الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة
النحل
بسم الله الرحمن الرحبم
قوله: (مكية غير ثلاث آيات) وقيل مكية كلها، وقيل غير ذلك. قوله:(مائة الخ) الذي
ذكره الداني في كتاب العدد أنها تسعون، وثلاث، وقيل أربع، وقيل خمس في سائر المصاحف، وتسمى سورة النعم جمع نعمة لما ذكر فيها مما أنعم " الله به على الإنسان من الماكل، والمركب وغير. كما ستراه، ولما ذكر في آخر السورة السابقة المستهزئين المكذبين له ابتدأ هنا بقوله:{أَتَى أَمْرُ اللهِ} المناسب له على ما ذكر في معناه، وسبب نزوله. قوله:(كانوا يستعجلون ما أوعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم الاستعجال طلب الشيء قبل زمانه ولذا قيل من استعجل بشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، وقوله دماهلاك الله، وفي نسخة أو بدل الواو، وهما بيان للوعيد، وقوله تشفع لنا ناظر للساعة، وتخلصنا للإهلاك فليس قوله إن صح ما يقوله الخ. ظاهرا في إرادة قيام الساعة كما توهم، وقوله استهزاء، وتكذيباً تعليل لقوله يستعجلون فليس استعجالهم على حقيقته بل هو في صورة الاستعجال، والمراد به ما ذكر، ويقولون معطوف على يستعجلون. قوله: (والمعنى أنّ الأمر الموعود به) يشير إلى أنّ أتى بمعنى يأتي على طريق الاستعارة بتشبيه المستقبل المحقق بالماضي في تحقق الوقوع، والقرينة عليه قوله فلا تستعجلوه فإنه لو وقع ما استعجل، وقوله من حيث إنه تعليل لما قبله، وانّ بالكسر على ما ارتضاه ابن هشام رحمه الله تعالى، وجوّز ابن إياز فتحها لأنها قد تضاف للمفرد لكنه شاذ فالكسر أولى، وقوله فلا تستعجلوا وقوعه تفريع على وجوب الوقوع فإنّ ما هو كذلك لا يخاف فواته حتى يستعجل فإنّ الاستعجال إنما هو في الاكثر لذلك، ثم علل النهي بأنه لا خير في الوقوع، ولا بد منه فضمير فيه وعنه للوقوع، ولا غبار على كلامه. قوله: (تبرّأ وجل عن أن يكون له
شريك الف ونشر فتبرأ تفسير سبحان وجل تفسير تعالى، وعن أن الخ تنازع فيه تبرّأ وجل، وما تحتمل الموصولية، والمصدرية لكنها ظاهرة في الثاني، وإليه أشار بقوله عن أن إذ فسرها بان المصدوية مع احتماله للوجه الآخر، ولما كان التنزيه إنما يكون عن صفة العين لا عن الذوات، وصفات الغير فلا يظهر التنزبه عن الشريك أشار بقوله أن يكون له إلى أنه صفة سببية سلبية، وأيضاً لما كان التنزيه منه تعالى لنفسه آل إلى معنى التبري فلذا فسره به، وقوله فيدفع ما أراد بهم بيان لارتباطه بما قبله، ومناسبته له، ويدفع بالنصب أي تنزه سبحانه، وثعالى عن أن يحوم العجز اللازم لتكذيبهم حول سرادقات كبريائه فيكون له شريك فضلاً عن شركاء حتى يكون ما زعمتم من دفعهم عنكم،،. هم أحجار، ومخلوقات لا تملك لأنفسها ضرّا ولا نفعا. قوله:(بالياء على تلوين الخطاب (الواقع في قوله فلا تستعجلوه فإنه للكفرة فإذا قرئ يشركون بالغيبة حينئذ كان التفاتا، والمراد بتلوين الخطاب الالتفات من الخطاب للكفرة إلى الغيبة، والخطاب الكلام المخاطب به، وعليه إذا قرى بالتاء لا التفات فيه، وكذا إذا كان الخطاب الأوّل للمؤمنين أولهم، ولغيرهم فإنه لا يتحد معنى الضميرين حتى يكون التفاتاً أو هما متحدان لكنه فيه تغليبان فغلب المؤمنون على غيرهم في الخطاب وغيرهم عليهم في نسبة الشرك على قراءة تشركون بالتاء، ولا التفات فيه أيضاً، وعلى قراءة الياء لا التفات، ولا تغليب أصلا. فمن قال ليس المراد بتلوين الخطاب الالتفات بل المعنى الأعم منه لوجوده أيضا إذا كان الخطاب لهم ولغيرهم فلا تصح المقابلة على الإطلاق لم يصب. قوله: (لما روي أنه لما نزلت الخ ((1) اعترض عليه بأنه ليس في هذه الرواية استعجال المؤمنين، وقد قيل في آية أخرى يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها فالظاهر أنهم لما سمعوا أوّل الآية اضطربوا الظن أنه وقع فلما سمعوا خطاب الكفار بقوله فلا تستعجلوه اطمأنت قلوبهم وردّ بأنه ليس المراد بالاستعجال حقيقته بل اضطرابهم، وتهيؤهم لها المنزل منزلته، وليس هو الاستعجال الواقع من الكفرة في تلك الآية لأنه استعجال تكذيب كما في الوجه الآخر، وبه اندفع الاعتراض بلزوم الجميع بين الحقيقة، والمجاز إذا كان الخطاب للمؤمنين وغيرهم فإن قلت إذا كان الخطاب للمؤمنين لا يتصل قوله
سبحانه وتعالى عما يشركون بما قبله بخلافه على العموم والاختصاص بالكفرة (قلت) كذا توهمه بعضهم وليس كذلك، فانه لما نهاهم عن الاستعجال ذكر ما يتضمن أنّ إنذاره، واخباره للتخويف، والإرشاد وأنّ قوله إنّ الساعة آتية إنما هو لذلك، فليستعد كل أحد لمعاده، ويشتغل قبل السفر بتهيئة زاده فلذا عقب بذلك دون عطف، وقد أشار المصنف رحمه الله تعالى إلى ارفإطه باعتبار ما بعده، فيكون ما ذكر مقدمة واستفتاحاً له، وأيضا فإنّ قوله تعالى أتى أمر الله
تنبيه وايقاظ لما يرد بعده من أدلة التوحيد فتدبر.
قوله: (بالوحي أو القرآن فإنه يحبا به القلوب الخ) في الكشاف الروح استعارة للوحي
الذي هو سبب الهداية ومن أمره بيان له فشبه الوحي مطلقا أو بعضه بالروح فإن كان بالنظر إلى الموحى إليهم فلأنه بتخليصهم من الجهالة والضلالة المشبهة بالموت كما قال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [سورة الأنعام، الآية: 22 ا] فيه حياة لهم وان كان بالنظر إلى الدين فلأنه به قيامة، وقوامه كما تقوم الروح بالبدن فهو استعاوة مصرحة محققة لكنها تلزمها مكنية وتخييلية، وهي تشبيه الجهل والضلال بالموت، وضده بالحياة أو تشبيه الدين بإنسان ذي جسد وروج، كما إذا قلت رأيت بحراً يغترف الناس منه وشمساً يستضيؤون بها فإنه يتضمن تشبيه علمه بماء عذب ونور ساطع لكنه جاء من عرض فليس كاظفار المنية، وليس غير كونه استعارة مصرّحة كما توهم، وقد مرّ مثله في البقرة. (فإن قلت) قوله من أمره يخرج الروح من الاستعارة إلى التشبيه كما في قوله تعالى:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [سورة البقرة، الآية: 187](قلت) قالوا إنّ بينهما بونا بعيدا لأنّ نفس الفجر عين المشبه شبه بخيط، وليس مطلق الأمر بمعنى الشأن مشبها به، ولذا بينت به الروح الحقيقية في قوله تعالى:{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ} كما تبين به المجازية، ولو قيل: يلقي أمره الذي هو الروح لم يخرج عن الاستعارة فليس وزان من أمره وزان قوله من الفجر، وليس كل بيان مانعاً من الاستعارة، كما يتوهم من كلام المحقق في شرح التلخيص، فعليك بالتفقنزا له فإنه مما تزل فيه الأقدام، ولم يلتفتوا إلى جعل الروج هنا بمعنى جبرائيل الواقع في بعض التفاسير، وقوله:(فإنه الخ) إشارة إلى وجه الشبه على ما حققناه، وقرينة الاستعارة إبدال أن أنذروا منه. قوله:(وذكره عقيب ذلك إشارة إلى الطريق الذي به الخ) هو على وجوه الخطاب، وازاحة معطوف على قوله إشارة وقوله بالعلم الباء دخلت فيه على المقصور وقد مرّ بيانه، وقوله: وعته تنزل أصله تتنزل فحذفت إحدى التاءين. قوله: (بأمره أو من أجله) يعني من إما سببية أو تعليلية، والأمر واحد الأوامر ومن جعله واحد الأمور جعلها تبيينية وقد صرح به شراج الكشاف رحمهم الله تعالى أخذاً من كلامه فلا عبرة لمن أنكره، وقوله أن يتخذه رسولاً بيان لمفعول يشاء المقدر وقوله:{أَنْ أَنذِرُواْ} تفسير له بما يجري على بعض الوجوه وهو كون أن مصدرية منصوبة
المحل بعد حذف الجار أو مجرورة وكونه بدلاً من الروج، وكونها مخففة من الثقيلة لا تفسيرية وإذا كانت مخففة فاسمها ضمير شأن مقدر، والخبر أنذروا ولا يحتاج فيه إلى تقدير قول لأن خبر ضمير الشأن يكون أمراً من غير تأويل لأنه عينه كقولك كلامي اضرب كما حققه في الكشف. قوله:(من نذرت بكذا إذا علمته) تقدم تحقيقه وأنه ليس له مصدر صريح، وإذا دخلت عليه همزة التعدية صار بمعنى أعلمت ثم خص بإعلام ما يخاف منه، فوقع في مقابلة التبشير ومحصله حينئذ التخويف، فإما أن يكون على أصل معناه لتعلقه بقوله لا إله إلا أنا ولا تخويف فيه بحسب الظاهر أو يكون بمعنى التخويف، ولذا قيل إنه يدلّ على أنهم أثبتوا له تعالى شركاء، وهو يقتضي الانتقام منهم لا منا وهم نسبوا إليه ما لا يليق بجلاله فمن قال: الثابت في اللغة أن نذر بالشيء كفرح به علمه، فحذره وأنذره إذا أعلمه بما يحذره، وليس فيها مجيئه بمعنى التخويف، فأصله للاعلام مع التخويف فاستعملوه في كل من جزأي معنييه لم يأت بشيء يعتد به. قوله:(إنّ الشأن الخ (فالضمير للشأن وهو مفعول أنذروا بمعنى أعلموا دون تقدير جارّ فيه بخلاف ما إذا كان بمعنى التخويف، ومفعوله الأوّل عام فلذا لم يقدره، وعلى الثاني خاص بأهل الكفر والمعاصي محذوف كما أشار إليه، وهو يتعدى إلى الثاني بالباء فلذا قال بأنه. قوله: (وقوله فاتقون رجوع إلى مخاطبتهم) قيل: إنه لا يظهر لتخصيص كون
الانذار بمعنى التخويف بكون اتقون رجوعا إلى مخاطبتهم وجه بل ذلك في كونه بمعنى الاعلام أولى فإنّ قوله فاتقون إنذار وتخويف، فابقاؤه في حيز خوفوا هو الظاهر، وردّ بأنّ المراد أنه رجع إلى مخاطبة قريش بالانذار وليس في كلامه ما يدل على اختصاص هذا بالمعنى الثاني لأنذروا كما ظنه، ئم قال فإن قلت هذا على تقدير أن لا يكون {فَاتَّقُونِ} من جملة الموحى به، وهو الظاهر لجريانه على جميع الوجوه فهل لك أن تجعله منها، والمعنى أعلموهم قولي إنّ الشأن كذا فاتقون أو خوّفوهم بذلك قلت: لا والا لقيل إنّ بالكسردلا بالفتح، ثم وجه تفريع قونه فاتقون على التوحيد أنه إذا كان واحداً لم يتصوّر تخليص أحد! لأحد من عذابه (قلت) إذا كان بمعنى التخويف، فالظاهر دخول قوله:(فاتقون) في المنذر به لأنه هو المنذر به في الحقيقة فمقتضاه أن يقال أنذروهم بأنه المنفرد بالألوهية الذي يجب عليهم أن يتقوه ويخشوا عذابه لأنه المقصود ذكره للانذار فالعدول عنه لذلك، وإذا كان بمعنى الاعلام فالمقصود بالاعلام هو الجه لمة الأولى وهذا متفرّع عليها على طريق الالتفات فتأمّل، وأمّا الكسر الذي ذكره، فغير وارد فانه ليس بعد قول صريح ملفوظ، أو مقدّر إنما ذكروه لتصوير المعنى. قوله:(وأن مفسرة) فلا محل لها مع الجملة الداخلة عليها، وهي تفسير للروح بمعنى الوحي، وقوله الدال على القول بيان لوجود شر،، أن المفسرة وقد وقعت بعد فعل يتضمن معنى القول، وهو قوله تعالى:{يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ} فليس شرطها مفقوداً هنا كما توهم، دمانما صزح
بتأويل الروح به لأنه المفسر في الحقيقة، ولولاه لم تدلّ الجملة على ذلك. قوله:(أو مصدرية) على مذهب سيبويه المجوز لوصلها بالأمر والنهي وفوات معناه بالسبك، كفوات المضيّ مع أنه غير مسلم كما مرّ تحقيقه، وإذا كانت مخففة من الثقيلة، فهل يحتاج إلى تقدير القول معها أم لا تقدم الكلام فيه، والنصب بنزع الخافض بتقدير الباء السببية معه. قوله:(والآية تدل على أنّ نزول الوحي بواسطة الملائكة الخ) دلالة الآية على ذلك ظاهرة وليس فيها دلالة على أنه لا يكون إلا بذلك حتى يرد عليه أنه لا دلالة فيها على الحصر مع أنه غير منحصر في ذلك، وقوله:(منتهى كمال القؤة العلمية) يعني أنه أشرف المطالب اليقينية، وكون النبوّة عطائية هو مذهب أهل الحق خلافاً للحكماء، وقد مرّ تحقيقه في سورة الأنعام وقوله:(لأصول العالم) يعني به السماوات والأرض، وقوله:(على وفق الحكمة) هو معنى قوله بالحق وقوله فيلزم التمانع إشارة إلى برهان التمانع المذكور في علم الكلام، وقوله وفروجمه! يعني به ما في خلق الإنسان الخ. قوله:(أوجدهما على مقدار وشكل الخ) هو يؤخذ من موله تعالى بالحق لأنّ معناه ما يحق لها بمقتضى الحكمة لتدلّ على صانع مختار منفرد بالألوهية والا لوقع التمانع لاجتماع مؤثرين على أثر واحد ولذا عقبه بقوله: {تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقيل: معنى قوله بالحق بحكمة الحق وقوله: (منها) وفي نسخة منهما واليهما والمعنى واحد وقيده بما ذكر ليرتبط بما قبله ولأنه الواقع. قوله: (على أنه تعالى ليس من قبيل الإجرام) أي ليس بجسم كما يقوله المجسمة، ووجه الدلالة أنه يدلّ على احتياح الإجرام إلى خالق، فهو لا يجانسها والا لاحتاج إليه فلا يكون خالقاً أنّ كل ما هو جرم فهو منهما وخالقهما، وما فيهما هو الله فليس منهما حتى يرد عليه أنه إنما يدلّ على أنه ليس من السماوات والأرض، فجاز أن يكون جسما من غيرها إلا أن يراد بالسماوات والأرض جهة العلو والسفل كما قيل. قوله:(منطيق مجادل) منطيق بكسر الميم صيغة مبالغة كمنحار، فهو دليل آخر على خالقيته، وقدرته وهذا هو الوجه كما في شرح الكشاف ولذا قدمه المصنف رحمه الله تعالى، ووجه الاستدلال أنه كان نطفة
سيالة لا يستقرّ ولا يحفظ شكلا فانتقلت إلى أطوار مختلفة حتى صارت تدفع عن نفسها وتخاصم وتحاج من حاجها، وهذا ليس مما تقتضيه الطبيعة بل هو بخلق فاعل حكيم مختار. قوله:(أو خصيم مكافح الخ) هذا هو الوجه الثاني وأخره لما مرّ وأصل الكفاح في القتال، وأراد به مطلق الدفع أو الدفع بالحجة على التشبيه لها بالسيف، ونحوه على طريق الكناية والتخييل وهو لبيان جراءة من كفر على الله وعدم استحيائه منه، ووقاحته بتمادبه في الكفر قيل ويؤيد هذا الوجه قوله في سورة يس بعدما ذكر مثله قال:{مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [سورة ي! ، الآية: 78] فإنه نص في هذا فصدر الآية
للاستدلال، وعجزها لتقرير الوقاحة وليس بشيء لأنّ مدار ما قبلها في تلك السورة على الحشر والنشر ومكابرتهم فيه بخلاف هذه، ولكل مقام مقال، وقد أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى هناك، وأمّا كون الآية مسوقة لتقرير وقاحة الإنسان لانتفاء التنافي بين الاستدلال على الوحدانية والقدرة وتقرير وقاحة المنكرين، ولذا جعل تتميما لقوله تعالى:{عَمَّا يُشْرِكُونَ} فعدم المنافي لا يقتضي وجود المناسب ووجه التعقيب وإذا الفجائية مع أنّ كونه خصيماً مبينا لم يعقب خلقه من نطفة إذ بينهما وسايط أنه بيان لأطوار. إلى كمال عقله فالتعقيب باعتبار أخرها فلا وجه لتقدير الوسايط ولا للقول بأنه من باب التعبير عن حال الشيء بما يؤول إليه وخصيم صيغة مبالغة أو بمعنى مخاصم، وترى بضثم التاء بمح! ى تزعم وتظن ورم بمعنى صار رميماً. قوله:(روي أنّ أبئ بن خلف الخ) الرميم البالي الفاني وفي هذه الاية دليل الشافعيّ رضي الله تعالى عنه على أنّ العظم والشعر ينجس بالموت، وأبو حنيفة رحمه الله تعالى خالف في ذلك وقال لو أن فيه حياة ما لبث بعد الموت وتأويفه بما سياتي في سورة يس يأباه أنّ دخول صورة السبب لازم. قوله:(ألا بل الخ) سيأتي تحقيقه والغنم شامل للضأن والمعز كشمول البقر للجاموس وهذه هي الأزواج الثمانية والزوج ما معه غيره وقد يراد به المجموع، وفي نصب الأنعام أوجه نصب على الاشتغال وهو أرجح من الرفع لتقدم الفعلية أو بالعطف على الإنسان فعلى الأوّل قوله خلقها مفسر، وعلى هذا مبين مؤكد وهو مستأنف جواب سؤال مقدر وقرىء بالرفع في الشواذ. قوله:) بيان ما خلق لأجله (وفي نسخة ما خلقت لأجله والتذكير في الأولى بتأويل ما ذكر أو يكون لأجل نائب الفاعل وجوّز فيه أن يكون مبنيا للفاعل وفي الكشاف ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جن! الإنسان فقيل
الحصر مأخوذ من لام الاختصاص بناء على أنه معنى اختصاها على أحد الاحتمالين، وقوله: يا جنس الإنسان إشارة إلى أنه التفات من الغيبة إلى الخطاب والكلام تم عند قوله خلقها، ويجوز أن يتم عند قوله لكم متعلقة بخلقها والأوّل أولى لعطف قوله:{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} عليه وعليه فالحصر مستفاد من التقديم وعلى الأوّل من اللام أو الفحوى والمقام وخالفه المدقق، فجعل الأولى تعلق لكم بخلق قيل: وهو الذي أراده رحمه الله تعالى ولذا لم يذكر حديث الحصر لأنّ اللام لا تدلّ عليه كما مرّ تفصيله، والمقابلة غير متعينة هنا وفيه أن قوله هنا لأجله صريح في أن اللام تعليلية لا اختصاصية غير دالة على الحصر وان قيل: إنّ التعليل قد يفيد ذلك فتأمّل وقوله فيقي البرد أي يكون وقاية دافعة بجعله لباسا أو بيتاً كما في آية أخرى ومن أصوافها الخ. والدفء اسم لما يدفىء أي يسخن وقرأ زيد بنقل حركة الهمزة إلى الفاء والزهريّ كذلك إلا أنه شدد الفاء كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف وفي اللوامح منهم من عوّض! من الهمزة تشديد الفاء، وهو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفا، واعترض عليه المعرب بأنّ التشديد وقفاً لغة مستقلة، وان لم يكن ثمة حذف من الكلمة الموقوف عليها، ويدفع بأنه إنما يكون ذلك إذا وقف على آخر حرف منها أمّا إذا وقف على ما قبل الآخر كقاض فلا. قوله:(نسلها ودرها وظهورها) أي وركوب ظهورها، وقوله وأنما عبر عنها أي عما ذكر من النسل وما ذكر معه والمراد بعوضها ثمنها ويلحق به الأجرة، وقوله أي تأكلون ما يؤكل إشارة إلى أنّ من تبعيضية، ويجوز أن تكون ابتدائية، وقوله:) والألبان) إشارة إلى أنّ الكل هنا بمعنى التناول الشامل للشرب، وقوله:) أو لأن الأكل منها هو المعتاد) بيان لوجه آخر للتقديم، وهو الحصر وأنه إضافيّ بالنسبة إلى اللحوم المعتادة، ونحوها، فلا يرد لحم الطيور والخبز والبقول والحبوب، والاعتياد مأخوذ من المضارع الدال على الاستمرار. قوله:(تردّونها من مراعيها إلى مراحها) بضمّ الميم وهو مقرها في دور أهلها وفيه إشارة إلى أنّ ضمير المفعول محذوف من الفعلين، والأفنية جمع فناء الدار بالكسر والمد وهو ما حولها من الفضاء، ويجل بكسر الجيم بمعنى يعظم، وملأى بفتح الميم وسكون اللام تأنيث ملآن كعطشان وعطشى، وحافلة بمعنى ممتلئة باللبن وحاضرة لأهلها أي موجودة في أفنيتهم، وقوله:{تُرِيحُونَ} فيه إشارة إلى حذف العائد من الجملة الواقعة صفة، والتسريح بمعنى الارسال، وأصله في الشعر والمراد به هنا
ارسال المواشي للرعي وتقييد الأوّل بالعشيّ. والثاني بالغداة بناء على المعتاد، والحظائر جمع
حظيرة، وهي مبيتها، والأحمال جمع حمل بالكسر معروف.! قوله:(وتقديم الإراحة الخ) أي مع تاخرها في الوجود لما ذكر والواو وإن لم تقتض ترتيبا لكن مخالفة الظاهر لا بد له من نكتة. قوله: (إن لم تكن الخ) بتشديد النون المدغمة في نون ضمير الإناث العائد على الأنعام ويجوز تحقيقه، وفاعله ضمير هي المقدر للافعام، وفي نسخة إن لم تكن الأنعام وكان تامّة، ويجوز أن تكون ناقصة، والخبر محذوف وهذا إشارة إلى السؤالين المذكورين في الكشاف، ودفع ما يتوهم من أنّ الموافق للسياق لم تكونوا حامليها إليه وأن طباقه من حيث إنّ معناه تحمل أثقالكم إلى بلد بعيد قد علمتم أنكم لا تبلغونه بأنفسكم إلا بجهد ومشقة فضلا أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم، وترك الوجه الثاني وهو أنّ المعنى لم تكونوا بالغيه بها إلا بشق الأنفس وحذف بها لأنّ المسافر لا بد له من الأثقال لأنّ الأوّل أبلغ وعن عكرمة رضي الله تعالى عنه أنّ البلد مكة. قوله: " لا بكلفة ومشقة) هذا بيان المعنى المراد منه وما بعده بيان لأصل معناه وانّ اطلاقه إمّا لكونه يكسر النفس أو يذهب نصفها كما تقول لن تبلغ كذا إلا بقطعة من كبدك، وقوله لانفاعكم الموجود في اللغة النفع لا الإنفاع، وقد استعمله المصنف رحمه الله تعالى في مواضع من كتابه، وخطىء فيه كما سيأتي في سورة الجن، وقوله وتيسير الأمر عليكم من قوله وؤوف. قوله:(ولتتزينوا بها زينة) فهي مفعول مطلق لفعل مقدر معطوف على لتركبوا أو هو مفعول به لفعل مقدر هو حال أي، وقد جعلها لكم زينة كما هو أحد الوجو. في إعرابه، وقوله:(وتغيير النظم) أي بإظهار اللام في الأوّل دون الثاني لأنّ الأوّل مختلف فاعله، فلا يصح نصبه على أنه مفعول له لفقد شرطه على ما عرف في النحو بخلاف الزينة بمعنى التزيين، واعترض عليه بفقد الشرط الآخر وهو المقارنة في الوجود فإن خلقها متقدّم على الزينة ورذ بأنها في حال خلقها زينة في نفسها، وفيه نظر وفي شرح المفصل للسخاوندي أنه لا بد من كون المصدر واقعا بعد الفعل يعني أنه لا يشترط فيه المقارنة، ودفع أيضا بأنّ المراد بالمقارنة عدم التقدم، لأنه يقال شربت الدواء اصلاحا للبدن كما قيل عليه أنه مخالف للمشهور بين النحاة وما ذكر محمول على الحال المقدرة، والذي يحسم ماذة الاشكال التأويل، كما أوّل التأديب بإرادته في ضربته تأديباً، ولذا قيل إنه علة بحسب الوجود الذهني
معلول بحسب الوجود الخارجي لاعتماده عليه، وقوله:) معطوفة على محل لتركبوها) فهي مفعول له. قوله: (ولأنّ المقصود من خلقها الركوب) فصرّح فيه بحرف العلة إشارة إلى أن الخلق في الأصل لأجله، وهذا لا يعارضه ما مرّ من أن نصبه لوجود شرط النصب فيه، لأنّ النكات لا تتزاحم، وقوله فحاصل بالعرض! لأنّ العقلاء لا تنظر إلى زينة الحياة الدنيا، فإنها عرض زائل فلذا أخره، وغير الأسلوب فيه قيل وهذا هو الوجه. قوله:(وقرىء بغير واو) وهي قراءة شاذة لابن عباس رضي الله عنهما، وفي إعرابه الوجوه السابقة ويزيد عليها كونه مفعولاً له لتركبوها وهو بمعنى التزين، فلا يرد عليه اختلافهما، ولا حاجة إلى الجواب بأنه على القول بجوازه، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إيماء إليه، وأما لزوم تخصيص الركوب المطلوب بكونه لأجل الزينة، وكون الحكمة في خلقها ذلك، وكرن ذلك هو المقصود الأصلي لنا فلا ضير فيه لأن التجمل بالملابس، والمراكب لا مانع منه شرعاً كما مز في قوله ولكم فيها جمال وهو لا ينافي أن يكون لخلقها حكما أهم عند العقلاء كالجهاد عليها وسفر الطاعات وإنما خص لمناسبته مقام الامتنان مع أن الزينة على ما قال الراغب ما لا يشين في الدنيا ولا في الآخرة، وأما ما يزينه في حالة دون أخرى فهو من وجه شين، ولذا قال تعالى:{حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [سورة الحجرات، الآية: 7] وقوله: (متزينين) على الحالية من ضمير الفاعل ومتزينا بها على كونه حالاً من ضمير المفعول. قوله: (واستدلّ به على حرمة لحومها (هو أحد قولي الحنفية في كراهتها هل هي تحريمية أم لا وإلى الأوّل ذهب صاحب الهداية وحمه الله تعالى، وذكر في وجه الاستدلال أنّ الآية واردة في مورد الامتنان والأكل من أعلى منافعها، والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم، ويمن بأدناها، ونقله في كتاب
الأحكام عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى الجواب عنه بأنّ كونه أدنى النعمتين غير مسلم، واًن ذكر بعض المنافع لا ينافي غيرهما، والآية وردت للامتنان عليهم بما ألفوه واعتادوه، وهو الركوب والتزين بها لا اكل بخلاف النعم فذكر أغلب المنفعتين عندهم وترك الأخرى اكتفاء بذكره أوّلاً كيف وحرمة لحوم الحمر الأهلية إنما وقعت عام خيبر عند أكثر المحدثين، وهذه الآية مكية فلو علم منها ذلك كان ثابتا قبله (وفيه بحث (لأنّ السورة وان كانت مكية يجوز كون هذه الآية مدنية، ويؤيده ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فتأمّل فإن الاستدلال بها لا يخلو من الكدر، وقوله: (على أن الحمر الأهلية الخ (يعني ولو كانت الآية دالة على حرمة لحوم الخيل لدلت على حرمة لحوم الحمر أيضاً لكونهما على سنن
واحد في النظم، وهو إشارة إلى ما في مسلم وغيره " نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الآهلية " (1) . قوله:(لما فصل الحيوانات الخ) إشارة إلى تفاوت مراتب الاحتياج وأن منها ما هو ضرورفي، وما هو غير ضروريّ، وقوله أجمل غيرها إشارة إلى أن قوله ويخلق ما لا تعلمون بمعنى ويخلق غير ذلك، والتعبير عنه بذلك لأن مجموعها غير معلوم، وقوله:(ويجوز الخ) فما لا تعلمون على ظاهره، وأنه مما لا يحتاج إليه، وأن يراد معطوف على أن يكون، وهو مخصوص بما في الجنة، وكونه غير معلوم لنا، وقوله:(ما لم يخطر (إشارة إلى الحديث المشهور. قوله: (بيان مستقيم الطريق الخ (ليس القصد هنا مصدر قصدته بمعنى أتيته بل هو بمعنى تعديلها وهو مصدر وصف به فهو بمعنى قاصد يقال سبيل قصد وقاصد أي مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك، ولا يعدل عنه فهو نحو نهر جار وطريق سائر ولما كان على للوجوب ولا وجوب على الله عندنا كما ذكره الزمخشري كان معناه أنه لتحتمه وتعينه بطريق الوعد به تفضلاً كالواجب اللازم عليه كما أشار إليه بقوله رحمة الخ واللازم ليس هو مستقيم الطريق بل الهداية إليه وبيانه للعباد فلذا قدروا فيه مضافا، وهو البيان كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى أو الهداية كما في الكشاف لقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [سورة الليل، الآية: 12] أو هو مصدر بمعنى الإقامة، والتعديل أي اظهاره بالحجج والبراهين وارسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وانزال الكتب ولا حاجة إلى تقدير المضاف على هذا والموصل صفة مستقيم لا صفة الطريق، لأن كل طريق موصل إلى الحق مستقيم، وإنما قيل إن عليه بيان الطريق المستقيم دون ضده، لأنه ما عدأه فيعلم من بيانه بيانه وترك ذكره لعدم الاعتداد به، وإيهام أنه غير محتاج إلى البيان، وقد علم مما مرّ الفرق بين الوجهين باختلاف معنى القصد فيهما، والاحتياج إلى التقدير وعدمه وقيل الأوّل مبنيّ على ملاحظة وجود الطريق المستقيم، وتحققها وكونها مفروغا عنها دون الثاني. قوله: (أو عليه قصد السبيل الخ) يعني أن على
ليست للوجوب واللزوم، والمعنى أن قصد السبيل ومستقيمه موصل إليه، ومارّ عليه فشبه ما يدلّ على الله بطريق مستقيم شأنه ذلك، وقوله:(والمراد بالسبيل الجنس الخ) أي هو شامل للمستقيم، وغيره فإضافة القصد بمعنى المستقيم إليه من إضافة الخاص إلى العامّ لا من إضافة الصفة إلى الموصوف، واليه أشار بقوله ولذلك الخ فإن إضافة الصفة إلى الموصوف خلاف الظاهر فلذا استدلّ به عليه وكذا استدل بقوله منها فإن الجائر ليس منها بل قسميها، وأمّا عود الضمير على المطلق الذي في ضمن المقيد فخلاف الظاهر، ونحن في غنى عنه بقصد السبيل. قوله:(حائد عن القصد الخ) حائد بالحاء والدال المهملتين اسم فاعل من حاد بمعنى عدل، وفي نسخة مائل، والوجه الأول ناظر إلى تفسير القصد بالقاصد والإقامة والتعديل، والثاني إلى الأخير. قوله: (وتغيير الأسلوب لآنه ليس بحق الخ (الجور العدل عن الاستقامة وطريق جائر غير مستقيم قال:
ومن الطريق جائر وهدى قصد ال! سبيل ومنه ذودخل
فكان الظاهر، وعلى الله قصد السبيل، وعليه جائرها فعدل عن ذلك لأن الضلال لا يضاف إلى الله إما لأنه غير خالقه كما هو مذهب المعتزلة كما في الكشاف، وقد جعلوا الاية حجة لهم أو لأنه لا يليق أن يضاف إليه تأدبا هو كقوله:{الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} [سورة الفاتحة، الآية: 7] والمصنف رحمه الله تعالى أشار إلى
دفع استدلالهم تبعا للإمام بأن المراد على الله بحسب الفضل والكرم بيان الدين الحق، والمذهب الصحيح فأمّا بيان كيفية الاغواء والاضلال فغير واجب وفيه بحث فإنه كما أن بيان الهداية، وطريقها متحتم فكذا ضده، وليس إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإنزال الكتب إلا لذلك فالحق أن المعنى على الله بيان طريق الهداية ليهتدوا بها، وبيان غيرها ليحذروه، وإنما اكتفى بأحدهما للزوم الآخر له، ولذا قال محي السنة رحمه الله تعالى المعنى بيان طريق الهدى من الضلالة:
وبضدها تتبين الأشياء
وقوله: (أو لأن المقصود الخ (هذا جواب آخر بناء على أن بيانهما لازم، ولكنه اقتصر
على بيان الأوّل، لأنه المقصود بالذات والآخر إنما يبين ليجتنب كما قيل:
عرفت الشز لا للشرّ لكن لتوقيه
ولما كان مقتضى هذا ترك ذكره بالكلية أشار إلى أنّ ذكر انقسام السبيل إليهما وقع بالعرض كالاستطراد وقراءة ومنكم بالواو قراءة ابن أبيّ وقراءة على فمنكم بالفاء. قوله: (أي ولو شاء هدايتكم الخ) قدر مفعوله من مضمون الجواب كما هو المطرد فيه كما مرّ تحقيقه،
وأجمعين قيد المنفي لا النفي فهي لسلب العموم لا لعموم السلب، وقوله هداية مستلزمة للاهتداء قيد به لأنه هو المنفي إذ الهداية بمعنى مطلق الدلالة واقعة للجميع لما لم يكن تعلق مشيئة الله بشيء موجبة لوجود. عند المعتزلة والآية منادية على خلاف ما زعموه جعلوا المشيئة قسمين مشيئة قسر والجاء وغيرها، والأولى موجبة بخلاف الثانية وفسروا المشيئة هنا بالقسرية كما في الكشاف. قوله:(من السحاب أو من جانب السماءا لما كان المطر ينزل من الغيم دون السماء نفسها جعلها بمعنى السحاب إمّا استعارة، أو مجازاً مرسلاً على أنها بمعنى ما علا مطلقاً أو في الكلام مضاف مقدر وهو جانب أو جهة، وقوله صلة أنزل فمنه شراب مبتدأ وخبر أو منه صفة وشراب فاعله وقوله: (ومن تبعيضية) أي في قوله منه والجملة صفة، وأمّا من في قوله:{مِّنَ السَّمَاء} فابتدائية. قوله: (وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه) أشار بقوله يوهم إلى أنه ليس بمراد لأنّ التقديم لا يلزمه ذلك ولذا قال ولا بأس به أي لا ضرر في قصد الحصر المتبادر منه فإنّ جميع المياه العذبة المشروبة بحسب الأصل منه كما بينه والآبار جمع بئر على القلب والتقديم إذا لم يكن صلة أنزل، وهو ظاهر وقوله فسلكه ينابيع دلالته على ما ذكره بحسب الظاهر إذ لا يأبى كون بعضها ليس منه، وكذا ما بعده. قوله:(ومنه يكون شجر) بيان لحاصل المعنى لا للإعراب، لأن منه خبر مقدم أي كائن منه شجر، وقوله:(يعني الشجر الذي ترعاه المواشي (فيه إبقاء الشجر على حقيقته لأنه ما كان له ساق وقيده بما يرعى لقوله فيه تسيمون، والإبل والبقر تأكل من أوراقه طرية وتخبط لها يابسة، وقوله: (وقيل كل ما ينبت) فهو مجاز شامل، وهو أنسب بكونه مرعياً واستدل عليه بالبيت إشارة إلى استعماله بهذا المعنى كما ورد في الحديث:(لا تكلوا ثمن الشجر) يعني الكلا كما في النهاية.
قوله:
جدبوا، وقيل المراد باللحم الضرع، والمراد سقيها اللبن، وعز بمعنى قل والشجر هنا بمعنى الكلأ لأنه هو الذي يعلف، وكون ذلك فيه ضرر، لأنه لا يغني غناء غيره. قوله:) ترعون من سامت الماشية واسامها الخ) والقراءة المشهورة بضم التاء من الأسامة وقرئ شاذآ بفتحها بتقدير لتسيم مواشيكم والسومة بضم السين كالسمة بكسرها بمعنى العلامة، وقوله لأنها تؤثر بالرعي علامات يعني أن المواشي تؤثر علامات في الأرض والأماكن التي ترعاها فلذا سميت أسامة. قوله تعالى:) {يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ} ) يحتمل أن تكون صفة أخرى لماء أو مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل، وهل له منافع أخر، وقوله على التفخيم لأنه يستعمله المعظم نفسه، ولذا سماها النحاة نون العظمة. قوله:) وبعض كلها) فمن تبعيضية وصرّح بها لأن كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة، وإنما أنبت في الأرض! بعض من كل ليتذكر باقيها كما في الكشاف والمصنف رحمه الله تعالى ذكر وجهاً آخر، وهو أنها بعض مما في يفاع الإمكان من ثمر القدرة الذي لم تجنه راحة الوجود وهو أظهر وأشمل، وأنسب بما تقدم، لأنه كما عقب ذكر الحيوان المنتفع بها على
التفصيل بقوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} عقب ذكر الثمرات المنتفع بها بمثله. قوله: (ولعل تقديم ما يسام الخ (يعني كان الظاهر تقديم غذاء الإنسان الأشرف فأشار إلى أن ما قدم منه غذاء له بواسطة أيضا، وهذا لا يدفع السؤال لأنه كان ينبغي تقديم ما كان غذاء بغير واسطة فالنكتة أنه قدّم النعم التي لا دخل للخلائق فيها ببذر، وغرس وقدم الزرع لمناسبته للكلأ المرعى، وقوله ومن هذا أي من هذا القبيل أو لأجل هذا صرّج بالأنواع الثلاثة لما فيها من الغذائية، وغيرها من الثمار للتفكه، وقدم الزيتون لأنه أعرف وثنى بالنخل لأنه أقوى غذاء من العنب، وقال الإمام قدم ذلك للتنبيه على مكارم الأخلاق، وأن يكون اهتمام الإنسان بمن تحت يده أقوى من اهتمامه بنفسه، وقوله:{كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} [سورة طه، الآية: 54، إيذان بأنه ليس بلازم وان كان من الأخلاق الحميدة ولك أن تقول لما سبق ذكر الحيوانات المأكولة، والمركوبة ناسب تعقيبها بذكر مشربها ومأكلها لأنه أقوى في الامتنان بها إذ خلقها ومعاشها لأجلهم فإن من وهب دابة مع علفها كان أحسن كما قيل من الظرف هبة الهدية مع الظرف. قوله: (على وجود الصانع وحكمتة فإن من تأمّل الخ (الظاهر أنه متعلق بآية، وقيل إنه علق على
بيتفكرون لتضمينه معنى يستدلون قيل كان المناسب لما سبق من قوله في تفسير قوله أنه لا إله إلا أنا فاتقون، والآيات بعدها دليل على وحدانيته وما سيقوله من قوله مقدّس عن منازعة الأضداد، والأنداد أن يقول على وحدانيته فلعل مراده على وجوب الصانع الواحد بقرينة كلامه السابق، واللاحق (أفول) الظاهر أنّ وجود الصانع الحكيم يدل على انتفاء غيره ووحدانيته بطريق التمانع كما أشار إليه بقوله فيما مرّ أنها تدلّ على أنه تعالى هو الموجد لأصول العالم، وفروعه على وفق الحكمة، والمصلحة فلو كان له شريك لقدر على ذلك فيلزم التمانع وبهذا يرتبط الشرط والجزاء ويأخذ الكلام بعضه بحجر بعض، وقوله علم خبران. قوله:(ولعل فصل الآية به لذلك الخ) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها إسقاط لفظ به، والمراد بالفصل وقوعه فاصلة خاتمة لها على المعتاد في تتميم الآيات، وتذييلها ومعناه أنّ هذه ختمت بقوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الزمر، الآية: 42] وما بعدها بقوله إنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون لأنّ إنبات السنبلة أو الشجرة من الحبة بعد انشقاقها برطوبة مودعة في الأرض الخ أمر خفيّ يحتاج إلى التفكر، والتدبر لمن له نظر سديد يستدل به على قدرته، وحكمته، ولذا أفرد الآية لأنه معنى واحد والمختلف فروعه، وثمرته بخلاف أمر الليل، والنهار والشمس، والقمر والنجوم فإنه مختلف مع أنه أظهر دلالة على القدرة الباهرة، وأبين شهادة على الكبرياء، والعظمة، ولذلك جمعت الآيات على ما أشار إليه في الكشاف، وأمّا فصل جملة ينبت الخ فلأنها مستأنفة أو نعت هكذا ينبغي تحقيق كلامه فما قيل في تفسيره أنه فصل قوله ينبت لكم به الزرع بقوله إنّ في ذلك لآية الخ. للعلم بما ذكره، وانّ فيه ما فيه وليس في بعض النسخ لفظ به فيكون المراد بالفصل ترك العاطف في تنبت، وهو معنى جيد لا غبار عليه ناشئ من عدم التفكر مع أنه غير ملائم لما قدمه في بيان أعرابها، ولا يصلح وجها للفصل، وكيف يتأتى ما ذكر مع تصريح المصنف رحمه الله تعالى بما ذكرناه في خاتمة الآية التالية. قوله: (بأن هيأها لمنافعكم (لما كان التسخير بمعنى السوق قهراً كما ذكره الراغب، وهو غير مراد هنا أشار بأنه مجاز عن الإعداد والتهيئة لما يراد منه، وهو الانتفاع به. قوله: (حال من الجميع أن نفعكم بها حال كونها مسخرات الما كان الحمل على الظاهر دالاً على أن التسخير في حال التسخير بأمره، وليس كذلك لتأخر الأوّل أوّلوه بأن المعنى جعلها مسخرات لأن في التسخير معنى الجعل فصحت مقارنته على أنه تجريد أو على أن التسخير لهم نفع خاص فمعناه نفعكم حال كونها مسخرات لما خلقت له مما هو طريق لنفعكم فسخر بمعنى نفع على الاستعارة أو المجاز المرسل لأن النفع من لوازم التسخير أو كلى أنّ مسخرات مصدر ميمي منصوب على أنه مفعول
مطلق، وسخرها مسخرات على منوال ضربته ضربات أو يجعل قوله مسخرات بأمره بمعنى مستمرة على التسخير بأمره الإيجادي لأن الأحداث لا يدلّ على الاستمرار، وسيأتي تحقيقه. قوله:(أو لما خلقن له بإيجاده وتقديره الخ) هذا وما قبله تفسير لقوله بأمر. فالأوّل على أن أمره شامل للإيجاد، والتدبير
ابتداء، وبقاء فالمعنى أنها مسخرات لله منقادة في البروز من العدم إلى الوجود، وفي البقاء للانتفاع بها فإنها محتاجة إلى الفاعل في الحالين عند التحقيق فالأمر واحد الأمور، والمراد به الخلق، والتدبير الجاري على وفق مثيئته، وليس بيانا لمعنى التسخير لعدم تصوّر حقيقة التسخير، وهي القهر، والغلبة في الجمادات إذ لا حاجة إليه بعد ما فسره بالإعداد، والتهيئة وبين أنه بمعنى الجعل أو النفع أو الأمر واحد الأوامر، وهو تكوينيّ كقوله:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سورة ي! ، الآية: 82] فالمعنى أنها مسخرة لما خلقت له بقدرته، وايجاده أو بحكمه عليها كما أراد فأوفى قوله أو بحكمه للتخيير في التفسير، وفي نسخة لحكمه باللام، والمشهور الباء. قوله:(وفيه للذان بالجواب عما عسى يقال الخ (عسى هنا مقحمة بين الصلة والموصول كما مر تفصيله يعني كون ذلك بأمره على التفاسير فيه ينفي تأثير العلويات، والطبائع بالذات لأن تخصيص بعضها ببعض الأحوال لا بدّ له من مخصص فإن كان ذلك حادثا دار أو تسلسل، وان كان واجباً ثبت المراد، وقوله فيكون تعميما للحكم بعد تخصيصه بناء على أنّ النجوم شاملة للشمس، والقمر. قوله: (لأنها تدل أنواعاً من الدلالة ظاهرة الخ) فيه لف، ونشر مرتب فقوله تدل الخ. بيان لنكتة الجمع وغير محوجة لذكر العقل يعني أنه لما ذكر الآثار السفلية أفرد الآية وذكر التفكر، وحين ذكر العلوية جمع الآية، وذكر العقل لظهور دلالتها على القدرة، والعظمة فكأنها مدركة ببديهة العقل، وكل منها دليل مستقل بخلاف الآثار السفلية فإنها خفية الدلالة لاحتمال استنادها إلى العلويات فلا بد من التفكر فيها، ومن ضمّ بعضها إلى بعض ليظهر المطلوب فهي بمنزلة آية واحدة، وكذلك الاستدلال باختلاف ألوان ما ذرأ فاحتاج إلى تذكر حال الآثار السفلية فيه فلذا قال إن في ذلك لاية لقوم يذكرون كذا قرّره العلامة في شرح الكشاف، والاستدلال بالدور والتسلسل إنما هو بعد التفكر في بدء أمرها وما نشأ منه من اختلاف أحوالها فلا وجه لما قيل إنه إذا انجرّ الكلام
إلى إبطال التسلسل على ما قرّره لا تكون الدلالة محوجة إلى استيفاء فكر، وإنّ المقام غير محتاج إلى ذلك لأنه للرذ على عبدة الأوثان المعترفين بأنه خلق كل شيء، وأمّا التعكيس بجعل الاستدلال بالآثار العلوية أدق من الاستدلال بالسفلية لأنّ اختلاف أحوال النبات، ونحوه مشاهد بخلاف العلوية لاحتياجها إلى تدقيقات حكمية وهندسية فهو وان كان له وجه غير ملائم للمقام، ولما في الفاصلتين من الختام فتدبر. قوله:) عطف على الليل الخ) ذرأ بمعنى خلق ومنه الذزية على قول قيل عليه إنّ فيه شبه التكرار لأن اللام في ذرأ لكم للنفع، وقد جعل سخر لكم بمعنى نفعكم فمآل المعنى نفعكم بما خلق لنفعكم فالأولى جعله في محل نصب بفعل محذوف أي خلق أو أنبت كما قاله أبو البقاء رحمه الله، وما قيل من أن الخلق للإنسان لا يستلزم التسخير لزوما عقليا فإنّ الغرض! قد يتخلف مع أنّ الإعادة لطول العهد لا تنكر رذ بأنه غفلة عن كون المعنى نفعكم، وما ذكره علاوة مبنيئ على كون لكم متعلقا بسخر أيضا، وهو عند المصنف رحمه الله متعلق بذرأ وهذا ليس بشيء لأن التكرار لما ذكر، وللتأكيد أمر سهل، وكون المعنى نفعكم لا يأباه مع أن هذه الآية سيقت كالفذلكة لما قبلها، ولذا ختمت بالتذكر وقوله أصنافه إشارة إلى أنه مجاز عما ذكر كما يقال ألوان الطعام، وهو مجاز معروف في العربية، وغيرها قال الراغب الألوان يعبر بها عن الأجناس، والأنواع يقال فلان أتى بألوان من الحديث، والطعام. قوله:) أنّ اختلافها في الطباع (أي اختلاف طبائعها، وهيئاتها، وأشكالها مع اتحاد مذتها يدل على الفاعل الحكيم المختار كما مرّ تقريره، وقيل المراد بالطباع الصفات التي تتميز بها الأجسام المتماثلة كما هو مذهب المتكلمين القائلين بتماثل الأجسام فلا يرد أن الماهيات ليست بجعل جاعل، ولا داعي لما ذكره، ولا قرينة على أنه المراد منه. قوله:) ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم (، والرطوبة مستعدة للتغير فلذا كان سريع الفساد والاستحالة، وقوله فيسارع إلى أكله إشارة إلى أنه ينبغي تناوله طريا من ساعته، وقد قال الأطباء إن تناوله بعد طراوته من أضمز الأشياء ففيه إدماج لحكم طبيّ، وهذا لا ينافي تقديده، وأكله مخللاً كما توهم، ومنه متعلق بتأكلون أو حال، ومن ابتدائية أو تبعيضية، وطرقي فعيل مت طرو يطرو طراوة أو طرأ يطرأ، ويقال طراوة
وطراء كشقاوة، وشقاء والطراوة ضد اليبوسة. قوله:
(وأجيب عنه بأن مبني الإيمان على العرف) أي على ما يتفاهمه الناس في عرفهم لا على الحقيقة اللغوية، ولا على استعمال القرآن، ولذا لما أفتى الثوري بالحنث بأكل السمك لمن حلف لا يأكل لحماً لهذه الآية، وبلغ أبا حنيفة قال للسائل ارجع، واسأله عمن حلف لا يجلس على بساط فجلس على الأرض هل يحنث لقوله تعالى:{جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا} [سورة نوج، الآية: 9 أ] فقال له كأنك السائل أمس قال نعم فقال لا تحنث في هذا، ولا في ذاك، ورجع عما أفتى به أوّلاً قال ابن الهمام فظهر أنّ متمسك أبي حنيفة العرت لا ما في الهداية من أنّ القياس الحنث، ووجه الاستحسان أن التسمية القرآنية مجازية لأن منشأ اللحم الدم، ولا دم فيه لسكونه الماء مع انتقاضه بالألية فإنها تنعقد من الدم، ولا يحنث بأكلها، وقيل عليه إنه يجوز أن يكون في المسألة دليلان ليس بينهما تناف، وما ذكره من النقض مدفوع بأن المذكور كل لحم ينشأ من الدم، ولا يلزم عكسه الكلي، ولا يخفى ما فيه فإن إطلاق اللحم على السمك لغة لا شبهة فيه فينقض الطرد والعكس فمراد المدقق الرذ عليه بزيادة في الإلزام نعم قد يقال مراده بالمجاز المذكور أنه مجاز عرفي كالدابة إنما أطلقت على الإنسان فيرجع كلامه إلى ما قاله أبو حنيفة رحمه الله، وحينئذ لا غبار عليه، وما ذكره بيان لوجه الاستعمال العرفيئ فلا يرد عليه شيء فتأمل، وكون السمك عذباً تسمح، والزعاق بضم الزاي، والعين المهملة المز الذي لا يشرب، وفي الكشاف إذا قال الرجل لغلامه اشتر بهذه الدراهم لحما فجاء بالسمك كان حقيقاً بالإنكار، وتعقب بأن الإنكار إنما جاء من ندرة اشتراء مثله لأنه غير متعارف، وفيما نحن فيه اشتراء السمك، ولحمه متعارف فمحل الإنكار إطلاق اللحم عليه. قوله: (كاللؤلؤ المرجان (في تهذيب الأسماء المرجان فسره الواحدي بعظام اللؤلؤ، وقال أبو الهيثم صغاره، وقال آخرون: هو جوهر أحمر يسمى النسيد وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه، وهو المشهور في عرف الناس. قوله: (فأسند إليهم لآنهن من جملتهم الخ (لما كان الحلي من لبس النساء دون الرجال وجهه بأنه أسند إلى الرجال لاختلاطهم بالنساء، وكونهم متبوعين أو لأنهم سبب لتزينهن فإنهت يتزين ليحسن في أعينهم أو هو من المجاز في الطرف فمعنى تلبسون تتمتعون وتلتذون على طريق الاستعارة أو المجاز، ولو جعل من مجاز البعض لصح أن تلبسها نساؤكم، وأمّا كونه تغليبا، أو من إسناد ما للبعض إلى الكل فلا وجه له أمّا الأوّل فلعدم التلبس بالمسند، وهو اللبس، وأمّا الثاني فلأنه لا يتئم بدون الفجاز في الطرف، واستدل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى بهذه الآية على أن اللؤلؤ يسمى حليآ حتى لو حلف لا يلبس
حلياً فلبسه حنث، وأبو حنيفة رحمه الله يقول لا يحنث لأنّ اللؤلؤ وحده لا يسمى حليا في العرف، وبائعه لا يقال له بائع الحلي كذا في أحكام الجصاص، وأمّا ما قيل إنه لا مانع من تزين الرجال باللؤلؤ فلا حاجة لما تكلفه المصنف رحمه الله فبعد تسليم أنه لا مانع منه شرعا مخالف للعادة المستمرة، ويأباه لفظ المضارع الدال على خلافه فإن قلت الظاهر أن يقال تحلونهن أو تقلدونهن كما قال:
نزوع حصاة حالية العذارى فيلمس جانب العقد النظيم
وهي للنساء دون الرجال قلت أمّا الأوّل فسهل لأنّ المراد لازمه أي تحملونهن، والثاني
على فرض! تسليمه هم يتمتعون بزينة النساء فكأنهم لابسون، وإذا لم يكن تغليبا فهو مجاز بمعنى تجعلونها لباسا لبناتكم ونسائكم، ونكتة العدول أنّ النساء مأمورون بالحجاب، واخفاء الزينة عن غير المحارم فأخفى التصريح به ليكون اللفظ كالمعنى. قوله:(جواري فيه) فهو جمع ماخره بمعنى جارية، وأصل معنى المخر الشق فسميت به لأنها تشق الماء بمقدمها، وهو المراد بالحيزوم بالحاء المهملة، والزاي المعجمة لأنه أعلى الصدر مما اكتنفه الحلقوم، وله معان أخر أو المخر الصوت سميت به لأنها يسمع لها صوت إذا جرت. قوله:) من سعة رزقه بركوبها للتجارة) في إعراب لتبتغوا ثلاثة أوجه أحدها أنه معطوف على لتأكلوا، وما بينهما اعتراض وثانيها أنه معطوف على علة محذوفة أي لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا، وقيل إنه متعلق بفعل محذوف أي وفعل ذلك لتبتغوا، وهو تكلف لا حاجة إليه وفسر الفضل بتوسيع الرزق، وقيده بما يكتسب من تجارة البحر لاقتضاء المقام. قوله: (أي تعرفون نعم الله تعالى فتقومون بحقها (ذكر المعرفة لأنه لا يشكر النعمة من
لا يعرفها فهو لازم معناه المتقدم عليه، والقيام بحقها هو معنى الشكر، وهو شامل لما كان باللسان، والأركان والجنان. قوله:(ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لأنه أقوى في باب الأنعام) إذ ركوب البحر مظنة الهلاك لأنهم كما قال عمرو رضي الله عنه دود على عود، وهو من كمال النعمة لقطع المسافة البعيدة في زمن يسير قريب مع عدم الاحتياج إلى الحل، والترحال كما في البر والحركة مع الاستراحة والسكون، ولله در القائل: وأنا لفي الدنيا كركب سفينة نظن وقوفا والزمان بنا يسري
وقد تقدم تحقيق الرواسي. قوله: (كراهة أن تميل بكم وتضطرب الخ) تقدم نظيره، وأنه بتقدير مضاف أي ككراهة وخوف أو بتقدير لئلا تميد. قوله: (وكان من حقها أن تتحرك
بالاستدارة) قيل لا وجه لهذا على مذهب أهل الحق، ولا على مذهب الفلاسفة أمّا الأوّل فلأنّ ذات الشيء لا تقتضي تحزكه، وإنما ذلك بإرادة الله تعالى، وأما الثاني فلأنّ الفلاسفة لم يقولوا إنّ حق الأرض أن تتحرّك بالاستدارة لأنّ في الأرض ميلاً مستقيماً، وما هو كذلك لا يكون فيه صيد وميل مستدير على ما ذكروا ير العلم الطبيعي، وأورد أيضاً على منع الجبال لها من الحركة أنه قد ثبت في الهندسة أنّ نسبة أعظم جبل في الأرض، وهو ما ارتفاعه فرسخان وثلث فرسخ إلى جميع الأرض نسبة خمس سبع عرض! شعيرة إلى كرة قطرها ذراع، ولا ريب في أنّ ذلك القدر من الشعيرة لا يخرج تلك الكرة عن الاستدارة بحيث يمنعها عن الحركة، وكذا حال الجبال بالنسبة إلى كرة الأرض فالصحيح أن يقال خلق الله الأرض مضطربة لحكمة لا يعلمها إلا هو، ثم أرساها بالجبال على جريان عادته في جعل الأشياء منوطة بالأسباب، وفيه أنه يرد عليه ما أورده، واعلم أنّ من أصحاب العلوم الرياضية من ذهب إلى أنّ الأرض متحرّكة على ما فصله في نهاية الإدراك مع ردّه، وأمّا كون الأرض ذات ميد وميل مستقيم فيمتنع أن تتحرّك على الاستدارة بالطبع فهو مبرهن في محله لكن قال الإمام الجمهور على أنه تعالى لما خلق الأرضى على وجه الماء اضطربت فخلق عليها هذه الجبال الثقال فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل هذه الجبال كما أنّ السفينة إذا ألقيت على وجه الماء تميل من جانب إلى جانب فإذا وضعت فيها الإجرام الثقيلة استوت على وجه الماء، واستقرّت، وهذا مشكل لأنه سطح الماء إن كان حيز الأرض الطبيعي وجب سكونها، واسنقرارها وان لم يكن حيزها الطبيعي، وهي أثقل من الماء فلا بد من غوصها في الماء فلم تبق على وجه الأرض مضطربة، وأجاب بأنّ الأرض كرة من حقها أن تتحرك بالاستدارة كالفلك أو تتحرك بأدنى سبب فلما خلقت عليها الجبال توجهت نحو مركز العالم بثقلها العظيم فكانت جارية مجرى الأوتاد التي منعت الأرض عن الاستدارة فمنعها الأرض عن الميد والاضطراب هو الذي منعها من الحركة المستديرة، وقد تبعه المصنف رحمه الله تعالى على عادته، وأنت إذا تأملته علمت أنّ ما اعترضوا به غيروا رد لأنها من حيث هي كريتها تقتضي الحركة المستديرة بالذات والميل المستقيم عارض! لها بالثقل فلا منافاة بينه وبين ما تقرّر في الطبيعي، وليس هذا محلاً يسع تحقيقه، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. قوله:(ما هي بمقرّ أحد على ظهرها) مقرّ بفثح الميم اسم مكان من القرار والباء زائدة، وقيل إنّ الظاهر أنه يضمها اسم فاعل من الإقرار بمعنى جعل الشيء قاراً والتذكير باعتبار المكان، ولا داعي له. قوله: (وجعل فيها أنهار الخ الما كان الإلقاء بمعنى الطرح لا تتصف به الأنهار أشار إلى تسلطه عليه باعتبار ما فيه من معنى الجعل والخلق أو تضمينه إياه
ويجوز أن يقدر له فعل لأنه على حدّ قوله:
علفتها تبناً وماء باردا
وقد جوّزوا فيه ذلك لكن المصنف رحمه الله تعالى اختار هذا لأن التقرير خلاف الظاهر. قوله: (لمقاصدكم) هذا بناء على الظاهر من أنه تعليل لقوله سبلاً، وقوله أو إلى معرفة الله على أنه تعليل لجميع ما قبله لأنّ تلك الآثار العظام تدل على فاعل حكيم عظيم ففي قوله تهتدون تورية حينئذ. قوله:(معالم) جمع معلم، وهو ما يستدل به على شيء والسابلة الفرقة التي تسلك سبيلاً، وتطلق على الطريق نفسها وليس! بمراد هنا، وقوله وريح هو إشارة إلى ما في التفسير الكبير من أنّ من الناس من يشمّ التراب فيعرف يشمه الطريق، وأنها مسلوكة أو غير مسلوكة، ولذا سميت المسافة مسافة لأنها من السوف بمعنى الشتم فالريح بمعنى الرائحة. قوله: (بالليل في البراري (جمع برّية، وهي معروفة
وقوله والمراد بالنجم الخنس أراد بالجنس السيارة منها، وقد تطلق على النجوم كلها وعلى زحل، والمشتري والمرّيخ لأنها تخنس في مجراها أي ترجع هذا إن كان الخنس بخاء معجمة مضمومة، ونون مشددة مفتوحة وسين مهملة، وفي نسخة الجنس بجيم مكسورة ونون ساكنة، وسين مهملة أي تجنس النجوم، وهي أظهر عندي.
