وهي ظاهرة وقوله تمثال بكسر التاء الفوقية بمعنى مثال، وفي نسخة بمثال بالباء الموحدة، وقوله طوراً بعد طور أي صار جسدا ولحما، وذا روح وخلقه من تراب سابق على كونه صلصالاً، وقوله إذا نقر صلصل أي صدم بجسم آخر سمع له صوت يشير
إلى أنّ من في من حمأ مسنون ابتدائية فتكون ماذة سابقة على كونه صلصالاً، وليس فيه تمثيل كما توهم فإنه تخيل لا وجه له بل كناية عن كاية تجفيفه، وقوله من سننت الحجر الخ، ومنه المسن المعروف، ونتنه تغير رائحته كما نشاهده في طين
الآجام، والسنين بفتح السين المتغير ريحه. قوله:(أبا الجق وقيل إبليس الخ) يعني الجانّ بمعنى الجن أو هولهم كادم للبشر، وأبو الجن إبليس كما في الدرّ المصون، وقوله لأن تشعب الجنس الخ إشارة إلى أنّ خلقهم من النار إذا كان بمعنى الجنس لا ينافي أنّ المخلوق منها إنما هو أبوهم لأنّ الخلق منها شامل لما يكون بواسطة، وبدونها فقوله من نار لا يعين التفسير الأؤل كخلق الإنسان من تراب، وطين. قوله:(من نار الحر الشديد) أراد بالحرّ الريح الحارة فإنه يطلق في العرف بهذا المعنى، وقال الإمام السموم في اللغة الريح الحارة، وهي فيها نار، وقيل سميت سموما لأنها بلطفها تنفذ في مسام البدن قيل فالأولى أن يقول المصنف من نار الريح الشديد الحر ليوافق كلام أهل اللغة، وهو تسمح سهل كما عرفت والمسام منافذ البدن، وهو جمع لا واحد له، وهو إشارة لاشتقاقه. قوله:(ولا يمتنع خلق الحياة في الإجرام البسيطة الخ) جواب عما يقال كيف تخلق الحياة في النار، وهي يسيطة، والحياة كالمزاج لا تكون إلا في المركبات، وقد اشترط الحكماء فيها البنية المركبة فما ذكره رد عليهم فأجاب بمنعه لأنها إذا خلقت في المجردات كالملائكة عليهم الصلاة والسلام فبالطريق الأولى البسائط مع أنّ هذا غير وارد رأساً لأنّ معنى كونها من نار أنه الجزء الأعظم الغالب عليي كالتراب في الإنسان، ولذا مال بالطبع إلى أسفل فليست بسيطة كما هو محصل آخر كلامه لكنه لم يرتبه على مقتضى المناظرة، والمراد بالبسيط ما لم يتركب من أجزاء مختلفة الطبع فإنه أحد معنييه، والآخر ما لا جزء له، وقيل أراد بالمجردة الأجزاء الفردة كما وقع في بعض النسخ ففيه رد على المعتزلة في اشتراط البنية المركبة من الجواهر الفردة، وقوله فإنها أقبل لها لأنها غير مضادّة لها بل مقوية لها، وقوله باعتبار الغالب مرّ تقريره، وجزم به هنا، وصدره في سورة الأجمراف بلعل، ولا منافاة بينهما. قوله:(فهو للتنبيه على المقدمة الثانية الخ) إشارة إلى ما استدل به المليون على إمكانه من أنه كلما كان جمع الأجزاء، وتأليفها على ما كانت عليه، واعادة الحياة فيها أمرا ممكناً، وثبت أنه تعالى عالم بتلك الأجزاء قادر على جمعها وتأليفها، واحيائها ثبت إمكان
الحشر لكن المقدم حق فالتالي مثله فإمكان الحشر يتوقف على أمرين قابلية الأجزاء للجمع، والأحياء، وعلمه تعالى بها، وقدرته على جمعها، واحيائها ففي الآية دليل على كلا الأمرين كما أشار إليه لكنه أطلق المقدمة الثانية على قبول الأجزاء للجمع والأحياء تقديماً لشمول العلم، وعموم القدرة في النظر، والاعتبار لكونه الأصل، وجعل كمال قدرته مقدمة أولى مع أنه لا بد من عموم علمه أيضاً لانطوائه فيه، واسنلزامه كما نبه عليه أيضا بقوله ما يدل على كمال قدرته دليل على عموم علمه كذا قرّره الفاضل المحشي، وقيل إنه تكلف لا حاجة إليه فإنه إمّا قياس استثنائي اسنثنى فيه عين المقدّم هكذا كلما أمكن جمع الأجزاء على ما كانت عليه، واعادة الحياة فيها أمكن الحشر أو اقتراني هكذا أجزاء الموتى تقبل الجمع، والحياة، وكل ما كان شأنه ذلك أمكن حشره فالمنبه عليه المقدمة الأولى دون الثانية، والمطلوب إمكان الحشر لا وقوعه، وقوله وهو قبول الخ الضمير للمقدمة وذكر باعتبار الخبر أو لتأويلها بجزء الدليل. قوله:(حتى جرى آثاره) فجعل الروح منفوخا فيه مجاز عن جريان أثره فإنها مجردة، وتجاويف جمع تجويف، والمراد به المجوّف، وقوله إجراء الريح أي من الفم أو غيره، وهذا معنى عرفي لا لغويّ، وقوله ولما كان الروح أي النفس الناطقة، وهذا كلام الفلاسفة، وكثيراً ما يعوّل عليه والبخار اللطيف يسمى روحا عند الأطباء، وهو في أحد تجويفي القلب فإنّ له تجويفاً في جانبه الأيسر ينجذب إليه دم لطيف يحصل منه بخار لطيف في الجانب الآخر بواسطة حرارته، وهذا البخار تتعلق به النفس الناطقة أوّلاً، وقوله المنبعث أي الخارج منه إلى الدماغ، وغير. وضمير وتفيض للروح، وقوله حاملاً لها لتلك القوّة، وفي تجاويف متعلق بيسرى، والشرايين العروق النابضة حينئذ جمع شريان، وغيرها تسمى أوردة. قوله: الما مرّ في النساءا لأنه خلقها من غير واسطة تجري مجرى
الأصل، والمادّة أو الإضافة للتشريف فتخصيص الروح الإنسانية لا يحتاج إلى مخصص كما قيل. قوله:(أمر من وقع يقع) كان الظاهر تقديمه على ساجدين، واعتذر بأن السجود لما كان بياناً لكيفية الوقوع هنا قدّمه عليه. قوله:(كد بتثيدين الخ) في التسهيل لا تعرض في أجمعين إلى اتحاد الوقت بل هو ككل في إفادة المعموم مطلقا خلافا للفراء فإنه زعم أنه يفيد مع التأكيد الاجتماع في وقت واحد، وليس
كذلك عند البصريين، واستدلوا بقوله عز وجل:{لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [سورة ص، الآية: 82] فإنّ إغواءهم لم يكن في وقت واحد ورده المدقق في الكشف بأنّ الاشتقاق من الجمع يقتضيه لأنه ينصرف إلى أكملى الأحوال فإذا فهمت الإحاطة من لفظ آخر، وهو كل لم يكن بد من كونه في وقت واحد، والا كان لغوا والردّ بالآية منشؤه عذم تصور وجه الدلالة، ومنه تعلم انّ ما قاله المبرّد هو الحق الموافق لبلاغة التنزيل، وقوله ومنع مجرور معطوف على التعميم. قوله:(1 ن جعل منقطعاً اتصل به قوله أبي الخ) وجه الانقطاع ظاهر لأنّ المشهور أنه ليس من جنس الملائكة، والانقطاع يتحقق بأحد أمرين عدم دخوله في المستثنى منه أو في حكمه، وما قيل إنه لو كان منقطعا لم يكن مأموراً بالسجود فلا يذم، والاعتذار عنه بأنهم كانوا مأمورين، واستغنى بذكر الملائكة عليهم الصلاة والسلام عنهم، وإنه معنى الانقطاع، وتوجه اللوم من ضيق العطن كما مرّ تفصيله. قوله:(أي ولكن إبليس الخ) فإلا بمعنى لكن وابليس اسمها، وجملة أبي خبرها كذا في شرح الكشاف وسيأتي ما فيه، وقوله وان جعل متصلاً إمّا بأن يكون ملكاً أو الجن من جنس الملائكة أو غيرهم، ولكنه داخل فيهم على طريق التغليب كما مرّ، وجملة أبي حينئذ مستأنفة استئنافاً بيانياً، وقوله أفي غرض لك في أن الخ أي هو على تقدير حرف الجرّ، والغرضية من اللام، وقوله اللام لتأكيد النفي كما قرّرناه في لام الجحود، وتفسير نفي كان بنفي الصحة هو أحد استعمالاته، ومن قال إنه لزمه لا لأنّ نفي السجدة كناية عن نفي الصحة بناء على عدم صلوحه للجواب بل بيان لأنّ الجواب لم أكن مع ما بعده لا وجه له، وقوله وخلقتني من نار إشارة إلى مراده بدليل بيان ماذة آدم، وقوله قبله من نار السموم، وقوله وأناملك إشارة إلى وجه الاتصال على قول. قوله:(باعتبار النوع والأصل الخ) يعني قوله بشر، ومن صلصال ومرّ في الأعراف أنّ إبليس مخطئ فإنه رأى الفضل كله باعتبار العنصر، وغفل عما يكون باعتبار الفاعل كما أشار إليه بقوله:{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [سورة ص، الآية: 75] أي بغير واسطة، وباعتبار الصورة كما نبه عليه بقوله، ونفخت فيه من روحي، وباعتبار الغاية، وهو ملاكه. قوله:(من السماء) هذا هو الظاهر، ولذا قدمه، وقوله أو الجنة قيل لقوله:!! كن أنت ورّوجك الجنة} [سورة البقرة، الآية: 35] ولوقوع الوسوسة فيها وردّ بأنّ وقوعها كان بعد الأمر بالخروح من السماء أو من زمر الملائكة عليهم الصلاة والسلام، ويلزم منه خروجه من السماء إذ كونه بانزوائه عنهم في جانب لا يعدّ خروجا في المتبادو،
وكفى به قرينة. قوله: (مطرود من الخير والكرامة الخ) إشارة إلى أنه كناية عن الطرد لكونه لازما للرّجم، وكونه بمعنى المرجوم بإلشهب يقتضي أنه للاستقبال، وتقدير موصونه بشيطان لأنه هو المرجوم بها لقوله تعالى:{وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ} [سورة الملك، الآية: 5] ولذا قيل إنه كناية عنه، وقوله وهو وعيد أي بالرجم بها، وما شضمنه من الخزي وتضمف للجواب عن شبهته لأنه تضمن شقاوته، وسوء خاتمته، وبعده عن الخير فهو الذ ي منعه عن السجود لا شرف عنصره، وفيه لطيفة أخرى، وهو أنه لما افتخر بالنار في الدنيا عدّب بها كالمجوس فكب فيها على وجهه وقيل قضمنه للجواب بالسكوت كما قيل جواب ما لا يرتضي السكوت، وقيل لأنه علم منه أنّ الشرف بتشريف الله، وتكريمه فبطل ما ادّعاه من رجحانه إذ أبعده، وأهانه، وقرّب آدم عليه الصلاة والسلام، وكرمه. قوله: (فإنه منتهى امد اللعن فإنه يناسب أيام التكليف (الضمير الأوّل ليوم الدين، ومنتهى اسم زمان النهاية جواب عن سؤال، وهو أنّ إلى لانتهاء الغاية فيلزم زوال اللعن، والطرد عن رحمة الله عندها فأجاب أنه أريد به وقت جمع الخلائق، وهو اليوم المعلوم لأنه لا يعلمه إلا الله فجعله غاية للعنة لانقطاع التكليف به، وقوله فإنه أي اللعن ينايسب أيام التكليف فالمراد لعن الخلق له، وألا فإبعاده عن الرحمة ثابت له إلى الأبد، ولا يلزم منه تكليف
