الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَابُ الثَّالِثُ: الِاخْتِلَافُ فِي: أَيْنَ صَلَّى صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ يَوْمَ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَثَانِيَ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَدْ ذَكَرْنَا، أَوَّلَ كِتَابِنَا هَذَا، قَوْلَ أَنَسٍ أَنَّهُمْ صَلُّوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ خُرُوجِهِ إِلَى
حَجَّةِ الْوَدَاعِ
248 -
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ رحمه الله: فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَذْكُرُ كَمَا تَرَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ فِي ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَنَسٌ يَذْكُرُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ
⦗ص: 252⦘
، وَكِلَا الطَّرِيقَتَيْنِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَكُنَّا تَوَهَّمْنَا أَنَّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ وَهْمٌ، أَوْ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَأَعْمَلْنَا النَّظَرَ فِي ذَلِكَ، فَتَأَمَّلْنَا الرِّوَايَتَيْنِ وَنَظَرْنَا فِيهِمَا، فَوَجَدْنَا أَنَسًا أَثْبَتَ فِي هَذَا الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ حَضَرَ ذَلِكَ، بِقَوْلِهِ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، فَهُوَ أَثْبَتُ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: ذِكْرُهُ الْحُضُورَ لِذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عَبَّاسٍ حُضُورًا وَالْحَاضِرُ أَثْبَتُ بِلَا شَكٍّ إِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ طَلَبِ الْأَثْبَتِ مِنْهُمَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي إِخْبَارُ أَنَسٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهَذِهِ صِفَةُ صَلَاةِ الْحَضَرِ بِلَا شَكٍّ، وَلَوْ صَلَّاهَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ لَصَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ، فَصَحَّتْ رِوَايَةُ أَنَسٍ كَمَا قُلْنَا، وَإِنَّمَا دَخَلَ الْوَهْمُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ لِصِغَرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ ابْنَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ بِشُهُورٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِي بَابِ تَقْدِمَةُ الضُّعَفَاءِ إِلَى مِنًى مِنْ مُزْدَلِفَةَ، فَقَدْ رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ مَعَ الثَّقَلِ أَنَّهُ عليه السلام قَدْ أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَأَنَسٌ الْمَشَاهِدُ لِذَلِكَ أَثْبَتُ بِلَا شَكٍّ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله: ثُمَّ تَدَبَّرْنَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا فَوَجَدْنَاهُ لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ أَنَسٍ أَصْلًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلِ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ الْمَذْكُورَةِ كَانَتْ يَوْمَ خُرُوجِهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ، لَكِنَّ أَنَسًا ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ، وَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِسِتٍّ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ، كَمَا قَدَّمْنَا، ثُمَّ خَرَجَ عليه السلام بَعْدَ الظُّهْرِ إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ الْمَذْكُورِ وَصَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ الْعَصْرَ، وَبَاتَ بِهَا عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي صِفَةِ خُرُوجِهِ عليه الصلاة والسلام مِنَ
⦗ص: 253⦘
الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، إِنَّمَا عَنَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ مِنْ خُرُوجِهِ عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ، فَانْتَفَى التَّعَارُضُ الَّذِي ظَنَنَّاهُ، فَصَحَّ أَنَّ الْخَبَرَيْنِ إِنَّمَا هُمَا عَنْ ظُهْرٍ مِنْ يَوْمَيْنِ لَا مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ فِي الْبَابِ الَّذِي تَرْجَمْتُهُ، وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَطَافَ عليه السلام عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَصَلَّى بِهَا الصُّبْحَ
249 -
أَتَيْنَا بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ ابْنِ رَاهَوَيْهِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ الْحُمْرَانِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ بِالْبَيْدَاءِ، ثُمَّ رَكِبَ وَصَعِدَ جَبَلَ الْبَيْدَاءِ وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُقَوِّيًا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْيَوْمِ أَنَّهُ كَانَ الْجُمُعَةَ، إِذْ قَدْ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ إِثْرَ الصَّلَاةِ كَانَ الْإِحْرَامُ، وَالْإِحْرَامُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْخَمِيسِ بِيَقِينٍ، إِذْ قَدْ ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ الْبَابِ مَبِيتَهُ عليه السلام بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَطَوَافَهُ عَلَى نِسَائِهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، لَا سِيَّمَا أَنَّهُمَا قَدْ ذَكَرًا أَنَّ الْإِحْرَامَ كَانَ إِثْرَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَإِثْرَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ؛ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ. فَصَحَّ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاتَّفَقَ الْحَدِيثَانِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ نَظُنَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ مُعَارِضٌ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْبَيْدَاءِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ذَلِكَ النَّهَارَ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا لَا يُعَارِضُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْدَاءَ وَذَا الْحُلَيْفَةِ مُتَّصِلَانِ بَعْضُهُمَا بِبَعْضٍ، فَصَلَّى عليه الصلاة والسلام الظُّهْرَ فِي آخِرِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ الْبَيْدَاءِ، فَصَحَّ الْحَدِيثَانِ مَعًا، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