قوله: (ويدل عليه قراءة الخ) إمّا على أنه جمع نجم كسقف، وسقف ورهن ورهن، وتسكينه للتخفيف أو على أنّ أصله نجوم فخفف بترك الواو، وأورد عليه أنه لا اختصاص له بهذا التفسير بل هو مؤيد للوجه الثاني أيضا إذ فيه معنى الجمعية، وكونه مؤيداً {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ} [سورة الغاشية، الآية: 7] فالوجه أنّ مراده أن النجم غلب على الثريا وأصله العموم فذكر أنه باق على أصله بدليل هذا القراءة فالدليل نسبيّ شامل لهما، وخصه بما ذكر لأنه الأصح عنده والثريا والفرقدان نجوم معروفة، وقوله وبنات النعش كذا وقع في النسخ بالألف، واللام والصواب إسقاطها لأنه علم، وأحكام العلمية تراعي في الجزء الثاني في مثله كما هو مقرّر عندهم قال الجوهري: اتفق سيبويه، والفراء على ترك صرف نعش للمعرفة، والتأنيث قال البدر الدماميني: الظاهر أن المراد ترك الصرف جوازاً لا وجوبأ لأنه ثلاثيّ ساكن الوسط كهند فيجوز فيه الأمران، والجدي نجم عند القطب تعرف به القبلة، والمنجمون يقولون له جدفي بالتصغير فرقاً بينه، وبين اسم البرج المعروف فيصح قراءته في عبارة المصنف رحمه الله تعالى مصغراً ومكبراً. قوله: (ولعل الضمير لقريش الخ الما كان ما قبله على سنن
الخطاب، وقد أخرج هذا إلى الغيبة، وخصص هؤلاء الغائبون بالاهتداء دون غيرهم لتقديمهم على يهتدون وخصص اهتداؤهم بالنجم دون غيره حيث قدم بالنجم على عامله، وهو يهتدون جعل المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشري الخطاب في الآيات السابقة لجميع الناس، والمراد بهؤلاء قريش، ولما امتازوا من بينهم بالاهتداء بالنجوم لكونهم أصحاب رحلة وسفر خص بهم، وعدل عن سنن الخطاب إلى الغيبة وعبر بكلمة التوقع لاحتمال عموم الضمير لكل عارف بسلوك البر والبحر، وتغيير التعبير للالتفات واحتمال تقديم بالنجم للفاصلة وتقديم الضمير للتقوّى. قوله:) انكار بعد إقامة الدلائل) إشارة إلى معنى الهمزة، وأنه استفهام إنكارقي وأنّ معنى الفاء التعقيب والتفريع للمستدل عليه على الدليل، والدلائل المذكورة ما ذكره من أوّل السورة إلى هذه الآية، وقوله لأن يساوبه متعلقة بانكار يعني أنّ المساواة بعد ما ذكر منكرة قطعاً والانكار بمعنى النفي للمساواة، وليس لانكار تسوية الكفار حتى يكون بمعنى عدم الابتغاء، وان لزمه ذلك. قوله:(والتفرّد بخلق ما عدّد من مبدعاته الخ (إشارة إلى أنّ مفعول بخلق محذوف استغناء عنه بما مر أي أفمن يخلق ما ذكر من المخلوقات البديعة، وقوله ما لا يقدر على خلق شيء إشارة إلى أن مفعول لا يخلق مقدر أيضا لكنه عام أي كمن لا يخلق شيئاً ما جليلاً أو حقيراً، وبجوز أن يكون العموم فيه مأخوذاً من تنزيله منزلة اللازم وهو يفيد العموم في المنفي أيضا، ومن هذا علم أنه لا يتوجه الاحتجاج بالاية على المعتزلة في إبطال قولهم بخلق العباد لأفعالهم كما وقع في كتب الكلام لأنّ السلب الكليّ لا ينافي الإيجاب الجزئي وقوله لأن يساويه وقع في نسخة لأن يساوي بدون الضمير فما لا يقدر مفعول يساوي أو المشاركة تنازعا فيه وفاعلهما ضير الله، وعلى النسخة الأولى ما فاعل يساوي أو يستحق على التنازع أيضاً. قوله: (وكان حق الكلام أفمن لا يخلق كمن يخلق الخ) أي حقه هذا بحسب الظاهر في بادىء النظر لأنّ المقصود إلزام عبدة الأصنام، وسموها آلهة تشبيهأ بالله، وهم جعلوا غير الخالق مثله فكان حقه أفمن لا يخلق كم يخلق ووجه الجواب أنّ وجه التشبيه إذا قرن بين المشبه والمشبه به رجع التشبيه إلى التشابه فيقال وجه الخلفية كالقمر والقمر كوجه الخليفة، والمشركون لما عاملوا الأصنام معاملة الإله الخالق إذ سموها آلهة، وعبدوها فلم يبقى عندهم فرق بينها وبينه تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا فحصل التشابه فلذا عبر بما ذكر أو
هو من التشبيه المقلوب إذ من حق المشبه أن يكون أحط من المشبه به فيما وقع في المشبه فإذا عكس كان فيه مزيد تقريع وتجهيل، وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمل هذين الوجهين. قوله: (والمراد بمن لا يخلق كل ما عبد من دون الله الما كان الظاهر ما لا يخلق لأنّ الكلام في الأصنام، وهي لا تعقل دفعه بأنه ليس مخصوصا بها
بل المراد كل ما عبد فيشمل الملائكة، وعيسى من أولي العلم، وأتى بمن تغليباً لذوي العلم على غيرهم. قوله:(أو الآصنام وأجراها) في نسخة، واجراؤها بصيغة المصدر يعني أنّ المراد الأصنام، ولما عبدوها والمعبود لا يكون إلا من ذوي العلم عبر به بناء على ما عندهم فهو حقيقة أو هو جار على نهج المشاكلة لمن يخلق. قوله:(أو للميالغة وكأنه قيل إن من يخلق ليس كمن لا يخلق الخ) قال الزمخشري: في تقرير هذا الوجه أو يكون المعنى أفمن يخلق من أولي العلم كمن لا يخلق منهم فكيف من غيرهم كقوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا} [سورة الأعراف، الآية: 195] يعني أن الآلهة حالهم منحطة عن حال من لهم أرجل، وأيدو أعضاء سالمة لأنّ هؤلاء أحياء وهم أموات فكيف تصح لهم العبادة لا أنها لو صحت لهم هذه الأعضاء لصح أن يعبدوا فقيل عليه أنه يحوم على أن العباد يخلقون أفعالهم، وأنّ المراد إظهار التفاوت بين من يخلق منهم، ومن لا يخلق كالعاجزين، والزمنى حتى يثبت التفاوت بين من يخلق منهم، وبين من لا يخلق من الأصنام بالطريق الأولى، ولقد تمكن منه الطمع حتى اعتقد أنه يثبت خلق العبد لأفعاله بتنزيله الآية على هذا التأويل، وتمنى لو تمّ له ذلك.
وما كل ما يتمنى المرء يدركه
وتبه بعض الشراج ورد بأنه غلط، وغفلة عن كلامه إذ المراد بمن لا يخلق جميع أولي العلم، وهذا هو الوجه الذي عزاه صاحب المفتاح لنفسه إذ توهم ما توهموا، وغفل كما غفلوا فقول المصنف رحمه الله تعالى للمبالغة معطوف على قوله للمشاكلة فيكون من فروع كون المراد بمن لا يخلق الأصنام على فرض! أنها من أولي العلم يعني لو كانوا من أولي العلم وهم ليسوا بخالقين لا يستحقون المساواة والشركة للعالم الخالق فكيف يشبه بهم ولا علم فيهم أو هو معطوف بحسب المعنى على قوله، والمراد بمن لا يخلق أي أو الكلام للمبالغة فالمراد به لا يخلق العالم القادر من الخلق دون الأصخام فلفظ من على حقيقته، والمقصود انكار تشبيه الأصنام بالله على أبلغ وجه لأنه إذا لم يصح تشبيه الحيّ القادر به تعالى من الخلق فكيف الجمادات وهذا هو الموافق لما في الكشاف والمفتاح فإن حمل عليه كلام المصنف رحمه الله تعالى فبها والا فذاك وجه آخر لم يذكره المصنف رحمه الله تعالى كذا قرّره بعض أرباب
الحواشي فتدبر. قوله: (فإنه لجلائه كالحاصل للعقل الذي يحضر) الموصول صفة الحاصل، ولما كان التذكر يستعمل فيما تصوّر أوّلاً ثم حصل الذهول عنه بحيث يحضر ثانيا بأدنى تنبيه، وهذا الحضور الثاني هو التذكر، ولم يسبق نفي المساواة حتى يتصوّر ويذهل عنه جعله لظهوره بمنزلة ما سبق تصوّر. فعبر بما ذكر فالتذكر استعارة للعلم بما ذكر تصريحية، وقيل هي مكنية باعتبار أن التقدير يتذكرون عدم المساواة، والمداناة فالكناية في ذلك المفعول المقدر، واثبات التذكر تخييل، فلا يرد عليه شيء لكن الأوّل أظهر، وقوله بأدنى تذكر قيل الأظهر بأدنى توجه، وليس بشيء لأنّ التذكر أدنى مراتب التفكر لأنه شامل له ولأعمال الفكر والتعمق وهذا مما لا شبهة فيه. قوله:(لا تضبطوا عددها) أصل معنى الإحصاء العد بالحصى. وكان ذلك عادتهم قال الأعشى:
ولست بالأكثرمنهم حصى وإنما العزة للكاثر
ثم كنى به عن مطلق العذ واشتهر حتى صار حقيقة فيه، وزاد قيد الضبط بمعنى الحصر
لئلا يتحد الشرط، والجزاء فيخلو عن الفائدة فلذا أوّل الجزاء بما ذكر، ولو أوّل الشرط بأن أردتم عدها اندفع المحذور أيضا لكن ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أولى، وقوله فضلا الخ اعتبره في معنى الآية ليلتثم السياق والسباق، وقوله أتبع ذلك الإشارة إلى قوله:{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا} والنعم المراد بها ما مرّ من أوّل السورة إلى هنا. أو من قوله وهو الذي سخر البحر، وقوله ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها أي إن كان بترك الواجبات. قوله:) وهو وعيد) إنما كان وعيداً لأنّ علم الملك القادر بمخالفة عبده يقتضي مجازاته على ذلك، وقد مرّ مراراً أن ذكر علم الله، وقدرته يراد به ذلك، وهو ظاهر. قوله: (وتزييف للشرك (أي رذ وابطال له وأصل معنى التزييف في نقد الدراهم، وتمييز الزائف من الرائج، وقوله باعتبار العلم يعني أنه أبطل شركهم للاصنام أوّلاً بقوله فمن يخلق كمن لا يخلق الخ كما مرّ تقريره، وأبطله ثانيا بقوله:{وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} بناء على أن
تقديم المسند إليه يفيد الحصر كزيد غرق في إفادة التخصيص يعني أنه تعالى عالم بذلك دون ما يشركون به فإنه لا يعلم ذلك بل لا
يعلم شيئآ أصلا فكيف يعذ شريكا لعالم السرّ والخفيات. قوله: (والآلهة الذين تعبدونهم (إشارة إلى أن الدعاء بمعنى العبادة كما مرّ تحقيقه، وقوله: وقرأ أبو بكر الخ. قال المعرب: قرأ العامة تسرّون وتعلنون بتاء الخطاب، وأبو جعفر وشعبة بالياء التحتية، وقرأ عاصم وحده بالياء، والباقون بالتاء من فوق، وقرىء يدعون مبنيا للمفعول، وهو واضح فما وقع في النسخ تبعا للإمام، وقرأ أبو بكر يدعون الياء، وقرى حفص ثلاثتها بالياء مخالف لما في كتب القرا آت فلعلها رواية شاذة عنه، وفي بعض النسخ قرأ عاصم ويعقوب يدعون بالياء، وهو الصحيح الموافق للنقل وما وقع في بعضها من الجمع بين النسختين لا وجه له فالظاهر أنّ النسخة الثانية إصلاج من المصنف رحمه الله تعالى.) أقول (هذا ما قالوه بأسرهم وهو من قصور الباع وقلة الاطلاع فإنّ الثلاثة قرأت بالمثناة التحتية في رواية عن أبي عمرو وحمزة من طريق إلا اً نهما لم يقرآ بها وفي كتاب الزوائد المفيدة في الزيادة على القصيدة للأربلي وعن حفص أيضا قراءة الثلاثة بتاء الخطاب. قوله: (لما نفى المشاركة بين من يخلق ومن لا يخلق بين أنهم لا يخلقون شيئاً) المشاركة مأخوذة من التشبيه وهذا دفع للتكرار وبيان لأنه ذكر للاستدلال على نفي التشابه والمشاركة لأنه في قوّة هم لا يخلقون شيئا ومن يخلق لا يشارك من لا يخلق فينتج من الثالث من يخلق لا يشاركهم ويعكس، وقيل عليه أنه مبنيّ على أن من يخلق ومن لا يخلق مجرى على غير تعيين، وقد بناه فيما سبق على كون الأوّل هو الله تعالى، والثاني الأصنام، وتقريره هناك يقتضي عدم الحاجة إلى هذه المقدمة للعلم بها، وكونها مفروغا عنها فإنما كرر لمزاوجة قوله، وهم يخلقون، ولا يخفى أن من لا يخلق عامّ، وكذا من يخلق كما صزح به هنا، وأما تخصيصه بما مرّ كما يقتضيه التعبير بالموصول فلأن من يخلق عندنا مخصوص به تعالى في الخارج اختصاص الكوكب النهاري بالمشمس وإن عمّ باعتبار مفهومه ومن لا يخلق وان عتم ذهناً وخارجاً فتفسيره بمن عبد لاقتضاء المقام له مع أنه في الوجه السابق لا يختص بذلك وأفا توله أنه لا يحتاج إلى هذه المقدمة فليس كما ذكره، وإنما مقتضاه أنها في غاية الظهور بحيث لا تحتاج إلى إثبات، وهو مصحح لكونها جزءاً من الدليل، وإذا ظهر المراد بطل الإيراد. قوله:(لآنها ذوات ممكنة الخ) إشارة إلى أن علة الاحتياج هي الامكان، وقوله ينبغي من المجاراة إذ لا بد من ذلك عقلا. قوله:(هم أموات لا تعتريهم الحياة الخ) بيان لفائدة قوله غير أحياء بعد ذكر أنهم أموات، وان قيل إنه تأكيد لأن التأسيس هو الأصل مع الإشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدر، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر، وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمله، وغير أحياء صفة أموات أو خبر بعد خبر فقوله لا تعتريهم الحياة أي لا تعرض لهم بناء على أن المراد الأصنام فهو بيان لأنهم غير متصفين بالحياة حالاً، ومآلا لعدم القابلية لها كما تقبلها
النطفة، ونحوها فهم أموات حالاً، وغير أحياء بمعنى غير قابلة للحياة مآلاً فهو تأسيس في الجملة، وهذا بناء على أن المراد بالأحياء الأجسام غير ذوي العلم بمعنى الأصنام. قوله:(أو أموات حالاً أو مآلاً) هو جواب آخر، وأو في قوله أو أموات للتنويع لا للترديد ومنع الجمع، وهو على هذا متناول لجميع معبوداتهم ففي لفظ أموات عموم المجاز فالمراد ما لا حياة له سواء كان له حياة، ثم مات كعزير أو سيموت كعيسى، والملائكة عليهم الصلاة والسلام أو ليس من شأنه الحياة كالأصنام فهو شامل لذوي العلم وغيرهم، والذي في الكشاف وجوه ثلاثة ثالثها أن يراد بالذين تدعون الملائكة عليهم الصلاة والسلام وكان ناس منهم يعبدونهم، وأنهم أموات أي لا بد لهم من الموت غير أحياء أي غير تامّة حياتهم فليس بعام وكلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل له. قوله:(غير أحياء بالذات) فالمراد به نفي الحياة الذاتية فليس مستغنى عنه، وقوله ليتناول تعليل له لبيان فائدته إذ لولاه لم يتناول عيسى، والملائكة عليهم الصلاة والسلام ممن عبدوه. قوله:(ولا يعلمون وقت بعثهم الخ) فسر يشعرون بيعلمون، ومنهم من فرق بين العلم والشعور، وهو سهل إلا أنّ ظاهر قوله وقت بعثهم أن إيان خرجت عن موضوعها، وهو الشرط أو الاستفهام إلى محض الظرفية بمعنى وقت مضاف إلى الجملة بعده كقولك وقت يذهب عمرو كما
أورده المعرب على من جعل إيان ظرفا لقوله: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} فالظاهر تفسيره بمتى يبعثون كما في الكشاف، وغيره لكنه تسمح في العبارة، وما ذكره حاصل المعنى، والضميران في تفسيره الأوّل للذين تدعون وفي قوله أو بعث عبدتهم الضمير الأوّل للذين، والثاني لعبدتهم، وقوله فكيف الخ جار على الوجهين. قوله:(وف! يه تنبيه على أنّ البعث من توابع التكليف) أي مما يلزمه لأنّ البعث للجزاء، والجزاء للتكليف فلزمه كون البعث للتكليف، ولذا قيل تكليف العبادة لغرض مّا جزاء، وإذا ليس في هذه الدار جزاء فلا بد من دار جزاء ومن العلم بوقته لمن يجازي. قوله: (تكرير للمدّعي بعد- إقامة الحجج (يعني أنه ذكره أوّلاً بقوله لا إله إلا أنا، وذكر ما يدلّ عليه، ويبطل الشرك ثم أعاده. لأنه نتيجة لما تقدمه فأعاده كما تعاد النتيجة بعد ذكرها غير مبرهن عليها، ولما كان المدعي مذكور بالقوّة في ضمن الدلائل لم يعد بعيدا فلا مخالفة بينه، وبين ما في الكشاف من أنه لما أثبت بالدلائل المتقدمة الدالة على إبطال الشريك أن الإله واحد لا شريك له فكان الوإجب أن يخصص بالعبادة، ولا يشرك فيها، وهؤلاء عكسوا، واستمرّوا على الشرك فالفاء في قوله فالذين لا يؤمنون فاء القذلكة، والنتيجة لأنه كالتفسير لها، والمراد بالمستكبرين من استكبر عن التوحيد فهو مظهر
وضع موضع ضمير المشركين أو من استكبر عن الحق مطلقاً فهو عاتم متناول لهم كما قرّره العلامة. قوله: (بيان لما اتتضى اصرارهم الخ) يعني قوله فالذين الخ صدر بالفاء لأنه سبب لاصرارهم فالفاء للسببية كما قول أحسنت إلى زيد فإنه أحسن إليّ، ولما بين السبب، والمسبص من الارتباط كان هذا كالنتيجة، وقوله وذلك أي ما اقتضى اصرارهم هو أمور ثلاثة عدم الإيمان، والإنكار، والاستكبار، وقوله فإن المؤمن بها أي بالآخرة، ولو تقليداً، وقوله للدلائل أي دلائل التوحيد ليسلم في الآخرة وانكار قلوبهم معطوف على عدم إيمانهم، واتباعا علة ل! ركار، وقوله فمانه أي ما ذكر، والاستكبار معطوف عليه أيضاً وقوله، والأوّل هو العمدة يعني قول الذين لا يؤمنون بالآخرة، والأخيرين انكار قلوبهم واستكبارهم وترتيبه عليه بجعله خبراً للوصول المفيد لعلية الصلة للخبر على ما قرّر في المعاني. قوله:(لا جرم حقاً الخ) في هذه الفظة خلاف بين النحاة فذهب الخليل رحمه الله تعالى وسيبوبه والجمهور إلى أن لا جرم اسم مركب مع لا تركيب خمسة عشر، وبعد التركيب صار معناها معنى فعل، وهو حق، وما بعدها مرتفع بالفاعلية لمجموع لا جرم لتأويله بالفعل أو بمصدر قائم مقامه، وهو حقا على ما ذ! هـ أبو البقاء رحمه الله تعالى، وقيل هو مركب أيضا كلا رجل، وما بعدها خبر، ومعناها لا محالة، ولا بد وقيل إنه على تقدير جارّ أي في أن الله الخ. وقيل لا نافية لكلام مقدر تكلم به الكفرة كقوله لا أقسم على وجه، وما بعده جملة فعلية، وجرم فعل ماض معناه كسب، وفاعله مستتر يعود إلى ما فهم من السياق، وأن وما معها في محل نصب لأنّ ك! سب متعد فيوقف على لا، و! ذا قول الزجاج، وقيل معناها لا صذ ولا منع وجرم اسم لا بمعنى القطع، وأنّ وما بعدها خبر حذف منه الجار، وفيها لغات كما مرّ فقوله حقا تفسير له على مذهب الجمهور على مسلك أبي البقاء فيه، وقوله فيجازيهم مرّ تحقيقه مراراً، وقوله أو فعل يحتمل جرم وحده فعل، وهو الظاهر من لفظه لكن على هذا القول هو مفعول لا فاعل إلا أن يكون بمعنى ثبت، ووجب كما ذكره بعض المعربين، وهو قول فيه، ويحتمل أنّ مجموع لا جرم فعل تأويلا لأنه بمعنى حق، وهو الموافق لكلامهم كما أشار إليه بعض الفضلاء فما قيل أن شرط عمل المصدر أن لا لمجون مفعولاً مطلقا كما في الكافية وحقا مفعول مطلق من قلة التدبر على ما عرفته. قولى:) فضلَا عن الذين الخ) فيه إشارة إلى أنه باق على عمومه، ويدخل فيه من مر ممن
استكبر عن التوحيد دخولاً أوّلياً، وهو الوجه الثاني في الكشاف، والأوّل أن يراد به من استكبر عن التوحيد وتركه لأن هذا أتمّ وأنسب بالتذييل، وقد جوّز كونه عاما مع حمل الاستفعال على ظاهره من الطلب أي لا يحب من طلبه فضلا عمن اتصف به. قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} في الكشاف ماذا منصوب بأنزل بمعنى أي شيء أنزل ربكم أو مرفوع بالابتداء بمعنى
أي شيء أنزله ربكم فإذا نصبت فمعنى أساطير الأوّلين ما تدعون نزوله أساطير الأولين، وإذا رفعت فالمعنى المنزل أساطير الأولين كقوله:{مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [سورة البقرة، الآية: 219] فيمن رفع اهـ، وقد خفي تغاير التقديرين والفرق بين الوجهين على بعض النحاة تبعا لصاحب التقريب حيث قال: إنه لا يتعين للتقدير في أحدهما بما فيه صورة فعل، وهو ما تدعون، وفي الآخر بالمنزل، وأيضاً لم خالف بين لفظي الدعوى، والإنزال في التقديرين مع أنه حمل الإنزال على السخرية، ثم ذكر جوابا لم يرضوه، ونسبه بعضهم في هذا الكلام إلى ارتكاب هجنة لا تليق بالمقام ولم يلتفت شراحه إلى نقله لأنه غث، وسمين نشأ من عدم تحقيق مرامه إذا سمعت هذا:
فاعلم أنّ ماذا فيه وجهان
أحدهما: أن يكون ما اسم استفهام وذا اسم موصول بمعنى الذي وتقديره أيّ شيء الذي
الخ والمطابق حيئذ في جوابه الرفع ليطابق الجواب السؤال في كون كل منهما جملة اسمية. والثاني: أن يكون ماذا اسما واحدا مركبا للاستفهام بمعنى أيّ شيء محله النصب فينصب جوابه ليطابقه في الجملة الفعلية، ولذا قيل إنه كان مرفوعا هنا وجب تقديره بالذي لأنه لو قدر بأفي شيء وجب نصبه لعدم العائد، والأصل عدم التقدير فهو حينئذ مفعول لا محالة، وقوله وعلى هذا لا بد من إرادة الذي في كلامه حتى يكون التقدير أيّ شيء الذي أنزله ربكم كأنه من سهو الناسخ.
وإذا قيل للكفار أي شيء أنزله ربكم لم يكن جوابهم إلا ما أنزل من شيء، وما تدعون إنزاله أساطير الأوّلين لأنهم لا يقرّون بإنزاله من الله، ولذا لم يقرأ أساطير بالنصب في المشهور، وإن قرىء به شاذاً كما ذكره العرب فلا وجه لإنكاره أما إذا قيل لهم أفي شيء الذي أنزل ربكم فالإنزال لما جعل صلة كان ثابتا عند السامع فجوابهم المنزل أساطير الأولين لكن إثباتهم الإنزال لا يكون إلا على سبيل السخرية كما سيأتي، وهذا هو الذي أوجب اختلاف التقدير في الجواب بحسب الإعراب، وقد ارتكبوا هنا تعسفات تنبىء عن سبق، وهم أو سوء فهم، ولا يخفى أن هذا لا يدفع السؤال فالظاهر أن الذي يرفع نقاب الشبهة هنا قول المدتق طيب الله ثراه إن ما ذكر إيضاج، والا فالمعنى ما الذي كما هو متفق عليه، والفرق بين التقديرين أنّ المنصوب وإن دلّ على ثبوت أصل الفعل، وإن السؤال إنما هو عن المفعول
متقاعد عن دلالة المرفوع لأن الصلة من حقها أن تكون معلومة للمخاطب، وأنّ الحكم معلوم عنده، وعلى التقديرين لم يطابق الجواب كما أشار إليه فيما سيأتي، وإنما قدر ما يدعون في النصب لأنّ السائل لم يعتقد علمهم بالإنزال بل سأل عما سمع نزوله في الجملة، فيكفي في رذه إلى الصواب ادعاء نزول الأساطير.
وأمّا على تقدير الرفع فلما دل على تحقق الإنزال فإنه مسلم عندهم، وإنما السؤال عن تعيين المنزل أجيب بأنّ ذللة المحقق عندك أساطير تهكما إذ من المعلوم أن المنزل لا يكون أساطير فبولغ في ردّه بالتهكم به، وان بت الحكم في غير موضعه، فأراد عدم المطابقة مبالغاً في رذه، ويشبه أن يكون الأول جوابا للسؤال فيما بينهم أو بينهم، وبين الوافدين من الحجاج، والثاني جواباً عن سؤال المسلمين على ما ذكر من الاحتمالين لا العكس كما ظن، وهذا هو الموافق لما بعده، وجعل ما هنالك وجهاً ثالثا وأنه لم يقصد به الجواب هنا، وتوجيه اختلاف التقديرين بغير ذلك تكلف مستغنى عنه. هذا غاية ما يمكن في كلامه، وإنما بسطناه لأنه من مشكلات الكشاف، وليس الريّ عن التشاف فانظر فيه بعين الإنصاف وأساطير جمع أسطار جمع سطر فهو جمع الجمع، وقال المبرد: جمع أسطورة كأرجوحة، وأراجيح أي مما كتبه الأولون فهو كقوله:{اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} [سورة الفرقان، الآية: 5] . قوله:) القائل بعضهم على التهكم الخ) يعني أنه إذا كان السؤال من بعضهم لبعض، فهو تهكم لأنهم لا يعتقدون أنه منزل لا إن كان من الوافدين عليهم الذين سمعوا به صلى الله عليه وسلم، وبما أنزل عليه أو من المسلمين لهم ليعلموا ما عندهم فليس الأولى حذفه مع أنه قول للمفسرين مسبوق به. قوله:(أي ما تدّعون الخ) قد مرّ تحقيقه، وهو إشارة إلى أنه خبر مبتدأ محذوف وهو على الوجوه السابقة. قوله:) وإنما سموه منزلاً الخ) يعني على تقدير المنزل أساطير الأولين، وليس توجيها لقوله:(ماذا أنزل التقدم توجيهه فإن الأساطير لا تكون منزلة، وقوله: (أو على الفرض) والتسليم
ليردّوه كقوله: {هَذَا رَبِّي} [سورة الأنعام، الآية: 177 أو على التقدير أي قدروه منزلاً مجاراة ومشاكلة. قوله: الا تحقيق فيه) تفسير للأساطير وقوله والقائلون له أي للجواب المذكور، والمقتسمون هم الذين جعلوا القرآن عضين، وقد مرّ تفسيره. قوله: (أي قالوا ذلك إضلالاً للناس الخ (يشير إلى أن اللام لام العاقبة لأن ما ذكر مترتب على فعلهم، وليس باعثا ولا غرضا لهم كما بينه بقوله فحملوا لأنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير الأوّلين لأجل أن يحملوا الأوزار لكن عاقبتهم ذلك إمّا مجازاً، وامّا حقيقة على معنى أنه قدر صدوره منهم ليحملوا،
وقد قيل أيضاً أنها للتعليل وإنها لام أمر جازمة، والمعنى أنّ ذلك متحتم عليهم فيتمّ الكلام عند قوله أساطير الأوّلين، وقوله إضلالاً يبين أن حمل أوزارهم ليس علة، وهم يعتقدون أنهم محقون لا ضالون مضلون فإنه غير مسلم، ولو سلم فالمراد قصدوا ما يصدق عليه إنه إضلال لا مفهوم الإضلال، وفيه نظر. قوله:) فإنّ إضلالهم نتيجة رسوخهم في الضلال) توجيه للوصف بالكمال، وقوله:(وبعض أوزاو ضلال من يضلونهم الخ (يشير إلى أن من تبعيضية لأنّ مقابلته لقوله كاملة يعينه، والمعنى مثل بعض أوزارهم فلا وجه لجعل من زائدة، ولا يرد عليه ما ورد في الحديث كما قيل وهو: " من سق سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص! ذلك من أوزارهم شيئاً لأنّ للتابعين أوزارا غير ذلك ". قوله: (خصة التسبب) لأنّ ضلال من أضلوه من حيث المباشرة على المباشر ومن حيث التسبب على المضل من غير نقص، وفاعل يضلونهم ضمير القائلين ومفعوله ضمير الوافدين. قوله:) حال من المفعول الخ (أي أنهم يضلونهم حال كونهم جاهلين، وفيه تنبيه على أنهم إنما يضلون الجهلة الأغبياء، ويجوز أن يكون حالاً من الفاعل أي يضلونهم جهلاً منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على ذلك الإضلال، وكونه محدثاً عنه يعارضه القرب فلا يصلح مرجحا وإن رجحه الواحدي وقد رذه في الكشف، وكونه حالاً منهما كما نقل عن ابن جنيّ خلاف الظاهر، وقوله بض شيئا قد مر تحقيقه، وان ساء من باب بئس. قوله: (سووا منصوبات الخ) سوى بمعنى صنع، والمنصوبة كما نقل عن الزمخشري الحيلة يقال سوى فلان منصوبة، وهي في الأصل صفة للشبكة، والحبالة فجرت مجرى الاسم كالدابة، والعجوز ومنه المنصوبة في لعب الشطرنج، وقوله: ليمكروا بها رسل الله أي ليخدعوا، ولما كان بمعناه عداه تعديته، ولما كان المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة، وما بعده يدل على أنهم لم يصرفوهم أشار إلى أنه مجاز هنا عن مباشرة أسباب المكر، وترتيب مقدماته ولو جعل تجريداً صح، وما قيل إنه أخرج مكر عن ظاهره فاحتاج إلى تقدير معنى ليناسب كونه تمثيلاً مع ما فيه من الإشارة إلى عدم وقوع المكر
منهم حقيقة بل مقدماته، والا لغلبوا على الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يخفى ما فيه من التطويل من غير طائل. قوله:(فأتاه أمره) حقيقة الإتيان المجيء بسهولة كما قاله الراغب ولما كان هذا معناه الأصلي حمله المصنف رحمه الله تعالى عليه فاحتاج إلى تقدير مضاف، وهو الأمر، ولو جعل من قبيل أتى عليه الدهر بمعنى أهلكه، وأفناه على ما في الكشاف لم يحتج إليه وضمير أتاه بالتذكير كما في بعض النسخ للبنيان لأنه اسم مفرد مذكر قاًل تعالى {كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ، وفي أكثرها فأتاها بالتأنيث بناء على ما نقله الراغب عن بعض أهل اللغة من أنه جمع بنيانة على حد نخلة، ونخل وهذا، ونحوه يصح تذكيره، وتأنيثه. قوله:(من جهة العمد) بضم العين، والميم وجوز تسكينها أو بفتحهما جمع عمود، وهو والقاعدة بمعنى الدعامة، وضعضعت بالبناء للمفعول بمعنى هدمت ومنه ضعضعه الدهر إذا أذله وتضعضع بمعنى استكان قال:
إني لريب الدهر لا أتضعضع
وقوله من جهة الخ إشارة إلى أنّ من ابتدائية وقوله: (وصار سبب هلاكهم (وفي نسخة فصار بالفاء أي ما صنعوه ليكون سببا لبقائهم صار سببا لهلاكهم وفنائهم وانعكاس رجائهم وهو غاية الخيبة والحسرة عليهم وقوله: {مِن فَوْقِهِمْ} متعلق بخرّ ومن لابتداء الغاية أو متعلق بمحذوف على أنه حال من السقف مؤكدة وقيل إنه ليس بتأكيد لأنّ العرب تقول خبر علينا سقف، ووقع علينا حائط إذا انهدم في ملكه، وان لم يقع عليه، دماليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله صار سبب هلاكهم. قوله: الا يحتسبون ولا يتوقعون (التوقع ترقب الوقوع، وهو في موقعه هنا، وقيل فسر عدم الشعور به لأنه أفحش منه لاجتماع عدم الشعور مع العلم بأصل الوقوع
وفيه نظر. قوله: (وهو على سبيل التمثيل (يعني أن قوله: {أَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم} الخ استعارة تمثيلية لأنّ ما نصبوه وتخيلوه سبباً للاستيلاء صار سببا للبوار، والعفاء فالأساطين كالمنصوبات، وانقلابها عليهم مهلكة كانعكاس مكايدهم عليهم، ووجه الشبه أن ما عدوه سبب بقائهم عاد سبب استئصالهم، وفنائهم كقولهم من حفر لأخيه جبا، وقع فيه منكبا. قوله: (وقيل المراد به نمرود) هو بضم النون، وفي آخره دال مهملة، وهو اسم جبار معروف وكنعان في حواشي الكشاف الأفصح فيه كسر الكاف، والفتح مروي فيه، وهو المعروف وفي التهذيب مقيد بالفتح، وعن الليث أن كنعان بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام، واليه ينسب الكنعانيون، ولغتهم العربية الذي في كتب التواريخ، أنّ كنعان بن كوس من أولاد حام بن نوج
والصرح القصر وكل بناء عال وبابل اسم ناحية معروفة وسمكه بمعنى ارتفاعه، وعلوّه، وقوله ليترصد أمر السماء أي ليعرف أمر السماء، ويقاتل أهلها وقوله:(فخرّ عليه وعلى قومه فهلكوا) يقتضي أن هلاك نمرود إذ ذاك بما ذكر والمعروف أنه عاش بعده، وأهلكه الله ببعوضة وصلت لدماغه إظهار الكمال خستة، وعجزه وجازاه من جن! عمله لأنه صعد إلى جهة السماء بالنسور فأهلكه الله بأخس الطيور، وعلى هذا لا يكون تمثيلا بل حقيقة، وأخره لأنه لا دليل عليه. قوله:(يذلهم أو يعذبهم بالنار كقوله الخ) قد مر أنّ المصنف رحمه الله تبعاً للراغب فسر الخزي بذل يستحيا منه، ولتضمينه لهذين المعنيين استعمل في الذل تارة نحو عليه الخزي، وأخرى في الاستحياء واعترض عليه بأنه ليس كما ذكر فإنه مشترك بين المعنيين المذكورين، ويدل عليه اختلاف مصدريهما فإنه يقال خزي بالكسر يخزي خزياً إذا ذل وهان، وخزاية إذا استحيا كما قاله الجوهري، وقد مر تحقيقه والمراد به هنا الذل مطلقاً أو فرده الكامل، وهو التعذيب بالنار، واستدل عليه بأنه ورد في القرآن بهذا المعنى والقرآن يفسر بعضه بعضاً، والآية المستشهد بها قد مر الكلام عليها، وأنها من قبيل من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى، وقد حقق ثمة بما لا مزيد عليه، وقيل إنه في الوجه الثاني كناية عن التعذيب بالنار أيضا، وأشار إلى وجهها بقوله كقوده الخ فإنه يدل على أنّ الاخزاء من روادف التعذيب بالنار، وقيل عليه إن قوله أين شركائي يأباه لأنه قبل دخولهم النار فالمراد أصل معناه، وهو الاذلال، ولا ورود له لأنّ معنى لهم الخزي أي العذاب أنه يبين استحقاقهم له لما ظهر من الأحوال، ومشاهدة الأهوال مع أنّ الواو لا تقتضي الترتيب، ونقله بصيغة التمريض مغن عن الإيراد، والجواب فإنه يشير إلى أنه غير مرضي عنده فتأمّل. قوله:(أضاف إلى نفسه الخ) يعني في النظم تقريع، وتوبيخ بالقول، واستهزاء بهم إذ أضاف الشركاء إلى نفسه لأدنى ملابسة بناء على زعمهم مع الإهانة بالفعل المدلول عليها بقوله يخزيهم أي ما لهم لا يحضرونكم ليدفعوا عنكم لأنهم كانوا يقولون إن صح ما تقول فالأصنام تشفع لنا فهو كقوله:{أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 22] وقوله أو حكاية الظاهر رفعه عطفا بحسب المعنى على قوله أضحاف كأنه قال مضاف أو حكاية، وأضاف أو حكى ويجوز نصبه عطفاً على استهزاء أي حكى عن المشركين زيادة في توبيخهم إذ لو قيل أين أصنامكم كان فيه توبيخ أيضاً، وقراءة العامة شركائي بالمد ومنهم من سكن الياء فتحذف وصلا لالتقاء الساكنين وقرأ البزيّ بخلاف عنه بقصره مفتوج الياء، وقد أنكر. جماعة وزعموا أنّ هذه القراءة غير مأخوذ بها لأنّ قصر الممدود لا يجوز إلا ضرورة وليس كما قالوا فإنه يجوز في السعة، وقد يوجه بأنّ الهمزة المكسورة قبل الياء حذفت للتخفيف، وليس كقصر الممدود مطلقا مع أنه قد روي عن ابن كثير قصر التي في القصص وروي عنه أيضاً قصر ورائي في مريم، وعن قنبل قصر أن رآه استغنى في العلق فكيف يعدّ
ذلك ضرورة فأعرفه فإنّ كثيرا من النحاة غفلوا عنه. قوله: (تعادون) المشاقة المعاداة، والمخاصمة من شق العصا أو لكون كل منهما في شق، وقوله المؤمنين إشارة إلى أنّ مفعوله محذوف، وقوله فيهم بمعنى في شأتهم من العبادة وغيرها والأولى أن يفسر تشاقون بتخاصمون وتنازعون ليظهر تعلق فيهم به كما في الكشاف، ويحتمل أن تكون في للسببية، وفي نسخة قبل قوله الذين كنتم تشاقون فيهم، وقرأ البزيّ بخلاف عنه أين شركاي بغير الهمزة، والباقون بالهمزة، وقد مرّ تحقيقه، والذين يحتمل الرفع، والنصب. قوله: (وقرأ نافع بكسر
النون الخ) أي وأصله تشاقونني بنونين حذفت إحداهما تخفيفا، ثم حذفت الياء اكتفاء بالكسرة عنها، وقرئ بتشديد النون المكسورة، وحذف إلياء، وبسطه في علم القراآت، وقد مر نظيره. قوله:) فإنّ مشاقة المؤمنين كمشاقة الله) أمّا إذا كانت المشاقة بمعنى المخاصمة فظاهر أنهم لم يخاصموا الله، وأمّا إذا كانت بمعنى العداوة فلأنهم لا يعتقدون أنهم أعداء الله، وأمّا قوله تعالى {عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} فمؤوّل أيضا بغير شبهة فلا وجه لما قيل ليت شعري ما الداعي لإخراج الكلام عن ظاهره فإنّ المشركين أعداء الله " قال تعالى:{لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [سورة الممتحنة، الآية: ا] . قوله: (أو الملافكة) وعلى هذا فليسوا ملائكة الموت فلذا صرح بهم بعده فما قيل في رده إنّ الواجب حينئذ يتوفونهم مكان تتوفاهم الملائكة وان يلزم منه الإبهام في موضع التعيين والتعيين في موضع الإبهام في غاية السقوط. قوله: (الذلة والعذاب (الواو بمعنى أو لما مر أنهما معنيان متغايران أو على بابها بأن يراد ما يشملهما هذا إن جعلا معنى الخزي والسوء تأكيد له، وان جعلا لفاً ونشرا مرتبا فهو ظاهر وهو الأولى، وقوله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو العلماء الخ إشارة إلى أنّا لمراد بالذين أوتوا العلم الذين انتفعوا به في سبيل النجاة، وأن علم الكفار هو الجهل الذي هو سبب كل رذيلة، وقصر الخزي والسوء على الكافرين ادعائي بجعل ما لعصاة المؤمنين لعدم بقائه ليس من جنسه فلا دليل فيها للمرجئة ولا للخوارج، وقوله وفائدة الخ أي ليجمع لهم الله الإهانة قولاً وفعلا، وحكايته مرفوع، وقوله لأن يكون خبره، وهو يتضمن فائدة حكاينه وجره بالعطف على لفظ قولهم لا يخلو عن سماجة للتصريح باللام، ولو لم تكن كان معطوفا عليه. قوله: (وقرأ حمزة الخ) وجه قراءته ظاهر لأنه غير مؤنث حقيقي فيجوز تذكيره، وأمّ إدغام التاء في التاء فيجتلب له همزة وصل في الابتداء، وتسقط في الدرج، وإن لم يعهد همزة وصل في أوّل فعل مضارع على ما بين في كتب النحو،
