الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَنَحْنُ الْآنَ نَأْخُذُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عز وجل بِتَأْيِيدِهِ وَعَوْنِهِ فِي إِيرَادِ مَا يَظُنُّهُ الظَّانُّ أَنَّهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ مُعْتَرِضٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَأَثْبَتْنَا، وَمُبَيِّنُونَ وَجْهَ نَفْيِ التَّعَارُضِ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ حَتَّى يَلُوحَ الِاتِّفَاقُ فِيهَا بَيْنَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ عز وجل نَعْتَصِمُ وَنَتَأَيَّدُ
الْبَابُ الْأَوَّلُ: تَارِيخُ خُرُوجِهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ إِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ قُلْتُمْ: إِنَّ خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ؟
217 -
وَقَدْ حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَمْرَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمْسٍ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ لَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ، وَذَكَرَتْ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ: قَدْ ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: أَتَتْكَ وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ. قُلْنَا لَهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ أَيْضًا قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ
⦗ص: 231⦘
، وَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ. فَلَمَّا اضْطَرَبَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَرَى، رَجَعْنَا إِلَى مَنْ لَمْ تَضْطَرِبِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَهُمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فَوَجَدْنَا ابْنَ عَبَّاسٍ ذَكَرَ أَنَّ انْدِفَاعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ بَعْدَ أَنْ بَاتَ بِهَا كَانَ لِخَمْسٍ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ، وَذَكَرَ عُمَرُ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ يَوْمُ جُمُعَةٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَنْهُمَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ فِي فَصْلٍ ذَكَرْنَا فِيهِ يَوْمَ خُرُوجِهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَغْنَى عَنْ تِكْرَارِهَا. فَإِذَ قَدْ صَحَّ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنَّ اسْتِهْلَالَ ذِي الْحِجَّةِ حِينَئِذٍ كَانَ لَيْلَةَ يَوْمِ الْخَمِيسِ لِسِتٍّ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ. وَيُزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ أَيْضًا وَيَقُولُ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، وَأَهَلَّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا. فَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ لَكَانَ بِلَا شَكٍّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُصَلَّى أَرْبَعًا، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَسٌ أَنَّهُمْ صَلُّوا الظُّهْرَ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا. فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَائْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ وَعَلِمْنَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها لِخَمْسٍ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ إِنَّمَا عَنَتِ انْدِفَاعَهُ عليه السلام مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَلَيْسَ بَيْنَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْمَدِينَةِ إِلَّا أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ فَقَطْ، فَلَمْ تُعَدَّ هَذِهِ
⦗ص: 232⦘
الْمَرْحَلَةُ الْقَرِيبَةُ لِقِلَّتِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِهَذَا تَتَآلَفُ جَمِيعُ الْأَحَادِيثِ وَيَنْتَفِي التَّعَارُضُ عَنْهَا، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
وَيُزِيدُ مَا قُلْنَا وُضُوحًا:
219 -
مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، كَانَ يَقُولُ: لَقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ إِلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ
220 -
حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ. فَبَطَلَ خُرُوجُهُ عليه السلام، يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ أَنَسٍ، وَبَطَلَ خُرُوجُهُ عليه السلام يَوْمَ السَّبْتِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ حِينَئِذٍ خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ مَبِيتُهُ عليه السلام بِذِي الْحُلَيْفَةِ اللَّيْلَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ مِنْ يَوْمِ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَكُونُ انْدِفَاعُهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَصَحَّ مَبِيتُهُ عليه السلام بِذِي طُوًى لَيْلَةَ يَوْمِ دُخُولِهِ عليه السلام مَكَّةَ، وَأَنَّهُ عليه السلام دَخَلَهَا
⦗ص: 233⦘
صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
233 -
فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مُدَّةُ سَفَرِهِ عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ وَتَسْتَوْفِي عَلَى مَكَّةَ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ لِذِي الْحِجَّةِ وَفِي اسْتِقْبَالِ اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ، فَتِلْكَ سَبْعُ لَيَالٍ لَا مَزِيدَ. وَهَذَا خَطَأٌ بِإِجْمَاعٍ، وَأَمْرٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فَصَحَّ أَنَّ خُرُوجَهُ عليه السلام كَانَ لِسِتٍّ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ، وَتَآلَفَتِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا، وَانْتَفَى الِاعْتِرَاضُ عَنْهَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَالْمُلْكُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا