الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
تمهيد
ويشتمل على مطلبين
المطلب الأول: مكانة السنة في التشريع
السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، سواء أكانت قولية أم فعلية أم تقريرية. وتعد السنة وحياً غير متلو. ويلحق بهذه الأقسام اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم على رأي أكثر العلماء فيما أقره الله سبحانه وتعالى عليه.
وعلاقة السنة مع القرآن الكريم في التشريع على ثلاثة أوجه:
أولاً: أن تكون موافقة له من كل وجه وحينئذ تكون مقررة ومؤكدة لما جاء في القرآن الكريم؛ مثل قول الرسولصلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس"(1) مع قوله تعالى {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاة} [سورة البقرة آية:110] . وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام} [سورة البقرة آية: 183] . وقوله تعالى {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [سورة آل عمران آية: 97] .
ثانياً: أن تكون السنة مبينة للقرآن الكريم؛ كأن تفصل مجمله وتوضح مبهمه وتقيد مطلقه وتخصص عامَّه. فمن أمثلة تفصيل المجمل قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} فقد أمر الله سبحانه وتعالى بإقامة الصلاة في القرآن مجملة، ولم يبين وقتها وكيفيتها وعدد ركعاتها وشروطها، فبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم
(1) صحيح البخاري ج 1/64، كتاب الإيمان، باب دعاؤكم إيمانكم رقم/8.
كل ذلك عملياً، وقال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"(1) .
ومن أمثلة توضيح المبهم قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [سورة الأنعام آية:82] . حيث وضح الظلم بأنه خصوص الشرك.
ومن أمثلة تقييد المطلق: قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} : [سورة المائدة آية:38] إذ اليد تطلق على الكف وعلى الساعد وعلى الذراع، فقيدت السنة هذا الإطلاق وبينت أن القطع من الكوع (2) .
ثالثاً: أن تأتي السنة بأحكام جديدة سكت عنها القرآن فلم ينص عليها. كالأحاديث الدالة على تحديد الرضعات المحرمة، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، والحكم بشاهد ويمين، وغير ذلك من الأحكام التي سكت عنها القرآن.
وإذا تبينت مكانة السنة في التشريع فبوحي الله تعالى ثبت ذلك، فقال تعالى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [سورة النحل آية:44] . وقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} [سورة النساء آية:105] .
فاستبعاد السنة من التشريع وإنكارها - مصدراً ثانياً بعد القرآن- هو رفض لوحي الله المتلو وغير المتلو.
(1) صحيح البخاري ج 1/153. كتاب الأذان. باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة. جزء من حديث رواه مالك بن حويرث.
(2)
أصول الفقه للمقدسي ج 1/ 329.
حجية السنة:
وحجية السنة نافذةٌ، وفرضيتها على المسلمين ثابتة، وطاعتها واجبة بمقتضى كثير من الآيات القرآنية منها قوله تعالى:} وَأَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سورة آل عمران آية:132] وقوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ َ} [النساء آية:59] . وقوله: و [سورة الحشر آية:7] وقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد آية: 33] .
ويكون الاحتجاج بالسنة بما صح من الأحاديث والعمل بها في كل شعب الإسلام عقيدة وشريعة.
وتقسيم السنة إلى متواتر وآحاد تقسيم حادث مخالف لما عليه منهج الصحابة والتابعين فقد كان منهجهم رضوان الله عليهم في رواية السنة والعمل بها والاحتجاج بها في كل أبواب الدين وشعبه، عقيدة وعبادة ومعاملة وسلوكاً.
وصاحب هذا التقسيم مفاهيم ضيعت أحكاماً بُنِيت على أخبار الآحاد، فكانت بداية إعلان رد أحاديث الآحاد والتقليل من أهميتها ودورها في التشريع الإسلامي، أو تضعيف العمل بها مع أنها أكثر السنة.
كما أن علماء الحديث - وهم أصحاب الفن وأولى من اعتمد قوله- لم يعرفوا هذا التقسيم في عهد الصحابة والتابعين، ولم يكن من صنيعهم، فالمعتبر في الحديث عن عامتهم هو ثبوته وصحته، وعلى هذا مدار القبول أو الرد سواء رواه الواحد أو الجماعة.
ومن هنا بدأ أعداء الإسلام التشكيك والطعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظنوا أنهم سيتوصلون إلى ذلك عن طريق زعزعة الثقة والتشكيك في صحة أخبار الآحاد، فوجدوا التفاوت الملحوظ في درجة نقل السنة النبوية: فمنها المتواتر، وهو الأقل عدداً، وغالبيتها العظمى أخبار آحاد، فعدُّوا هذه النسبة هي الثغرة التي تمكنهم مما أرادوا. ولكن هيهات لهم ذلك.
المطلب الثاني: بيان مصطلحات البحث:
من مقتضيات الدراسة المنهجية فَهْمُ مداخل الموضوع ومصطلحاته التي تحمل كل واحدة منها دلالتها الخاصة التي تعطي للموضوع بُعْدَه المميز، وبالتالي تحدد المفاهيم الأولية أو الكلية التي يراد بحثها.
البحث هو: "حجية أخبار الآحاد في العقائد والأحكام".
ويتكون من المصطلحات الآتية:
حجية: والحجية في اللغة مِنْ حجّ أي احتج على خصمه بحجة شهباء وبحجج شهب (1) . واحتج عليه: أي أقام الحجة مستنكراً فعله، وتحاجُّوا: تجادلوا. والحجة أي الدليل، والبرهان، وصك البيع، والعالم الثبت. (2) وقيل: الحجة والدليل واحد.
وفي الاصطلاح: ما دلَّ به على صحة الدعوى (3) .
والخبر في اللغة: بالتحريك واحد الأخبار، وهو ما أتاك من نبأ عَمَّنْ تستخبر، فيقال: خبَّره بكذا وأخبره نبأ. واستخبره: سأله عن الخبر، وطلب أن يخبره (4) .
وفي الاصطلاح: اختلف العلماء في حدِّ الخبر، فذهب بعضهم إلى أنه لا يحدُّ، والبعض الآخر إلى أنه يحدُّ. فذكر ابن الحاجب عن بعض أهل العلم أنهم
(1) أساس البلاغة /112.
(2)
المعجم الوسيط ج1/17.
(3)
التعريفات للجرجاني/112.
(4)
لسان العرب ج2/ 1090مختار الصحاح/131 القاموس المحيط 2/17.
قالوا: لا يحد لعسره، ويحتمل أن يكون لوضوحه؛ لأن توضيح الواضحات من المشكلات (1) .
والذين قالوا إنه يحدُّ اختلفوا في تعريفه:
فذهب الأصوليون إلى أن الخبر هوكلام يفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور نفياً أو إثباتاً (2) . وقيل هو "المحتمل للتصديق والتكذيب لذاته"(3) وقيل: هو "عبارة عن اللفظ الدال بالوضع على نسبة معلوم أو سلبها على وجه يحسن السكوت عليه من غير حاجة إلى تمام، مع قصد المتكلم به الدلالة على النسبة أو سلبها"(4) .
والخبر عند المحدِّثين: مرادف للحديث (5) ، والمراد بالخبر هنا ما أضيف إلى النبي صلى الله علية وسلم من قول أو فعل أو وصف.
الآحاد: في اللغة جمع أحد وهو بمعنى الواحد أول العدد مأخوذ من اسمه خبر رواه واحد عن واحد (6) ، فهمزة أحد مبدلة من واو، وأصلها "وحد" وأصل آحاد أأحاد بهمزتين أبدلت الثانية ألفاً؛ للتخفيف مثل آدم (7) .
وقيل الأحد لا يوصف به إلا الله سبحانه وتعالى لخلوص هذا الاسم له
(1) شرح مختصر بن الحاجب ج2/45.
(2)
المعتمد ج2/544.
(3)
الفروق للقرافي ج1/18.
(4)
الإحكام للآمدى ج2/9.
(5)
شرح نخبة الفكر لابن حجر/ 3.
(6)
لسان العرب ج 8/4779. القاموس المحيط ج 1/356، التعريفات للجرجاني/96.
(7)
القاموس المحيط ج 1/ 383.
وحده (1) وخبر الواحد هو ما يرويه شخص واحد. وإذا قيل للخبر آحاد فلأن رواته آحاد فهو إما من باب حذف المضاف أو تسمية الأثر باسم المؤثر مجازاً لأن الراوية أثر الراوي (2) .
والخبر مفرد وآحاد جمع وأضيف "الآحاد إلى الخبر، والمراد بخبر الآحاد عند الأصوليين: هو "مالم ينته إلى حد التواتر" (3) .
والمراد بخبر الواحد عند المحدثين: ما لم يتواتر سواء أكان من رواته شخص واحد أم أكثر (4) .
وذكر إمام الحرمين: أنه لا يراد بخبر الواحد الذي ينقله الواحد ولكن كل خبر عن جائز ممكن لا سبيل إلى القطع بصدقه ولا القطع بكذبه لا اضطراراً ولا استدلالاً فهو خبر الواحد وخبر الآحاد سواء نقله واحد أو جمع منحصرون، وقد يخبر الواحد فيعلم صدقه قطعاً كالنبي صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به عن الغائبات ولا يعد من إخبار الآحاد (5) .
العقائد: أي ما يتعلق بالعقيدة، والعقيدة ما يدين الإنسان به وله "عقيدة حسنة سالمة من الشك" واعتقدت كذا: عقدت عليه القلب والضمير حتى قيل العقيدة (6) .
(1) خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته ج 1/ 150. للقاضي.
(2)
نزهة الخاطر على روضة الناظر ج 1/ 260.
(3)
إرشاد الفحول / 47 شرح مختصر ابن الحاجب ج 2/655. البحر المحيط ج 4/ 255.
(4)
فتح الباري ج 9/ 15.
(5)
البرهان في أصول الفقه ج 1/ 583.
(6)
المصباح المنير ج 2/ 71.
والإنسان بحاجة إلى الدين، فآفاق دين الله واسعة وأموره كثيرة متنوعة وفي القرآن والسنة من أسرار الهداية ووسائل التوحيد والتربية والتقويم
ما تعالج به النفوس المضطربة والعقول الحائرة والقلوب المريضة، كما تعالج به قضايا الإنسان وأمور حياته، فيصير أطولَ وأسلسَ قيادة لتوجيهات شرع الله.
والعقيدة بكل جزئياتها لا سبيل إلى معرفتها والعلم بها إلا سبيل الخبر الصادق الصحيح ولقد أخبر الرسل عليهم الصلاة والسلام أممهم بأمور الغيب كلها عن طريق ما أوحى الله به إليهم. وقد أتم الله بناء النبوة بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله لهذه الأمة بشيراً ونذيراً وهادياً ورحمة مهداة مبلغاً لها عن الله وقد بلَّغها الدين كاملاً عقيدة وشريعة، وهو الصادق والمصدوق فيما أخبر به عن الله (1) .
والأحكام: جمع حكم، والحكم في اللغة: المنع ومنه قيل للقضاء حُكْم؛ لأنه يمنع من غير المقضي به. وحكمت عليه كذا: إذ منعته من خلافة (2) .
وفي الاصطلاح هو: "إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه" نحو زيد قائم، وعمرو ليس بقائم" وهو ينقسم بدليل الاستقراء إلى ثلاثة أقسام (3) :
حكم عقلي: وهو ما يَعْرف فيه العقل النسبة إيجاباً أو سلباً نحو: "الكل أكبر من الجزء" إيجاباً. أو "الجزء ليس أكبر من الكل" سلباً.
حكم عادي: وهو ما عرفت فيه النسبة بالعادة نحو، السيقمونيا مسهل
(1) خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته للقاضي برهون ج1/397.
(2)
المصباح المنير /145.
(3)
مذكرة في أصول الفقه للشنقيطي/10.
للصفراء.
حكم شرعي: وهو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع.
والمراد به هنا هو النصوص الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين، وليس المراد بالأحكام الواردة في عنوان البحث هي النصوص الشرعية وإنما المراد بها "الفروع الفقهية" أو الأحكام الشرعية العملية.
والبحث المقصود منه: ذكر الأدلة الصحيحة على كون خبر الواحد مقبولاً في العقائد والأحكام، أو البرهان على قبول خبر الآحاد في العقائد والأحكام الشرعية.