والأوجه الثلاثة الجرّ على أنه صفة الكافرين أو بدل أو بيان له، والنصب والرفع على القطع للذم، وأفا كونه مبتدأ خبره قوله فألقوا السلم كما قاله ابن عطية فقيل إنه لا يتأتى إلا على مذهب الأخفش في إجازته زيادة الفاء في الخبر مطلقاً نحو زيد فقام أي قام، ولا يتوهم أنها الفاء الداخلة مع الموصول المتضمن معنى الشرط لأنه لو صرح بهذا الفعل مع أداة الشوط لم يجز دخول الفاء عليه فما ضمن معناه أولى بالمنع، وكونه أولى بالمنع كير مسلم لأن امتناع الفاء معه لأنه لقوّته لا يحتاج لرابط إذا صح مباشرته للفحلى، وما تضمن معناه ليس كذلك. قوله تعالى:) {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} ) وقد مر إعرابه وهو يصح فيه أن يكون مقولاً للقول وغير مندرج تحته، والقول إن كان في الدنيا فالمضارع على ظاهره، وان كان يوم القيامة فهو على حكاية الحال الماضية. قوله:(فسالموا) أي انقادوا، وأخبتوا بخاء معجمة، وباء موحدة ومثناة فوقية من قولهم أخيت لله بمعنى ذل، وتواضع، وأصله الإلقاء في الأجسام فاستعمل في إظهارهم الانقياد إشعاراً بغاية خضوعهم واستكانتهم، وجعل ذلك الشيء الملقى بين يدي القاهر الغالب على الاستعارة، وقوله عرّضوها للعذاب المخلد من التعريض، وهو جعل الشيء عرضة لكذا إذا كان معدّاً له مهيأ، وظلمهم ونفسهم وضعها في غير موضعها من الآباء عن طاعة الخالق الجبار، وقوله فألقوا فيه وجوه منها أنه خبر الموصول، وقد تقدم ما فيه أو هو عطف على قال الذين أو مستأنف والكلام تم عند قوله أنفسهم ثم عاد بقوله فألقوا إلى حكاية حال المشركين فقوله قال الذين الخ جملة اعتراضية أو هو معطوف على تتوفاهم كما قاله أبو البقاء وهو إنما يتمشى على كون تتوفاهم بمعنى الماضي قيل، وقول المصنف رحمه الله حين عاينوا الموت مبنيّ عليه إلا أنه لا يلائمه السياق، والسباق، وأنّ الظاهر أنّ هذه المسالمة حين عاينوا العذاب في يوم القيامة، وفيه بحث. قوله: (قائلين ما كنا نعمل من سوء الخ (يعني أنه منصوب بقول مضمر، وذلك القول حال ومن سوء مفعول نعمل، ومن زائدة أو جواب لما كنا نعمل إيجاب له. أو هو تفسير للسلم الذي ألقوه لأنه بمعنى القول بدليل الآية الأخرى فألقوا إليهم القول، وليس هذا على مذهب الكوفيين كما توهم لأنّ الجملة تفسيرية ل! محل لها، وليست معمولة له، وإنما أوّلها بالقول ليتطابق المفسر والمفسر، وهذا كقوله تعالى:{وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 23] ومن قال ليت شعري ما معنى هذا الاشتراط لأن كونه تفسيراً للسلم لا يقتضي كونه نفسه
بل يكفي كونه بهذا اللفظ دون غيره فقد غفل عن المراد فبادر للإيراد. قوله: (فهو يجازيكم) فلا يفيد الإنكار والكذب على الأنفس، وقوله استئناف، ورجوع إلى شرح حالهم يوم القيامة أي ليس معطوفا على قوله تتوفاهم كما مر، ومي
البحر فيكون قوله قال الذين إلى قوله فألقوا اعتراضا بين الأخبار بأحوال الكفار قيل والظاهر أنّ الاعتراض بجملة الذين تتوفاهم الملائكة على احتمال النصب، والرفع دون الجرّ، ولا يخفى أنه لا مانع من الاعتراض الأوّلى. قوله:(وعلى هذا أوّل من لم يجوّرّ الكذب يومئذ الخ) أي على احتمال الاستئناف، وأنه بيان لحالهم في الآخرة لزم وقوع الكذب يوم القيامة فإن قلنا بوقوعه كما مر تفصيله فلا إشكال، والط لم نقل به فلا بد أن يؤوّل هذا القول، هو ما كنا نعمل من سوء بأنّ المراد ما كنا عاملين السوء في اعتقادنا إن كان اعتقادنا أن عملنا غير سيئ، وليس هذا مبنياً على انّ الكذب ما لا يطابق الاعتقاد، وهذا كما أوّلوا قولهم، والله ما كنا مشركين، وقد مر أنّ المصنف رحمه الله ردّ هذا في سورة الأنعام بأنّ هذا التأويل لا يوافق قوله تعالى:{انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} [سورة الأنعام، الآية: 24] أي بنفي الشرك عن أنفسهم وكذا لا يلائمه الردّ عليهم هنا لقوله بلى إنّ الله الخ لظهور أنه لإبطال النفي، ولا يقال الردّ على من جحد واستيقنت نفسه لأنه يكون كذباً أيضا فلا يفيد التأويل، ولذا مرض هذا القول وأخره وما كنا الخ مفعول لقول المصنف رحمه الله أوّل. قوله:(واخمل أن يكون الراذ (عطف على قوله أوّل وهو من فروع الاستئناف، وقوله هو الله أو أولو العلم يعني الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو العلماء يعني أنه يحتملهما أيضا لا أن يكون الراد منحصرا فيهما بخلاف الوجه الأوّل فإنّ الراد فيه الملائكة. قوله: (كل صنف (على معنى أنّ الخطاب لكل صنف لا لكل فرد حتى يلزم دخول فرد من الكفار من أبواب متعددة أو يكون لجهنم أبواب بعددهم، وليس أمر المخاطب هنا بمعنى أمر الغائب أي ليدخل كل صنف كما توهم، وبابها إتا بمعنى المنفذ أو الطبقة كما مر، وفي الوجه الآخر الباب بمعنى الصنف كما يقال نظر في باب من العلم، والخطاب لكل فرد. قوله تعالى: ( {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} ) أدخل اللام في بثس، ولم يدخلها في الزمر، والمؤمن لما كان الكلام أحوج إلى التأكيد من حيث كان سياق الآية في التابع والمتبوع جميعا باللام إلا تراه قال:{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة النحل، الآية: 125 وتال بعده ولدار الآخرة فأدخل اللام ليطابق اللام بعده، وقوله جهنم يحتمل أنه تفسير للمثوى، وتقدير للمخصوص بالذم، وهو الظاهر والفاء عاطفة، وفي قوله المتكبرين إشارة إلى أن استحقاقهم النار للتكبر عن طاعة الله ورسوله. قوله:) أي أنزل خيراً وفي نصبه
الخ) يقال! تلعثم الرجل إذا توقف في الكلام، والمراد بالموسم موسم الحج من الوسم بمعنى العلامة، والإحياء جمع حيّ وهي القبيلة، وقوله أنزل خيراً إشارة إلى أنّ ماذا في محل نصب لا مبتدأ وخبر على أحد الوجهين ليطابقه الجواب، واختير كونها فعلية هنا دون ما مر في قوله أساطير الأوّلين حيث رفع من غير نظر إلى احتمال ماذا الخ للفعلية لأن الإنزال يناسب الفعل لتجدده بخلاف كونه أساطير فإنه على زعمهم الفاسد أمر متقدّم ثابت فلذا غاير بينهما كما مر تحقيقه، وقوله على خلاف الكفرة لأنّ أنه أساطير الأوّلين أنه غير منزل، وإنما سموه منزلاً على طريق المجاز وتطبيق ما ذكر من سبب النزول على تقديره ظاهر، ووجه دلالة النصب على ما ذكر أنه كقوله الهلال، والله بحذف العامل للمبادرة. قوله: (مكافأة في الدنيا (إشارة إلى أنّ قوله في هذه الدنيا متعلق بحسنه كتعلقه بأحسنوا، والحسنة التي في الدنيا الظفر، وحسن السيرة، وغير ذلك وقوله ولثوابهم في الآخرة إشارة إلى تقدير مضاف أو بيان لجهة خيريتها، وقوله وهو عدة أي قوله للذين أحسنوا فهو المحمود عليه. قوله: (ويجوز أن يكون بما بعده (أي قوله للذين أحسنوا مع ما بعده، وهو على الأوّل أعني قوله عدة كلام مستأنف فيكون في الوعد هنا نظير قوله:{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ} [سورة النحل، الآية: 25] في الوعيد هناك، وهو الوجه ولذا قدمه، وحينثذ هو مقول القول، وعلى هذا قوله خيرأ من كلام الله تعالى سماه خيراً ثم حكى مقولهم كما تقول قال فلان جميلاً من قصدنا وجب- قه علينا، ودلالته على ما مر لشهادة الله بخيريته فخيراً مفعول قالوا وعمل فيه لأنه في معنى الجملة كقال قصيدة أو صفة مصدر أي قولاً خيراً، وهذه الجملة بدل منه فمحلها النصب أو مفسرة له فلا محل لها من الإعراب، وهذا بيان لوجه آخر يحتمله النظم فلا يقال لم لم يجعل منصوباً
بأنزل على هذا الاحتمال، وما قيل من أنه لم يجعله منصوباً بأنزل لأنّ هذا القول ليس منزلاً من الله، وفيه تفوت المطابقة حينئذ كلام ناشئ من عدم التدبر، وقوله دار الآخرة إشارة لتقدير المخصوص بالمدح على المذاهب المعروفة فيه، والقرينة عليه لفظية وهي تقدمه في الذكر كما ذكره، وعلى الوجه الآخر فهو مذكور، وقوله خبر مبتدأ أي هي أو الخبر محذوف، وهو لهم وتجري الخ جملة حالية أو صفة إن لم يكن جنات علماً. قوله:(وفي تقديم الظرف) يعني فيها تقدمه يفيد الحصر، والموصول هنا للعموم بقرينة المقام فيدل على ما ذكر، وقوله مثل هذا الجزاء نجزيهم
مر تحقيقه. قوله: (وهو يؤيد الوجه الآؤل) يعني كون قوله للذين أحسنوا عدة فإنّ جعله جزاء لهم ينظر إلى الوعد به من الله، وإذا كان مقول القول لا يكون من كلام الله حتى يكون وعداً منه تعالى، وقيل إنّ المراد بالوجه الأوّل كون جنات عدن خبر مبتدأ محذوف لأنه إذا كان مخصوصا بالمدح يكون كالصريح في أن جنات عدن الخ جزاء للمتقين فيكون قوله كذلك الخ تأكيداً بخلاف ما إذا كان خبر مبتدأ محذوف فإنه لم يعلم صريحا أنّ جنات عدن جزاء للمتقين، وفيه نظر وقوله الذين تتوفاهم الملائكة يحتمل الرفع والنصب، وأن يكون مبتدأ خبره يقولون. قوله:(طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي الخ) مقتضى المفابلة أن يفسر طيبين بالطاهرين عن الكفر فقط فإنّ ظالمي أنفسهم صفة الكافرين، وقد قال المصنف رحمه الله تعالى هناك في تفسيره عرّضوها للعذاب المخلد لكن وصفهم بأنهم متقون موعودون بالجنة في مقابلة الأعمال يقتضي ما ذكر، وذكر الطهارة عن الكفر وحده لا فائدة فيه بعد وصفهم بالتقوى، وقال الطيبي رحمه الله تعالى أمّا المعاصي فإنّ قوله ظالمي أنفسهم مجاب بقولهم ما كنا نعمل من سوء فتأقل. قوله:(وقيل فرحين ببشارة الملافكة الخ) فالمراد بالطيب طيب النفس، وهو عبارة عن القبول مع انشراح الصدر، وقوله إلى حضرة القدس حضرة مقحم للتعظيم كما يقحم المقام، والمجلس لذلك، وفي نسخة حظيرة بالظاء المشالة، وهي ظاهرة، وقوله لا يحيقكم أي لا يلحقكم، وبعد مبنيّ على الضمّ، والمكروه كل ما تكرهه النفس. قوله:(حين تبعثون فإنها معدة لكم على أعمالكم الخ) حين متعلق بقوله يقولون لا بادخلوا فإنّ الدخول ليس في حين البعث بل بعده، والأمر لا يقتضي الفور حتى يحتاج إلى أن يقال إنها حال مقدرة، والمتبادر من الدخول دخول الأرواح في الأبدان لا دخول الأرواج فقط حتى يقال إنه لا حاجة إلى ما ذكر من التأويل، ودخول الأرواج هو المراد في حديث:" إن القبر روضة من رياض الجنة " وكذا قوله أغرقوا فأدخلوا ناراً نعم لو أريد ذلك صح وكان وجها آخر. قوله: (على أعمالكم) على سببية كما في قوله: {عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 185] وقد حملت الباء على المقابلة دفعا للتعارض! بين الآية، وحديث:" لن يدخل أحدكم الجنة بعمله " وقد
ثبت في الأصول أنّ العمل غير موجب للجنة، وقد دفع أيضاً بحمل الحديث على السببية الحقيقية الموجبة، والآية وأمثالها على السببية الحاضرة، وقريب منه أن الله سبب الأسباب، وقد جعلها سببا بمقتضى، وعده تكرّماً منه. قوله: الي قيل هذا التوفي وفاة الحشر) فالمراد بها غير المعنى المتعارف، وهو الذي في قوله ووفيت كل نفس ما كسبت أعني تسليم أجسادهم، وايصالها إلى موقف الحشر من توفي الشيء إذا أخذوه وافياً، وقوله ما ينتظر الكفار قد مرّ في الأنعام أنّ الانتظار مجار لأنهم شبهوا بالمنتظرين للحوقه لهم لحوق ما ينتظر فكأنهم لفعلهم ما يوجب العذاب منتظرون له فهو استعارة. قوله:(لقبض أرواحهم) يعني أنهم لا يرتدعون عن كفرهم بما شاهدوه، وسمعوه من البيان حتى يصير الأمر عيانا فيصدقوا حيث لا ينفع التصديق لأنّ الإيمان برهاني، وقيل المعنى هل ينتظرون في تصديقك إلا أن تنزل ملائكة تشهد بنبوّتك فهو كقوله لولا أنزل عليه ملك، وأو في قوله أو يأتي أمر ربك لمنع الجمع على هذا التفسير، وكذا على التفسير الآخر أما إذا فسر بالقيامة فقد أورد عليه أنه يجامعها فليس محلالاً والفاصلة ورذ بأنها لمنع الخلو، وفيه بحث. قوله: (من الشرك والتكذيب (يعني المشار إليه بذلك ما دلت عليه الآيات السابقة من الشرك والتكذيب لأنه سبب لإصابة السيئات، وما بينهما اعتراض واقع في حاق موقعه، وجعله راجعا إلى المفهوم
من قوله هل ينظرون أي كذلك كان من قبلهم مكذبين لزمتهم الحجة منتظرين فأصابهم ما كانوا ينتظرونه سديد حسن إلا أن هذا أقرب مأخذاً، ودلالة فعل عليه أظهر، وهذا فذلكة ما قابلوا به تلك النعم، وأدمج فيه تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يرد عليه أنهم كانوا ينتظرون حقيقة، وأنه لا يلائم قوله فأصابهم سيئات ما عملوا. قوله:(فأصابهم ما أصابهم (أي مثل ما أصابهم، وفي نسخة مثل ما أصابوا أي لقوا ووجدوا، وليس هذا تقديراً في النظم بل مبادرة إلى إظهار معنى المعطوف للإشارة إلى أن قوله وما ظلمهم الله الخ اعتراض، وقيل إنه مفهوم مما سبق أي كذلك كان من قبلهم مكذبين فأصابهم ما ينتظرونه وقوله فأصابهم سيئات الخ بيان لنتيجة ظلمهم أنفسهم فعلى هذا لا اعتراض! ، وقوله بتدميرهم أي إهلاكهم. قوله:) أي جزاء سيئات اعمالهم (يعني هو بظاهره
يدلّ على أنّ ما أصابهم سيئة، وليس بها فإفا أن يقدر المضاف أو يجعل من المشاكلة كما في الكشاف أو من إطلاق اسم السبب على المسبب على ما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فمن قال إن المشاكلة لا تصح هنا، ديمانه ليس في كلام جار الله ما يدل عليها لم يصب فتأمل. قوله:(وأحاط بهم جزاؤه) يعني أن ما مصدرية، وفي الكلام مضاف مقدر وبه متعلق بيستهزؤون قدم للفاصلة، والضمير للرسول عليه الصلاة والسلام، ويجوز أن تكون موصولة عامة للرسول صلى الله عليه وسلم وغيره وضمير به عائد عليها. قوله:(والحيق الخ) يعني أن أصل معناه الإحاطة مطلقا لكنه خص في الاستعمال بإحاطة الشر فلا يقال حاقت به النعمة بل النقمة، ومن الأولى بيانية، والثانية زائدة لتأكيد الاستغراق، وكذا الثانية ونحن لتأكيد ضميو عبدنا لا لتصحيح العطف لوجود الفواصل، وان كان محسنا له. قوله:(إنما قالوا ذلك استهزاء ومنعا للبعثة والتكليف) يعني أنهم لم يقولوا ذلك اعتقاداً حتى يكون ذمهم عليهم حجة للمعتزلة في القول بخلق الأفعال، وبخلق الإرادة لكن لما سمعوا منه صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن قالوا ذلك استهزاء بهم فذكر ذلك نعيا عليهم في الضلال أو إثباتا لمنعهم الباطل. قوله:) متمسكين بأن ما شاء الله يجب الخ الما مرّ، وهو حق أريد به باطل فلا حجة فيه للمعتزلة كما زعمه الزمخشريّ، وتخصيص الإشراك والتحريم بالذكر لأنهما أعظم، وأشهر ما هم عليه فلا يرد عليه أنه لا يلائم تقريره كما قيل. قوله:(أو إنكارأ لقبح ما أنكر عليهم الخ (فذكره ليس لأنه منكر في نفسه عندنا بل لرذ ما زعموه من أنه غير قبيح، وهذا الوجه هو مرتضى المصنف رحمه الله تعالى في آخر سورة الأنعام، وقوله فما الفائدة فيهما أي في البعثة والتكليف بعد ما شاء إشراك بعض، ودخوله النار، وايمان يعض، ودخوله الجنة. قوله: (محتجين بأنها الخ) الضمائر عائدة على ما وتأنيثها مراعاة للمعنى، ولو راعى لفظها لذكر، وضمير خلافه وإليه للصدور، ويجوز عود الضمير على الثلاثة المذكورة في البيان، وضمير ونحوها للبحائر، والآية وإن دلت على تجويزهم مشيئة الله لإيمانهم فإنها تستلزم تعلقها بكفرهم أيضا لعدم القائل بخلافه، وقوله لا اعتذارا عطف على إنكاراً أو على قوله استهزاء، ولو كان اعتذاراً كان دليلا للمعتزلة في عدم جواز تعلق إرادة الله بالكفر والمعاصي، وقد مرّ ما قاله الفاضل المحشي في الأنعام إنه لا ينتهض ذمهم به دليلاً على أهل السنة لمكان الكسب فانظره ثمة، وقوله ملجئا إليه حال مؤكدة، وفي العطف بلا بعد صريح الحصر كلام في المعاني وقد مرّ تفصيله. قوله: (إذ لم يعتقدوا قبح أعمالهم (قيل عليه فرض القبح يكفي للاعتذار يعني لو
سلمنا القبح في هذه الأعمال فهي بمشيئة الله لا بقدرتنا، واختيارنا إلا أن يقال إنه سند لمنع كون قولهم ذلك على سبي!! الاعتذار فلا يرد عليه ما ذكر، وفيه أن فرض القبح لا يلائم مقام الإنكار، والاحتجاج المذكور فتأمّل وقوله تنبيه على الجواب الخ سيأتي بيانه، وقوله ورذوا رسله عليهم الصلاة والسلام يؤخذ مما ذكر لأنه يلزمه. قوله: " لا الإبلاع الموضح الخ (إشارة إلى أنّ البلاغ مصدر بمعنى الإبلاغ، وأنّ المبين من أبان المتعذي، وقوله مؤد إليه على سبيل التوسط أي توسط أسباب أخر قدرها، وهذا هو الجواب عن الشبهة الأولى لأنه علم منه أن ما شاء الله، وجوده أو عدمه لا يجب ولا يمتنع مطلقا، وقوله قدرها له أي توقف عليها
تعلق إرادته تعالى فرشد النبيّ صلى الله عليه وسلم إليها، وقوله ثم بين وفي نسخة تبين هو معنى قوله، ولقد بعثنا الخ وقوله سببا لهدى ايخ إشارة إلى معنى الفاء في قوله فمنهم من هدى الله الخ، وقوله وزيادة لضلال إشارة إلى أن الناس لا تخلو عن ضلال ما لم يبعث فيهم نبيّ، وقوله بقوله متعلق بين، وقوله بعبادة الله الخ إشارة إلى أن أن مصدربة لا تفسيرية، وقيل إنه يحتملهما وقوله وفقهم الخ إشارة إلى أن الهداية هنا موصلة لا دلالة مطلقة. قوله:) وفيه تنبيه على فساد الشبهة الثانية الخ) الشبهة الثانية هي أنها لو كانت مستقبحة ما شاء الله صدورها عنهم يعني أنه لما وقع قسيما للهداية، وهي بإرادته اقتضى ذلك أن يكون بإرادته أيضاً وأما أنّ إرادة القبيح قبيحه فلا يجوز اتصافه تعالى به فظاهر الفساد لأنّ القبيح كسبه، والاتصاف به لا خلقه وايجاده على ما تقرر في الكلام، وقوله في الآية الأخرى يعني قوله فإنّ الله لا يهدي من يضل، وقوله يا معشر خصهم لأنهم المخاطبون، وفي الفاء إشعار بوجوب المبادرة إلى النظر، والاستدلال المنقذين من الضلال، وقوله لعلكم تعتبرون إشارة إلى جواب الأمر المقدر، وأنّ المقصود مما ذكر
الاعتبار. قوله: (من يريد) كذا في نسختنا، وفي أخرى من يرد بالجزم، والأصح الأولى، وان أمكن توجيهها بتكلف أنه إشارة إلى أنه معنى الشرط أي من يرد الله إضلاله فلا هادممب له، ولا داعي له، وهو معنى من حقت عليه الضلالة فإنه المراد. قوله:(وهو أبلغ) فإنه يدل على أنّ من أضله الله، وخذله لا تمكن هدايته لكل هاد بخلاف القراءة الأولى فإنها تدل على نفي هداية الله فقط، وان كان من لم يهد الله فلا هادي له، والعائد محذوف أي من يضله، وضمير الفاعل لله قيل، والأبلغية مبنية على انّ يهدي في القراءة الأخرى متعد أما إذا كان لازما بمعنى يهتدي فهما بمعنى إلا أن الأولى صريحة في عموم الفاعل بخلاف هذه مع أنّ التعدي هو الأكثر، وقرئ لا يهدي بضم الياء، وكسر الدال قال ابن عطية: وهي ضعيفة يعني لعدم اشتهار أهدى المزيد فلا يرد عليه أنه إذا ثبت هدى لازما بمعنى اهتدى لم تكن ضعيفة كما قيل، وقوله وما لهم من ناصرين تتميم له بإبطال ظن أنّ الآلهة تشفع لهم. قوله:(لميذاناً بأنها كما أنكروا التوحيد الخ) يعني وهما أمران عظيمان من الكفر، والجهل فلذا حسن العطف فيه فلا يرد عليه أنّ ما ذكر مستفاد من العطف فكان عليه أن يذكر ما ذكره في الكشاف لأنه المحتاج للبيان، وقوله زيادة مفعول لقوله مقسمين والبت بمعنى القطع يتعدى بالباء لكنه ضمنه معنى النص، وقوله يبعثهم إشارة إلى أن بلى لا يجاب النفي وضمير فساده للبعث، وهو إمّا إعادة المعدوم أو جمع المتفرق كما بين في محله. قوله:(مصدر مؤكد لنفسه) قال النحاة ضابطه أنه إذا تقدمت جملة على المصدر لها دلالة عليه فإن احتملت غيره فهو توكيد لغيره، وان لم تحتمل في المعنى غيره فهو توكيد لنفسه، وسمي توكيداً لغيره لأنه جيء به لأجل غيره ليرفع احتماله، وسمي الثاني توكيدا لنفسه لأنه لا معنى له غيره فلم يبق سواه إذ مدلوله مدلول الأوّل، وهنا قوله يبعثهم الذي دل عليه بلى لا معنى له غير الوعد بالبعث، والإخبار عنه كما بينه المصنف رحمه الله تعالى، وقوله أبلغ رد حيث أثبت ما نفوه وأكده ثلاث مرّات، وقوله إنجاز. إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى أنّ الإسناد مجازي لأنه الذي عليه لا وعده والجارّ والمجرور صفة كما أشار إليه بقوله صفة أخرى فالصفة الأخرى مؤكدة إن كان بمعنى ثابتاً متحققاً ومؤسسة إن كان بمعنى غير باطل. قوله:(إنهم يبعثون الخ) أو أنه وعد على الله كما في الكشاف ولكون هذا
أنسب بالسياق اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى، والظاهر أنه تركه لأن مآلهما واحد، ولما فيه من نزغة اعتزالية وأمفا أنّ السياق يدذ على أن معناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك الوعد الحق، والقول الصدق لقوله:{وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} ففيه نظر، وكونه من مواجب الحكمة قد مز من المصنف رحمه الله تعالى بيانه بيانأ شافياً. قوله: (لقصوو نظرهم بالمألوف (أي بسببه، وعدم تجاوزه حصل لهم قصور النظر، وليس القصور بمعنى القصر للنظر عليه، وأن آل إليه ومعناه أنهم لا تتجاوز عقولهم المحسوسات، ولا يرى فيها معدوم عاد بعينه أو أنهم يرون بقاء كل نوع ببقاء إفراده. قوله: (فيتوهمون امتناعه (أي امتناع البعث، ويجوّزون عدم وقوعه لعرائه عن الفائدة، وتجويز مثله كفر لوجوب الجزم بالبعث في الإيمان قيل فلا يرد عليه أن على م
العلم به لا يستلزم العلم بعدمه فضلاً عن العلم بالامتناع لما عرفت أنه ليس لهم العلم بعدم البعث بل مجرد الاحتمال له، ولا وجه للجواب عن هذا بأن عدم العلم هاهنا في ضمنه العلم بالعدم، ولا لتنويره بأقسامهم بأن الله لا يبعث من يموت لأن المقسمين هم القسم الأوّل من الذين لا يؤمنون بالبعث، ولا يخفى أنه كلام ناشئ من عدم الوقوف على مراد المعترض فإنه ذكر أوّلاً جزمهم بعدم البعث، وبتهم بفساده، كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى قبيله، وجعل ما بعده دل! لاً عليه فأورده عليه لأنه لا تلازم بين الدليل والمدلول، وأن ما قزره لا تتجاوب أطرافه، وهو ظاهر لمن تلرلره، فالحق أن يقال إنه إنما ذكر عدم العلم الشامل لعلم العدم لأنه إذا أبطل توهمه علم منه إبطال الجزم به بالطريق الأولى ولعل هذا مبنيّ على قول المصنف رحمه الله تعالى قبل رذ الله تعالى عليهم أبلغ ردّ فتأمّل. قوله:) أي يبعثهم ليبين لهم (إشارة إلى ما في الكشاف من أنه متعلق بما دل عليه بلى، وهو يبعثهم، والضمير لمن يموت الشامل للمؤمنين، والكافرين، وجوّز فيه أيضا تعلقه بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً، [سورة النحل، الآية: 136 أي بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا فيه، وأنهم كانوا على الضلالة قبله مفترين على الله الكذب. قوله:) وهو الحق (ضمير هو للمختلف فيه وبيانه إظهار حقيته وقوله فيما يزعمون، وفي نسخة فيما كانوا يزعمون وهما بمعنى، وهو عام للبعث وغيره، ويجوز تخصيصه به وقوله، وهو إشارة أي قوله ليبين الخ، وقوله من حيث الحكمة كقوله من حيث لي العمائم، وقوله وهو الميز الخ الضمير راجع للسبب والميز مصدر مازه بمعنى ميزه وقوله بالثواب، والعقاب متعلق بالمصدر إشارة إلى أنه المقصود من الميز كما قال تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [سورة يس، الآية: 59،. قوله:) وهو بيان إمكانه (أي مع سهولة، وفي
النسخ هنا اختلاف لفظي وأوضحها ما وقع في بعضها، وهو وتقريره أن تكوين الله بمحض قدرته، ومشيئته لا توقف له على سبق الموادّ، والمدد وإلا لزم التسلسل فكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادّة، ومثال أمكن الخ وكان هنا تامة، وفي الكشاف أي إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له احدث فهو يحدث عقيب ذلك لا يتوقف، وهذا مثل لأنّ مراده لا يمتنع عليه، وأنّ وجوده عند إرادته تعالى غير متوقف كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع المتمثل، ولا قول ثمة، والمعنى أن إيجاد كل مقدور عليه تعالى بهذه السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من شق المقدورات فسقط ما قيل إن كن إن كان خطابا مع المعدوم فهو محال، وان كان مع الموجود كان إيجاداً للموجود، وهو محال أيضا، وقوله أمكن أي لسبق المثال، وظاهر قوله أنه بإعادة المعدوم وهو مقرّر في محله، وأنّ منهم من قال إنه جمع الأجزاء المتفرّقة، وهو ظاهر النصوص، وأنّ قوله:{كُنْ فَيَكُونُ} استعارة تمثيلية كما جزم به الزمخشري، ويحتمل أنه على حقيقته وأنه جرت به العادة الآلهية، وقد مز تفصيله. قوله:(عطفاً على نقول أو جواباً للأمر) قراءة النصب لابن عامر، والكسائيئ، وقراءة الرفع للباقين، وهو هكذا في نسخة صحيحة فما وقع في نسخة من ذكر أبي عمرو بدل ابن عامر من سهو الناسخ قال الزجاج الرفع على تقدير فهو يكون أي ما أراد الله فهو يكون، والنصب إمّا على العطف على نقول أي فإن يكون أو على أنه جواب كن وتبعه المصنف رحمه الله تعالى، وقد ردّ الرضي وغيره نصبه في جواب الأمر بأنه مشروط بسببية مصدر الأول للثاني، وهو لا يمكن هنا لاتحادهما فلا يستقيم، ولذا تركه الزمخشري واقتصر على الأوّل، ووجه بأنّ مراده أنه نصب لأنه مشابه لجواب الأمر لمجيئه بعده، وليس بجواب له من حيث المعنى لأنه لا معنى لقولك قلت لزيد اضرب تضرب، ولا يخفى ضعفه، وأنه يقتضي إلغاء الشرط المذكور، والظاهر أن يوجه بأنه إذا صدر مثله عن البليغ على قصد التمثيل لسرعة التأثير بسرعة مبادرة المأمور إلى الامتثال يكون المعنى إن أقل لك تضرب تسرع إلى الامتثال فيكون المصدر المسبب عنه مسبوكا من الهيئة لا من الماذة، ومصدر الثاني من المادّة أو من محصل المعنى، وبه يحصل التغاير بين المصدرين وتتضح السببية والمسببية، وقد مرّ نظيره للمدقق في الكشف في الجواب عن دخول أن المصدرية على صيغة الأمر فتدبر. قوله:(هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخ) الحبشة اسم
جمع بمعنى الحبش، وهم جيل معروف، ويطلق على بلادهم،
وهو المراد هنا وكأنه مجاز، والمهاجرون من الحبشة إلى المدينة يقال لهم ذوو الهجرتين والمحبوسون ممن هاجر إلى المدينة أيضا، وقوله أو المحبوسون الخ معطوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وهذا القول منقول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأمر هؤلاء معروف في السير، ثم في أسماء هؤلاء المحبوسين اختلاف في التفاسير ففي بعضها جبير وما وقع في بعضها بدل أبو جندل بن جندل فخطأ من الناسخ لكنه أورد عليه أنه على القولين تكون الآية مدنية فيخالف قوله في أوّل السورة إنها مكية، إلا ثلاث آيات في آخرها، وإذا كان هذا التفسير مأثورا فلا بد من الذهاب إلى أنّ فيها مدنيا غير ذلك، وأن ما ذكره تبع فيه المشهور اللهمّ إلا أن يراد بالمكي ما نزل في حق أهل مكة أو ما نزل بغير المدينة أو يكون أخبر به قبل وقوعه، وكله خلاف الظاهر، وفيه أن هجرة الحبشة كانت قبل هجرة المدنية فلا مانع من كونها مكية بالمعنى المشهور على القول الأوّل الأصح، ولا ينافيه قوله، ثم إلى المدينة لأنه بيان للواقع لا للهجرة المذكورة في النظم فلا يرد عليه ما ذكر. قوله: (في حقه ولوجهه (أي الذين هاجروا مخلصين لوجه الله لا لأمر دنيويّ، وهو إشارة إلى أن في على ظاهرها، وأنها هجرة متمكنة تمكن الظرف في مظروفه فهي ظرفئة مجازية أو للتعليل كقوله لمجح:" إنّ امرأة دخلت النار في هرة " وقيل إنه إشارة إلى أنها ظرفية مجازية، وقوله لوجهه بيان لحاصل المعنى، ولو كان إشارة إلى كون في للتعليل لقال في الله أي لوجهه. قوله: (مباءة حسنة الخ (المباءة بالمد المنزل من بوّأه بمعنى أنزله، وإنما قدر مباءة ليكون تقديره أظهر لدلالة الفعل عليه، وليس تقدير دارأ أحسن منه إلا أنه مأثور هنا عن الحسن لأنّ المراد به المدينة موافقة لقوله تعالى:{تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [سورة الحشر، الآية: 9] فهو إما صفة أو مفعول به إن ضمن الفعل معنى نعطيهم وإذا قدر تبوئة فهو صفة مصدر محذوف، وقوله ولأجر الآخرة أي المعدّ لهم كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله مما يعجل لهم في الدنيا، وقوله وعن عمر الخ روي
هذا عنه ابن جرير وابن المنذر. قوله: (لوافقوهم) أي فيما هم عليه! من الإسلام وغيره، وقوله أو للمهاجرين قيل عليه إنه قال في معالم التنزيل إن الضمير للمشركين لا للمهاجرين لأنهم كانوا يعلمون ذلك، ودفع بأن المراد علم المشاهدة فإنّ الخبر ليس كالعيان أو المراد العلم التفصيلي، ويجوز أن يكون الضمير للمتخلفين عن الهجرة يعني لو علم المتخلفون عن الهجرة للمهاجرين من الكرامة لوافقوهم، وقوله ومحله النصب أي بتقدير أعني أو الرفع بتقديرهم، ويجوز أن يكون تابعاً للذين هاجروا بدلاً أو بياناً أو نعتا. قوله: (مفوّضين إليه الأمر كله (الكلية مأخوذة من تعميم التوكل بحذف متعلقه أو من تقديم الجار والمجرور إذ معناه على ربهم وحده، وكونه لرعاية الفواصل ليس بمتعين كما قيل، وحينئذ فالتعبير بالمضارع، إما للاستمرار أو لاستحضار تلك الصورة البديعة، وقوله منقطعين حال مؤكدة. قوله: (رذ لقول قريثس الخ (أي ردّ لمقالهم هذا الذي جعلوه شبهة في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقوله إلا بشرى أي لا ملكا واحترز بقوله للدعوة العامة عن بعث الملائكة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام للتبليغ أو لغيره كإرسالهم لمريم للبشارة،! ما قيل من أنه المراد العموم لكافة الناس لأنه مخصوص بنبينا ىسييه بل المراد العموم لكثير من الناس لا صحة له مع ما فيه من الخلل لفظاً ومعنى، وقوله على ألسنة الملائكة عليهم الصلاة والسلام جمعه لتعددهم، وليس هذا مخالفا لقوله:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} [سورة الثورى، الآية: 51] وغيره من أقسام الوحي لأنه ليس المقصود به التخصيص، وإنما اقتصر عليه لأنه الأغلب وقوله قد ذكرت في سورة الأنعام أي في قوله تعالى:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً} وقد مر تحقيقه. قوله: (فإن شككتم فيه الخ (ليس بيانا لأنه جواب شرط مقذو بل بيان لحاصل المعنى فلا يرد عليه أن للنحاة في مثله قولين إمّا أنه جواب مقدم أو دليل الجواب وهذا مخالف للقولين، وهذا جار على الوجوه الآتية في إعراب قوله بالبينات إلا الأخير كما ستراه، وقوله أهل الكتاب إشارة إلى أن الذكر بمعنى الكتاب لما فيه من الذكر، والعظة كقوله:{إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ} [سورة يس، الآية: 69، وقوله أو علماء الأحبار أي أحبار الأمم السالفة فالذكر بمعنى الحفظ. قوله: (وفي الآية دليل
على أئه تعالى لم يرسل امرأة ولا صبياً (ولا ينافيه نبوّة عيسى عليه الصلاة والسلام في المهد فإن النبوّة أعثم من الرسالة، ولا يقتضي صحة القول بنبوة
مريم أيضا، وقد ذهب إليه جماعة، وصححه ابن السيد، وقوله إلى الملائكة أو إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا للدعوة العامة، وهو المدعي، والرسول على الأوّل بمعناه المصطلح، وعلى الثاني بمعناه اللغوقي، وفي نسخة ولا ملكا مكان قوله ولا صبيا. قوله:(ورذ بما روي الخ) القائل هو الجبائيّ والردّ المذكور وارد على الحصر المقتضي للعموم فلا يرد عليه أنه لا دلالة فيما روي على رؤية من قبل نبينا صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه الصلاة والسلام على صورته مع أنه إذا ثبت ذلك للنبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مانع من ثبوته لغيره أيضاً، وقد نقل الإمام عن القاضي أنّ مراد الجبائي أنهم لم يبعثوا إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بحضرة أممهم ورؤيته على صورته لم تكن بمحضر منهم وقوله وعلى وجوب الخ معطوف على قوله على أنه تعالى الخ، والوجوب مستفاد من الأمر. قوله:(أي أرسلناهم بالبينات والزبر الخ) يعني أنه متعلق بمقدر يدذ عليه ما قبله، وهو مستأنف استئنافا بيانيا ولدا عطف عليه، ويجوز الخ وإنما قدمه لأنه المختار السالم من الاعتراض! ، وفسر البينات، والزبر بما ذكر وقوله، ويجوز أن يتعلق بما أرسلنا داخلا في الاستثناء فيه تسمح لأنه متعلق بأرسلنا فقط، ودخوله في الاستثناء، والحصر بناء على ما جوّزه بعض النحاة. من جواز أن يستثنى بأداة واحدة شيآن دون عطف فيقال ما أعطى أحد شيئأ إلا زيد درهما، وأنه يجري في الاستثناء المفرع أيضا لكن أكثر النحاة على منعه كما صزج به صاحب التسهيل، وغيره وأنا تعلقه به من غير دخوله في الاستثناء على أنّ أصله ما أرسلنا بالبينات، والزبر إلا رجالاً فخلاف ظاهر الكلام، واخراج له عن سنن الانتظام وأيضاً فيه عمل ما قبل إلا فيما بعدها من غير داع، وهو ممنوع أيضا عند أكثر النحاة. قوله:) أو صفة لهم (أي للرجال لا حالاً عنه لتنكره، وتقدمه وهو معطوف على داخلا لأنه متعلق معنى بأرسلنا، وكونه مفعولاً ليوحي بواسطة الباء، ومثله يسمى مفعولاً أيضا، والحالية من ضمير الرجال في قولهم
إليهم أي نوحي إليهم ملتبسين بالبينات، وقوله فاسألوا اعتراض أي {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} بتمامها جملة معترضة لأنها شرطية أو في قوتها، وهو جار على الوجوه المتقدمة أو غير الأوّل، وتصدير الجملة المعترضة بالفاء صزج به في التسهيل وغيره، وما نقل من منعه ليس يثبت كما في الكشف، ثم إذا كان اعتراضا بين مقصوري حرف الاستثناء فمعناه:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [سورة النحل، الآية: 43] أنهم رجال ملتبسون بالبينات، وعلى هذا يقدر الاعتراض مناسبا لما تخلل بينهما وأشبه الوجوه أن يكون على كلامين ليقع الاعتراض موقعه اللائق به لفظا، ومعنى كذا أفاده المدقق في الكشف، وقوله من القائم مقام فاعله، وهو إليهم على القراءة المشهورة. قوله:(على أنّ الشرط للتبكيت والإلزام) كقول الأجير إن كنت عملت لك فأعطني حقي فإنّ الأجير لا يشك في أنه عمل، وانما أخرج الكلام مخرج الشك لأن ما يعامل به من التسويف معاملة من يظن بأجيره أنه لم يعمل فهو يلزمه بما علم، ويبكته بالتقصير مجهلا له فكذا هنا لا يشك في أن قريشا المخاطبين بهذا لم يكونوا عالمين بالكتب فيقول إن كون الرسل كذلك أمر مكشوف لا شبهة فيه:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [سورة النحل، الآية: 43] إن لم تكونوا من أهله يبين لكم أن إنكاركم وأنتم لا تعلمون ليس بسديد وانما السديد السؤال منهم لا الإنكار وقد جوّز أن لا يخص أهل الذكر بأهل الكتاب ليشمل النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولو خص بهم جاز لأنهم موافقون لهم، وانكارهم إنكارهم ومنه يعلم وجه تخصيص التبكيت، والإلزام بتعلقه بتعلمون على أن الباء سببية لا زائدة، والمفعول محذوف فلا يتجه إنه يمكن اعتباره في الوجوه المتقدمة أيضا فتدبر. قوله:(وإنما سمي ذكراً لأنه موعظة وتنبيه) أي لأن فيه ذلك فالذكر من التذكير إما بمعنى الوعظ أو بمعنى الإيقاظ من سنة الغفلة، ولاشتماله على ما ذكر أطلق عليه أو لأنه سبب له، وقوله في الذكر الخ بيان لأنّ إنزاله ليس بالذات بل بالواسطة، وقوله مما أمروا بيان فما نزل وقوله كالقياس يدخل فيه إشارة النص، ودلالته، وما يستنبط منه من العقائد، والحقائق. قوله:(وإرادة أن يتأملوا فيه) قيل عليه إنّ الإرادة لا ينفك عنها المراد على المذهب الحق يعني، وهم كلهم لم يتأملوا، ويتنبهوا
فيلزم الانفكاك فهو مناسب لمذهب المعتزلة، إلا أن يراد بها مطلق الطلب أو يراد تعلق الإرادة بالبعض لا بالكل إذ ليس فيه نص على كلية، وجزئية.