العباد إذ المراد منه الثوأب، وتد يؤوّل بالطرد عن رحمة الله المجرّد عن الجزاء والعذاب، وفي نسخة لا يناسب فالضمير راجع إلى يوم الدين. قوله:(ومنه زمان الجزاء) وتع في النسخ هنا اختلاف فأشهرها هذه، وقد قيل فيها إنّ منه اسم فاعل من أنهى فهو منه، وزمان منصوب على أنه مفعوله أو مرفوع على أنه مبتدأ مؤخر ومنه خبر مقدم أي يوم الدين قاطع لزمان الجزاء، والتكليف، ومنهم من جعل منه جارا، ومجرورا خبرا مقدما وزمان الجزاء مبتدأ مؤخرأ، ومن ابتداء أي زمان الجزاء مبتدأ من يوم الدين، وهو الظاهر، ويشهد له أنه وقع في نسخة أخرى، ومن اليوم! زمان الجزاء. قوله:(وما في قوله فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله الخ (جواب عن سؤال، وهو أنه كيف يكون منتهى أمد اللعنة، وقد أثبته الله فيه في هذه الآية فأجاب بأنها بمعنى آخر أي اليوم الذي تنسى عنده هذه اللعنة لغاية فظاعة اللعنة المذكورة كما يعلم من تفسيرها. قوله: (وقيل إنما حدّ اللعن الخ) هذان جوابان آخران يخي المراد به التأبيد، ويوم الدين بمعنى يوم القيامة لأنه أبعد غاية تضربها الناس أو المراد أنّ اللعن في يوم القيامة كالزأئل لإذهال شدة العذاب عنه. قوله:) أو لأنه يعذب) هذا هو الوجه الثاني،
والظاهر أنه عليه حقيقة، وإنه غاية لأهون الشرّين، وقيل إنه استعارة مكنية بتشبيه المنسيّ بالزائل وتخييلية هي إثبات التحديد بالوقت له أو إلى استعارة تبعية. قوله:(والفاء متعلقة بمحذوف) أي إن أخرجتني فأنظرني. قوله: (أراد أن يجد فسحة في الإغواء) وفي نسخة بالإغواء قال العلامة فإبليس لما سأل الأنظار إلى يوم البعث كان غرضه أن لا يموت أصلا إذ لا موت بعد البعث فمنعه الله عن هذا الأنظار وأنظره إلى آخر زمان التكليف، وقد أعطاه الله تعالى مسؤوله 0 قوله:(المسمى فيه أجلك عند الله أو انقراض الناس كلهم وهو النفخة الأولى عند الجمهور (أي يوم النفخة الأولى ومقابل قول الجمهور القول الأوّل، وهو وقت علم الله انتهاء أجله فيه. قوله: (ويجوز أن يكون المراد بالآيام الثلاثة يوم القيامة) أي يوم الدين، ويوم يبعثون، ويوم الوقت المعلوم، وقوله فعبر إمّا مبنيّ للمفعول أو للفاعل والضمير دلّه، وقوله لما عرفته من أنّ الدين بمعنى الجزاء ومنه ابتدئ بزمان الجزاء. قوله:(وثانياً بيوم البعث) مع أنّ البعث قبله، ومراد إبليس بحده على أنّ المراد يوم القيامة 11 نمسحة في الإغواء لا النجاة من الموت بناء على أنه عالم بموته قبله فلا يسأل ما يعلم أنه لا يجىاب إليه كما في الكشف، وقيل عليه إنه ليس ببين ولا مبين، وكونه على غالب الظن لا ي! ت! ي في مثله، ثم اعترض على المصنف رحمه الله في توجيه يوم يبعثون بما ذكره بأنه لا مناسبة له مع تلك التسمية فالأولى أن يقال في وجهه أنّ الخلائق يبعثون فيه أو لأجله، وفيه تأمل، وقوله واليأس عن التضليل أي يأس إبليس عن الإغواء. قوله:(وثالثاً بالمعلوم لوقوعه في الكلامين) أي لسبق ذكره أو لأنه لا يعلمه إلا الله 0 قوله: (ولا يلزم من ذلك أن لا يموت الخ (جواب عن سؤال مقدر، وهو أنه إذا أنظر فأمهل إلى يوم القيامة يلزم عدم موته إذ لا موت بعده، والنص بخلافه فأجاب بأنّ أيام القيامة ليست كأيام الدنيا بل بمقدار سنين فيجوز أن يموت في أوّله، ويكون البعث بعد ذلك في أثنائه، ومنهم من حمل يوم يبعثون على ما يكون قريبا منه، وهو وقت موت كل المكلفين قريباً من يوم البعث فرجع الكلام إلى أنّ مسؤوله الأنظار إلى آخر أيام التكليف فيكون أعطى مسؤوله، وهو القول الآخر كما مرّ، وما قيل إنه ليس في القيامة يوم، ولا ليل فيوم البعث بمعنى وقت البعث فألمحذور باق ليس بشيء لأنّ المراد باليوم وقت معين فلا محذور فيه.
قوله: (وهذه المخاطبة وإن لم تكن بواسطة لم تدل على منصب إبليس) أي شرفه لأنه في الأصل بمعنى الأصل ويستعار للشرف قال أبو تمام:
ومنصب نماه ووالدسما به
أي إنما تدل على ذلك لو لم تكن للإهانة وهي كذلك هنا، وقوله وان لم معطوف على مقدر أي إن كانت بواسطة، وان لم تكن لا تدل على الشرف، وطوى الأوّل لظهوره على قاعدة أن الوصلية فمن قال الأولى حذف الواو لم يصب وقد ذهب بعض المفسرين إلى أنها بواسطة ملك. قوله:(الباء للقسم الخ) اختار الوجه الآتي في الأعراف، ومرض القسمية، وعكس! هنا، والقصة واحدة فالفرق بين المحلين تكلف لا حاجة إليه وكم في هذا الكتاب مثله، وضمير لهم للذرية المفهوم من السياق، وان لم يجر له ذكر للتصريح في آية أخرى به كقوله:{لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [سورة الإسراء، الآية: 62] وقوله لأزينن لهم المعاصي إشارة إلى مفعوله المقدو، وقوله في الدنيا إشارة إلى أن
المراد على هذا الوجه بالأرض معناها العرفي، وهي دار الدنيا، وما فيها من الشهوات الفانية، وقد مر تفسيرها وذكرت بهذا اللفظ تحقيراً لها، وترك الوجه الآخر المذكور في الكشاف، وهو تنزيل الفعل منزلة اللازم ثم تعديته، وأنّ المراد لأحسنن الأرض، وأزينيا لهم حتى يشتغلوا بها عن الآخرة كما بين في شروحه. قوله:(وفي انعقاد القسم بأفعال الله تعالى خلاف) وقع في كتب الشافعية والحنفية، والنزاع في أنه يمين يترتب عليها أحكامها من الكفارة، وغير ذلك، ولا خلاف في أنّ الحلف والقسم في عرف العرب يقع عليه، وهو متعارف عندهم، ولهذا ورد النهي عن الحلف بالآباء، وعدّه الأصحاب هـ صحروهاً فلذا قيل إنّ! ذكره المصنف رحمه الله لا مساس له بالمقام، وليس بشيء لأنه استطراد الكلام الفقهاء إلا أنّ الصفة إذا لم تشعر بتعظيم ويتعارف منها ليست بيمين عندهم، وكلام المصنف رحمه الله موهم بأنّ الخلاف فيها مطلقاً، وكذا ما قيل إنّ أقسام إبليس بإغوائه بلا إنكار من الله يصلح دليلا للقائلين بجواز الحلف الشرعي بفعل من أفعاله تعالى فمساسه للمقام ظاهر فإنه كيف يصلح دليلا، وليس محلاً للنزاع عندنا، وعندهم فتأمّل. قوله:(وقيل للسببية) قيل إنه أولى لأنه وقع في مكان آخر فبعزتك، والقصة واحدة، والحمل على محاورتين لا موجب له، ولأنّ القسم بالإغواء غير متعارف، ولعله لذلك رجح السببية في الأعراف، وفيه نظر لأنّ قوله فبعزتك يحتمل القسمية، وقد صرّج الطيبي رحمه الله بأنّ مذهب الشافعية أنّ القسم بالعزة، والجلال يمين شرعاً فكيف تكون تلك الآية مؤيدة لمذعاه، وهي
عليه لا له. قوله: (والمعتزلة أوّلوا الإغواء بالنسبة إلى الغيئ) أي المراد من الإغواء نسبته إلى الغيّ كفسقته نسبته إلى الفسق لا فعلته أو أنّ المراد فعل به فعلاً حسنا أفضى به لخبثه إلى الغيّ كأمره بالسجود على ما في الكشاف، وقد ذكره المصنف رحمه الله في الأعراف، وفسر به الآية ثمة فلذا قيل إنه ذكره على أنه أحد محتملات النظم من غير التزام له، وانكار لجواز نسبة مسببه إليه، والإضلال عن طريق الجنة ترك هدايته اللطف به فليس فيه نسبة القبيح إلى الله حتى يلزمهم الوقوع فيما فرّوا منه. قوله:(واعتذروا عن إمهال الله له الخ) أي المعتزلة اعتذروا عن أنظار إبليس وهو لإفضائه إلى الإغواء قبيح إذ الإعانة على القبيح مثله لا مطلق العلماء فإنّ أهل السنة ذكروه على أنه حكمة لا لأنهم لم يذكروه على وجه الاعتذار إذ لا حاجة إليه عندهم، وقوله بأنّ الله متعلق باعتذاو. قوله:(وضعف ذلك لا يخفى على فوي الألباب (لأنه مع أن مثله ينبغي أن يفوّض إلى الله فإنه لا يسئل عما يفعل لا يناسب أصولهم أيضاً في وجوب رعاية الأصلح فإنه يقتضي أن لا يمكن مما هو سبب الغيّ، وأن لا يسلطه على بني آدم فيزيد غيهم المقتضى لشدّة تعذيبهم، وما التجؤوا إليه من قولهم أن في إمهاله تعريضاً الخ يعني أنّ إمهاله ليس لما ذكر بل لتعريض بني آدم للثواب، ولا يرد عليه إنه معارض! بالمثل فإنّ فيه تعريضاً لمتبعيه بخلافه. قوله: (ولأحملنهم أجمعين على الغواية الخ) أوّله ردّا على المعتزلة في تمسكهم به لأنّ الإغواء القبيح فعل الشيطان لا فعل الله، ولذا نسب له، وحاصله أنه لا متمسك لهم فيه لأنّ المراد الحمل عليه لا إيجاده لقوله سابقا بما أغويتني حيث أسند الإغواء إليه فإنّ أوّلوا الأوّل فليس تأويل أولى من تأويل. قوله:(أخلصتهم لطاعتك (تفسير له على فتح اللام وأنه اسم مفعول، وعلى الكسر معناه ما ذكره، وقال! في سورة يوسف أخلصوا دينهم لقوله: {مخلصين له الدين مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [سورة الأعراف، الآية: 29] وقوله وطهرتهم من الشوائب أي من كل ما ينافي الإخلاص وقوله فلا يعمل فيهم كيدي إشارة إلى أنه من ذكر السبب وارادة مسبيه، ولازمه على طريق الكناية لينتظم اللحاق بالسباق فإنه كان الظاهر أنّ منهم من لا أغويه لكن الإخلاص، والتمحض دئه يستلزمه فذكر ليثبت ما ذكر بدليل فهو ابلغ من التصريح به قوله: (حق على ان اراعيه) كذا فسره في الكشاف بناء على مذهبه في الأصلح على الله وكلمة على
تستعمل للوجوب، وما ذكره المصنف رحمه الله ليس متابعة له بل هو على اصل اهل السنة، والجماعة كقوله:( {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} )[سورة الروم، الآية: 47] من أنه، وان كان تفضلَا منه إلا أنه شبه بالحق الواجب لتأكد ثبوته، وتحقق وقوعه بمقتضى وعده، وعلى الوجه الآتي هو كقولهم طريقك عليّ، وايثار حرف الاستعلاء دون إلى التشبيه الثبوت بتمكن الاستعلاء، والا فهو منزه عن استعلاء شيء عليه تعالى الله
عن ذلك علواً كبيرا.
قوله: (لا انحراف عنه) أي لا يجوز العدول عنه إلى غيره، وجعل الإشارة إلى ما تضمنه، وهو تخلصهم منه، وأنه مما التزمه تكرّما بوعده، وهذا على قراءة فتح اللام أنسب، وقوله أو الإخلاص بالجرّ معطوف على ما تضمنه، وهو على قراءة الكسر، وقوله أنه طريق عليّ الخ هذا تفسير آخر على جعل الإشارة إلى الإخلاص لقوله عليّ، وهو تمثيل كما مرّ، وليست على فيه بمعنى إلى، وهو متعلق بيمر مقدّراً وطريق متضمن له فيتعلق به، وقوله من غير اعوجاج تفسير لمستقيم، وضلال عطف تفسير على اعوجاج. قوله:(تصديق لإبليس الخ) فهو كالتقرير لقوله إلا عبادك منهم المخلصين، ولذا لم يعطف على ما قبله، وقوله وتغيير الوضع أي التعبير بعبارة أخرى بجعل المستثنى مستثنى منه، وتقديم عبادة المشزفين بالإضافة في الذكر، ولا تراد الإضافة لسبقها، وان كان بين الإضافتين فرق، والتعظيم من جعلهم متبوعين محكوما عليهم وعبادي للجنس فإذا أخرج منهم الغاوون بقي المخلصون، وكان يحتمل أن تكون الإضافة للعهد لكن يكون الاستثناء منقطعاً، وظاهر كلامه الآتي أنه على هذا الوجه يكون متصلاً، وحمل قوله يكون الاستثناء منقطعا على أنه متعين الانقطاع خلاف الظاهر، وقال في المغني: المراد بالعباد المخلصون، والاستثناء منقطع بدليل سقوطه في سورة الإسراء. توله:(ولأن المقصود) أي من الكلام فلذا صدر بقوله إن عبادي ليس لك عليهم سلطان مؤكدا بأن بخلاف الأوّل فإنّ المقصود فيه فعل الشيطان، وقوله مخالب الشيطان أي كيده، ومكره فهو استعارة. قوله:) أو تكذيب له فيما أوهم أنّ له سلطانا) أي تسلطاً، وقهراً فإنّ غاية قدرته أن يغرّهم ولا يقدر على جبرهم لاتباعه كما في الآية المذكورة، وإنما جعله إيهاما لأنّ استثناء المخلصين لإخلاصهم يقتضي أنّ من لا إخلاص له تحت تصرف غوايته،
وتفسير أغوينهم السابق لا ينافي هذا الإيهام لأنه بحسب ظاهر الكلام فهو يؤيد كونه إيهاما غير محقق، والسلطان المنفي هنا غير المثبت له فلا تنافي أيضا، وقوله فانّ منتهى تزيينه، وفي نسخة منة، وهو بضم الميم بمعنى قوّته، وقدرته. قوله: (وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً (بخلافه على الوجه الأوّل فإنه متصل كما سمعته، وتعين انقطاعه لعدم دخولهم في الحكم إذ المعنى أنّ من اتبعك ليس لك عليهم سلطان بل هم أطاعوك في الإغواء لا غير، ولا يضرّ دخولهم في العباد لأنّ المعتبر في الاتصال، والانقطاع الحكم. قوله: (وعلى الآوّل يدفع قول من شرط أن يكون المستثنى أقل من الباقي الخ الأنه جعل الغاوين مستثنى هنا فيكونون أقل، وقد كانوا مستثنى منهم في قوله إلا عبادك فيكونون أكثر، ويتناقض الكلام فيهما أي يستلزم أمرين متنافيين، وهو ظاهر وخصه بالأوّل لأنّ من قال به إنما قاله في الاستثناء المتصل لا المنقطع لأنه لا إخراج فيه، وصاحب هذا المذهب أبو بكر الباقلاني من الأصوليين، وقيل إن كان المستثنى منه عدداً صريحاً يمتنع فيه استثناء الأكبر، والنصف مثله في الخلاف، وان كان غير صريح لا يمتنعان، واستدلوا عليه في غير العدد بهذه الآية، وتفصيله في الأصول وقد قيل عليه أنّ التصديق في صريح الاستثناء لا ينافي التكذيب في جعل الإخلاص علة للخلاص على ما يشير إليه كلامه فانّ الصبيان، والمجانين خلصوا من إغوائه مع فقد هذه العلة، والظاهر أنّ من مات قبل أن يكلف من العباد أكثر من المكلفين خصوصاً إذا انضم إليهم المخلصون فظهر لتغيير الوضع فائدة أخرى على أنّ الكثرة الادّعائية تكفي في صحة شرطهم، والمخلصون كثيرون، وان قلوا والغاون بالعكس كما في آخر قسم الاستدلال من المفتاح، ولذا لا تقول لفلان عليّ ألف إلا تسعمائة، وتسعين إلا وأنت تنزل ذلك الواحد منزلة الألف بجهة من الجهات الخطابية أن مع أنّ السكاكي يشترط كون المستثنى أقل من الباقي، وما ذكره من حديث الادّعاء يرفع الخلاف، وليس بمسلم عند المعترض فإنّ ظاهر كلام الأصوليين ينافيه. قوله:
(أو حال والعامل فيها الموعد إن جعلته مصدرا) اشترط النحويون في مجيء الحال من المضاف إليه كون المضاف جزأه أو كجزئه أو أن يكون مما يعمل عمل الفعل ليتحد عامل الحال، وصاحبها حقيقة أو حكماً فإن كان الموعد على الحالية مصدرا ميمياً فقد وجد الشرط لكنه يقدّر قبله مضاف لأنّ جهنم ليست عين الموعد بل محله فيقدر محل وعدهم أو مكانه فإذا كان اسم مكان لم يحتج إلى تقدير لكنه لا يوجد شرط
الحال، ولا يمكن عمل المضاف لأنّ اسم المكان لا يعمل عمل فعله كما حقق في النحو فلذا جعل العامل معنى الإضافة، وهو
الاختصاص على القول بأنه هو الجارّ للمضاف، وهذا غير صحيح عند المحققين من أهل العربية لأنّ الإضافة من المعاني لا تنصب الحال، وفد سبق فيه تفصيل، والمصنف رحمه الله تبع في هذا أبا البقاء، ولو تركه كان أحسن، وفي جعل جهنم موعدا لهم تهكم، واستعارة فكأنهم كانوا على ميعاد. قوله:(يدخلون فيها لكثرتهم) ظاهره أنه على تعدد الأبواب دون الطبقات، ولا محذور فيه إذ لا ينافي تعدد الطبقات إذ المراد بيان كثرة الداخلين فيها فلا وجه لخلط التفسير الثاني بالأوّل، ولا حاجة إليه، والحكمة في تعدّدها سرعة تعذيبهم، وعدم تأخير عذاب بعض منهم كما أن تعدّد أبواب الجنة لسرعة تنعمهم، وعدم انتظارهم. قوله:(أو طبقات) وهو المشهور المأثور، ويدل عليه أفراد كل فرقة بباب فإنه يدل على تمايز مقرّهم، وقوله وهي جهنم الخ في ترتيبها وتعيين أهلها اختلاف في الروايات، وفي الدر المنثور أنه خرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعلى هذا ينبني التغليب الآتي في سورة تبارك لكن قال الإمام السهيلي في كتاب الأعلام وقع في كتب الرقائق أسماء هذه الأبواب، ولم ترد في أثر صحيح، وظاهر القرآن، والحديث يدل على أنها أوصاف النار نحو السعير والجحيم، والحطمة والهاوية، ومنها ما هو علم للنار كلها نحو جهنم، وسقر ولظى فلذا أضربنا عن ذكرها. قوله:(ولعل تخصيص العدد الخ) أي حكمة ذلك انحصار مجامع المهلكات الموجبات لدخولها في الركون، والميل إلى زخارف الدنيا، ولذاتها المدركة بالحواس الخمس، واتباع القوّة الشهوانية والغضبية فصارت سبعة أو أصول الفرق الداخلين فيها سبعة، وهي المذكورة في هذه الآية، وقوله أفرز لها أي فصل، وميز يقال أفرزت الشيء عن الشيء إذا ميزته، وأمّ قول أبي نواس في وصف ما في الرياض:
وكأنها البرك الملاء يحفها أنواع ذاك الروض بالزهر
بسط من الديباج بيض فروزت أطرافها بفرا وزخضر
فقيل إنه معرّب برواز، وقيل إنه فعلال من فرزت الشيء إذا عزلته فيكون عربياً، وقوله
والثاني في ترتيب ما بعد الفرقة الأولى اختلاف في الرواية، وجعل المنافقين في الدرك الأسفل لأنّ حالهم أشد من الكفار كما مر في البقرة وقوله جزء بالتثقيل أي بزاي مضمومة بعدها همزة، والتخفيف تسكينها، وقوله ثم الوقف عليه بالتشديد لأنه لعة كما بين في النحو. قوله:(ومنهم حال منه) أي من جزء، وجاء من النكرة لتقدمه، ووصفها والظرف المراد به الجارّ، والمجرور الواقع خبرا، ولم يجعله صفة باب لأنه يقتضي أن يقال منها، وتنزيلها منزلة العقلاء لا وجه له هنا، ولذا فسر المصنف رحمه الله الضمير بالاتباع أي أتباع الشيطان الذين أغواهم، وقوله لأنّ الصفة أي مقسوم لأنه صفة جزء، ولو كان حالاً من ضميره عمل في الحال لأنّ العامل في الحال هو العامل في صاحبها. قوله:(من أتباعه في الكفر والفواحش فإنّ غيرها مكفرة) الجارّ، والمجرور متعلق بالمتقين والاتباع مصدر من الافتعال، وفي الكفر متعلق به، وأنث خبر غير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه فالمراد بالفواحش الكبائر، وغيرها الصغائر لأنها تكفر باجتناب الكبائر، وتبع في هذا التفسير الزمخشريّ، ولم يحمله على المتقين عن الكفر فقط، ولم يلتفت إلى اعتراض الإمام عليه، وغيره بأنه على مذهب المعتزلة في تخليد أصحاب الكبائر، وتفسيرها بما ذكر مخالف لتفسير الجمهور المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم، والمتقي من اتصف بتقوى واحدة، ولا يلزم اتصافه بجميع أنواعها كالضارب لا يفهم منه فعل جميع أنواع الضرب لأنّ السياق يدل على أن المتقين هم المخلصون السابق ذكرهم في قوله:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [سورة الحجر، الآية: 42] وهو معنى التقوى شرعا، وأمّ إخراج العصاة من النار فثابت بنصوص أخر، وكذا إدخال التائبين الجنة بل غيرهم كما هو مذهبنا فإن قلت كيف قلت إنّ غيرها من الصغائر يكفر حتى لا يكون صاحبها من الأجزاء المقسومة للنار إذا اجتنبت الكبائر، وقد قال أهل الكلام أنه يجوز العقاب على الصغائر، وأن اجتنبت الكبائر، وما وجه التوفيق قلت هو وارد في الحديث الصحيح، وهو غني عن التوفيق لأنّ كلام أهل الكلام في تجويزه لتجويز عقاب المطيع، وما في الحديث يدل على أنه لا يقع التفضل من الله إلا بعفوه، ولا حاجة إلى
حمله على صغيرة لم تقع بين الصلوات الخمس كما إذا صدرت عقب البلوغ فإنه تكلف مستغنى عنه مع أنّ الصغيرة قد يعرض لها ما يصيرها
كبيرة. قوله: (لكل واحد جنة وعين أو لكل عدّة منهما) الأوّل بناء على قاعدة تقابل الجمع بالجمع فالاستغراق مجموقي، وعلى الثاني الاستغراق افراديّ فيكون لكل واحد جنات، وعيون،. وقوله:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [سورة الرحمن، الآية: 46، وما بعده وان ذكر فيه الجنة فقط لكن بفهم منها العيون لأنها لا تكون بدون الماء في الغالب إلا أنه قيل إنه يدل على أنه له اثنان منهما لا جنات، وعيون إلا أن يبني على إطلاق الجمع على اثنين، وكذا قوله: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ} [صورة محمد، الآية: 5 أ] الآية فإنه دال على تعدد الأنهار دون تعدد العيون لكل أحد فتأمّل، وضم العيون هو الأصل، وكسرها لمناسبة الياء. قوله:{ادْخُلُوهَا} ذكر بعد الحكم بأنّ لهم جنات، وعيوناً قيل لأنهم لما سكنوا جنات كثيرة كانوا كلما خرجوا من جنة إلى أخرى قيل لهم ادخلوها سالمين من الآفات، وهذا إنما يجري على تفسيره الثاني وقيل لأنه لما اعتنى بحال المؤمنين أخبر أنهم في جنات وعيون، وجعلوا كأنهم مستقرّون فيها في الدنيا فلذا جاء ادخلوها بالأمر لأنّ من استقرّ في الشيء لا يقال له ادخل فيه فيكون قوله في جنات المراد به أنهم الآن فيها، وهذا على تفسيره الأوّل بأن يكون لكل جنة، وفيه تأمّلى. قوله:(على إرادة القول اليرتبط بما قبله، ولا يكون أجنبياً، وهو إمّا حال بتقدير، وقد قيل لهم ادخلوها فلا يرد أنه بعد الحكم بأنهم في الجنة كيف يقال ادخلوها كما مز أو يقدر مقولاً لهم ذلك، والمقارنة عرفية لاتصالهما أو يقدر يقال لهم فيكون مستأنفا، وقرئ بقطع الهمزة، وضمها وكسر الخاء فلا يكسر التنوين لعدم التقاء الساكنين كما في القراءة الأخرى، وعلى هذه القراءة لا حاجة إلى تقدير القول وكونه على القراءة بمجهول الأفعال لا يكسر باعتبار المشهور الجاري على أصل القياس، وقرأ الحسن رحمه الله، ويعقوب أيضا ماضياً مبنيا للمفعول إلا أنّ يعقوب ضمّ التنوين بإلقاء حركة همزة القطع عليه كما ألقى حركة المفتوحة في قراءته الأخرى، والحسن كسره على أصل التقاء الساكنين إجراء لهمزة القطع مجرى همزة الوصف في الإسقاط. قوله: (سالمين أو مسلماً عليكم الخ (ولا يتكرر على التفسير الأوّل مع قوله آمنين على ما فسره به لأنّ معناه سالمين من الآفة، والزوال في الحال، وآمنين من طروّها في الاستقبال فلا حاجة إلى تخصيص السلامة بما يكون جسمانيا، والأمن بغيره، وتفسيره بمسلما عليكم كقوله: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [سورة الزمر، الآية: 73] . قوله: (والزوال) إن كان المراد زوال ما هم عليه من النعيم، والسرور والصحة لا يتكرّر مع قوله:{وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} وإن أريد ظاهره من زوالهم عن الجنة، وانتقالهم منها قيل يلزم عليه التكرار ودفع بأنّ إلا من من الشيء لا يستلزم عدم وقوعه كأمن من الكفرة من مكر الله مثلا،
ويجوز أن يكون المراد زوال أنفسهم بالموت لا الزوال عن الجنة، والثاني في غاية البعد فإنه لا يقال للميت إنه فيها، وان دفن بها كالأوّل فإنّ الله إذا بثرهم بالأمن منه كيف يتوهم عدم وقوعه فالجواب ما ذكرناه أوّلاً مع الاعتراف بالتكرار للاعتناء به، والتأكيد أحسن من هذا. قوله:(من حقد كان في الدنيا) قال الراغب أنه من الغلالة، وهو ما يلبس تحت الثوب فيقال لمن تدرّع ثوب العداوة، والضغن، والحقد، وكون النزع في الدنيا لما روي أنه كان بين أحياء العرب ضغائن، وعداوة في الجاهلية فلما جاء الإسلام ألف الله بين قلوبهم وصفى بواطنهم، وسرائرهم من ذلك، وأما كونه في الجنة فلما روي عنه صلى الله عليه وسلم:" إن أهل الجنة يدخلون الجنة بما في صدورهم من الشحناء فإذا تقابلوا نزع الله ما في صدورهم "(1) فذلك قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم} . قوله: (أو من التحاسد) قيل الغل الحقد الكائن في القلب من انغل في جوفه، وتغلغل فلا وجه لتفسيره بما ذكر ورد بأنّ المعنى نزعنا ما يفضي إلى الحقد، وهو التحاسد، وليس كما ذكر لأنّ الغل ما يضمر في القلب مطلقا كما يشهد به الاستعمال، واللغة. قوله:(حال من الضمير في جنات الخ) أي من الضمير المستتر في قوله في جنات ففي كلامه تساهل، وهي حال مترادفة إن جعل ادخلوها حالاً منها أيضا، وإذا كان حالاً من فاعل ادخلوها فهي مقدرة إن كان النزع في الجنة، وكذا إذا كان حالاً من ضمير آمنين، وقوله أو
الضمير المضاف إليه في صدورهم، وجاز لأنه بعضه كما مرّ، وهي مقدّرة أيضا، وقوله وكذا قوله:{عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [سورة الصافات، الآية: 44] أي كل منهما حال على هذه الوجو. الثلاث، وقوله أو حالين أي مترادفين أو متداخلين، وقوله من ضميره أي الضمير المستتر فيه لأنه في معنى مشتق، وقوله من المستقرّ في على سرر سواء كان حالاً أو صفة، والتصافي خلوص المحبة تشبيها لها بالماء الصافي كما قيل:
والخل كالماء يبدي لي ضمائره مع الصفاء ويخفيها مع الكدر
قوله: (استئناف) أي نحوي أو بياني، وقوله أو حال بعد حال أي من الضمير في قوله
في جنات أو من ضمير إخوانا، وقوله بعد حال أي على أحد الوجهين، وكونه حالاً من
الضمير في متقابلين على الوجوه السابقة او من الضمير في قوله على سرر. قوله تعالى: ( {نَبِّىءْ عِبَادِي} الخ) هو إجمال لما سبق من الوعد، والوعيد، وتأكيد لهما، وأنا إمّا مبتدأ أو تأكيد أو فصل، وهو إمّا مبتدأ أو فصل، وقوله دليل الخ. إذ لو أريد ذلك لم يكن لذكر المغفرة موقع، وقد قيل إنه لو حمل المتقين على مجتنبي جميع الذنوب، ويكون ذكره للمغفرة لدفع توهم أنّ غيرهم لا يكون في الجنة بأنه يدخلها إذا تاب، وان لم يتب لأنه الغفور الرحيم فله وجه. قوله:(وفي توصيف ذاته بالغفران والحرمة دون التعذيب الخ) إذ لم يقل في مقابله، وأني أنا المعذب المؤلم، والإضافة لا تقتضي حصول المضاف إليه بالفعل كما إذا قيل ضربي شديد أي إذا وقع، والإضافة لأدنى ملابسة. قوله:(وفي عطف ونبئهم الخ) أي لما تضمن ما قبله ذكر الوعد والوعيد عطفت هذه القصة عليه لتحقيقه فإنها تتضمن ذلك لما فيها من البشرى، واهلاك قوم لوط عليه الصلاة والسلام، ولما فيها من الاعتبار، وزيادة قصة خاصة عطفت على ما قبلها، وقيل إنها تفصيل لقوله:{أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} [سورة الحجر، الآية: 50] فضمير لهما للوعد والوعيد، وما يعتبرون به قصة إبراهيم وقوم لوط عليهما الصلاة والسلام، وهذا أحسن من قصره على الوعيد الواقع في الكشاف، وفي تقديم الغفور، وبشرى إبراهيم عليه الصلاة والسلام إشارة لسبق رحمته غضبه. قوله:(نسلم عليك الخ أجعله منصوباً بفعل مقدر مضارع أو ماض، وجوّز فيه النصب بقالوا أي ذكروا سلاماً، ولم يذكر ردّ السلام ولا بقية القصة اختصاراً لسبقها، ولأنّ المقصود هنا الترغيب، والترهيب فاقتصر على مقدار الحاجة منه وظاهر. أنه ذكر لهم أنه خائف لهم، وقد مرّ في سورة هود أنهم شاهدوا منه أثر الخوف فيكون قوله هنا: {إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} [سورة الحجر، الآية: 152 قولاً بالقوّة لا بالفعل لظهور علاماته أو صرّح به بعد إيجاس الخيفة. قوله: (لآنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت الخ) أي في وقت لا يطرق في مثله أو امتنعوا عن الأكل، وكان الطارق إذا لم يأكل من زادهم ناويا لهم شرا، والموافق لما في هود هذا، ولهذا قيل لو كان الوجه هو الأوّل قاله عند دخولهم،
وليس كذلك إنما قاله عند امتناعهم من اكل فالوجه هو هذا، وسيأتي في الذاريات أنه وقع في نفسه عليه الصلاة والسلام أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب، وقد جعل البشارة هنا لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي أخرى لامرأته، ولكل وجهة فتدبر، وقراءة لا تأجل بالألف بقلب الواو ألفا، وقوله ولا توجل ولا تواجل بالمجهول، والثاني من المفاعلة، وقراءة حمزة بفتح النون من الثلاثيئ بمعنى المزيد، وقوله إذا بلغ قيده به لأن تمام العلم الذي تفيده صيغة المبالغة به، وقد فسر عليم بنبيّ فالتقييد عليه ظاهر. قوله:(تعجب من أن يولد له مع مس الكبر) إشارة إلى أنّ الاستفهام للتعجب، وعلى بمعنى مع وقوله أو إنكار فالاستفهام للإنكار بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون، وإنما أوّله لأنّ البشارة واقعة فلا يتأتى فهي الاستفهام الحقيقي. قوله:) فبأي أعجوبة تبشروني أو فبأي شيء تبشروني) الأوّل على أنّ الاستفهام للتعجب، وعلى بمعنى مع، والثاني على أنه للإنكار ففيه لف ونشر، وقوله في كل القرآن قيل إنه سهو فإنه لم يقع تبشرون في غير هذه الآية، واعتذر بأنه قراءة في أمثاله لا في عين هذه الكلمة، وليس بشيء، وقوله على حذف نون الجمع استثقالاً الخ كأنه اختاره لأنّ فيه إعلالاً واحداً، وهو الحذف، ولو حذفت نون الوقاية احتيج إلى كسر نون الجمع فيكون فيه إعلالان فلا يرد عليه أنّ المذكور في النحو وهو القياس
أن المحذوف نون الوقاية مع أن المذكور هو مذهب سيبويه رحمه الله تعالى، وكونه خلاف القياس لأن نون الرفع حذفت مع الجازم معارض بما مز، وأما احتمال هذه القراءة لعدم الحذف بأن يكون اكتفى بكسر نون الجمع من أوّل الأمر فخلاف المنقول في كتب النحو، والتصريف وان ذهب إليه بعضهم، وأجاب به عما أورد على قراءة نافع بحذف الياء من أنّ حذف الحرفين لا يجوز. قوله:) ودلالة بإبقاء نون الوقاية على الياء) اعترض أبو حاتم على هذه القراءة بانّ مثله لا يكون إلا في الشعر وتجرأ على غلطه فيها وقال وكسر نون الرفع قبيح، وهذا مما لا يلتفت إليه لأنّ حذف الياء في مثله اجتزاء بالكسرة كثير فصيح، وقد قرئ به في مواضع عديدة. قوله:(بما يكون لا محالة أو باليقين الذي لا لبس فيه الخ) على الوجهين الأخيرين اقتصر الزمخشري، والفرق بينهما أن الباء إمّا للتعدية كما في بشرته بقدوم زيد أو للآلة كضربه بالسوط فهي على الأوّلين للتعدية إلا أن الأوّل مبنيّ على أن الاستفهام للتعجب
أي المبشر به أمر لا بدّ من وقوعه فكيف يتعجب منه، والثاني على أنه للإنكار أي أنّ المبشر به أمر محقق متيقن فكيف ينكر والثالث على أنّ الباء للألة أي بطريق، وأمر من له الأمر القادر على خلق الولد من غير أبوين فكيف بإيجاده من شيخ، وعجوز فانيين، وقيل إنّ الثاني ناظر إلى إطلاق الحق على الحكم المطابق بفتح الباء للواقع فيكون المبشر به هو ذلك الحكم وعلى الأوّل الغلام نفسه، وعلى الثالث بم تبشرون سؤال عن الوجه والطريقة يعني بأي طريقة تبشرونني به، ولا طريق في العادة فالباء للملابسة لا صلة أي تبشرونني ملتبسين بأيّ طريقة. قوله:(باعتباو العادة دون القدرة الخ) أي تعجبه مته لكونه مخالفا للعادة لا لقدرة الله تعالى إذ مقام النبوّة أجل من توهم مثله فمعنى قولهم لا تكن من القانطين الآيسين من خرق العادة لك فإنّ ظهور الخوارق على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كثير حتى يعد بالنسبة إليهم غير مخالف للعادة فلذا أجابهم باعترافه بذلك، والتصريح برحمة الله تعالى في أحسن مواقعه، وأنّ سؤاله عنه للاستكشاف، وتعجبه جريا على عادة الناس لا بالقياس إليه، وقوله المخطئون طريق المعرفة الخ. يعني الكفار لا الأعم كما في الكشاف. قوله:(وقرأ أبو عمرو والكسائتي يقنط بالكسر الخ) والباقون بالفتح، وهو مختارة في النظم، والضئم شاذ وهي قراءة الأشهب كما قاله ابن جنيّ رحمه الله تعالى ففيه ثلاث قراآت، وماضيه محرك بحركات ثلاث أيضاً وورد من باب نصر، وضرب وفرح إلا أنه لم يقرأ إلا بواحدة منها، وهي الفتح في قوله تعالى:{مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [سورة الشورى، الآية: 28] فقوله وماضيهما بالفتح أي في القراءة المأثورة إذ هو في اللغة مثلث كما سمعتة. قوله: (كما قال تعالى: {لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} ) تقدّم الكلام على هذه الآية، وهي مسألة مفصلة في الأصلين حاصلها أنّ اليأس من رحمة الله تعالى استعظاما للذنب، والأمن من مكره بالاسترسال في المعاصي اتكالاً على عفو الله اختلفوا فيهما فقال الحنفية أنهما كفر بناء على ظاهر الآية، وقال الشافعية أنهما من الكبائر لحديث ابن مسعود رضي الله تعالى ضنه الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال:" من الكبائر الإشراك بالله واليأس من روج الله والأمن من مكر الله " والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقال ابن أبي شريف رحمه الله تعالى عطفه على الإشراك
بمعنى مطلق الكفر يقتضي المغايرة فإن أريد باليأس إنكار سعة الرحمة الذنوب، وبالأمن اعتقاد أنه لا مكر فكل منهما كفر اتفاقا لأنه ردّ للقرآن وان أريد استعظام الذنوب، واستبعاد العفو عنها استبعاداً يدخل في حد اليأس، وغلبة الرجاء المدخل له في حد الأمن فهو كبيرة اتفاقا اهـ. قوله:(فما شأنكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة) إشارة إلى أنّ الخطب، والشأن والأمر بمعنى لكن الخطب يختص بما له عظم، وقوله والبشارة لا تحتاج إلى العدد قيل، ولا التعذيب ألا ترى أنّ جبريل عليه الصلاة والسلام قلب مدائنهم بأحد جناحيه، وأورد على قوله، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم أنّ قوله تعالى:{فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [سورة آل عمران، الآية: 39] يدل على أنّ المبشرين جميع الملائكة، وأمّا مريم إنما جاءها لنفخ الروح والهبة كما يدل عليه قوله تعالى:{لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا} ، وقوله تعالى:{فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} [سورة التحريم، الآية: 12] وأمّا التبشير فلازم
لتلك الهبة، وفي ضمنها وليست مقصودة بالذات فلا دلالة فيهما على أنّ الأصل في البشارة أن تكون بواحد ويدفع بأنّ المعنى أنّ العادة الجارية بين الناس ذلك فيرسل الواحد للبشارة، والجمع لغيرها من حرب وأخذ ونحوه والله تعالى يجري الأمور للناس على ما اعتادوه فلا ترد قصة جبريل عليه الصلاة والسلام في ذلك وان قيل المراد من الملائكة في تلك الآية جبرائيل كما ذكره المفسرون كقولهم يركب الخيل، ويلبس الثياب أي الجنس من ذلك الصادق بالواحد كما مرّ تحقيقه في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، وعلى ما ذكرناه لا حاجة إلى ما ذكره فإنه يعلم منه عدم وروده، وأما كون بشارة الواحد توجد في ضمن بشارة الجمع فلا تنافي فمما لا يليق التفوّه به.