قوله: (المكرات السيئات) لما كان مكر لازماً جعل صفة للمصدر فهو مفعول مطلق،
ويجوز أن يكون مفعولاً به لتضمينه معنى فعل أو لا من بتقدير مضاف أو تجوّز أي عقاب السيئات أو على أنّ السيئات بمعنى العقوبات التي تسوءهم، وأن يخسف بدل منه، وعلى ذينك الوجهين هو مفعول أمن، والاستفهام إنكاريّ، ومعناه النفي وعدم وقوع الأمن على الأوّل، وعدم الانبغاء على الثاني، والباء في يخسف بهم للتعدية أو للملابسة وسيأتي تفصيله في سورة الملك. قوله:(بغتة من جانب السماء) كون ما لا يشعر به بغتة ظاهر وأمّا كونه من جانب السماء فإنه أراد به ظاهره فالتخصيص به لأنه لا يشعر به غالبا بخلاف ما يأتي من الأرض فإنه محسوس في الأكثر، وان أراد به ما لا يكون على يد مخلوق سواء نشأ من الأرض أو السماء كماقيل:
دعها سماوية تجري على قدر
فيكون مجازا لكنه لا يلائم قوله كما فقل بقوم لوط عليه الصلاة والسلام وإن كان المثال
لا يخصص، وأمّا ما قيل الظاهر أنّ هذه الآية، وما بعدها معناهما معنى قوله:{فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ} فالمراد من هذه اتيانه حال نومهم وسكونهم ولا يلزم أن يكون من جانب السماء، والثانية حال يقظتهم، وتصرفهم فمع كونه لا قرينة عليه لا يناسب ما استشهد به. قوله:(متقلبين الخ) يشير إلى أنّ قوله في تقلبهم حال، ويصح أن يكون لغوأ وما ذكر بيان لحاصل المعنى، والتقلب الحركة اقبالاً وادباراً. قوله:(على مخافة بأن يهلك قوماً الخ) فالتخوّف تفعل من الخوف، والجار والمجرور حال من الفاعل أو المفعول كما قاله أبو البقاء رحمه الله تعالى: والظاهر أنه من المفعول، وقوله أو على تنقصى شيئا بعد شيء فيكون المراد مما قبله عذاب الاستئصال، ومنه الأخذ شيئا فشيئاً من قوله تخوّفه، وتخونه إذا انتقصه، وقال الراغب: تخوّفناهم تنقصناهم تنقصاً اقتضاه الخوف منه، وقول عمر رضي الله تعالى عنه ما تقولون فيها أي في معنى هذه الآية، والمقصود السؤال عن معنى التخوف، وأبو كبير بالباء الموحدة شاعر هذلي معروف، والبيت من فصيدة له مذكورة في شعر هذيل، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إصلاج لما في الكشاف من نسبة البيت لزهير مع أنه ليس له، وهو مناقض لما نقله من قول الهذلي شاعرنا فإن زهيراً ليس بهذلي. قوله:(تخوّف الرحل البيت)
الرحل بالحاء المهملة رحل الناقة، وهو معروف والتامك بالمثناة الفوقية السنام المشرف، والقرد بمتح القاف، وكسر الراء المهملة، وبالدال المهملة يقال صوف قرد أي متلبد وسحاب قرد أي ركب بعضه بعضا، والتبع شجر يتخذ منه القسى، والسفن بفتح السين المهملة، وفتح الفاء والنون، هو المبرد والقدوم يصف ناقة أثر الرحل في سنامها فأكله، وانتقصه كما ينتقص المبرد العود والديوان الجريدة من دوّن الكتب إذا جمعها لأنه قطع من القراطي! مجموعة، ولا تضلوا مجزوم لأنه جواب الأمر، وهو عليكم لأنه اسم فعل أمر وفي نسخة من الكشاف لا يضل وعود النبعة من إضافة العام للخاص، وقيل المسمى للاسم. قوله:) حيث لا يعاجلكم بالعقوبةأ فإن عدم المعاجلة لرحمته بعباده، وإسهالهم ليرجعوا عما هم عليه فهذا سبب أمنهم فهو كالتعليل للمستفهم عنه فتأمل. قوله:) أي قد رأوا أمثال هذه الصنائع الخ (أي رأوا هذه الصتائع، وأمثالها فليس الأمثال مقحماً وليس من قبيل مثلك لا يبخل، والصنائع هي المذكورة من هنا إلى قوله الهين اثنين، والرؤية بصرية مؤدية إلى التفكر كما أشار إليه بقوله فما بالهم لم يتفكروا، وهو المقصود من ذكر الرؤية، وقراءة التاء على الالتفات أو تقدير قل أو الخطاب فيه عام. قوله:) وما موصولة مبهمة بيانها يتفيؤوا الخ (الذي في الكشاف أن من شيء بيان، وهو الظاهر، ولكن لما كان كونها شيئا أمراً غنيا عن البيان، وإنما ذكر توطئة لصفته لأنها المبينة في الحقيقة عدل عنه المصنف رحمه الله تعالى إلى ما ذكر لأن البيان في الحقيقة إنما هو بالصفة، وقيل من ابتدائية لا بيانية، والمراد بما خلق عالم الأجسام المقابل لعالم الأرواج، والأمر الذي لم يخلق من شيء بل وجد بأمركن كما قال:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [سررة الأعراف، الآية 540، ولا يخفى بعده وأمّا ما أورد عليه من أن السماوات، والجن من عالم
الأجسام والخلق، ولا ظل لها، ومقتضى عموم ما أنه لا يخلو شيء منها عنه بخلاف ما إذا جعلت من بيانية ويتفيؤوا صفة شيء مخصصة له فقد رذ بأن جملة يتفيؤوا حينئذ ليس صفة لشيء إذ المراد إثبات ذلك لما خلق من شيء لا له، وليس صفة لما لتخالفهما تعريفاً وتنكيراً بل هي مستأنفة لإثبات أنّ له ظلالاً متفيئة، وعموم ما لا يوجب أن المعنى لكل منه هذه الصفة، ولا يخفى أنه إن أراد أنه لا يقتضي العموم ظاهراً فممنوع، وان أراد أنه يحتمله فلا يرد ردّاً لأنه مبنيّ على الظاهر المتبادر. قوله:) عن إيمانها وعن شمائلها الخ (إشارة إلى أنه كان الظاهر تطابقهما إفراداً وجمعا، وسيأتي وجه العدول عنه، وأن المعرف باللام في معنى المضاف إلى الضمير، والتفيؤ تفعل من فاء
يفيء إذا رجع وفاء لازم فإذا أريد تعديته عدي بالهمزة أو التضعيف كأفاءه الله وفيأه فتفيأ، وتفيأ مطاوع له لازم، وقد وقع في قول أبي تمام:
وتفيأت ظله ممدوداً
متعذياً، والكلام في الفيء والظل، والفرق بينهما معروف في اللغة. قوله:) أي عن
جأنبي كل واحد منها الخ (إشارة إلى الجواب عن سؤال مقدر، وهو أن انبساط الظل، وانقباضه وإنما هو عن جانبي المشرق، والمغرب باعتبار ما قبل الزوال وما بعده فأشار إلى أنّ المراد بهما جانبا الشيء استعارة أو مجازاً من إطلاق المقيد على المطلق لا جانبأ لفلك على الوجهين اللذين ذكرهما الإمام الأوّل، وهو أن المراد بهما المشرق والمغرب فشبها بيمين الإنسان، وشماله فإن الحركة اليومية آخذة من المشرق، وهو أقوى الجانبين إذا طلعت الشمس يقع الاظلال في جانب المغرب إلى انتهاء الشمس إلى وسط الفلك، ثم بعده يقع في جانب المشرق إلى الغروب فهو المراد من تفيؤ الظلال من اليميق إلى الشمال، وعكسه وسيذكره المصنف رحمه الله تعالى بقوله: وقيل الخ، وترك جوابه، والثاني وهو أن البلد إذا كان عرضه أفل من الميل ففي الصيف يكون الظل في يمين البلد، وفي الشتاء في شماله لاختصاصه بقطر مخصوص، والكلام ظاهره العموم. قوله:) ولعل توحيد اليمين وجمع الخ (هذه النكتة مصححة لا مرجحة فإنه يقال لم روعي في أحدهما اللفظ، وفي الآخر المعنى، وقد وجهه ابن الصائغ بأنه نظر إلى الغاية فيهما لأنّ ظل الغداة يضمحل بحيث لا يبقى منه إلا اليسير فكأنه في جهة واحدة، وهو في العشيّ على العكس لاستيلائه على جميع الجهات فلحظت الغايتان هذا من جهة المعنى، وأما من جهة اللفظ فجمع ليطابق سجدآ المجاور له كما أفرد الأوّل لمجاورة ضمير ظلاله، وقدم الأفراد لأنه أصل أخف، ولك أن تحمل كلام المصنف رحمه الله تعالى عليه، وتجعل قوله كقوله الخ إشارة إليه فتأمل، وعن اليمين متعلق بيتفيؤ، وقيل: إنه حال. قوله:) وهما حالان الخ (فهما حالان مترادفتان إن قلنا الواو حالية لجواز تعذد الحال، ومن لم يجوزه جعلها بدل اشتمال أو بدل كل من كل كما فصله السمين، وجاز من المضاف إليه لأنه كالجزء كقوله تعالى: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [سورة البقرة، الآية: 13، كما مز تحقيقه أو هي عاطفة وهو ظاهر فلا تكون حالاً مترادفة بل متعاطفة، وقدم هذا لأنه واضح إذ جعل الحال الأولى من شيء، والأخرى من آخر خلاف الظاهر فلا يطالب بأنه لم لم يجعلها متداخلين كما في الوجه الآتي مع أن الآني ليس من التداخل في شيء فهو غفلة على غفلة،. قوله:) والمراد من السجود الاستسلام الخ (جواب عما يقال إنه إذا كان حالاً من الضمير الشامل للعقلاء،
وغيرهم وسجود المكلفين غير سجود غيرهم فكيف عبر عنهما بلفظ واحد، ودفعه بأن السجود بمعنى الانقياد سواء كان بالطبع أو بالقسر أو بالإرادة فلذا جاز أن يشمله لفظ أحد على طريقة عموم المجاز. قوله:(أو سجدا حال من الظلال وهم داخرون حال من الضمير) المراد من الضمير الضمير الأوّل على نهج إعادة المعرفة، وهو المضاف إليه الضلال، وهو في معنى الجمع لعوده على ما خلق من الإجرام التي لها ظلال وهذا هو الوجه المختار في الكشاف، ورجح في الكشف بأن انقيادهما مطلوب ألا ترى قوله:{وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [سورة الرعد، الآية: 15] وفيه تكميل حسن لوصف الظلال بالسجود، وأصحابها بالدخور الذي هو أبلغ، ولم يجعل حالاً من الضمير الراجع إلى الموصول في خلق لأن المعنى ليس عليه، والعامل في الحال الثانية يتفيؤ أيضا كما مرّ. قوله:) والمعنى ترجع الظلال بارتفاع الشمس الخ (يعني أن المراد من سجودها انفيادها لأمر الله بتفيوئها من جانب إلى آخر فالسجود بمعناه المتقدم، وقوله بارتفاع الشمس، وانحدارها بتناقص الظل إلى الزوال، ثم تزايده وانبساطه
في جانب الشرق، وقوله باختلاف مشارقها ومغاربها فالتفيؤ انتقال الظلال من جانب إلى آخر، وقوله أو واقعة على الأرض! الخ فهو استعارة لابتنائه على التشبيه، وقيل إنه تشبيه بليغ، وقوله والإجرام في أنفسها أيضاً إشارة إلى أن قوله:{وَهُمْ دَاخِرُونَ} حال من الضمير المضاف إليه فلا صحة لما قيل في تفسيره إنهما حينئذ حالان متداخلان، وإنه يطالب أنه لم لم يجعلهما مترادفين كما في الوجه الأوّل، ولم يذكر كون الأوّل حالاً من الظلال، والثاني من الضمير كما اختار. جار الله، ولم يذكر عكسه أحد لبعده اهـ. قوله:) وجمع داخرون بالواو الخ (يعني أنه إما تغليب أو استعارة، وكذا ضميرهم أيضأ لأنه مخصوص بالعقلاء فيجوز أن يعتبر ما ذكر فيه، ويجعل ما بعده جارياً على المشاكلة، وكان عليه بيان ذلك إذ لا وجه لعدم ملاحظة ما ذكر فيه، وقيل على الثاني الدخور استعارة، والجمع ترشيح، وفيه نظر. قوله: (وقيل المراد باليمين والشمائل يمين الفلك الخ (هو معطوف على قوله عن أيمانها، وعن شمائلها الخ، وقد مرّ بيانه أيضاً، وقوله لأن الكواكب بيان لوجه مشابهة المشرق باليمين المستعار له لمشابهته لأقوى جانبي الإنسان الظاهر منه أقوى حركاته، وقوله الربع الغربي جعله ربعا لأنّ الظاهر منها في
حكم النصف فنصفه ربع الكرة. قوله: (يعم الانقياد لإرادته وتأثيره طبعاً الخ (لم يقل كرها أو قسراً ليقابل قوله طوعا لأنّ المراد عموم الانقياد لغير ذوي العقول مما ينقاد لإرادة الله، وأفعاله بحسب طبعه، وللعقلاء المنقادين طوعاً للأوامر والنواهي، وأمّا خروج انقيادهم قسراً فلا يضر لأنه لا يمدح به. قوله: اليصح إسناده) أي فسر بمطلق الانقياد المار ليصح إسناده من غير جمع بين الحقيقة والمجاز، وما قيل من أنه لو أريد الانقياد لإرادته طبعاً عمّ الجميع أيضاً مردود لأن إرادة الثاني منه متعينة لأنّ الآية آية سجدة فلا بد من دلالتها على السجود المتعارف، ولو ضمنا فاندفع ما قيل كونها آية سجدة يدل على أنّ المراد المنسوب للمكلفين فيها، وهو الفعل الخاص المتعارف شرعاً الذي يكون ذكره سببا لفعله سنة معتادة في عزائم السجود لا القدر الأعنم المشترك. قوله:) بيان لهما لأنّ الدبيب هو الحركة الجسمانية الخ (يعني أنه بيان لما في السماء، والأرض! لأن معنى الدبيب ما ذكر فيشمل من في السماء من الملائكة عليهم الصلاة والسلام بناء على أنهم غير مجزدين، وتقييد الدبيب بكونه على وجه الأرض لظهوره أو لأنه أصل معناه، وهو عامّ بقرينة المبين، وقيل إنه لو قال على أن الدبيب هي الحركة الجسمانية بطريق المجاز كان أولى، والأولى ترك مثله لقلة جدواه. قوله:) عطف على المبين به (القراءة برفع الملائكة والمبين به الدابة فعلى هذا هو معطوف على محل الجار والمجرور، وهو الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف لأنّ من البيانية لا تكون ظرفا لغواً، وعلى الوجه الآخر هو معطوف على الفاعل وهو ما، وقوله عطف جبريل عليه السلام على الملائكة يعني أنه من عطف الخاص على العام لاذعاء أنه لكونه أكمل الأفراد صار جنسا آخر وهذا وجه إفادته التعظيم، وقوله أو عطف المجردات منصوب معطوف على عطف جبريل فيكون المراد بما في السماوات الجسمانيات، ولا تدخل الملائكة عليهم الصلاة والسلام في ما في السماوات لأنّ المجردات ليست في حيز وجهة ووجه الاستدلال به أنّ ما في السماوات وما في الأرض بين أحدهما بالدابة والآخر بالملائكة، والتقابل الأصل فيه التغاير، والدابة المتحرّكة حركة جسمانية فلا يكون مقابلها من الأجسام لأنّ الجسم لا بد له من حركة جسمانية، وهذا دليل اقناعي فلا يرد عليه احتمال كونه تخصيصا بعد تعميم كما مرّ. قوله:) أو بيان لما في الأرض (عطف على قوله بيان لهما فتكون الدابة ما يدب على الأرض، والملائكة تعيين لما في السماء بتكرير ذكرهم تعظيماً لهم أو هما بيان لما في الأرض! ، والمراد بالملائكة ملائكة تكون فيها
كالحفظة، والكرام الكاتبين فتكون الدابة غير شاملة لهم. قوله:(وما لما استعمل للعقلاء الخ) هذا بناء على أن وضع ما أن يستعمل في غير العقلاء، وفيما يعم العقلاء، وغيرهم كالشبح المرئي الذي لا يعرف أنه عاقل أو لا فإنه يطلق عليه ما حقيقة، وكونه أولى لأنه غير محتاج إلى تغليب، وتجوّز ولا ينافيه ما ذكره في غير هذا المحل كقوله:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} [سورة الأنبياء، الآية: 98] من أنّ ما يختص بغير العقلاء لأنه مبنيّ على قول آخر، وقوله أولى من اطلاق من تغليبا عدل فيه عن قول الكشاف لو جيء بمن لم يكن فيه دليل على
التغليب لأنه معترض! بأن قرائن العموم كقوله من دابة دليل عليه، وان وجه بأنه لا دليل في اللفظ، وقرينة العموم في السابق لا تكفي لجواز تخصيصمهم من البين بعد التعميم على أنّ اقتضاء المقام العموم، وما في التغليب من توهم الخصوص الذي يؤيده السجود كاف في العدول فتأمّل. قوله:(عن عبادته) يشير إلى أنّ الضمير للملائكة عليهم الصلاة والسلام لا لما لاختصاصه بأولي العلم، وليس المقام مقام التغليب وقوله أن يرسل الخ يعني أن قوله من فوقهم إفا متعلق بيخافون، وخوف ربهم كناية عن خوف عذابه أو هو على تقدير مضاف، وقوله أن يرسل بيان لحاصل المعنى لا تقدير إعراب أو هو حال من ربهم أي كائناً من فوقهم، ومعنى كونه فوقهم قهره وغلبته كما مرّ تحقيقه في الأنعام، وقوله أو بيان له أي لقوله لا يستكبرون كما قرّره بقوله لأنّ الخ، وإذا كان حالاً فهي حالاً غير منتقلة. قوله:(وفيه دليل على أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام مكلفون) لأنّ الأمر تكليف فلا خفاء فيه كما توهم، وكون أمرهم دائراً بين الخوف والرجاء أمّا الخوف فمن حاق النظم، وأمّا الرجاء فلاستلزام الخوف له ولأنه بمقتضى الكلام إذ من خدم أكرم الاكرمين كان من الرجاء في مكان مكين فلا يرد عليه أنه لا ذكر للرجال في الآية حتى يناقش في الدلالة. فوله:(ذكر العدد مع أنّ المعدود يدل عليه) يعني المقصود النهي عن الإشراك مطلقا، ولذا قال إنما هو إله واحد وتخصيص هذا العدد لأنه الأقل فيعلم انتفاء ما فوقه بالدلالة، واثبات الوحدة لله ولضميره مع أن المسمى المعين لا يتعدد بمعنى أنه لا مشارك له في صفاته، وألوهيته فلشى الحمل لغواً، ولا حاجة إلى جعل الضمير للمعبود بحق المراد من الجلالة على طريق الاستخدام، وسيأتي تحقيقه في سورة الإخلاص، وقوله تعالى، وقال الله معطوف على قوله. ولله يسجد أو على قوله، وأنزلنا إليك الذكر، وقيل
إنه معطوف على ما خلق الله على أسلوب:
علفتها تبنا وماء بارداً
أي أو لم يروا إلى ما خلق الله ولم يسمعوا ما قال الله، ولا يخفى تكلفه، ودلالة تعليل
لقوله ذكر، وقوله إليه يعني لا إلى الجنسية. قوله: (أو إيماء بأنّ الاثنينية الخ (حاصل هذا، وما قبله دفع لأن الواحد، والمثنى نص في معناهما لا يحتاج معهما إلى ذكر العدد كما يذكر مع الجمع بأنه يدل على أمرين الجنسية، والعدد المخصوص فلما أريد الثاني صرّح به للدلالة على أنه المقصود الذي سيق له الكلام، وتوجه له النهي دون غيره فإنه قد يراد بالمفرد الجنس نحو نعم الرجل زيد وكذا المثنى كقوله:
فإن النار بالعودين تذكى وان الحرب أوّلها الكلام
وقوله أو إيماء الخ وجه آخر لذكره، وهو أنه في معنى قوله:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [سورة ايلانبياء، الآية: 22] والفرق بيته وبين الأوّل أنه ذكر في الأوّل لدفع إرادة الجنسية، والتأكيد وفي هذا للدلالة على منافاتها للألوهية فلذا صزج بها وعقبت بذكر الوحدة التي هي من لوازم الألوهية، ومنافي اللازم منافي الملزوم فلا يرد عليه أنه ليس محلاً للعطف بأو لأنه متفرع على الدلالة على كونه مساق النهي، وكذا قوله أو للتنبيه ولا حاجة إلى الاعتذار بأنه يصلح وجها مستقلَا فلذا عطف بأو. فوله: (أو للتنبيه (على أن الوحدة من لوازم الإلهية وهذا عكس الوجه الأوّل حيث يكون نفي التعدد لمنافاته للازم الألوهية فهو توطئة له فتدبر. قوله: (نقل من الغيبة إلى التكلم مبالغة في الترهيب (يعني أنه التفت عن الغيبة في إنما هو إله واحد، وهو أبلغ لأن تخويف الحاضر مواجهة أبلغ من ترهيب الغائب سيما بعد وصفه بالوحدة والألوهية المقتضية للعظمة، والقدرة التائة على الانتقام، وأمّا الايقاظ وتطرية الاصغاء فنكتة عامّة لكل التفات والفاء في فإياي جواب شرط مقدر أي إن رهبتم شيئا فإياي ارهبوا، وقوله فارهبون دال على عامل إياي مفسر له، وانفصل الضمير لتقدمه على عامله لإفادة التخصيص كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله فارهبون لا غير قال الزمخشري عوض عن الشرط المحذوف تقديم المفعول مع إفادة تقديمه الاختصاص، وأمّا عطف المفسر على المفسر بالفاء فلأن المراد رهبة بعد رهبة أو لأن المفسر حقه أن يذكر عقب المفسر، ولنا فيه تفصيل سيأتي، وقد مر نبذ منه. قوله تعالى:{وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}
معطوف على قوله إنما هو إله
واحد أو على الخبر اً ومستأنف، وقوله خلقا وملكا منصوب على التمييز للنسبة وبيان لجهة الاختصاص فيه، وفسر الدين بالطاعة وسيأتي تفسيره بالجزاء وهما أحد ما له من المعاني، وفسر واصباً بمعنى لازما على أنه حال من ضمير الدين المستكن في الظرف، والظرف عامل فيه، والوصب ورد في كلامهم بمعنى اللزوم والدوام، ولذا قيل للعليل وصب لمداومة السقم له. قوله:(من أنه الاله وحده) هو معنى قوله إنما هو إله واحد، وقوله والحقيق بأن يرهب منه معنى قوله فإياي فارهبون ولم يقل الواجب أن يرهب مع أنه مدلول الأمر وأقوى بحسب الظاهر المتبادر لأن ما ذكره مؤدي النظم وهو إن كنتم راهبين فارهبون إذ معناه أنه لا تليق الرهبة، وتحق إلا لي، وهو أبلغ من الوجوب إذ قد يجب شيء والحقيق غيره، وأوفق بالواقع وأنسب الاختصاص. قوله: (وقيل واصباً من الوصسب (كالتعب لفظا ومعنى، وفاعل حينئذ للنسب كلابن وتامر لأنّ فيه تكاليف، ومشاق متعبة للعباد، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله ذا كلفة، وإذا كان الدين بمعنى الجزاء كان واصبا بمعنى دائما، وثوابه فاعل ينقطع أو مبتدأ خبره لمن الخ، وخص العقاب بالكفرة دون فسقة المؤمنين لأنه الدائم، وما سواه منقطع ولو عمم، واعتبر الدوام بالنظير للجميع جازو لكن لا حاجة تدعو له. قوله تعالى:{أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ} الفاء للتعقيب، والهمزة للإنكار أي أبعد ما تقرّر من توحيده وكونه المالك الخالق لا غير فتتقون غيره والمنكر تقوى غير الله لا مطلق التقوى، ولذا تدم الغير وأولى الهمزة لا للاختصاص حتى يرد أنّ انكار تخصيص التقوى بغيره لا ينافي جوازها، ولو اعتبر الاختصاص بالإنكار لصح فيكون التقديم لاختصاص الإنكار لا لإنكار الاختصاص فتأمّل. قوله: (ولا ضاز سواه كما لا نافع غيره (إذا كان لا ضار سواه علم منه لا ينبغي أن يتقي غيره، وقد أشار بقوله كما لا نافع غيره إلى ارتباط قوله:{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} فإنه كان الظاهر وما يصيبكم سوء إلا منه فكيف يتقي غيره فأشار إلى أنه ذكر النفع لأنه الضار النافع، وأنه اقتصر عليه اكتفاء بسبق رحمته وعمومها، وقوله وأفي شيء اتصل بكم أشار بأي إلى عموم ما على تقديري الموصولية والشرطية، وبقوله اتصل إلى أن الباء للالصاق، وأنه شامل للاتصاف وغير.، وفي الكشاف حل بكم أو اتصل بكم، وأشار به إلى تعميم متعلق الظرف. توله ة (وما شرطية او موصولة (إذا كانت موصولة فهي مبتدأ والخبر قوله من الله والفاء زائدة في الخبر لتضمنه معنى الشرص، ومن نعمة بيان للموصول، والجار والمجرور صلة وإذا كانت شرطية ففعل الشرط مقدر بعدها كما ذكره الفراء، وتبعه الحوفي، وأبو البقاء وتقديره ما يكن بكم من نعمة الخ، واعترض بأنه لا يحذف فعل الشرط إلا بعد أن خاصة في موضعين باب الاشتغال نحوه وأن أحد من المشركين
الخ، وأن تكون أن الشرطية متلوة بلا النافية، وقد دل على الشرط ما قبله كقوله: فطلقهافلست لهابكفء وألايعل مفرقك الحسام
وما عدا ذلك ضرورة والجواب أنّ الفراء لا يسلم هذا والوجه المذكور مبني على مذهبه. قوله: (متضمنة معنى الشرط باعتبار الأخبار) إشارة إلى ما ذكره النحاة. قال في إيضاح المفصل في هذه الآية إشكال من حيث إن الشرط وما شبه به يكون الأوّل فيه سبباً للثاني تقول أسلم تدخل الجنة فالإسلام سبب لدخول الجنة وهنا على العكس وهو أنّ الأوّل استقرار النعمة بالمخاطبين والثاني كونها من الله تعالى فلا يستقيم أن يكون الأوّل فيه سببا للثاني من جهة كونه فرعا عنه، وتأويله أن الآية جيء بها لإخبار قوم استقرت بهم نعم جهلوا معطيها أو شكوا فيه فاستقرارها مشكوكة أو مجهولة سبب للأخبار بكونها من الله عز وجل فيتحقق أنّ الشرط، والمشروط على بابه وأن ذلك صح من حيث إنّ جواب الشرط لا يكون إلا جملة، ويكون معنى الشرط فيها إما مضمونها، دماما الخطاب بها فمثال المضمون قوله تعالى:{الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سورة البقرة، الآية: 274] الآية، ومثال الخطاب بها قولك إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس، والمعنى بالمضمون معنى نسبة الجملة كقوله:{فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} فثبوت الأجر لهم هو مضمون الجملة، وهو مسبب عن الإنفاق، والمعنى بالخطاب بها أن يكون نفس الإعلام بها هو المشروط لا مضمونها ألا ترى أنك لو جعلت
مضمون قوله فمن الله هو المشروط لكان المعنى أنّ استقرارها سبب لحصولها من الله فيصير الشرط سببأ للمشروط، ومن ثمة وهم من قال: إن الشرط قد يكون مسببا، وإذا جعلنا الخطاب أو الإخبار بنفس الجملة هو الشرط ارتفع الإشكال، وفي الكشف أنّ المقصود منه تذكيرهم وتعريفهم فالاتصال سبب للعلم بكونها من الله وهذا أولى مما قدره ابن الحاجب من أنه سبب للاعلام بكونها منه لأن قوله ثم إذا مسكم الضر الخ، يدل على أنهم عالمون بأنه المنعم، ولكن يضطرون إليه عند الالجاء ويكفرون بعد الانجاء، ويدفع بأن علمهم نزل علدم الاعتداد به منزلة الجهل فاخبروا بذلك كما تقول لمن توبخه ما أعطيتك كذا أما، وأما.
قوله: (فما تتضرعون إلا إليه) الحصر مأخوذ من تقديم الجار والمجرور، والفاء جواب
إذا، والجؤار رفع الصوت يقال جأر إذا أفرط في الدعاء، والتضرع وأصله صياج الوحش، وقوله بربهم يشركون أي يتجذد إشراكهم بعبادة غيره، وفي الآية وجهان أحدهما أن يكون
الخطاب في قوله: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} الخ عاما فالفريق منهم الكفرة، ومن للتبعيض، وهو الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله وهم كفاركم الخ والباء في قوله بعبادة غيره سببية، والثاني أن يخص المشركين فمن للبيان على سبيل التجريد ليحسن والا فليس من مواقعه، والمعنى إذا فريق هم أنتم مشركون ويجوز على اعتبار الخصوص أيضاً كون من تبعيضية لأن من المشركين من يرجع عن شركه إذا شاهد تلك الأهوال كما صزج به في تلك الآية، والقرآن يفسر بعضه بعضا ولم تدل تلك الآية على تعين هذا لأنّ الاقتصار فيها يحتمل معنى آخر، رهو عدم الغلوّ في الكفر لا التوحيد وقوله على أن يعتبر بعضهم بالبناء للفاعل، ورفع بعضهم أي بناء على اعتبار بعضهم بما رآه فيرجع عن شركه. قوله:(كأنهم قصدوا بشركهم الخ (لما كان في موقع اللام التعليلية هنا خفاء لأنه كتعليل الشيء بنفسه وجه بأنها لام العاقبة والصيرورة، وهي استعارة تبعية والكفر بمعنى كفران النعم أو جحودها لأنه لما لم ينتج كفرهم وشركهم غير كفران ما أنعم به عليهم، وانكاره جعل كأنه علة غائبة له مقصودة منه، وقوله أو إنكار فالكفر بمعنى الجحود، وعلى الأوّل كفران النعمة، وهما متقاربان، وقوله أمر تهديد هو أحد معاني الأمر المجازية كما يقول السيد لعبده افعل ما تريد، وقوله فسوف تعلمون أغلظ وعيده إذ يفهم منه أنه إنما يعلم بالمشاهدة، ولا يمكن وصفه فلذا أبهم. قوله: (وقرئ فيمتعوا) قرأها أبو العالية ورواها مكحول عن أبي رافع مولى النبيّ صلى الله عليه وسلم بضم الياء التحتية ساكن الميم مفتوج التاء مضارع متع مبنيا للمفعول كذا في البحر والإعراب فلا يلتفت إلى ما قيل إنه صحح في بعض النسخ المعتمدة بضم الياء وفتح الميم، وتشديد التاء من التفعيل فإن القراءة أمر نقلي لا يعوّل فيه على النسخ. قوله:(وعلى هذا) أي على قراءته مضارعا يجوز كون لام ليكفروا لام الأمر، والمقصود من الأمر التهديد بتخليتهم، وما هم فيه لخذلانهم إذ الكفر لا يؤمر به، وعلى الأمر فالفاء واقعة في جواب الأمر وما بعدها منصوب بإسقاط النون ويجوز جزمه بالعطف أيضاً كما جاز نصبه بالعطف إذا كانت اللام جارة. قوله:) أي لآلهتهم التي لا علم لها لأنها جماد الخ) فما عبارة عن الآلهة، وضمير يعلمون عائد عليه، ومفعول يعلمون متروك لقصد العموم أي لا يعلمون شيئا أو لتنزيله منزلة اللازم أي ليس من شأنهم العلم أو الضمير للمشركين والعائد محذوف كما أشار إليه بقوله أو التي لا يعلمونها. قوله:(فيعتقدون فيها جهالاث مثل أنها تنفعهم الخ) تفسير لعدم علمها لأنها معلومة لهم فالمراد بعدم علمها عدم علم أحوالها وجهالات منصوب على المصدرية أي اعتقادات هي جهالات مركبة، وقوله أو
لجهلهم فما مصدرية، واللام تعليلية لأصلة الجعل، وصلته محذوفة والتقدير يجعلون لآلهتهم نصيبا لأجل جهلهم. قوله:(من الزروع والأنعام (مرّ تفصيله في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا} [سورة الأنعام، الآية: 136] الآية، وقوله من أنها الخ بيان لما وزاد حقيقة ليكون افتراء، وظاهر قوله بالتقرب أنّ الافتراء هنا ليس على ظاهره وليس بمراد وتحقيق الافتراء، والفرق بينه، وبين الكذب مبسوط في محله. قوله: (يقولون الملاءلكة بنات الله) يحتمل أنهم لجهلهم زعموا تأنيثها، وبنوّتها ويحتمل كما قاله الإمام أنهم سموها بنات لاستتارها كالنساء، ولا يرد عليه أن
الجن كذلك لأنه لا يلزم في مثله الاطراد، وأمّا عدم التوالد فلا يناسب ذلك. قوله:(تنزيه له من قولهم) فهو حقيقة، وقوله وتعجب منه، وفي نسخة أو بدل الواو وفي أخرى تعجيب من التفعيل، وأحسنها أو تعجيب لأنه معنى مجازي، والأوّل حقيقي، والتعجب لا يوصف الله به كما مرّ تحقيقه إلا أن يؤوّل بأنه راجع، إلى العباد أو يكون المراد منه التوبيخ فإنّ المتعجب منه مستقبح يوبخ به فاعله فتأمل. قوله:(الرفع بالابتداء) والخبر لهم والجعل كناية حينئذ عن الاختيار لأن من جعل قمسما لغيره، وقسماً لنفسه فقد اختاره، وقوله وهو- وان أفضى الخ دفع لما أورده الزجاج، وغيره من أنه مخالف للقاعدة النحوية، وهو أنه لا يجوز تعدي فعل المضمر المتصل المرفوع بالفاعلية، وكذا الظاهر إلى ضميره المتصل سواء كان تعديه بنفسه أو بحرف الجر إلا في باب ظت وما ألحق به من فقد، وعدم فلا يجوز زيد ضربه بمعنى ضرب نفسه، ولا زيد- عرّ به أي مرّ هو بنفسه، ويجوز زيد ظنه قائماً وزيد فقده وعدمه وكذا لا يجوز زيدا ضبربه فلو كان مكان الضمير اسم ظاهر كالنفس أو ضمير منفصل نحو زيد ما ضرب إلا إياه، وما ضرب زيداً إلا إياه جاز فإذا عطفت ما على البنات موصولة أو مصدرية أدّى إلى تعدية فعل المضمر المتصل، وهو واو ويجعلون إلى ضميره المتصل، وهو هم المجرور باللام في غير ما استثنى وهو ممنوع عند البصريين ضعيف عند غيرهم فكان حقه أن يقال لأنفسهم، وقد اعترض أبهو حيان طى هذه القاعدة بقوله تعالى:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [سورة مريم، الآية: 35]{وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} [سورة القصص، الآية: 32] والعجب أن منهم من ن! سب هذا لنفسه، وأجيب عنه بأنّ الممتنع إنما هو تعدي الفعل بمعنى وقوعه عليه أو على ما جر بالحرف نحو زيد مرّ به فإنّ المرور واقع بزيد وما نحن فيه ليس من هذا القبيل فإنّ الجعل ليس واقعا بالجاعلين بل بما
يشتهون، ومحصله المنع في المتعذي بنفسه مطلقاً، والتفصيل في المتعدي بالحرف بين ما قصد الإيقاع عليه، وغيره فيمتنع في الأوّل دون الثاني لعدم ألف إيقاع المرء بنفسه، وهذا تفصيل حسن غفل عنه المعترض! ، ومن تبعه، والمصنف رحمه الله تعالى دفعه بطريق آخر، وهو أن امتناعه إنما هو إذا تعذى أوّلاً لا ثانيا، وتبعاً فإنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وقد أيد ذلك بأنه يجوز إذا انفصل الضمير كزيد ضرب أباه، وفصل العطف ليس بأقل منه وفيه نظر ظاهر، ومنهم من خصه بالمتعذي بنفسه، وجوّزه في المتعدّي بالحرف، وارتضاه الشاطبي في شرح الألفية وهو قوقي عندي. قوله:) أخبر بولادتها الما كانت البشارة الأخبار بما يسرّ وولادة الأنثى تسوءهم أشار إلى أن البشارة هنا بمعنى مطلق الأخبار وفيه مضاف مقدر، ويحتمل أنه بشارة باعتبار الولادة بقطع النظر عن كونها أنثى وكلامه يحتمله، وقيل إنه حقيقة بالنظر إلى حال المبشر به في نفس الأمر. قوله:(صار أو دام النهار كله) يعني أن أصل معناه دوام على الفعل في النهار فإمّا أن يكون على أصل معناه لأنّ أكثر الوضع يكون ليلا فيبشر به في يوم ليلته فيظل نهاره مغتما أو أنه بمعنى صار كما يستعمل أصبح وأمسى وبات بمعنى الصيرورة، وقوله النهار منصوب على الظرفية أي دام على فعله في النهار كله، ويجوز رفعه على الإسناد المجازي. قوله:(من الكآبة والحياء من الناس الخ (الكآبة بسكون الهمزة، وفتحها ممدودة الغمّ، وسوء الحال والانكسار من حزن. قوله:) واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام والتشوير) سواد الوجه وبياضه يعبر به عن المساءة، والمسرّة وجعله كناية لا مجازا باعتبار أن من يغتم قد يلاحظ فيه سواد وجهه كما يسوذ وجه المخنوق لكن الظاهر أنه مجاز والتشوير من شور به إذا فعل به فعلاً يستحيا منه فتشوّر من الشوار، وهو الفرج والعرب تقول في الشتم أبدى الله شواره، والمراد به هنا الاستحياء والمعنى أنه الاغتمام أو الافتضاح القوفي. قوله:) مملوء غيظاً من المرأة (يشير إلى أن أصل الكظم مخرج النفس يقال أخذ بكظمه، ومنه كظم الغيظ لإخفائه وحبسه عن الوصول إلى مخرجه، ويقال كظم السقاء إذا مده بعد ملئه لمنعه عن خروج ما فيه، وكظيم بمعنى مشتد الغيظ مأخوذ من هذا كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وقد مر تفصيله في سورة يوسف. قوله: (من سوء المبشر به عرفاً الخ (عرفا قيد لسوء ويجوز كونه قيداً للمبشر به لأنهم كانوا لا يبشرون بها وإنما أطلقت البشارة لأنها مما يبشر به عرفا لكونه ولداً، ووجهه اسم ظل أو بدل من الضمير المستتر فيه وكظيم فعيل بمعنى فاعل أو مفعول، وكلام المصنف رحمه الله ظاهر في الثاني، والجملة حال من الضمير في ظل
أو من وجهه أو من ضمير مسوداً ولو رفع مسودّأ صح لكنه لم يقوأ به هنا، وجملة يتوارى مستأنفة أو حال على الوجوه إلا كونه من وجهه، ومن القوم ومن سوء متعلقان به لاختلاف معني من لأنّ الأولى ابتدائية والثانية تعليلية. قرله:) محدّثاً نفسه متفكرا في أن يتركه على هون (إشارة إلى أن
الجملة الاستفهامية معمولة لمحذوف معلق عليها وعنها، والعامل حال من فاعل يتوارى، وقول أبي البقاء إن جملة أيمسكه حال إما أن يريد هذا أو جوّز وفوع الطلبية حالاً لتأويلها بمتردد، ونحوه فلا يرد عليه شيء، والهون بضم الهاء الهوان والذل، وبفتحها بمعناه، ويكون بمعنى الرفق واللين، وليس مراداً في القراءة به، وعلى هون حال من الفاعل، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما معناه أيمسكه مع رضاه هوان نفسه، وعلى رغم أنفه أو من المفعولى أي أيمسكها ذليلة مهانة، والدس إخفاء الشيء، وهو هنا عبارة عن الوأد ويثده كيعده مضارع، وأده وأدا وقراءة التأنيث للجحدري، وقوله حيث الخ تعليل لسوء حكمهم وقباحته لأنّ قيد اأحيثية يذكر للتعليل، وقوله ما هذا محله أي ما هو مرذول محقور عندهم كما سيذكره بعيده. قوله: (صفة السوءا لأنّ المثل يكون بمعنى الصفة العجيبة كما مر تحقيقه، وقوله المنادية بالموت من النداء، وجعل الحاجة إلى الولد منادية بالموت لكون الموت يعقبها بغير شبهة كأنه ينادي بها كماقيل:
لدوا للموت وابنوا للخراب
ولأنّ حاجة الوالد إلى الولد لأن يخلفه والخليفة متوقف على موته، وقوله واشتهاء الذكور بالرفع معطوف على الحاجة وكذا ما بعده ووقع في نسخة استبقاء الذكور استفعال من البقاء، وهي ظاهرة ومعناهما متقارب، والوجوب الذاتي في مقابلة الحاجة إلى الولد والغنى المطلق في مقابلة الاستظهار، والجود الفائق في مقابلة خشية الإملاق الذي هو بخل في الحقيقة، والنزاهة عن صفات المخلوقين بيان لكونه أعلى من صفات غيره على المعاني السابقة وقال الطيبي الغنى مقابل الحاجة للأولاد، والنزاهة عن صفات المخلوقين مقابل الوأد خثية الإملاق والجواد الكريم مقابل لإقرارهم على أنفسهم بالشح البالغ، وكلها نتيجة قوله:{وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ} [سورة النحل، الآية: 57، الخ، وقوله المنفرد الحصر من تعريف الطرفين وحمله على الكمال لأنه المختص به ولاقتضاء صيغة المبالغة. قوله تعالى:) {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ} الخ (المؤاخذة مفاعلة من فاعل بمعنى فعل أو هي مجاؤ كأنّ العبد يأخذ حق الله بمعصيته والله يأخذ منه بمعاقبته وكذا الحال في الخلق ودلالة الناس لأنهم سكان الأرض،
وكذا الدابة لأنها ما تدلث على الأرض وان جوّز المصنف رحمه الله تعالى قبل هذا تعميمها لما في السماء، وعمم الظلم للكفر والمعاصي لأنه فعل ما لا ينبغي ووضعه في غير موضعه، وقد يخص بالكفر وبالتعذي على غيره. قوله:(قط بثؤم ظلمهم) يعني أنه شامل لكل إنسان ظالما كان أو لا أمّا الظالم فبظلمه وأمّا غيره فبشآمته كقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [سورة الأنفال، الآية: 25] وشامل أيضاً لغيره كما نقله عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولأنّ الدواب خلقت لانتفاع الإنسان بها فإذا هلك لم تبق لعدم الفائدة والجعل بضم الجيم وفتح العين المهملة واللام دويبة منتنة معروفة، وخص لأنه أخس الحشرات والحجر بضم الجيم وسكون الحاء، والراء المهملة مأوى الحشرات، والبهائم. قوله:(أو من دابة ظالمة) فتنكيرها للنوع وهو مخصوص بالكفار، والعصاة على هذا بخلافه على الأؤل فإنه الجنس مطلقا، ويجوز تعميمه لغير الإنسان فيشمل بعض الدواب إذا ضرّ غيره، وقيل إن الظلم فيه الكفر فيخص الكفرة، وقوله وقيل الخ قائله الجبائي لأنه ما من أحد إلا وفي آبائه من ظلم فإذا هلكوا لزم فناء النوع بل الدواب المخلوقة لمنافع العباد على ما نقل عنه في اللباب لكن على هذا الفرق بينه، وبين القول الأوّل قليل. قوله: (سماه (أي عينه لأعمارهم أي مذة بقائهم أو عينه، وقتا لعذابهم وهو ما بعد حياتهم لإهلاكهم في الدنيا، وهما متقاربان، ولذا جعل علتهما واحدة، وقد مر الكلام على قوله تعالى:{وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 34] في الأعراف، وأنه هل هو مستأنف أو معطوف على الجملة الشرطية لا على الجزاء حتى يرد عليه ما ورد، وقوله بل هلكوا أو عذبوا لف ونشر على التفسيرين قبله. قوله: (ولا يلزم من عموم الناس وإضافة الظلم إليهم الخ (جواب عما استدل به بعض من ذهب إلى عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من ظاهر الاية حتى احتاج بعضهم إلى تخصيص الناس بالمشركين
لأن الكلام فيهم وهو خلاف الظاهر، وقوله ما شاع فيهم إشارة إلى أنه من إسناد ما للكل إلى البعض كما يقال بنو تميم قتلوا قتيلا لتظاهر الأدلة والنصوص على عصمتهم فلا يقال الأصل الحمل على الحقيقة، وقوله ما يكرهونه إشارة إلى أن ما موصولة عائدها محذوف، وقوله الشركاء في الرياسة فلا يرضى أحدهم أن يشرك في ذلك مع اذعاء التشريك لله، وقوله والاستخفاف بالرسل عليهم الصلاة والسلام فهم يغضبون لو استخف برسول لهم أرسلوه في أمر لغيرهم مع استخفافهم برسل الله المرسلين لهم، وأراذل الأموال معطوف على البنات وهو
إشارة إلى ما مرّ في الأنعام من أنهم كانوا إذا رأوا ما عينوه لله أزكى بدلوه بما لآلهتهم وإذا رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها. قوله: (وتصف ألسنتهم الكذب) هذا من بليغ الكلام وبديعه كقولهم عينها تصف السحر أي ساحرة وقذها يصف الهيف أي هيفاء قال أبو العلاء المعري: سرى برق المعرّة بعدوهن فبات برامة يصف الكلالا
وقد بيناه في محل آخر، وقوله مع ذلك أي مع ذلك الجعل، والكذب مفعول لتصف، وعلى القراءة الآتية صفة الألسنة، وأنّ لهم الحسنى بدل منه على الأولى أو بتقدير بأن لهم وعلى الثانية مفعول لتصف، وقوله وهو أنّ لهم الحسنى الخ بيان لحاصل المعنى لا للإعراب وان جاز أيضا، والمراد بالحسنى الجنة بناء على أنّ منهم من يقرّ بالبعث وهذا بالنسبة لهم أو أنه على الفرض والتقدير كما روي أنهم قالوا إن كان محمد صادقا في البعث فلنا الجنة بما نحن عليه، وهو المناسب لقوله لا جرم أنّ لهم النار لدلالته على أنهم حكموا لأنفسهم بالجنة فلا يرد أنهم كيف قالوا هذا وهم منكرون للبعث. قوله:(وقرئ الكذب جمع كذوب صفة للألسنة) وهو بضمتين مرفوع على أنه جمع كذوب كصبر وصبور وهو مقيس، وقيل جمع كاذب نحو شارف وشرف وهو غير مقيس، ولهذا اقتصر المصنف رحمه الله تعالى على الأوّل. قوله:) رذ لكلامهم وإثبات لضده) الرذ بكلمة لا والإئبات بجرم بمعنى كسب أي كسب ما صدر منهم أنّ لهم النار فأنّ لهم الخ في محل نصب على المفعولية وهذا قول الزجاج، وقيل في محل رفع وجرم بمعنى وجب، وثبت وهو قول قطرب، وقيل لا جرم بمعنى حقا وأن لهم النار في محل رفع فاعل حق المحذوف، وتفصيله في المطوّلات وقد مر طرف منه. قوله:(مقدّمون إلى النار الخ (قرأ نافع مفرطون بكسر الراء اسم فاعل من أفرط إذا تجاوز أي متجاوز والحد في معاصي الله وأفعل قاصر، والباقون بفتحها اسم مفعول من أفرطته بمعنى تركته ونسيته على ما حكاه الفراء أي هم منسيون متروكون في النار أو من أفرطته بمعنى قدمته من فرط إلى كذا بمعنى تقدم، وقال معناه مفرطون إلى النار يتعجلون إليها من أفرطته، وفرطته إذا قدمته، ومنه الفرط للمتقدم، وقرأ أبو جعفر مفرّطون بتشديد الراء المكسورة من فزط في كذا إذا قصر وفي رواية عنه بالفتح والتضعيف، وقرئ أن بالكسر فيهما على أنها جواب قسم أغنت عنه لا جرم. قوله:) فأصروا على قبائحها الخ (هو إفا تفسير لما زينه الشيطان لهم أو تفريع
عليه. قوله: (أي في الدنيا وعبر باليوم عن زمانها الخ (أي موالاته لهم في مدة الدنيا ومآربها ولما كان اليوم يستعمل معرّفا لزمان الحاًل كالآن وليس الشيطان وليا للامم الماضية في زمان الحال وجه بان ضمير وهو وليهم إن عاد إلى الأمم الماضية فزمان تزيين الشيطان لهم أعمالهم، وان كان ماضيا صوّر بصورة الحال ليستحضر السامع تلك الصورة العجيبة، ويتعجب منها وسموه حكاية الحال الماضية وليست الحكاية المتعارفة، وهو استعارة من الحضور الخارجي للحضور الذهني أو المراد باليوم مدة الدنيا لأنها كالوقت الحاضر بالنسبة للآخرة، وقد ورد إطلاق اليوم على مدتها كثيراً فهو مجاز متعارف، وليس فيه حكاية لما مضى، وهي شاملة للماضي والآتي وما بينهما، والوليّ على هذين الوجهين بمعنى القرين أو المتولي لإغوائهم، وصرفهم عن الحق أو المراد باليوم يوم القيامة الذي فيه عذابهم لكنه صوره بصورة الحال استحضاراً له فهو حكاية لما سيأتي، وليس من مجاز الأول أي لا ناصر لهم في ذلك اليوم إلا هو لا بمعنى المتولي للإغواء إذ لا إغواء ثمة، ولا بمعنى القرين لأنه في الدرك الأسفل وهو نفي للناصر على أبلغ وجه على حدّ قوله:
وبلدة ليس بها أنيس! إلا اليعافير وإلا العيس
أو ضمير وليهم لكفار مكة أي زين الشيطان للأمم الماضية أعمالهم فهو الآن وليّ هؤلاء لاتصالهم بهم في الكفر أو هو بتقدير مضاف. قوله: (وعبر باليوم عن زمانها) أي من جميع أزمنتها إشارة إلى وجه التجوّز وتنزيله منزلة الحال لما مر. قوله:) أو فهو وليهم حين كان الخ (عطف بحسب المعنى على ما قبله أي فهو وليهم في الدنيا أو فهو وليهم وقت تزيينه للأمم الماضية الذي هو لاستحضاره كالحال الحاضر، وهو مجاز آخر، وقوله أو يوم القيامة لتنزيله منزلة الحاضر باستحضاره لكنه في الوجه الثاني حكاية حال ماضية، وهذا حكاية حال آتية كما أشار إليه بطريق اللف بقوله على أنه الخ ولا حاجة في الوجه الأوّل إلى تأويل، وان كانت الجملة الاسمية يقترن مضمونها بزمان اأيحال لأن جعل المجموع حالاً في العرف، وقد قارنه جزء منه في الحقيقة يكفي لذلك فلا يرد عليه شيء كما قيل. قوله:) ويجوز أن يكون الضمير لقريش (أي ضمير وليهم المضاف إليه لا لمن تقدمهم كما في الوجوه السابقة، واليوم بمعنى الزمان الذي وقع فيه الخطاب، وقيل فيه بعد لاختلاف الضمائر من غير داع إليه، والى تقدير المضاف في الوجه الآتي ورذ بأن لفظ اليوم داع له، ولذا قيل إن هذا الوجه هو المناسب للقسم بعد الإنكار، وتعداد القبائح لأنه تسلية للنبيئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أمته على وتيرة من قبلهم، وقد تبع في هذا الشارح الطيبي رحمه الله وصاحب الكشف لم يرتضه حيث قال لا ترجيح لهذا الوجه من حيث التسلي إذ الكل مفيد لذلك على وجه بين وإنما الترجيح للوجه الصائر إلى استحضار
الحال لما فيه من مزيد التشفي وكون ما ذكر ليس بظاهر ظإهر، والقرينة المذكورة مصححة لا مرجحة، وإذا قدر المضاف فالضمير ليس لقريش لكن المراد بأمثال من مضى من قريش، ولذا جعل المصنف رحمه الله تعالى هذين الوجهين في قرن واحد. قوله:(والولئ القرين أو الناصر الخ (الذي في الكشاف أنه إذا كان المراد باليوم يوم القيامة كان الولي بمعنى الناصر إذ لا مقارنة ولا إغواء وجعله ناصراً فيه مع أنهم لا ينصرون مبالغة في نفيه وتهكم على حذ عتابه السيف كما مر تحقيقه، وتفصيله فإن كان قوله القرين أو الناصر على التوزيع رجع إلى ما في الكشاف لكنه فيه إجمال خفي، وقيل إنه جار على الوجوه وهو السرّ في تأخره. قوله: (وفيه بحث) فتأقل، وقوله على أبلغ الوجوه من المبالغة أو البلاغة وهو ظاهر، وقوله في القيامة جار على التفاسير السابقة وقوله للناس عممه لعدم اختصاصه بقريش، وعدم تأتيه لمن قبلهم، وقوله وأحكام الأفعال المراد بها ما لا يتعلق بالاعتقاد كرجم الزاني ونحوه معطوفان على محل لتبين الخ يعني أنهما انتصبا مفعولاً له والناصب أنزلنا ولما اتحد الفاعل في العلة والمعلول وصل الفعل لهما بنفسه ولما لم يتحد في لتبين لأنّ فاعل الإنزال هو الله وفاعل التبيين الرسول صلى الله عليه وسلم وصلت العلة بالحرف قال في الكشاف هدى ورحمة معطوفان على محل لتبين إلا أنهما انتصبا على أنهما مفعولان لهما لأنهما فعلا الذي أنزل الكتاب، ودخل اللام على لتبين لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل، وإنما ينتصب مفعولاً له ما كان فعل فاعل الفعل المعلل به اهـ ما قاله الزمخشري، وتبعه المصنف رحمه الله تعالى، وقال أبو حيان هذا ليس بصحيح قال المعرب قلت الزمخشري لم يجعل الصب للعطف على المحل إنما جعله بوصول الفعل إليهما لاتحاد الفاعل كما صرح به الخ ما فصله (قلت (هو مبني على أمرين أحدهما أن شرط نصبه اتحاد الفاعل، والزمان فإذا عدما جرّ باللام، ولا كلام فيه إنما الكلام فيما إذا ذكر ما فيه الئرط ونصب هل يجوز عطفه عليه أم لا فجوّزه العلامة، والمصنف رحمه الله تعالى، ومنعه أبو حيان، وبقي أمر آخر وهو أنه إذا جر ما فيه مانع آخر هل يصح أم لا كالمصدر المؤوّل بأن، والفعل فإنه لا يقع مفعولاً له نحو زرتك أن أكرمك وزرتك إكراما لك وهو محل يمتنع فيه حذف الجار مع أن فاعرفه فإنه لم يحرره الشراج كلهم فاحفظه، ومعنى كونه في محل نصب إنه في محل لو خلا من اأصموانع ظهو نصبه وهو هنا كذلك لمن تأمل هذا هو التحقيق، وما عداه تطويل بلا طائل، وقوله فإنهما الخ تعليل لظهور النصب فيهما دون المعطوف عليه فهو تعليل لما يفهم من السب ق. قوله: إ أنبت فيها الخ) يعني أن الإحياء والموت هنا استعارة لما
ذكر، وليس المراد إعادة اليابس بل إنبات مثله، وقوله سماع تدبر، وانصاف خصه بما ذكر لاقتضاء المقام له أو لتنزيل غيره منزلة العدم، وقال خاتمة المفسرين أراد بالسمع القبول كما في سمع الله لمن حمده
أي لقوم يتأملون فيها، ويعقلون وجه دلالتها، ويقبلون مدلولها، وإنما خص كونها آية بهم لأن غيرهم لا ينتفع بها وهذا كالتخصيص في قوله هدى ورحمة لقوم يؤمنون وبما قرّرناه تبين وجه العدول عن يبصرون إلى يسمعون (قلت) ما ذكره الشيخان هو اللائبئ بالمقام، وبيانه أنه تعالى لما ذكر أنه أرسل إلى الأمم السالفة رسلا وكتبا فكفروا بها فكان لهم خزي في الدنيا، والآخرة عقبه بأنه أرسله صلى الله عليه وسلم بسيد الكتب فكان عين الهدى، والرحمة لمن أرسل له إشارة إلى مخالفة أمته لمن قبلهم من سعادة الدارين، وتبشيراً له ع! ييه بكثرة متابعيه وقلة مناويه، وأنهم سيدخلون في دينه أفواجا أفوأجاً ثم أقبع ذلك على طريق التمثيل لإنزاله تلك الرحمة التي أحيت من موتة الضلال إنزال الأمطار التي أحيت موات الأراضي وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ولولأ هذا لكان قوله، والله أنزل من السماء ماء كالأجنبي، عما قبله وبعده، وقوله إن في ذلك لآية لقوم يسمعون تتميم لقولنا وما أنزلنا الخ وللمقصود! بالذات منه فالمناسب يسمعون لا يبصرون ولو كان مفهماً لما لاصقه ص الإنبات لم يكن ليسمعون بمعنى يقبلون مناسبة أيضا ومن لم يقف على محط نظرهم قال في جوالجه يمكن أن يحمل على يسمعون قول الله أنزل من السماء الخ فإنه مذكر وحامل على تأمّل مدلو له " مد بر.
قوله: (دلالة يعبر بها من الجهل إلى العلم) أصل معنى العبر والعبور التجاوز من محل
إلى آخر، وقال الراغب: العبور مختص بتجاوز الماء بسباحة ونحوها والمشهور عمومه فاطلاق العبرة على ما يعتبر به لما ذكر لكنه صار حقيقة في عرف اللغة فالعبرة بمعنى المعبر بكسر الميم، ولا حاجة إلى جعل الدلالة بمعنى الدليل. قوله:(استئناف لبيان العبرة) أي استثناف بياني كأنه قيل كيف العبرة فيها فقيل نسقيكم الخ ومنهم من قدر هنا مبتدأ وهو هي نسقيكم، ولا حاجة إليه. قوله:(وإنما ذكر الضمير الخ) يعني أنه ذكر ضميره تارة، وأنث أخرى لأنه اسم جمع لا جمع إذ بناء أفعال يكون في المفردات كبرمة أعشار وثوب أسمال، وما كان كذلك فهو اسم جمع، واسم الجمع كرهط، وقوم يجوز تذكيره وافراده باعتبار لفظه وتأنيثه، وجمعه باعتبار معناه فلذا ورد بالوجهين في القرآن وكلام العرب هذا ما أراده المصنف رحمه الله تعالى، وستسمع تحقيقه، وبيان الحق فيه عن كثب. قوله:(ولذلك عده سيبويه في المفردات المبنية على أفعال الخ) اعلم أنّ كلام سيبويه في كتابه تناقض في هذا، وأنه قال في موانع الصرف في صيغة منتهى الجموع، وكونها من الموانع دون غيرها ما نصه، وأئا أفعال
فقد يقع للواحد، ومن العرب من يقول هو الأنعام وقال عز وجل:{نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} وقال أبو الخطاب: سمعت العرب تقول هذا ثوب أكياش وقال في باب الزوائد ليس في الكلام أفعال إلا أن يكسر عليه اسم اهـ وقد اضطرب الناس في توجيهه والتوفيق بين كلاميه فذهب أبو حيان رحمه الله تعالى إلى تاويل ما في باب الموانع، وابقاء الثاني على ظاهره وأنّ أفعالاً لا يكون من أبنية المفرد أصلَا، وأمّا قوله، وأما أفعال فقد يقع للواحد فمراده أنه يستعمل مجازآ بمعنى النعم فيعامل معاملته بأفراد الضمير وتذكيره لا أنه مفرد صيغة ووضعاً بدليل ما صرّج به في المحل الآخر من أنه لا يكون إلا جمعا، واعترض عليه بأنّ مقصود سيبويه رحمه الله تعالى ما ذكر في باب ما لا ينصرف الفرق بين صيغة منتهى الجموع، وأفعال وفعول حيث منع الصرف للأوّل دون الثاني لوجوه منها أن الأوّلين لا يقعان على الواحد بخلاف الآخرين كما أوضحه بما لا شبهة فيه فلو لم يكن وقوع أفعال على الواحد بالوضع لم يحصل الفرق فلا يتم مقصود سيبويه نعم كلام في تدافع كلاميه، وأيضا لو كان كذلك لم يختص ببعضهم وأيضآ أن التجوّز بالجمع عن الواحد يصح في كل جمع حتى صيغة منتهى الجموع، والحق في دفعه أنه لا تعارض بين كلاميه فإنه فرق بين مفاعل، ومفاعيل وأفعال، وفعول بأنّ منتهى الجموع لا يجمع وغيره يجمع فأشبه الآحاد ثم قواه بأنّ قوما من العرب تجعله مفرداً حقيقة في لغتهم وأشار إلى أنها لغة نادرة وما ذكره في الباب الآخر بناء على اللغة المتداولة، وقوله فرق بينهما بوجوه لا وجه له كما يعرفه حملة الكتاب وبهذا عرفت ما في كلام المصنف رحمه الله تعالى، وأما ما قيل إنّ كون بناء أفعال منه ما هو مفرد لا يلزم منه أن الأنعام كذلك فلا تنافي بين كلاميه فمن قلة التدبر، وفي الكشاف يجوز أن يفال في الأنعام وجهان
أحدهما أن يكون تكسير نعم كأجبال في جبل، وأن يكون اسما مفرداً مقتضيا لمعنى الجمع كنعم فإذا ذكر فكما يذكر نعم في قوله:
في كل عام نعم تحوونه يلقحه قوم وتنتجونه
واذا أنث ففيه وجهان أنه تكسير نعم وأنه في معنى الجمع ولا يخفى ما فيه فإنه إذا وقع
مفرد ألا يكون جمعاً بل اسم جمع والاستدلال عليه بنعم لا يتم لأنه من أوزان المفردات. قوله: (كأخلاق) جمع خلق ضد جديد، وهو فيما سمع من قولهم ثوب أخلاق وثوب أكياش بياء تحتية بعد الكاف وشين ومعجمة، وهو ثوب غزل مرّتين وفي الأزهري أنه ضرب من برود اليمن ونقل فيه ضبطه بباء موحدة بدل التحتية، وروي فيه أكراش أيضا فكلها بمعنى، وقد ورد أفعال صفة للمفرد في ألفاظ منقولة في المطوّلات. قوله: (ومن قال إنه جمع نعم جعل الضمير للبعض الخ (فإن قلت كيف يكون جمع نعم، والنعم تختص بالإبل والأنعام يقال للإبلى والبقر والغنم مع أنه لو اختص كان مساوياً له قلت من يراه جمعاً له يخص الأنعام أو يعمم النعم
ويجعل التفرقة ناشئة من الاستعمال ويجعل الجمع للدلالة على تعدد الأنواع، وكون الضمير للبعض إمّا أنه يعود على البعض المقدّر أي بعض الأنعام أو على الأنعام باعتبار بعضها، وهو الإناث التي يكون اللبن منها أو على البعض المفهوم منها. قوله:(أو لواحده) كما في قول ابن الحاجب: المرفوعات هو ما اشتمل على علم الفاعلية، وقوله على المعنى لأنّ الألف، واللام لجنسية تسوي بين المفرد والجمع في المعنى فيجوز عود ضمير كل منهما على الآخر كما في تفسير النيسابوري أو الضمير له باعتبار ما ذكر. قوله:(نسقيكم بالفتح هنا وقي المؤمنين (والباقون بضمها فيهما واختلف فيه هل سقى وأسقى لغتان بمعنى واحد أم بينهما فرق فقيل هما بمعنى، وقيل بينهما فرق فسقى للشفة وأسة ى للأر ض، والشجر وقيل سقاه بمعنى رواه بالماء، وأسقاه بمعنى جعله شربا معدا له وفيه تفصيل في اللغة. قوله: (فإنه يخلق من بعض أجزاء الدم المتولد الخ) بين يقتضي متعددا، وهو هنا الفرث أي الروث ما دام في الكرس والدم فيكون مقتضى النظم توسط اللبن بينهما كما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فالبينية على حقيقتها، وظاهرها لكن ما ذهب إليه الحكماء يخالفه لأن الدم، واللبن عندهم لا يتولدان في الكرش لأنّ الحيوان إذا ذبح لم يوجد في كرشه دم، ولا لبن ولأنّ الدم لو كان في الكرش خرج بالقيء فلذا أوّل بأنّ المراد أنّ اللبن ينشأ من بين أجزاء الفرث، ثم من بين أجزاء الدم فإذا ورد الغذاء الكرس انطبخ فيه وتميزت منه أجزاء لطيفة تنجذب إلى الكبد فينطبخ فيها ويحصل الدم فتسري أجزاء منه إلى الضرع، ويستحيل لبنا فاللبن إنما يحصل بين أجزاء الفرث، ثم من بين أجزاء الدم فالنسبة، والبينية مجازية كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فقوله وهو الأشياء المأكولة، وفي نسخة بعض الأشياء الخ، وضمير هو للفرث، وما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رواه الكلبيّ عن أبي صالح رضي الله تعالى عنهما، ولا ينافي هذا قوله فيما سيأتي، ويبقى ثفله وهو الفرث أمّا على النسخة الثانية فظاهر، أما على الأولى فكذلك لأنه لا يزول الاسم بزوال بعض الأجزاء فإن الرجل مثلاً يسمى رجلا، وان قطعت يده، والبينية على ما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مكانية حقيقية بحسب الظاهر، والمصنف رحمه الله تعالى أوّله بما ذكر فهي مجازية أيضاً، والداعي ما مرّ من كلام الحكماء وقوله لأنهما
لا يتكوّنان تعليل لكون المراد ما ذكر، وصفاوة الطعام كصفوته ما صفا منه وخلص وقوله يمسكها أي يمسك الكبد الصفاوة وريثما يهضمها بمعنى مقدأر زمان هضمها، وهو منصوب على الظرفية كما مرّ وهذا هو الهضم الثاني الذي تحصل منه الأخلاط الأربعة ثم تذهب الصفراء إلى المرارة والسوداء إلى الطحال والماء إلى الكلية ومنها إلى المثانة، والمرّتين تثنية مرّة بكسر الميم، وتشديد الراء، والمراد بهما السوداء والصفراء تغليبا والأخلاط جمع خلط بالكسر، وهو معروف. قوله:) ثم يوزع الباقي) أي بعد الدخول في الأوردة، وهي العروق الثابتة في الكبد وهناك يحصل هضم ثالث كما فصل في مض لمه وزيادة أخلاط الأنثى لغلبة البرودة، والرطوبة على مزاجها، وقوله لأجل الجنين أي ليكون ثديه وتغذيته، والضروع جمع ضرع وهو الثدي، وانصبابه ليتغذى به الطفل بعد فصاله. قوله. لأومن الأولى تبعيضية (متعلقة بنسقيكم
أيضا، ولا يضره اتحاد متعلقهما لاختلاف معناهما على ما عرف في النحو، ويجوز كون الأولى ابتدائية أيضا فتكون الثانية، ومجرورها بدلاً منها بدل اشتمال. قوله:(لأن بين الفرث والدم المحل) إن لم تكن بين لازمة الظرفية كما سيجيء تحقيقه في العنكبوت يصح رفع المحل خبراً لأن ولا إشكال في نصبه، وقوله لتنكيره علة لتقديمه، وكذا ما بعده، وكونه موضع العبرة ظاهر، وهو مرجح الحالية على الوصفية. قوله:(صافياً) قيل الصحيح هو التفسير الثاني لابتناء هذا على أن محل اللبن بين الفرث والدم وهو وهم ورد بأنه يكفي لصحته كون أصل اللبن الأجزاء اللطيفة في الفرث ولا يضره بعد مكان تصوّره بصورة اللبن عن محل الفرث كما لا يخفى مع أنّ عد ما ذكر مع كونه ظاهر النظم، وتفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهما لا يليق وليس المصنف رحمه الله تعالى غافلا عنه بعدما فصله قبيل هذا، وكونه سهل المرور لدهنيته، وقد قيل إنّ أحداً لم يشرق بلبن قط، وهو مرويّ عن السلف. قوله: (متعلق
بمحذوف الخ (في إعرابه وجوه أظهرها وهو هذا أنه متعلق بمحذوف تقديره نسقيكم، وهو من عطف جملة على أخرى وهو أولى من تقدير خلق أو جعل بهما ذكره أبو البقاء لدلالة نسقيكم المتقدم عليه وأما الاستغناء عن التقدير بعطفه على قوله مما في بطونه فيكون من عطف بعض متعلقات الفعل على بعض كقولك سقيته من اللبن ومن العسل فلم يذكر مع أنه أقرب لأن نسقيكم الملفوظ به وقع تفسير العبرة الأنعام فلا يليق تعلق هذا به لأنه لا تعلق له بتلك العبرة وكذا جعله متعلقا بما في الاسقاء من معنى الإطعام أي نطعمكم منها فينتظم المأكول منها، والمشروب المتخذ من عصيرهما، وأما إذعاء أنه ليس ببيان فخلاف الظاهر، ومخل بالانتظام، ومن عصيرهما بيان للمعنى المراد، وتقدير المضاف اللازم على هذا الوجه، والجائز على الوجه الثاني كما سيذكره المصنف رحمه الله تعالى وكون التعليق ثمة على التوزيع ليس بسديد، ولما كان اللبن نعمة عظيمة لا دخل لفعل الخلق فيه إضافة لنفسه بقوله نسقيكم بخلاف اتخاذ السكر فلذا أضافه لهم، وقوله لبيان الاسقاء أي المقدر لا الملفوظ. قوله: (أو بتتخذون ومنه تكرير للظرف الخ (أخره لأنه مخالف للظاهر لتقدم المتعلق، ولتكرير الظرف للتأكيد كما تقول بئ يد مررت به، وسيأتي تفسيره في سورة النور، وفي مرجع ضميره أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من عوده على المضاف المقدر أو على الثمرات المؤوّل بالثمر لأنه جمع معرف أريد به الجنس، وأما على الثالث فعلى ثمر المقدر، وحذف الموصوف بالجملة إذا كان بعضاً من مجرور من أو في المقدم عليه مطرد نحو منا ظعن وفينا أقام. قوله: (والسكر مصدر سمي به الخمر (فهو بمعنى السكر كالرشد، والرشد وقوله كالثمر، والزبيب دخوله في الرزق إذا لم يقدر المضاف ظاهر فإن قدر يحتاج إلى جعله معمولاً لعامل آخر مقدر، ويتم البيان عند قوله سكرأ، وهو بعيد والدبس بكسر الدال المهملة، وسكون الباء الموحدة، والسين المهملة عسل التمر، وهو عربي فصيح. قوله: (والآية إن كانت سابقة على تحريم الخمر الخ) قيل كيف لا تكون سابقة، وهذه السورة مكية إلا ثلاث آيات من آخرها إلا أن يكون فيه اختلاف، وهذا على قول آخر مع أنه سقط من بعض النسخ ما ذكر أو هذا جار على مجرد الاحتمال، وأفا الدلالة على كراهتها فقيل من كونها وقعت في مقابلة الحسن المقتضي لقبحها، وقيل عليه إنهما ليسا طرفي نقيض فيجورّ ثبوت الواسطة بالإباحة وفي أنّ السياق للامتنان بالنعم، ولا مقتضى للعدول، وفيه نظر والطعم بالضمّ، ثم السكون المطعوم المتفكه به كالنقل، ووجه الاستشهاد في البيت ظاهر، وعلى الوجه الآخر هو بمعنى المأكول مطلقاً،
وقوله من السكر بفتح فسكون، ويجوز كسره أيضاً قال ابن السيد في مثلثاته السكر بالفتح سد النهر، والباب ونحوه ومنه سكرت أبصارنا وبالكسر السد نفسه، ويجمع على سكور قال السري:
غناؤنا فيه ألحان السكور إذا قل الغناء ورنات النواعير
وقيل إنّ البيت المذكور كون السكر فيه بمعنى الخمر أشبه منه بالطعام، والمعنى أنه لشغفه بالغيبة وتمزيق الأعراض جرى ذلك عنده مجرى الخمر المسكرة، وفيه أن المعروف في الغيبة جعلها نقلأ، ولذا قيل الغيبة فاكهة القرّاء. قوله: (وإلا فجامعة بين العتاب والمنة الخ (فقوله سكراً عتاب، ورزقاً حسناً امتنان
ولذا وصف بالحسن دون السكر كأنه وبخهم بالجمع بين السكر والرزق الحسن وقوله، وقيل السكر النبيذ عطف على قوله السكر مصدر سمي به الخمر ففيه ثلاثة أقوال وعلى القول الأوّل هي منسوخة والمراد المطبوخ من ماء العنب والزبيب، والتمر الذي يحل منه ما دون المسكر وهو المثلث، وقوله يستعملون عقولهم إشارة إلى تنزيله منزلة اللازم. قوله:) ألهمها وقذف في قلوبها الخ (فسره غيره بسخرها لهذا الفعل والمراد بالإلهام هدايتها لما ذكر والا فالإلهام حقيقة إنما يكون للعقلاء والنحل منه ما يكون في الجبال والعياض واليه الإشارة بقوله: (اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر) وما يكون مع الناس يتعهدونه، وهو المراد بقوله ومما يعرشون) وقرىء إلى النحل بفتحتين) هذه قراءة ابن وثاب رحمه الله تعالى، وهو يحتمل أن يكون لغة وأن يكون اتباعا لحركة النون كما قاله المعرب. قوله:(بأن اتخذي الخ) فإن مصدرية بتقدير الجار، وهو باء الملابسة أو هي مفسرة للإيحاء إليها لأنّ فيه معنى القول دون حروفه، ولا ينافيه كونه بمعنى الإلهام لأنّ معنى القول فيه باعتبار معناه المشهور على أن من ألهم شيئاً يتكلم به ومثله كاف لاعتبار معنى القول فالاعتراض غير وارد. قوله:) وتأنيث الضمير (أي ضمير اتخذي وكلي، وقوله على المعنى يعني به أنه اسم جنس يفرق بينه وبين واحده بالتاء، ومثله يجوز تذكيره باعتبار لفظه وتأنيثه باعتبار معناه، وهو أنه طائفة منه وجماعة وتأنيث لغة أهل الحجاز، وعليها ورد التنزيل هنا كما في قوله نخل خاوية، وورد تذكيره في قوله أعجاز نحل منقعر لكن قوله فإنّ النحل مذكر يقتضي أنّ الأصل
فيه التذكير، وتأنيثه بالتأويل وهو مذهب الزمخشري، وغيره من النحاة يخالفه كما نقلناه فمن ادّعى موافقة كلامه لهم فقد تعسف. قوله:(ذكر بحرف التبعيض) وهو من وفيه من البديع مع قوله من كل الثمرات صنعة الطباق وقوله كل ما يعرس من كرم أي يتخذ كالعرس من الكروم بهذا فسره السلف، وقوله أو سقف هو تفسير الطبري، وقوله ولا في كل مكان منها إشارة إلى أنّ التبعيض شامل للتبعيض بحسب الأفراد وبحسب الأجزاء، ومن تستعمل لكل منهما ولا مانع من شموله لهما، وفيه كلام أفرد. بعض الفضلاء بالتاليف فإن أردت تفصيله فانظره ولا حاجة إلى جعله كلاماً مستأنفا لبيان الواقع لا من مدلول من فتأمل. قوله:(وقوله لتعسل فيه) تفعيل من العسل أي تضع العسل فيه وفوله مشبها ببناء الإنسان يعني أنه استعارة لأن البيت مأوى الإنسان، ومأوى غيره عش، ووكر وحجر ونحوه، وقوله وصحة القسمة لأنه مسدس متساوي الأضلاع، ولو كان غير مسدس بقي بينها فرج ضائعة ومثله يوضع بآلات كالبيركار وذكر البيوت واستعارتها لمأواها للتنبيه على ما ذكر، وجمع فعل على فعول بالضم فكسره لمناسبة الياء، وقوله بضم الراء هذا هو الموجوب في الن! تت الصحيحة، ووقع في نسخة بكسر الراء، وهو من تحريف النساخ. قوله:(من كل ثمرة الخ) إشارة إلى أنّ استغراق الجمع، والمفرد بمعنى، وليس الثاني أشمل على ما عرف في محله، والثمر حمل الشجرة، ويطلق على الشجرة نفسها قيل، وهو المناسب هنا إذ التخصيص بحمل الشجرة خلاف الواقع لعموم أكلها للأوراق والأزهار والثمار، ولا يخفى أنّ إطلاق الثمرة على الشجرة مجاز غير معروف، وكونها تأكل من غيرها غير معلوم، وغير مناف للاقتصار على أكل ما ينبت فيها، وقوله تشهيتها بكسر التاء لخطاب المؤنث إشارة إلى أنّ العموم عرفي، وقيل كل هنا للتكثير، وقيل إنه إشارة إلى أنه عام مخصوص بالعادة ولو أبقى على ظاهره أيضا جاز لأنه لا يلزم من الأمر بالأكل من جميع الثمرات اكل منها لأنّ الأمر للتخلية والإباحة. قوله:) فاسلكي ما أكلت الخ) سلك يكون متعداً بمعنى دخل كسلكت الخيط في الإبرة سلكا ولازما بمعنى دخل كسلك في الطريق سلوكا فإن كان متعديا فمفعوله محذوف، وهو ما أكلت، ولذا قدره المصنف رحمه الله تعالى والسبل جمع سبيل وهي الطريق، وهي تحتمل أن يكون طريقا مجازية، وهي طريق عمل العسل أو طريق إحالة الغذاء، وهي الأجواف أو حقيقية، وهي طريق المجيء والذهاب وعلى الأخير كلي
بمعنى اقصدي ا! ل فالوجوه أربعة أو ثمانية فأشار بقوله في مسالكه إلى أن نصب سبل على الظرفية، وبقوله التي يحيل أي يغير من الإحالة إلى أنّ
السبل مجاز بمعني البطون، وأشار بقوله بقدرته إلى معنى إضافة السبل إلى الرب، وأشار بقوله أو فاسلكي الطرق الخ إلى وجه لزومه، والسبل مجاز عن طرق العمل وأنواعها، وقوله أو فاسلكي راجع إلى كون السبل على حقيقتها مع اللزوم فاختار من الوجوه ثلاثة وترك باقيها، وقوله من أجوافك بيان للمسالك والنور بفتح النون الزهر، وقيل على الوجه الذي اختاره إنّ النحل لا دخل لها في السلك في تلك المسالك المحيلة حتى تؤمر به فالأمر تكوبنيّ، وليس بشيء لأنّ الإدخال باختيارها فلا يضرّه كون الإحالة المترتبة عليه ليست اختيارية وهو ظاهر فليس كما زعم.
قوله: (لا تتوعر عليك ولا تلتبس) بالرفع حال من سبل ربك فإن كان تفسيراً لقوله ذللاً
مقدما عليه فلا ضير فيه إذ كثيراً ما يقدم التفسير على طريق التوطئة والتمهيد فلا يقال في مثله الأولى تأخيره أو يقال إنه بيان لمعنى إضافتها إليه فإنه مع كونه تنبيهاً سابقاً يصير قوله ذللا تأكيداً والأصل التأسيس، وقوله أي مذللة تفنن في التعبير إذ أفرد وأنث هنا لأنّ الجمع يوصف بالمفرد المؤنث كما يقال جبال راسية، وجمع في قوله وأنث ذلل إشارة إلى أنّ ذا الحال، وان كان ضمير المؤنثة المخاطبة لكته عبارة عن النحل المؤنث معنى كما مرّ فهو مطابق له فما قيل إنه اكتفى بحرف التأنيث مع كون ذللا جمعا لكون دمها، وهو السبل جامداً بخلاف النحل، وهم على وهم. قوله:(عدل به) أي بهذا القول، والباء للتعدية أو الملابسة عن خطاب النحل في اتخذي، وما بعده إلى خطاب الناس في قوله يخرج الخ ففيه التفات إذ لم يقل من بطونك، والمراد بخطاب الناس الكلام معهم بما ألقى إليهم فلا يرد أنه لا خطاب لهم هنا حتى يقال إنه باعتبار أنّ المعنى يخرج لكم أيها الناس شراب الخ، ولو قيل الخطاب في قوله إنّ في ذلك لم يبعد، وقوله لأنه محل الأنعام عليهم أي لأنّ هذا المحل بسياقه، وسباقه بيان لنعم الله على الناس، وأنهم المقصودون من خلق النحل والهامه، والمقصود معطوف على الأنعام، ولا يخلو عن ركاكة، والهامه مفعوله محذوف أي ما ذكر من الاتخاذ ونحوه وقوله لأنه مما يشرب أي مع الماء وغيره. قوله:(واحتج به) أي بهذا الكلام على هذا القول فإنهم اختلفوا فيه على أقوال المشهووة منها هذان القولان فقيل إنها تأكل ما ذكر فإذا استحال في جوفها فاءته وادخرته للشتاء، وهو المشهور وعن عليّ كزم الله تعالى وجهه في تحقير الدنيا أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة، وأشرف شرابه رجيع نحل ومن ذهب إلى القول الآخر قال إنه على طريق التمثيل
والنظم ظاهر في هذا، ولذا قيل:
تقول هذا مجاج النحل تمدحه وان ترد ذمّه قيء الزنابير
قوله: (ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها الخ) وهذا مذهب أكثر الأطباء ورجحه الإمام، والمصنف رحمه الله تعالى رجح الأوّل لكونه ظاهر النظم والآثار معه ولأنه يحتاج إلى تأويل البطون بالأفواه لأنها تطلق على كل مجوّف كما يقال بطون الدماغ، وفي الكشف ليت شعري ما يصنع هؤلاء بقوله تعالى ثم كلي من كل الثمرات، ولا يخفى أنّ تفسير الأكل بالالتقاط وان دفع الفساد لا يدفع الاستبعاد، والتقاطها عند هؤلاء بعد الأكل والاغتذاء والطلية بتشديد اللام نسبة للطل والمراد به أجزاء صغيرة رشية من الندى وقوله كان العسل أي بنوع تغير لا إلى حدّ الاستحالة كما في القول الأوّل. قوله:(بحسب اختلاف سن النحل) فالأبيض لفتيها والأصفر لكهلها والأحمر لمسنها ولا يخفى أنه مما لا دليل عليه، وقيل اختلافه باختلاف ما يؤكل من النور. قوله:(إمّا بنفسه) جواب عما توهم من أنه كيف يكون شفاء للناس مع ضرره بالمحرورين وتهييجه المرّة ونحوها يعني أنه شفاء بنفسه وله دخل في أكثر ما به الشفاء من المعاجين والتراكيب فالتنوين للتعظيم فيحمل على بعض الأمراض أو هو للتبعيض فلا يقتضي إنّ كل شفاء به، ولا إن كل أحد يستشفي به فلا يرد عليه منع الكلية، وقوله إلا والعسل جزء منه أي فيكون له دخل في الشفاء وقال أبو حيان رضي الله تعالى عنه وأمّا السكر فمع اختصاصه ببعض البلاد محدث مصنوع للبشر، وفي شرح الشمائل أنه عليه الصلاة والسلام لم يأكل السكر (1) وقد قيل على هذا إن جعله جزءا منه لا يقتضي انّ له دخلاً في الشقاء بل عدم ضرره إذ قيل إنّ إدخاله في التراكيب لحفظها، ولذا ناب عنه السكر في ذلك. قوله: (وعن قتادة رضي الله تعالى عنه الخ (هذا
الحديث رواه البخارفي ومسلم والترمذيّ عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه مع تفسير فيه، وليس في آخره كأنما نشط من عقال، وسيأتي بيانه وما فعله النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من معجزاته الدالة على علمه بدقائق الطب من غير تعليم. قال: (في طبقات الآطباء المسمى
بالآنباء (مرض ثمامة العبسيّ من خواص المأمون بالإسهال فكان يقوم في اليوم، والليلة مائة مزة، وعجز الأطباء عن علاجه فعالجه يزيد بن يوحنا طبيب المامون، وأعطاه مسهلا فلما تناوله اتفق الأطباء على أنه لا يبقى لغد فقام إلى الزوال خمسين مرّة، ومن الزوال إلى الغروب عثرين مرّة، ثم إلى طلوع الشمس ثلاث مرات، وانقطع إسهاله ونام، وكان لا ينام قبله، ثم أصلح له طعاما فتناوله، وأفاق فسأله المأمون فقال هذا رجل في جوفه كيموس فاسد فلا يدخله غذاء، ولا دواء إلا أفسده ذلك الكيموس فعلمت أنه لا علاج له إلا قلع ذلك الكيموس بالإسهال، وان كان مخاطرة لأنه أيس منه قال: وهذه الحكاية كما روي عن النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جاء إليه رجل من العرب فقال يا رسول الله إن أخي غلب عليه الجوف وداويناه فلم ينقطع عنه بشيء فقال صلى الله عليه وسلم: " أطعمه عسل النحل فأطعمه للاه فزاد إسهاله لآنه مسهل فراجع النبتي صلى الله عليه وسلم فقال: أطعمه العسل فأطعمه فزاد إسهاله فشكى إليه عليه الصلاة والسلام فقال اطعمه العسل فأطعمه في اليوم الثالث فتقاصر إسهاله حتى انقطع بالكلية فأخبر النبني صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صدق الله وكذب بطن أخيك! وإنما قال ذلك لأته علم أنّ في معدة المريض رطوبات لزجة غليظة قد أزلقت معدته فكلما مرّ به شيء من الأدوية القابضة لم يؤثر فيها والرطوبات باقية على حالها والأطعمة تزلق عنها فيبقى الإسهال فلما تناول العسل جلا تلك الرطوبات، وأحدرها فكثر الإسهال أوّلاً بخروجها، وتوالى ذلك حتى نفدت الرطوبة بأسرها فانقطع إسهاله وبرئ فقوله صدق الله يعني بالعلم الذي عرف نبيه صلى الله عليه وسلم به، وقوله كذب بطن أخيك يعني ما كان يظهر من بطنه من الإسهال، وكثرته بطريق العرض! ، وليس هو إسهالاً ومرضا حقيقيا فكأنّ بطنه كاذبة في ذلك انتهى ففسر صدق الله في الحديث بما علمه في ذلك وفسره غيره بجعل العسل شفاء ودواء في الآية، وجعل كذب بطنه استعارة مبنية على تشبيهها بالكاذب في كون ما ظهر من إسهالها ليس بأمر حقيقي وإنما هو لما عرض لها، ولذا سمي مثله الأطباء زحيراً كاذبا، وفرقوا بينه، وبين الزحير الصادق بما هو معروف في علم الطب وهو وجه حسن، وغير. ذهب إلى أن قوله كذب بطن أخيك من المشاكلة الضدية كقوله: من طالت لحيته تكوسج عقله، وهي مما حققه المدقق في الكشف وغيره فمن قال إنها ليست بمعروفة وإنه إنما عبر به لأن بطنه كأنه كذب قول الله بلسان حاله لم يصب، وقوله يشتكي بطنه يصح رفعه ونصبه، وقوله فبرأ من البرء، وفي نسخة برئ كفرح، وهي لغة أيضا. قوله: (فكأنما أنشط من عقال) بالبناء للمجهول شبهه بالبعير الذي حل عقاله فأسرع الحركة، والقيام قال في النهاية أنشط حل يقال نشطت العقدة إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها، وكثيراً ما يجيء كأنما نشط من عقال بغير همزة، وليس بصحيح لما ذكرنا. قوله:) وقيل الضمير للقرآن الخ) مرضه لبعده ولدلالة الحديث، والتفسير المأثور على خلافه وقوله باًجال مختلفة منها ما هو في سن الطفولية ومنها ما هو فيما بعده، وهذا بيان للواقع، وللمراد من النظم بقرينة قوله ومنكم من يرذ إلى أرذل العمر فإنه صريح فيه، ولذا قيل
إن قوله ومنكم الخ معطوف على مقدر أي فمنكم من تعجل وفاته ومنكم الخ ويمكن حمل كلام المصنف رحمه الله تعالى عليه والخطاب إن كان للموجودين وقت النزول فالتعبير بالماضي، والمستقبل فيه ظاهر، وان كان عاما فالمضي بالنسبة إلى وقت وجودهم والاستقبال بالنسبة للخلق. قوله:(يعني الهرم الذي يشابه الطفولية الخ) وصفه بكونه مشابها لحال صغره، وبدء أمره ليتضح معنى قوله يرد فإنه لم يكن قبل ذلك حتى يتصور الرد أما إذا لوحظ نقص القوي تصوّر ذلك لأنه يرذ. لما يشبه حاله الأولى كأنه ردّ إليها، وهذا كقوله:{نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [سورة يس، الآية: 68] ففيه مجاز، وعلى هذا أرذل العمر الهرم مطلقا، وعلى ما يعده مقيد بذلك السن، وهو مرويّ عن السلف وإنما مرضه لأنه يختلف باختلاف الأمزجة فرب معمر لم يهرم، ورب هرم لم يبلغ ذلك السن فهو مبنيّ على الأغلب
وقوله خمس وسبعون في بعض النسخ خمس وتسعون. قوله: (ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية في النسيان وسوء الفهم) أشار بقوله ليصير إلى أنّ اللام هنا للصيرورة والعاقبة، وهي في الأص! للتعليل، وكي مصدرية ناصبة للفعل، والمصدر المسبوك منهما مجرور باللام على المذهب الصحيح عند النحاة والجار والمجرور متعلق بيرذ، وقوله في النسيان وسوء الفهم إشارة إلى أنّ كونه غير عالم بعد علمه كناية عن النسيان لأنّ الناسي يعلم الشيء ثم ينساه فلا يعلم بعد ما علم، وهذه صفة الأطفال أو العلم بمعنى الإدراك والتعقل، والمعنى لا يترقى في إدراك عقله وفهمه لأنّ الشالت في الترقي، والشيخ في التوقف، والنقصان، وفي الكشاف ليصير إلى حالة شبيهة بحال الطفولية في النسيان، وأن يعلم شيئا ثم يسرع في نسيانه فلا يعلمه إن سئل عنه، وقيل لئلا يعقل بعد عقله الأوّل شيئاً، وقيل لئلا يعلم زيادة علم على علمه الأوّل، وتحقيقه ينظر في شروحه وشيئا منصوب على المصدرية أو المفعولية، وجوّز فيه التنازع بين يعلم وعلم، وكون مفعول علم محذوفا لقصد العموم أي لا يعلم شيئا ما بعد علم أشياء كثيرة. قوله:(بمقادير أعمارهم الخ) في نسخة أعماركم، وهي ظاهرة وأما هذه فلكونه تفسيراً لا تقديرا له في كلام الله حتى يجري على مقتضاه مع أنه حينئذ يكون التفاتا، وليس لمراعاة لفظ من كما توهم لأنّ الضمير ليس له بل هو عام للمخلوقين ومنهم من فسره بأنه مستمر على العلم الكامل لا يتغير علمه بمرور الأزمان فالاستمرار تقيده اسمية الجملة، والكمال من صيغة المبالغة، وقال إنه أنسب وأحسن، وكذا الكلام في قدير، ومقتضى السياق ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى كما
يعرفه من يدري أساليب القرآن، ووصف الشاب بالنشط كحذر لأنه شأنه، والهمّ بكسر الهاء وتشديد الميم الشيخ المسن كالهمة ويقال فإن لفناء قواه. قوله:(وفيه تنبيه على أنّ تفاوت آجال الناس الخ) الحصر مأخوذ من السياق فيعلم منه أنه لا تأثير لغير القدرة في ذلك ولأنه لو كان ذلك بمقتضى ألطبيعة النوعية لم يتفاوت الإفراد فيه فتأمّل. قوله: (ومنكم موال) أي سادات لأنّ المولى يطلق على السيد والعبد، وقوله يتولون الخ إشارة لوجه إطلاقه على السيد، وهو إشارة إلى أنّ تفاوتهم فيه في الكم والكيف، وقوله حالهم على خلاف ذلك أي يتولى رزقهم غيرهم، وقوله بمعطي رزقهم أي بمعطين فحذفت نونه للإضافة أي لا يعطون رزقهم للمماليك بل ما ناله المماليك رزق أنفسهم لكنه أجراه على أيديهم من غير نقص لما قدر لهم كما بينه بقوله فإن ما يدرّون الخ وفاعل يدرّون ضمير الذين والضمير المضاف إليه في أيديهم للموالي، وضمير عليهم ورزقهم للمماليك ويدرّون بالدال المهملة، والراء المشددة من إدرار الرزق، وهو إيصاله على التوالي. قوله:(فالموالي والمماليك الخ) يعني أن ضميرهم راجع لجملة ما قبله من الذين فضلوا وما ملكت أيمانهم، والمعنى أنهم مستوون في تقدير الرزق، وان كان بعضهم واسطة لبعض، والمراد باستوائهم استواؤهم في أنّ كلا مرزوق يناله ما قدّر له من غير زيادة، ولا نقص فاندفع ما يتوهم من أن الاستواء ينافي تفضيل الموالي المتقدم، وقوله في أنّ الله رزقهم أي الكل، وقوله لازمة للجملة المنفية فالفاء تفريعية، وعلى الوجه الآخر إن أريد بالتقرير التقرير ببيان وجهها فالفاء تعليلية، وإن أريد أنها مؤكدة لها لكون مدلوليها لشيء واحد فالفاء هي الأولى بعينها أعيدت للتأكيد، ولتغاير هذين الوجهين فيما ذكر أتى بأو فليس عطفه بالواو أولى كما توهم. قوله:) ويجورّ أن تكون واقعة موقع الجواب الخ) يعني أنها واقعة موقع فعل منصوب في جواب النفي تقديره فما الذين فضلوا براذي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا، وهو في تأويل شرط وجزاء، وأشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله فيستووا حيث أتى به فعلاً منصوبا، وقال واقعة موقع الجواب لأنها ليست فعلية، ولهذا أوّلها بالفعل، وقد جوّز فيه أيضا أن يكون في تأويل فعل مرفوع معطوف على قوله برادّي أي لا يردون فلا يستوون نحو ما تأتينا فتحدثنا، وضمير يستووا للكل، وعلى أنه متعلق بتكون وضمير لا
يرضون للمشركين، وعلى هذا فالتساوي منفيّ، وعلى الأوّل مثبت لهم. قوله:(فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته) في الكشاف أن المعنى أنه جعلكم متفاوتين في الرزق فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم، وهم بشر مثلكم، واخوانكم فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم حتى تتساووا في الملبس، والمطعم كما
يحكى عن أبي ذرّ رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تطعمون " فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت أفبنعمة الله يجحدون فجعل ذلك من جملة جحود النعمة، وقيل هو مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء فقال لهم أنتم لا تسوّون بينكم، وبين عبيدكم فيما أنعصت به عليكم، ولا تجعلونهم فيه شركاء، ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء، وقيل المعنى أنّ الموالي، والمماليك أنا رازقهم جميعاً فهم في رزقي سواء فلا يحسبن الموالي أنهم يردّون على مماليكهم من عندهم شيئا من الرزق فإنما ذلك رزقي أجريه إليهم على أيديهم قال الشارح رحمه الله تعالى وتبعه غيره فسر الآية بوجوه أحدها بين فيها حسن الملكة وثانيها أن يكون تمثيلاً والممثل به ما تعورف بين الناس من أحوال السادات مع المماليك فذكر لتوبيخ المشركين، وثالثها أنها بيان للجميع لأن جميع النعم المعدودة من أوّل السورة إلى هنا واصل منه تعالى للعبد سواء الحرّ وغيره لئلا يمن أحد على أحد، ووجه كونه تمثيلا بأنّ القرينة عليه كون الآية تخلصاً إلى بيان قبائح الكفار وكفرانهم النعم في قوله، ويعبدون من دون الله الخ وقوله أفبنعمة الله يجحدون تنبيه على القرينة، وفيه بحث فإن معناه الحقيقي مراد منه بلا شبهة فلا يصح أن يكون تمثيلا بالمعنى المتعارف فالظاهر أنه كناية عما ذكر إلا أن يريد بالتمثيل كونه مثالاً، ونظيراً له والقرينة المذكورة لإرادة التمثيل بالمعنى المذكور ما ذكر وهذا كما قاله في سورة الروم:{ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء} [سورة الروم، الآية: 28] وقيل الفرق بين الأقاويل أن نعمته تعالى في القول الأوّل والثالث هي الرزق وفي القول الثاني نعمة الله مطلقا هذا والجحود في القول مجارّ عن الكفران لأنّ جحود النعمة ملزوم له واطلاق الملزوم على اللازم مجاز وفي الثالث استعارة شبه منع الرزق من المماليك بالجحود وفيه تأمل والى الوجه الثاني أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله
ردّ وإنكار الخ، وكذا قوله يتخذون له شركاء وقوله فإنه يقتضي بيان لإطلاق الجحد على الشرك، وقوله أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بيان لأنّ المراد من نعمة الله ما أنعم به من إقامة الحجج، وإيضاح السبل وارسال الرسل ولا نعمة أجل منها، وهو معطوف على قوله حيث يتخذون ولما كان الجحود يتعدى بنفسه فعدى بالباء كما في قوله:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [سورة النمل، الآية: 4 ا] أشار إلى أنّ تعديه بالباء لتضمنه معنى الكفر أو لما فيه من معناه، وقريب منه ما قيل إنه من حمل النظير على النظير فالتضمن اصطلاحيئ أو لغوي. قوله:(وقرأ أبو بكر تجعدون بالتاء) أبو بكر رحمه الله تعالى أحد القراء السبعة والباقون قرؤوا بالياء التحتية لسبق الخطاب في قوله بعضكم، والغيبة في قوله فما الذين الخ فروعيا فيهما. قوله:) أي من جنسكم الخ الما كانت النفس لها معان كالذات، وهو أشهرها، ولا يستقيم هنا كغيره فسرها بالجنس وهو مجازاً ما في المفرد أو الجمع لأنّ الذوات مجموعها جنس واحد فتدبر، وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تحريم نكاح الجن. قوله:(وقيل هو خلق حوّاء من آدم) قيل عليه لا يلائمه جمع الأنفس، والأزواج وحمله على التعظيم تكلف غير مناسب للمقام، وكذا كون المراد منهما البعض أي بعض الأنفس وبعض الأزواج وكأنه وجه تمريضه، والذاهب إليه رأى أن حوّاء خلقت من نفس آدم عليه الصلاة والسلام كما مرّ فهو أنسب بالنظم مما قبله. قوله:(وحفدة) الحفدة جمع حافد ككاتب وكتبة كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وهو من قولهم حفد يحفد حفداً وحفوداً وحفدانا إذا أسرع في الخدمة والطاعة وفي الحديث:" إليك نسعى ونحفد " وقد ورد لازما ومتعدياً وقيل أحفد أيضا، وقيل أصل معناه سرعة القطع وقيل مقاربة الخطو وفي معناه اختلاف فقيل هو ولد الولد وكونهم من الأزواج حينئذ يكون بالواسطة وإذا كان بمعنى البنات فلا واسطة، وقوله فإن الحافد الخ بيان لوجه تخصيص الحافد ومعناه الخادم من الأقارب أو مطلقا بهن واختيار التعبير به لتعارفهن بالخدمة التامة لشفقمتهن على الآباء، والأمهات والأختان الأصهار، وقوله على البنات وقيده به ليخرج أزواج القرائب ممن يطلق الصهر عليه، ولما كان القيد إذا تقدم تعلق بالمتعاطفين، والأصهار
ليسوا من الأزوأج جعلوا حفدة على هذا منصموبا بمقدر أي
وجعل لكم حفدة ولذا مرضه لأنه لا قرينة على تقدير ما هو خلاف الظاهر، وكذا تفسيره بالربائب جمع ربيبة وهي ابنة امرأة الرجل من غيره لأنّ السياق للامتنان ولا يمتن بها، وان قيل إنه باعتبار الخدمة. قوله:(وبجوز أن يراد بها البنون الخ)، ولما كان الظاهر ترك العطف حيسئذ لاتحادهما بين أنه للتنبيه على تغاير الوصفين المنزل منزلة تغاير الذات وهما البنوّة والحفدة فهو كقوله:{الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [سورة الأنفال، الآية: 49] وقوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام
ومثله كثير فصحيح فيكون امتنانا باعطاء الجامع لهذين الوصفين الجليلين فكأنه قيل وجعل لكم منهن أولادا هم بنون، وهم حافدون أي جامعون بين هذين الأمرين. قوله:(من اللذائذ أو الحلالات) إشارة إلى أنّ الطيب إمّا بمعناه اللغوي وهو ما يستلذ أو ما هو متعارف في لسان الشرع وهو الحلال ولو قال الحلال بدل الحلالات كان أحسن لركاكته، ولا يرد على الثاني أنّ المخاطب بهذا الكفار، وهم لا شرع لهم فلا يناسب تفسيرها بها كما توهم لأنهم مأمورون ومكلفون بها كما بين في الأصول، وأيضاً فهم مرزوقون بكثير من الحلال الذي أكلوا بعضه وحرموا بعضه، ولا يلزم اعتقادهم للحل ونحوه. قوله:(ومن للتبعيض الخ (المرزوق بمعنى ما رزقه الإنسان ووصل إليه، وهو بعض من كل الطيبات في الدنيا أو في الآخرة لأنّ هذا كالأنموذج لها إذ " فيها ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت " وأنموذج كنموذج بالفتح المثال معرّف نموذه، وقد مرّ تحقيقه، وضمير منها إمّا للطيبات مطلقا أو للتي في الدنيا لأنّ منها كثيراً لم يصل إليهم أو التي في الآخرة بقرينة قوله أنموذج وقوله الدنيا وهو المصرح به في الكشاف ففي عبارته الغاز. قوله: (وهو أنّ الآصنام تنفعهم الخ) يعني المراد بالباطل نفع الأصنام بشفاعتها، ونحوه وتحريم ما ذكر وفسر كفران النعم بإضافتها إلى غيره تعالى أو تحريم ما أحل منها لأنه إنكار وجحود لها في الحقيقة لأنهم إذا أضافوها لغيره فقد أنكروا كونه منعمأ بها وإذا حرموها فقد أنكروها، ثم إنه وقع في هذه الآية كما ترى وفي العنكبوت:{وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [سورة العنكبوت، الآية: 67] بدون ضمير لأنه لما سبق في هذه السورة قوله أفبنعمة الله يجحدون أي يكفرون كما مرّ فلو ذكرت بدونه هنا لكانت تكراراً بحسب الظاهر فأتى بالضمير الدال على المبالغة، والتأكيد ليكون ترقياً في الذم بعيداً عن اللغوية، وقيل إنه أجرى على عادة
العباد إذا أخبروا عن أحد بمنكر يجدون موجدة فيخبرون عن حاله الأخرى بكلام آكد من الأوّل، ولا يخفى أنه فرق بلا فارق، وقيل آيات العنكبوت أنكرت على الغيبة فلم يحتج إلى زيادة ضمير الغائب، وتخصيص هذه بالزيادة دون أفبالباطل لئلا تزيد الفاصلة الأولى على الثانية، ولا يخفى أنه لا مقتضى للزوم الغيبة، ولا لبس لو ترك الضمير فتأمّله، وقوله أو حرموا الخ أي كما حللوا ما حرّم الله كالميتة. قوله:(وتقديم الصلة على الفعل الخ) أي في الفاصلتين لا في هذه فقط ولا فيهما، والأولى تعلم بالقياس، وإن صح لقوله في العنكبوت، وتقديم الصلتين الخ ثم إنه ذكر للتقديم نكتتين الاهتمام لأنّ الأهئم المقدم، والأهمية لأن المقصود بالإنكار الذي سيق له الكلام تعلق كفرانهم بنعمة الله، واعتقادهم للباطل لا مطلق الإيمان والكفران، وايهام التخصيص، وأقحم الإيهام قيل لأنّ المقام ليس بمقام تخصيص حقيقة إذ لا اختصاص لإيمانهم بالباطل، ولا لكفرانهم بنعم الله لكنه مخالف لقوله في العنكبوت وتقديم الصلتين للاهتمام أو الاختصاص على طريق المبالغة وهو المصرج به في الكشاف هنا لأنهم إذا آمنوا بالباطل كان إيمانهم بغيره بمنزلة العدم، ولأنّ النعم كلها من الله بالذات أو بالواسطة فكفرانهم ليس إلا لنعمه كما قيل:
لا يشكر الله من لا يشكر الناسا
ولا منافاة بينهما لأنه إذا نظر للواقع لا حصر فيه، وان لوحظ ما ذكر يكون حصراً ادعائيا
وهو معنى الإيهام للمبالغة فلا تخالف بين الكلامين كما ظن، ولا حاجة إلى أن يقال يجوز قصد التخصيص بالنسبة إلى بعض ما عداهما على منوال القصر الإضافي، وهو الذي أراده الزمخشري. قوله:(من مطر ونبات الخ) بيان لرزقا على اللف، والنشر، وقيل إنه بيان لشيئا بإعرابيه. قوله:(ورزقاً إن جعلته مصدرا الخ) قال المعرب في نصب شيئاً وجوه أحدها أنه على المصدرية ليملك أي شيئاً من الملك، والثاني أنه منصوب برزقا، وهو منقول عن الفارسي رحمه الله فإن كان الرزق يكون مصدراً كالعلم كما صرح به بعض النحاة، وأشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فلا غبار عليه
وان استعمل بمعنى المرزوق كرعي بمعنى مرعى وكان اسم مصدر ففي علمه عمل المصدر خلاف فقد منعه البصريون، وأجازه غيرهم فالنصب على مذهب أهل الكوفة والثالث أنه بدل من رزقا أي لا يملك لهم شيئا وأورد عليه أنه غير مفيد إذ من المعلوم أنّ الرزق من الأشياء، والبدل يأتي لأحد شيئين البيان أو التأكيد وليسا بموجودين هنا، وفي الكشاف ما يدفعه، وهو أن تنوين شيئا للتقليل، والتحقير فإن كان تنوين رزقا كذلك فهو مؤكد، والا فمبين وحينئذ فيصح فيه أن يكون بدل بعض أو كل ولا إشكال، وقوله دهالا أي وإن لم يكن مصدراً بل اسماً بمعنى المرزوق، وقوله تعالى:{مِّنَ السَّمَاوَاتِ} جؤزوا فيه
تعلقه بيملك ورزقا على المصدرية، وأن يكون صفة لرزقا. قوله:) ولا يستطيعون أن يتملكوه الخ (جؤزوا في جملة لا يستطيعون وجهين العطف على صلة ما والاستئناف، واستطاع متعذ فمفعوله محذوف أشار المصنف رحمه الله تعالى إليه بقوله أن يتملكوه أو هو اشارة إلى أن مفعوله ضمير محذوف راجع لملك الرزق وعلى هذا لا يكون نفي الاستطاعة بعد نفي ملك الرزق لغوا غير محتاج إليه فإن عاد الضمير المحذوف إلى الرزق نفسه كما في الكشاف يكون نفي الاستطاعة تأكيدا لنفي الملك أو يراد أنهم لا يملكون الرزق ولا يمكنهم أن يملكوه ولا يتأتى لهم ذلك ولا يستقيم فهو تأسيس وهو الأولى لئلا يرد عليه ما قيل إن التأكيد يمنع من دخول العاطف لما بين المؤكد، والمؤكد من كمال الاتصال كما قزر في المعاني، وان كان مدفوعاً بأنه غير مسلم عند النحاة، وليس مطلقا عند أهل المعاني ألا ترى قوله تعالى: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [سورة النبأ، الآيتان: 4- 5] وقوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 149 وأمّا ما قيل إنه في غير التأكيد المصطلح فهو ممنوع وأنه يجوز أن يحمل الأوّل على الحال، والثاني على الاستقبال فليس بشيء للتصريح بخلافه فهو منع للنقل ونقل لمحل النزاع فتدبر. قوله:) أو لا استطاعة لهم أصلَا) دفع لتوهم التكرار بوجه آخر، وهو أنه منزل منزلة اللازم لا تقدير فيه، والمعنى نفي الاستطاعة عنهم مطلقاً على حذ يعطي ويمنع فالمعنى أنهم أموات لا قدرة لهم أصلا فيكون تذييلاً للكلام السابق.