قوله: (ولو كانت تمام القصة لابتدؤوا بها) قيل يخدشه قصة مريم قالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} [سورة مريم، الآية: 18] قال إنما رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا فيجوز أن يكون قوله تعالى لا توجل تمهيدا للبشارة، ولا يخفى عدم وروده فإنها لنزاهة شأنها أوّل ما أبصرته تمثلاً عاجلته بالاستعاذة فلم تدعه يبتدىء بالبشارة بخلاف ما نحن فيه، وهذا ظاهر لمن تدبره. قوله:(إن كان استثناء من قوم كان منقطعاً إذ القوم مقيد الخ) كذا في الكشاف أيضاً لأنه مستثنى من موصوف مقيد بتلك الصفة فلو أدخلوا فيه لكانوا متصفين بالإجرام، وليس كذلك فتعين انقطاعه، وأمّا احتمال تغليبهم على غير المجرمين فليس مقتضى المقام ولو سلم، فالكلام بناء على كونه حقيقة، ولا ينافي صحة الاتصال على تقدير آخر، والعجب من بعض أرباب الحواشي أنه نقل عن بعض فضلاء عصره هنا اشكالاً اذعى أنه رفع
إلى ابن الهمام، ولم يجب عنه فنقله على أنه وارد غير مندفع مع اشكالات أخر يتعجب منها، وهو أنّ الضمير في الصفة هو عين الموصوف المقيد بالصفة فينبغي أن يكون الاستثناء منقطعا في الصورتين، وأطال فيه من غير طائل، وأظن ابن الهمام إنما سكت عن جوابه لوضوج اندفاعه، وإنه لا ينبغي أن يصدر عمن تحلى بجلية الفضل، ولكن ذلك من آفة الفهم:
وما آفة الاخبار إلا رواتها
ثم إنه قيل جعله على استثنائه من قوم مجرمين منقطعا أولى وأمكن، وذلك أنّ في استثنائهم من الضمير العائد على قوم منكرين بعداً من حيث إنّ موقع الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل المستثنى في حكم الأوّل، وهنا الدخول متعذر مع التكير، ولذلك فلما تجد النكرة يستثنى منها إلا في سياق نفي لأنها حينئذ تعمّ فيتحقق الدخول لولا الاستثناء، ومن ثمة لم يحسن رأيت قوما إلا زيدا، وحسن ما رأيت أحد إلا زيداً، ورد بأنه ليس نظير رأيت قوما إلا زيدا بل من قبل رأيت قوماً أساؤوا إلا زيداً فالوصف يعينهم فيجعلهم كالمحصورين على أنّ المراد بالقوم أهل القرية كما صرّح به في آية أخرى فهم معنى محصورون، ونقل المدقق عن السكاكيّ أنّ الاستثناء من جمع غير محصور جائز على المجاز. قوله:) وإن كان استثناء من الضمير في مجرمين كان متصلَا (لأنه يعود على القوم بدون وصفهم بالاجرام، ولو عاد عليه مع وصفه لم يتأت إسناده إليه، وقد مرّ تحقيقه نقضا وابراما فإن قلت فلا يكون إلا امرأته مستثنى من آل لوط إذا استثنى من الضمير، وجعل قوله إنا لمنجوهم اعتراضاً قلت جعل الدلالة على ذلك كفعله فتأمّل. قوله: (والقوم والارسال شاملين للمجرمين الخ) أي على الاتصال يكون القوم شاملا للمجرمين وغيرهم بقطع النظر عن الصفة، وكذا الارسال بمعناه المطلق شامل لهما بخلاف على الأوّل فإنّ الارسال يختص بالقوم المجرمين لإخراج آل لوط منهم بالاستثناء فالمراد بالارسال أحد أنواعه، وهو ما كان لتعذيب، واهلاك لا انّ الارسال بمعنى الإهلاك كما توهمه بعض شرّاح الكشاف، وقوله لنهلك الخ إشارة إلى عموم الارسال وشموله لهما كما مرّ، وقوله مما يعذب به القوم قيل لم يقل من العذاب لأن الانجاء منه لا يحتاج إلى فعل فاعل لأنه على الأصل بخلاف انجائهم مما عذب به هؤلا من الخسف فإنه يفعل الله، واخراجه، وفيه نظر. قوله:) وهو استئناف إذا اتصل الاستثناء (لثمام الكلام عنده والاستئناف بياني كأنه قيل ما بالهم، وقوله جار مجرى خبر لكن الخ أي إذا كان استثناء منقطعا وجب نصبه إذ لا يمكن توجيه العامل إليه لأنهم لم يرسلوا إليهم كما مرّ إنما أرسلوا إلى المجرمين خاصة
فيكون قوله: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} جاريا مجرى لكن في اتصاله معنى بآل لوط الواقع اسما للسكن فيكون في موضع رفع
التقدير إلا بلكن كذا قرّره أبو حيان والزمخشري، وفي كون إلا الاستثنائية تعمل عمل لكن خفاء من جهة العربية، وقد قرّره المعرب، وقال إنه إذا لم يذكر له خبر يقدر والظاهر أنّ المراد أنه في معنى ذلك، وقولهم يجري مجرى الخبر إشارة إلى أنه ليس خبراً في الحقيقة لأن ما بعد إلا منصوب في الحقيقة على الاستثناء، ومن لم يتنبه لهذا قال إنما قاله لأن الخبر محذوف تقديره ما أرسلنا إليهم، وهذا دليله لتلازمهما ولذا لم يجعله نفس الخبر بل جار مجراه. قوله:(وعلى هذا جاز أن يكون قوله إلا امرأته استثناء من أن لوط) فيفيد أنها غير ناجية، وفيه ردّ على الزمخشري إذا لم يجوّز إلا الوجه الثاني، وسنحققه لك. قوله:) أو من ضميرهم) بكسر الهاء أي ضمير الآل أو بضمها أي من ضمير هو لفظ هم في قوله: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} والمقصود فيهما واحد، وكذا قوله من ضميرهم المذكور بعده. قوله:(وعلى الأوّل لا يكون إلا من ضميرهم (أي على الاتصال لأنه ذكر أوّلاً هنا وان كان ثانيا فيما تقدم فيتعين على هذا كونه مستثنى من ضمير لمنجوهم فتكون امرأته مجرمة، ولا ينافيه ظاهر قول آل لوط لعمومه لأن المراد بآل لوط عليه الصلاة والسلام المؤمنون به كما مرّ في كلامه مع أنّ تقديرها في الغابرين، واخراجها من الناجين دال على تخصيصه بغيرها، وما ذكره مبنيئ على أن تخلل جملة بين المستثنى، والمستثنى منه منقطعة عنهما كالمستأنفة مانع من جواز الاستثناء، وقد صرّح به الرضي، وشراج الكشاف. قوله: (لاختلاف الحكمين الخ (أي لا! آل لوط متعلق بأرسلنا والا امرأته متعلق بمنجوهم فأنى يكون استثناء من اسنثناء كما في الكشاف، وهو مراد المصنف رحمه الله، وفي التقريب قد يتوهم أنّ الارسال إذا كان بمعنى الاهلاك فلا اختلاف إذ التقدير إلا آل لوط لم نهلكهم فهو بمعنى منجوهم، وجوابه أنّ الاستثناء من الاستثناء شرطه أيضاً أن لا يتخلل لفظ بين الاستثناءين متعدد يصلح مستثنى مته، وههنا تخلل إنا لمنجوهم فلو قال إلا آل لوط إلا امرأته لجاز ذلك، وارتضاه الشارح الطيبي رحمه الله وهذا لا يدفع الشبهة لأنّ السبب حينئذ في امتناعه وجود الفاصل لا اختلاف الحكمين فلا وجه للتعبير به عنه، وما قيل في تأويله إنّ هنا حكمين الإجرام، والإنجاء فيجرّ الثاني الاستثناء إلى نفسه كيلا يلزم الفصل إلا إذا جعل اعتراضا فإنّ فيه سعة حتى يتخلل بين الصفة، وموصوفها فيجوز أن يكون استثناء من آل لوط ولذا جوّر الرضي أن يقال أكرم القوم، والنحاة بصريون إلا زيداً لا يخفى أنه مقرّر إلا أنه لا يغني شيئآ في دفع ما أورد على كلام التقريب، ومن ارتضاه. قوله:) اللهنم إلا أن يجعل إنا لمنجوهم اعتراضا) قيل إنه استعان بالله لضعفه لأنّ الاعتراض بماله تعلق بالطرفين بعيد، ولا وجه له لأنه لتقرير الكلام الواقع فيه وتعلقه بهما أقوى في ذلك. فإن قلت لم لا
يرجع إليهما قلت لأنّ الاستثناء متعلق بالجملة المستفلة والخلاف في رجوعه إلى الجملتين فصاعدا لا إلى جملة، وبعض جملة سابقة هذا، والمعنى مختلف في ذلك ومحل الخلاف الجمل المتعاطفة لا المنقطع بعضها عن بعض كذا في الكشف، واعلم أن تحقيق هذا المقام أنّ الزمخشريّ جوّز في استثناء إلا آل لوط أن يكون من قوم منقطعا بملاحظة الصفة لأنهم ليسوا قوما مجرمين أو من الضمير المستتر في مجرمين فيكون متصلا لرجوع الضمير إلى القوم فقط فبخرجون من حكم الإجرام، وعلى الانقطاع وهم مخرجون من حكم الإرسال المراد به إرسال خاص، وهو ما كان للإهلاك لا مطلق البعث لاقتضاء المعنى له، وعلى الاتصال هم مخرجون من حكم المستثنى منه، وهو الاجرام داخلون في حكم الارسال بمعنى البعث مطلقا، وجملة:{إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} في المعنى خبر لكن المؤوّل بها، وليس خبراً حقيقياً كما صرح به النحاة وأشير إليه هنا، وعلى الاتصال هي مستأنفة، والا امرأته مستثنى من ضمير منجوهم المضاف إليه وليس مستثنى من المستثنى سواء كان متصلاً أو لا لاختلاف الحكمين أي الحكم المخرج منه المستثنى الأوّل والمخرج منه الثاني لأنّ المخرج منه على الانقطاع الحكم بالارسال بمعنى الاهلاك، ولو أخرجت امرأته منه لكانت غير مهلكة، وليس كذلك وعلى الاتصال الاجرام، ولو أخرجت منه كانت غير مجرمة، وليس كذلك فتعين إخرأجها من حكم الإنجاء هذا تقرير كلامه، وقال القاض! ي: إنه على الانقطاع يجوز أن يجعل إلا امرأته مستثنى من آل لوط أو من ضمير منجوهم، وعلى الاتصال يتعين الثاني لاختلاف الحكمين إلا إذا
جعلت جملة ة {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} معترضة فخالفه من وجهين حيث جوّز الاستثناء من الاستثناء في الانقطاع، ومنعه الزمخشري فيهما، وحيث جعل اختلاف الحكمين في الاتصال وأثبته الزمخشري فيهما، فإن قلت المراد بالحكم في الكشاف معلوم، وبتقريره علم ثبوت الخلاف في كلا الوجهين فما مراد القاضي به حيث أثبته تارة ونفاه أخرى، وما معنى انتفاء الاختلاف على الاعترأض قلت كأنه أراد أنه على الانقطاع، وكون إلا بمعنى لكن {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} في معنى الخبر يكون في هذه الجملة حكم آخر وهو أن الإنجاء إلا امرأته مخرجا منه ولا يختلف حكماهما، وكذا إذا كان اعتراضا فإنه يكون لبيان حكمه فهو في المعنى كالأوّل فيصح الإخراج منه بخلاف ما إذا كان استئنافاً فإنه يكون منقطعا عنه، ويكون جوابا لسؤال مقدر، ولا يتم الجواب بدون الاستثناء، وهو ظاهر فإن قلت هل أحد المسلكين حق أحق أن يتبع أم لكل وجهة. قلت الذي ظهر لي أنّ الحق ما ذهب إليه الزمخشريّ دراية ورواية أمّا الأوّل فلأنّ الحكم المقصود بالإخراج منه هو الحكم المخرج منه الأوّل، والثاني حكم طارىء من تأويل إلا بلكن، وهو أمر تقديريّ، وأمّا الثاني فلما ذكر في التسهيل من أنه إذا تعدّد الاستثناء فالحكم المخرج منه حكم الأوّل، ومما يدل عليه أنه لو كان الاستثناء مفرغاً في هذه الصورة كما إذا قلت لم يبق في الدار إلا اليعافير أنها أبقاها الزمان إلا يعفور صيد فيها فإنه يتعين إعرابه بحسب العامل الأوّل كقولك ما عندي
إلا عشرة إلا ثلاثة، ثم إنّ كلامه مبنيّ على أمر، ومانع معنويّ لا على عدم جواز تخلل كلام منقطع بين المستثنى، والمستثنى منه كما قيل، وان كان مانعا أيضا كما صرح به الرضي فتدبر. قوله:(الباقين مع الكفرة الخ) إشارة إلى ما ذكره الراغب من أنه من الغبرة، وهي بقية اللبن في الضرع ومعناه الماكث بعد من مضى، وقيل معناه من بقي، ولم يسر مع قوم لوط عليه الصلاة والسلام، وقيل فيمن بقي في العذاب. قوله:(وإنما علق والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم) يعني علق عن العمل في قوله إنها الخ. إذا لم يصح لوجود لام الابتداء التي لها صدر الكلام، والتضمين الظاهر أنّ المراد به المصطلح، وقيل المراد به التجوّز عن معناه الذي كأنه في ضمته لأنه لا يقدر إلا ما يعلمه، وهو جائز وإذا أجرى مجرى القول لكون التقدير، والقضاء يقتضي قولاً يجوز أن يعمل عمله من غير تضمين. قوله:) وإسنادهم إياه إلى أنفسهم) يعني إذا كان من كلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام فإن كان من كلام الله تعالى كما قيل به لا يحتاج إلى تأويل، وهذا يدل على أنّ المراد التضمين المصطلح إذ لو كان المراد به العلم مجازاً لم يحتج إلى تأويل أيضاً بحسب الظاهر، وقوله لما لهم من القرب توجيه للإسناد المجازي فإنهم لقربهم من الله كقرب خاصة الملك به يجوز أن يسندوا لهم ما أسند إليه كما تقول حاشية السلطان أمرنا ورسمنا بكذا، والآمر هو في الحقيقة. قوله:(تنكركم نفسي وتنفر عنكا الما كان ظاهر قوله منكرون أنه لا يعرفهم وجوابهم بقولهم بل جئناك بالعذاب الذي كانوا يشكون فيه، والاضراب لا يوافقه، ويطابقه جعله كناية عن أنكم قوم أخاف شركم لأن من أنكر شيئا نفر عنه، وخاف منه فلذا أضربوا عنه بما ذكر أي ما جئناك لايصال شرّ إليك بل لتمشية أمرك، وتعذيب أعدائك بما توعدتهم به، وتوله ما جئناك بما تنكرنا لأجله فهو اضراب عن هذا المقدر وباء بما يسرك للملابسة أو التعدية، وقوله ويشفي لك أي يشفي ما بصدرك، وقوله الذي توعدتهم به لو قال كنت توعدتهم به كان أولى، ويمترون بمعنى يشكون أو يجادلون. قوله: (باليقين من عذابهم) يعني أنّ الحق بمعنى المتيقن المحقق، والباء للملابسة أي ملتبسين بحق أو ملتبسا أنت به لابصاره، ولو حمل على الخبر اليقين كان قوله: وإنا لصادقون مكرّراً. قوله: (فاذهب بهم في الليل) لأنّ الإسراء سير الليل خاصة وكذا السرى وفي
ترادفهما والفرق بينهما كلام سيأتي في الإسراء، وقوله بقطع من الليل مؤكد له وعلى قراءة فسر تأسيس أو الإسراء مجرد عن جزء معناه لمطلق السير أو القيد لبيان وقوعه في بعض دون استغراقه فيكون لتقليل المدّة. قوله:(افتحي الباب وانظري الخ) يحتمل أن يكون استطال الليل فأمر جليسه لينظر في النجوم ليرى هل قرب الصبح أم لا، ويحتمل أنه كان يحب طوله فأمر بالنظم ليعلم ما بقي من الليل قال صاحبنا الموصلي في شرح شواهد الكشاف: أي كم بقي علينا يخاطب ضجيعته مستقصر الزمن الوصال أو
مستطيلا ليل الهجر لما عنده من الملال، وهذا الشعر لم أطلع على قائله، وهو شاهد على إطلاق القطع على طائفة من الليل. قيل: ولا شاهد فيه لاحتمال أنه بمعنى القطعة مطلقا، وتخصيصه هنا بالإضافة. قوله:(وكن على أثرهم) بفتح الهمزة، والثاء أو بكسر فسكون بمعنى عقبهم وخلفهم، وقوله تذودهم الخ بذال معجمة بمعنى تسوقهم بيان الحكمة أمره بأن يكون خلفهم، وترك ما في الكشاف من أن خروجه مهاجراً سالما يقتضي الاجتهاد في الشكر، وفراغ البال للذكر فلم يكن قدامهم لئلا يشتغل عن ذلك بتفقد من خلفه لعدم تبادره. قوله:(لينظر ما وراءه فيرى من الهول الخ) فيكون لا يلتفت على ظاهره لأنّ الالتفات إنما هو للنظر وإذا كان بمعنى لا ينصرف، ويتخلف فهو مجاز لأن الالتفات إلى الشيء يقتضي محبته، وعدم مفارقته فيتخلف عنده فهؤ من لفته بمعنى ثناه وصرفه. قوله:) وقبل نهوا عن الالتفات ليوطنوا نفوسهم على المهاجرة (وتطبيب قلوبهم بمفارقة منازلهم لأنّ من هو كذلك لا يلتفت لما خلفه تحسراً على فراقه. قوله: (فعدى وامضوا إلى حيث وتؤمرون إلى ضميره الخ) كذا في الكشاف فقيل حيث ظرف مبهم فعلى تقدير نصبه على الظرفية لا يحتاج إلا في لأنه مبهم، والظرف المبهم منصوب، والمؤقت حكمه حكم ما ليس بظرف فيحتاج إلى في، وكذلك الضمير في تؤمرونه مبهم نظراً إلى تقديره، وهو راجع إلى حيث، ولو كان مؤقتاً لقيل تؤمرون فيه ورذ بأنه لم يرد ما ذكر فإن قلت هو مسلم في تعدية تؤمرون إلى ضمير حيث فإنّ صلنه، وهي الباء محذوفة إذ أصله تؤمرون به أي بمضيه فأوصل بنفسه، وأمّا تعدية امضوا إلى حيث فلا اتساع فيه كما سمعته إلا أن يجعل تغليبا قلت تعليق
حيث بالفعل هنا ليس تعلق الظرفية ليتجه تعدية الفعل إليه بنفسه بكونه من الظروف المبهمة فإنه مفعول به غير صريح نحو سرت إلى الكوفة، وقد نص النحاة على أنه قد يتصرف فيه فالمحذوف ليس في بل إلى كما أشار إليه الزمخشريّ، والمصنف رحمه الله فلا اشكال قلت، وإن دفع به اشكال التعدي لكنه غير صحيح لأنهم صرحوا بأنّ الجمل المضاف إليها لا يعود منها ضمير إلى المضاف. قال نجم الأئمة: اعلم أنّ الظرف المضاف إلى الجملة لما كان ظرفا للمصدر الذي تضمنته الجملة على ما مر لم يجز أن يعود من الجملة إليه ضمير فلا يقال يوم قدم زيد فيه لأنّ الربط الذي يطلب حصوله حصل بإضافة الظرف إلى الجملة وجعله ظرفا لمضمونها فيكون كأنك قلت يوم قدوم زيد فيه اهـ، وحيث تلزم الإضافة لجمله فكيف يقدر الضمير في تؤمرون عائداً عليه، وأغرب منه أنّ بعض المتأخرين صبه في قالبه مع أنه قال في بعض كتبه: إنّ حيث لا يصح عود الضمير عليها، واعترض به على صاحب التوضيح، وقد أتى من مأمنه فحرّره. قوله:(أوحينا إليه مقضياً ولذلك عدى بالى) يعني أنّ قضي لا يتعدّى بإلى لكنه ضمن هنا معنى أوحى فعدى تعديته، وقوله مقضيا بالنصب على الحال من ذلك إشارة إلى أحد وجهي التضمين، وهو جعل المضمن فيه حالاً، ولذ أخره ليظهر تعلق الجار به، والا فلا يلزم تأخره، وقوله ولذلك عدي بإلى أي لكونه بمعنى أوحينا. قوله:(يفسره أنّ دابر هؤلاء الخ) كونه تفسيرا ليس مخصوصا بقراءة الفتح، وقوله وفي ذلك أي في التفسير بعد الإبهام تفخيم للأمر حيث أبهم ثم فسر اعتناء بثأنه وأتى بلفظ ذلك الموضوع للبعيد وفي نسخة، وذلك بدون في، والأولى أولى وفي لفظ ذلك، والأمر حسن تعبير لايهامه معنيين، وقوله والمعنى الخ يعني أنّ الدابر الآخر، وليس المراد قطع آخرهم بل جملتهم، وقوله عن آخرهم مرّ تحقيقه، وهو واقع في محزه هنا، وقوله على الاستئناف أي في جواب وما ذلك الأمر، ونحوه والبدلية على الكسر لأنّ في الوحي معنى القول. قوله:(داخلين في الصبح) لأنّ الأفعال يكون للدخول في الشيء نحو أتهم، وأنجد وهو بيان لأنها تامّة هنا، وجعله حالاً من المضاف إليه لأنّ المضاف بعضه فهو مما يجوز فيه ذلك، وليس العامل معنى الإضافة، ولا يتوهم كونه اسم الإشارة لأنّ الحال لم يقل أحد أنّ صاحبها يعمل فيها فهذا من سقط القول، وقوله وجمعه توجيه لكونه حالأ من الدابر مع جمعه بأنه في معنى الجمع لأنّ دابر بمعنى المدبرين من هؤلاء. قوله:(سذوم) بفتح السين على وزن فعول بفتح الفاء، وذاله معجمة
وروي إهمالها، وقيل إنه خطأ، وهو أعلى ما قال الطبرفي رحمه الله اسم ملك من بقايا اليونان كان غشوما ظالما، وكان بمدينة سرمين من أرض قنسرين، وباسمه تسمى البلد كما في المثل أجود من
قاضي سذوم، وقال الميداني رحمه الله: سذوم مدينة من مدائن قوم لوط عليه الصلاة والسلام، وفي الصحاح بفتح السين، والدال غير معجمة وهو معرّب، ولذا قيل إنه بالاعجام بعد التعريب وبالإهمال قبله، والاستبشار السرور وفرحهم به إذ قيل لهم أن عنده ضيوفا مردا في غاية الحسن، والجمال فطمعوا فيهم، والضيف يطلق على الواحد والجمع لأنه في الأصل مصدر ضافه فلذا كان خبرا لقوله هؤلاء، وقوله أسيء مبنيّ للمجهول من أساء إليه ضد أحسن، وقوله لفضيحة ضيفي باللام والباء لأنّ فضيحتهم تورث فضيحة له، وركوب الفاحشة فعلها كارتكابها. قوله:(ولا تذلوني بسببهم (أي بسبب محبتهم فإنه لولاه لم يكن قصدهم الشنيع أو بسبب اخزائهم، وقوله تخجلوني من التخجيل، وهو فعل ما يورث خجلا وحياء، وهو إشارة إلى معنيي الخزي المختلفين باختلاف مصدريهما كما مر، وهو معطوف على الأمر بما يوجب الانتهاء أو على النهي، وهو مؤكد ومقرّر له. قوله: (عن أن تجبر منهم أحدا الخ (يعني أنّ المراد منه ذلك أو هو على تقدير مضاف أي إجارة العالمين أو ضيافتهم وقوله، وتمنع الخ. عطف تفسير، وقوله يمنعهم عنه أي عن التعرّض، وهم ينهون عنه بالوعيد بالرجم ونحوه. قوله: (إن كنتم فاعلين قضاء الوطر (قال في الكشاف شك في فبولهم لقؤله كأن قال إن فعلتم ما أقول لكم، وما أظنكم تفعلون، وقيل إن كنتم تريدون قضاء الشهوة، وهو المراد من الوطر في كلام المصنف رحمه الله، وقدّم الزمخشري الأوّل لأنه أنسب بالشك، وقدم المصنف رحمه الله تعالى الثاني لتبادره من الفعل وهو تقدير لمفعوله على الوجهين، ويجوز تنزيله منزلة اللازم، وجواب الشرط محذوف أي فاقضوا الوطر بما قلته لكم أو فهو خير لكم، وكون النبيّ صلى الله عليه وسلم بمنزلة الأب! الذى ر بمنزلة البنين، والنساء بمنزلة البنات بالنسبة له صلى الله عليه وسلم فقط. قولى: (قسم بحياة المخاطب الخ) عمرك مبتدأ محذوف الخبر وجوبا وتقديره قسمي أو يميني، والعمر بالفتح، والضم البقاء، والحياة إلا أنهم التزموا الفتح في القسم لكثرة دوره فناسب التخفيف، وإذا دخلت اللام التزم فيه الفتح، وحذف الخبر وهو صريح في القسم، وبدون اللام يجوز فيه
النصب والرفع، وهو مصدر مضاف للفاعل أو المفعول وسمع فيه دخول الباء، وذكر الخبر قليلأ، وقيل شاذا ورعمك بالقلب، وهي قراءة شاذة وكون المقسم به حياة النبي صلى الله عليه وسلم هو قول جمهور المفسرين ولذا ورد في الأثر أنه تعالى لم يقسم بحياة أحد غير نبينا-لمجؤ تكريما له وتعظيماً أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه فيعمهون حينئذ على حكاية الحال الماضية، وأمّا كونه خطابا للوط عليه الصلاة والسلام فيحتاج إلى تقدير القول أي قالت الملائكة للوط عليه الصلاة والسلام لعمرك الخ. ولذا أخره المصنف رحمه الله تعالى عكس ما في الكشاف لأنه مع مخالفته للرواية محتاج للتقدير، وهو خلاف الأصل، وان كان سياق القصة شاهداً له، وقرينة عليه فلا يرد عليه ما قيل إنه تقدير من غير ضرورة، ولو ارتكب مثله لأمكن اخراج كل نص عن معناه بتقدير شيء فيرتفع الوثوق بمعاني النص، وقوله قالت الملائكة الخ. إشارة لما ذكرنا إذ لو كان كلام لوط عليه الصلاة والسلام لقال لعمري، وقوله يختص به القسم على القلب أو تضمين معنى التمييز أو التجوّز به، وهو أكثري. قوله:(لفي غوايتهم أو شدّة غلمثهم الخ) الغلمة بالضم الشبق، واشتهاء الغلمان يشير إلى أنّ السكرة مستعارة لما ذكر، وقوله التي أزالت عقولهم إشارة لوجه الشبه وهو قيد للغواية، والشدّة ووصف لهما على البدل، وقوله الذي يشار به صفة للصواب، وما أشار به هو الكف عن القبيح، والاكتفاء بالحلال الطيب من نكاح البنات، وقوله يتحيرون تفسير للعمه لأنه عمى البصيرة المورث للحيرة كما مرّ، واستبعد كونه لقريش لعدم مناسبة السياق، والسباق ولذ جعل اعتراضاً. قوله:(يعني صيحة هائلة مهلكة) من غير تعيين لمن صاح بهم، وفي القول الآخر تعيين له، وأمّا قوله مهلكة فمستفاد من الأخذ لأنه في الأصل بمعنى القهر، والغلبة واشتهر في الإهلاك، والاستئصال، والتعريف على الأوّل للجنس وعلى الثاني للعهد. قوله:(داخلين في وقت شروق الشمس) وأمّا الجمع بين قوله مشرقين، ومصبحين فباعتبار الابتداء والانتهاء وأخذ الصيحة قهرها إياهم، وتمكنها منهم ومنه الأخيذ للأسير، ولك أن تقول مقطوع بمعنى يقطع عما قريب كذا في الكشف، وقيل مشرقين حال مقدّرة. قوله:(عالي المدينة أو عالي قراهم)
المراد بعاليها وجه الأرض وما عليها، وقوله وأمطرنا عليهم وفي هود عليها أي المدينة أو القرى، والمآل واحد والسجيل تقدم أنه معرّب سنك كل، وكونه من
السجل، وهو الكتاب أو الصك لأنها كتب عليها أسماؤهم أو لأنها مما كتب الله تعذيبهم بها، وقد مر الكلام عليه في سورة هود. قوله:(للمتوسمين) صفة آيات أو متعلق به، والتوسم تفعل من الوسم، وفسر بالتثبت والتفكر، وفسره ثعلب بالنظر من القرن إلى القدم واستقصاء وجوه التعريف قال:
بعثوا إليّ عريفهم يتوسم
وتوسمت فيه خيرا أي ظهرت علاماته لي منه قال ابن رواحة رضي الله تعالى عنه:
إني توسمت فيك الخير أعرفه والله يعلم أني ثابت البصر
وتوسم طلب عشب المطر الوسمي، وقوله المدينة أو القرى، وقيل الضمير للصيحة أو الحجارة أو الآيات وقوله للمؤمنين خصهم لأنّ غيرهم يظنها من الاقترانات، ونحوه. قوله:(وإن كان أصحاب الآيكة) أن مخففة من الثقيلة، واللام فارقة، والأيكة أصلها الشجرة الملتفة واحدة الأيك، وسيأتي أنه يقال فيها ليكة، وتحقيقه والغيضة بالضاد المعجمة البقعة الكثيفة الأشجار، وفيه إشارة لوجه تسميتهم بذلك وقيل الأيكة اسم بلدة، والظلة بالضم سحابة أظلتهم فأرسل الله عليهم منها ناراً أحرقتهم كما مرّ والتكاثف كثرة الأشجار والتفافها، وقوله والأيكة الشجرة المتكاثفة أي الملتفة الأغصان، وهذا بيان لمعناها الحقيقيّ، وأمّا المراد بها هنا فقد علم مما قبله، وهو أنه الغيضة أو البلدة بطريق النقل أو تسمية للمحل باسم الحالّ فيه، ثم غلب عليه حتى صار علماً فلا وجه لما قيل عليه أنه كان عليه أن يبدل الشجرة بالغيضة، ولا يحتاج إلى تكلف أنّ المراد الجماعة الواحدة من الشجر أو نوع منه. قوله:(يعني سذوم والأيكة الخ) يعني محل قوم لوط وقوم شعيب عليهما الصلاة والسلام، وقيل هما راجع إلى الأيكة والى مدين ومدين، وان لم يذكر هنا لكن ذكر أحدهما يدلّ على الآخر لإرساله إلى أهلهما. قوله: (فسمي به الطريق واللوح (يعني اللوج المحفوظ أو مطلق اللوج المعد للقراءة كما سمي به مصحف عثمان رضمي الله تعالى عنه، وحيث أطلق في القرا آت فهو المراد والمطمر بكسر الميم كالمطمار خيط البنائين الذي يقدرون به البناء، وهو المسمى زيجاً وبه سمي الزيج المعروف عند أهل الهيئة، وهو معرب زيه بمعنى الخيط وفي نسخة سمي به
اللوح، ومطمر البناء بدون ذكر الطريق لأنه علم تسميتها به من تفسير الآية فكأنه معناه الأصلي، وهذا منقول مأي سمي به اللوح، والمطمر كما سمي به الطريق فلا غبار في كلامه. قوله:(ومن كذب واحدا من الرسل فكأنما كذب الجميع الخ) جواب عن سؤال مقدر، وهو أنّ أصحاب الحجر كذبوا صالحاً صلى الله عليه وسلم فقط فكيف قيل كذبوا المرسلين فأجاب بأنّ من كذب واحدا فقد كذب جميع الرسل لاتفاق كلمتهم على التوحيد، ودعوة الحق فجعل اتحاد المكذب فيه بمنزلة اتحاد المكذب، ولذا قال قكأنما لأنهم لم يواجهوهم بذلك حتى يك! ونوا مكذبين لهم حقيقة. قوله:(ويجوز أن يكون المراد الخ) على التغليب، وجعل الاتباع مرسلين كقوله:
قدني من نصر الخبيبين قدي
وقوله يسكنونها راجع للحجر أو الوادي، وأنث باعتبار البقعة. قوله:(يعني آيات الكتاب المنزل على نبيهم) أورد عليه أنّ صالحاً صلى الله عليه وسلم ليس له كتاب ماثور إلا أن يقال الكتاب لا يلزم أن ينزل عليه بل يكفي كونه معه، وإن نزل على غيره لأنه أنزل على من قبله، والظاهر هو التفسير الثاني، وسقبها بفتح السين المهملة، وسكون القاف، والباء الموحدة، ولد الناقة وفصيلها وتفصيله مرّ في هود، وقوله أو ما نصب لهم من الأدلة أي ما أظهره الله من الأدلة ألعقلية الدالة عليه الميثوئة في الأنفس، والآفاق. قوله:(من الانهدام ونقب اللصوص الخ) فالحال مقدرة، وقوله أو من العذاب الخ الظاهر أنّ المراد عذاب الآخرة فظنهم أنها تحميهم منه من غاية الحماقة إذ لا وجه له، ولو أريد الأعمّ منه، ومن عذاب الاسنئصال في الدنيا كان التعليل بما ذكر أظهر، ويؤيده تفريع ما بعده عليه، والحسبان بكسر الحاء الظن. قوله:(فأخذتهم الصيحة) في الأعراف: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} [سورة الأعراف، الآية: 78] ووفق بينهما بانّ الصيحة تفضي إلى الرجفة أو هي
مجاز عنها قيل، وفوله تعالى:{مُّصْبِحِينَ} يردّ ما مرّ في الأعراف من قوله فلما كانت ضحوة اليوم الرابع تحنطوا بالصبر، وتكفنوا بالأنطاع فاتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فإنه يقتضي أنّ أخذ الصيحة إياهم بعد الضحوة لا مصبحين ورد بأنه يحمل
قوله مصبحين على كون الصيحة في النهار دون الليل أو أطلق الصبح على زمان ممتذ إلى الضحوة لنص ظفر به دال عليه) قلت) هذا كله غفلة عن قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} هنا وقد مرّ الكلام عليه فتدبر. قوله: (ولذلك اقتضت الحكمة الخ) فهذه الآية لبيان هلاكهم في الدنيا، وما بعدها لبيان عذابهم في الآخرة، وهو أولى من قصره على الثاني كما في الكشاف، وقوله فينتقم الله الخ بيان لأن المراد من الإخبار بإتيانها، وقوله فاصفح يشير إلى أنه قادر على الانتقام منهم. قوله:(وعاملهم معاملة الصفوح الحليم) يعني المراد إمّا أمره بمخالقتهم بخلق رضا، وحلم وتأن بأن ينذرهم، ويدعوهم إلى الله قبل القتال، ثم يقاتلهم بعد ذلك فليست الآية منسوخة، وان كان المراد مداراتهم، وترك القتال تكون منسوخة بآية السيف في سورة براءة 0 قوله:(فهو حقيق بأن تكل ذلك إلبه ليحكم بينكم) أي في الآخرة، وهذا ناظر إلى كون الآية غير منسوخة كما أنّ ما بعده ناظر لنسخها، وقوله وعلم الأصلح أي وان لم يجب عليه فعله، وإنما يفعله تفضلاً منه فليس مخالفا لمذهب أهل السنة، وقوله وفي مصحف عثمان وأبي رضي الله تعالى عنهما قيل يلزم عليه أن لا تكون هذه القراءة شاذة لوجود شروطها، وفيه نظر. قوله:(وهي الفاتحة الخ) قيل هذا أصح الأقوال وهو المصرح به في صحيح البخاري نقلا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ونحوه من الأحاديث المروية من طرق. قوله: (وقيل سبع سور وهي الطوال) المعدود على التفسير الأوّلط آيات، وعلى هذا سور، وحينئذ فيها قولان، والطوال كصغار جمع طويلة والذي ورد في الحديث الطول بوزن كبر جمع طولى، وفي سابعتها اختلاف، ولو قال في التعليل فإنهما سورة واحدة كان أظهر لكنه أقحم حكم إشارة إلى القول
الآخر، وهذا القول ورد في الحديث أيضاً، وقد قيل بإنكاره لأن هذه السورة مكية، والسبع الطول مدنية، وأجيب بأنّ المراد من إيتائها إنزالها إلى السماء الدنيا، ولا فرق بين المدنيّ والمكيّ فيه، واعترض بأنّ آتيناك يأباه، وقيل إنه تنزيل للمتوقع منزلة الواقع في الامتنان، ومثله كثير. قوله:(وقيل التوية الخ (معطوف على الأنفال، ومرضه لما فيه من الفصل بينها وهو خلاف الظاهر، وكذا قوله الحواميم، وهو مبنيّ على جواز أن يقال حواميم في جمع حم، وهو الصحيح لوروده في الحديث الصحيح، والشعر الفصيح كما بيناه في شرح الدزة فلا عبرة بقول بعض أهل اللغة أنه خطأ، والصواب آل حميم. قوله: (وقيل سبع صحائف وهي الآسباع (الظاهر أن المراد بالصحائف الصحف النازلة على الأنبياء عليهكل الصلاة والسلام، وأنه أنزل عليه سبع منها، والمراد ما يتضمنها، وان لم يكن بلفظها فتأمّل. قوله: (والمثاني من التثنية أو الثناء (يعني أنه جمع مثنى على وزن مفعل، وهو إمّا من التثنية أي من الثني بمعنى التثنية أو الثناء، وهو مصدر سمي به المفعول أو اسم مكان سمي به مبالغة أيضاً، وقوله فإنّ كل ذلك مثنى بيان لكونه من التثنية، وقوله تكرّر قراءته لم يقل في الصلاة ليشمل الوجوه، وقوله قصصه ومواعظه هو مخصوص بغير الفاتحة، وقوله مثنى عليه بالبلاغة بيان لكونه من الثناء، وقوله فتكون من للتبعيض قيل إنه في غير الوجه الذي يفسر فيه بالإسباع، والقرآن فإن من فيه بيانية أيضأ. قوله: (فمن عطف الكل على البعض (بناء على أن يراد بالقرآن مجموع ما بين الدفتين، والعام على الخاص إذا أريد به المعنى المشترك بين الكل، والبعض وفيه دلالة على امتياز الخاص حتى كأنه غيره كما في عكسه حتى لا يعد تكرارا. قوله: (لا تطمح ببصرك) الباء للتعدية، وطمح بمعنى ارتفع، وقوله طموح راغب قيد به لأنه المنهيّ عنه، وقوله مطلوب بالذات لا إنه آلة لغيره، وان أفضى إلى اللذات. قوله: (وفي حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه الخ (قال العراقي:
الحديث مرويّ لكن لم أقف على روايته عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه في شيء من كتب الحديث، وأذوعات بفتح الراء وكسرها بلد بالشام قيل وهذا لم يعرف أيضا
ولم يعهد سفره صلى الله عليه وسلم للشام فالظاهر ما وقع في غيره من التفاسير أنه وافت من بصرى وأذرعات سبع قوافل الخ، وقوله سبع آيات يعني الفاتحة، وفي الكشاف يقول لرسوله رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتيت النعمة الكبرى التي كل نعمة، وان كبرت وعظمت فهي إليها حقيرة فعليك أن تستغني به عن متاع الدنيا، ومنه الحديث:" ليس منا من لم ينغق بالقرآن "(1) قال في الانتصاف: هذا هو الصواب في معنى الحديث، وقد حمله كثير على تحسين الصوت، وإنما ينهي عن تمطيط الصوت المخرج له عن حده، وقال إنه لا يبني يتغنى إلا من الغناء الممدود لا من الغنى المقصور، وقد وجدت بناء يتغنى من المقصور في حديث الخيل فرجل ربطها تغنياً، وتعففاً فقد ورد منهما جميعا على خلاف ما ادّعاه المخالف، وهو كلام حسن. قوله:(أنهم لم يؤمنوا) بفتح الهمزة بدل اشتمال من الضمير المجرور، ويجوز أن يكون على تقدير اللام أي لأنهم لم يؤمنوأ، وكذا قوله أنهم الممتعون به. قوله:(وتواضع لهم وأرفق بهم) فخفض الجناح مجاز عن التواضع أو تمثيل بتشبيهه بالطائر. قوله: (أنذركم ببيان وبرهان) سيأتي بيان وجه جعله في قوّة الفعل وقوله: مثل العذاب الذي أنزلناه عليهم فما موصولة والعائد محذوف وقوله فهو وصف لمفعول الخ أي نذير عذابا كالعذاب الذي نزل الخ، واعترض! بأنّ أعمال اسم الفاعل، والصفة المشبهة إذا وصفت غير جائز وكونه في قوة أنذركم لا فائدة فيه كما توهم، وأجيب بأق المراد بالمفعول المفعول الغير الصريح، وتقديره بعذاب وهو لا يمنع الوصف من العمل فيه، وأيضا أنه لا يصلح أن يكون من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله أنزلنا وإذا كان صفة مفعول يكون من مقول القول، واعتذر له بأنه كما يقول بعض خواص
الملك أمرنا بكذا أو حكاية لقول الله عليه ولا يخفى ما فيه، وقوله الاثنا عثر، وقيل كانوا ستة عشر أرسلهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم ليقفوا على رأس طرق مكة لما ذكر، وقوله فأهلكهم الله تعالى يوم بدر في الكشاف وقتلهم بآفات. قوله:) أو الرهط الذين اقتسموا أي تقاسموا على أن يبيتوا صالحاً عليه الصلاة والسلام الخ) فيكون تفاعلاً من القسم، وهو في الوجه الأخير من الانقسام على مفارق الطرق، وهو على هذا صفة مفعول النذير كما في الوجه الذي قبله، وترك كون المراد بالمقتسمين اليهود، وبما أنزل عليهم ما جرى على بني قريظة، والنضير لأنّ المشبه به يكون معلوما حال النزول، وهذا ليس كذلك فيلغوا التشبيه. قوله:(وقيل هو صفة مصدر محذوف الخ) قائله جار الله، وآتينا بمعنى أنزلنا فكأنه قيل أنزلنا إنزالاً كما أنزل الخ والمقتسمون على هذا الذين قسموا القرآن عناداً لما ذكر:{وهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} أيضا كما في الوجه الذي بعده، وأنما الفرق بينهما تقسيمهم له إلى ما يؤمنون به، وما يكفرون، وأنّ المراد بالقرآن معناه اللغوي وهو المقروء من كتبهم، وعلى هذا الدّين صفة المقتسمين، وعلى الأوّل مبتدأ خبره فوربك الخ، وكان الظاهر أن يقول، والمقتسمون هم أهل الكتاب، وما اقتسموه إمّا القرآن حيث قالوا الخ. أو ما يقرؤونه من كتبهم. قوله:(فيكون ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) أي على هذا الوجه الأخير المقصود منه تسلية النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله ممداً لها أي للتسلية، والمراد أنه مؤكد مقولها، وعبر به لموافقة النظم. قوله:(أجزاء جمع عضة الخ) عضوة بكسر العين، وفتح الضاد بمعنى جزء فهو معتل اللام من عضاه بالتشديد جعله أعضاء، وأجزاء وجعله أجزاء يتناول التقسيم إلى الشعر، والسحر، والكهانة وتقسيمه إلى حق، وباطل دمايمانهم ببعض، وكفرهم ببعض منه. قوله: (وقيل فعلة من عضهته (كذا في نسخة مصححة أي على وزن فعلة بوزن الهيئة، وأمّا في الوجه الأول فهو بفتح الضاد كما ذكره الطيبيّ ونقله السيوطيّ رحمه الله تعالى، وقيل إنه على الاحتمال الأوّل بوزن فعلة أيضاً، وأراد بفعلة بناء النوع فإنه علم وليس الأوّل،
وان وافق زنة بهذا المعنى فلهذا خصه بهذا، وفيه نظر، وفي بعضها، وقيل أسحاراً جمع سحر تفسير لعضين، وإذا كان من عضهته، فاللام المحذوفة هاء كشفة على القول بأنّ أصلها شفهة، وقوله إذا بهته أي افتريت عليه لكن الواقع في الحديث (1) بمعنى الساحرة، والمستسحرة أي المستعملة لسحر غيرها كما ذكره ابن الأثير فكان أصل معناه البهتان بما لا أصل له فأطلق على السحر لأنه تخييل أمر لا حقيقة له فلذا
جمع بينهما المصنف رحمه الله تعالى لكن فيه إجمال، وهذا الحديث رواه ابن عدفي في الكامل، وأبو يعلى في مسنده كما قاله العراقي. قوله:) وإنما جمع جمع السلامة الخ) إشارة إلى ما ذكروه من أنّ ما حذف منه حرف يجمع جمع السلامة جبرا لما فات منه كعزين، وسنين وهو كثير مطرد والا فحقه أن لا يجمع جمع السلامة المذكر لكونه غير عاقل، ولتغيير مفرده، وهذه المسألة مفصلة في شرح التسهيل، وقوله والموصول الخ. ترك كونه منصوبا بالنذير الذي في الكشاف لبعده، وأعمال المصدر الموصوف فيه. قوله:(من التقسيم) ناظر إلى قوله أجزاء، وقوله أو النسبة إلى السحر ناظر إلى قوله، وقيل أسحارا أو إلى تفسيره على الواقع في بعضها إذ معنى بهتهم القرآن جعله سحراً. قوله:(فيجارّيهم عليه) بصيغة المتكلم أو الغيبة، والفاء تفسيرية أو عاطفة، وعلى الأوّل فالسؤال مجاز عن المجازاة لأنه سببها فلا يرد أنه ينافي قوله تعالى:{فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [سورة الرحمن، الآية: 39] وعلى الثاني المراد سؤال التقريع بلم فعلتم لا الاستفهام لعلمه بجميع ما كان وما يكون، وأورد عليه الإمام أنه لا وجه لتخصيص نفيه بيوم القيامة، وأجيب بأنه بناء على زعمهم كقوله:{وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا} [سورة إبراهيم، الآية: 21] فإنه يظهر لهم في ذلك اليوم أنه لا يخفى عليه شيء فلا يحتاج إلى الاستفهام، وقيل المراد لا سؤال يومئذ من الله، ولا من غيره بخلاف الدنيا فإنه ربما سأل غيره فيها ورد بأن قوله لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم يأباه، ثم إنّ الإمام ارتضى في سورة الرحمن ما ردّه هنا، وسيأتي الكلام فيه، وأنه باعتبار المواقف، والعموم نظرأ إلى ظاهر ما وقوله أنا النذير المبين. قوله:) فاجهر به) فاصدع أمر من الصدع بمعنى الإظهار، والجهر من انصداع الفجر أو من صدع الزجاجة، ونحوها، وهو تفريق أجزائها فالمعنى افرق بين الحق، والباطل، وقوله وأصله الخ إشارة إلى أنه مستعار منه، والباء في الأوّل صلته، وفي الثاني سببية. قوله:(وما مصدرلة أو موصولة الخ) رد أبو حيان رحمه الله تعالى المصدرية بأنه جار على مذهب من يجوّز أن يراد بالمصدر
أن، والفعل المبنيّ للمفعول، والصحيح عدم جوازه وردّ بأنّ الاختلاف في المصدر الصريح هل يجوز انحلاله إلى حرف مصدري، وفعل مجهول أم لا إمّ أنّ الفعل المجهول هل يوصل به حرف مصدري فليس محل النزاع فإن كان اعتراضه على الزمخشريّ في تفسيره بالأمر، وأنه كان ينبغي أن يقول بالمأمور به فشيء آخر سهل، وقوله بما تؤمر به من الشرائع فالمأمور به الشرائع نفسها لا الأمر بها حتى يتكلف، ويقال أصله تؤمر بالصدع به فحذف تدريجاً إذ لا داعي له، وقوله فلا تلتفت الخ. يشير إلى أنه ليس أمراً بترك القتال حتى يكون منسوخاً بآية السيف. قوله:(كانوا خمسة الخ) كونهم خمسة قول وفي شرح البخارفي أنهم سبعة، وفي بعض أسمائهم اختلاف مفصمل في كتب الحديث، والعاص بضم الصاد واجراء الإعراب عليها، وليس منقوصا كالقاضي فإنه علم آخر كذا قيل، ولا أصل له، وقوله عدفي بن قيس كذا في نسخة وصوابه الحرث بن قيس ونبال بفتح النون، وتشديد الباء الموحدة من يصنع النبال أي السهام، وقوله لأخذه متعلق بينعطف، وقوله كالرحى في رواية كعنق البعير، وقوله فامتخط أي خرج قيح من أنفه بدل مخاطه.
تنبيه: في المستهزئين خلاف فقال الكرمانيّ في شرح البخاريّ هم السبعة الذين ألقوا الأذى على رأسه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي كما في البخاريّ فهم عمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد وفي الأعلام للسهيلي أنهم قذفوا بقليب بدر وعدهم بخلاف ما ذكر. قوله: (عاقبة (إشارة إلى مفعوله، وقوله في الدارين متعلق به، وقوله فافزع الفزع هنا بمعنى الالتجاء، وقوله بالتسبيح، والتحميد
بمعنى أنه بمعناه العرفي، وهو قول سبحان الله والحمد لله، وما بعده إشارة إلى أنه بمعناه اللغويّ، وما نابك بمعنى ما نزل بك، وقوله من المصلين فهو من إطلاق الجزء على الكل، وقوله حزبه بالباء الموحدة، والنون أيضا وقد مرّ ضبطه وشرحه، وقوله فزع إلى الصلاة أي قام إليها واشتغل بها، وقوله الموت فاليقين بمعنى المتيقن، والمراد مدة حياته صلى الله عليه وسلم، وقيل المراد به تعذيب هؤلاء، وأن ينزل بهم ما وعده وتخل من الخلل والتقصير، وقوله من " ترأ سورة الحجر الخ) (1) هو حديث موضوع كما في كثر ما ذكر في أواخر السور.