قوله: (وجمع الضمير فيه وتوحيده في لا يملك (، والعود على المعنى بعد الحمل على اللفظ فصيح وارد في أفصح الكلام وان أنكره بعضهم لما يلزمه من الإجمال بعد البيان المخالف للبلاغة، وهو مردود كما فصل في غير هذا المحل، وقوله ويجوز أن يعود ضمير يستطيعون الخ هذا جواب آخر وعليه فجملة لا يستطيعون جملة معترضة لتأكيد نفي الملك عن الآلهة والمفعول محذوف كما أشار إليه بقوله شيئا وهذا وان كان خلاف الظاهر كما يشعر به التعبير بالجواز لكنه سالم عن مخالفة المشهور في العود على المعنى بعد مراعاة اللفظ فلا يرد عليه شيء. قوله: (فلا تجعلوا له مثلأ تشركونه به الخ (المثل في عبارته بوزن العلم الشبه، وليس واحد الأمثال الواقع في النظم بل بيان لحاصل المعنى فهو كما في الكشاف تمثيل للإشراك بالئه قال المدقق في الكشف أي إنّ الله تعالى جعل المشرك به الذي يشبهه بخلقه بمنزلة ضارب المثل فإن المشبه المخذول يشبه صفة بصفة وذاتاً بذات كما أن ضارب المثل كذلك فكأنه قيل ولا تشركوا وعدل عنه لما ذكر دلالة على التعميم في النهي عن التشبيه وصفاً وذاتا وفي لفظ الأمثال لمن لا مثال له نعي عظيم على سوء فعلهم وفيه إدماج لأن الأسماء توقيفية، وهذا هو الظاهر لدلالة الفاء، وعدم ذكر المثل منهم سابقا اهـ، ويجوز عندي أن يريد
أن تضربوا بمعنى تجعلوا لأن الضرب للمثل فيه معنى الجعل كما صرح به المصنف رحمه الله تعالى في سورة البقرة فيكون كقوله: {فَلَا تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} [سورة البقرة، الآية: 22] على أن الأمثال جمع مثل فيكون وجهاً غير المذكور في الكشاف، وبه يظهر مغايرة ما بعده وعطفه بأو وهذا مع ظهوره لم يعرج عليه أحد من أرباب الحواشي، ولبعض الشراح هنا كلام مختل تركناه خوف الإطالة. قوله:(أو تقيسونه عليه الخ) هذا معطوف على تشركون به فهو صفة مثلا أيضاً، وضمير عليه للمثل لا لله والفرق بينه وبين ما قبله على الوجه الثاني ظاهر لفظاً ومعنى، وأمّا على الأوّل فمعنى ضرب المثل فيما قبله الإشراك بالله على أنه استعارة تمثيلية كما حقق في شروح الكشاف، ومعناه على هذا النهي عن قياس الله على غيره فضرب المثل استعارة للقياس فإن القياس إلحاق شيء بشيء، وهو عند التحقيق تشبيه مركب بمركب فأو على ظاهرها، وليست للتنويع كما توهم، وقوله فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال تعليل لهذا فقط على
الوجه الأوّل، وتعليل لهما أو للثاني، ويعلم منه حال الأوّل على غيره. قوله:) فساد ما يعوّلون عليه) من التعويل بالعين المهملة، وهو الاعتماد ومن القياس بيان لما هو المعول عليه، ووقع في بعضها بالقاف بحذف إحدى التاءين من التقول، وهو الافتراء، ولا يخفى بجدها لفظا ومعنى لأن القياس ليس من الافتراء في شيء، وقوله على أنّ الخ صلة القياس لأنه يتعذى بعلى كما يتعدى بالباء وإلى قال أبو نواس:
من قاس غيركم بكم قاس الثماد إلى البحار
وجوّز فيه أن يتعلق بشيء مقدر على أنّ صلة القياس محذوفة أي بناء على أن عبادة الخ
وقوله وعظم جرمكم بالنصب عطف على فساد وهو مفعول ليعلم مقدر وقوله وأنتم لا تعلمون ذلك الإشارة إلى فساد ما تعولون عليه وعظم جرمكم على حد قوله عوان بين ذلك وذلك مفعول تعلمون، وقوله لما جرأتم عليه بالتخفيف والتشديد للرّاء يقال جرأتك على فلان حتى جرأت عليه والجراءة الإقدام والشجاعة. قوله:(فهو تعليل للنهي (قيل إنه جار على جميع الوجوه فالظاهر تأخيره، واعتذر له بأنه قدم للاهتمام، واقتضاء التفسير الأوّل له ولو أخر لم يخل من ركاكة، والظاهر أن وجه التعليل خفيّ في الأوّل فلذا احتاج إلى التصريح به، وأشار بالفاء في قوله فإنه الخ إلى اشتراكهما فيه وتقريره أنه كأنه قيل لا تشركوا به فأنتم قوم جهلة فلذا صدر عنكم ما صدر فتأمّل. قوله: (أو أنه يعلم كنه الأشياء (أي حقائقها هذا ناظر إلى قوله أو يقيسون عليه الخ. قوله:) ويجورّ أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال الخ (فعلى هذا المنهي عنه ضرب الأمثال له تعالى حقيقة والمراد النهي مبالغة عن الإلحاد في أسمائه وصفاته لأنه إذا لم
يجوز ضرب المثل له، وهو استعارة يكفي لها شبه ما فعدم إطلاق الأسماء والإثبات الصفات من غير توقيف أولى ثم ضرب مثلاً دل به على أنهم ليسوا بأهل ضرب الأمثال لأنهم على هذا الحد من المعرفة، والتقليد أو المكابرة فليس لهم إلى ضرب الأمثال المستدعي لشدة الذكاء سبيل فهذا وجه التئام ما بعده به على هذا الوجه عند صاحب الكشف، وعند المصنف رحمه الله تعالى ما أشار إليه بقوله ثم علمهم الخ وأما على الأوّل فإنه تعالى لما نهاهم عن ضرب المثل الفعلي، وهو الإشراك عقبه بالكشف لذي البصيرة عن حالهم في تلك الغفلة، وحال من تابعهم بقوله ضرب الله مثلا عبداً مملوكا الآية. قوله:(فضرب مثلَا لنفسه ولمن عبد دونه) هذا باعتبار المعنى المراد من التمثيل والتثبيه كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى ولا يضره كونه إخباراً عما في اللوح أو العلم لأنّ إشراكهم وضربهم الأمثال من غير تطبيق لمفاصلها ثابت فيه أيضا مع أنه لا يتعين فيه المضي ولا الإخبار فتدبر. قوله: (الذي رزقه الله مالاً كثيرا) الكثرة تؤخذ من كونه حسنا فإنّ القلة التي هي أخت العدم لا حسن في ذاتها أو هو من قوله سراً وجهراً الدالين على كمال التصرّف وسعة المتصرف فيه. قوله: (واحتج بامتناع الإشراك والتسوية) هو عطف تفسير للإشراك، واحتج معطوف على مثل يعني المقصود من التمثيل ما ذكر من الاحتجاج وترك لأنه يعلم بالطريق الأولى ولإيهام أنه لا يليق بعاقل توهمه. قوله:(وقيل هو تمثيل للكافر المخذول الخ) يعني شبه الكافر المخذول بمملوك لا تصرف له لأنه لإحباط عمله وعدم الاعتداد بأفعاله وأتباعه لهواه كالعبد المنقاد الملحق بالبهائم بخلاف المؤمن الموفق فلا لغوية في التمثيل كما قيل، وأشار بتمريضه إلى ضعفه لبعده. قوله:(وجعله قسيماً للمالك المتصرف يدل الخ) الدال على المالكية قوله ومن رزقناه لأنّ من رزق شيئا ملكه ولوقوعه في مقابلة المملوك، والتصرف من قوله ينفق منه سر الخ الواقع في مقابلة عدم القدرة على شيء من التصرفات فإن قلت جعله قسيما للمالك المتصرف إنما يلزم منه أن لا يكون مالكاً كما ذكر فإنّ المالك قد لا يكون متصرفا كالصبي والمجنون قلت هذا بناء على أنّ الملك يلزمه صحة التصرف بالذات، وأنّ قوله لا يقدر على شيء صفة كاشفة لا تقييدية، ولا يضره خروج المكاتب، والمأذون له وفيه نظر، وأفا عدم تصرف الصبيّ والمجنون فلعارض، وفقد
شرط فتأمّل وهذا رذ على من قال إنّ الآية تدل لمذهب مالك رحمه الله الذاهب لصحة ملك العبد لأنّ الأصل في الصفة أن تكون مقيدة فتدبر. قوله: (والأظهر أنّ من نكرة موصوفة ليطابق عبدا) فيكون تقديره، وحرا رزقناه الخ وكل منهما نكرة موصوفة، وقوله وجمع الضمير وان
تقدمه اثنان فالظاهر يستويان. قوله: (كل الحمد له) رجح كون التعريف استغراقيا واللام استحقاقية والمراد الاستحقاق الذاتيئ، وقد مر تفصيله في فاتحة الكتاب فلا يرد عليه أنه قد يحمد غير الله تعالى، ونفي الاستحقاق عن غيره لإفادة الاستغراق للحصر كما مرّ، وقوله لأنه مولى النعم كلها المراد بالنعم ما يشمل الفضائل والفواضل فلا يرد عليه أنّ الحمد أعمّ من الشكر أو أنه حمل الحمد على معنى الشكر بقرينة المقام، وقوله فضلا عن العبادة بيان لارتباطه بما قبله، ولذا قيل في تفسيره إنّ المراد الحمد لله على قوّة هذه الحجة، وظهور الحجة بل أكثرهم لا يعلمون ذلك، وقوله لا يعلمون حذف معموله اختصاراً أو اقتصاراً، وقوله فيضيفون الخ ربط له بما قبله. قوله:(ولد أخرس الخ) الخرس عدم النطق والبكم الخرس المقارن لخلقته لا العارض! ، ويلزمه الصمم فكونه لا يفهم لعدم السمع، وكونه لا يفهم غيره بالتشديد لعدم نطقه والإشارة لا يعتد بها لعدم تفهيمها حق التفهيم لكل أحد، وقوله من الصنائع، والتدابير خصه به لأنّ له قدرة على بعض الأشياء كما يشاهد منه لنقصان عقله المكتسب لأن قوّته بسلامة الحواس الظاهرة التي هي آلة له، وأمّا اكتسابه بعض الصنائع بالنظر كما تراه فلعل دفعه أنّ الصنائع ليس المراد بها الاستغراق، وفيه نظر. قوله: (عيال (في التكملة عيال جمع عيل كجياد جمع جيد، ويكون اسماً للواحد وعليه استعمال المصنف رحمه الله تعالى، وكذا استعمله صاحب المقامات كما نبه عليه الإمام المطرزي، وثقل بكسر فسكون بمعنى ثقيل، ومن يلي أمره تفسير لمولاه، وله معان أخر. قوله: (حيثما يرسله (بالجزم إشارة إلى أنها شرطية، وأنّ فاعل يوجه ضمير المولى، ومفعوله ضمير الأبكم وقوله على البناء للمفعول أي مع حذف الضمير، وهي قراءة علقمة وطلحة. قوله: (ويوجه (أي وقرئ يوجه بالبناء للفاعل والجزم، وحذف هاء الضمير فهو معطوف على قوله يوجه على البناء للمفعول، وقوله بمعنى يتوجه يعني أنه على هذه القراءة المعزية لابن مسعود رضي الله عنه، وابن وئاب وجه فيها لازم بمعنى توجه، وفاعله ضميرا لا بكم كما ورد كذلك في المثل المذكور وغيره فأوجه في المثل
المذكور بكسر الجيم معلوم لا بفتحها مجهول كما ضبط بقلم بعض النساخ فهو تحريف منه وقيل إنه على هذه متعد والفاعل ضمير الباري ومفعوله محذوف تقديره كقراءة العامّة. قوله: (أينما أوجه ألق سعدا) هذا مثل لمن يتلقاه الشر أينما سلك أو لمن يفرّ من مكروه فيقع في آخر وسعدا هنا اسم قبيلة لا اسم رجل شرير كما غلط في تفسيره به العلامة، وأصله أنّ الأضبط بن قريع السعدي كان سيد قومه فأصابه منهم جفوة فارتحل عنهم إلى قوم آخرين فرآهم يصنعون بساداتهم مثل صنيع قومه فقال أينما أوجه ألق سعدا أي قوما مثلهم في الجفوة، وقوله وتوجه الخ أي وقرئ توجه ماضياً من التفعل وفاعله ضمير الأبكم، وقوله بنجح بضم النون وسكون الجيم، والحاء المهملة هو الظفر والفوز وكفاية المهم كفاية غيره فيما يهمه ويعتني به وذكره تمثيلاً لا تخصيصاً، وهو مأخوذ من السياق. قوله:(ومن هو فهم) بكسر الهاء صفة كحذر ومنطيق بكسر الميم صيغة مبالغة في النطق قيل هو مأخوذ من الاستمرار التجدّدي الدال عليه يأمر بالعدل، وقيل إنه إشارة إلى اعتبار معنى النطق بكل ما فيه نفع للناس لا حصره في الأمر بالعدل لأنّ مقابل أبكم ناطق بكل خير ومن أخذ. من الاستمرار التجددي في المضارع جعله بمنزلة تفسير يأمر بالعدل، وليس كذلك ولا يخفى ما فيه فإنّ مقابل أبكم ناطق مطلقاً لا ما ذكر وما ذكر إن جعل تفسير المنطوق يأمر بالعدل فلا شبهة في بطلانه، وان جعل تفسيراً له باعتبار لوازمه ومدلول هيئته فلا محذور فيه كما ستسمعه عن قريب، وقوله ذو كفاية أي يكفي الناس في مهماتهم ويبلغ من مراداتهم كما يقال للوزير كافي الكفاة. قوله:(وهو على صراط مستقيم) جملة حالية مبينة لكماله في نفسه ولما كان ذلك مقدما على تكميل الغير أتى بها اسمية فإنها تشعر بذلك مع الثبوت إلى مقارنة ذي الحال فلا يقال الأنسب تقديمها في النظم كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله، وهو في نفسه الخ. قوله:(لا يتوجه إلى مطلب إلا ويبلغه بأقرب سعي (وأسهله لأن كل طريقين موصلين المستقيم منهما أقرب بديهة كما يظهر في الشكل المثلث. قوله: (وإنما قابل تلك الصفات) أي كونه أبكم، لا قدرة له ثقل على غيره لآيات بخير بهذين الوصفين يعني أمره بالعدل، وكونه على الطريق القويم لأنهما كمال مقابله، ونهايته لأنه اختير آخر صفات
الكمال المستدعية لما ذكر وأزيد حيث جعله هاديا مهديا، وتحقيق ما ذكر في ضرب المثل بوجهيه يعلم بالقياس على المثل السابق. قوله: (يختص به
علمه لا يعلمه غيره (الضمير الأوّل إن كان لله، والثاني للغيب أي يختص بالله علم الغيب فالباء داخلة على المقصور عليه، وقوله لا يعلمه غيره مستفاد من تقديم الخبر لا من اللام ولو عكس حال الضمير كانت داخلة على المقصور والاختصاص بمعنى التمييز أو على القلب كما مز تفصيله وأشار بقوله علمه إلى تقدير المضاف أو هو بيان لحاصل المعنى. قوله:) بأن لم يكن محسوساً ولم يدل عليه محسوس) بتعريفه للغيب بما ذكر خرج ما أثبته أهل الهيئة من أحكام النجوم فإنّ حركات النجوم المرصودة المحسوسة دالة عليه وقوله غائب عن أهل السماوات قيل إنه إشارة إلى تقدير مضاف، ولا حاجة إليه. قوله:(وما أمر قيام الساعة) فيه إشارة إلى تقدير مضاف، والسرعة والسهولة عليه تعالى مأخوذة من تشبيهه بلمح البصر، والطرف مصدر في الأصل ويطلق على الجفن الأعلى وهو المراد هنا، وقوله أو أمرها بيان لأنّ ضمير هو راجع لأمر الساعة، وضمير منه للمح البصر، وهو بيان لأنّ متعلق أقرب محذوف للعلم به، وتلك الحركة أي حركة الطرف، وقوله كان في آن أي أيّ جزء من الزمان غير منقسم، وهذا مما تغ في استعماله الحكماء والمولدين والمذكور في كتب اللغة، والنحو أنّ الآن هو الزمان الذي تقع فيه الحركة، والسكون قولاً وفعلا، وقد وقع آن في أوّل أحواله بالألف واللام معرفة، وأنه ليس له نكرة، ولا يقال آن منكراً ولذا بني، وفيه كلام طويل في شرح أدب الكاتب. قوله:) وأو للتخيير الخ (هذا بناء على ما ذهب إليه ابن مالك من أنّ التخيير مدلول أو وأنه غير مختص بالوقوع بعد الطلب بل يقع في الخبر ويكثر في التشبيه حتى خصه بعضهم به في الخبر كقوله: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [سورة البقرة، الآيات: 17- 19] وفي شرح الهادي اعلم أنّ التخيير والإباحة مختصان بالأمر إذ لا معنى لهما في الخبر كما أن الشك والإيهام مختصان بالخبر وقد جاءت الإباحة في غير الأمر كقوله: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} إلى قوله {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: 74] أي بأقي هذين شبهت فأنت مصيب وكذا إن شبهت بهما جميعاً ومثله في الشعر كثير فما قيل إن التخيير إنما يكون في المحظور كخذ من مالي دينارا أو درهما أو في التكليفات كالكفارات غير وارد، وكذا ما توهم أن المراد تخيير المخاطب بعد فرض! الطلب، والسؤال فلا حاجة إلى البناء على ما ذكر، وأنه مشكل من جهة أخرى، وهو أن أحد الأمرين من كون قدره قدر لمح البصر أو أقرب غير مطابق للواقع فكيف يخير الله بين ما لا يطابقه، وهذا كله من ضيق العطن فإن كون أحدهما بل كليهما غير واقع لا ضير فيه فإنه مشبه به، ولم يقل أحد بأن عدم الوقوع فيه لازم بل قد يستحسن فيه عدم الوقوع كما في قوله:
إعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد
والبعرة تدلّ على البعير، وقد مر تحقيق هذا في قوله {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} . قوله:
(أو بمعنى بل) هذا مرويّ عن الفراء، وقد ردّه أبو حيان رحمه الله تعالى بأنّ الإضراب بقسميه لا يصح هنا أما الإبطاليّ فلأن إبطال ما قبله من الإسناد يؤول إلى أنه إسناد غير مطابق، ولا يصح، وأما الانتقالي فيلزمه التنافي بين الأخبار بكونه مثل لمح البصر، وكونه أقرب منه فلا يمكن صدقهما معا، وأجيب باختيار الثاني، ولا تنافي بين تشبيهه في سرعة تحققه وسهولته بما هو غاية ما يتعارفه الناس في بابه، وبين كون تحققه في الواقع فيما هو أقرب منه، وهذا بنا على أن الغرض من التشبيه بيان تحققه، وسرعته لا بيان مقدار زمان وقوعه، وتحديده فلا يرد عليه أنّ المعنى على تشبيه أمر قيام الساعة في قدر زمانه لا في حال آخر من أحواله فالمنافاة بحالها، وأجيب بما يصححه بشقيه وهو أنه ورد على عادة الناس بمعنى أن أمرها إذا سألتم عنه أن يقال فيه هو كلمح البصر، ثم يضرب عنه إلى ما هو أقرب كما قرره في الكشاف، وبينه المصنف رحمه الله تعالى بقوله الذي يقولون فيه الخ وفي قوله أيضاً مبالغة ما يشير إلى دفع السؤال رأساً فلا محذور، وقال الزجاج أو للإبهام يعني أنه يستبهم على من يشاهد سرعتها هل هي كلمح البصر أو أقل إنه لا فائدة في الإبهام هنا فتدبر، واستقرابه عده قريباً، وهو بعيد عند الناس. قوله:(فيقدر أن يحيي الخلانق الخ) أي لبعثهم إذا قامت الساعة، وذكر أمر قيام الساعة بعد غيب السماوات كذكر جبريل عليه الصلاة والسلام بعد الملائكة، وقوله إن الله على كل شيء قدير تعليل له، وعقبه
بقوله والله أخرجكم الخ. معطوفا بالواو إيذاناً بأنّ مقدوراته تعالى لا نهاية لها، والمذكور بعض منها، واليه أشار بقوله ثم دل على قدرته الخ. قوله:(امهاتكم) القرا آت وتوجيهها مفصل في محله ووزن أمّ فعل لقولهم الأمومة، والهاء فيه مزيدة والأكثر زيادتها في الجمع وورد بدونها، وقل زيادتها في المفرد، وقيل الأمّات للبهائم،،! الأمهات للأناسي، وأمّا زيادة الهاء في الفعل فنادرة. قوله:) والهاء مزيدة مثلها في إهراق الخ) هذا رذ لما قاله بعض أهل اللغة أنها أصلية، وقال ابن السيد في شرح أدب الكاتب هو غلط والصحيح أنهما فعلان رباعيان أأمت والهاء بدل من همزة أفعلت، وفي أهرقت عوض من ذهاب حركة عين الفعل عنها، ونقلها إلى الفاء وأصله أريقت أو أروقت على اختلاف فيه، ثم نقلت حركة الياء أو الواو إلى الراء فانقلبت ألفاً لتحرّكها وانفتاج ما قبلها الآن، وحذفت لالتقاء الساكنين، والدليل عليه أنها لو كانت فاء الفعل لزم أن يجري هرق مجرى ضرب من الأفعال الثلاثية،
وأهرقت مجرى أكرمت من الرباعي الصحيح، ولم تقله العرب. وإنما قالوا أهرقت إهريق بفتح الهاء، وكذا تفتح في اسم الفاعل، والمفعول مهريق، ومهراق بالفتح لها أو بدل من همزة لو ثبتت في تصريف الفعل فتحت فلو أبقوا تصريفه على أصله قلت في مضارعه يؤريق، وفي اسم فاعله مؤرق، ومفعوله مؤرق بفتح الهمزة فيها، ومصدره هراقة كإراقة، وإذا صرفوا أهرقت فمضارعه إهرق ومصدره إهراق، واسم فاعله مهرق، ومفعوله مهرق بسكون الهاء في جميعها فهذا يدلّ على أنه رباعيّ معتل، والهاء بدل من الهمزة أو عوض! من الحركة اص. قوله:(جهالاً الخ) يشير إلى أن الجملة حالية، وقوله مستصحبين الخ صفة كاشفة له، وتفسير للا تعلمون، وشيئاً منصوب على المصدرية أو مفعول تعلمون، والنفي منصب عليه أي لا تعلمون شيئا أصلاً من حق المنعم وغيره، وجهل الجمادية ما كانوا عليه قبل نفخ الروج. قوله:) أداة تتعلمون بها فتحسون الخ) الأداة الآلة، وجملة وجعل لكم السمع ابتدائية أو معطوفة على ما قبلها، والواو لا تقتضي الترتيب، ونكتة تأخيره أنّ السمع، ونحوه من آلات الإدراك إنما يعتذ به إذا أجس وأدرك، وذلك بعد الإخراج، وجعل أن تعذى لواحد فلكم متعلق به، وهو بمعنى خلق، وان تعدّى لاثنين بمعنى صير فهو مفعوله الثاني، وفي قوله مشاعر إشارة إلى أن السمع، والبصر عبارة عن الحواس الظاهرة أو اكتفى به عن غيره إذ لكل منها مدخل في الإدراك، وقوله أداة الخ تفسير لحاصل معنى جعلها لهم، وأفرد لاتحادها في سببية الإدراك، ولو جمع كان أظهر، وكأنه تركه لئلا يتوهم دخول الأفئدة فيها وفاء فتحسون تفصيل، وتفسير لما قبله، ومشاعر جمع مشعر بفتح الميم، وكسرها محل الشعور أو آلته، والمراد الحواس الظاهرة. قوله:(فتدركونها) ترتيبه على ما قبله إمّا لأنّ تحسون بمعنى تقصدون الحس ولإدراك أو تستعملون الحواس أو بناء على تغايرهما فإنّ الإدراك للحس المشترك أو للعقل والإحساس للحواس الظاهرة، وأمّا كونه تكريراً، وتوكيداً فلا وجه له. قوله:) وتتمكنوا من تحصيل المعالم الكسبية) كان الظاهر أن يقول العلوم الكسبية لأنّ المعالم جمع معلم الشيء، وهو مظنته وما يستدلّ به عليه، وليس هذا محله، وأمّا كونه جمع معلوم أو معلومة أي قضية معلومة فتكلف لا يساعده اللفظ والاستعمال فالظاهر أنه جمع علم والمراد به الأمر الكلي الذي سيتعلق به العلم لأنه محل للعلم في الجملة وعبر به دون معلوم لأنه ليس معلوما بالفعل للزوم تحصيل الحاصل أو استعمل مفعل بمعنى مفعول مجازاً كمركب بمعنى مركوب كما في شرح المفصل، وبالنظر متعلق بتتمكنوا أو بتحصيل، والتمكن بترتيب ما عنده من المعلومات، والمشاركات تقتضي الحكم إيجابا والمباينات سلبا، ومحصله ما ذهب إليه الحكماء من أنّ النفس في أوّل أمرها خالية عن العلوم فإذا استعملت الحواس الظاهرة أدركت أموراً جزئية بمشاركات ومباينات جزئية
بينها فاستعذت لأن يفيد عليها المبدأ الفياض المشاركات الكلية، وأهل السنة لا يقولون بهذا، ويقولون النفس تدرك الكلي، والجزئي باستعمال المشاعر، وبدونه كما فصل في محله. قوله:(ير تعرفوا ما أنعم تعالى عليكم) ذكر المعرفة لأنّ مجرّد ما ذكر قبله لا يقتضي الشكر ما لم يحرف كونه نعمة منه تعالى، وتفسير لعل بكى مز تحقيقه في البقرة. قوله:(على أئه خطاب للعامة) أي جميع الخلق المخاطبين
قبله في قوله أخرجكم لا على أنّ المخاطب من وقع في قوله {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ} بتلوين الخطاب لأنه التناسب للاستفهام الإنكاري في ألم يروا، ولذا جعل قراءة الغيبة باعتبار غيبة يعبدون، ولم يجعلوه التفاتاً وحينئذ فالإنكار باعتبار اندراجهم في العامة، ولما فيه من الخفاء نص عليه فسقط ما قيل إنّ الخطاب وجهه ظاهر لأن ما قبله، وما بعده كذلك، والمحتاج إلى التوجيه قراءة الغيبة، وأمّا ما قيل إنّ مصاحف دياره بالياء التحتية فلذا احتاج لتوجيه الخطاب فتلفيق وتلزيق لأنّ النقط، والشكل ليس في المصاحف العثمانية وإنما كان بعد ذلك. قوله:) بما خلق لها من الأجنحة الخ (المؤاتية بمعنى الموافقة، وترد بمعنى المساعدة تقول آتيته على كذا مؤاتاة إذا وافقته وطاوعته، والعامة تقول، وأتيته كما تقول واسيته، وهو خطأ عند بعضهم وصوابه الهمز، وصححه بعض أهل اللغة أيضا، وفسر الزمخشري الجوّ مطلقا بالهواء المتباعد من الأرض ووقع في بعض كتب اللغة تفسيره بالهواء مطلقا فإمّا أن يكون المصنف رحمه الله تعالى تبعه فيه أو هو تفسير للجوّ المضاف للسماء، وعن كعب أن الطير لا يرتفع أكثر من اثني عشر ميلا، والعلاقة بكسر العين ما يعلق به والدعامة بكسر الدال المهملة، والعين المهملة ما يدعم به الشيء أي يجعل تحته لئلا يقع كالعمود، وجملة ما يمسكهن حال من ضمير مسخرات أو من الطير أو مستأنفة. قوله: (تسخير الطير للطيران (مجرور عطف بيان لذلك، وتفسير للمشار إليه، ويصح رفعه، ونصبه ويجوز أن يدرج في معنى اسم الإشارة ما قبله من قوله، والله أخرجكم فيظهر معتى الجمعية في آيات، وقوله الطيران فيه أي في الجوّ، وفي بعض النسخ فيها أي في الأهوية وقيل إنه على تأنيث الجوّ باعتبار الجوّة التي هي لغة فيه، وقوله على خلاف طبعها يعني الهوفي لجهة السفل كما هو شأن الأجسام والإجرام، وقوله بحيث يمكن لطيران لخفته، والهامه التحرك كالسابح في الماء إلى غير ذلك، وقوله لأنهم المنتفعون بها بيان لوجه التخصيص مع ظهور
الآيات لغيرهم، وفيه إشارة إلى أنّ لام الاختصاص يفههم منها النفع. قوله:(موضعاً تسكنون فيه) وحده لأنه بمعنى ما يسكن أي المسكون فيه لأن فعلا بمعنى مفعول أو لأنه في الأصل مصدر، ومن بيانية الجار والمجرور حال، والمدر بفتح الدال المهملة الطين اليابس، والقباب جمع قبة، وهو ما يرفع للدخول فيه، ولا يختص بالبناء كما في العرف، وفي لفظ الاتخاذ ما يشعر به لأنه لا يشترط في التسمية السكنى بالفعل، والأدم بفتحتين جمع أديم، وهو الجلد المدبحوغ أو اسم جمع له. قوله:(ويجورّ أن يتناول المتخذة من الوبر) وهو شعر الإبل، والصوف للغنم، والشعر لغيرهما وتخصيص المصنف رحمه الله تعالى له بالمعر فيما سيأتي باعتبار ما ذكر من الأنعام، وهو المراد هنا أيضا، ولا يرد عليه أنه على كونه بمعنى الأدم من تبعيضية، وإذا أريد الوبر ونحوه فهي ابتدائية فإذا عمم لزم استعمال المشترك في معنييه لأنّ المصنف رحمه الله تعالى ممن يجوزه، وقيل الجلود مجاز عن المجموع، وقوله تجدونها إشارة إلى أنّ السين ليست للطلب بل للوجدان كأحمدته وجدته محموداً. قوله:(وقت ترحالكم) كذا في أكثر النسخ، وهو ظاهر وفي بعضها يوم وقت ترحالكم، وكان وجهها أنه تفسير لليوم بمعنى الوقت، ومطلق الزمان فوقت بدل من يوم أو مرفوع خبره والأولى أولى ولما كانت خفتها في السفر أعظم منه قدمت ولذا وجه خفة الحضر بأنها يخف ضربها، ونقلها فيه إذ قد تضرب في الحضر، وتنقل لداع لذلك كما سيأتي وقوله ووضعها أي على الأرض، وهو مرفوع عطف على حملها، وكذا ضربها وأو للتقسيم. قوله:(أو النزول) هذا هو التفسير الثاني، وهو أنّ المراد بالظجن ترحال المسافر وبالإقامة نزوله في متأهله، ومراحله، وعلى الأوّل الظعن السفر، والإقامة الحضر قيل، والثاني أولى إذ ظهور المنة في خفتها في السفر أقوى إذ لا يهم المقيم أمرها، وقيل ينبغي أن يكون الأول! أولى لشموله حالي السفر والحضر، ولأنّ حالي الترحل والنزول اندرجا في الظعن مقابل الحصر والخفة فيهما نعمة وقد تنقل في الحضر لداع يقتضي ذلك كما قيل:
تنقل فلذات الهوى في التنقل
والاندراج المذكور غير ظاهر لأنّ من ذهب إلى التالي لا يجعل الطعن مقابل الحضر بل
مقابل النزول ففيه نظر، وقوله بالفتح هما لغتان فيه، والفتح كما في المعالم أجزل اللغتين وقيل الأصل الفتح، والسكون تخفيف لأجل حرف الحلق كالشعر والشعر، وقوله الضائنة الضائن خلاف
الماعز وجمعه ضأن، وهي ضائنة فالمناسب الضأن لمقابله، وقد تقدم تفسير الأنعام، وشموله للأزواج الثمانية بخلاف النعم فإنه يختص بالإبل، والمعز بفتح العين معروف يشمل ذكر. وأنثاه. قوله:(ما يليس ويفرس) فالفرق بينه، وبين المتاج أنّ الأوّل ما يتخذ للاستعمال، والثاني للتجارة، وقيل هما بمعنى وعطفا لجعل تغاير اللفظ بمنزلة تغاير المعنى كما في قوله: وألفى قولها كذبا ومينا
والأول أولى، ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى، وأثاثا منصوب بالعطف على
بيوتا مفعول جعل فيكون مما عطف فيه جار ومجرور مقدم، ومنصوب على مثلهما نحو ضربت في الدار زيداً، وفي الحجرة عمرا وهو جائز أو هو حال فيكون من عطف الجارّ والمجرور فقط على مثله والتقدير {وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} [سورة النحل، الآية: 80] حال! كونها أثاثا وليس المعنى على هذا كما قاله السمين رحمه الله تعالى، وهو ظاهر. قوله:(أو إلى أن تقضوا منه أوطاركم (أي حاجاتكم من الانتفاع بها، والفرق بين هذا وما قبله أنّ المعنى على الأوّل أنّ التمتع به ممتد لا كالثمار والمأكولات، وعلى الثاني بيان لمدة امتداده، وهي زمان حياتهم، وعلى هذا زمان الاحتياح إليه، وهي متقاربة، وقيل إنّ الأخير عام متناول لما قبله وتوله والجبل المناسب والجبال، ومعنى تتفيؤون تستظلون من الفيء، وتستكنودط تستترون من الكن، والكهوف جمع كهف، وهو المغارة هنا، والكن السترة من أكنه وكنه أي ستره وجمعه أكنان، وأكنة. قوله: (خصه بالذكر الخ) فهو على هذا من الاكتفاء بهذا دون ذاك لما سيذكر، وترك قول الزمخشريّ أو لأن ما يقي من الحرّ يقي من البرد لأنه خلاف المعروف إذ وقاية الحرّ رقيق القمصان، ورفيعها ووقاية البرد ضده، وكون وقاية الحر أهمّ لشدته بأكثر بلادهم قيل يبعده ذكر وقاية البرد سابقاً في قوله لكم فيها دفء، وهو وجه الاقتصار على الحرّ هنا لتقدم ذكر خلافه ثمة فتأمّل. قوله:(والجواشن) جمع جوشن وهو الدرع أيضاً، وقوله كذلك لتشبيه إتمام النعم في الماضي بإتمامها في المستقبل:
كما أحسن الله فيمامضى كذلك يحسن فيمابقي
أو هو تشبيه لهذا الإتمام به كما مرّ غير مرّة. قوله: (أي تنظرون في نعمه فتؤمنون به)
يعني أنّ الإسلام إمّا بمعناه المعروف فهو رديف الإيمان أو بمعناه اللغويّ، وهو الاستسلام والانقياد، وعلى كل حال فهو موضوع موضع سببه، وهو النظر، والتفكر في مصنوعاته أو مكنى به عنه. قوله:(وقرئ تسلمون من السلامة) هي قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقدّر تشكرون لأنّ مجزد إتمام النعمة ليس مؤذياً للسلامة بدونه وكذا تقدير تنظرون، ولو فسر بالسلامة من الآفات مطلقاً ليشمل آفة الحرّ، والبرد تمت النعمة. قوله تعالى:( {فَإِن تَوَلَّوْاْ} ) في التعبير بالفعل إشارة إلى أن الأصل فطرة الإسلام، وخلافها عارض متجذد، وقوله أعرضوا إشارة إلى أنّ تولوا ماض غائب ففيه التفات للإعراض عن المعرض، ويصح أن يكون مضارعا حذفت إحدى تائيه، وأصله تتولوا فهو على الظاهر إلا أنه قيل عليه أنه لا يظهر حينئذ ارتباط الجزاء بالشرط إلا بتكلف ولذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله تعالى، ومعنى إن تولوا إن داموا على التولي أو ثبتوا عليه لظهور توليهم. قوله:(فلا يضرّك فإنما عليك البلاغ) إشارة إلى نتيجة سبب الجزاء الذي أقيم مقامه عكس لعلكم تسلمون، وقوله يعرف المشركون في نسخة يعرفون المشركون على لغة أكلوني البراغيث، وقوله حيث يعترفون بها الخ فسره به لأنه ليس المراد معرفتها في ذاتها فهو توطئة لاستبعاد الإنكار. قوله:(بعبادتهم غير المنعم بها) وعبادة غيره إمّا فقط، وهو ظاهر في الكفران المنزل منزلة الإنكار، وأما مع عبادته فعبادته مع الشرك لا اعتداد بها كما مر لأنها محبطة فسقط ما قيل عليه إن مجرد هذا لا يوجب إنكار النعمة إلا أن يعتبر معه عدم عبادتهم له تعالى، وليس في كلامه ما يفيده نعم لو جعل قولهم إنها بشفاعة ا-لهتنا دليل الإنكار لكفي لكنه ذكر لبيان وجه عبادتهم لغير الله، وهو آلهتهم، وما ادّعى أنه دليل الإنكار عليه لا له فتأمّل. قوله:(أو بسبب كذا) عطف على قوله بشفاعة آلهتنا يعني إذا لم يعتقد أنها من الله أجراها عليه بواسطة ذلك كما صرّح به الزمخشري فسقط ما قيل إنه لا يصلح وجها لعبادة غير الله تعالى، وقوله أو بإعراضهم عطف
على قوله بعبادتهم الخ، وهذا منزل
منزلة الإنكار أيضا فأعرفه. قوله: (الجاحدون عنادا (هذا هو المشهور، وفي نسخة المجاهرون أي بالإنكار، وعلى النسخة المعروفة هو تفسير له ولما كان الكفر منه ما يكون ناشئا عن جهل أو تقليد فسره بفرده الكامل، وهو من كفر عناداً لأن الجحد كفر، ولا حاجة إلى جعله للإشارة إلى أنه بمعناه اللغوي لأنّ الجحد ستر للحق، وهذا مراد من قال إنه يشير إلى انصرافه للفرد الكامل. قوله: (وذكر الأكثر إما لأنّ الخ (يعني لم يقل، وهم الكافرون إما لأنّ المراد الجاحدون عناداً لأن منهم من كفر لنقصان عقله، وعدم اهتدائه للحق لا عناداً أو لعدم نظره في أدلة الوحدانية نظراً يؤذي إلى المطلوب أو لأنه لم تقم عليه الحجة لكونه لم يصل إلى حد المكلفين لصغر ونحوه، وعلى هذا لا يبقى الكافرون على إطلاقه لا إن المراد من المنكر من لم يعرفها، وإن لم ينكر لأنّ الإنكار ليس على ظاهره كما مرّ فيدخل فيه من هو غير كافر فالكفرة أكثرهم لا كلهم حتى يحتاج إلى أن يقال اكثر بمعنى الكل ونحوه كما أنه يجوز أن يكون ذكر ذلك لأنه تعالى علم أن منهم من سيؤمن كما مرّ وهذا مع ظهوره خفي على من رذ هذا بأنه يلزمه إطلاق الكافر على من لم يبلغ حذ التكليف ومن بلغ ذلك ممن يعرف نعم الله، وينكر وهو في حيز المنع. قوله: (في الاعتذار) يشير إلى أنّ مفعول الإذن، ومتعلقه محذوف تقديره ما ذكر وقوله إذ لا عذر لهم أما أراد أنهم لا استئذان منهم، ولا إذن إذ لا حجة لهم حتى تذكر، ولا عذر لهم حتى يعتذروا أو أنهم يستأذنون فلا يؤذن لهم، وهو الظاهر، وتفسير الشهيد بالأنبياء للتصريح به في قوله:{وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} الآية. قوله:) وثم لزيادة ما يحيق بهم (أي هي للتراخي الرتبي وأن ما بعدها لكونه أشذ مما قبله كأنه بعيد منه زمانأ، وقوله من شدة المنع بيان لما يحيق، وفي نسخة من شذة ما يمنع وما مصدرية، وقوله لما فيه الخ تعليل لشذة أو لزيادة، وعلى في قوله على ما يمنون متعلق بزيادة وهو مجهول مناه يمنوه، ويمنيه بالتخفيف بمعنى ابتلاه. قوله: (ولا هم يسترضون (أي يطلب رضاهم وقوله من العتبى، وهي الرضا أي أراد رضاهم في أنفسهم بالتطلف بهم فهو من استعتبه كأعتبه إذا أعطاه العتبى والرضا، وان أراد رضا غيرهم أن الله بالعمل فهو كقول الزمخشري لا يقال لهم أرضوا ربكم لأن الآخرة ليست بدار عمل، والعتبى مصدر أعتبه فإن قلت الاستفعال للطلب فيكون معناه
طلب العتب لا الرضا قلت قال الكرماني رحمه الله الاستفعال قد جاء أيضا لطلب المزيد فيه كما هنا فإن الاستعتاب ليس لطلب العتب بل لطلب الأعتاب بمعنى العتبى أي إزالة العتب، وهو بالرضا، والهمزة فيه للسلب وله نظائر وهذا ما أشار إليه في الكشف بقوله لا تطلب منهم العتبى أي إزالة عتب ربهم، وغضبه فافهم، وقيل استعتب بمعنى أعتب واستفعل بمعنى أفعل كثير. قوله:(وكذا قوله وإذا رأى الذين الخ) أي هو منصوب بمقدر هو أحد الأفعال الثلاثة التي ذكرها فعلى الأوّلين هو مفعول به بمعنى وقت، وقوله فلا يخفف مستأنف، وعلى الثالث هو ظرف شرطي والعامل فيه يحيق على ما بين في النحو وهو جوابه وقوله فلا يخفف مستأنف أيضا، وقد يجعل جوابها بتقدير فهو لا يخفف لأن المضارع مثبتا كان أو منفيآ إذا وقع جواب إذا لا يقترن بالفاء إلا أنّ التقدير مع كونه خلاف الأصل مناف للغرض في تغاير الجملتين في النظم، وهو أن التخفيف واقع بعد رؤية العذاب فلذا لم يؤت بجملة اسمية بخلاف عدم الإمهال فإنه ثابت لهم في تلك الحالة، وقوله التي دعوها شركاء إشارة إلى معنى إضافة الشركاء إلى ضميرهم، وهو ورد أيضا مضافا إليه في غير هذه الآية ودعوا بمعنى سموا، وخص الشركاء بالأوثان عن هذا التوجيه قيل ولو عمم على أن القائل بعضهم وهو من يعقل أوكلهم بإنطاق الأصنام كما سيذكره المصنف رحمه الله كان أولى. قوله:) أو الثياطين الذين شاركوهم (أي كفروا مثل كفرهم فكونهم شركاءهم على ظاهره فهذا توجيه آخر للإضافة أو المراد حينئذ بشركتهم لهم شركتهم في وباله لحملهم لهم عليه، وهذا ما ذكره المصنف رحمه الله، وقوله نعبدهم أو نطيعهم لف ونشر للأوثان والشياطين الحاملين لهم على الكفر. قوله: (هو اعتراف بأنهم كانوا مخطئين (وهو يؤخذ من السياق، وقوله أن يشطر بالتشديد أي ينصف بأن يطرج عنهم نصفه لتشريكهم دئه في العبادة التي تستحق عدم العذاب أو يلقي نصفه على من عبدوه، والأوّل لا يناسب قوله من دونك كما أن الثاني
لا يناسب تفسيرهم بالأصنام فتأقل. قوله:) أي أجابوهم بالتكذيب في أنهم شركاء الله (الجار والمجرور متعلق بالتكذيب واً نهم عبدوهم معطوف على أنهم شركاء الله فهو مما كذبوا به، وهذا ناظر إلى أن الشركاء الأوثان
ويلائم ما بين به الإضافة، وقوله أو في أنهم حملوهم الخ ناظر إلى أنهم الشياطين وأورد عليه أنهم لم يقولوا هم ألزمونا الكفر حتى &@&@يكذبوا فيه فيكفي للتكذيب دعوتهم لذلك، وحين كذبوهم الخ متعلق بقوله ضاع. قوله تعالى:) {الَّذِينَ كَفَرُوا} ) قال المعرب يجوز أن يكون مبتدأ والخبر زدناهم، وجوّز ابن عطية أن يكون الذين كفروا بدلاً من فاعل يفترون، ويكون زدناهم مستأنفا، ويجوز أن يكون الذين كفروا نصبا على الذم أو رفعا عليه فيضمر الناصب، والمبتدأ وجوبا، وقوله زدناهم عدّابا أي أمّا بالشدة أو بنوع آخر منه، وهو المروي عن السلف رحمهم الله وهي حيات وعقارب كالبخاتي رواه ابن أبي حاتم. قوله:(بكونهم مفسدين بصدّهم الما فسر الصد أي المنع عن سبيل الله بوجهين أعني كونه باقياً على ظاهره لأنهم كانوا يتعرّضون لمن يريد الإسلام فيمنعونه أو لأنهم كانوا يحملون غيرهم ممن استخفوه على الكفر وفي ذلك مغ لهم فهم ضالون مضلون فسر الفساد بالصد بوجهيه، ولم يحمله على الكفر لأنه بيان لسبب الزيادة فتأمّل، وقوله فإن نبي كل أمّة يبعث منهم بيان لمعنى من أنفسهم وأنّ المراد به أنه من جنسهم كما مرّ تحقيقه، ولم يذكر هذا القيد في قوله قبله، ويوم نبعث من كل أمّة شهيداً لإفادة من له لا الشهادة، ولا يرد لوط عليه الصلاة والسلام فانه لما تأهل فيهم، وسكن معهم عد منهم. قوله:) على أمتك (قيل المراد بهؤلاء شهداء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لعلمه بعقائدهم واستجماع شرعه لقواعدهم لا الأمة لأن كونه شهيدا على أمّته علم مما تقدم فالآية مسوقة لشهادته على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فتخلو عن التكرار وردّ بأنّ المراد بشهادته هنا على أمته تزكيته، وتعديله لهم، وقد شهدوا على تبليغ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهذا لم يعلم مما مز وهو الوارد في الحديث كما فصله المصنف رحمه الله في سورة البقرة في قوله: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [سورة البقرة، الآية: 143] ولذا ترك التصريح بالمراد بالشهادة هنا تعويلا على ما مرّ وأما على ما هنا فلا مضرّة فيها كما بينه ثمة مع أنه مشترك الورود وبهذا ينتظم ما بعده أشذ انتظام. قوله: (استئناف أو حال بإضمار قد) قيل إن كان قوله وجئنا بك كلاما مبتدأ لا معطوفا على قوله نبعث، وشهيدا حال مقدرة فلا إشكال في الحالية وان عطف عليه فالتعبير بالماضي لتحققه فمضمون الجملة الحالية متقدم بكثير فلا يفيد
ما ذكر في كون الماضي حالاً هنا ففي صحته كلام إلا أن يبنى على عدم جريان الزمان عليه تعالى، وليس بشيء لأنّ بيانه لكل شيء داخل فيه تلك العقائد والقواعد بالدخول الأوّلى وهو مستمرّ إلى البعث وما بعده وأما أنّ المعنى بحيث أو بحال إنا كنا نزلنا عليك الكتاب، وتلك الحيثية ثابتة له تعالى إلى الأبد فمما لا حاجة إليه. قوله:(بياناً بليناً) المبالغة من كون هذه الصيغة تدل على التكثير كالتطواف، والتحوال، ولم يرد بالكسر إلا في تبيان، وتلقاء على المشهور، وقال ابن عطية رحمه الله أنّ التبيان اسم، وليس بمصدر، والمعروف خلافه. قوله:(على التفصيل أو الإجمال) اختاره لبقاء كل على معناها الحقيقي لكنه خص عموم شيء بقيد أو وصف مقدر بقرينة المقام وأنّ بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي لبيان الدين ولذا قال عليه الصلاة والسلام أنتم أعلم بأمور دنياكم ولذا أجيبوا عن سؤال الأهلة بما أجيبوا، وقيل كل للتكثير والتفخيم كما في قوله:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [سررة الأحقاف، الآية: 25، إذ ما في الإحاطة والتعميم ما في التبيان من المبالغة في البيان وأن قوله من أمور الدين تخصيص لا يقتضيه المقام، وقد علمت ردّ الثاني، وأما الأوّل فقد ردّ بأنّ ذلك بحسب الكمية لا الكيفية فلكل وجهة والمرجح للأول إبقاء كل على حقيقتها في الجملة. قوله:(بالإحالة إلى السنة أو القياس) الظاهر على بدل إلى لكنه تسمح فيه أو ضمنه معنى الصرف، وهو دفع لأنّ الإجمال ينافي البيان البليغ بأنه لما بينتة السنة أو علم بالقياس كان معلوما منه مبنيا به، واختير في بعضه ذلك للإيجاز وابتلاء الراسخين، وتمييز العالمين، وترك الإجماع اكتفاء بذكرهما فإن قلت من أمور الدين ما ثبت بالسنة ابتداء فإن دفع بأنه قليل بالنسبة لغيره رجع الأمر بالآخرة للتكثير قلت المراد بالإحالة على السنة كما في الكشاف أنه
أمر باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته، وقيل وما ينطق عن الهوى، وحث على الإجماع في قوله ويتبع غير سبيل المؤمنين، وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته اتباع أصحابه، والاقتداء بآثارهم في قوله:" أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وقد اجتهدوا، وقاسوا ووطؤوا طريق القياس، والاجتهاد فكانت السنة، والقياس مستندة إلى تبيان الكتاب وفيه تأمل. قوله:(للجميع) بقرنية قوله وما أرسلناك إلا رحمة ولذا جعل قوله للمسلمين قيدا للأخير، ولو صرف للجميع لأنهم المنتفعون بذلك أو لأنّ الهداية الدلالة الموصلة والرحمة الرحمة التامة كان صحيحاً، وقوله وحرمان الخ دفع لسؤال مقدر وبيان لشمول الرحمة. قوله:(بالتوسط في الأمور اعتقاد الخ) فسر التعطيل بالتعطيل عن الأفعال كما هو مذهب الفلاسفة، وغيرهم من المعطلة، وقال أهل السنة القول بنفي الصفات عنه تعالى
تعطيل، والقول بإثبات المكان والأعضاء تشبيه والعدل إثبات صفات الكمال ونفي غيرها، وأيضاً نفي لصفات تعطيل، واثبات الصفات الحادثة تشبيه والعدل إثبات الصفات القديمة والظاهر أنّ المراد بالتعطيل نفي الصانع كما تقول الدهرية، والمراد بالتشريك إثبات الشريك، ولا حاجة لتفسيره بالتشبيه فإنه تكلف لا داعي له وما ذكره المصنف رحمه الله ملخص من تفسير الإمام ولم يرتض ما في الكشاف من تفسير العدل بالواجب لما فيه من إخراجه عن ظاهر مع أنه قيل إنّ فيه اعتزالاً وان نوزع فيه. قوله:(والقول بالكسب الخ) الجبر إسناد فعل العبد له تعالى من غير مدخل له فيه كما هو مذهب الجبرية والقدر إسناد الأفعال إلى العبد وقدره فهو بضم القاف جمع قدرة، ونفي خلق الله لفعله كما هو مذهب المعتزلة، وكذا القول بعدم المؤاخذة بالذنوب أصلا مع الإيمان وتخليد الفساق فالعدل في الحقيقة ما ذهب إليه أهل السنة رضي الله عنهم، وأن زعمت المعتزلة أنهم العدلية. قوله:(بين البطالة والترهب) قال الإمام المرزوقي في شرح الفصيح يقال رجل بطال إذ! اشتغل بما لا يعنيه، وتبطل إذا تعاطى ذلك ومصدره البطالة بالفتح وحكى الأحمر فيه الكسر انتهى وفي شرح المعلقات لابن النحاس أنّ الأفصح فتحه ويجوز كسره فالجزم بالكسر وأنّ وزنه وإن اختص بما فيه صناعة، ومعالجة كالحياكة لكنه مما حمل فيه النقيض على النقيفى قصور، والبطالة ترك لعمل لعدم فائدته إذ الشقي والسعيد متعين في الأزل كما ذهب إليه بعض الملاحدة والترهب المبالغة في التزهد بترك المباحات تشبيها بالرهبان لأنه لا رهبانية في الدين، وليس إخلاص الزهد منه وقوله وخلقا بضم الخاء والبخل والتبذير معروفان، وكان بين ذلك قواما وسيأتي تحقيقه في سورة الإسراء. قوله:(إحسان الطاعات الخ) الإحسان يتعدى بنفسه، وبإلى فيقال أحسنه، وأحسن إليه، وهو هنا يحتمل أن يكون من الثاني والمراد الإحسان إلى الناس فهو أمر بمكارم الأخلاق كما روي وأن يكون من الأوّل والمراد إحسان الأعمال واليه الإشارة في الحديث الصحيح (1) المذكور والمصنف رحمه الله اقتصر على الثاني لوروده في الحديث المذكور ولذا رجحه المصنف رحمه الله على غيره، والحديث صحيح رواه البخاري والإحسان فيه بمعنى اتقان الأعمال، والعبادة بالخشوع، وفراغ البال لمراقبة المعبود حتى كأنه يراه بعينه واليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله كأنك تراه ويستحضر أنه مطلع على أعماله، واليه أشار بقوله فإنه يراك وهاتان الحالتان تثمرإن معرفة الله وخشيته، وقال النوويّ رحمه الله معناه إنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك
وهذا الحديث من أصول الدين وجوامع الكلم وعد التنفل إحسانا لأنه زيادة في العمل، وجبراً لما في الواجبات من النقص الذي لا تخلو عنه الأعمال على ما حققه في الكشاف. قوله:(وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه) أتى بمعنى جاء وآتاه بمعنى أعطاه، وهو مما تغير معناه بعد النقل كما سيأتي تحقيقه في سورة مريم والتخصيص بعد التعميم لدخوله في العدل على تفسيره، وقيل في توجيهه بأنه يدخل في الإحسان التعظيم لأمر الله والشفقة على خلقه، وأعظمها صلة الرحم فتأمل، وقوله ما يحتاجون إليه إشارة إلى مفعوله المقدّر، والمبالغة لجعله للاعتناء به كأنه جنس آخر. قوله:(عن الإفراط الخ) هذا مأخوذ من مقابلته للعدل بمعنى التوسط كما مر، وقوله كالزنا تمثيل لا تخصيص وأمّا توله فإنه فضميره عائد على الإفراط لا على الزنا كما قيل. قوله:(ما ينكر على متعاطيه الخ) في إثارة متعلق بينكر أي يحصل
وقت إثارتها أو بسبب إثارتها أي تحريكها كالانتقام، وغيره مما لا يوافق الشرع، وقوله صارت سبب إسلام عثمان بن مظعون رضي الله عنه بالظاء المعجمة صحابي معروف أي صار نزول هذه الآية سبباً لإخلاص إسلامه لأنه أسلم أوّلاً، ولم يطمئن قلبه للإسلام كما ورد تفصيله في الآثار، وكون الأظهر أن يقول كانت بدله أمر سهل، ولم يقل ما تنكره العقول كما في الكشاف للتعميم، ولدفع إيهام القبح العقلي الذي ذهب إليه المعتزلة. قوله:(والبغي الخ) أصل معنى البغي الطلب، ثم اختص بطلب التطاول بالظلم والعدوان، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله والاستعلاء الخ. وقوله فانها الشيطنة الضمير راجع للأمور المذكورة من الاستعلاء والاستيلاء والتجبر أو للبغي وأنث باعتبار الخبر، والشيطنة مصدر شيطن بمعنى فعل فعل الشياطين في الخيانة كتشيطن، والقوى الثلاث الشهوانية والغضبية، والوهمية وهي من القوى الباطنة التي سمتها الفلاسفة قوة حيوانية والأطباء قوّة نفسانية، وقسموها إلى مدركة، ومحركة فمن المدركة القوّة الوهمية، وهي التي تدرك المعاني الجزئية غير المحسوسة كالعداوة المخصوصة وضدها، وهي تقتضي ما ذكر لترتبه عليها، ومن المحركة الباعثة، وتسمى شهوانية إن كانت حاملة على جلب أمر محبوب وغضبية إن كانت حاملة على دفع مكروه على ما فصلى في الحكمة، واعلم أنه قابل في النظم الأمر بالنهي مع مقابلة ثلاثة لثلائة، وكما دخل إيتاء ذي القربى فيما قبله
دخل البغي في المنكر أيضاً ولما كان بنو أمية يسبون علياً كرم الله وجهه في خطبهم وآلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أسقط ذلك منها وأقام هذه الآية مقامه وهو من أعظم مآثره والذي خصها بذلك ما فيها من العدل والإحسان إلى ذوي القربى، ودفع البغي وقد سمى النبيّ صلى الله عليه وسلم من عادى عليا رضعي الله عنه وكرّم الله وجهه فئة باغية وقال:" اللهنم وال من والاه وعاد من عاداه " وكونها أجمع آية لاندراج ما ذكر فيها. قوله: (ولو لم يكن الخ) بيان لوجه مناسبة الآية لما قبلها وارتباطها بها ووجه التنبيه أنه إذا جمعت هذه الآية ما ذكر مع وجازتها أيقظت عيون البصائر وحركتها للنظر فيما عداها، والميز مصدر مازه بمعنى ميزه والخير والشر لف ونشر للأمر والنهي، وقوله تتعظون إشارة إلى أن التذكير بمعنى الوعظ هنا. قوله:) يعني البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تفسير للعهد بالبيعة وان عمّ كل موثق لأنه روي في سبب النزول أنها نزلت فيمن بايع الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام فهو قرينة على أنه أريد به موثق خاص وأورد عليه أنّ الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فحكمها عام كما صرح به البغوي، وفيه نظر لأن ما قبله من قوله إنّ الذين كفروا الخ قرينة مخصصة له فتأمل. قوله: القوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} ) قيل إنه تعليل لإطلاق عهد الله على عهد رسوله صلى الله عليه وسلم وتصحيح له فالمعلل منوي مقدر، ولا تعليل لكون المراد لعهد البيعة له، ولا بيان لأنّ الآية واردة في تلك البيعة، وهي بيعة الرضوان لعدم انتهاضه، ولأن السورة مكية نزلت في المستضعفين فهي البيعة الأولى لا هذه وفيه نظر. قوله:(وقيل كل أمر يجب الوقاء به) بنصب كل وكذا النذر والإيمان ويجوز رفعها بتقدير ضمير العهد أو البيعة، وقوله ولا يلائمه الخ وجه عدم الملاءمة بأنه قد يجب الوفاء بأمر من غير سبق عهد لعموم الخطاب فيمن أسند إليه في الموضعين، وأورد عليه أنّ مراد القائل كل أمر سبق الوعد به يجب الوفاء به وهذا مما لا مزية فيه لأنّ الوفاء يقتضي سبق ما ذكر وأما التوجيه بأنّ ما يجب الوفاء به أعمّ مما وقع العهد به في
الماضي والمستقبل، وقوله إذا عاهدتم مختص بالثاني فليس بشيء. قوله:) وقيل الآيمان بالله) بفتح الهمزة جمع يمين وهو إما يمين البيعة أو المطلق فقوله: {وَلَا تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ} تكرير للتوكيد على هذا ثم الظاهر أنّ المراد بالإيمان في النظم المحلوف عليه كما في الحديث: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يميته " لأنه لو كان المراد به ذكر اسم الله كان عين التأكيد لا المؤكد فلم يكن محل ذكر العاطف كما تقزر في المعاني، وهذا إذا لم يرد به يمين مخصوصة كما مر وإذا حمل على مطلق الإيمان فهو عام للحديث السابق لا خاص كما ذهب إليه الإمام لأنّ الخطر لو لم يكن باقيا ما احتيج إلى الكفارة الساترة للذنب كذا قيل ورد بأنّ المراد به العقد لا المحلوف عليه لأنّ النقض إنما يلائم العقد، ولا ي! نافيه قوله
بعد توكيدها كما توهم لأنّ المراد كون العقد مؤكداً بذكر الله لا بذكر غيره كما يفعله العامة فالمعنى إنّ ذلك النهي لما ذكر لا عن نقض الحلف بغير الله، ثم إن النهي عن نقضه عام مخصوص بالحديث السابق، ووجوب الكفارة بطريق الزجر إذ أصل الإيمان الانعقاد، ولو محظورة فلا ينافي لزوم موجبها، وقد يقال إنه للإقدام على الحلف بالله في غير محله فليتأمل.
قوله: (بقلب الواو همزة) هذا مذهب الزجاج وغيره من النحاة، وذهب غيرهم إلى أنهما
لغتان أصليتان كأرخت وورخت لأنّ الاستعمالين في الماذتين متساويان فلا يحسن القول بأنّ الواو بدل من الهمزة كما في الدر المصون. قوله: (شاهداً الخ (يعني أنّ الكفيل هنا ليس بمعناه المتبادر منه بل بمعنى الشاهد إما على التشبيه فهو استعارة أو باستعماله في لازم معناه فهو مجاز مرسل، والعبارة محتملة لهما، والظاهر أن جعلهم مجاز أيضاً لأنهم لما فعلوا ذلك، والله مطلع عليهم فكأنهم جعلوه شاهداً، ولو أبقى الكفيل على ظاهره، وجعل تمثيلا لعدم تخلصهم من عقوبته وأنه يسلمهم لها كما يسلم الكفيل من كفله كما يقال من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه تنبيها على أنه لا يمكنه التخلص من العقوبة كما ذكره الراغب لكان معنى بليغا جداً فتأمله، وقوله إنّ الله يعلم كالتفسير لما قبله، وهذه الجملة حالية إمّا من فاعل تنقضوا أو من فاعل المصدر وان كان محذوفا، وقوله إبرام بالباء الموحدة والراء المهملة أصل معناه تقوية فتل الخيط والحبل ونحوه ولذا تجوّز به عن الإلحاح فقوله وأحكام عطف تفسير، وهما مصدران
من المبنيّ للمجهول. قوله: (ما غزلتة مصدر بمعنى المفعول الم يكتف بأحدهما، وان كان قد يغني عن الآخر للتوضيح إذ ما تحتمل المصدرية والموصولية ولأن الثلاثيّ أعمّ من الأوّل فينطبق على الوجه الثاني كما سننقله عن الكشاف، وقيل إنه لم يكتف بقوله مصدر بمعنى المفعول لأنّ مغزولها قد يكون بغزل الأجانب والإضافة إليها للملك، ونقض ما غزلته بنفسها أدل على شدة حمقها لكنه لو اكتفى بقوله ما غزلته كان أخصر وفيه ما فيه، وقوله متعلق بنقضت أي على أنه ظرف لقوله نقضت لا حال، ومن زائدة مطردة في مثله. قوله: (طاقات نكث فتلها الخ) جمع طاقة وهي ما فتل وعطف من الخيوط والحبال ونحوها كطاقات الأبنية والنكث والنقض بمعنى، وهو حل ما فتل أو بني في الأصل نقل مجازاً إلى إبطال العهود والإيمان ففي نقض الإيمان استعارة بها يتمّ الارتباط بين المشبه والمشبه به وقد مر تفصيلها في سورة البقرة، وقوله جمع نكث أي بكسر النون وسكون الكاف بمعنى منكوث كنقض بمعنى منقوض. قوله:(وانتصابه على الحال الخ) فهي حال مؤكدة وفي إعرابه وجوه أحدها هذا، والثاني أنه منصوب على أنه مفعول لنقضت لتضمنه معنى صيرت أو لتقديره أو لجعله مجازاً عنه كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى قيل، والأوّل أولى، ونقضت فيه مجاز أيضا بمعنى أرادت النقض على حذ قوله إذا قمتم إلى الصلاة لما فيه من الجمع بين القصد، والفعل ليدل على حماقتها واستحقاقها اللوم بذلك فإنّ نقضها لو كان من غير قصد لم تستحق ذلك ولأنّ التشبيه كلما كان أكثر تفصيلاً كان أحسن، وفي هذا التمثيل إشارة إلى أنّ ناقض يمينه خارج من الرجال الكمل داخل في زمرة النساء بل في أدناهن، وهي الخرقاء، وكأنّ المصنف رحمه الله تعالى عدل عنه لما فيه من التجوّز مرّتين طيا للمسافة لا اغتراراً بقوله جار الله فجعلته إنكاراً كما توهم، وجوّز الزجاج فيه وجهاً ثالثاً، وهو النصب على المصدرية لأنّ نقضت بمعنى نكثت فهو ملاق لعامله في المعنى، وقوله والمراد به تشبيه الناقض بالضاد المعجمة أي من غير تعيين كما في الوجه الآخر إذ التشبيه لا يقتضي وجود المشبه به بل يكفي فرضه. قوله:(وقيل هي ريطة) وفي نسخة بريطة بباء جر داخلة على ريطة أي المراد تشبيه الناقض بريطة بفتح الراء المهملة وسكون المثناة التحتية، وفتح الطاء المهملة، وهو علم لامرأة معروفة منقول من الريطة بمعنى الأزار، والملاءة ذات اللفقين فالمشبه به معين كما تشهد له الموصولية قال جار الله إنها اتخذت مغزلاً قدر ذراع وصنارة مثل أصبع وفلكة عطيمة على قدرها فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن، والخرقاء بخاء معجمة، وراء مهملة وقاف، ومد الحمقاء أو ذات الجنون، والوسوسة. قوله:) حال من الضمير في ولا تكونوا (إن كان الدخل
بمعنى الدغل، وهو الفساد ففائدة الحال الإشارة إلى وجه الشبه و
قوله متخذي جار على الوجهين، وجوّز فيه أن تكون جملة تتخذون خبر كان وكالتي نقضت حال، وقوله أصل الدخل الخ يعني أنّ هذا أصل معناه ثم كني به عن الفساد كما ذكره الراغب في مفرداته. قوله:(لأن تكون جماعة كثر عددا الخ (إشارة إلى أن المصدر المؤول بتقدير الجار المطرد حذفه معه، وقدر باللام كما سيشير إليه أو مخافة أو تكون، وجوّز في كان أن تكون تامة وناقصة، وفي هي أن تكون مبتدأ وعماداً وقوله والمعنى الخ قيل هذا لا يناسب السباق، واللحاق، وليس بشيء لأنه لما ذكر نقض عهودهم وأيمانهم في البيعة أردفه بذكر سببه ثم بحكمة الابتلاء بما ذكر وأفي مناسبة أتم من هذه وهذا مما لا خفاء فيه، وقوله لكثرة منابذيهم أصله منابذين أي معادين بصيغة الجمع فحذفت نونه للإضافة، وأما كونه بالتاء الفوقية مصدراً كالمقابلة كما في بعض النسخ فتحريف وفي بعضها منابذهم بصيغة المفرد والشوكة القوة مستعار لها من الشوكة بمعنى السلاح المشبه بشوك الشجر، وقوله نقضوا عهدهم ضمير الجمع للحلفاء وهو ظاهر. قوله:) الضمير لأن تكون أمّة الخ) يعني أنّ الضمير في النظم إمّا عائد على المصدر المنسبك من أن تكون أو للمصدر المنفهم من أربى بمعنى أزيد، وهو الربو بمعنى الزيادة، وقيل إنه لا ربى لتأويله بالكثير، وفي نسخة لا ربى وفي أخرى للربو، وقوله وقيل للأمر بالوفاء المدلول عليه بقوله، وأوفوا الخ، ولا حاجة إلى جعله منفهما من النهي عن الغدر بالعهد كما قيل، وقوله بحبل الوفاء بعهد الله استعارة مبنية على الاستعارة في قوله، ولا تنقضوا. قوله:) إذا جارّاكم الخ) الظرف بدل من يوم القيامة بدل بعض من كل لبيان الجزاء الواقع فيه البيان وتفسير البيان بالمجازاة لأنها سبب لعلم ما هم عليه من الرأي الفاسد، والتوفيق ضدّ الخذلان وفسر الإضلال والهداية بهما ولو أبقاهما على ظاهرهما صح، وترك ما في الكشاف لابتنائه على مذهبه. قوله: (سؤال تبكيت ومجازاة (لا سؤال استفسار وتفهم، وهو المنفي في غير هذه الآية كما مر
تفصيله. قوله: (تصريح بالنهي عنه الخ (لما كان اتخاذهم الإيمان دخلا قيداً للمنهي عنه كان منهياً عنه ضمنا فصرج به لما ذكر، وهذا معنى قول الزمخشري ثم كرر النهي عن اتخاذ الإيمان دخلا بينهم تأكيداً عليهم، واظهار العظم ما ارتكب ولا مخالفة بينهما كما توهم، وقد اعترض عليه أبو حيان بأنه لم يتكرر النهي إذ ذكر أولأ على طريق الأخبار عنهم بأنهم اتخذوا أيمانهم دخلا معللا بأمر خاص، وجاء النهي المستأنف الإنشائي عن اتخاذ الإيمان دخلا على العموم ليشمل ما عداه من الحقوق المالية وغيرها، ورذ بأنّ قيد المنهي عنه منهي عنه فليس إخباراً صرفا ولا عموم في الثاني لأن قوله فتزل الخ إشارة إلى العلة السابقة إجمالأ لتقدم ذكرها كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى على أنه قد يقال إنّ الخاص مذكور في ضمن العام أيضاً فلا محيص عن التكرار أيضا، ولو سلم ما ذكره فتأمّل، وقوله في قبح المنهي أي المنهيّ عنه والمراد به القبح الشرعي. قوله: (والمراد إقدامهم الخ (فتزل قدم منصوب بإضمار إن في جواب النهي لبيان ما يترتب عليه، ويقتضيه وإذا كان زلل قدم واحدة قبيحا منكر فسوه أشذ، وهذه نكتة سرية، وأما ما ذهب إليه في البحر من أن الجمع تارة يلحظ فيه المجموع من حيث هو مجموع فيؤتى بما هو له مجموعا، وتارة يلاحظ فيه كل فرد فرد فيفرد ماله كقوله: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [سورة يوسف، الآية: 31] أي لكل واحدة منهن متكأ ولما كان المعنى لا يفعل هذا كل واحد منكم أفرد قدم مراعاة لهذا المعنى ثم قال وتذوقوا مراعاة للفظ الجمع فهو توجيه للإفرأد من جهة العربية، وهو لا ينافي النكتة فلا وجه لرذه به ومتابعة غيره له. قوله: (بصدودكم عن الوفاء الخ (يعني أن صد يكون لازماً بمعنى أعرض، ومصدره الصدود لأنّ فعولاً يغلب في المصادر اللازمة ومتعدياً بمعنى منع ومصدره الصد والفعل هنا يحتملهما، وقوله فإنّ من نقض البيعة الخ جواب سؤال مقدر يرد على الوجه الثاني، وهو أنّ نقض العهود فيه صدود عن الوفاء لا صد للغير عنه فكيف ترتبه على ما قبله فأشار إلى أنهم بذلك سنوا سنة سيئة اتبعها من بعدهم من أهل الشقاء والإعراض عن الحق فكان صدودهم عن محجة الإسلام. قوله: (ولا تستبدلوا عهد الله الخ) إشارة إلى أنّ الاشتراء هنا مجاز عن الاستبدال لأن الثمن مشترى به لا مشتري كما مر تحقيقه، وفي كلامه اختصار وطيّ لما علم، والعرض بالراء
المهملة، والضاد المعجمة ما لا ثبات له قال تعالى:{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} ولهذا استعارة
المتكلمون لما يقابل الجوهر، وفي بعضها عوض بالواو وهو ظاهر، وقوله إن كنتم من أهل العلم إشارة إلى أنه منزل منزلة اللازم لا أن مفعوله محذوف، وهو فضل ما بين العوضين لأنّ هذا أبلغ ومستغن عن التقدير. قوله:) ينقضي ويفني) مبتدأ وخبر من النفاد بالدال المهملة بمعنى الفناء، والذهاب يقال نفد بكسر العين ينفد بفتحتها نفاداً ونفوداً، وأما نفذ بالذال المعجمة ففعله نفذ بالفتح ينفذ بالضم، وسيأتي تحقيقه، وقوله من خزائن رحمته أي من رحمته المخزونة عنده، وفيه استعارة مكنية لتشبيه رحمته بالجواهر والنفائس التي تخزن وكونه تعليلا لكون ما عنده خيراً ظاهر، وكونه دليلا على بقاء نعيم الجنة بمعنى بقاء نوعه بناء على أنّ المراد بما عنده ما أعذه لهم في الآخرة. قوله:(على الفاقة (أي الفقر، وقوله على مشاق التكاليف فيعئم جميع المؤمنين وقوله بالنون أي بنون العظمة في أؤل المضارع على الالتفات من الغيبة إلى التكلم. قوله: (بما ترجح فعله الخ (لما كان ظاهر النظم أنهم لا يجازون على الحسن منها أؤله بأنّ المراد بالأحسن ما ترجح فعله على تركه فيشمل الواجب والمندوب، والحسن هو المباج فإنه لا يثاب عليه، والمراد بالأعمال ما يشمل الأعمال القلبية ككف النف! س عن المحزمات والمكروهات والعزم على فعل الخيرات، وقوله أو بجزاء أحسن من أعمالهم فأحسن صفة الجزاء، وكونه أحسن لمضاعفته، وهذا جواب آخر بأنّ الإضافة على معنى من التفضيلية، والإضافة إلى جنسه، والباء على هذا صلة نجزين وعلى الأول سببية، وقيل أحسن بمعنى حسن وأما الجواب بأنه إذا جازى على الأحسن علمت مجازاته على الحسن بالطريق الأولى فغيره مسلم. قوله:) بينه بالنوعين (أي الذكر والأنثى دفعأ لتوهم تخصيصه بالذكور لتبادره من ظاهر لفظ من فإنه مذكر وان شملهما بدون تغليب ولأنّ النساء لا يدخلن في اً كثر الأحكام والمحاورات لا سيما وقد عاد عليه ضمير مذكر. قوله:) إذ لا اعتداد بأعمال الكفرة الخ (معنى قوله، وهو مؤمن، وهو ثابت على إيمانه إلى أن يموت كما تفيده الجملة الاسمية، وجعل حياته طيبة كلها فلا حاجة إلى قيد آخر ليخرج من ارتد خصوصا، والمصنف ممن يعتبر الموافاة. قوله:) وإنما المتوقع عليها تخفيف العذاب (قيل إنما عبر بالمتوقع لتعارض الأدلة،
والنصوص في تخفيف عذاب الكفرة بسبب أعمالهم الحسنة كقوله: {وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ} [سورة النحل، الآية: 85] وقوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [سورة الزلزلة، الآية: 7] وحديث أبي طالب أنه: " أخف الناس عذاباً " ورذ بأنّ هذا الحديث لا يدل إلا على تفاوت عذاب الكفرة بحسب تفاوت شرورهم زيادة ونقصانا ولا نزاع فيه، وليس بشيء لأنه لا شيء أشد من الكفر المستحق صاحبه للعذاب الأليم، وقد ورد في حق أبي طالب إنه لمحبته وحمايته للنبيّ صلى الله عليه وسلم خفف عذابه، وفي البخارقي ما معناه " إنه في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه " فقال الإمام الكرماني في شرحه فإن قلت أعمال الكفار كلها هباء منثوراً يوم القيامة فكيف انتفع أبو طالب بعمله حتى شفع له صلى الله عليه وسلم قلت ليس هذا جزاء لعمله بل أو هو لرجاء غيره أو هو من خصائص نبينا مجتي! وبه يظهر التوفيق وسيأتي له تفصيل إن شاء الله تعالى. قوله: (كان يطيب عيثه بالقناعة والرضا بالقسمة (أي بما قسم الله له وقدره، والأجر العظيم في الآخرة على تخلف بعض مراداته عنه وضنك عيشه وهذه الأمور لا بد من وجود بعضها في المؤمن والأخير عام شامل لكل مؤمن فلا يرد عليه أن هذا لا يوجد في كل من عمل صالحاً حتى يؤول المؤمن بمن كمل إيمانه أو يقال المراد من كان جميع عمله صالحاً، وتوقع الأجر العظيم إما على صبره على العسر أو على عمله الصالح، وأن يتهنأ بالهمزة في آخره، وقد تبدل ألفا، وهو مفعول يدع أي يترك وقوله وقيل في الآخرة معطوف على قوله في الدنيا، وقوله من الطاعة مر بيانه. قوله: (1 ذا اردت قراءته (يعني أنه مجاز مرسل كما في الآية المذكورة كما تشهد له فاء السببية والحديث المشهور عن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول قبل القراءة: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وغيره مما استفاض! رواية وعملا وتفصيله في كتب الآداب، وهذا
مذهب الجمهور من القراء والفقهاء، وقد أخذ بظاهر الآية بعض الأئمة كأبي هريرة رضي الله تعالى عنه وابن سيرين، وقيل إنّ الفاء لا دلالة فيها على ما ذكر وأنّ إجماعهم على صحة هذا المجاز يدل على أنّ القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة ليس بشرط
فيه، وليس بشيء لأنّ طلب الاستعاذة من الوسوسة في القراءة المؤدّية إلى خلل ما بحسب الظاهر يكون قبل الشروع فيها ومثله يكفي قرينة قيل، والذي غره أنه لا فرق بين هذه الآية وقوله:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [سورة المائدة، الآية: 6] فإنّ ثمة دليلا قائما على المجاز وترك الظاهر بخلاف ما نحن فيه، وقد أشار إلى رذه في الكشف حيث قال أجمع القراء وجمهور الفقهاء على أنّ الاستعاذة حال الشروع في القراءة، ودل الحديث على أنّ التفديم هو السنة فتبقى سببية القراءة لها، والقاء في فاستعذ تدل عليها فتقدر الإرادة ليصح وأيضاً الفراغ عن العمل لا يناسب الاستعاذة من العدوّ، وإنما يناسبها الشروع فيها فتقدر الإرادة ليكونا أي القراءة، والاستعاذة مسببين عن سبب واحد، ولا يكون بينهما مجرد الصحبة الاتفاقية التي تنافيها الفاء وأشار إليه في المفتاح بقوله بقرينة الفاء والسنة المستفيضة فتأمل. قوله:(فاسأل الله) بيان لأنّ السين للطلب، وقوله من وساوسه بيان للمراد أو لتقدير المضاف بقرينة المقام، وقوله والجمهور على أنه للاستحباب لما روي من ترك النبي صلى الله عليه وسلم لها وقال عطاء إنها واجبة لظاهر الأمر. قوله:(وفيه دليل الخ) المراد بالحكم ما دلّ عليه الأمر، وقد اختلف فيه هل يقتضي التكرار أولاً على ما فصل في الأصول فقيل الأمر المعلق على شرط أو صفة للتكرار لا المطلق وهو مذهب بعض الحنفية والشافعية واليه ذهب المصنف رحمه الله تعالى هنا في الشرط لأنه سبب أو علة، والشيء يتكرر سببه وعلته كما في قوله:{وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [سورة المائدة، الآية: 6] فإنه يدل على وجوب الغسل لكل جنابة، وهذا معنى قوله قياسا أي قياساً لما وقع في الصلاة على ما وقع خارجها وقيل معناه قياسا على ما وقع ابتداء للاشتراك في العلة. قوله:(يستعيذ في كل ركعة) وهذا مذهب ابن سيرين والنخعيّ وأحد قولي الشافعي، وفي قول آخر له كأبي حنيفة يتعوّذ في الركعة الأولى لأنّ قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ومالك رحمة الله تعالى لا يرى التعوّذ في الصلاة المفروضة، ويراه في غيرها كقيام رمضان. قوله:(بأنّ الاستعا " عند القراءة من هذا القبيل (أي قبيل العمل الصالح المطلوب من الذكور والإناث المورث لطيب حياة الدارين وإنما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على فضل هذا العمل، وأن غيره تابع له فيه بحسب الذات والزمان، وتأكيداً للحث عليه لأنه إذا أمر بالاستعاذة المعصوم فغيره أولى. قوله:) هكذا أقرأنيه جبريل عليه
الصلاة والسلام عن القلم عن اللوح المحفوظ (هكذا رواه الثعلبيئ، والواحدي ولم يتعقبه العراقي في تخريجه وفي الكشف كذا وجدته في كتب القرا آت، ولا يريد بالقلم القلم الأعلى فإنه مقدم الرتبة على اللوج بالنص وإنما أراد القلم الذي نسخ به من اللوج، ونزل به جبريل عليه الصلاة والسلام دفعة إلى السماء الدنيا فافهم ففيه نظر فإنه لا داعي للعدول عن الظاهر إذ المراد أنه مشروع كذلك في الأزل فتأمل وكأنه وقع في نسخة عن اللوج عن القلم كما في بعض التفاسير، والذي في نسخ القاضي، والكشاف خلافه مع أن التأخير الذكري لا يقتضي التأخر الرتبي لا سيما بدون أداة ترتيب وفي كتب الكلام القلم العقل الأوّل، واللوج العقل الثاني. قوله:) تسلط وولاية) إشارة إلى أنّ السلطان هنا مصدر بمعنى التسلط، وهو الاستيلاء، والتمكن من القهر فعطف الولاية عليه للتفسير ثم أطلق على الحجة وعلى صاحب ذلك وقوله على أولياء الله أخذه من قوله الذين آمنوا لقوله تعالى: و {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ} [سورة البقرة، الآية: 257] أو من التوكل لأن من فوض أمره لله وولاه جميع أموره كان وليا له ويدل عليه مقابلته بقوله يتولونه، وقوله المؤمنين به والمتوكلين عليه إشارة إلى أنّ الأصل في الصفة الإفراد، وقوله فإنهم الخ دفع لسؤال، وهو أنه إذا لم يكن له عليهم تسلط لم أمروا بالاستعاذة منه بأنه للاحتياط د! ان كان صدوره نادراً اعتناء بحفظهم، ولذأ جعل الخطاب له صلى الله عليه وسلم كما مرّ فالمنفي ما عظم منه، والاستعاذة عن محقراته، وقيل نفي التسلط بعد الاستعاذة، وفي الكشف إن هذه الآية جارية مجرى البيان للاستعاذة المأمور بها، وأنه لا يكفي فيها مجرد القول الفارغ عن اللج إلى الله تعالى وأن اللج إليه إنما هو بالإيمان أوّلاً والتوكل ثانيا، وعلى الوجهين ظهر وجه ترك العطف. قوله: (يحبونه ويطيعونه (إشارة إلى أن تولاه بمعنى جعله والياً عليه، ومن جعل غيره واليا عليه فقد أحبه وأطاعه كقوله:{وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ} [سورة التوبة، الآية: 23] الخ، وقوله بالله الخ إشارة إلى أن الضمير راجع لربهم، والباء للتعدية
أو للشيطان والباء للسببية ورجح باتحاد الضمائر فيه. قوله:) بالنسخ فجعلنا الآية الخ (إشارة إلى أن بذلنا مضمن معنى جعلنا لأن المبدل نفسها لإمكانها، وذكر هذا عقب الاستعاذة لأنه مما يدخل فيه الشيطان الوسوسة على الناقضين بالبداء ونحوه، وقوله لفظآ أو حكما إشارة إلى قسمي النسخ كما فصل
في محله وأو لمنع الخلو فإنهما قد ينسخان معاً، وقوله بالتخفيف أي بتخفيف الزاي وسكون النون. قوله:(من المصالح (بيان لما ينزل والباء للسببية، ولو جعلت صلة العلم صح وما ذكر بيان لحكمة النسخ ورذ الطعن بالبداء أو فائدة التبديل فإنّ الطبيب الحاذق قد يأمر المريض بشربة ثم بعد ذلك ينهاه عنها ويأمره بضدها، وقوله تأمر بشيء ثم يبدو لك إشارة إلى وجه الطعن بالبداء، ولم يقولوا يأمر الله، وينهي بناء على زعمهم في أنه افتراء. قوله: (اعتراض) قدم الاعتراض لأن الحالية لا تخلو من الاعتراض، وفيه التفات، والسند قولهم يأمر بشيء ثم ينهي عنه فإنه لجهلهم يقتضي البداء الذي لا يليق بالحكيم، ويعني بهذا أنه منزل من عندي لا تقوّل عليئ، وقوله حكمة الأحكام أي في تبدلها. قوله:(كقولهم حاتم الجود) قيل المراد حاتم الجواد فأضيف للمبالغة في كثرة ملابسته له ورذ بأنه قال في الكشف في الصافات في رب العزة أنه أضيف لاختصاصه بها كحاتم الجود وسحبان الفصاحة وليس الإضافة فيه، ولا في نحو رجل صدق من إضافة الموصوف للصفة على جعله نفس الصدق مبالغة وذكر ثمة وجهاً آخر لا يناسب هنا (قلت (ما ارتضاه الفاضل وجه وجيه، وليس هو أبا عذرته قال الرضي في باب النعت هم كثيرا ما يضيفون الموصوف إلى مصدر الصفة نحو خبر السوء أي الخبر السيىء ورجل صدق أي صادق اهـ، وقوله بالتخفيف أي بسكون الدال. قوله: (تنبيه على أن إنزاله مدرجاً الخ (قوله مدرجا بصيغة المفعول أي بالتدريج، وهو مقابل الدفعي وهو إشارة إلى الفرق بين الإنزال والتنزيل، وقد مر تفصيله يعني أنه لم ينزل دفعة واحدة بل دفعات على حسب المصالح الدينية، والمصالح تختلف باختلاف الأزمان فكم من شيء يلزم في وقت ويمتنع في آخر فكونه كذلك مما يؤيد صحة النسخ وحسنه فلذلك اختار صيغة نزل هنا دون أنزل لمناسبته لمقتضى المقام فقوله على حسب المصالح خبر أن وبما يقتضي بدل منه أو حال من الضمير المستتر في مدرّجاً وبما الخ خبر، وقوله بما بالباء السببية، وفي نسخة مما وليس الإنزال التدريجي هنا مخصوصاً بالناسخ والمنسوخ كما قيل بل شامل له، وقوله ملتبسا الخ إشارة إلى أنّ الباء للملابسة، وأنّ الحق بمعنى الحكمة والصواب المقتضي للتبديل. قوله: (ليثبت الله
الذين آمنوا الم يؤوّله بقوله ليبين الله ثباتهم كما أوّله به غيره لأنه لا حاجة إليه إذ التثبيت بعد النسخ لم يكن قبله فإن نظر إلى مطلق الإيمان صح، وقوله وأنهم عطف تفسيري وفي نسخة فإنهم بالفاء وهي أولى، وقوله المنقادين تفسير للمسلمين بمعناه اللغوي ليفيد بعد توصيفهم بالإيمان. قوله:(وهما معطوفان على محل ليثبت) وجوّز المعرب العطف على لفظه لأنه مصدر تأويلا وقد مر نظيره في قوله لتركبوها وزينة على القراءة المشهورة مع وجوه أخر فيه لكن المصنف رحمه الله حكاه بقيل هناك مضعفاً له وهنا ساقه على وجه يقتضي ارتضاءه له فبين كلاميه تناف، ويدفع بالفرق بينهما فإن ثمة اختلافاً في الفاعل مجوّزاً للصراحة في أحدهما دون الآخر فهو نظير زرتك لتكرمني، واجلالاً لك وهذا نظير زرتك لأحدّثك، واجلالاً لك فالتضعيف راجع إلى التوجيه، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله أي تثبيتا وهداية، وبشارة فهو راجع إلى اتحاد فاعل الفعل المعلل وعدمه نعم يبقى الكلام على الاتحاد في وجه ترك اللام في المعطوف دون المعطوف عليه، ويوجه بأن المصدر المسبوك معرفة على ما تقرر في العربية والمفعول له الصريح، وان لم يجب تنكيره كما عزى للرياشي فخلافه قليل كقوله: وأغفر عوراء الكريم ادّخاره
ففرق بينهما تفننا وجريا على الأفصح فيهما، والنكتة فيه أنّ التثبيت أمر عارض! بعد حصول المثبت عليه فاختير فيه صيغة الحدوث مع ذكر الفاعل إشارة إلى أنه فعل لله مختص به بخلاف الهداية، والبشارة فإنها تكون بالواسطة، وأمّا الدفع بأن وجود الشرط مجوّز لا موجب والاختيار مرجح ما فيه من فائدة بيان جواز الوجهين فلا يصح وجها عند التحقيق. قوله:(وفيه تعريض بحصول أضداد دّلك لغيرهم) في الكشف إن هذا لأنّ فوله نزله الخ، جواب لقولهم إنما أنت مفتر فيكفي فيه قل نزله
روج القدس فالزيادة لمكان التعريض، وأفاد سلمه الله أنّ قوله نزله روح القدس من ربك بدل أنزله الله فيه زيادة تصوير على جواب الطعن بأحسن وجه فإن الحكمة تقتضي التبديل فهو من الأسلوب الحكيم، وفيه نظر.
قوله: (يعنون جبراً الرومي الخ) جبر بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة، والراء المهملة،
وهذه الرواية أنسب بإفراد الذي، والحضرمي بالضاد المعجمة نسبة إلى حضرموت واسمه على
ما ذكره السهيلي في الإعلام عبد القه بن عماد وله من الأولاد العلاء وعمر وعامر والعلاء أسلم وصحب النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم على القول بأنهما " غلامان روميان جبر ويسار " كضد اليمين فالذي للجنس، وقوله كانا يصنعان السيف الأولى السيوف كما في الكشاف وعائش بدون هاء مذكر عائشة اسم الغلام المذكور، وقيل اسمه يعيش، وحويطب بالحاء والطاء المهملتين تصغير حاطب وهو جامع الحطب، وقوله وكان صاحب كتب أي كان له دراسة وعلم بالكتب القديمة كالإنجيل. قوله:(وقيل سلمان الفارسي) ضعفه لما في حواشي الكشاف من أنّ هذه الآية مكية وسلمان أسلم بالمدينة وكونها إخباراً بأمر مغيب لا يناسب السياق ورواية أنه أسلم بمكة، واشتراه أبو بكر رضي الله عنه وأعتقه بها ضعيفة لا يعوّل عليها كاحتمال أن هذه الآية مدنية. قوله:(لغة الرجل الخ) إشارة إلى أنّ اللسان هنا بمعنى التكلم مجازاً لا الجارحة المعروفة، وهو مجاز مشهور وقوله يميلون قولهم عن الاستقامة إليه أي ينسبون إليه التعليم، وفيه إشارة إلى أنّ مفعوله محذوف، وأصل معنى لحد وألحد أمال ومنه لحد القبر لأنه حفرة مائلة عن وسطه ولحد القبر حفره كذلك وألحده جعل له لحداً ولحد بلسانه إلى كذا مال، وقوله من لحد القبر بصيغة الماضي أو المصدر ووجه الأخذ ما مر، ولحده وألحده لغتان فصيحتان مشهورتان وليستا كصذه وأصده لأنّ أصده غير مشهورة الاستعمال فليس فيما مر في سورة إبراهيم من أن قراءة الحسن يصدون من أصده منقولاً من صد صدوداً غير فصيحة لأنّ في صده مندوحة عن تكلف التعدية ما يقتضي أنّ قراءة غير حمزة والكسائي ليست بفصيحة كما توهم، وقولهم لسان أعجمي يعني أنه صفة موصوف مقدر، وقوله غير بين تفسير لأعجمي لمقابلته بقوله مبين، وقوله ذو بيان وفصاحة الفصاحة تؤخذ من ذكر هذا الوصف بعد توصيفه بالعربية فإنه يقتضي أنه قوي البيان لا تعقيد فيه، ولا لكنه فتأمل. قوله:(والجملتان مستانفتان الخ) استئناف نحوي أو بياني فلا محل لهما من الإعراب، وفي البحر أنهما حال من فاعل يقولون أي يقولون هذا، والحال أنّ علمهم بأعجمية هذا البشر، وعربية هذا القرآن كان ينبغي أن يمنعهم عن مثل هذه المقالة كقوله أتشتم فلانا، وقد أحسن إليك، وإنما ذهب الزمخشري إلى الاستئناف لأنّ مجيء الاسمية حالاً بدون واو شاذ عنده، وهو مذهب مرجوح تبع فيه الفراء وقد مر تفصيله. قوله: (وتقريره (أي تقرير النظم أو تقرير إبطال الطعن، وقوله بأدنى تأمل من قوله مبين، وتلقفه بالفاء
أي أخذ.، وتناوله منه، وما اسم يكون ومنه خبرها أي مأخوذاً منه وقيل اسم يكون ضمير القرآن وما خبر له وضمير منه للبشر وقوله هب أنه أي قدر ذلك الوصف وأفرضه، وهذا التركيب كما في الحديث: " هب أن أبانا كان حمارا) وقد بيناه في شرح الدرة وحاصلهما مغ تعلمه منه مع سنده، ثم تسليمه باعتبار المعنى إذ لفظه مغاير للفظ ذلك البشر بديهة فيكفي دليلاً له ما أتى به من اللفظ المعجز، وقوله في بعض أوقات مروره استبعاد لتعلم مثل هذا الأمر الجليل في وقت قليل بلفظ يسير عجمي لا سيما مع احتمال أنّ السامع والمتكلم لا يعرفان معنى ذلك فهذا مما يكذبه العقل السليم وقوله معجز باعتبار المعنى لاشتماله على المغيبات. قوله:(لا يصدقون أنها من عند الله) فسره به بقرينة قوله إنما أنت مفتر، وقوله إلى الحق الظاهر أنه تقدير للمتعلق إمّا عامّا شاملا لما هو منج لهم، ولغيره فإنّ من الحق ما لا ينجيهم كالإقرار ببعفالرسل والشرائع القديمة السابقة أو خاصاً كالإيمان بمحمد! يهشي! ونحوه أو الجنة فالتغاير بين التفاسير المأثورة ظاهر فليست أو للتخيير في التفسير لأنّ الحق هو الصراط المستقيم الذي من سلكه نجا كما قيل، ومعنى لا يهديهم أن سبب عدم إيمانهم هو أنه تعالى لا يهديهم لختمه على قلوبهم أو عدم هدايتهم مجازا لعدم إيمانهم بأنّ تلك الآيات من عنده تعالى، وقيل الحق ما هو حق عند الله وهو الإيمان، والنجاة هي النجاة عن العقاب، وفيه تنبيه على أنّ الهداية كما تضاف إلى نفس الحق تضاف إلى طريقه
والأولى أن يقول أو إلى سبيل الحق لكنه أضاف السبيل إلى لازمه، وهو النجاة، ولا يخفى أنه تعسف نحن في غنى عنه بما سمعته فتأمل. قوله:(إلى الجنة) قيل هو تفسير للمعتزلة مناسب لأصولهم، وفيه نظر وقوله هددهم التهديد بما ذكره في هذه الآية وإماطة الشبهة قد مر في قوله لسان الذي الخ وقوله قلب الأمر عليهم إشارة إلى أنّ في الآية قصر قلب والمعنى إنما يفتري هؤلاء لا هو وقوله لأنهم لا يخافون عقابا يردعهم لعدم تصديقهم بوعيده ومن لا يخاف العقاب يجترئ على الكذب. قوله:
(إشارة إلى الذين كفروا أو إلى قريش (أما كونه إلى الكافرين مطلقاً فلسبقهم في قوله الذين لا يؤمنون ويدخل فيهم قريش دخولاً أوّليا، وأمّا كونه لقريش فلأن السياق فيهم، وهم القائلون إنما أنت مفتر كأنه بعد تمهيد مقدمة كلية هي إن الذين يفترون كاذبون صرح بما هو كالنتيجة له، وهو أنّ قريشا كاذبون فلا استدراك في الكلام على هذا فاقا إذا كان إشارة إلى الذين كفروا فيدفع الاستدراك بأنّ المراد بالكاذبين الكاملون في الكذب، والتعريف جنسيئ على ما مر تحقيقه في أولئك هم المفلحون أو المستمرّون على الكذب أو يقيد اأممذب فهذه الوجوه الثلاثة إذا كان أولئك إشارة إلى الذين لا يؤمنون على ما حققه الشارح العلامة. قوله:) أي الكاذبون على الحقيقة الخ (شروع في دفع الاستدراك، والتكرار وتوجيه للحصر المستفاد من الضمير وتعريف الطرفين ومعنى قوله على الحقيقة أي الكاذبون حقيقة، وفي نفس الأمر لا بحسب الزعم والإسناد الواقع منهم في قولهم إنما أنت مفتر ومآله إلى الحصر الإضافي، وهذا على عموم المشار إليه على ما صرح به شراج الكشاف وجوز إرجاعه إلى كون الإشارة لقريش أو إليهما والإشكال بأنّ أحد الحصرين مناف للآخر مدفوع بأن معنى حصره في الكفرة عدم تجاوزه عنهم إلى غيرهم، وهو لا يقتضي وجوده في كلهم والفائدة في ضم قريش الموصوفين به، والحكم على الكل الإشارة إلى أنّ منشأ التكذيب الكفر المشترك بينهم، وأن من لم يكذبه منهم في قوة المكذب مستحق لما يستحقه مع أنّ الظاهر أنّ هذا الإشكال لا ورود له رأساً لأن الحصر على الوجوه الأربعة غير حقيقي فلا ينافي آخر مثله فتأمل. قوله:) أو الكاملون في الكذب (هذا هو ثاني الوجوه الأربعة، والتعريف للجنس الادعائي بجعل ما عداه كأنه ليس بكذب بالنسبة إليه على ما مر، وهذا أبلغ من جعله للعهد كما مر، وقوله أو اللذين عادتهم الكذب كما تدل عليه الاسمية، ولذا عطف على الفعلية وبه اندفع الاستدراك لأنه كقولك كذبت يا زيد وأنت كاذب يعني أنّ عادتهم الكذب فلذلك اجترؤوا على تكذيب آيات الله لأنه لا يصدر مثله إلا ممن عرف بالكذب، وفيه قلب حسن لأنه إشارة إلى أنّ قريشا لما كان عادتهم الكذب أخذوا يكذبون بآيات الله ومن أتى بها حتى نسبوا من شهد له بالأمانة، والصدق إلى الافتراء وقوله أو الكاذبون في قولهم إنما أنت مفتر فهو تقييد للكذب. قوله: (بدل من الذين لا يؤمنون الخ) أي بدل من الذين لا يؤمنون بآيات الله في قوله إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله، وقوله وأولئك هم الكاذبون اعتراض أي بين البدل والمبدل منه كما في الكشاف، واعترض عليه أبو حيان وغيره من المعربين بأنه يقتضي أنه لا يفتري الكذب إلا من كفر بعد إيمانه والوجود يقتضي أن من يفتري الكذب هو الذي لا يؤمن مطلقأ، وهم أكثر المفترين وأيضا البدل هو
المقصود والآية سيقت للرد على قريش وهم كفار في أصلهم وأجيب تارة بأنّ المراد بعد تمكنهم من الإيمان كقوله: {اشْتَرُوُاْ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} [سورة البقرة، الآية: 16] كما مر تحقيقه وردّ بأنّ قوله إلا من كره يأباه ودفع بأنّ التمكن منه أعم من التمكن من إحداثه وابقائه ولا يخفى ما فيه من التكلف وتارة بأن المعنى من وجد الكفر فيما بينهم بعد الإيمان تعييرأ على الارتداد أيضاً بجعله كأنه صدر! هم لارتضائهم له كبنو فلان فتلوا قتيلأ وتارة بأنّ المراد من بعد تصديقه بآيات أدئه وأيد بأنه مناسب للمبدل منه، وكون المشار إليه أهل مكة الذين جحدوا بها واستيقنتها أقسهم، ولا يخفى ما في هذا كله، وأنه غير ملائم لسبب النزول، ولك أن تقول أقرب من هذا كله أن يبقى الكلام على ظاهره من غير تكلف، وأنّ هذا تكذيب لهم على أبلغ وجه كما يقال لمن قال إن الشمس غير طالعة في يوم صالح هذا ليس بكذب لأنّ الكذب يصدر فيما قد تقبله العقول، ويكون هذا على الوجه الأوّل، وهو قوله لا يهديهم إلى الحق فالته تعالى لما لم
يهدهم إلى الحق والصدق، وخثم على حوأسهم نزلوا منزلة من لم يعرفه حتى يساعده لسانه على النطق به فقبح إنكارهم له أبئ من أن يسمى كذباً، دمانما يكذب من تعمد ذلك ونطق به مرة فتكون الآية للردّ على قريش صريحأ والأخرى دلالة على أبلغ وجه فتأمّل، وقوله أو من أولئك أو من الكاذبون يرد عليه ما ورد على ما قبله والكلام السابق يجري فيه برمته، وقيل إنّ هذا على أن يكون المشار إليه قريشاً فلا يرد اعتراض أبي حيان بناء على أنّ الإشارة إلى الذين لا يؤمنون إذ هو يقتضي حصر افتراء الكذب في المرتدين، والواقع خلافه على أنه قد عرف المخلص منه، وإذا كان بدلاً من الكاذبون يكون المعنى قريش هم الكاذبون بعد إيمانهم، ولا يخفى (نّ جملتهم ليسوأ كذلك، وجوابه ما مر وفيه بحث. قوله:) أو مبتدأ خبره محذوف الخ) أي من مبتدأ خبره محذوف، وهو عليه غضب الله بقرينة ما ذكره ومن موصولة على هذا، وقوله بالذم أي كلام مقطوع عما قبله قصد الذثم بتقدير أعني أو أذم والقطع للمدح والذم، وان تعورف في النعت ومن لا يوصف بها لكن لا مانع من اعتباره في غيره كالبدل، وقد نص عليه سيبويه، والجواب المحذوف تقديره فعليه كضب الله كما مر! أذا كانت شرطية فهي مبتدأ أيضاً، والكلام في خبرها شهور. قوله:(دل عليه قوله إلا من كره) كذا في بعض النسخ، وهو ساقط في أكثرها، وقد قيل في توجيه هذه النسخة مع أنّ الدالّ عليه بحسب الظاهر قوله فعليهم غضب كما أنه هو الدال على الخبر أيضأ أن مبناها على أعتبار تقديم تقدير الجواب على الاستثناء كما في الكشاف ليكون الحكم المخرج عنه المستثى ما تضمنه الجواب أعني الغضب لا ما تفمنه الشرط أي الكفر والفرق بينهما (نه يلزم على الأوّل أن يكون إجراء كلمة الكفر على اللسان مكرهاً محظورا مرخصأ لكن لم يترتب عليه حكمه، وهو العذاب وألمحضب، وعلى الثاني لم يكن محظورا حيث لم يكن كفراً والأول هو المحختار لكن قوله صلى الله عليه وسلم
كلا إنّ عمارا رضي الله عنه ملىء إيمانا يؤيد الثاني إلا أن يؤوّل الرح بعدم إصراره ثم إنه لا فرق بين الجواب، والخبر في هذا إلا أنه ذكر لكل منهما دليلاً تنبيهاً على جريان كل من الدليلين في كل منهما كذا قيل، ولا يخفى ما فيه من التعسف إذ ليس في كلامه ما يدل على تقديره مقدما أو مؤخرا، وما تثبتوا به أو هن من بيت العنكبوت وما ذكره من الفرق غير مسلم كما ستسمعه عن قريب فالظاهر أن هذه النسخة على تقدير صحتها المراد منها أن ما ذكر إلى آخر الآية دليل للجواب لتضمته له، ومثله من التسمح كثير لم! هل أو ضمير عليه يعود على كونه شرطاً فإنه صريح في العموم بخلاف الموصول فانه يحتمله كما يحتمل العهد والاستثناء معيار العموم. قوله:(على الافتراء أو كلمة الكفر) تقدير لما يدل عليه الكلام وقيل إنّ الأوّل مبنيّ على أن من كفر بدل من الذين لا يؤمنون، وقوله استثناء متصل لأن الكفر التلفظ بما يدل عليه سواء طابق القلب أو لا فيدخل فيه ما ذكروا العقد بمعنى اعتقاد القلب لأن أصل معناه الربط، ثم استعمل في التصميم واعتقاد القلب الجازم، وقال لغة تبعا للإمام الراغب إمام أهل اللغة فإنه قال في مفرداته كفر فلان إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك إذا أظهر الكفر وان لم يعتقده اهـ، وأمّا إطلاقه شرعا على من تلفظ به مع القرينة الدالة على أنه لم يعتقده كالإكراه فغير مسلم فمن قال الأولى ترك قوله لغة فإن من تكلم بكلمة الكفر يجعل شرعاً كافراً فقدوهم، وظاهره أنه مستثنى من قوله إلا من كفر، وقيل إنه مستثنى مقدم من قوله فعليهم غضب، وقيل من الجزاء والجواب المقدر ولذا قدره في الكشاف قبل الاستثناء، وكلام المصنف رحمه الله محتمل له أيضاً. قوله:(لم تتغير عقيدته) أصل معنى الاطمئنان سكون بعد انزعاج، والمراد هنا السكون والثبات على ما كان عليه بعد انزعاج الإكراه، وقوله وفيه دليل الخ حيث أطلق الإيمان على مجرد ما في القلب في قوله بالإيمان، وأورد عليه أنه لا يلزم منه كون ذلك حقيقة الإيمان لأن من جعل الإقرار ركنا قال إنه ركن يحتمل السقوط إذا منع منه مانع من خرس أو إكراه (قلت) هذا اختلاف لفظي لأنه إذا لم يعتبر إذا وجد المانع كان التصديق وحد. إيماناً حينئذ فتأمل. قوله تعالى:( {وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا0020} ) الاستدراك على الإكراه لأنه ربما يتوهم أنه مطلق وقوله: {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} لا يدفعه فتامل ومن إما شرطية أو موصولة لكن إذا جعلت شرطية قال أبو حيان وحمه الله تعالى: لا بد من تقدير
مبتدأ بعدها لأنّ لكن لا تليها الجمل الشرطية وردّه المعرب ويؤيده قوله:
ولكن متى يسترفد القوم أرفد
والتقدير فيه غير لازم وتوله إذ لا أعظم من جرمه الغ، وهو التصميم على قبول الكفر،
وأما أنه أعظم منه كفر يضم إليه منكر آخر كالصد عن سبيل الله فليس بشيء لأنّ الأعظمية بالنسبة لغيره وحده لا معه فلا وجه لما قيل الأظهر أن يقول بعظم جرمه، والمراد أنّ عظم عذابه لعظم جرمه فجوزي من جن! عمله. قوله:(روي أنّ قريشاً الخ) خرج هذا الحديث ابن حجر رحمه الله تعالى على اختلاف في طرقه وألفاظه وسمية بالتصغير أم عمار رضي الله تعالى عنهما وقوله بين بعيرين أي شجوها بينهما، وقوله وجيء بضم الواو، وكسر الجيم ثم همزة مبنيّ للمجهول من وجأه بمعنى طعنه والجار والمجرور نائب الفاعل، وروي أن الذي قتلها أبو جهل لعنه الله وقوله من أجل الرجال أي رغبة في جماعهم فلذا طعنت في قبلها لزعمهم الفاجر، وقوله أعطاهم الخ فيه مجاز لطيف كأنه فداء له، وقوله ما لك أي ما لك تبكي وتجزع من ذلك. قوله:(فعدلهم بما قلت)(2) ذكره في الهداية بلفظ فعدلهم دون قوله بما قلت، ويؤيد ما رواه المصنف رحمه الله تعالى ما رواه الحاكم، وغيره وصححه من أنه قال له فقل لهم، وفسره في الهداية بأنّ معناه عد إلى طمأنينة القلب لا إلى إجراء كلمة الكفر والطمأنينة معاً لأن أدنى درجات الأمر الإباحة فيكون إجراء كلمة الكفر مباحا، وليس كذلك لأنّ ألكفر مما لا تزول حرمته كما بين في الأصول، وقال الرازي: إنّ الأمر للإباحة، وقولهم الكفر مما لا تنكشف حرمته صحيح لكن الكلام في إجراء كلمة الكفر مكرها لا في الكفر نفسه، وتعقب في حواشي الهداية بأنّ إجراء كلمة الكفر كفر وان كان مكرهاً غايته أنه لا يترتب عليه حكم الكفر وأورد على قولهم أدنى درجات الأمر الإباحة بأنّ الإمام النسفيّ رحمه الله
تعالى صزح بأن أدنى درجاته الترخيص، وهو لا يقتضي الإباحة كالحنث في اليمين على ما هو خير، وأورد على تأويل الهداية أنه لا معنى لأمره بالعود إلى الطمأنينة، وهي لم تزل، وليس بشيء لأن المراد الثبات عليها والعود إلى جعلها نصب عينه قال الجصاص: الإكراه المبيح أن يخاف على نفسه أو بعض أعضائه التلف إن لم يفعل مع أخطاره بباله أنه لا يريده فإن لم يخطر بباله كفر، وقوله لما روي تعليل لأفضلية التجنب ومسيلمة بكسر اللام لوقوعها بعد ياء التصغير والفتح غلط، وقوله أخذ برخصة الله دليل لما مرّ عن النسفي، وقوله صدع بالحق أي صرّح به وأظهره استعارة من الصدع يعني الشق كقوله:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [سورة الحجر، الآية: 194 وليس هذا إلقاء للتهلكة بل هو كالقتل في الغز، وكما صرّح به. قوله:(أو الوعيد) وهو قوله فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم فوحد الإشارة على هذا لأنها لا يشار بها إلى متعدد أو لتأويله بما ذكر أو بالوعيد كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى وقوله آثروها بالمد أي اختاروها وقدّموها وفسره به إشارة إلى تعدي الاستحباب بعلى لتضمنه معنى الإيثار. قوله: (الكافرين في علمه إلى ما يوجب ثبات الإيمان (إلى متعلق بيه! ي والقيد الأوّل ظاهر لأنّ من لم يعلم بقاءه على الكفر يهديه والثاني ليدخل فيه من ارتد ودام على ذلك وبه يرتبط النظم أتم ارتباط، وتحقيق الطبع قد تقدم، وقوله الكاملون في الغفلة فسرح له لتتم فائدته بعد ذكر الطبع، وقوله إذ أغفلتهم أي أوقعتهم في الغفلة الحالة الراهنة أي الحالة الراهنة عندهم مما هم عليه من زخرف الدنيا قال السمين في مفرداته أصل معنى الرهن الحبس، ومنه الحالة الراهنة أي الثابتة الموجودة اهـ، ومنه قول الفقهاء والحالة الراهنة هذه وهو استعمال فصيح سائغ، وفي بعض النسخ الواهنة وهو من تحريف جهلة النساخ. قوله: الا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون (وقال في آية أخرى الأخسرون لاقتضاء المقام أو لأنه وقع في الفواصل هنا أعتماد الألف كالكاذبين، والكافرين فعبر به لرعاية ذلك، وهو أمر سهل، وقوله ضيعوا أعمارهم جعل الأعمال بمنزلة رأس المال على طريق الكناية بقرينة الضياع والخسران كما قال الشاعر:
إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير واجب
ومن غفل عن هذا قال الأولى أن يقول ضيعوا رؤوس أموالهم. قوله: (عذبوا) يشير إلى
انّ أصل الفتنة
في اللغة إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته كما قال الراغب، ثم تجوّز به عن البلاء، وتعذيب الإنسان، وقوله بالولاية والنصر تفسير لمعنى اللام الداخلة على النفع، ومتعلق بها أو بما تدل عليه وفيه إشارة إلى أنّ قوله للذين هاجروا خبر أنّ أي هو كائن لهم لا عليهم، وقيل إنه متعلق بالخبر على نية التقديم والتأخير والخبر لأنّ الأولى والثانية مكرّرة للتأكيد أو للثانية، وخبر الأولى مقدر، وقوله وثم لتباعد حال هؤلاء يعني أنها للتفاوت والتباعد في الرتبة مجازا لا للتراخي الحقيقي إذ أمرهم في الآخرة مؤخر فمقتضى الظاهر العكس، وقوله من بعدما عذبوا مرّ بيانه، وفسر فتنوا على هذه بوقعوا في الفتنة فإنه ورد لازماً ومتعديا. قوله:(على الجهاد الخ) يعني متعلقه إمّا خاص بقرينة أو عام، وقوله من بعد الهجرة والجهاد، والصبر يعني أنّ الضمير راجع لما قبله وأنث باعتبار المذكورات، ولو زاد الفتن كان أظهر وتركه لدخوله في الصبر، وقوله منصوب برحيم أي على الظرفية، ولا يضرّ تقييد الرحمة بذلك اليوم لأن الرحمة في غيره تثبت بالطريق الأولى، وهذا أحسن لارتباط النظم به ومقابلته لقوله:{فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} . قوله: (تجادل عن ذاتها) هو إشارة إلى ما في الكشاف من أن الضمير للنفس فيكون تقديره نفس النفس، وفيه إضافة الشيء لنفسه قال في الكشف النفس الأولى هي الدّات، والجملة أي الشخص بإجزائه كما في قولك نفس كريمة، والثانية ما يؤكد به ويدلّ على حقيقة الشيء وهويته والفرق بينهما أنّ الإجزاء ملاحظة في الأوّل دون الثاني، والأصل هو الثاني لكن لعدم المغايرة بين الذات وصاحبها استعمل بمعنى الصاحب ثم أضيف الذات إليه فوزان كل نفس وزان كل أحد، وفي الفرائد المغايرة شرط بين المضاف، والمضاف إليه لامتناع النسبة بين منتسبين فلذا قالوا يمتنع إضافة الشيء لنفسه إلا أنّ المغايرة قبل الإضافة كافية، وهي محققة هنا لأنه لا يلزم من مطلق النفس نفسك، ويلزم من نفسك مطلق النفس فلذا صحت الإضافة، وان اتحدا بعدها ولذا جاز عين الشيء وكله ونفسه بخلاف أسد الليث وحيس المنع فتأمل. قوله:(وتسعى في خلاصها) بيان للمراد من المجادلة، والاعتذار بنحو هؤلاء أضلونا وما كنا مشركين، وقوله فتقول نفسي نفسي معمول لمقدر كنج، وهو بيان لعدم الاهتمام بشأن غيرها إذ لم يقلى ولدي وأبي وأمي ونحوه لا للمجادلة وهو ظاهر، وهذه العبارة وردت بعينها في الحديث (1) وقوله جزاء ما عملت يعني أنه تجوّز يجعل الجزاء كأنه عين العمل
أو فيه مضاف مقدر. قوله: (لا ينقصون أجرهم) إن أريد بجزاء ما عملت العقاب، وبهذا الثواب فلا تكرار فيه، ت وإن كان الأوّل أعم يكون هذا تكراراً للتأكيد، ولذا قيل الأولى تفسيره بأنهم لا يظلمون بزيادة العقاب أو بالعقاب بغير ذنب إلا أن يقال هذا أولى لأنه لما ذكر مجازاة ذنبها توهم إحباط عملها فدفع بهذا أي توفي جزاء عملها كله من خير وشرّ. قوله:(جعلها مثلَا) أي جعل القرية التي هذه حالها مثلا، والمراد أهلها مجازاً أو بتقدير مضاف فضمن ضرب معنى جعل وقرية مفعول أوّل ومثلاً مفعول ثان، وقد مرّ تفصيله، وقوله لكل قوم أي هذا المثل ضرب لكل قوم كانوا بهذه الصفة من غير تعيين أو لقوم مخصوصين وهم أهل مكة كما أشار إليه بقوله أو لمكة أي لأهلها والقرية إمّا مقدّرة بهذه الصفة غير معينة إذ لا يلزم وجود المشبه به أو معينة من قرى الأوّلين، وقوله من نواحيها بيان لمكان. قوله: (جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاءا لأنّ المطرد جمع فعل على أفعل لا فعلة، ونعم بضم النون بمعنى النعمة أو اسم جمع للنعمة كما قاله الفاضل اليمني. قوله: (استعار الذوق الخ الما كان المتبادر أنّ الإذاقة واللباس هنا استعارتان إذ معناهما الحقيقي غير مرأد وفي إيقاع إحداهما على الأخرى خفاء ذهب الزمخشريّ، وتبعه المصنف رحمه الله تعالى إلى ما ذكر، وحاصله على ما قرره في الكشف أنّ الإذاقة استعيرت للإصابة وأوثرت للدلالة على شدة التأثير التي تفوت لو استعملت الإصابة وبين العلاقة بأنّ المدرك من أثر الضرر شبه بالمدرك من طعم المر البشع، ووجه الشبه بينهما الكراهة، والنفرة فهو من باب استعارة المحسوس للمعقول، وإنما قدم الزمخشريّ أنها جرت مجرى الحقيقة ليفرع عليه أنّ إيقاعها على اللباس تجريد فلا فرق بين إذاقها إياه، وأصابها به على ما حقق من أنّ التجريد إنما يحسن أو يصح بالحقيقة أو ما ألحق بها
من المجاز الشائع فكان على المصنف رحمه الله تعالى أن لا يهمله، وأمّا الاعتراض عليه بأنه لولاه لم يظهر كونه ملائما للمستعار له لأنّ حدوث الاستعارة في هدّا يستدعي أن يكون لباس الجوع قرينة الاستعارة لعدم ما يصلح قرينة لها غيره فكيف يتأتى التجريد فمدفوع بأنه مبنيّ على أنّ التجريد
لا يكون قرينة مع أنه حينئذ يجعل القرينة إيقاعه على اللباس واللباس استعير لما غئيه من أثر الجوع والخوف، وهو ضررهما والغاشي هو الضرر لا الجوع، والخوف والا كان لباس الجوع كلجين الماء، وحينئذ تبين وجه إيقاع الإذاقة على اللباس إذ المعنى فأذاقهم ما غشيهم من ضرر الجوع والخوف، وظهر وجه إيثار التجريد على الترشيح لأنّ الإذاقة تفيد ما لا تفيده الكسوة من التأثير والإدراك وأوثر اللباس على الطعم للدلالة على الشمول والإذاقة على الكسوة للدلالة على التاثير والتأثر الموجب لقوة الإدراك، وهذا أولى مما في المفتاح من حمل اللباس على رثاثة الهيئة، وتغير اللون اللازمين للجوع، والخوف إذ لا يحسن موقع الإذاقة وتكون الإصابة أبلغ موقعا يعني أنه حينئذ اسنعارة محسوس لمثله فتفوت المبالغة التي اختير لأجلها الإذاقة إيهاما للعلة، وقال المحقق في شرح التلخيص الذي يلوج من كلام القوم إنّ في هذه الآية استعارتين إحداهما تصريحية، والأخرى مكنية فإنه شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من أثر الضرر من حيث الاشتمال باللباس فاستعير له اسمه، ومن حيث الكراهية بالطعم المرّ البشع فيكون استعارة مصرّحة نظرا إلى الأوّل ومكنية نظراً إلى الثاني، وتكون الإذاقة تخييلاً، وتحقيق ذلك أنّ الاستعارة بالكناية إن كانت تشبيها مضمراً في النفس فلا مانع من كون المشبه في التشبيه مذكوراً مجازاً، وان كانت المشبه به المرموز إليه المستعار للمشبه فلا مانع أيضاً في ذلك من ذكر المشبه مجازاً وان كانت المشبه المستعار للمشبه به كما هو مذهب السكاكيّ فصحته تدور على صحة الاستعارة من المستعار فإن صحت صح والا فلا ولذا قال المدقق في الكشف أنّ الحمل على التخييل ضعيف لا يلائم بلاغة التنزيل فكونه منزع القوم هنا لا يخلو من التأمل كيف، وقد ذهب شيخنا الصناعة إلى خلافه، وقوله من الجوع، والخوف من هنا ابتدائية أو سببية أي ما غشيهم ناشئ من ذلك أو حاصل بسببه لا بيانية والا كان لباس الجوع تشبيها كلجين الماء كما مر، وقد جوّزه شرّأح المفتاح في النظم، واعلم أنّ السكاكيّ جعل هذه الاستعارة من الاستعارات المحتملة للتحقيق والتخييل فقال الذي يظهر من لفظ اللباس عند الأصحاب بتأملهم فيه هو الحمل على التخييل بأنه يشبه الجوع في التأثير بذي لباس قاصد للتأثير مبالغ فيه فيخترع له صورة كاللباس ويطلق عليها اسمه الموضوع لما هو متحقق، ويحتمل عندي أن يحمل على التحقيق، وذلك بأن يستعار لما يحيط بالإنسان عند جوعه من تغير لونه، ورثاثة هيئته فيكون استعارة المحسوس للمحسوس، واعترض بأنّ الحمل على التخييل لا يلائم بلاغة القرآن لأن الجوع إذا شبه بالمؤثر القاصد الكامل فيما تولاه ناسب أن يخترع له صورة ما يكون آلة للتأثير لا صورة اللباس، وهذا الاعتراض! أورده الشريف في شرح المفتاح، وتبعه الفاضل المحشي ظانا أنه وارد غير مندفع، ولا يخفى أن السكاكي ترى أن التخييلة مستعملة في أمر وهمي توهمه المتكلم شبيها بمعناه الحقيقي على ما حقق في محله فاللباس إذا كان تخييلاً يجوز أن يكون المراد به أمراً مشتملاً على الجوع اشتمال اللباس كالقحط، ومشتملاً على الخوف كإحاطة العدوّ، ونحوه فلا
وجه لقوله صورة اللباس مما لا مدخل له في التأثير، وما ادّعاه من أنه لا يناسب مع الفاعل إلا ذكر الآلة للتأثير لم يصرح به أحد من القوم ولا يتأتى التزامه في كل مكنية ألا تراك لو قلت إنّ مسافة القصر القريض ما زال يطويها حتى نزل ببابه على تشبيه المدح بمسافر أثبت له المسافة تخييلاً وما بعده ترشيحاً كانت استعارة حسنة، وليست قرينتها آلة لذلك الفاعل بل أمر من لوازمه، ولو تتبعت كلام البلغاء وجدت مثله يفوت العد، ويخرق سياج الحد مع أنه لو سلم ورد على ما اختاره فمانّ الإذاقة لا تناسب اللباس ظاهراً فتأمل.
قوله: (كقول ك! ير:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا غلقت لضحكته رقاب المال)
هذا البيت من شواهد العربية، وهو من قصيدة لكثير عزة مدح بها عمر بن عبد العزيز
رضي الله تعالى
عنه يقول إنه جواد لأنّ الغمر من الغمرة، وهي في الأصل معظم الماء وكثرته فاستعيرت للشدة والعطاء الكثير بل لكل كثير فالمعنى أنه كثير العطاء، وقيل كثير الدين لكثرة عطائه فوضع الرداء موضع الدين الذي يغمر الذمّة لأنّ كلا منهما كذلك أما الرداء فيغمر اللابس، وأما الدين فيغمر الذمة ومنه قول حكيم العرب من أراد الغنى فليخفف الردا أي ثقل الدين، وإذا تبسم ضاحكاً قيل معناه شارعاً في الضحك، وقال الفاضل اليمني معناه إذا ضحك تبسم أي إن ضحكه كله تبسم، وهو من أخلاق الكرام، والمعنى أنه إذا تبسم في وجه راجيه وجبت لهم رقاب ماله صارت لهم بمنزلة الرهن إذا غلق عند مرتهنه بأن استحقه وصار له إذا عجز الراهن عن تخليصه، وكان هذا معروفاً في الجاهلية، وإن لم يتعاقدا عليه كما في بيع الوفاء ففيه استعارة تبعية، وقال السيرافيّ معناه أنه إذا ضحك وهب ماله والمال عام لكل متموّل ويختص بالإبل في إطلاق كلامهم لأنها أكثر أموالهم فرقاب الأموال الإبل نفسها كقوله من أعتق رقبة أي عبداً، والغلق هنا بالغين المعجمة ضد الفتح، والمعروف الإحسان هنا. قوله:(النمر الذي هو وصف المعروف والنوال) نظراً إلى المستعار له كذا في الكشاف واعترض عليه بأنّ أهل اللغة نصوا على أنه يوصف به الثوب أيضاً كما يوصف به المنوال وكلاهما مجاز، وقد صرّح به في الأساس فبين كلاميه تدافع، وأجيب بأنه شاع في النوال وإن كان مجازاً فلا ينافيه استعماله في اللباس مجازا أيضاً وهذا لا يحسم مادّة الاشكال كرله إذا وصف به الثوب وأضيف إليه لم يكن تجريداً قال الفاضل اليمني بعدما قرر كلام الزمخشريّ قلت فيه عدول عن الظاهر
لأنّ الغمر ليس صفة حقيقية للنوال، والمعروف بل هو وصف للبحر المستعار أولاً للمعروف يقال غمره الماء يغمر. غمرا أي علا.، والغمر الماء الكثير فهو هاهنا تجريد للاسنعارة بعد أن كان ترشيحا وهذا المثال المستشهد به يشبه ما- في الآية في أنّ التجريد ليس تجريداً محضا انتهى وهذا هو تحقيق المقام بما تندفع به الأوهام، ونظيره من بعثنا من مرقدنا فتدبر. قوله:(ينارّعني ردائي عبد عمرو الخ) أراد بالرداء سيفه لأنه يتوشح به كما يتوشح بالرداء كما في الأساس وفي الإيضاح أنه أريد به السيف لأنه يصون صاحبه صون الرداء، والأوّل أظهر وسأل بعض الملاحدة ابن الأعرابي فقال أللتقوى لباس فقال نعم للتقوى لباس ولاباس، وإذا رحم الله الناس فلا رحم هذا الراس هب أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن نبيا ألم يكن عربياً، والاعتجار لف العمامة من غير إدارة تحت الحنك يقول يجاذبني سيفي الشخص المس! مى بعبد عمرو ويريد أن يأخذ. مني فقلت له رويدك أي تمهل فلي النصف الأعلى منه وهو ما كان منه بيمينه فخذ أنت النصف الآخر منه فلفه على رأسك ومعناه أنه يضر به، ومثله قول الآخر:
نقاسمهم أسيافنا شرّ قسمة ففينا غواشيها وفيهم صدورها
فالاعتجار ترشيح لاستعارة الرداء، وهو معنى قوله نظرا إلى المستعار والشطر النصف، والبعض من الشيء وقوله بصنيعهم أي مصنوعهم إشارة إلى أنّ ما موصولة والعائد محذوف أي يصنعونه، ويجوز أن تكون مصدرية، والباء سببية والضميران عائدان على المضاف المقدر في قوله ضرب الله مثلا قرية إذ تقديره قصة أهل قرية بعدما عاد إلى لفظها، وقيل إنه عائد على القرية مرادا بها أهلها فهو كقوله:{أَوْهُمْ قَالُوا} بعد قوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} . قوله: (عاد إلى ذكرهم) بعدما ذكر مثلهم هذا مبنيّ على المختار في تفسير قوله ضرب الله مثلا قرية من أنّ القرية ليست مكة بل قرية مفروضة ضرب بها الصثل فإنها ذكرت تمثيلاً لهم بما يشبه حالهم، ثم انتقل من التمثيل لهم للتصريح بحالهم الداخلة في التمثيل فلا وجه لقول أبي حيان رحمه الله تعالى أنه يتعين أن يراد بالقرية مكة لقوله:{وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ} وإذا أريد بها مكة فهو ظاهر المناسبة، والارتباط بما قبله. قوله:(أي حال اتجاسهأ بالظلم) بيان لأنّ الجملة الحالية ققتفي قلبسهم! وقو! ععتى--أثعامل فيها، وهو لا لنافي الاستمرار الذي لحفيل! الاسميه بل تقتضيه فلا وجه لما قيل إنّ الأظهر أن يقول حال استمرارهم على الظلم،
وقوله ما أصابهم من الجدب أي بمكة لأن السورة مكية أو وقعة بدر لتبادر القتل من العذاب، وهو لم يقع بمكة فيكون إخباراً بالغيب ولا ينافيه
كون الماضي مجازاً عن المستقبل المتحقق وقوعه كما توهم. قوله: (أمرهم بكل ما أحل الله لهم الخ) أمر وأحل تنازعا قوله الله، وما أحل من قوله حلالاً وهو حال من مالا مما دلت عليه من التبعيضية لتكلف الحال من الحرف بلا مقتض، وخصه لأنه لا يأمر بأكل الحرام، والطيب ما يستلذ، وقد يكون بمعنى الحلال في غير هذا، ومن ابتدائية أو تبعيضية والمقصود بهذا بيان ارتباطه بما قبله بالفاء، وقوله صذاً مفعول لأجله من قوله أمرهم أي صدا لهم عن فعله بعد ذلك أو عن الاستمرار عليه، وقوله وشكر ما أنعم توطئة لما بعده وقوله حل بهم مبنيّ على التفسير الأوّل. قوله:(تطيعون الخ (يعني أن هذه مرتبطة بما قبلها، ومؤكدة له فإعا أن تحمل على الطاعة لتطابق الأمر أو تجري على حقيقتها بناء على زعمهم الكاذب من أن الآلهة مقربة لله وشفعاء عنده فعبادتها عبادة له لأنه المستحق للعبادة وما عداه ذريعة له، وإنما أوّلت بهذا لأنهم لم يكونوا يخصون الله بالعبادة. قوله تعالى: ( {إِنَّمَا حَرَّمَ} الخ (مرّ تفسيره وقوله فمن اضطر أي دعته ضرورة المخمصة إلى تناول شيء من ذلك غير باغ على مضطر آخر ولا عاد متعد قدر الضرورة وسد الرمق فالته لا يؤاخذه بذلك، وقوله ليعلم مجهول علم أو معلوم أعلم، وقوله ما عداها حل لهم بكسر الحاء بمعنى حلال، وهذا بناء على أن الأصل الإباحة، والحرمة متوقفة على الدليل، وقوله ثم أكد الخ توطئة لما بعده وإنما كان تأكيداً لأنّ الحصر يفيد أنّ المحرتم والمحلل ما حرّمه الله، وأحله فغيره كذب منهي فالتصريح بالنهي عن الكذب يؤكده ولا ينافيه العطف كما مرّ مرارأ، وقوله كما قالوا الخ مر تفسيره في الأنعام. قوله: (ومقتضى سياق الكلام) وهو النهي عن التحليل، والتحريم بعد تعديد المحرمات والحصر، وليس هذا من السكوت في موضع البيان حتى يكون بيانا لأنه نفي لما عدا ما ذكر. قوله:(1 لا ما ضم) بصيغة المعلوم أي ضمه إليها دلي! آخر من السنة، وهو استثناء من مقدر متفرّع على ما قبله أي فتنحصر المحزمات فيما ذكر إلا ما ضمه الدليل وسكت عن الخيل للاختلاف في حرمتها كما فصل في الفقه، والحمر بضمتين جمع
حمار، والأهلية هي الحمر المركوبة لا الوحشية فإن قلت كيف يضم إليها ما ذكر مع الحصر المنافي له قلت هو لا ينافيه لأنه حصر إضافيّ بالنسبة إلى ما حرموه ولأنّ المذكورات لم تحرم في الماضي فتأمّل. قوله:(وانتصاب الكذب الخ) هذا توجيه لقراءة الجمهور بكسر الذال ونصب الباء، وقد وجهت بوجوه منها هذا، وهو أنه مفعول به، وقوله هذا حلال الخ بدل منه بدل كل، وقيل إنه مفعول مطلق فلا يكون هذا بدلاً منه لأنه مقول القول، وفيه نظر لأنه يجوز أن يكون بدل اشتمال، وهذا من إبدال الجملة من المفرد قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى، وهذا بناء على أنّ القول هل هو متعد أو لا، وما على هذا موصولة والعائد محذوف، والمعنى لا تقولوا هذا حلالط، وهذا حرام لما تصفه ألسنتكم بالحل، والحرمة فقدم الكذب عليه وأبدل منه، واللام صلة للقول كما يقال لا تقل للنبيذ أنه حلال أي في شأنه وحقه فهي للاختصاص، وسيأتي لها تفسير آخر، وفيه إشارة إلى أنه مجرد قول باللسان لا حكم مصمم عليه. قوله:(أو متعلق بتصف (أي بيان وتفسير له على إرادة القول أي تقديره بعده ليكون قوله هذا حلال وهذا حرام مقولاً ومعمولاً له والجملة مبينة ومفسرة لقوله تصف الخ لتصديرها بالفاء التفصيلية كما في قوله: {فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [سررة البقرة، الآية: 54] كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى ويحتمل أنه بيان لحاصل المعنى بلا تقدير وقيل إنه بتضمين القول أي قائلين ذلك واللام بحالها وقوله فتقولوا جواب النهي ولا تعقيد فيه كما في بيت الفرزدق كما توهم إذ لا تقديم ولا تأخير فيه وقوله لما تصفه إشارة إلى أنّ ما موصولة عائدها محذوف. قوله: (أو مفعول لا تقربوا) أي قوله هذا حلال وهذا حرام مقول القول، والكذب مفعول به لتصف فهو معطوف على قوله، وهذا حلال وهذا حرام بدل منه، وهي معطوفة على الاسمية قبلها لا حالط حتى يتوجه ما قيل إنه عطف على قوله أو متعلق لكنه مع ما عطف عليه كان تفصيلا متعلقا بقوله، وانتصماب الكذب بلا تقولوا وهذا ليس كذلك فالوجه عطفه على جملة، وانتصاب الكذب بلا تقولوا الخ بتقدير مبتدأ أي، وهو مفعول لا تقولوا ولا يتكلف توجيهه مع أنه ظاهر، وتردّد المعرب في جواز كون الكذب تنازع فيه تقولوا وتصف، واللام على هذا للتعليل، وبيان أنه فول لم ينشأ عن حجة ودليل كما أشار
إليه المصنف رحمه الله تعالى، وليس بتكرار مع قوله لتفتروا على الله الكذب لأنّ هذا لإثبات الكذب مطلقاً، وذلك لإثبات الكذب على الله فهو إشارة إلى أنهم لتمرنهم على الكذب اجترؤوا على الكذب على الله فنسبوا ما حللوه وحرّموه إليه. قوله:(ووصف ألسنتهم الكذب مبالنة الخ) هذا على جعل الكذب مفعول تصف ففيه
مبالغة لجعله عين الكذب ترقي عنها إلى أن خيل أنّ ماهية الكذب كانت مجهولة حتى كشف كلامهم عن ماهية الكذب، وأوضحها كما أشار إليه الرازي فتصف بمعنى توضح فهو بمنزلة الحد، والتعريف الكاشف عن ماهية الكذب فالتعريف في الكذب للجنس كأنّ ألسنتهم إذا نطقت كشفت عن حقيقته وعليه قول المعرّي:
سرى برق المعرّة بعد وهن فبات برامة يصف الكلالا
ونحوه نهاره صائم إذا وصف اليوم بما يوصف به الشخص لكثرة وقوع ذلك الفعل فيه، وكذلك وجهها يصف الجمال لأنّ وجهها لما كان موصوفا بالجمال الفائق صار كأنه حقيقة الجمال ومنبعه الذي يعرف منه حتى كأنه يصفه ويعرفه كقوله:
أضحت يمينك من جودمصوّرة لابل يمينك منها صوّرالجود
فهو من الإسناد المجازي أو نقول إنّ وجهها يصف الجمال بلسان الحال فهو استعارة مكنية، وعليه اقتصر في الكشف كأنه يقول ما بي هو الجمال بعينه ومثله وارد في كلام العرب والعجم هذا زبدة ما في شروح الكشاف وما في الآية أبلغ من المثال المذكور لما سمعت. قوله:(وقرئ الكذب بالجر الخ) تبع فيه أبا البقاء رحمه الله تعالى لكنه تسمح في قوله من ما إذ المبدل منه هي مع مدخولها، وفيه ردّ على الزمخشريّ إذ جعله نعتا لما المصدرية مع صلتها لأنّ المصدر المسبوك من أن، وما المصدرية مع الفعل معرفة كالمضمر لا يجوز نعته، وكذا أخواتهما فلا يقال أعجبني أن تقوم السريع بمعنى قيامك السريع. قوله:(والكذب (معطوف على ما قبله أي وقرئ الكذب بضم الكاف، والذال المخففة جمع كذوب كصبور وصبر أو جمع كذاب بكسر الكاف، وتخفيف الذال مصدر كالقتال وصف به مبالغة، وجمع على فعل ككتاب وكتب، وقيل إنه جمع كاذب كشارف وشرف، وقوله وبالنصب هي قراءة مسلمة بن محارب كما نقله ابن عطية رحمه الله تعالى وخرجت على وجوه أحدها أنها منصوبة على الشتم والذم، وهي نعت للألسنة مقطوع، والثاني أن يكون بمعنى الكلم الكواذب يعني أنها مفعول بها والعامل فيها إمّا تصف أو القول أي لا تقولوا الكلم الكواذب، والثالث أنه منصوب على أنه مفعول مطلق لتصف من معناه على أنه جمع كذاب المصدر ولبعده تركه المصنف رحمه الله تعالى وأعرب هذا حلال الخ. على ما مر ولا إشكال في إبداله لأنه كلم باعتبار مواده وكلامان ظاهراً. قوله: (تعليل لا يتضمن معنى النرض) يعني أنها لام الصيرورة والعاقبة المستعارة من التعليلية كما مر تحقيقه إذ ما صدر منهم ليس لأجل هذا بل لأغراض أخر يترتب عليها ما ذكر،
وقال المعرب يجوز أن تكون للتعليل ولا يبعد قصدهم لذلك، وهو بدل من لما تصف لأنّ وصفهم الكذب هو افتراء على الله أو متضمن له كما مر قاله أبو حيان رحمه الله تعالى، وهو على تقدير جعل ما مصدرية إمّا إذا كانت بمعنى الذي فاللام ليست للتعليل فيبدل منها ما يفهم التعليل، وإنما هي متعلقة بلا تقولوا على حدها في قولك لا تقولوا لما أحل الله هذا حرام أي لا تسموه بهذا الاسم وقد مر لها توجيه آخر قريب من هذا قيل، ولا مانع من إرادة التعليل على الموصولية أيضا. قوله:(لما كان المفتري) اسم فاعل أي الكاذب وقوله نفى عنهم الفلاح أي الظفر، والفوز بمطلوب يعتد به، وأمّا ما قصدوه فأمر قليل منقطع مفض إلى الخسران، والعذاب المخلد فلا عبرة به كما سيصرج، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله وبينه الخ. قوله:(أي ما يفترون لأجله) يشير إلى أنّ قوله متاع خبر مبتدأ محذوف تقديره ما ذكر لا متاع مبتدأ، وقليل خبره لأنّ النكرة لا يخبر عنها بدون مسوغ، وتأويله بمتاعها ونحوه بعيد، وقوله منفعة الخ تفسير لقوله متاع. قوله:(أي في سورة الأنعام) قيل، وفي هذه الآية دليل
على تقدم آية سورة الأنعام في النزول لا على لهقدم سورة الأنعام بتمامها كما ظن قلت هذا غفلة عما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في آخر سورة الأنعام من أنها أنزلت جملة واحدة فالقائل بنى كلامه على مدعي المصنف رحمه الله تعالى، وقد تقدم منا كلام فيه. قوله:(متعلق بقصصنا أو بحرمنا) بتقدير مضاف تقديره على الأوّل من قبل نزول هذه الآية، وكذا على الثاني ويحتمل أن يقدر فيه من قبل تحريم ما حرّم على أمّتك وهو أولى، ويجوز فيه التنازع، وقوله عوقبوا به أي بالتحريم عليه أي على ما عوقبوا به فالضمير الأوّل للتحريم، والثاني للموصول، والفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم أنّ هذه الأمّة لم يحرم عليها إلا ما فيه مضرة لها وغيرهم قد يحرم عليهم ما لا ضرر فيه عقوبة لهم بالمنع كاليهود قال تعالى:{فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا} الاية. قوله: (بسببها) فالباء للسببية والمراد بالجهالة السبب الحامل لهم على العمل كالغيرة الجاهلية الحاملة على القتل وغير ذلك، وقوله أو ملتبسين فهي للملابسة وقوله لتعم الجهل بالله وعقابه متعلق بتقدير ملتبسين تعليل له يعني أنه فسره بما ذكر فشمل الجاهل بما ذكر إذا عمل سوءاً لغلبة شهوته فسببه غلبة الشهوة، ويصدق! عليه أنه ملتبس بالجهالة المذكورة وعدم التدبر
بالنصب معطوف على الجهل، ولغلبة الشهوة متعلق بملتبسين، وقيل بقوله عملوا السوء وغيره منصوب معطوف على الافتراء. قوله:(من بعد التوبة الم يذكر الإصلاج كما في بعض التفاسير لأنه مندرج في التوبة وتكميل لها وليس شيئا آخر ثم نظم هذه الآية واعرابها كقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ} [سورة النحل، الآية: 110] فلذا ترك التعرّض له لقرب العهد، وقوله يثيب على الإنابة وهي التوبة أي تفضلاً منه فإنّ مقتضاها العفو لا الإثابة. قوله: (لكماله واستجماعه فضائل الخ) أي الأمّة أصل معناها الجماعة الكثيرة فأطلقت عليه لاستجماعه كمالات لا تكاد توجد في واحد بل في أمة من الأمم واستشهد عليها استشهاداً معنويا بالبيت المذكور، وهو لأبي نواس الشاعر المشهور من شعر يمدح به الفضل بن الربغ الوزير وهو: قولاً لهرون إمام الهدى عند احتفال المجلس الحاشد
نصيحة الفضل واشفاقه أخلى له وجهك من حاسد
بصادق الطاعة ديانها وواحد الغائب والشاهد
أنت على مابك من قدرة فلست مثل الفضل بالواجد
أوجده الله فما مثله لطالب ذاك ولا ناشد
وليس لله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
وقوله وليس لله روي ليس من الله كما في نسخ هذا الكتاب، والمشهور في الكتب الأدبية
ليس على الله ومستنكر بمعنى مستغرب فلا يقال الأحسن أن يقول ليس من الله بمستبدع، والبيت ظاهر غير محتاج للتفسير وقد تبعه كثير من الشعراء في هذا المعنى، وقوله وهو أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام رئي! الموحدين أي في عصره، وقوله قدوة المحققين لأنه أؤل من نصب أدلة التوحيد فقوله الذي الخ بيان له والزائغة المائلة عن السداد وقوله بالحجج الدامغة أي التي تلزم الخصم بحيث لا يقدر على الجواب مجاز من دمغه إذا شجه شجة بلغت دماغه. قوله: (ولذلك عقب ذكره بتزييف (في نسخة بالباء وفي أخرى بدونها وعلى الثانية فهو بالتشديد من قولهم عقبه إذا خلفه ثم تعدى بالتضعيف إلى مفعولين، ويجوز رفع ذكره فإنه يقال عقبه تعقيبا إذا جاء بعقبه أي بعده فمن قال إنّ هذا مبنيّ على ترك الباء في تزييف، ولم أجده في النسخ لا يلتفت إليه لأنه موجود في نسخ مصححه عندنا، وعلى الأولى قيل إنه من القلب
والأصل عقب تزييف مذاهب المشركين بذكره، وهو تكلف يؤيد أن تلك النسخة هي الصحيحة والتزييف الرد والإبطال مستعار من زيف الدراهم إذ جعلها زيوفا لا تروج، وهذا إشارة إلى ما مرّ في سورة الأنعام، وقوله من الشرك الخ إشارة إلى ما سبق في النظم. قوله: (أو لأنه كان وحده مؤمناً الخ الأنه عليه الصلاة والسلام
قال لسارة: " ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك " كما في البخاري، ومن معاني الأمة كما في القاموس من هو على الحق مخالف لسائر الأديان، وهذا التفسير مرويّ عن مجاهد والظاهر أنه مجاز بجعله كأنه جميع أهل ذلك العصر لأنّ الكفرة بمنزلة العدم.
قوله: (وقيل هي فعلة الخ) الرحلة بضم الراء، وسكون الحاء المهملتين، وهو الشريف
ونحوه مما يرحل إليه فهو بمعنى مرحول إليه، والنخبة بضم النون، والخاء المعجمة والباء الموحدة المنتخب المختار فهو على هذا بمعنى مأموم أي مقصود أو مؤتم به بمعنى مقتدي به في سيرته والآية ظاهرة في الثاني، وقيل إنها تحتملهما قال في الانتصاف ويقوي هذا الثاني قوله:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [سورة النحل، الآية: 23 ا] أي كان أمة يؤمه الناس ليقتبسوا منه الخيرات، ويقتفوا بآثاره المباركة حتى أنت على جلالة قدرك قد أوحينا إليك أن اتبع ملته واقف سيرته اهـ. قوله:(مائلَا عن الباطل) أصل معنى الحنف الميل الحسي، ونقل إلى المعنوفي وهو يتعدى بالى إلى الجانب المرضي المأخوذ وبعن إلى المتروك، وأحدهما مستلزم للآخر، ولذا فسر. في الكشاف بالمائل إلى ملة الإسلام غير الزائل عنها، وما فسره به المصنف رحمه الله تعالى غير مخالف له لأنّ من مال عن الباطل وأعظمه الكفر مال إلى الحق وأعلاه الإسلام، والعقائد الحقة وإنما اختاره المصنف رحمه الله تعالى لئلا يتكرر مع ما قبله فمن قال تفسير الزمخشريّ هو الموافق للغة لم يأت بشيء. قوله:(كما زعموا الخ) تنبيه على أنّ فائدته الرد على هؤلاء وإلا لم يفد ذكره، وقوله للتنبيه الخ إشارة إلى أنه عبر به لأنه يعلم منه غيره بالطريق الأولى فلا حاجة إلى استعارة جمع القلة للكثرة، وهذا الجار والمجرور يتعلق بشاكراً ويجوز تعلقه باجتباه، واجتباه إمّا حال وإمّا خبر آخر لكان والى صراط يجوز تعلقه باجتباه، وهداه على التنازع واجتباه بمعنى اصطفاه، واختاره، وقوله في الدعوة إلى الله تعالى في الكشاف في الدعوة إلى ملة الإسلام قيل، وما فعله المصنف رحمه الله تعالى خال من
الإعادة فتأمله. قوله: (بأن حببه إلى الناس الخ) أي جعله محببا في قلوبهم فهم يتولونه أي يجعلونه والياً أي مقتدى به في هديه، وسيرته فحسنة بمعنى سيرة حسنة، وعلى ما بعده فالمعنى عطية، ونعمة حسنة وقوله لمن أهل الجنة أي المستحقين لها، ولمقاماتها العلية فعلى هذا قوله ألحقني بالصالحين أي احشرني مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الدرجات العلى فلا يقال وصف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالصلاح لا يعد مدحا، ولذا قيل المراد بالصالحين الكاملون في الصلاج كما في قوله تعالى:{أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة البقرة، الآية: 5] . قوله: (وثم إمّا لتعظيمه الخ) يعني أنّ ثم إمّا للتراخي في الرتبة فتكون دالة على التعظيم، وقد صرح صاحب الانتصاف أنها لتعظيم المعطوف فلينظر هل تكون لتعظيم المعطوف عليه أيضا، وتحقيقه كما قال المدقق في الكشف إن فيه تعظيما لا يدرك كنهه إما للإيذان بأنّ أشرف ما أوتي خليل الله صلى الله عليه وسلم أتباعه له لدلالة ثم على تباين هذا المؤتي، وسائر ما أوتي من الرتب والمآثر، وأما تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث إن الخليل عليه الصلاة والسلام مع علو مقامه أجل ما أونيه اتباع نبينا صلى الله عليه وسلم له ثم الأمر باتباع الملة دون اتباع الخليل عليه الصلاة والسلام إشارة إلى استقلاله في الأخذ عمن أخذ عنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذا من بدائعه رضي الله تعالى عنه، ثم إنّ تخصيص إبراهيم عليه الصلاة والسلام دون غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام صريح في جلالته بكل وجه، فلا يرد عليه أنه تفوت الدلالة على جلالة المؤتى في الوجه الثاني كما قيل، وقوله أو لتراخي أيامه فهي على حقيقتها، وقدّم الأوّل لأنه أبلغ، وأنسب بالمقام. قوله:(في التوحيد والدعوة الخ) أي لا في الشراثع، والأحكام فإنه لم يؤمر بذلك قيل الدين والملة، والشريعة متحدة بالذات مختلفة بالاعتبار كما بين في محله فكون ما ذكر بعد التوحيد من الملة محل بحث، وجهة أنه ليس داخلاً في مفهومها ما ذكر من إيراد الدلائل، ونحوه على تفسيرهم ولا بأس في تسمية ما يتوقف عليه تبليغ التوحيد توحيداً كما يسمى الكلام علم التوحيد مع ما فيه من الأدلة، ومثله سهل. قوله:) تعظيم السبت أو التخلي فيه للعبادة الما كان استعمال جعل في كلام العرب على وجهين فتارة
يتعدى إلى مفعولين وأخرى إلى واحدة فتعديه، إلى الثاني بعلى غير متعارف أوّلت الآية بوجهين الأوّل تقدير
مضاف، وهو وبال السبت والوبال عاتم أو هو المسخ أي جعل الله، وبال السبت كائنا أو واقعأ على هؤلاء فهي متعدية لمفعولين، وأتى بعلى لاقتضاء الأوّل لها، وقيل إنّ الحال على هذا متعلق بالمضاف المقدر والثاني أن يضمن جعل معنى فرض وإليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله تعظيم الخ. والأظهر أن يقول كما في الكشاف فرض عليهم تعظيمه، وترك الاصطياد، والتخلي للعبادة لأن التعظيم والتخلي لا يتعديان بعلى وليس في كلامه ما يقتضي أن السبت في الآية مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها، وان كان ورد بهذا المعنى وبمعنى اليوم المخصوص. قوله:(على ئبيهم وهم اليهود) الجار والمجرور متعلق باختلفوا، وفيه مخالفة للزمخشري بجعل ما اختاره مرجوحا، وقد أورد عليه بحث، وهو أن السبت فرض على المختلفين على نبيهم وعلى غير المختلفين عليه أيضأ، والقول بأنهم كلهم اختلفوا ممنوع، والمثبت مقدم على النافي، وفي بعض نسخ القاضي هنا إلا طائفة منهم، وهي تقتضي أنهم لم يختلفوا كلهم (أقول (إن المصنف رحمه الله تعالى تبع الإمام فيما ذكره، وتحقيقه على ما في شروح الكشاف إن الاختلاف إفا أن يقع بينهم بأن يكون فرقة منهم محرمة للسبت، وأخرى محللة له أو يقع من جميعهم بأن يكونوا جميعاً محرمين تارة، ومحللين أخرى لأن الاختلاف كما يقع بين المتنازعين، وهو المعروف الذي فسر به قوله ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون فإنه المتبادر يقع بين الفعلين، وإن لم يقع بين قومين بل وقع من الجميع باعتبار زمانين، وهو المراد هنا على ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى لأنه مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال معنى اختلفوا فيه اختلفوا على نبيهم في ذلك حيث أمرهم بالجمعة فاختاروا السبت لأنّ اختلافهم في السبت كان اختلافهم على نبيهم في ذلك اليوم، وأيده الطيبي رحمه الله بما روى البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون الشابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتبناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم يوم الجمعة فاختلفوا فهدانا الله له فالناس لنا تبع فيه اليهود غدا والنصارى بعد غد " فلما أمر الله محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمتابعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقد اختار الجمعة قبل فلما اختار اليهود السبت فقيل إنما جعل السبت الخ فمعنى اختلفوا فيه خالفوا جميعهم نبيهم فهو اختلاف بينهم، وبين نبيهم فإذا كان هذا تفسير رئيس المفسرين المروي من طرق صحيحة عن أفضل النبيين صلى الله عليه وسلم علم أنّ منعه لا يسمع، وأنّ النسخة المشهورة هي الصحيحة، والى ما ذكر أشار المصنف رحمه الله بقوله أمرهم. قوله:) فرغ فيه من خلق السماوات الأرض! (يعني أنه تعالى لما خلق العالم في ستة أيام بدأ الخلق في يوم الأحد، وأتمه
في يوم الجمعة فكان يوم السبت يوم الفراغ، وقالت اليهود نحن نوافق ربنا في ترك الأعمال في السبت، وقالت النصارى يوم الأحد مبدأ الخلق فنجعله عيداً لنا، وقلنا نحن يوم الجمعة يوم التمام، والكمال فهو أحق بالسرور والتعظيم كما روي وقوله فألزمهم الله السبت هو مصدو بمعنى تعظيم ذلك اليوم، وقوله وشدد الأمر عليهم بوجوب ترك العمل والاصطياد فيه عليهم لمخالفة نبيهم في الجمعة كما مر ولا حاجة إلى أن يقال إنّ البلوى عمت لغير المختلفين كما قيل. قوله:(وقيل معناه إنما جعل وبال السبت الخ) قد مر بيان إعرابه، وقوله وهو المسخ تفسير للوبال أي، وبال ترك السبت فالمعنى على أنه مصدر سبتت اليهود إذا عظمت ذلك اليوم أو وبال ترك تعظيم السبت على أنه اسم اليوم، ويؤيده قوله فأحلوا الصيد فيه أي في يوم السبت إلا أن يحمل على الاستخدام، وهو خلاف الظاهر هنا، ولذا اختاره الفاضل المحشي فلا وجه لرذه وعلى هذا للمضرة، وهذا رد على الزمخشري فيما اختاره، وقد عرفت وجهه، والحيل جمع حيلة، وقد مرت مفصلة في البقرة. قوله:) وذكرهم (يعني اليهود وما وقع منهم في أمر السبت على وجه التمثيل للمشركين والتهديد لهم بما في مخالفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الوبال كما ذكرت القرية التي كفرت بأنعم الله تمثيلا وهذا على القول الثاني لذكر الوبال فيه تقديراً، وأمّا على الأوّل فلما مر من أنه جواب عما يقال من طرفهم من أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان مأموراً باتباع إبراهيم عليه الصلاة والسلام فما باله لم يعظم السبت
وهو من ملته على زعمهم كما صرح به الإمام. قوله: (بالمجازاة على الاختلاف الخ (قد مر أن الاختلاف هنا على وجهين، وأنّ الاختلاف السابق غير الاختلاف الذي هنا، وان كان الظاهر جعلهما على نسق واحد فتدبر فالمجاز بإثابة من لم يختلف، وعقاب غيره، وبين كلامه وكلام الزمخشري هنا مخالفة لما عرفت. قوله: (ادع من بعثت إليهم (، وفي نسخة إليه رعاية للفظ من وفيه إشارة إلى أنّ المفعول محذوف للدلالة على التعميم لعموم بعثته فلا يناسب المقام تنزيله منزلة اللازم كما لا يناسب قوله وجادلهم، وكون الإسلام سبيل الله ظاهر لأنه الطريق المستقيم. قوله: (بالمقالة المحكمة) أي الحجة القطعية المزيحة للشبهة، وقريب منه أن الحكمة هي الكلام الصواب الواقع من النفس أجمل موقع، وقوله وهو الدليل ذكر فيه ضمير
المقالة رعاية للخبر أو لعدم اعتبار تأنيث المصدر لتأويله بمصدر مذكر أو بأن والفعل، والمزيح بالزاي المعجمة بمعنى المزيل والخطابات بفتح الخاء المعجمة جمع خطابة بفتحها على ما صرح به في القاموس، وغيره ويجوز فيه الكسر والخطابة هي إيراد الكلام في الدعاء إلى الاغراض، ونصر ما يقصده في المحافل العامّة، وهي كالخطبة، والمقنعة من الإقناع، وهو إيراد ما يقنع به المخاطب، وان لم يكن ملزماً كالمقدمات الإقناعية، ولذا خص الأوّل بالخواص، والثاني بالعوام كما في الأثر خاطبوا الناس على قدر عقولهم، وقوله وجادل معانديهم قدر فيه المضاف لأنّ الجدار إنما يحتاج إليه المعاند، وقوله التي هي أشهر فهي لشهرتها تكون مسلمة عندهم لا يمكن إنكارها بخلاف المقدمات المموهة الباطلة فإنّ الجدل بها ديدن المبطلين. قوله:(وتبيين شغبهم (الشغب بفتح الغين المعجمة، وتسكن، وهو الأكثر ولا عبرة بمن أنكر الفتح كالحريري في الدرة، وغيره وهو تهييج الشر والمراد به هنا الشرّ، والفساد. قوله: ( {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} الآية) هو ضمير فصل للتقوية أو للتخصيص، والثاني هو الظاهر من كلام المصنف رحمه الله تعالى وان احتمل غيره، وقوله وهو أعلم عطف على جملة أن أو على خبرها وايثار الفعلية في الضلال، والاسمية في مقابلته إشارة إلى أنهم غيروا الفطرة بإحداث الضلال، ومقابلوهم استمرّوا عليها، وتقديم أهل الضلال لأنّ الكلام فيهم. قوله:) أي إنما عليك البلاغ الخ) قيل إنه يعني فلا تلح عليهم إن أبوا بعد الإبلاغ مرة أو مرتين مثلا {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} فمن كان فيه خير كفته النصيحة اليسيرة ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل كما في الكشاف لا أنّ المعنى فلا تعرض! فما عليك باس من إيمانهم فاندفع كما قيل إنّ دلالة الآية على الثاني، وهو المجازاة مسلمة وأفا إنّ حصول الضلالة، والهداية ليس إليه فالآية لا تدل عليه نفياً، واثباتاً لأنه إنما نشأ من تفسيره بما ذكر اهـ، ولا يخفى أنّ ما فسره به هذا القائل أحسن مما في الكشاف فإنّ قوله وجادلهم ناطق بخلافه، وأمّا ما أورده عليه فغيروا رد لأنه إذا انحصر علم الهداية والضلال فيه تعالى علم أنه لا يكون لغيره علمها فكيف يكون له حصولها وهو في غاية الظهور فلا يصح عدم دلالة الآية على ما ذكر، وقوله لا إليك معناه فلا يفوّض إليك فحذف المنفي لدلالة متعلقه بقرينة السياق عليه، وقوله وهو المجازي لهم يعلم من علم الله به كما مر مراراً فلا تغفل ولذا أدرج فيه قوله، والمجازاة بالجرّ عطفاً على المضاف إليه أو بالرفع عطفاً على المضاف. قوله:( {بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) } المفاعلة ليست هنا للمشاركة والعقاب في العرف مطلق العذاب، ولو ابتداء، وفي أصل اللغة المجازاة على عذاب سابق لأنها ما يقع عقب مثله فإن اعتبر الثاني فهو مشاكلة، وسماها الزمخشري مزاوجة، وهي خلاف ما اصطلح عليه في البديع، وان اعتبر الأوّل فلا ماكلة فيه، ولذا لم يذكرها المصنف رحمه
الله تعالى فمن قال لا وجه للمشاكلة لم يصب. قوله: (لما أمره بالدعوة وبين له طرقها الخ (قال الإمام هذا هو الوجه الصحيح الذي يجب حمل الآية عليه ليرتبط بما قبله، وأما الوجه الآتي فبعيد جداً لما فيه من عدم الارتباط المنزه عنه كلام رب العزة، وعلى هذا تكون هذه الآية مكية كما قاله ابن النحاس، وعلى الثاني تكون مدنية كما صرح به المصنف رحمه الله تعالى في قوله في أوّل السورة إنها مكية إلا ثلاث آيات في آخرها فهي مدنية (أقول) كون هذه الآية مدنية كما صرح به المصنف، وكون سبب نزولها قصة حمزة رضي الله عنه مصرح به في كتب الحديث، والتفسير ومروي عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم كما في تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر، وقال القرطبي: أطبق
أهل التفسير على أنّ هذه الآية مدنية نزلت في شأن حمزة رضي الله عنه والتمثيل به، ووقع ذلك في صحيح البخاري فلا وجه لما ذكره الإمام، وأما ما ذكره من سوء الترتيب، وعدم الارتباط فليس بشيء فإنّ ذكر هذه القصة للتنبيه على أنّ الدعوة لا تخلو من مثله، وأنّ المجادلة تجر إلى المجادلة فإذا وقعت فاللائق ما ذكر فلا فرق بينه وبين الوجه الأوّل بحسب المآل، وخصوص السبب لا ينافي عموم المعنى، وتفسيره بما مر، وقوله شايعه بالشين المعجمة، والعين المهملة أي من اتبعه وعد من شيعته، وفي نسخة تابعه بالمثناة، وهي بمعناها يعني أنّ الله تعالى أشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه بما ذكر، وقوله المخالقة ضبط بالخاء المعجمة والقاف أي التخلق والاتصاف به في معاملة الخلق، ولو قرئت بالفاء كان له وجه، وقوله يناصبهم بالصاد المهملة بمعنى يعاديهم ويحاربهم، وقد يخص النصب في العرف بعداوة علي، وبغضه رضي الله عنه ومنه الناصبة، وقوله من حيث إنها أي الدعوة، ورفض وفي نسخة رفع بمعنى ترك أي تتضمن التكليف بذلك، وقوله والقدح أي الطعن في دين أسلافهم في الجاهلية وهو معطوف على المقدر قبل رفض أو هو معطوف عليه. قوله:(وقيل الخ) تبع في تضعيفه الإمام وقد عرفت أنه لا وجه له كما مر، وقوله قد مثل به مجهول مشدد من المثلة وهي القتل بما يخالف المعتاد أو فعل مثله بعد القتل، وقد شق بطن حمزة رضي الله عنه وأخرج قلبه، وقوله بسبعين حذف مميزه وهو رجلاً للقرينة عليه، وقوله مكانك خطاب لحمزة رضي الله عنه لتنزيله منزلة الحي لكونه سيد الشهداء وقوله فكفر عن يمينه إن قيل بتجويز الكفارة قبل الحنث فظاهر، والا فالفاء فصيحة أي فأظفره الله بهم فكفر الخ. قوله:(وفيه دليل على أنّ الخ) المقتص اسم فاعل القصاص، ومماثلة الجاني أن يفعل به
مثل ما فعل في الجنس والقدر، وأمّا اتحاد الآلة بأن يقتل بحجر من قتل به وبسيف من قتل به فذهب إليه بعض الأئمة ومذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا قود إلا بالسيف فإن قلت هذه الآية صريحة في خلاف مذهبه فما معناها عندهم قلت القتل بالحجر، ونحوه لا يمكن مماثلة مقدأره شدة، وضعفاً فاعتبرت مماثلته في القتل، وازهاق الروج والأصل فيه السيف كما ذكره الرازي في أحكامه، وقد اختلف في هذه الاية فأخذ الشافعي بظاهرها وأجاب الحنفية بأن المماثلة في العدد بأن يقتل بالواحد واحد لقول النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لأمثلن بسبعين منهم لما قتل حمزة " فنزلت هذه الآية فلا دليل فيها، وقال الواحدي أنها منسوخة كغيرها من المثلة وفيه كلام في شرح الهداية، وقهوله يجاوزه معناه يزيد في مقداره. قوله:(وحث على العفو تعريضاً الما في أن الشرطية من الدلالة على عدم الجزم بوقوع ما في حيزها فكأنه قا أط لا تعاقبوا وان عاقبتم الخ كقول طبيب! لمريض ساله عن أكل الفاكهة إن كنت تأكل الفاكهة فكل الكمثري، وقوله على الوجه الآكد بالمد أفعل تفضيل أي اكثر توكيداً لما فيه من القسم المقدر والجواب بالاسمية والتنصيص على الخبرية وفي الأوّل توكيد لما في كلمة الشرط من جعله مما يشك في وقوعه مع التعريض الذي قد يكون أبلغ من التصمريح وان عاقبتم بمعنى إن أردتم العقاب، وقوله للصبر إشارة إلى أنه من باب اعدلوا هو أقرب للتقوى، وفي نسخة أي الصبر. قوله: (للصابرين) في الكشاف المراد بهم المخاطبون فالتعريف للعهد وضع فيه الظاهر موضع المضمر، والصبر الراجع إليه الضمير صبرهم أيضاً ثناء من الله عليهم بأنهم صابرون في الشدائد فالصبر من شيمهم فلا يتركونه إذن في هذه القضية، ونحوها أو وصفهم بالصفة التي تحصل لهم إذا صبروا على المعاقبة فهو على حد من قتل قتيلاً أو الضمير لجنس الصبر الدال عليه صبرتم، والمراد بالصابرين جنسهم فيدخل هؤلاء دخولاً أوليا قيل، وكلام المصنف رحمه الله تعالى ظاهر في هذا، واختاره لما فيه من العموم، وفيه نظر. قوله:(صرح الأمر به) متعلق بالأمر، واستعمل صرح متعدياً بنفسه لأنه يقال صرح الأمر، وصرح به إذا كشفه، وبينه متعديا ولازما كما صرح به أهل اللغة أي خص! الرسول صلى الله عليه وسلم دون من معه بالتصريح بالأمر بالصبر وعلم أمر غيره به ضمنأ من قوله:{وَلَئِن صَبَرْتُمْ} الخ، وفي قوله علمه بالله ما يدل على أنه يصح أن يقال علمت الله كعرفت الله، وقد بيناه في محل آخر، وقوله وثوقه عليه أي اعتماده
عليه، ولذا عداه بعلى وان كان الظاهر به وقوله بتوفيقه يعني أنه فيه مضاف مقدر لاقتضاء المعنى له، وقوله على الكافرين أي على كفرهم، وعدم
هدايتهم، وقيل على أزاهم. قوله:(في ضيق صدر الخ (فيه استعارة تبعية في أداة الظرفية كما يقال زيد في نقمة لجعله النقم، ونحوها من الغموم لشدته كأنه لباس أو مكان محيط به، وقيل إنه من القلب الذي شجع عليه أمن اللبس لأن ضيق الصدر وصف في الإنسان، وليس الإنسان فيه، وقد تضمن من اللطف ما حسته، وهو أن الضيق عظم حتى صار كالشيء المحيط به من جميع الجوانب، وهو في المعنى كالأوّل إلا أنه لا داعي إلى ارتكاب القلب مع الاستغناء عنه بما مر، وقوله من مكرهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية، وقوله وهما لغتان أي الفتح الذي هو مشهور، والكسر المقروء به فهما مصدران كالضرب، والكبر والقول والقيل، وقوله هنا متعلق بقرأ أو هو صفة، وأصله ضيق مخفف كميت، وميت أي في أمر ضيق ورده الفارسي بأنّ الصفة غير خاصة بالموصوف فلا يجوز ادعاء الحذف ولذلك جاز مررت بكاتب وامتنع باكل، وهو ممنوع لأنه إذا كانت الصفة عامة وقدر موصوف عام فلا مانع منه، وقوله المعاصي بيان لمفعوله المقدر، وسيأتي له تقدير آخر، ويدخل فيها زيادة العقاب ويجوز تنزيله منزلة اللازم. قوله: (في أعمالهم الخ) يعني أن ما قبله تخلية وهذا تحلية، وقوله بالولاية أي يتولى أمورهم، وكفايتها والفضل الإحسان، والجار والمجرور متعلق بما تعلق به مع بيان المعية وفيه لف ونشر، وقوله أو مع الذين اتقوا الله أي خافوه، والمعنى خافوا عقابه، وأشفقوا منه فشفقوا على خلقه بعدم الإسراف في المعاقبة، وهذا التفسير مناسب لما قبله أتم مناسبة والإحسان على الأوّل بمعنى جعل الشيء حسنا، وعلى الثاني ترك الإساءة كما قيل:
ترك الإساءة إحسان وإجمال
والحديث المذكور وقع في التفاسير مرويا عن أبيئ بن كعب رضي الله تعالى عنه، وهو موضوع كما قاله العراقي تصت هذه السورة بحمد الله وعونه.
تم الجزء الخامس ويليه الجزء السادس أوّله سورة الإسراء